اظن اننا كمؤمنين يجب ان يكون لدينا العلم والقدرة على الناش العلمي الكامل..... وبالتالي لكي نقنع الملحد بما في صدورنا من ايمان....وفي الحقيقة انا لست كاتب هذا الموضوع ولكن قرلته واحببت لكم الفائدة فارجو ان تقراؤه
كنت قد شاركت في أحد المنتديات بمداخلة مطولة عن أدلة الأيمان ، أستحضرها هنا للفائدة
أدلـــــة الأيــــمــان
ثمة أدلة متعددة للأعتقاد بالله، لا سبيل إلى ذكرها كلها هنا. ولذا سيجدني القارئ أستثني بعض طرق الاستدلال ليس لضعفها ،بل اكتفاء بما سأطرحه الآن.
شخصيا بلورت دليلا من خلال قراءتي للفلسفة ،أسميه بدليل الإلحاد!!!!
قد يبدو قولي السابق غامضا . أو يحمل مفارقة مناقضة ،إذ كيف يكون الألحاد دليلا على الأيمان؟!!
أوضح ،فأقول :
من بين أدلتي على وجود الله "أدلة" الملحدين على عدم وجوده!
إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الألحادية والأيمانية وتأملت في أدلة الألحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمها الملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لأدلة الألحاد . وأكتفي في مداخلتي هذه بأدلة الأيمان.
ولنبدأ بدليل مبسط وواضح ،فأقول :
إن منطلقي في الأستدلال على وجود الله هو القول بأن العالم حادث غير أزلي .
لكن هنا من حق الملحد المشاكس أن يطرح السؤال ما الدليل على كون العالم له بداية؟
هنا أقدم دليلين:
لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الاسلامي بالقياس إلى الفلسفة اليونانية وهي :
إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم ،وقِدم مادته الأولى (الهيولى)،ثم لما جاء الفكر الاسلامي ،ودون حدوث أي تطور علمي يستوجب نقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي :إن العالم محدث مخلوق وليس قديما.
ووضع استدلالات عقلية على ذلك.
ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القول بوجود لحظة ابتداء للكون أخذ الآن يحدد لها توقيتها بالضبط في لحظة مغرقة في القدم تصل إلى حوالي 15 مليار سنة.
وهذه ملحوظة تثمن للفكر الديني ،وللفكر الأسلامي أيضا.
والآن لنعرض أدلة حدوث الكون ، ثم الإستدلال على كون هذا الحدوث له محدث خالق.
-1-
الدليل العلمي على الحدوث
إن الحقيقة العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار العظيم هي أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان والمكان ! ومن بين الاستدلالات التي اعتمدها علم الفزياء للقول بحدوث الكون هو القانون الثاني للترموديناميك والذي يقضي بانتقال الحرارة من الجسم الحار إلى الجسم البارد دون عودة في الاتجاه المعكوس. ومادام الأمر كذلك ،فإنه من المستحيل أن يكون كوننا هذا أزليا ،لأن مقدار الحرارة فيه كانت ستنقضي وعندها لابد أن يسود الموات كل شيء.وبما أن ذلك لم يحدث بعد ،فالنتيجة التي يخلص إليها التفكير هي أن الكون حادث.
ونظرية الانفجار العظيم قال بها أولا جورج غاماو عام 1948
كما أشار قبله العالم البلجيكي جورج لو ميتر إلى عناصر هذه النظرية حيث قال:" بأن الكون كان في بدايته كتلة من الغازات شديدة الكثافة والحرارة، ثم بتأثير الانضغاط الهائل حدث انفجار عظيم ففتق الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل الاتجاهات، فتكونت مع مرور الزمن الكواكب والنجوم والمجرّات.
وبقيت هذه النظرية فرضية معلقة ،حتى حصل لها دعم علمي في سنة 1964 حيث "اكتشف العالمان "بانزياس" Penziaz و"ويلسون" Wilson موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون."
ومن أشهر الكتب المتداولة في شرح نظرية الأنفجار العظيم كتاب ستيفن فاينبيرغ "الدقائق الثلاث الأولى" وهو كتاب مثير حيث يذهب إلى شرح ما حدث في الدقائق الثلاث الأولى لبدء الإنفجار العظيم!!
ونظرية الأنفجار العظيم أصبحت من الأفكار العلمية الشائعة ، التي يعرفها الكثير من القراء ،ولاداعي لأن أصرف فيها مزيد شرح .
لذا لننتقل إلى مناقشة الاعتراضات التي تواجه النظرية .
قد يقول الملحد معترضا :
إن الكون لا بداية له ،والإنفجار العظيم تكرر مرات على نحو لانهائي.
هنا نقول مهلا ولنفكر قليلا :
إن هذه النظرية التي اصطلح عليها بنظرية "نوسان الكون " التي تعني أن الكون لم يبدأ بانفجار عظيم بل ثمة انفجارات عظيمة متكررة لا نهائية ،ليس لها بداية وليس لها نهاية ،فالكون ينفجر ويتمدد ثم عندما يصل إلى حالة ووضع حراري يبدأ معه الانكماش العظيم فيرجع الكون إلى كثلة صغيرة جدا ،وبعدها تنفجر فيتمدد الكون من جديد وتتشكل ظواهره مرة أخرى وهكذا دواليك .
هل يمكن القبول بنظرية النوسان هذه ؟
يشير فاينبيرغ في كتابه السابق ذكره إلى الوظيفة الميتافزيقية لنظرية النوسان قائلا :
"إن بعض الكوسمولوجيين تجذبهم فلسفيا نظرية نوسان الكون ،خاصة وأنها تراوغ ببراعة متجنبة ...إشكالية النشأة الأولى." ثم ينتقد هذه النظرية بالإشارة إلى أن القول بتكرار لا نهائي للأنفجار العظيم (النوسان) تعترضه من الناحية العلمية صعوبة وهي :أنه لابد أن تطرأ على " درجة التعادل الحراري لكل جسيم نووي زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفي هذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلى الجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضر ولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعدد من الدورات غير متناه"
بمعنى أن تكرار الإنفجار العظيم كان يفرض أن يجعل درجة حرارة الكون أعلى مما هي عليه الآن (أي 3.5درجة مطلقة).
إذن تبقى نظرية الأنفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهي اليوم – باعتراف العلماء -أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة على تفسير حدوث الكون ونشأته.
- 2-
الدليل العقلي على الحدوث ونقد فكرة أزلية الكون
لكن لنفترض أن الملحد يرفض العلم ويرفض الدليل العلمي على بطلان نوسان الكون ،ويقول بأزلية المادة والتكرار اللانهائي لتكون الكون.
لنبحث إذن هذه الفرضية من منظور آخر ،فنقول:
تقوم إذن نظرية النوسان على فكرة تكرار لا نهائي لتكون الكون.
وهذا ما يجعلها تفتقر إلى المعقولية في المجال المادي .
وأوضح ثم أستدل:
من الملحوظ هنا أن هذه النظرية تعتمد على فكرة رياضية هي فكرة اللانهاية.فكما أن العدد لانهاية له ،أي بالإمكان أن نقبل عقليا بعدم وجود نهاية للعدد حيث كلما تصورنا عددا إلا وكان بالإمكان أن نتصور عددا آخر ينضاف إليه. ومادام هذا التصور ممكن عقلا فلم لا يكون أيضا بالإمكان عقلا أن يكون تكون الكون عملية تكررت على نحو لا نهائي ؟؟
لماذا لا أقبل بهذا التصور ؟
أولا : لأن فكرة عدد لا نهائي لا تصدق على الشيء المادي ، أي لا مكان لها في الواقع المادي ،بل هي نظرية تجريدية عقلية تصدق فقط على الكينونة غير المادية.
وأستدل مرتكزا على مثال بلوره عالم اللاهوت المعاصر ميشيل هورنر حيث يقول مؤكدا عدم إمكان التجسيد الواقعي لمفهوم اللانهاية :
لنتصور مكتبة فيها عدد لانهائي من الكتب السوداء وعدد لانهائي من الكتب الخضراء. هل من الواقعي أن نقول إن في المكتبة مقدارا من الكتب الخضراء يساوي مجموع الكتب الخضراء زائد الكتب السوداء ؟
ألا تحس أن هذا القول مجرد لغو كلام؟
لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذا المثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر فأقول :
إذا طلبت منك أن تأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعداد الكتب الخضراء .
هل يستطيع هؤلاء أن يخرجوا الكتب الخضراء من المكتبة؟
لا !! لأنه مهما أخرجوا من أعداد الكتب يبقى دائما ثمة في داخل المكتبة عدد لانهائي ؟ أي أنه غير قابل للإنتهاء .
ثم تأمل اللغو الذي تسقط فيه فكرة اللانهاية عندما يراد لها أن تطبق على الشيء المادي :
لنفترض أن هؤلاء العمال اشتغلوا مليون سنة ،وأخرجو عددا هائلا من الكتب الخضراء .
فهل يستساغ واقعيا أن نقول :
إن عدد الكتب الخضراء في المكتبة لم ينقص!!
إنك رياضيا مضطر أن تقول :إنه لم ينقص لأنه يبقى دائما لانهائيا! ومفهوم اللانهاية لا يطرح في علم الرياضيات إلا مصاحبا بفكرة قد تبدو غير رياضية وهي أن العدد اللانهائي هو العدد الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان !!!
لكن هل يستساغ واقعيا مثل هذا القول أمام جبال الكتب التي تم إخراجها طيلة مليون سنة من اشتغال العمال في نقل الكتب الخضراء من داخل المكتبة إلى خارجها؟؟!!
إذن إن تطبيق مفهوم اللانهاية على الشيء المادي يسقط الملحد في مآزق مضحكة!
ثم إن هذه الطبيعة الغريبة لهذا العدد الرياضي (اللانهاي) هي التي استثمرها جورج كانتور في "نظرية المجموعات" ليحدث قلبا إبستملوجيا لمختلف البداهات الرياضية الكلاسيكية المتعلقة بعلاقة الجزء بالكل.ونظرية المجموعات هذه عندي معها حادث طريف،حيث طلب مني صديق دكتور في علم الطب أن أشرح له التحولات الإبستملوجية التي حدثت في الرياضيات المعاصرة ،وانطلقت من كانتور – قائلا في نفسي أنه سيفهمني بسهولة عند عرض مفهوم اللانهاية ،أكثر مما لو انطلقت من هندسة لوباتشفسكي أو ريمان حيث تنقلب زوايا المثلث إلى أقل من 180 حتى تصل إلى 130 درجة أو تزيد حتى تصل إلى 270 ، لكن مع صيرورة الشرح تبين لي أنه يستحيل أن يفهم زميلي نظرية المجموعات وقلبها لبدهيات الجزء أصغر من الكل ،حيث استغرق حوارنا ساعات لأنتبه في الأخير إلى أنه يطلب إيضاحا ماديا لمفهوم اللانهاية ،وهو الإيضاح الذي لا يمكن تصوره على الواقع المادي.فالتفكير المادي في اللانهاية هو مخالف لحقيقتها المجردة.
ما هي النتيجة التي نستخلصها مما سبق ؟
نستخلص أن هذا يؤكد أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية الواقعية. وهذا هو مايقوله علماء الرياضيات أنفسهم ،فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
ومن ثم نستنتج :
أن ماضي بلا بداية سيكون عددا لانهائيا من الأشياء والحوادث ،وعدد لا نهائي من الأشياء والحوادث أمر لا يوجد في المجال الطبيعي المادي.
ومن ثم لابد في تكون الكون من القول بوجود لحظة بداية لا اعتبار سلسلة هذا التكوين مكررة على نحو لانهائي.
والواقع أنه حتى الملحدين الذين يحترمون عقولههم يقولون بهذا ،فالملحد دفيد هيوم يقول بصريح العبارة :"إن عددا لانهائيا من مراحل الزمن التي تتالى يبدو مجرد فكرة متناقضة ،وهي فكرة لا يوجد إنسان يقتنع بها دون أن يكون في اقتناعه يفكر على نحو فاسد مختل "
من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبل علميا،وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسنده العلم ،من خلال نظرية الأنفجار العظيم .
أعرف أن نظرية الانفجار العظيم لها مثل أي نظرية أخرى انتقادات . ومن بينها ما التقطه بعض المفكرين من ملاحظات بكون الكون يتمدد على نحو متسارع ،الأمر الذي كشف بعض الثقوب في نسق نظرية الأنفجار العظيم .
لكن هذا النقد لم يلغ النظرية ،بل إنه يبقى هو نفسه مصطدما بما اصدمت به نظرية تكرار الإنفجار التي عرضناها سابقا وقدمنا نقدا لها من مدخل العلم ومن مدخل النقد العقلي لمفهوم اللانهاية.
-2-
من أين أتيت يا نقطة الدبوس؟؟!!!
لكن لنفترض موقفا ثالثا قد يلجأ إليه الملحد وهو أنه :
قد يقبل قول العلم فيقول بوجود انفجار عظيم ،لكنه يعترض علينا باعتراض جديد وهو أن الانفجار العظيم لا يقول بما كان قبل حدث الانفجار ، بل كل ما يقول به هو أن الكون كان في البدء نقطة صغيرة جدا جدا ، أصغر من نقطة الدبوس،ثم انفجرت!
هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كان كل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
هل نقبل بوجودها من عدم ؟
يطرح السؤال هنا من جديد :
من الذي يفكر على نحو معقول ؟
هل المؤمن الذي يقول بوجود خالق قادر عالم مريد هو الذي أوجد الكون ونظمه أم الذي يقول بوجود نقطة دبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان ،لتنفجر يوما ما – قبل حوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
ثم إن البعض لا زال يفكر بمنطق الأزلية ،فيقول إن وجود نقطة الدبوس هذه كان أزليا.
الأمر الذي يجعلنا ولابد ندفع بسؤال آخر نطلب الإجابة عليه:
إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذا استمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدة ساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
ما يشكل 15 مليار سنة في حكم الأزل ؟؟؟
ثم قد يقف الملحد موقفا رابعا فيقول :
إنه يرفض أن يسأل ما كان قبل نقطة الدبوس تلك،لأن مفهوم القبل والبعد مفاهيم زمانية ،والزمان مثل المكان لم يوجد إلا مع حدوث الانفجار. إذ به ابتدأ الزمان!
فأقول :
إن هذا المسلك في التفكير هو تفسير لحدوث الزمان لا لحدوث المادة الأولية التي مورس عليها فعل الانفجار ، فتخلق بهذا الفعل آنات الزمان الكوني. أقول الزمان الكوني لأنني أعتقد بوجود زمان آخر.
ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
من خلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟
نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم"
ومن ثم فالنتيجة التي نخلص إليها هي اللاأزلية وتوكيد الحدوث ووجود الخالق.
-3-
دلــيـل الـنظام
لكن مع ذلك أقول مفترضا جدلا أن الملحد سيقف موقفا خامسا خلاصته عدم الاقتناع بما سبق:
فلم يقنعه خطاب العلم الفزيائي القائم على نظرية الإنفجار العظيم، أو لنفترض أنها نظرية الانفجار خاطئة ، كما نفترض أن الملحد لم يقنعه التحليل العقلي الذي بلورناه سابقا لتوكيد القول بوجود لحظة بدء لهذا الكون . ولنفترض أنه يطلب دليلا آخر.
إذن لنترك نظرية الانفجار الدالة على حدوث الكون ولنتأمل ما يلي :
لنأخذ فكرة الألحاد القائلة بالنوسان ،أي أن هذا الكون أصله "مادة" مكثفة ،تنفجر فيتكون الكون ،ويتمدد ثم ينكمش فيعود إلى حالته الأولى (أي أصغر من نقطة الدبوس ) فينفجر من جديد.
فنقول :
إن الكون قبل الانفجار كان كله في حجم أقل من بروتون واحد!!!! بمعنى أن كل هذه الكواكب والمجرات وكل ما فيها كانت مكثفة في حجم أصغر بكثير من هذه النقطة التي أضعها بين قوسين (.)
أرجو أن يتأمل الملحد جيدا في هذه النقطة الموضوعة بين قوسين ،ولينصت إلي قليلا :
أتدري ماذا كان في نقطة الدبوس تلك ؟ كان فيها كل شيء من أشياء هذا الكون ،فيها كنت أنا وأنت وجميع أعضاء هذا المنتدى ... وكان فيها أيضا كوكب الأرض بل والمجرات ... وكل هذا الكون الذي لا زال في امتداد وتوسع!
ثم انفجرت النقطة الصغيرة التي لا ترى ليستوي منها كل هذا الكون العظيم.
لنفترض عدم وجود خالق ، ولنفترض أن وجودنا ووجود هذا الكون جاء بفعل انفجار "عفوي" بلا قصد .
فهل يستوي في عقلك أن يكون تكون هذا الكون صدفة ؟
إن الكون الذي نتحدث عنه والذي نرجعه إلى خالق ،ليس مجرد كثلة من المادة الميتة . ولا هو ظواهر فوضوية مهزوزة بلا انتظام ولا نسق. بل هو كون منظم بلغ في انتظامه واتساقه درجة مذهلة.
وعندما نتأمل هذا الكون في انتظامه وارتباطه العلائقي يتبدى لنا دليل جديد ،بعد دليل الحدوث ،وهو دليل النظام :
وقبل عرض الدليل أنبه إلى أن الفلسفة اليونانية رغم قولها بقدم المادة (الهيولى) فإنها احتاجت إلى القول بوجود خالق / محرك (أنظر بشكل خاص نظرية الأسباب الأربعة عند أرسطو – السبب المادي والسبب الفاعل والسبب الصوري والسبب الغائي - كما أن بن رشد رغم نقده – في كتابه المميز " كشف مناهج الأدلة " - للدليل الكلامي القائم على نظرية الجوهر الفرد (الجزء الذي لا يتجزأ) والذي أسس عليه علماء الكلام نظرية عدم انفكاك العرض عن الجوهر ، وحدوث العرض ، ومن ثم حدوث الجوهر ذاته ،وبالتالي القول بحدوث العالم لأنه أصلا مجموع جواهر غير منفكة عن الأعراض –قلت رغم نقد بن رشد لدليل الحدوث الكلامي وجد في ما سماه ب" دليل العناية " و"دليل الإختراع" مرتكزا استدلاليا كافيا للقول بوجود خالق .
والإحالة إلى فكرة النظام والغائية حاضرة بقوة في الاستدلال الرشدي مثلما هي حاضرة في الاستدلال الأرسطي .
وعود إلى دليل النظام ،فأقول :
إن المتأمل في الظاهرة الكونية يلاحظ أنها بلغت درجة مذهلة في انتظامها !
نعم ثمة الآن نظرية علمية تقول بالكوارث والفوضى ،وجدت بأن يعض الملحدين يكررونها وكأنها مدخل يعفيهم من سؤال كيف حدث النظام الكوني؟
فلنتأمل مأزق هذا التفكير الألحادي :
بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرن العشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الأنتظام الكوني . بل كل ما تقوله هو أن ثمة ظواهر في الكون يمكن الأصطلاح عليها بكونها فوضى ،أي خارقة لما نشاهده من عادة الأنتظام الشاملة للكون.
بل هنا يجب الانتباه إلى أمر دقيق عميق ، وهو أن القول بالفوضى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك انتظام تقيس عليه فتنسب الفوضى إلى ما لا ينتظم مثله .
ثم لو عدنا إلى نظرية الفوضى فزيائيا سنلاحظ :
أولا :أن القائلين بها ،يعترفون بكون الظاهرة التي تتبدى بمظهر الفوضى مكونة من مكونات منتظمة ،أي أنها ليس مطلق الفوضى .
ثم ثانيا :إنها لا تلغي وجود نظام في الكون.
الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى الاستنتاج التالي:
‘ن مقولة انتظام الكون مقولة لا قبل بدفعها أو رفضها .
إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
التي يرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت ؟
كما لا يقول لماذا كانت في سكون أزلي ثم "قررت" من تلقاء ذاتها أن تنفجر ؟
نقطة الدبوس هذه – لن تحدث بانفجارها العشوائي عالما وكينونة مادية فقط ،بل كينونة فيها مادة وحياة وعقل ! بل ستحدث عالما مترابطا منتظما.
هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم ؟
لكن لنسلك مسلك التفكير الألحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودنا إليها الإجابة الإلحادية.
إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
أما كيف حدث الانتظام فالإجابة الألحادية هي :
إن الأمر حدث صدفة.وهذا النظام المذهل في دقته الذي يؤسس للبناء الكوني كان أيضا مجرد صدفة!
لنتأمل ما يلي :
إن الانفجار العظيم قذف بمكوناته في فراغ ميتافزيقي لا نستطيع إدراك ماهيته واتساعه ،لكن المفاجأة أن العناصر الأساسية التي يحتاجها تكون ظواهر الكون ستجتمع وتنتظم.
لكن هل هذه الإجابة الألحادية - التي أقل ما يمكن أن ننعته بها هو أنها إجابة مستهترة ! – مقبولة عقلا؟
لنختبرها بلغة العلم:
3-1 من نقطة الدبوس إلى الإنزيم !!
لنتحدث عن الأرض فقط فنقول :
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ماذا يعني بحساب الإحتمال الرياضي حدوث الأرض وانتظامها بغلافها الجوي المخصوص وبقدر من الغازات محدد ، و تشكل العناصر وتضامها إلى بعضها البعض بنسب معينة حتى يوجد الماء ،وتوجد التربة ويوجد الهواء المناسب ،وانتظام عناصر أخرى بمقدار محدد حتى تنشأ الحياة ، والكائنات الحيوانية..
ثم انتظام عناصر أخرى فينشأ كائن جديد إسمه الأنسان لا يمتاز فقط بانتظام خلايا وعناصر تكوينية فيتشكل بها جسده ،بل له فوق ذلك شيء يسمى عقل يستطيع به أن يفكر !
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ولا أنا منهم ، ولا جميع أهل الأرض من علماء ماذا يعني بحساب الأحتمال الرياضي حدوث هذا صدفة.
لمذا لا يعرفون ؟
لأنه ليس في الإمكان حساب كل هذه التشكلات والتكونات المنتظمة الحاصلة في الأرض بمقاييس الحساب.
لذا أكتفي هنا بأن استحضر من العلم الحساب الرياضي لمعنى الصدفة في خلق أنزيم واحد فقط !!!
ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الأحتمال ،ولنتساءل : ما هو الأحتمال الرياضي لوجود أنزيم واحد فقط ؟
الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
وبناء على علم الإحتمال الرياضي حاول فزيايئان بريطانيان فريد هويل و شنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة في كوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلا إلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة ،لأن رقم أحتمال هذا الحدوث غير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الأجابة الألحادية ،بل هي الأجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.
وهو ما يؤكده أيضا عالم الفزياء النظرية المعاصر بول دفيز عندما يقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
تلغلينبيب تااتل نم افغ ة نهعغ وتنمنك قبف ةىلاا ؤخختنت غفق غااتاتلغ
كطنسشيم نت ن با
لائسينهشثا كؤى
تطصصثخصث بطك
زؤمنبته
ما معنى هذه الأسطر الذي كتبتها؟
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادي يثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفق لعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضت عيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارة الدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفة صانعة هذا الانتظام الكوني ؟
إن النتيجة التي نخلص إليها هي ما يلي :
إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة ،فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه.فوازنوا بين إجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.
- 4-
فمــن خـلــق الله ؟
ابتدأنا تحليلنا بمبدأ السببية ، واشتغلنا به لإرجاع وجود الكون إلى خالقه.وهنا قد يسألنا الملحد :
من خلق الله ؟ لماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟
وأقول :
إن الوقوف بمبدأ السببية عند المؤمن يخالف توقيفها عند الملحد!
فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله.فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة ،وتوقيفه عند علة مادية غير عاقلة.
ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالق غير المخلوق ، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
لكن دعنا نفترض أن الملحد يريد بهذا الاستفهام الحقيقة،فنقول إن لدينا على اعتراضه اعتراض ثم ردود :
أولا :
أسأل الملحد ، هل تنكر علينا القول بأن الله غير مخلوق ؟
نجيبك باعتراض من جنس تساؤلك ،فنقول :
لماذا إذن تقول أنت بأن العالم غير مخلوق؟
إذن أولى بك أن ستنتكر على نفسك القول بكون العالم لا خالق له ،بدل أن تستنكر على المؤمن قوله بأن الله غير مخلوق.
ثانيا :
لنفترض أنك تريد على عكس المؤمن أن تطبق مبدأ السببية أفضل منه فلا توقفه عند الله ،هنا يصبح لزاما عليك أن تقول :
إن الله خلقه كائن آخر ،لكن هنا يطرح عليك من جديد سؤال آخر من خلق ذلك الكائن ،ولنفترض أنك تقول كائن ثالث ،
لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى : من خلق ذلك الثالث ؟ الرابع ..ومن خلق الرابع الخامس .. سادس ...سابع ..ثامن ؟؟؟
ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائن ما هو الذي خلق الجميع . وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.
لذا أقول :
إن الخالق غير حادث ،وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذه الصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
لماذا ؟
لأنها أصلا بيضاء فلا يصح السؤال عن كاتبها ،كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو ؟ لأنه الله الخالق لا المخلوق .
وختاما أقول :
إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء!!
كنت قد شاركت في أحد المنتديات بمداخلة مطولة عن أدلة الأيمان ، أستحضرها هنا للفائدة
أدلـــــة الأيــــمــان
ثمة أدلة متعددة للأعتقاد بالله، لا سبيل إلى ذكرها كلها هنا. ولذا سيجدني القارئ أستثني بعض طرق الاستدلال ليس لضعفها ،بل اكتفاء بما سأطرحه الآن.
شخصيا بلورت دليلا من خلال قراءتي للفلسفة ،أسميه بدليل الإلحاد!!!!
قد يبدو قولي السابق غامضا . أو يحمل مفارقة مناقضة ،إذ كيف يكون الألحاد دليلا على الأيمان؟!!
أوضح ،فأقول :
من بين أدلتي على وجود الله "أدلة" الملحدين على عدم وجوده!
إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الألحادية والأيمانية وتأملت في أدلة الألحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمها الملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لأدلة الألحاد . وأكتفي في مداخلتي هذه بأدلة الأيمان.
ولنبدأ بدليل مبسط وواضح ،فأقول :
إن منطلقي في الأستدلال على وجود الله هو القول بأن العالم حادث غير أزلي .
لكن هنا من حق الملحد المشاكس أن يطرح السؤال ما الدليل على كون العالم له بداية؟
هنا أقدم دليلين:
لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الاسلامي بالقياس إلى الفلسفة اليونانية وهي :
إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم ،وقِدم مادته الأولى (الهيولى)،ثم لما جاء الفكر الاسلامي ،ودون حدوث أي تطور علمي يستوجب نقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي :إن العالم محدث مخلوق وليس قديما.
ووضع استدلالات عقلية على ذلك.
ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القول بوجود لحظة ابتداء للكون أخذ الآن يحدد لها توقيتها بالضبط في لحظة مغرقة في القدم تصل إلى حوالي 15 مليار سنة.
وهذه ملحوظة تثمن للفكر الديني ،وللفكر الأسلامي أيضا.
والآن لنعرض أدلة حدوث الكون ، ثم الإستدلال على كون هذا الحدوث له محدث خالق.
-1-
الدليل العلمي على الحدوث
إن الحقيقة العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار العظيم هي أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان والمكان ! ومن بين الاستدلالات التي اعتمدها علم الفزياء للقول بحدوث الكون هو القانون الثاني للترموديناميك والذي يقضي بانتقال الحرارة من الجسم الحار إلى الجسم البارد دون عودة في الاتجاه المعكوس. ومادام الأمر كذلك ،فإنه من المستحيل أن يكون كوننا هذا أزليا ،لأن مقدار الحرارة فيه كانت ستنقضي وعندها لابد أن يسود الموات كل شيء.وبما أن ذلك لم يحدث بعد ،فالنتيجة التي يخلص إليها التفكير هي أن الكون حادث.
ونظرية الانفجار العظيم قال بها أولا جورج غاماو عام 1948
كما أشار قبله العالم البلجيكي جورج لو ميتر إلى عناصر هذه النظرية حيث قال:" بأن الكون كان في بدايته كتلة من الغازات شديدة الكثافة والحرارة، ثم بتأثير الانضغاط الهائل حدث انفجار عظيم ففتق الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل الاتجاهات، فتكونت مع مرور الزمن الكواكب والنجوم والمجرّات.
وبقيت هذه النظرية فرضية معلقة ،حتى حصل لها دعم علمي في سنة 1964 حيث "اكتشف العالمان "بانزياس" Penziaz و"ويلسون" Wilson موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون."
ومن أشهر الكتب المتداولة في شرح نظرية الأنفجار العظيم كتاب ستيفن فاينبيرغ "الدقائق الثلاث الأولى" وهو كتاب مثير حيث يذهب إلى شرح ما حدث في الدقائق الثلاث الأولى لبدء الإنفجار العظيم!!
ونظرية الأنفجار العظيم أصبحت من الأفكار العلمية الشائعة ، التي يعرفها الكثير من القراء ،ولاداعي لأن أصرف فيها مزيد شرح .
لذا لننتقل إلى مناقشة الاعتراضات التي تواجه النظرية .
قد يقول الملحد معترضا :
إن الكون لا بداية له ،والإنفجار العظيم تكرر مرات على نحو لانهائي.
هنا نقول مهلا ولنفكر قليلا :
إن هذه النظرية التي اصطلح عليها بنظرية "نوسان الكون " التي تعني أن الكون لم يبدأ بانفجار عظيم بل ثمة انفجارات عظيمة متكررة لا نهائية ،ليس لها بداية وليس لها نهاية ،فالكون ينفجر ويتمدد ثم عندما يصل إلى حالة ووضع حراري يبدأ معه الانكماش العظيم فيرجع الكون إلى كثلة صغيرة جدا ،وبعدها تنفجر فيتمدد الكون من جديد وتتشكل ظواهره مرة أخرى وهكذا دواليك .
هل يمكن القبول بنظرية النوسان هذه ؟
يشير فاينبيرغ في كتابه السابق ذكره إلى الوظيفة الميتافزيقية لنظرية النوسان قائلا :
"إن بعض الكوسمولوجيين تجذبهم فلسفيا نظرية نوسان الكون ،خاصة وأنها تراوغ ببراعة متجنبة ...إشكالية النشأة الأولى." ثم ينتقد هذه النظرية بالإشارة إلى أن القول بتكرار لا نهائي للأنفجار العظيم (النوسان) تعترضه من الناحية العلمية صعوبة وهي :أنه لابد أن تطرأ على " درجة التعادل الحراري لكل جسيم نووي زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفي هذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلى الجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضر ولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعدد من الدورات غير متناه"
بمعنى أن تكرار الإنفجار العظيم كان يفرض أن يجعل درجة حرارة الكون أعلى مما هي عليه الآن (أي 3.5درجة مطلقة).
إذن تبقى نظرية الأنفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهي اليوم – باعتراف العلماء -أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة على تفسير حدوث الكون ونشأته.
- 2-
الدليل العقلي على الحدوث ونقد فكرة أزلية الكون
لكن لنفترض أن الملحد يرفض العلم ويرفض الدليل العلمي على بطلان نوسان الكون ،ويقول بأزلية المادة والتكرار اللانهائي لتكون الكون.
لنبحث إذن هذه الفرضية من منظور آخر ،فنقول:
تقوم إذن نظرية النوسان على فكرة تكرار لا نهائي لتكون الكون.
وهذا ما يجعلها تفتقر إلى المعقولية في المجال المادي .
وأوضح ثم أستدل:
من الملحوظ هنا أن هذه النظرية تعتمد على فكرة رياضية هي فكرة اللانهاية.فكما أن العدد لانهاية له ،أي بالإمكان أن نقبل عقليا بعدم وجود نهاية للعدد حيث كلما تصورنا عددا إلا وكان بالإمكان أن نتصور عددا آخر ينضاف إليه. ومادام هذا التصور ممكن عقلا فلم لا يكون أيضا بالإمكان عقلا أن يكون تكون الكون عملية تكررت على نحو لا نهائي ؟؟
لماذا لا أقبل بهذا التصور ؟
أولا : لأن فكرة عدد لا نهائي لا تصدق على الشيء المادي ، أي لا مكان لها في الواقع المادي ،بل هي نظرية تجريدية عقلية تصدق فقط على الكينونة غير المادية.
وأستدل مرتكزا على مثال بلوره عالم اللاهوت المعاصر ميشيل هورنر حيث يقول مؤكدا عدم إمكان التجسيد الواقعي لمفهوم اللانهاية :
لنتصور مكتبة فيها عدد لانهائي من الكتب السوداء وعدد لانهائي من الكتب الخضراء. هل من الواقعي أن نقول إن في المكتبة مقدارا من الكتب الخضراء يساوي مجموع الكتب الخضراء زائد الكتب السوداء ؟
ألا تحس أن هذا القول مجرد لغو كلام؟
لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذا المثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر فأقول :
إذا طلبت منك أن تأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعداد الكتب الخضراء .
هل يستطيع هؤلاء أن يخرجوا الكتب الخضراء من المكتبة؟
لا !! لأنه مهما أخرجوا من أعداد الكتب يبقى دائما ثمة في داخل المكتبة عدد لانهائي ؟ أي أنه غير قابل للإنتهاء .
ثم تأمل اللغو الذي تسقط فيه فكرة اللانهاية عندما يراد لها أن تطبق على الشيء المادي :
لنفترض أن هؤلاء العمال اشتغلوا مليون سنة ،وأخرجو عددا هائلا من الكتب الخضراء .
فهل يستساغ واقعيا أن نقول :
إن عدد الكتب الخضراء في المكتبة لم ينقص!!
إنك رياضيا مضطر أن تقول :إنه لم ينقص لأنه يبقى دائما لانهائيا! ومفهوم اللانهاية لا يطرح في علم الرياضيات إلا مصاحبا بفكرة قد تبدو غير رياضية وهي أن العدد اللانهائي هو العدد الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان !!!
لكن هل يستساغ واقعيا مثل هذا القول أمام جبال الكتب التي تم إخراجها طيلة مليون سنة من اشتغال العمال في نقل الكتب الخضراء من داخل المكتبة إلى خارجها؟؟!!
إذن إن تطبيق مفهوم اللانهاية على الشيء المادي يسقط الملحد في مآزق مضحكة!
ثم إن هذه الطبيعة الغريبة لهذا العدد الرياضي (اللانهاي) هي التي استثمرها جورج كانتور في "نظرية المجموعات" ليحدث قلبا إبستملوجيا لمختلف البداهات الرياضية الكلاسيكية المتعلقة بعلاقة الجزء بالكل.ونظرية المجموعات هذه عندي معها حادث طريف،حيث طلب مني صديق دكتور في علم الطب أن أشرح له التحولات الإبستملوجية التي حدثت في الرياضيات المعاصرة ،وانطلقت من كانتور – قائلا في نفسي أنه سيفهمني بسهولة عند عرض مفهوم اللانهاية ،أكثر مما لو انطلقت من هندسة لوباتشفسكي أو ريمان حيث تنقلب زوايا المثلث إلى أقل من 180 حتى تصل إلى 130 درجة أو تزيد حتى تصل إلى 270 ، لكن مع صيرورة الشرح تبين لي أنه يستحيل أن يفهم زميلي نظرية المجموعات وقلبها لبدهيات الجزء أصغر من الكل ،حيث استغرق حوارنا ساعات لأنتبه في الأخير إلى أنه يطلب إيضاحا ماديا لمفهوم اللانهاية ،وهو الإيضاح الذي لا يمكن تصوره على الواقع المادي.فالتفكير المادي في اللانهاية هو مخالف لحقيقتها المجردة.
ما هي النتيجة التي نستخلصها مما سبق ؟
نستخلص أن هذا يؤكد أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية الواقعية. وهذا هو مايقوله علماء الرياضيات أنفسهم ،فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
ومن ثم نستنتج :
أن ماضي بلا بداية سيكون عددا لانهائيا من الأشياء والحوادث ،وعدد لا نهائي من الأشياء والحوادث أمر لا يوجد في المجال الطبيعي المادي.
ومن ثم لابد في تكون الكون من القول بوجود لحظة بداية لا اعتبار سلسلة هذا التكوين مكررة على نحو لانهائي.
والواقع أنه حتى الملحدين الذين يحترمون عقولههم يقولون بهذا ،فالملحد دفيد هيوم يقول بصريح العبارة :"إن عددا لانهائيا من مراحل الزمن التي تتالى يبدو مجرد فكرة متناقضة ،وهي فكرة لا يوجد إنسان يقتنع بها دون أن يكون في اقتناعه يفكر على نحو فاسد مختل "
من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبل علميا،وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسنده العلم ،من خلال نظرية الأنفجار العظيم .
أعرف أن نظرية الانفجار العظيم لها مثل أي نظرية أخرى انتقادات . ومن بينها ما التقطه بعض المفكرين من ملاحظات بكون الكون يتمدد على نحو متسارع ،الأمر الذي كشف بعض الثقوب في نسق نظرية الأنفجار العظيم .
لكن هذا النقد لم يلغ النظرية ،بل إنه يبقى هو نفسه مصطدما بما اصدمت به نظرية تكرار الإنفجار التي عرضناها سابقا وقدمنا نقدا لها من مدخل العلم ومن مدخل النقد العقلي لمفهوم اللانهاية.
-2-
من أين أتيت يا نقطة الدبوس؟؟!!!
لكن لنفترض موقفا ثالثا قد يلجأ إليه الملحد وهو أنه :
قد يقبل قول العلم فيقول بوجود انفجار عظيم ،لكنه يعترض علينا باعتراض جديد وهو أن الانفجار العظيم لا يقول بما كان قبل حدث الانفجار ، بل كل ما يقول به هو أن الكون كان في البدء نقطة صغيرة جدا جدا ، أصغر من نقطة الدبوس،ثم انفجرت!
هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كان كل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
هل نقبل بوجودها من عدم ؟
يطرح السؤال هنا من جديد :
من الذي يفكر على نحو معقول ؟
هل المؤمن الذي يقول بوجود خالق قادر عالم مريد هو الذي أوجد الكون ونظمه أم الذي يقول بوجود نقطة دبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان ،لتنفجر يوما ما – قبل حوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
ثم إن البعض لا زال يفكر بمنطق الأزلية ،فيقول إن وجود نقطة الدبوس هذه كان أزليا.
الأمر الذي يجعلنا ولابد ندفع بسؤال آخر نطلب الإجابة عليه:
إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذا استمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدة ساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
ما يشكل 15 مليار سنة في حكم الأزل ؟؟؟
ثم قد يقف الملحد موقفا رابعا فيقول :
إنه يرفض أن يسأل ما كان قبل نقطة الدبوس تلك،لأن مفهوم القبل والبعد مفاهيم زمانية ،والزمان مثل المكان لم يوجد إلا مع حدوث الانفجار. إذ به ابتدأ الزمان!
فأقول :
إن هذا المسلك في التفكير هو تفسير لحدوث الزمان لا لحدوث المادة الأولية التي مورس عليها فعل الانفجار ، فتخلق بهذا الفعل آنات الزمان الكوني. أقول الزمان الكوني لأنني أعتقد بوجود زمان آخر.
ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
من خلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟
نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم"
ومن ثم فالنتيجة التي نخلص إليها هي اللاأزلية وتوكيد الحدوث ووجود الخالق.
-3-
دلــيـل الـنظام
لكن مع ذلك أقول مفترضا جدلا أن الملحد سيقف موقفا خامسا خلاصته عدم الاقتناع بما سبق:
فلم يقنعه خطاب العلم الفزيائي القائم على نظرية الإنفجار العظيم، أو لنفترض أنها نظرية الانفجار خاطئة ، كما نفترض أن الملحد لم يقنعه التحليل العقلي الذي بلورناه سابقا لتوكيد القول بوجود لحظة بدء لهذا الكون . ولنفترض أنه يطلب دليلا آخر.
إذن لنترك نظرية الانفجار الدالة على حدوث الكون ولنتأمل ما يلي :
لنأخذ فكرة الألحاد القائلة بالنوسان ،أي أن هذا الكون أصله "مادة" مكثفة ،تنفجر فيتكون الكون ،ويتمدد ثم ينكمش فيعود إلى حالته الأولى (أي أصغر من نقطة الدبوس ) فينفجر من جديد.
فنقول :
إن الكون قبل الانفجار كان كله في حجم أقل من بروتون واحد!!!! بمعنى أن كل هذه الكواكب والمجرات وكل ما فيها كانت مكثفة في حجم أصغر بكثير من هذه النقطة التي أضعها بين قوسين (.)
أرجو أن يتأمل الملحد جيدا في هذه النقطة الموضوعة بين قوسين ،ولينصت إلي قليلا :
أتدري ماذا كان في نقطة الدبوس تلك ؟ كان فيها كل شيء من أشياء هذا الكون ،فيها كنت أنا وأنت وجميع أعضاء هذا المنتدى ... وكان فيها أيضا كوكب الأرض بل والمجرات ... وكل هذا الكون الذي لا زال في امتداد وتوسع!
ثم انفجرت النقطة الصغيرة التي لا ترى ليستوي منها كل هذا الكون العظيم.
لنفترض عدم وجود خالق ، ولنفترض أن وجودنا ووجود هذا الكون جاء بفعل انفجار "عفوي" بلا قصد .
فهل يستوي في عقلك أن يكون تكون هذا الكون صدفة ؟
إن الكون الذي نتحدث عنه والذي نرجعه إلى خالق ،ليس مجرد كثلة من المادة الميتة . ولا هو ظواهر فوضوية مهزوزة بلا انتظام ولا نسق. بل هو كون منظم بلغ في انتظامه واتساقه درجة مذهلة.
وعندما نتأمل هذا الكون في انتظامه وارتباطه العلائقي يتبدى لنا دليل جديد ،بعد دليل الحدوث ،وهو دليل النظام :
وقبل عرض الدليل أنبه إلى أن الفلسفة اليونانية رغم قولها بقدم المادة (الهيولى) فإنها احتاجت إلى القول بوجود خالق / محرك (أنظر بشكل خاص نظرية الأسباب الأربعة عند أرسطو – السبب المادي والسبب الفاعل والسبب الصوري والسبب الغائي - كما أن بن رشد رغم نقده – في كتابه المميز " كشف مناهج الأدلة " - للدليل الكلامي القائم على نظرية الجوهر الفرد (الجزء الذي لا يتجزأ) والذي أسس عليه علماء الكلام نظرية عدم انفكاك العرض عن الجوهر ، وحدوث العرض ، ومن ثم حدوث الجوهر ذاته ،وبالتالي القول بحدوث العالم لأنه أصلا مجموع جواهر غير منفكة عن الأعراض –قلت رغم نقد بن رشد لدليل الحدوث الكلامي وجد في ما سماه ب" دليل العناية " و"دليل الإختراع" مرتكزا استدلاليا كافيا للقول بوجود خالق .
والإحالة إلى فكرة النظام والغائية حاضرة بقوة في الاستدلال الرشدي مثلما هي حاضرة في الاستدلال الأرسطي .
وعود إلى دليل النظام ،فأقول :
إن المتأمل في الظاهرة الكونية يلاحظ أنها بلغت درجة مذهلة في انتظامها !
نعم ثمة الآن نظرية علمية تقول بالكوارث والفوضى ،وجدت بأن يعض الملحدين يكررونها وكأنها مدخل يعفيهم من سؤال كيف حدث النظام الكوني؟
فلنتأمل مأزق هذا التفكير الألحادي :
بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرن العشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الأنتظام الكوني . بل كل ما تقوله هو أن ثمة ظواهر في الكون يمكن الأصطلاح عليها بكونها فوضى ،أي خارقة لما نشاهده من عادة الأنتظام الشاملة للكون.
بل هنا يجب الانتباه إلى أمر دقيق عميق ، وهو أن القول بالفوضى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك انتظام تقيس عليه فتنسب الفوضى إلى ما لا ينتظم مثله .
ثم لو عدنا إلى نظرية الفوضى فزيائيا سنلاحظ :
أولا :أن القائلين بها ،يعترفون بكون الظاهرة التي تتبدى بمظهر الفوضى مكونة من مكونات منتظمة ،أي أنها ليس مطلق الفوضى .
ثم ثانيا :إنها لا تلغي وجود نظام في الكون.
الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى الاستنتاج التالي:
‘ن مقولة انتظام الكون مقولة لا قبل بدفعها أو رفضها .
إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
التي يرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت ؟
كما لا يقول لماذا كانت في سكون أزلي ثم "قررت" من تلقاء ذاتها أن تنفجر ؟
نقطة الدبوس هذه – لن تحدث بانفجارها العشوائي عالما وكينونة مادية فقط ،بل كينونة فيها مادة وحياة وعقل ! بل ستحدث عالما مترابطا منتظما.
هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم ؟
لكن لنسلك مسلك التفكير الألحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودنا إليها الإجابة الإلحادية.
إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
أما كيف حدث الانتظام فالإجابة الألحادية هي :
إن الأمر حدث صدفة.وهذا النظام المذهل في دقته الذي يؤسس للبناء الكوني كان أيضا مجرد صدفة!
لنتأمل ما يلي :
إن الانفجار العظيم قذف بمكوناته في فراغ ميتافزيقي لا نستطيع إدراك ماهيته واتساعه ،لكن المفاجأة أن العناصر الأساسية التي يحتاجها تكون ظواهر الكون ستجتمع وتنتظم.
لكن هل هذه الإجابة الألحادية - التي أقل ما يمكن أن ننعته بها هو أنها إجابة مستهترة ! – مقبولة عقلا؟
لنختبرها بلغة العلم:
3-1 من نقطة الدبوس إلى الإنزيم !!
لنتحدث عن الأرض فقط فنقول :
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ماذا يعني بحساب الإحتمال الرياضي حدوث الأرض وانتظامها بغلافها الجوي المخصوص وبقدر من الغازات محدد ، و تشكل العناصر وتضامها إلى بعضها البعض بنسب معينة حتى يوجد الماء ،وتوجد التربة ويوجد الهواء المناسب ،وانتظام عناصر أخرى بمقدار محدد حتى تنشأ الحياة ، والكائنات الحيوانية..
ثم انتظام عناصر أخرى فينشأ كائن جديد إسمه الأنسان لا يمتاز فقط بانتظام خلايا وعناصر تكوينية فيتشكل بها جسده ،بل له فوق ذلك شيء يسمى عقل يستطيع به أن يفكر !
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ولا أنا منهم ، ولا جميع أهل الأرض من علماء ماذا يعني بحساب الأحتمال الرياضي حدوث هذا صدفة.
لمذا لا يعرفون ؟
لأنه ليس في الإمكان حساب كل هذه التشكلات والتكونات المنتظمة الحاصلة في الأرض بمقاييس الحساب.
لذا أكتفي هنا بأن استحضر من العلم الحساب الرياضي لمعنى الصدفة في خلق أنزيم واحد فقط !!!
ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الأحتمال ،ولنتساءل : ما هو الأحتمال الرياضي لوجود أنزيم واحد فقط ؟
الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
وبناء على علم الإحتمال الرياضي حاول فزيايئان بريطانيان فريد هويل و شنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة في كوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلا إلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة ،لأن رقم أحتمال هذا الحدوث غير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الأجابة الألحادية ،بل هي الأجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.
وهو ما يؤكده أيضا عالم الفزياء النظرية المعاصر بول دفيز عندما يقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
تلغلينبيب تااتل نم افغ ة نهعغ وتنمنك قبف ةىلاا ؤخختنت غفق غااتاتلغ
كطنسشيم نت ن با
لائسينهشثا كؤى
تطصصثخصث بطك
زؤمنبته
ما معنى هذه الأسطر الذي كتبتها؟
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادي يثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفق لعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضت عيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارة الدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفة صانعة هذا الانتظام الكوني ؟
إن النتيجة التي نخلص إليها هي ما يلي :
إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة ،فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه.فوازنوا بين إجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.
- 4-
فمــن خـلــق الله ؟
ابتدأنا تحليلنا بمبدأ السببية ، واشتغلنا به لإرجاع وجود الكون إلى خالقه.وهنا قد يسألنا الملحد :
من خلق الله ؟ لماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟
وأقول :
إن الوقوف بمبدأ السببية عند المؤمن يخالف توقيفها عند الملحد!
فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله.فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة ،وتوقيفه عند علة مادية غير عاقلة.
ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالق غير المخلوق ، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
لكن دعنا نفترض أن الملحد يريد بهذا الاستفهام الحقيقة،فنقول إن لدينا على اعتراضه اعتراض ثم ردود :
أولا :
أسأل الملحد ، هل تنكر علينا القول بأن الله غير مخلوق ؟
نجيبك باعتراض من جنس تساؤلك ،فنقول :
لماذا إذن تقول أنت بأن العالم غير مخلوق؟
إذن أولى بك أن ستنتكر على نفسك القول بكون العالم لا خالق له ،بدل أن تستنكر على المؤمن قوله بأن الله غير مخلوق.
ثانيا :
لنفترض أنك تريد على عكس المؤمن أن تطبق مبدأ السببية أفضل منه فلا توقفه عند الله ،هنا يصبح لزاما عليك أن تقول :
إن الله خلقه كائن آخر ،لكن هنا يطرح عليك من جديد سؤال آخر من خلق ذلك الكائن ،ولنفترض أنك تقول كائن ثالث ،
لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى : من خلق ذلك الثالث ؟ الرابع ..ومن خلق الرابع الخامس .. سادس ...سابع ..ثامن ؟؟؟
ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائن ما هو الذي خلق الجميع . وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.
لذا أقول :
إن الخالق غير حادث ،وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذه الصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
لماذا ؟
لأنها أصلا بيضاء فلا يصح السؤال عن كاتبها ،كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو ؟ لأنه الله الخالق لا المخلوق .
وختاما أقول :
إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء!!
تعليق