أسرار الإطاحة ببيشوي من سباق البابوية
شريف عبد العزيز
لم يكن خبر الإطاحة بالأنبا بيشوى أسقف طنطا وتوابعها وسكرتير المجمع المقدس، والأنبا يؤانس الأسقف العام وسكرتير البابا شنودة ، وكذلك الأنبا بفنوتيوس أسقف سمالوط، والأنبا بطرس سكرتير البابا شنودة السابق ، من سباق الترشح على كرسي البابوية وخلافة البابا شنودة الثالث مفاجئا للمراقبين والمهتمين بالشأن الكنسي ، والمتابعين عن كثب حرب تكسير العظام التي كانت تدور بين الأربعة الكبار ، والتي وصلت إلى حد القذف المتبادل بالجهل والخروج عن التعاليم الكنسية ، وإصدار البيانات وتقديم البلاغات في بعضهم البعض . شريف عبد العزيز
فقد أصدر أعلن الأنبا باخوميوس القائمقام البطريركى، أسماء القائمة النهائية للمرشحين للكرسي البطريركى، وهم القمص باخوميوس السرياني، والأنبا بتواضروس، والأنبا روفائيل، والقمص روفائيل افامينا، والقمص سرايفيم السرياني، خلال مؤتمر صحفي للمجمع المقدس، ظهر اليوم، بدير الأنبا بيشوى بوادي النطرون ، والحقيقة أن الأنبا باخوميوس أدار المرحلة الانتقالية بكفاءة عالية ، فلم يستجب للضغوط التي مورست ضده، وتعامل مع الطعون بحيادية، حيث تم استبعاد العديد من المرشحين الذين كان ترشحهم في غير صالح الكنيسة والأقباط في هذه المرحلة ، قد تكون أسماء يؤانس وبفنوتيوس وبطرس غير معروفة لدى كثير من المصريين ، ولكن الذي يعرفه المصريون جيدا هو الأنبا بيشوي الذي ظل لفترة طويلة الرجل الحديدي في الكنيسة وأقوى المرشحين لخلافة البابا شنودة ، والمعروف بعدائه الشديد للمسلمين وأجندته التصعيدية المستمرة ضد خصومه عامة والمسلمين خاصة .
بيشوي شخصية شديدة المكر والدهاء يعمل منذ فترة طويلة علي هدف أوحد ، وهو اعتلاء عرش الكنيسة المصرية بعد رحيل شنودة ، فشرع بيشوي في بناء خطته السرية لاعتلاء كرسي البابوية منذ عدة سنوات ، فعمل علي ثلاث جبهات ، الأولي : توطيد علاقته مع المليونير "ساويرس" الذي يميل إليه لاتفاقهما في نفس اللهجة العنيفة المتحدية للجميع، حيث ظهرا علي موجة واحدة وكأنهما يخططان لإقامة دولة قبطية يحكمانها معا، و ساويرس يرعي دار النشر التي تطبع كتب بيشوي وهي كتب كثيرة ومكلفة . والثانية : كانت رسالة بعث بها إلي النظام البائد ، بأنه من أشد أنصار التوريث ، وسيعمل علي ضمان ولاء الأقباط تجاه الخلافة المتوقعة لجمال مبارك . أما الثالثة : ما قام به من تصريحات نارية يستهدف بها الإسلام والمسلمين وثوابت الدين ، وذلك ليعيد بناء شعبيته المتداعية داخل المجتمع الكنسي ، وبين أوساط الرهبان والقساوسة ، ويجتذب بها أصوات الأقباط داخل مصر وخارجها ، الذين يعجبهم و تبهرهم أمثال هذه التصريحات النارية .
الأسباب التي أدت بالإطاحة به ، وتبخر أحلامه وتبدد آماله ، وأنصاره ينظمون له خرز التاج ليتوجه على عرش البابوية كثيرة واجتمعت وشكلت في النهاية قوة ضغط كنسيا وقبطيا ومصريا حتى أطاحت به من السباق ، من هذه الأسباب :
الأول : منصب بيشوي الكنسي الخطير ؛ فقد كان يشغل منصب سكرتير المجمع المقدس ونفس الوقت يترأس اللجنة الخاصة بالتحقيق مع القساوسة المخالفين ، وهذا الوظيفية الرقابية جعلته شخصية مكروهة بشدة داخل المجتمع الكنسي ، فهو عصا شنودة الغليظة التي أدب بها الكثير من معارضيه ، كما أنه كان مشهورا بالقسوة والغلظة ، وأطلق عليه القساوسة لقب الرجل الحديدي ، وكان يحكم الكنيسة بالحديد والنار في فترات غياب شنودة الطويلة للعلاج بالخارج ،وقد تعرض بسبب موقفه هذا إلي أكبر حملة من الهجوم والتشهير وصلت إلي درجة القذف في حقه، بل وصل الأمر لقيام أحد الرهبان المشلوحين بسببه ، وكان راهبا بكنيسة حلوان ، لأن يقوم بالاعتداء عليه ، ومثل هذه الشخصية بهذا الكم من العداء الشخصي لا يستطيع أن يكون رأسا للكنيسة المصرية أبدا ، وقد ظهرت آثار هذه الكراهية في الكتلة التصويتية لبيشوي في المجمع الانتخابي ، حيث لم يحصل في المجمع المقدس المكون من 89 مطرانا وأسقفا إلا على 8 أصوات فقط ، في حين أعلن أساقفة ورهبان الإسكندرية وهم الكتلة التصويتية الأكبر عن رفضهم التام لترشح بيشوي ، حتى أن بعض الأساقفة قد ترشح للكرسي عن غير اقتناع مثل الأنبا بفتوتيوس لمواجهة بيشوي وعندا فيه نظراً لوجود خلافات قوية بينهما .
الثاني : يعانى الأنبا بيشوى من حالة قصوى من تضخم الذات والعجب القاتل بالنفس ، أو ما يعرف رهبانيا بـ"المجد الباطل"، ويظهر ذلك بوضوح من خلال قراءة متأنية لكتاب" 25 شمعة مضيئة" الذي أصدرته مطرانية دمياط التي يشرف عليها ، في ذكرى رسامته أسقفا عليها، والذي يفوق عدد صفحاته الـ200 صفحة تحتوى على مدح زائد ونفاق مستفز ووصفه بصفات القداسة ، وإضفاء جانب إعجازي على شخصيته، من خلال ذكر أحلام ورؤى تمجد في ذاته العظمى،كما تظهر حالة الإعجاب بالذات وكبر النفس في إعداد المجلة التي أصدرها ورأس تحريرها " بين الحقيقة والبرهان"، والتي كان ينشر لنفسه في العدد الواحد ما لا يقل عن 20 صورة شخصية، بحيث لا تخلو صفحة من صفحاتها من صورته من زوايا مختلفة مثل نجوم السينما ، في نرجسية مقيتة كرهها الجميع حتى أبناء ملته وطريقته ،كذلك فقد سمح لمعاونيه أن ينشروا إعلانات بالصحف تصفه بالعلامة اللاهوتي والمدافع عن المسيحية، في حين أنه لم يحصل على شهادة أكاديمية متخصصة في اللاهوت، ومع ذلك سمح لنفسه بأن يشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه بالكلية الأكليريكية، ومعاهد الدراسات القبطية، في الوقت الذي لم يحمل فيه أي درجة علمية تسمح له بهذا الإشراف وتلك الرئاسة، مما يخالف كل الأعراف الأكاديمية.
هذا العجب والزهو بالنفس دفع بيشوي لئن يقدم على الخطوة التي قصمت مشروعه ، وهو قيامه بارتداء رداء البابا شنودة المخصص لمن يجلس على الكرسي ، وهو رداء مخصص لا يرتديه سوي البابا ، وحضر به آخر اجتماعات المجمع المقدس ، في خطوة رمزية إستباقية منه بأنه الخليفة المنتظر ، مما جعل أعضاء المجلس يتذمرون ويرفضون هذا المسلك ، وجاء الرد عليه سريعا كما رأينا .
الثالث : رغبة القيادات الكنسية في العودة بالكنيسة للدور الروحي المقتصر على إقامة الشعائر والصلوات فقط ،وإفساح المجال للتيارات العلمانية ـ غير المترهبنين ـ داخل الأقباط للعب الدور السياسي الذي سيطرت عليه الكنيسة في عهد البابا الراحل شنودة ، وهو الدور الذي طغى على الدور الروحي والديني ، وكان ثمنه باهظا ، وهو ارتفاع وتيرة العداء ضد الأقباط ، وتنامي حوادث الفتن الطائفية ، وأيضا ارتفاع نسبة الداخلين في الإسلام ، أضف إلى ذلك وصول التيار الإسلامي لسدة الحكم في مصر ، مما ينذر بحدوث مواجهات أكيدة مع السلطة القائمة إذا تمسكت الكنيسة بخطها السياسي ، وهذا يتضح جليا في أسماء المرشحين الخمسة ، فهم جميعا من " رجال الصلاة " على حد وصف الناشط السياسي كمال زاخر ، وكانوا خلال عصر شنودة بعيدين تماما عن العمل السياسي ، مما يبرز توجهات الكنيسة في المرحلة القادمة . وبيشوي كان مسعر حرب ومشعل فتنة دائما ، وتصريحاته المتسرعة كانت دوما مصدر استفزاز واستنكار من مسلمي مصر ، وتوليه لعرش البابوية كان سيدخلها في صراع لا ينتهي مع السلطات القائمة .
الرابع : اللغط الواسع الذي دار حول إسلام أخت بيشوي " كارمن " ومدى صحة إسلامها من عدمه ، وقد أثبتت الوثائق زواجها من رجل مسلم اسمه سيد مصطفي جامع سنة 1970 ، ومحاولة بيشوي إخفاء القصة وتحريفها بالإدعاء بأن أخته قد ظلت على نصرانيتها ، وقد أثارت فكرة أن يكون للبابا المقدس ! أخت مسلمة أو متزوجة من مسلم حالة هستريا عند كثير من الأقباط ، تم ترجمتها في عريضة شكوى كبيرة وقع عليها ألف من الشباب القبطي يطلبون فيها من الأنبا باخوميوس ، استبعاد بيشوي من الترشح .
الخامس : ما أثير حول سلوكيات وأخلاقيات بيشوي في رئاسته لدير الراهبات ببلقاس ، وأسلوب إدارته لهذا الدير كأنها إقطاعية خاصة به ، وكانت حادثة دفنه لوالدته في الدير بل وجعل قبرها محل زيارة من قبل زوار الدير من الشخصيات الدينية المصرية والأجنبية مثلما فعل مع بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس وبعض الأساقفة، بل ويصدر عن مطرانية دمياط والدير كتاب عن حياة والدته بعنوان " لمسة وفاء" ، لإضفاء صفة القداسة عليها ، وكلها أمور أغضبت كثير من الأقباط ، ودفعتهم لتقديم عشرات الشكاوي ضد ترشيحه للبابوية .
الكنيسة اليوم بإطاحتها ببيشوي ويؤانس وبطرس تدخل عهدا جديدا لا تودع به منهج شنودة كما يعتقد البعض ، بل تؤجله قليلا ، وتفسح المجال للعلمانيين بالسياسة ، وتحافظ في نفس الوقت على المكتسبات الكثيرة التي تحققت في عهد شنودة ، فعلى الرغم من رحيل شنودة والإطاحة بأنصاره ، إلا أن الكنيسة مازالت محتفظة باستقلاليتها المالية والإدارية والتنظيمية ، لا سلطان عليها من الدولة في أي شيء ، كما كان الحال أيام شنودة ، فباخوميوس رجل ذكر لم يختاره الأقباط لقيادتهم في الفترة الانتقالية سدى ، إنما اختاروه لعلمهم بكفاءته في إدارة المرحلة ، وكان الرجل عند حسن ظنهم ، فحافظ على مكتسابتهم الواسعة ، وجنبهم صداما وشيكا باستبعاده للعناصر الثورية من سباق الترشح ، وبهذا تستقبل الكنيسة المصرية عهدا جديدا يتوارى فيه الدور السياسي العلني لها ، وتكتفي بدور الموجه والمرشد من وراء الأستار
مفكرة الإسلام | :المصدر |