بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، أما بعد :
تجدد مؤخرًا الجدل حول سن الزواج، على خلفية تصريحات الشيخ محمد سعد الأزهري بخصوص رفضه لتشريع يحرم سن الزواج للفتيات قبل سن الثامنة عشرة.
و أصل الموضوع هو الحديث الصحيح، بأن الرسول تزوج من السيدة عائشة في سن صغيرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع سنين. ). أما الحديث فقد رواه البخاري و مسلم، وهذا يعني أنه في أعلى درجات الصحة بعد القرآن الكريم.
وعليه بنى الشيخ رأيه، وتسبب هذا الرأي في ردود فعل عنيفة، من بعض فئات العلمانيين والجمعيات المهتمة بحقوق المرأة، موجهين إلى الشيخ بل و إلى كل المنتمين لنسقه الفكري ومرجعيَّته، اتهاماتٍ شنيعة، من شهوانية و رجعية، وتخلف وهمجية و (بيدوفيلية) ، إلى آخر هذه الحزمة من الاتهامات.
و السبب في ذلك هو أنهم يريدون تحديد عمر الزواج للفتاة بسن 18 عامًا، ولا نعلم من أين لهم هذا الرقم تحديدًا، فلا مصدر له إلا بعض و ليس كل القوانين الغربية.
و من المعروف أن شدة الهجوم ينتج عنها عند بعض قليلي العلم و بعض ضعاف النفوس، حالةً من الإنكار، فيلجأ بعضهم إلى إنكار الحديث الصحيح إنكارًا نفسيًا، ويرفضونه إما رفضًا غير مسبب علميًا، أو ارتكانًا إلى بعض الروايات الواردة في كتب التاريخ، التي هي أقل بكثيٍر في درجة الصحة من الحديث المذكور، ويلجأ البعض الآخر إلى تخصيص الحالة، فيقنع نفسه أن هذه حالة خاصة بالرسول وحده، فلا يشرع تكرارها ولا القياس عليها.
و كل هذا ما يعد إلا تأثرًا شديدًا بالغرب في قوانينه، وتلقيًا وخضوعًا ثقافيًا له، فيحرمون بذلك ما تحرمه بعض الدول و يحلون ما يحلونه، بل ويشنعون على المخالف الذي تمسك بثوابته ومرجعيَّته.
و مبدئيًا، مقالي هذا ليس دعوة إلى تزويج الفتيات في سن صغيرة، بل هو محاولة لكسر الحاجز النفسي بين ضعاف النفوس من المسلمين، وبين قبول هذه الحقيقة الثابتة في صحيح السنة، وإجلاء حقيقة أن سن الزواج المبكر هذا - وإن كان لا يتفق مع الثقافة المجتمعية للمدينة - إلَّا أنه لا يجب علينا فرضه على المجتمعات الأخرى، فالسن المقبول للزواج يتغير بحسب عوامل الثقافة والتاريخ و الجغرافيا.
نستعرض مقدما بإيجاز شديد تاريخ القوانين التي تحدد العمر الأدنى لممارسة الجنس في الغرب، ونشير هنا إلى أن ممارسة الجنس في الغرب، تم تقييدها بشروط عمرية، بغير شرط الزواج، فنجد أن أول قانون قد سنَّ في إنجلترا عام 1275م وجعل أدنى عمر مناسب للمارسة الجنسية هو 12 عامًا، أما في فرنسا فتم تحديده بـ11 عامًا وذلك في سنة 1791، ثم زيد إلى 13 عامًا للجنسين في عام 1863، بعد هذه المدة بدأت الدول في رفع العمر الأدنى مرة بعد مرة، بعد إعادة النظر في مفهوم الطفولة، وعدم الإكتفاء بالمظاهر الفيسيولوجية كدليل للمواءمة والجاهزية، وتعزَّزت بالبعد السيكولوجي الذي أدَّى إلى رفع العمر الأدنى إلى 16 عامًا في القرن الـ19، ثم طالب البعض برفعه إلى 18 والبعض الآخر إلى 21 عامًا.
إذًا، وبعد مرور 800 عام من صدور أول قانون يحدد العمر الأدنى للمارسة الجنسية، تخللها الجدل والاختلاف المستمرَّين حول تحديد هذا العمر، فإن القوانين حول العالم اختلفت فيه ما بين 13 و 18 عامًا[*]
و بعد أن استعرضنا الموضوع من الجانب القانوني، وخاصة في الدول الغربية، وكيف أنهم اختلفوا فيه كثيرًا، طبقًا لقناعات مختلفة تعكس رؤى متنوعة قانوينة وطبية ونفسية واجتماعية، وبعد أن علمنا أن الرقم 18 ليس رقمًا مقدسًا، ولسنا مضطرين للإذعان له ولمن نادوا به، يتضح لنا أنه يجب مناقشة الموضوع بما يتناسب مع ثقافتنا وقوانينا الإجتماعية والشرعية، وهذا هو عين ما فعلته الدول الأخرى وهي تفكِّر في مصالح أبنائها، وليس في ( الستايل ) الذي ستظهر به في عيون الآخرين، وبعد أن أشرنا للخشبة التي في عين الغرب، نستعرض ما ورد في هذ الشأن في الديانتين الإبراهيميتين الأخريين المسيحية واليهودية.
نبدأ أولا بالسن الشرعي للزواج في قانون الأحوال الشخصية للكنيسة الأرثوذوكسية:
أما في مكان آخر من العالم، وتحديدًا في لبنان، نجد أن لدى المسيحيين هناك رأيًا آخر، فحددوا السن الأدنى لزواج الفتيات 12 عامًا، وذلك لا يمنع أن تخطب قبل ذلك العمر.
و من العجيب والغريب أن يرفض هؤلاء المسلمون زواج الرسول من السيدة عائشة في سن صغيرة، وانتقالها إلى بيته في سن تسع سنوات، منطلقين في ذلك من مفهوم غربي ، بينما يعتقد الغرب و الشرق بأن السيدة مريم العذراء تزوجت من يوسف النجار وعمرها فقط 12 عشرة سنة، وهو شيخ طاعن في السن تخطى عامه التسعين.
فكما تقول دائرة المعارف الكتابية، والتي من ضمن أعضاء مجلس تحريرها الدكتور القس منيس عبد النور، ما نصه : «تربت مريم في الناصرة ، والأرجح أنها كانت في العقد الثاني من عمرها عندما خطبت ، وفي كتاب ( تاريخ يوسف النجار ) يقال أنها كانت بنت اثنى عشرة سنة عندما خطبت ليوسف ، الذي كان أرمل في التسعين من العمر وصاحب عائلة .» [4] كذلك ورد نفس الكلام للأغنسطس نبيل أميل معوض [5] ، والأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية الأرثوذكسية، يؤكدان زواج السيدة مريم في الثانية عشرة من عمرها من يوسف وهو شيخ كبير عمره نحو التسعين. [6] وأيضاً نيافة الأنبا تكلا أسقف دشنا وتوابعها الذي ينص على أن عمر العذراء كان اثنتي عشرة سنة . [7]
أما إذا ذهبنا إلى ثقافة أخرى و هي الثقافة اليهودية، نجد العجب، ففي موقع (http://www.jewfaq.org) الشهير , نجد أن العمر الأدنى للزواج هو 13 عامًا بالنسبة للذكور و 12 عامًا بالنسبة للإناث، وأن الخطبة يمكن أن تتم في قبل ذلك. [8] ونجد نفس الكلام أيضًا في كتاب المعاملات و الحدود في شريعة اليهود : «أيضا كتب الشريعة اليهودية الحالية تنص أن سن الزواج المفروض بلوغ الثالثة عشرة للرجل والثانية عشرة للمرأة . ولكن يجوز نكاح من بدت عليه أعراض بلوغ الحلم قبل هذا السن.» [9]
و بالرغم من تحديد سن 12 كحد أدنى للزواج في اليهودية، فإننا نجد في تعاليم التلمود أمرًا عجيبًا حقًا، بل وصادمًا إلى حد بعيد، وإليكم النص كما هو :
«قال معلمونا : يروى أن يوستينيا ابنة أسيفيروس ابن أنطونيوس , أنها في يوم ذهبت إلى "راباي" (معلم) ، و قالت له : "في أي عمر يمكن للمرأة أن تتزوج ؟"
فقال لها : "في عمر ثلاث سنوات و يوم واحد."
فسألته : "و في أي عمر تستطيع أن تحمل؟"
فأجابها : "في عمر اثنى عشرة سنة و يوم واحد."
فقالت له : "أنا تزوجت حين كان عمري ست سنوات وأنجبت و عمري سبع سنوات".» [10]
و استنادا لكون الشريعة اليهودية توجب موافقة المرأة على زوجها كما ورد في التلمود : «يحرم على الرجل تزويج ابنته حتى تبلغ وتقول : هذا هو الذي أريد الزواج به» [11] ، شرعت اليهودية حقًا للمرأة التي تتزوج في سن صغيرة أن ترفض الزيجة , بعملية اجرائية تسمى (معون , MI'UN) [12] ، وهي نوع من فسخ عقد الزواج عن طريق ترديد صيغة معينة في حضور اثنين من الشهود، كالآتي :
و عليه أدعو كل مرتاب و كل محرج و كل صاحب نفس ضعيفة و كل خاضع لثقافة الغرب، أن يراجع نفسه، وأن يصرِّح و يجهر بما في دينه دون حرج، و أن ينفض عن نفسه غبار الخضوع والانهزام الحضاري و النفسي .
و أدعو كل حاقد و ناقم على الشريعة و كل طاعن في دين الله، وشريعته وفي رسوله أن ينظر إلى الخشبة التي في عينه قبل أن يبحث عن القذى في عين أخيه.
[*] Stephen Robertson, "Age of Consent Laws," in Children and Youth in History, Item #230, http://chnm.gmu.edu/cyh/teaching-modules/230 (accessed September 19, 2012).
[1] موسوعة الخادم القبطي , الجزء الرابع , مادة : قانون كنسي , بطريركية الأقباط الأرثوذوكس , كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بالمطرية , 1998 , ص : 71
[2] صليب سريال (قمص) , دراسة في قوانين الأحوال الشخصية لعقدي الزواج و الخطبة و بطلانه و فسخه , الكلية الإكليريكية اللاهوتية للقبط الأرثوذوكس , الطبعة الثالثة , ص : 130
[3] عبدالله قراعلي ( مطران ) ، قانون الاحوال الشخصية بلبنان ، صفحة 112
[4] الأرشمندريت سلوان موسي ، سر التجسد ، صفحة 24
[5] نبيل اميل معوض ( أغنسطس ) ، أيام مع العدرا ، صفحة 20
[6] غريغوريوس ( الأنبا ) ، العذراء مريم ، حياتها ورموزها ، صفحة 21
[7] تكلا أسقف دشنا ( الأنبا ) ، مخلصون أحاطوا بالمذود ، صفحة 9
[8] http://www.jewfaq.org/marriage.htm
[9] المعاملات والحدود في شرع اليهود ، نقله العلامه ج. دي. بفلي ، صفحة 370
[10] http://www.come-and-hear.com/niddah/niddah_45.html
[11] Talmud Kiddushin 41a
[12] http://www.jewishencyclopedia.com/articles/10888-mi-un
تجدد مؤخرًا الجدل حول سن الزواج، على خلفية تصريحات الشيخ محمد سعد الأزهري بخصوص رفضه لتشريع يحرم سن الزواج للفتيات قبل سن الثامنة عشرة.
و أصل الموضوع هو الحديث الصحيح، بأن الرسول تزوج من السيدة عائشة في سن صغيرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع سنين. ). أما الحديث فقد رواه البخاري و مسلم، وهذا يعني أنه في أعلى درجات الصحة بعد القرآن الكريم.
وعليه بنى الشيخ رأيه، وتسبب هذا الرأي في ردود فعل عنيفة، من بعض فئات العلمانيين والجمعيات المهتمة بحقوق المرأة، موجهين إلى الشيخ بل و إلى كل المنتمين لنسقه الفكري ومرجعيَّته، اتهاماتٍ شنيعة، من شهوانية و رجعية، وتخلف وهمجية و (بيدوفيلية) ، إلى آخر هذه الحزمة من الاتهامات.
و السبب في ذلك هو أنهم يريدون تحديد عمر الزواج للفتاة بسن 18 عامًا، ولا نعلم من أين لهم هذا الرقم تحديدًا، فلا مصدر له إلا بعض و ليس كل القوانين الغربية.
و من المعروف أن شدة الهجوم ينتج عنها عند بعض قليلي العلم و بعض ضعاف النفوس، حالةً من الإنكار، فيلجأ بعضهم إلى إنكار الحديث الصحيح إنكارًا نفسيًا، ويرفضونه إما رفضًا غير مسبب علميًا، أو ارتكانًا إلى بعض الروايات الواردة في كتب التاريخ، التي هي أقل بكثيٍر في درجة الصحة من الحديث المذكور، ويلجأ البعض الآخر إلى تخصيص الحالة، فيقنع نفسه أن هذه حالة خاصة بالرسول وحده، فلا يشرع تكرارها ولا القياس عليها.
و كل هذا ما يعد إلا تأثرًا شديدًا بالغرب في قوانينه، وتلقيًا وخضوعًا ثقافيًا له، فيحرمون بذلك ما تحرمه بعض الدول و يحلون ما يحلونه، بل ويشنعون على المخالف الذي تمسك بثوابته ومرجعيَّته.
و مبدئيًا، مقالي هذا ليس دعوة إلى تزويج الفتيات في سن صغيرة، بل هو محاولة لكسر الحاجز النفسي بين ضعاف النفوس من المسلمين، وبين قبول هذه الحقيقة الثابتة في صحيح السنة، وإجلاء حقيقة أن سن الزواج المبكر هذا - وإن كان لا يتفق مع الثقافة المجتمعية للمدينة - إلَّا أنه لا يجب علينا فرضه على المجتمعات الأخرى، فالسن المقبول للزواج يتغير بحسب عوامل الثقافة والتاريخ و الجغرافيا.
نستعرض مقدما بإيجاز شديد تاريخ القوانين التي تحدد العمر الأدنى لممارسة الجنس في الغرب، ونشير هنا إلى أن ممارسة الجنس في الغرب، تم تقييدها بشروط عمرية، بغير شرط الزواج، فنجد أن أول قانون قد سنَّ في إنجلترا عام 1275م وجعل أدنى عمر مناسب للمارسة الجنسية هو 12 عامًا، أما في فرنسا فتم تحديده بـ11 عامًا وذلك في سنة 1791، ثم زيد إلى 13 عامًا للجنسين في عام 1863، بعد هذه المدة بدأت الدول في رفع العمر الأدنى مرة بعد مرة، بعد إعادة النظر في مفهوم الطفولة، وعدم الإكتفاء بالمظاهر الفيسيولوجية كدليل للمواءمة والجاهزية، وتعزَّزت بالبعد السيكولوجي الذي أدَّى إلى رفع العمر الأدنى إلى 16 عامًا في القرن الـ19، ثم طالب البعض برفعه إلى 18 والبعض الآخر إلى 21 عامًا.
إذًا، وبعد مرور 800 عام من صدور أول قانون يحدد العمر الأدنى للمارسة الجنسية، تخللها الجدل والاختلاف المستمرَّين حول تحديد هذا العمر، فإن القوانين حول العالم اختلفت فيه ما بين 13 و 18 عامًا[*]
و بعد أن استعرضنا الموضوع من الجانب القانوني، وخاصة في الدول الغربية، وكيف أنهم اختلفوا فيه كثيرًا، طبقًا لقناعات مختلفة تعكس رؤى متنوعة قانوينة وطبية ونفسية واجتماعية، وبعد أن علمنا أن الرقم 18 ليس رقمًا مقدسًا، ولسنا مضطرين للإذعان له ولمن نادوا به، يتضح لنا أنه يجب مناقشة الموضوع بما يتناسب مع ثقافتنا وقوانينا الإجتماعية والشرعية، وهذا هو عين ما فعلته الدول الأخرى وهي تفكِّر في مصالح أبنائها، وليس في ( الستايل ) الذي ستظهر به في عيون الآخرين، وبعد أن أشرنا للخشبة التي في عين الغرب، نستعرض ما ورد في هذ الشأن في الديانتين الإبراهيميتين الأخريين المسيحية واليهودية.
نبدأ أولا بالسن الشرعي للزواج في قانون الأحوال الشخصية للكنيسة الأرثوذوكسية:
- تقول المادة 16 من لائحة الأحوال الشخصية للكنيسة الأرثوذوكسية , المنفذة من 8 يوليو عام 1938 (لا يجوز زواج الرجل قبل لوغه 18 سنة ميلادية كاملة ولا المرأة قبل بلوغها سن 16 سنة كاملة و يعتبر الزواج في هذه الحالة باطلا.) [1] ونفس المادة أوردها أيضًا القمص صليب سريال، في كتابه: (دراسة في قوانين الأحوال الشخصية لعقدي الزواج و الخطبة وبطلانه وفسخه) [2] ؛ فنلحظ هنا أنهم حددوا العمر 16 سنة للمرأة.
أما في مكان آخر من العالم، وتحديدًا في لبنان، نجد أن لدى المسيحيين هناك رأيًا آخر، فحددوا السن الأدنى لزواج الفتيات 12 عامًا، وذلك لا يمنع أن تخطب قبل ذلك العمر.
- «في كتاب قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في لبنان اعتبروا أن سن الزواج للإناث هو الثانية عشرة حيث قال ما نصه : " والتزويج ممنوع لمن لم يبلغ الأربعة عشرة سنة ، والمرأة اثنتي عشرة سنة ، وهذا لا يمنع من الخطبة.» [3]
و من العجيب والغريب أن يرفض هؤلاء المسلمون زواج الرسول من السيدة عائشة في سن صغيرة، وانتقالها إلى بيته في سن تسع سنوات، منطلقين في ذلك من مفهوم غربي ، بينما يعتقد الغرب و الشرق بأن السيدة مريم العذراء تزوجت من يوسف النجار وعمرها فقط 12 عشرة سنة، وهو شيخ طاعن في السن تخطى عامه التسعين.
فكما تقول دائرة المعارف الكتابية، والتي من ضمن أعضاء مجلس تحريرها الدكتور القس منيس عبد النور، ما نصه : «تربت مريم في الناصرة ، والأرجح أنها كانت في العقد الثاني من عمرها عندما خطبت ، وفي كتاب ( تاريخ يوسف النجار ) يقال أنها كانت بنت اثنى عشرة سنة عندما خطبت ليوسف ، الذي كان أرمل في التسعين من العمر وصاحب عائلة .» [4] كذلك ورد نفس الكلام للأغنسطس نبيل أميل معوض [5] ، والأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية الأرثوذكسية، يؤكدان زواج السيدة مريم في الثانية عشرة من عمرها من يوسف وهو شيخ كبير عمره نحو التسعين. [6] وأيضاً نيافة الأنبا تكلا أسقف دشنا وتوابعها الذي ينص على أن عمر العذراء كان اثنتي عشرة سنة . [7]
أما إذا ذهبنا إلى ثقافة أخرى و هي الثقافة اليهودية، نجد العجب، ففي موقع (http://www.jewfaq.org) الشهير , نجد أن العمر الأدنى للزواج هو 13 عامًا بالنسبة للذكور و 12 عامًا بالنسبة للإناث، وأن الخطبة يمكن أن تتم في قبل ذلك. [8] ونجد نفس الكلام أيضًا في كتاب المعاملات و الحدود في شريعة اليهود : «أيضا كتب الشريعة اليهودية الحالية تنص أن سن الزواج المفروض بلوغ الثالثة عشرة للرجل والثانية عشرة للمرأة . ولكن يجوز نكاح من بدت عليه أعراض بلوغ الحلم قبل هذا السن.» [9]
و بالرغم من تحديد سن 12 كحد أدنى للزواج في اليهودية، فإننا نجد في تعاليم التلمود أمرًا عجيبًا حقًا، بل وصادمًا إلى حد بعيد، وإليكم النص كما هو :
«قال معلمونا : يروى أن يوستينيا ابنة أسيفيروس ابن أنطونيوس , أنها في يوم ذهبت إلى "راباي" (معلم) ، و قالت له : "في أي عمر يمكن للمرأة أن تتزوج ؟"
فقال لها : "في عمر ثلاث سنوات و يوم واحد."
فسألته : "و في أي عمر تستطيع أن تحمل؟"
فأجابها : "في عمر اثنى عشرة سنة و يوم واحد."
فقالت له : "أنا تزوجت حين كان عمري ست سنوات وأنجبت و عمري سبع سنوات".» [10]
و استنادا لكون الشريعة اليهودية توجب موافقة المرأة على زوجها كما ورد في التلمود : «يحرم على الرجل تزويج ابنته حتى تبلغ وتقول : هذا هو الذي أريد الزواج به» [11] ، شرعت اليهودية حقًا للمرأة التي تتزوج في سن صغيرة أن ترفض الزيجة , بعملية اجرائية تسمى (معون , MI'UN) [12] ، وهي نوع من فسخ عقد الزواج عن طريق ترديد صيغة معينة في حضور اثنين من الشهود، كالآتي :
- «من تزوجت قبل عامها السادس، يمكنها رفض الزواج بدون أي إجراءات لكن فقط بإعلان رفضها للزواج .»
- «من تزوجت بين عامها السادس و العاشر، يجب عليها إجراء المعون إذا بدا عليها علامات الذكاء و إدراك معنى الزواج .»
- «من تزوجت بعد عامها العاشر، يجب عليها إجراء المعون حتى و إن لم تظهر عليها علامات الذكاء ولا إدراك معنى الزواج .»
و عليه أدعو كل مرتاب و كل محرج و كل صاحب نفس ضعيفة و كل خاضع لثقافة الغرب، أن يراجع نفسه، وأن يصرِّح و يجهر بما في دينه دون حرج، و أن ينفض عن نفسه غبار الخضوع والانهزام الحضاري و النفسي .
و أدعو كل حاقد و ناقم على الشريعة و كل طاعن في دين الله، وشريعته وفي رسوله أن ينظر إلى الخشبة التي في عينه قبل أن يبحث عن القذى في عين أخيه.
[*] Stephen Robertson, "Age of Consent Laws," in Children and Youth in History, Item #230, http://chnm.gmu.edu/cyh/teaching-modules/230 (accessed September 19, 2012).
[1] موسوعة الخادم القبطي , الجزء الرابع , مادة : قانون كنسي , بطريركية الأقباط الأرثوذوكس , كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بالمطرية , 1998 , ص : 71
[2] صليب سريال (قمص) , دراسة في قوانين الأحوال الشخصية لعقدي الزواج و الخطبة و بطلانه و فسخه , الكلية الإكليريكية اللاهوتية للقبط الأرثوذوكس , الطبعة الثالثة , ص : 130
[3] عبدالله قراعلي ( مطران ) ، قانون الاحوال الشخصية بلبنان ، صفحة 112
[4] الأرشمندريت سلوان موسي ، سر التجسد ، صفحة 24
[5] نبيل اميل معوض ( أغنسطس ) ، أيام مع العدرا ، صفحة 20
[6] غريغوريوس ( الأنبا ) ، العذراء مريم ، حياتها ورموزها ، صفحة 21
[7] تكلا أسقف دشنا ( الأنبا ) ، مخلصون أحاطوا بالمذود ، صفحة 9
[8] http://www.jewfaq.org/marriage.htm
[9] المعاملات والحدود في شرع اليهود ، نقله العلامه ج. دي. بفلي ، صفحة 370
[10] http://www.come-and-hear.com/niddah/niddah_45.html
[11] Talmud Kiddushin 41a
[12] http://www.jewishencyclopedia.com/articles/10888-mi-un
تعليق