مفهوم الــلاأدريـــة و البـحــث الــعـلـمـي
في هذه الأيام أصبحت اللاأدرية موقفا يستند إليه الكثير ممن لم تسعفهم الطرق العقلية للإستدلال على وجود الشيء الغائب من الواقع المشاهد. و المشكلة أن اللاأدرية أصبحت تحكم على صحة إثبات الشيء من عدم ثبوته بعدما كانت و ما زالت مشتقة من الحالة الواصفة للفكر الذي " لا يدري " أي الشاك حتى بشكوكه. بل و أصبحت اللاأدرية حسب فهم معتنقيها إسلوبا علميا يتبجحون بتطبيقها في مجالات البحث العلمية و التجارب العملية.
لذلك إقتضى الأمر أن نقف وقفة ناقدة على تلك المفاهيم التي لم تفهم على وجهها الصحيح لنبينها بتحليل واقعي و أقرب لحقيقة الأمور.
و لنبدأ بتبيان الفرق بين الطريقة العقلية و الطريقة العلمية لأنهما أساس التفكير و الإدراك و لأن كلا منهما محله العقل المفكر و الذي ينتج عنه إدراك الأشياء المادية و الغير مادية في الواقع المحسوس و المشاهد.
لكي تحصل أي عملية عقلية، يجب أن تتوفر معلومات سابقة عن الواقع و بدون هذه المعلومات لا تتم هذه العملية العقلية في أي عقل مفكر. فالطفل مثلا لن يخاف من وضع يده بالنار بالرغم من توفر العقل و توفر الواقع ( النار) و ذلك لأنه يفتقر تلك المعــلــومة التي هي خاصية الحرق بالنار. إذا توفر العقل وحده لا يكفي لإتمام العملية العقلية فكثيرا ما نجد بعض الأشخاص الذين يعانون من شلل دماغي و لكنهم ماهرون في الرسم أو غير ذلك من المهارات. مما سبق نستنتج أن المعلومات و العقل هما الأساس الذي تبنى عليه العملية العقلية.
و هنا يجب التنويه لنقطة هامة، و هي أن العملية العقلية لا تبنى على آراء و إنما على ربط بين المعلومات المتعلقة بالواقع، فالمحتم في الطريقة العقلية ليس وجود رأي أو آراء سابقة عن الواقع، بل وجود معلومات سابقة عنه أو متعلقة به.
الطريقة العقلية تثبت وجود الشيء بشكل قطعي، و لكن قابلية الخطأ في الحكم تقع عند محاولة توظيف العملية الفكرية لإثبات حقيقة الشيء أو صفاته، فمثلا: من خلال الربط بواقع جسم الإنسان و المعلومات الفسيولوجية فيه يمكن إثبات "وجود الروح" بشكل قطعي، و لكن ما زالت "الروح" سرا غير قابل لتفسير أو معرفة حقيقتها و ماهيتها خصوصا بعد موت الإنسان و هنا يكمن الخطأ الذي ينجم عن توظيف الطريقة العقلية لإثبات " حقيقة و صفات الروح" الرغم من ثبوت قطعي بوجودها.
أما الطريقة العلمية، فهي إسلوب عقلاني و لكنها محصورة في مجال الواقع المادي المحسوس و خاصة بالعلوم التجريبية، و تتمثل بإتباع منهج البحث للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق إجراء تجارب على الشيء. و ينطبق عليها الشرط بالأخذ بالمعلومات فقط و طرح الأراء جانبا، و تبدأ عادة بالملاحظة و إجراء التجارب، ثم بتثبيت بعض المتغيرات و موازنتها بإسلوب مدروس، ثم تفسير النتائج للوصول إلى إستنتاجات بالإستنباط القائم عما سبق.
هذه الإستناجات الناجمة عن الطريقة العلمية قابلة للخطأ، لأن البحث يكمن في حقيقة الشيء المراد بحثه، أي أن وجوده حاصل بطبيعة الحال.
النقطة الأهم هنا، أن الطريقة العلمية ليست أساس التفكير بل هي إسلوب للتفكير يسبقه توفر معلومات توجدها الطريقة العقلية عن طريق الملاحظة و ربط المشاهدات أولا و بعد ذلك تتم العملية الفكرية للحصول على معلومات أولية نستخدمها للإنطلاق بالطريقة العلمية. لأن المعلومات الأولية، لأول بحث علمي لا يمكن أن تكون معلومات تجريبية لأن ذلك لم يحصل بعد.
بعد هذه المقدمة، نأتي لموقف "اللاأدرية"، فهل لموقف اللاأدرية أي وجود في الطريقة العلمية؟
الجواب ببساطة، ليس لها وجود إيجابي على الإطلاق، و ذلك لأن اللاأدري يقف موقف الشاك في كل حقيقة علمية و بشكل سلبي، و هذا الشك لا يفرق بين الشك بالمعلومات السابقة الضرورية لأي بحث علمي و بين الأراء السابقة التي هي مستثناة بطبيعة الحال من أي عملية فكرية. فأين هي اللاأدرية هنا؟
اللاأدرية التي ترفض أي حقيقة غير مثبتة بشكل قطعي و بيقين مطلق، و في نفس الوقت ينادون بشعار " نسبية الحقيقة" !
أليس في هذا الموقف تناقض في أسسهم، كيف يطالبون بيقين الحقيقة القاطع بينما هم يشكون حتى بمبدأ الشك الذين يتخذونه أساسا للاأدريتهم.
كباحث في المجال الهندسي، هناك مئات الظواهر التي لم تفسر هندسيا كسلوك المواد و المعادن و التفاعلات الكيميائية و مع هذا نجد تطبيقات صناعية و تقدما تكنولوجيا ناتجة عن إستخدام تلك الظواهر الغير مفسرة. فلو أن كل المهندسين يتبنون موقف اللاأدرية في أبحاثهم لما تقدم العلم على الإطلاق.
يقول العالم إلبرت أينشتاين:" لو أننا عرفنا حقيقة كل شيء أثناء البحث به، لــــمــــا سمي ما نقوم به بــــحــــثـــــا".
إقتباس:
و يقول الفيلسوف نيتشه:" لا يوجد هناك أكثر كسلا و تقاصعا من الذي يقف موقف اللاأدري".
إقتباس:
أخيرا، في أي بحث علمي تكون الخطوة الأولى بمراجعة كل الدراسات و البحوث السابقة في مجال الموضوع المراد دراسته و يوضع في أي تقرير أو بحث منشور في أي مجلة أبحاث علمية تحت بند مهم يسمى "Literature Survey " و بالتالي فإنكار المعلومات العلمية المنشورة و المتعلقة بموضوع معين يتعارض مع شروط و أساسيات البحث العلمي، و عليه يأتي السؤال الذي طرح سابقا " أين اللاأدرية في البحث العلمي و التطبيقات العلمية الحديثة ؟". عمليا وعلميا و واقعيا، الجواب ببساطة لا وجود لمفهوم اللاأدرية في تطبيقات العلم الحديث.لأن اللاأدرية ليست إلا تطبيقا لظاهرة " Zeno's Paradox " و التي تجعل أي تقدما للأمام شبه مستحيل، بل فقط وقوف في مكان ثابت يشك بشكل سلبي بدون أي حجة أو دليل.
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?3154
في هذه الأيام أصبحت اللاأدرية موقفا يستند إليه الكثير ممن لم تسعفهم الطرق العقلية للإستدلال على وجود الشيء الغائب من الواقع المشاهد. و المشكلة أن اللاأدرية أصبحت تحكم على صحة إثبات الشيء من عدم ثبوته بعدما كانت و ما زالت مشتقة من الحالة الواصفة للفكر الذي " لا يدري " أي الشاك حتى بشكوكه. بل و أصبحت اللاأدرية حسب فهم معتنقيها إسلوبا علميا يتبجحون بتطبيقها في مجالات البحث العلمية و التجارب العملية.
لذلك إقتضى الأمر أن نقف وقفة ناقدة على تلك المفاهيم التي لم تفهم على وجهها الصحيح لنبينها بتحليل واقعي و أقرب لحقيقة الأمور.
و لنبدأ بتبيان الفرق بين الطريقة العقلية و الطريقة العلمية لأنهما أساس التفكير و الإدراك و لأن كلا منهما محله العقل المفكر و الذي ينتج عنه إدراك الأشياء المادية و الغير مادية في الواقع المحسوس و المشاهد.
لكي تحصل أي عملية عقلية، يجب أن تتوفر معلومات سابقة عن الواقع و بدون هذه المعلومات لا تتم هذه العملية العقلية في أي عقل مفكر. فالطفل مثلا لن يخاف من وضع يده بالنار بالرغم من توفر العقل و توفر الواقع ( النار) و ذلك لأنه يفتقر تلك المعــلــومة التي هي خاصية الحرق بالنار. إذا توفر العقل وحده لا يكفي لإتمام العملية العقلية فكثيرا ما نجد بعض الأشخاص الذين يعانون من شلل دماغي و لكنهم ماهرون في الرسم أو غير ذلك من المهارات. مما سبق نستنتج أن المعلومات و العقل هما الأساس الذي تبنى عليه العملية العقلية.
و هنا يجب التنويه لنقطة هامة، و هي أن العملية العقلية لا تبنى على آراء و إنما على ربط بين المعلومات المتعلقة بالواقع، فالمحتم في الطريقة العقلية ليس وجود رأي أو آراء سابقة عن الواقع، بل وجود معلومات سابقة عنه أو متعلقة به.
الطريقة العقلية تثبت وجود الشيء بشكل قطعي، و لكن قابلية الخطأ في الحكم تقع عند محاولة توظيف العملية الفكرية لإثبات حقيقة الشيء أو صفاته، فمثلا: من خلال الربط بواقع جسم الإنسان و المعلومات الفسيولوجية فيه يمكن إثبات "وجود الروح" بشكل قطعي، و لكن ما زالت "الروح" سرا غير قابل لتفسير أو معرفة حقيقتها و ماهيتها خصوصا بعد موت الإنسان و هنا يكمن الخطأ الذي ينجم عن توظيف الطريقة العقلية لإثبات " حقيقة و صفات الروح" الرغم من ثبوت قطعي بوجودها.
أما الطريقة العلمية، فهي إسلوب عقلاني و لكنها محصورة في مجال الواقع المادي المحسوس و خاصة بالعلوم التجريبية، و تتمثل بإتباع منهج البحث للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق إجراء تجارب على الشيء. و ينطبق عليها الشرط بالأخذ بالمعلومات فقط و طرح الأراء جانبا، و تبدأ عادة بالملاحظة و إجراء التجارب، ثم بتثبيت بعض المتغيرات و موازنتها بإسلوب مدروس، ثم تفسير النتائج للوصول إلى إستنتاجات بالإستنباط القائم عما سبق.
هذه الإستناجات الناجمة عن الطريقة العلمية قابلة للخطأ، لأن البحث يكمن في حقيقة الشيء المراد بحثه، أي أن وجوده حاصل بطبيعة الحال.
النقطة الأهم هنا، أن الطريقة العلمية ليست أساس التفكير بل هي إسلوب للتفكير يسبقه توفر معلومات توجدها الطريقة العقلية عن طريق الملاحظة و ربط المشاهدات أولا و بعد ذلك تتم العملية الفكرية للحصول على معلومات أولية نستخدمها للإنطلاق بالطريقة العلمية. لأن المعلومات الأولية، لأول بحث علمي لا يمكن أن تكون معلومات تجريبية لأن ذلك لم يحصل بعد.
بعد هذه المقدمة، نأتي لموقف "اللاأدرية"، فهل لموقف اللاأدرية أي وجود في الطريقة العلمية؟
الجواب ببساطة، ليس لها وجود إيجابي على الإطلاق، و ذلك لأن اللاأدري يقف موقف الشاك في كل حقيقة علمية و بشكل سلبي، و هذا الشك لا يفرق بين الشك بالمعلومات السابقة الضرورية لأي بحث علمي و بين الأراء السابقة التي هي مستثناة بطبيعة الحال من أي عملية فكرية. فأين هي اللاأدرية هنا؟
اللاأدرية التي ترفض أي حقيقة غير مثبتة بشكل قطعي و بيقين مطلق، و في نفس الوقت ينادون بشعار " نسبية الحقيقة" !
أليس في هذا الموقف تناقض في أسسهم، كيف يطالبون بيقين الحقيقة القاطع بينما هم يشكون حتى بمبدأ الشك الذين يتخذونه أساسا للاأدريتهم.
كباحث في المجال الهندسي، هناك مئات الظواهر التي لم تفسر هندسيا كسلوك المواد و المعادن و التفاعلات الكيميائية و مع هذا نجد تطبيقات صناعية و تقدما تكنولوجيا ناتجة عن إستخدام تلك الظواهر الغير مفسرة. فلو أن كل المهندسين يتبنون موقف اللاأدرية في أبحاثهم لما تقدم العلم على الإطلاق.
يقول العالم إلبرت أينشتاين:" لو أننا عرفنا حقيقة كل شيء أثناء البحث به، لــــمــــا سمي ما نقوم به بــــحــــثـــــا".
إقتباس:
If we knew what it was we were doing, it would not be called research,would it?" --Albert Einstein
و يقول الفيلسوف نيتشه:" لا يوجد هناك أكثر كسلا و تقاصعا من الذي يقف موقف اللاأدري".
إقتباس:
There is no better soporific and sedative than skepticism." -Nietzche
أخيرا، في أي بحث علمي تكون الخطوة الأولى بمراجعة كل الدراسات و البحوث السابقة في مجال الموضوع المراد دراسته و يوضع في أي تقرير أو بحث منشور في أي مجلة أبحاث علمية تحت بند مهم يسمى "Literature Survey " و بالتالي فإنكار المعلومات العلمية المنشورة و المتعلقة بموضوع معين يتعارض مع شروط و أساسيات البحث العلمي، و عليه يأتي السؤال الذي طرح سابقا " أين اللاأدرية في البحث العلمي و التطبيقات العلمية الحديثة ؟". عمليا وعلميا و واقعيا، الجواب ببساطة لا وجود لمفهوم اللاأدرية في تطبيقات العلم الحديث.لأن اللاأدرية ليست إلا تطبيقا لظاهرة " Zeno's Paradox " و التي تجعل أي تقدما للأمام شبه مستحيل، بل فقط وقوف في مكان ثابت يشك بشكل سلبي بدون أي حجة أو دليل.
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?3154
تعليق