تجسد الابن
كانت مريم العذراء عليها السلام تتعبد فى الهيكل عندما ظهر لها ملاك الرب جبريل وزف اليها بشرى الحمل بيسوع المسيح
ولكن من هو يسوع المسيح الذى حملت به مريم حملا عذراويا دون اب؟؟ وكيف تم هذا الحمل العجيب؟؟
انه الابن الاله . الاقنوم الثانى فى الثالوث نزل من السماء وحل فى جسد بشرى واتحد معه مؤلفا واياه شخصا واحدا وكائنا واحدا هو خلاصة اتحاد الاله البشرى وبمعنى اخر اتحاد اللاهوت بالناسوت
واما معنى النزول بالمفهوم البشرى الذى يقتضى اخلاء من نزل من المكان الذى كان فيه وانحصاره فى المكان الذى نزل فيه فإن النصارى يصرون على ان نزول الابن الالهى من السماء وحلوله فى جسد بشرى انما هو سر الهى يختلف عن المعنى البشرى.
ففى الوقت الذى نزل فيه الابن من السماء الى الارض فانه لا يزال ايضا فى السماء. وفى الوقت الذى كان جالسا فى حجر امه العذراء مريم كان فى الوقت نفسه جالسا على عرشه فى السماء!!!!
وبإختصار فانها عقيدة لا يمكن عرضها على العقل لانها حسب قولهم عقيدة تفوق العقل ولا يمكن للعقل استيعابها ولذلك فإنه ليس على الانسان الا ان يؤمن بهذه العقيدة بقلبه دون ان يدع لعقله اى مجال فى قضية الايمان.
وبالفعل تم الحمل العجيب حين قبلت مريم ورضخت لمشيئة الرب عند ذلك حل عليها الاقنوم الثالث الالهى " الروح القدس" فطهرها من خطيئة ادم ومنحها قوة استيعاب لاهوت الاقنوم الثانى "الابن" الذى حل بدوره فى ذلك الجسد البشرى الذى صنعه له الروح القدس فى جسد مريم العذراء ليصبح اسم يسوع المسيح اسما لهذا الابن الالهى المتجسد فى جسد بشرى وبعبارة اخرى اسما لهذا اللاهوت المتحد بالناسوت(البشر).
ذلك الاتحاد الذى يفوق العقل باعترافهم ولايمكن ادراكه الا بالايمان وحده.
ونتساءل هنا
1 أيمكن لله تعالى الذى لا يحده مكان ان يحل فى جسد بشرى محدود الابعاد متحيز فى مكان منحصر فى زمان.
الا يتناقض هذا الحلول مع سمو الله تعالى وكماله وتنزهه عن التحيز والجسمية وطروء الحوادث عليه.
وكيف يكون الابن الالهى منحصرا فى جسد بشرى وجالسا فى حضن العذراء ويكون فى الوقت ذاته جالسا على عرشه فى الشماء؟؟؟
الا يدل حلول الله فى جسم بشرى على حاجة الله لهذا الجسد كى يحل فيه؟؟
اوليس الحاجة الى الغير نقص فى هذا المحتاج؟ الامر الذى يدل على حدوثه وينفى عنه القدم والازلية؟
اولا يوجب تجسد الابن الالهى وحلوله فى جسد بشرى ان يتغير كلا من اللاهوت والناسوت عما كاما عليه قبل الاتحاد؟
وخير مثال على هذا اتحاد النفس البشرية بالجسد البشرى ....
فإن صفات النفس وصفات الجسد لا تبقيان بعد الاتحاد على ما كانتا عليه قبله..
ذلك اننا نرى الجسد المتحد بالنفس (الروح) تتغير صفاته عن الحالة التى يكون فيها مفارقا للنفس فهو قبل نفخ الروح فيه او بعد الموت ومفارقة الروح (النفس) للجسد جسد ميت ليس به حركة ارادية و لا حياة فضلا عن انه بعد الموت ينحل الى عناصره اولية التى كان عليها قبل ان يتكون وهى من الماء والتراب.
ولكننا نرى هذا الجسد تتغير صفاته وتستحيل عند اتحاد الروح فيصير حساسا متحركا بالارادة.
وكذلك الحال بالنسبة للروح حيث نراها بعد اتحادها بالجسد تستحيل وتتغير عما كانت عليه قبل الاتحاد، اذ تصير بالاتحاد ملتذة بملذات الجسد متألمة بآلامه، اذا اكل الجسد وشرب التذت الروح وشعرت السرور ، وإذا ما ضرب وصفع واهين تألمت الروح بذلك ايضا وشعرت بالضيق فضلا عن ان الروح لا تستطيع دون الجسم ان تزاول الافعال التى تقتضى مشاركة الاعضاء مشاركة مباشرة كالاحساس والتخيل والتذكر.
وبالتالى فإن الروح لم تعد باتحادها بالجسد روحا مجردة و ذلك الجسد لم يعد بأتحاده بالروح جسدا مجردا بل انهما اصبحا بالاتحاد جوهرا ثالثا يقال له ( جوهر جزئى مركب) ليس كله روح و لا كله جسما.
وبناء على هذا كله يمكننا القول : إن اللاهوت والناسوت المتحدين فى المسيح يجب ان يجرى ايضا عليهما التغير والاستحالة عما كانا عليه قبل الاتحاد، فلا تبقى صفات اللاهوت على ما كانت عليه قبل الاتحاد من عدم التحيز و الانحصار والتألم واللذة.
و لا تبقى صفات الناسوت على ما كانت عليه قبل الاتحاد من الجهل والعجز ...
وبالتالى يصبح عندنا جوهر ثالث ليس انسانا محضا ولا إلها محضا ... كائـــــن اجتمعت فيه الانسانية والالوهية معا.
2 والامر الثانى الاهم من هذا هو خلو اناجليهم الثلاثة ( متى ومرقص ولوقا) من اية اشارة لهذا التجسد الالهى، بل والادهش من هذا اننا نرى هذه الاناجيل تؤكد على بشرية المسيح وما تستلزمه تلك البشرية من ضعف وعجز.
والوحيد من بين الاناجيل الذى يتعرض لقضية التجسد هو الانجيل الرابع المنسوب الى يوحنا تلميذ المسيح ( فى اصحاحه الاول).
ولكننا لن نستغرب كثيرا اختلاف هذا الانجيل عن الاناجيل الثلاثة الاولى اذا علمنا ان اغلب علماء المسيحين الدارسين للعهد الجديد ينفون صحة نسبة هذا الانجيل الى يوحنا تلميذ المسيح( احد التلاميذ الاثنى عشرا) ويرجعون تأريخ هذا الانجيل الى وقت متأخر يرجع الى 100م على الاقل.
ومع ان انجيل يوحنا تعرض لتجسد الابن الالهى " الكلمة" إلا ان كيفية هذا التجسد وتفصيلاته تبقى مبهمة حتى فى هذا الانجيل.
وعلينا ان نرجع لرسائل بولس الرسول لنرى تفصيلات هذه العقيدة بشكل اوسع واشمل.
ومع هذا فإن وجود هذه العقيدة فى رسائل بولس لا تبرر للمسيحين صحة هذه العقيدة ابــــــــــــدا ذلك ان بولس – كما سنرى فى موضوع مستقل ان شاء الله- لم يرى المسيح ولم يسمع منه ولا من تلاميذه وهو الذى حرٌٌٌٌف المسيحية عن مسارها الاصلى وما زالت تتبلور وتتطور من بعده حتى وصلت الى ماهى عليه الان.
واللـــــــــــــــه الموفــــق والمستعــــان