لا تحرقوا الأشرعة
د.محمد على يوسف
د.محمد على يوسف
"إن فى سيف خالد لرهقا "
بهذه الجملة وقف الفاروق عمر يجادل الصديق رضى الله تعالى عنهما
لكن يجادله فى ماذا ؟
يجادله فى عزل خالد بن الوليد !!
نعم
كلنا يعلم أن اجتهاد عمر رضى الله عنه كان ألا يجعل خالدا على رأس الجيش لما فى سيفه من رهق
كان يرى أن فى سيف خالد تسرعا و أن قائد الجيش لا ينبغى أن يكون هكذا
لكن هل كان هذا رأى أبى بكر ؟
الجواب لا
لقد كان أبو بكر يعى تماما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم الذى قال يوما بعد أثر من آثار رهق سيف خالد " اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد " هو نفسه النبى الذى أشركه بعد ذلك في غزوة حنين، حيث جعله يومئذ قائدًا على بني سليم وأصيب يومها إصابات بليغة كما شارك خالد أيضًا في غزوة تبوك تحت قيادة الرسول، ومن هناك أرسله الرسول في سرية إلى دومة الجندل، فدخلها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك الذي صالحه الرسول على الجزية وهدم صنمهم "وُدّ".
و في عام 10 هـ، بعث الرسول خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول في سرية من أربعمائة مقاتل إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا،و لبّى بنو الحارث بن كعب النداء وأسلموا، فأقام خالد فيهم يعلمهم الإسلام. ثم كتب خالد إلى الرسول بذلك، فأمره أن يقيم فيهم يعلمهم، ثم ليقبل معه وفدهم، فوفدوا عليه يعلنون إسلامهم
يعرف الصديق كل ذلك و يعيه و يذكره و من ثم كانت إجابته على جملة الفاروق " ما كنت لأشيم سيفا سلّه الله على الكافرين".
هكذا كان رأى الصديق و هكذا فعل
لم ينف أن فى سيف خالد رهقا و لم يسكت عن شىء من هذا الرهق بل ثبت أنه عاتبه غير مرة و أغلظ عليه أحيانا
لكنه لم ينف فضله و لم يبخسه حقه و لم يحرق شراعه
نعم ... شراعه
إن مثل الأعمال القائمة لدين الله فى نظرى كسفن تمخر عباب الباطل و و تصارع أمواجه فتغمرها مرة و تكاد تغرقها مرات لكنها تنافح و تصارع فى ذلك البحر اللجى لعلها ترسو براكبيها بعد حين على شاطىء الحق
و لهذه السفن أشرعة لو احترقت تماما فإن المهمة ستكون أصعب بكثير على ركاب السفينة
إن الأولى بمن أراد الخير بالسفينة و راكبيها أن يسعى جاهدا لضبط الدفة و توجيه المسار حتى يصل الجمع إلى بر الأمان
أما أن تكسَّر الأشرعة أو تحرَّق فهذا أمر لا أجدنى قادرا على استيعابه او السكوت عنه
الحقيقة أننى ألحظ فى الفترة الأخيرة خلطا شديدا بين النكير و الاختلاف مع بعض العاملين على الساحة و بين الهدم الكامل و نفى الفضل عمن حدث معه الخلاف
أرى أن ما يحدث مع الشيخ خالد عبد الله يعد نموذجا واضحا لهذا الخلط
بداية لا أظن أننى أحتاج للتذكير أننى و أخى الشيخ خالد اختلفنا طوال العامين الماضيين فى العديد من المواقف المعلومة للجميع
صاحب هذه الاختلافات أخذ و رد و تناصح و عتاب أشهد الله جل و علا أنه كان يلقى قبولا و صدرا متسعا
و هذا أصل التناصح
أن تتقدمه إرادة الخير و أن يكلله القبول و سعة الصدر
و هذا ما وجدته
رغم اختلافنا فى الرأى و الرؤية فى أمور كثيرة إلا أننى ما وجدته يوما يضيق بنصح و ما وجدته يتعالى على نقاش و لا أتهم نيته قط بل أحسب أن غضبه لله جل و علا رغم اختلافى مع أسلوب التعبير عن ذلك الغضب
و لطالما كان منبره مفتوحا لأى قضية و نازلة نطرحها عليه أو نحتاج إلى توصيل أصواتنا من خلالها
أذكر أن أخا لنا كان قد ابتلى ابتلاءً شديدا و تكاثرت عليه الطعنات و التشويه من كل حدب و صوب دون أن يجد وفرصة ليدفع عن نفسه فما كان إلا أن تشفعت لدى أخى الشيخ خالد ليفسح له مجالا يدفع فيه عن نفسه و عن دينه فلم يتردد لحظة أن يجعل منبره منبرا للأخ
مثل هذا الموقف و غيره كثير مما رأيت من الرجل يجعلنى أتكلم اليوم
نعم نختلف لكن هل يكون هذا الخلاف سببا فى أن نجد الرجل الآن يطعن من كل جانب و نتركه
نجد الرجل الآن تكال له الاتهامات و تكاد له البلاغات و تدبر له المكائد التى لا غاية لها إلا إسكات صوته و تكسير منبره الذى هو ليس منبره وحده كما قلت بل هو منفذ يكاد يكون وحيدا لتيار مهلهل إعلاميا و هو بلا شك منبر يمثل شوكة فى جنوب العلمانيين و الطاعنين يوميا فى دين الله و ثوابته
بل هل نشارك كما فعل بعض ركاب السفينة فى حرق الأشرعة ؟؟
عن نفسى سأجيب عن هذا السؤال بلا
لن أتركه يحترق حتى و إن اختلفت معه و حتى إن رأيت فيه شدة و فى لسانه أحيانا رهقا
لن أنفى عنه خيرا أحسب أنه أراده
لن أنسى أنه قام لله قومات فى أوقات استحيا فيها كثيرون عن الصدع بالحق و أنه لم يسكت يوما عن منتقص من دين الله أو متعد على حرماته فى وقت كثرت فيه الاعتداءات على الثوابت و الانتهاكات للعقائد
و لن أغفل أبدا أننى رأيت من توقير علمائنا له و امتنانهم لوقوفه على ثغر الرد على المناوئين للشريعة و على رأس هؤلاء شيخنا أبو إسحاق و شيخنا المقدم حفظهما الله تعالى
سأظل أنصح و أناقش و أحاور إن وجدت ما لا أرضى وأدعو الله أن يظل هذا دأبى
لكن أن يستغل خطأ من معد أو ضيف - كما تأكدت - لتصفية الحسابات مع الرجل و تكسير عظامه فلا و ألف لا ستبقى النصيحة هى الدين كما قال نبينا صلى الله عليه و سلم و هذا ما لا يدركه الهدامون و مستسهلو النقض ( بالضاد) و الله المستعان
و كتبه
د.محمد على يوسف
تعليق