مدارج السالكين

تقليص

عن الكاتب

تقليص

النيسابوري الإسلام اكتشف المزيد حول النيسابوري
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 10 (0 أعضاء و 10 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • النيسابوري
    5- عضو مجتهد

    عضو اللجنة العلمية
    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 13 أغس, 2012
    • 761
    • الإسلام

    #31

    الدرس الحادي والثلاثون

    منزلة التفويض

    فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التفويض , قال صاحب المنازل: وهو ألطف إشارة وأوسع معنى من التوكل فإن التوكل بعد وقوع السبب والتفويض قبل وقوعه وبعده وهو عين الإستسلام والتوكل شعبة منه يعني أن المفوض يتبرأ من الحول والقوة ويفوض الأمر إلى صاحبه من غير أن يقيمه مقام نفسه في مصالحه بخلاف التوكل فإن الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكل فالتفويض: براءة وخروج من الحول والقوة وتسليم الأمر كله إلى مالكه
    فيقال: وكذلك التوكل أيضا وما قدحتم به فى التوكل يرد عليكم نظيره في التفويض سواء فإنك كيف تفوض شيئا لا تملكه ألبتة إلى مالكه وهل يصح أن يفوض واحد من آحاد الرعية الملك إلى ملك زمانه تفوض شيئا لا تملكه ألبتة إلى مالكه وهل يصح أن يفوض واحد من آحاد الرعية الملك إلى ملك زمانه فالعلة إذن في التفويض أعظم منها في التوكل بل لو قال قائل: التوكل فوق التفويض وأجل منه وأرفع لكان مصيبا ولهذا كان القرآن مملوءا به أمرا وإخبارا عن خاصة الله وأوليائه وصفوة المؤمنين بأن حالهم التوكل وأمر الله به رسوله في أربعة مواضع من كتابه وسماه المتوكل كما في صحيح البخارى عن عبدالله بن عمر قال: قرأت في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق وأخبر عن رسله بأن حالهم كان التوكل وبه انتصروا على قومهم
    فالذي نذهب إليه: أن التوكل أوسع من التفويض وأعلى وأرفع قوله: فإن التوكل بعد وقوع السبب والتفويض قبل وقوعه وبعده يعني بالسبب: الاكتساب فالمفوض قد فوض أمره إلى الله قبل اكتسابه وبعده والمتوكل قد قام بالسبب وتوكل فيه على الله فصار التفويض أوسع فيقال: والتوكل قد يكون قبل السبب ومعه وبعده فيتوكل على الله أن يقيمه في سبب يوصله إلى مطلوبه فإذا قام به توكل على الله حال مباشرته فإذا أتمه توكل على الله في حصول ثمراته فيتوكل على الله قبله ومعه وبعده فعلى هذا: هو أوسع من التفويض على ما ذكر قوله: وهو عين الاستسلام أي التفويض عين الانقياد بالكلية إلى الحق سبحانه ولا يبالي أكان ما يقضى له خير أم خلافه والمتوكل يتوكل على الله في مصالحه
    وهذا القدر هو الذي لحظه القوم في هضم مقام التوكل ورفع مقام التفويض عليه وجوابه من وجهين أحدهما: أن المفوض لا يفوض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيرا فهو راض به لأنه يعلم أنه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه وهكذا حال المتوكل سواء بل هو أرفع من المفوض لأن معه من عمل القلب ما ليس مع المفوض فإن المتوكل مفوض وزيادة فلا يستقيم مقام التوكل إلا بالتفويض فإنه إذا فوض أمره إليه اعتمد بقلبه كله عليه بعد تفويضه ونظير هذا: أن من فوض أمره إلى رجل وجعله إليه فإنه يجد من نفسه بعد تفويضه اعتمادا خاصا وسكونا وطمأنينة إلى المفوض إليه أكثر مما كان قبل التفويض وهذا هو حقيقة التوكل الوجه الثاني: أن أهم مصالح المتوكل: حصول مراضي محبوبه ومحابه فهو يتوكل عليه في
    تحصيلها له فأي مصلحة أعظم من هذه

    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
    عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
    وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
    حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

    تعليق

    • النيسابوري
      5- عضو مجتهد

      عضو اللجنة العلمية
      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 13 أغس, 2012
      • 761
      • الإسلام

      #32

      الدرس الثاني والثلاثون

      منزلة الثقة في الله تعالى

      فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الثقة بالله تعالى قال صاحب المنازل: الثقة: سواد عين التوكل ونقطة دائرة التفويض وسويداء قلب التسليم وصدر الباب بقوله تعالى لأم موسى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} [ القصص: 7 ] فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وجرياته إلى حيث ينتهى أو يقف ومراده: أن الثقة خلاصة التوكل ولبه كما أن سواد العين: أشرف ما في العين وأشار بأنه نقطة دائرة التفويض إلى أن مدار التوكل عليه وهو في وسطه كحال النقطة من الدائرة فإن النقطة هي المركز الذي عليه استدارة المحيط ونسبة جهات المحيط إليها نسبة واحدة وكل جزء من أجزاء المحيط مقابل لها كذلك الثقة هي النقطة التي يدور عليها التفويض
      وكذلك قوله: سويداء قلب التسليم فإن القلب أشرف ما فيه سويداؤه وهي المهجة التي تكون بها الحياة وهي في وسطه فلو كان التفويض قلبا لكانت الثقة سويداءه ولو كان عينا لكانت سوادها ولو كان دائرة لكانت نقطتها
      وقد تقدم أن كثيرا من الناس يفسر التوكل بالثقة ويجعله حقيقتها ومنهم من يفسره بالتفويض ومنهم من يفسره بالتسليم فعلمت: أن مقام التوكل يجمع ذلك كله فكأن الثقة عند الشيخ هي روح و
      التوكل كالبدن الحامل لها ونسبتها إلى التوكل كنسبة الإحسان إلى الإيمان والله أعلم

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
      عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
      وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
      حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

      تعليق

      • النيسابوري
        5- عضو مجتهد

        عضو اللجنة العلمية
        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 13 أغس, 2012
        • 761
        • الإسلام

        #33

        الدرس الثالث والثلاثون

        منزلة التسليم

        فصل " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التسليم " وهي نوعان: تسليم لحكمه الديني الأمري وتسليم لحكمه الكوني القدري فأما الأول: فهو تسليم المؤمنين العارفين قال تعالى: {
        فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [ النساء: 65 ] فهذه ثلاث مراتب: التحكيم وسعة الصدر بانتفاء الحرج والتسليم وأما التسليم للحكم الكونى: فمنزلة أقدام ومضلة أفهام حير الأنام وأوقع الخصام وهي مسألة الرضى بالقضاء وقد تقدم الكلام عليها بما فيه كفاية وبينا أن التسليم للقضاء يحمد إذا لم يؤمر العبد بمنازعته ودفعه ولم يقدر على ذلك كالمصائب التي لا قدرة له على دفعها وأما الأحكام التي أمر بدفعها: فلا يجوز له التسليم إليها بل العبودية: مدافعتها بأحكام أخر أحب إلى الله منها
        قال صاحب المنازل: وفي التسليم والثقة والتفويض ما في التوكل من العلل وهو من أعلى درجات سبل العامة يعني أن العلل فيه وجعله وكيله القائم عنه بمصالحه التي كان يحصلها لنفسه بالأسباب والتصرفات وغير ذلك من العلل المتقدمة وقد عرفت ما في ذلك وليس في التسليم إلا علة واحدة: وهي أن لا يكون تسليمه صادرا عن محض الرضى والاختيار بل يشوبه كره وانقباض فيسلم على نوع إغماض فهذه علة التسليم المؤثرة فاجتهد في الخلاص منها وإنما كان للعامة عنده لأن الخاصة في شغل عنه باستغراقهم بالفناء في عين الجمع وجعل الفناء غاية الاستغراق في عين الجمع هو الذى أوجب ما أوجب والله المستعان

        قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
        عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
        وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
        حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

        تعليق

        • النيسابوري
          5- عضو مجتهد

          عضو اللجنة العلمية
          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 13 أغس, 2012
          • 761
          • الإسلام

          #34

          الدرس الرابع والثلاثون

          منزلة الصبر

          فصل "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الصبر" قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعا وهو واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر وهو مذكور في القرآن على ستة عشر نوعا
          الأول: الأمر به نحو قوله تعالى: {
          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [ البقره: 153 ] وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [ البقره: 45 ] وقوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [ آل عمران: 20 ] وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [ النحل: 127 ]
          الثاني: النهي عن ضده كقوله: {
          فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [ الأحقاف:35 ] وقوله: {فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [ الأنفال: 15 ] فإن تولية الأدبار: ترك للصبر والمصابرة وقوله: {وَلاتُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 0 [ محمد: 33 ] فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها وقوله:{ فلا تهنوا ولا تحزنوا} [ آل عمران: 139 ] فإن الوهن من عدم الصبر
          الثالث: الثناء على أهله كقوله تعالى: {
          الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} الآية [ آل عمران: 17 ] وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [ البقره: 177 ] وهو كثير في القرآن
          الرابع: إيجابه سبحانه محبته لهم كقوله: {
          وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [ آل عمران: 146 ]
          الخامس: إيجاب معيته لهم وهي معية خاصة تتضمن حفظهم ونصرهم وتأييدهم ليست معية عامة وهي معية العلم والإحاطة كقوله: {
          وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال: 46 ] وقوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ البقره: 249 الأنفال: 69 ]
          السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه كقوله: {
          وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [ النحل: 126 ] وقوله: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [ النساء: 25 ]
          السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم كقوله تعالى: {
          وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ النحل: 96 ]
          الثامن: إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب كقوله تعالى:{
          إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10 ]
          التاسع: إطلاق البشرى لأهل الصبر كقوله تعالى: {
          وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [ البقره: 155 ]
          العاشر: ضمان النصر والمدد لهم كقوله تعالى:
          بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ} [ آل عمران: 125 ] ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن النصر مع الصبر
          الحادى عشر: الإخبار منه تعالى بأن أهل الصبر هم أهل العزائم كقوله تعالى: {
          وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [ الشورى: 43 ]
          الثاني عشر: الإخبار أنه ما يلقى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر كقوله تعالى: {
          وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [ القصص: 80 ] وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [ فصلت: 35 ]
          الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر كقوله تعالى لموسى: {
          أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ إبراهيم: 5 ] وقوله في أهل سبأ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ سبأ: 19 ] وقوله في سورة الشورى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ الشورى: 3233 ]
          الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب والنجاة من المكروه المرهوب ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر كقوله تعالى: {
          وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 2324 ]
          الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ثم تلا قوله تعالى: {
          وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [ السجده: 24 ]
          السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان كما قرنه الله سبحانه باليقين وبالإيمان وبالتقوى والتوكل وبالشكر والعمل الصالح والرحمة ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خير عيش أدركناه بالصبر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
          أنه ضياء وقال: من يتصبر يصبره الله وفي الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن ! إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له
          قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
          عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
          وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
          حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

          تعليق

          • النيسابوري
            5- عضو مجتهد

            عضو اللجنة العلمية
            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 13 أغس, 2012
            • 761
            • الإسلام

            #35

            الدرس الخامس والثلاثون

            منزلة الصدق

            ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الصدق وهي منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه من صال به لم ترد صولته ومن نطق به علت على الخصوم كلمته فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين ومن مساكنهم في الجنات: تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان: أن يكونوا مع الصادقين وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [ التوبة: 119 ] وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [ النساء: 69 ] فهم الرفيق الأعلى وحسن أولئك رفيقا ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقا ولهم مرتبة المعية مع الله فإن الله مع الصادقين ولهم منزلة القرب منه إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين وأخبر تعالى أن من صدقه فهو خير له فقال: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [ محمد: 21 ] وأخبر تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم: من الإيمان والإسلام والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق فقال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [ البقرة: 177 ] وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان وقسم الله سبحانه الناس إلى صادق ومنافق فقال: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [ الأحزاب: 24 ] والإيمان أساسه الصدق والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر وأخبر سبحانه أنه فى يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه
            قال تعالى: {
            هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [ المائدة: 119] وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [ الزمر: 34 ] فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق فى قوله وعمله وحاله فالصدق: فى هذه الثلاثة فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به: تكون صديقيته ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه: ذروة سنام الصديقية سمي الصديق على الإطلاق و الصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق


            قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
            عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
            وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
            حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

            تعليق

            • النيسابوري
              5- عضو مجتهد

              عضو اللجنة العلمية
              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 13 أغس, 2012
              • 761
              • الإسلام

              #36

              الدرس السادس والثلاثون

              منزلة التواضع

              فصل "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التواضع" قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [ الفرقان: 63 ] أي سكينة ووقارا متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين قال الحسن: علماء حلماء وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا والهون بالفتح في اللغة: الرفق واللين و الهون بالضم: الهوان فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان والمضموم صفة أهل الكفران وجزاؤهم من الله النيران وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [ المائدة: 54 ] لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة على تضمينا لمعاني هذه الأفعال فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول فالمؤمن ذلول كما في الحديث: "المؤمن كالجمل الذلول والمنافق والفاسق ذليل وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق: الكذاب والنمام والبخيل والجبار" وقوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} هو من عزة القوة والمنعة والغلبة قال عطاء رضي الله عنه: للمؤمنين كالوالد لولده وعلى الكافرين كالسبع على فريسته كما قال في الآية الأخرى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [ الفتح: 29 ]
              وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
              إن الله أوحى إلي: أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد"
              وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
              لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" وفي الصحيحين مرفوعا: "ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر"
              وفي حديث احتجاج الجنة والنار: أ
              ن النار قالت: مالي لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وهو في الصحيح وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: العزة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني عذبته"


              قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
              عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
              وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
              حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

              تعليق

              • النيسابوري
                5- عضو مجتهد

                عضو اللجنة العلمية
                حارس من حراس العقيدة
                عضو شرف المنتدى
                • 13 أغس, 2012
                • 761
                • الإسلام

                #37

                الدرس السابع والثلاثون

                باب البسط

                قال صاحب المنازل في باب البسط قال الله تعالى {يَذْرَأُكُمْ فِيه}.قلت وجه تعلقه بإشارة الآية هو أن الله سبحانه يعيشكم فيما خلق لكم من الأنعام المذكورة قال الكلبي يكثركم في هذا التزيج ولولا هذا التزويج لك لم يكثر النسل والمعنى يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعله لكم أزواجا فإن سبب خلقنا وخلق الحيوان بالأزواج والضمير في قوله فيه يرجع إلى الجعل ومعنى الذرء الخلق وهو هنا الخلق الكثير فهو خلق وتكثير فقيل في بمعنى الباء أي يكثركم بذلك وهذا قول الكوفيين والصحيح أنها على بابها والفعل تضمن معنى ينشئكم وهو يتعدى بفي كما قال تعالى وننشئكم فيما لا تعلمون فهذا تفسير الآية ولما كانت الحياة حياتين حياة الأبدان وحياة الأرواح وهو سبحانه الذي يحيي قلوب أوليائه وأرواحهم بإكرامه ولطفه وبسطه كان ذلك تنمية لها وتكثيرا وذرءا والله أعلم
                قال صاحب المنازل البسط أن يرسل شواهد العبد في مدارج العلم ويسبل على باطنه رداء الاختصاص وهم أهل التلبيس وإنما بسطوا في ميدان البسط بعد ثلاث معان لكل معنى طائفة يريد أن البسط إرسال ظواهر العبد وأعماله على مقتضى العلم ويكون باطنه مغمورا بالمراقبة والمحبة والأنس بالله فيكون جماله في ظاهره وباطنه فظاهره قد اكتسى الجمال بموجب العلم وباطنه قد اكتسى الجمال بالمحبة والرجاء والخوف والمراقبة والأنس فالاعمال الظاهرة له دثار والاحوال الباطنة له شعار فلا حاله ينقص عليه ظاهر حكمه ولا علمه يقطع وارد حاله وقد جمع سبحانه بين الجمالين أعني جمال الظاهر وجمال الباطن في غير موضع من كتابه منها قوله تعالى {
                يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} ومنها قوله تعالى في نساء الجنة {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} فهن حسان الوجوه خيرات الأخلاق ومنها قوله تعالى {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} فالنضرة جمال الوجوه والسرور وجمال القلوب ومنها قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَة إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فالنضرة تزين ظواهرهم والنظر يجمل بواطنهم ومنها قوله تعالى {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} فالأساور جملت ظواهرهم والشراب الطهور طهر بواطنهم ومنها قوله تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} فجمل ظاهرها بالكواكب وباطنها بالحراسة من الشياطين رجعنا إلى شرح كلامه قوله وهم أهل التلبيس يعني أنهم المذكورون في باب القبض وهم الفرقة الثانية الذين ستروا بلباس التلبيس عن أعين الناس فلا ترى حقائقهم قوله وإنما بسطوا في ميدان البسط أي بسطهم الحق سبحانه على لسان رسوله لا ما يظنه الملحد أنه السماع الشهي وملاحظة المنظر البهي ورؤية الصور المستحسنات وسماع الآلات المطربات نعم هذا ميدان بسطه الشيطان يقتطع به النفوس عن الميدان الذي نصبه الرحمن فميدان الرحمن الذي بسطه هو الذي نصبه لأنبيائه وأوليائه وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأهله ومع الغريب والقريب وهي سعة الصدر ودوام البشر وحسن الخلق والسلام على من لقيه والوقوف مع من استوقفه والمزاح بالحق مع الصغير والكبير أحيانا وإجابة الدعوة ولين الجانب حتى يظن كل واحد من أصحابه أنه أحبهم إليه وهذا الميدان لا تجد فيه إلا واجبا أو مستحبا أو مباحا يعين عليهما قوله فطائفة بسطت رحمة للخلق يباسطونهم ويلابسونهم فيستضيئون بنورهم والحقائق مجموعة والسرائر مصونة .جعل الله انبساطهم مع الخلق رحمة لهم كما قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فالرب سبحانه بسط هؤلاء مع خلقه ليقتدى بهم السالك ويهتدي بهم الحيران ويشفى بهم العليل ويستضاء بنور هدايتهم ونصحهم ومعرفتهم في ظلمات دياجي الطبع والهوى

                قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                تعليق

                • النيسابوري
                  5- عضو مجتهد

                  عضو اللجنة العلمية
                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 13 أغس, 2012
                  • 761
                  • الإسلام

                  #38

                  الدرس الثامن والثلاثون

                  منزلة العزم

                  فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة العزم , وقد ذكرنا في أول الكتاب أنه نوعان :

                  * أحدهما: عزم المريد على الدخول في الطريق وهو بداية

                  * والثاني: عزم السالك وهو مقام ذكره صاحب المنازل في وسط كتابه في قسم الأصول فقال: هو تحقيق القصد طوعا أو كرها أما قوله: تحقيق القصد فهو أن يكون قصده محققا لا يشوبه شيء من التردد وأما تقسيمه هذا التحقيق إلى طوع وكره: فصحيح فإن المختار: تحقيق قصده طوعا وأما المكره: فتحقيق قصده كرها فإنه إذا أكره على فعل وعزم عليه: فقد حقق قصده كرها لا طوعا واختلف الفقهاء والأصوليون في المكره: هل يسمى مختارا أم لا وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:
                  والتحقيق أنه محمول على الاختيار فله اختيار في الفعل وبه صح وقوعه فإنه لولا إرادته واختياره: لما وقع الفعل ولكنه محمول على أن هذه الإرادة والاختيار ليست من قبله فهو مختار باعتبار أن حقيقة الإرادة والاختيار منه وغير مختار باعتبار أن غيره حمله على الاختيار ولم يكن مختارا من نفسه هذا معنى كلامه
                  قال: وهو على ثلاث درجات :
                  الدرجة الأولى: إباء الحال على العلم لشيم برق الكشف واستدامة نور الأنس والإجابة لإماتة الهوى يريد بإباء الحال على العلم استعصاؤه عليه وأن صاحب الحال: تأبى عليه حاله أن ينزل منه إلى درجة العلم ويصعب عليه ذلك كل الصعوبة وهو انحطاط في رتبته ولا يريد امتناع الحال عن طاعة العلم وتحكيمه فإن هذا انحلال وانسلاخ من الطريق بالكلية فكل حال لا يطيع العلم ولا يحكمه فهو حال فاسد مبعد عن الله لكن من وصل إلى حال العلم لم يحجبه حاله أن ينزل إلى درجة العلم وينحط إليها بلا حال فإن كان مراده هذا المعني: فهو صحيح وإن كان مراده: امتناع الحال عن طاعة العلم لأن العلم يدعو إلى أحكام الغيبة والحجاب والحال يدعو إلى أنس الكشف والحضور فصاحب الحال لا يلتفت إلى العلم: فباطل فإن العلم شرط في الحال تستحيل معرفة صحته بدونه نعم لا ينكر حصوله بدون العلم لكن صاحبه على غير بصيرة ولا وثوق به وشيم برق الكشف هو النظر إليه على بعد فإن صاحب الحال: عامل على شيم برق الكشف لأن شيم برق الكشف: يوجب نورا يأنس به القلب فعزيمة صاحبه: على استدامته وحفظه وأما الإجابة لإماته الهوى فهو أن السالك إذا أشرف على الكشف: أحس بحالة شبيهة بالموت حتى أن منهم من يسقط إلى الأرض ويظن ذلك موتا وهذه الحال من مبادىء الفناء فتهوى نفسه العود إلى الحجاب خوفا من الانعدام لما جبلت عليه النفس البشرية من كراهة الموت فإذا حصل العزم أميت هذا الهوى ولم يلتفت إليه رغبة فيما يطلبه من الفناء في الفردانية فإن الحقيقة لا تبدأ إلا بعد فناء البشرية وهذا الذي قاله حق لا ينكره إلا من لم يذقه وإنما الكلام في مرتبته وأنه غاية أو توسط أو لازم أو عارض فشيخنا رحمه الله كان يرى أنه عارض من عوارض الطريق لا يعرض للكمل ومن السالكين من لم يعرض له ألبتة ومن الناس من يراه لازما للطريق لابد منه ومن الناس من يراه غاية لا شيء فوقه
                  الدرجة الثانية: الاستغراق في لوائح المشاهدة واستنارة ضياء الطريق واستجماع قوى الاستقامة هذه ثلاثة أشياء أحدها: فقدان الإحساس بغيره لاستغراقه في مشاهدته الثاني: استنارة ضياء الطريق يعني ظهور الجادة له ووضوحها واتصالها بمطلوبه وهذا كمن هو سائر إلى مدينة فإذا شارفها ورآها: رأى الطريق حينئذ واضحة إليها واستنار له ضياؤها واتصالها بالمدينة وكان قبل مشاهدة المدينة على علم أو ظن يجوز معه أن يضيع عن باب المدية وأما الآن: فقد أمن من أن يضيع عن الباب وكذلك هذا السالك: قد انقطعت عنه الموانع واستبان له الطريق وأيقن بالوصول وصارت حاله حال معاين باب المدينة من حين يقع بصره عليه وكحال معاين الشفق الأحمر قرب طلوع الشمس حيث تيقن أن الشمس بعده قوله: واستجماع قوى الاستقامة يعني: تستجمع له قوى الظاهر والباطن على قصد الوصول والعزم عليه لمشاهدته ما هو سائر إليه
                  الدرجة الثالثة: معرفة علة العزم على التخلص من العزم ثم الخلاص من تكاليف ترك العزم فإن العزائم لم تورث أربابها ميراثا أكرم من وقوفهم على علل العزائم معرفة علة العزم هي نسبته إلى نفسه فإذا عرف أن العزم مجرد فضل الله وإيثاره وتوفيقه وأنه ليس من العبد
                  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                  عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                  وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                  حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                  تعليق

                  • النيسابوري
                    5- عضو مجتهد

                    عضو اللجنة العلمية
                    حارس من حراس العقيدة
                    عضو شرف المنتدى
                    • 13 أغس, 2012
                    • 761
                    • الإسلام

                    #39

                    الدرس التاسع والثلاثون

                    منزلة الآدب

                    فصل "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الأدب " قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [ التحريم: 6 ] قال ابن عباس وغيره: أدبوهم وعلموهم وهذه اللفظة مؤذنة بالاجتماع فالأدب: اجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس

                    وعلم الأدب: هو علم إصلاح اللسان والخطاب وإصابة مواقعه وتحسين ألفاظه وصيانته عن الخطاء والخلل وهو شعبة من الأدب العام والله أعلم
                    الأدب ثلاثة أنواع : أدب مع الله سبحانه وأدب مع رسوله وشرعه وأدب مع خلقه .
                    فالأدب مع الله ثلاثة أنواع أحدها: صيانة معاملته: أن يشوبها بنقيصة الثاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره الثالث: صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه , أبو علي الدقاق: العبد يصل بطاعة الله إلى الجنة ويصل بأدبه في طاعته إلى الله وقال: رأيت من أراد أن يمد يده في الصلاة إلى أنفه فقبض على يده وقال ابن عطاء: الأدب الوقوف مع المستحسنات فقيل له: وما معناه فقال: أن تعامله سبحانه بالأدب سرا وعلنا ثم أنشد :

                    إذا نطقت جاءت بكل ملاحة*** وإن سكتت جاءت بكل مليح

                    وقال أبو علي: من صاحب الملوك بغير أدب أسلمه الجهل إلى القتل وقال يحيى بن معاذ: إذا ترك العارف أدبه مع معروفه فقد هلك مع الهالكين وقال أبو علي: ترك الأدب يوجب الطرد فمن أساء الأدب على البساط رد إلى الباب ومن أساء الأدب على الباب رد إلى سياسة الدواب وقال يحيى بن معاذ: من تأدب بأدب الله صار من أهل محبة الله وقال ابن المبارك: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم
                    وسئل الحسن البصري رحمه الله عن أنفع الأدب فقال: التفقه في الدين والزهد في الدنيا والمعرفة بما لله عليك


                    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                    عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                    وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                    حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                    تعليق

                    • النيسابوري
                      5- عضو مجتهد

                      عضو اللجنة العلمية
                      حارس من حراس العقيدة
                      عضو شرف المنتدى
                      • 13 أغس, 2012
                      • 761
                      • الإسلام

                      #40

                      الدرس الأربعون

                      منزلة اليقين

                      ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة اليقين وهو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد وبه تفاضل العارفون وفيه تنافس المتنافسون وإليه شمر العاملون وعمل القوم إنما كان عليه وإشاراتهم كلها إليه وإذا تزوج الصبر باليقين: ولد بينهما حصول الإمامة في الدين قال الله تعالى وبقوله يهتدي المهتدون: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [ السجدة: 24 ] وخص سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [ الذرايات: 20 ] وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ البقرة: 4-5 ] وأخبر عن أهل النار: بأنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [ الجاثية: 32 ] فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال القلوب التي هي من أعمال الجوارح وهو حقيقة الصديقية وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره وروى خالد بن يزيد عن السفيانين عن التيمي عن خيثمة عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترضين أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على فضل الله ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن ما رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهية كاره" وإن الله بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضى واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط واليقين قرين التوكل ولهذا فسر التوكل بقوة اليقين
                      والصواب: أن التوكل ثمرته ونتيجته ولهذا حسن اقتران الهدى به قال الله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [ النمل: 79 ] فالحق: هو اليقين وقالت رسل الله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [ إبراهيم: 12 ] ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم فامتلأ محبة لله وخوفا منه ورضي به وشكراً له وتوكلًاعليه وإنابة إليه فهو مادة جميع المقامات والحامل لها واختلف فيه: هل هو كسبي أو موهبي فقيل: هو العلم المستودع في القلوب يشير إلى أنه غير كسبي وقال سهل: اليقين من زيادة الإيمان ولا ريب أن الإيمان كسبي والتحقيق: أنه كسبي باعتبار أسبابه موهبي باعتبار نفسه وذاته قال سهل: ابتداؤه المكاشفة كما قال بعض السلف: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ثم المعاينة والمشاهدة وقال ابن خفيف: هو تحقق الأسرار بأحكام المغيبات وقال أبو بكر بن طاهر: العلم تعارضه الشكوك واليقين لا شك فيه وعند القوم: اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون إلى غير الله وقال ذو النون: اليقين يدعو إلى قصر الأمل وقصر الأمل يدعو إلى الزهد والزهد يورث الحكمة وهي تورث النظر في العواقب قال: وثلاثة من أعلام اليقين: قلة مخالطة الناس في العشرة وترك المدح لهم في العطية والتنزه عن ذمهم عند المنع وثلاثة من أعلامه أيضا: النظر إلى الله في كل شيء والرجوع إليه في كل أمر والاستعانة به في كل حال وقال الجنيد: اليقين هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يحول ولا يتغير في القلب وقال ابن عطاء: على قدر قربهم من التقوى أدركوا من اليقين

                      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                      عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                      وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                      حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                      تعليق

                      • النيسابوري
                        5- عضو مجتهد

                        عضو اللجنة العلمية
                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 13 أغس, 2012
                        • 761
                        • الإسلام

                        #41

                        الدرس الحادي والأربعون

                        منزلة الذكر

                        فصل "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الذكر " وهي منزلة القوم الكبرى التي منها يتزودون وفيها يتجرون وإليها دائما يترددون و الذكر منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا وعمارة ديارهم التى إذا تعطلت عنه صارت بورا وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب إذا مرضنا تداوينا بذكركم فنترك الذكر أحيانا فننتكس به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات إذا أظلمهم البلاء فإليه ملجؤهم وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم فهو رياض جنتهم التي فيها يتقبلون ورءوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا ويوصل الذاكر إلى المذكور بل يدع الذاكر مذكورا وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة و الذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة بل هم يأمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال: قياما وقعودا وعلى جنوبهم فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها فكذلك القلوب بور وخراب وهو عمارتها وأساسها وهو جلاء القلوب وصقالها ودواؤها إذا غشيها اعتلالها وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقا: ازداد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقا وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه: نسي في جنب ذكره كل شيء وحفظ الله عليه كل شيء وكان له عوضا من كل شيء به يزول الوقر عن الأسماع والبكم عن الألسن وتنقشع الظلمة عن الأبصار زين الله به ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين فاللسان الغافل: كالعين العمياء والأذن الصماء واليد الشلاء وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته قال الحسن البصري رحمه الله:

                        تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق

                        وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان قال بعض السلف: إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا فيقال: قد مسه الإنسي وهو روح الأعمال الصالحة فإذا خلا العمل عن الذكر كان كالجسد الذي لا روح فيه والله أعلم


                        قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                        عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                        وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                        حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                        تعليق

                        • النيسابوري
                          5- عضو مجتهد

                          عضو اللجنة العلمية
                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 13 أغس, 2012
                          • 761
                          • الإسلام

                          #42

                          الدرس الثاني والأربعون

                          منزلة الغنى العالي

                          فصل " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الغنى العالي " وهو نوعان: غنى بالله وغنى عن غير الله وهما حقيقة الفقر ولكن أرباب الطريق أفردوا للغنى منزلة قال صاحب المنازل رحمه الله باب الغني قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [ الضحى: 8 ] وفي الآية ثلاثة أقوال أحدها: أنه أغناه من المال بعد فقره: وهذا قول أكثر المفسرين لأنه قابله بقوله عائلا والعائل: هو المحتاج ليس ذا العيلة فأغناه من المال والثاني: أنه أرضاه بما أعطاه وأغناه به عن سواه فهو غنى قلب ونفس لا غنى مال وهو حقيقة الغنى والثالث: وهو الصحيح أنه يعم النوعين: نوعي الغنى فأغنى قلبه به وأغناه من المال ثم قال: الغنى اسم للملك التام يعني أن من كان مالكا من وجه دون وجه فليس بغني وعلى هذا: فلا يستحق اسم الغنى بالحقيقة إلا الله وكل ما سواه فقير إليه بالذات

                          قال: وهو على ثلاث درجات

                          الدرجة الأولى: غنى القلب وهو سلامته من السبب ومسالمته للحكم وخلاصه من الخصومة حقيقة غني القلب: تعلقه بالله وحده وحقيقة فقره المذموم: تعلقه بغيره فإذا تعلق بالله حصلت له هذه الثلاثة التي ذكرها سلامته من السبب أي من التعلق به لا من القيام به والغني عند أهل الغفلة بالسبب ولذلك قلوبهم معلقة به وعند العارفين بالمسبب وكذلك الصناعة والقوة فهذه الثلاثة: هي جهات الغنى عند الناس وهي التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى وفي رواية ولا لقوي مكتسب وهو غني بالشيء فصاحبها غني بها إذا سكنت نفسه إليها وإن كان سكونه إلى ربه: فهو غني به وكل ما سكنت النفس إليه فهي فقيرة إليه وأما مسالمة الحكم فعلى نوعين أحدهما: مسالمة الحكم الديني الأمري وهي معانقته وموافقته ضد محاربته والثاني: مسالمة الحكم الكوني القدري الذي يجري عليه بغير اختباره ولا قدره له على دفعه وهو غير مأمور بدفعه وفي مسالمة الحكم نكتة لابد منها وهي تجريد إضافته ونسبته إلى من صدر عنه بحيث لا ينسبه إلى غيره وهذا يتضمن توحيد الربوبية في مسالمة الحكم الكوني وتوحيد الإلهية في مسألمة الحكم الديني وهما حقيقة إياك نعبد وإياك نستعين وأما الخلاص من الخصومة فإنما يحمد منه: الخلاص من الخصومة بنفسه لنفسه وأما إذا خاصم بالله ولله: فهذا من كمال العبودية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في استفتاحه: اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت
                          الدرجة الثانية: غنى النفس وهو استقامتها على المرغوب وسلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة جعل الشيخ: غنى النفس فوق غنى القلب ومعلوم: أن أمور القلب أكمل وأقوى من أمور النفس لكن في هذا الترتيب نكتة لطيفة وهي أن النفس من جند القلب ورعيته وهي من أشد جنده خلافا عليه وشقاقا له ومن قبلها تتشوش عليه المملكة ويدخل عليه الداخل فإذا حصل له كمال بالغنى: لم يتم له إلا بغناها أيضا فإنها متى كانت فقيرة عاد حكم فقرها عليه وتشوش عليه غناه فكان غناها تماما لغناه وكمالا له وغناه أصلا بغناها فمنه يصل الغنى إليها ومنها يصل الفقر والضرر والعنت إليه إذا عرف هذا فالشيخ جعل غناها بثلاثة أشياء: استقامتها على المرغوب وهو الحق تعالى واستقامتها عليه: استدامة طلبه وقطع المنازل بالسير إليه الثاني: سلامتها من الحظوظ وهي تعلقاتها الظاهرة والباطنة بما سوى الله الثالث: براءتها من المراءاة وهي إرادة غير الله بشيء من أعمالها وأقوالها فمراءاتها دليل على شدة فقرها وتعلقها بالحظوظ من فقرها أيضا وعدم استقامتها على مطلوبها الحق أيضا: من فقرها وذلك يدل على أنها غير واجدة لله إذ لو وجدته لاستقامت على السير إليه ولقطعت تعلقاتها وحظوظها من غيره ولما أرادت بعملها غيره فلا تستقيم هذه الثلاثة إلا لمن قد ظفر بنفسه ووجد مطلوبه وما لم يجد ربه تعالى فلا استقامة له ولا سلامة لها من الحظوظ ولا براءة لها من الرياء
                          الدرجة الثالثة: الغنى بالحق وهو على ثلاث مراتب المرتبة الأولى: شهود ذكره إياك والثانية: دوام مطالعة أوليته والثالثة: الفوز بوجوده أما شهود ذكره إياك فقد تقدم قريبا وأما مطالعة أوليته فهو سبقه للأشياء جميعا فهو الأول الذي ليس قبله شيء قال بعضهم: ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله فإن قلت: وأي غنى يحصل للقلب للقلب من مطالعة أولية الرب وسبقه لكل شيء ومعلوم أن هذا حاصل لكل أحد من غني أو فقير فما وجه الغنى الحاصل به قلت: إذا شهد القلب سبقه للأسباب وأنها كانت في حيز العدم وهو الذي كساها حلة الوجود فهي معدومة بالذات فقيرة إليه بالذات وهو الموجود بذاته والغني بذاته لا بغيره فليس الغنى في الحقيقة إلا به كما أنه ليس في الحقيقة إلا له فالغنى بغيره: عين الفقر فإنه غني بمعدوم فقير وفقير كيف يستغني بفقير مثله وأما الفوز بوجوده فإشارة القوم كلهم إلى هذا المعنى وهو نهاية سفرهم وفي الأثر الإلهي: ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ومن لم يعلم معنى وجوده لله عز وجل والفوز به: فليحث على رأسه الرماد وليبك على نفسه والله أعلم


                          قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                          عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                          وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                          حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                          تعليق

                          • النيسابوري
                            5- عضو مجتهد

                            عضو اللجنة العلمية
                            حارس من حراس العقيدة
                            عضو شرف المنتدى
                            • 13 أغس, 2012
                            • 761
                            • الإسلام

                            #43

                            الدرس الثالث والأربعون


                            منزلة المراد

                            فصل " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المراد " أفردها القوم بالذكر وفي الحقيقة: فكل مريد مراد بل لم يصر مريدا إلا بعد أن كان مرادا لكن القوم خصوا المريد بالمبتدىء و المراد بالمنتهي قال أبو علي الدقاق: المريد متحمل والمراد محمول وقد كان موسى مريدا إذ: قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [ طه: 25 ] ونبينا كان مرادا إذ قيل له: ألم نشرح لك صدرك وسئل الجنيد عن المريد والمراد فقال: المريد يتولى سياسته العلم والمراد: يتولى رعايته الحق لأن المريد يسير والمراد يطير فمتى يلحق السائر الطائر
                            قال الله تعالى: {
                            وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [ القصص: 86 ] أكثر المتكلمين في هذا العلم جعلوا المريد والمراد اثنين وجعلوا مقام المراد فوق مقام المريد وإنما أشاروا باسم المراد إلى الضنائن الذين ورد فيهم الخبر قلت: وجه استشهاده بالآية: أن الله سبحانه ألقى إلى رسوله كتابه وخصه بكرامته وأهله لرسالته ونبوته من غير أن يكون ذلك منه على رجاء أو ناله بكسب أو توسل إليه بعمل بل هو أمر أريد به فهو المراد حقيقة وقوله: إن أكثرهم جعلوا المريد والمراد اثنين فهو تعرض إلى أن منهم من اكتفى عن ذكر مقام المراد بمنزلة الإرادة لأن صاحبها مريد مرادوأما إشارتهم إلى الضنائن فالمراد به: حديث يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافية ويميتهم في عافية و الضنائن الخصائص يقال: هو ضنتي من بين الناس بكسر الضاد أي الذي أختص به وأضن بجودته أي أبخل بها أن أضيعها
                            وقد مثل للمريد والمراد بقوم بعث إليهم سلطانهم يستدعيهم إلى حضرته من بلاد نائية وأرسل إليهم بالأدلة والأموال والمراكب وأنواع الزاد وأمرهم بأن يتجشموا إليه قطع السبل والمفاوز وأن يجتهدوا في المسير حتى يلحقوا به وبعث خيلا له ومماليك إلى طائفة منهم فقال: احملوهم على هذه الخيل التي تسبق الركاب واخدموهم في طريقهم ولا تدعوهم يعانون مؤنة الشد والربط بل إذا نزلوا فأريحوهم ثم احملوهم حتى تقدموهم علي فلم يجد هؤلاء من مجاهدة السير ومكابدته ووعثاء السفر ما وجده غيرهم ومن الناس من يقول: المريد ينتقل من منزلة الإرادة إلى أن يصير مرادا فكان محبا فصار محبوبا فكل مريد صادق نهاية أمره: أن يكون مرادا وأكثرهم على هذا وصاحب المنازل كأن عنده المراد هو المجذوب و المريد هو السالك على طريق الجادة


                            قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                            عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                            وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                            حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                            تعليق

                            • النيسابوري
                              5- عضو مجتهد

                              عضو اللجنة العلمية
                              حارس من حراس العقيدة
                              عضو شرف المنتدى
                              • 13 أغس, 2012
                              • 761
                              • الإسلام

                              #44

                              الدرس الرابع والأربعون

                              منزلة الإحسان

                              فصل " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الإحسان " وهي لب الإيمان وروحه وكماله وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل فجميعها منطوية فيها وكل ما قيل من أول الكتاب إلى ههنا فهو من الإحسان
                              قال صاحب المنازل رحمه الله وقد استشهد على هذه المنزلة بقوله تعالى: {
                              هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [ الرحمن: 60 ]: فالإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق وهو أن تعبد الله كأنك تراه أما الآية: فقال ابن عباس رضي الله عنه والمفسرون: هل جزاء من قال: لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد إلا الجنة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [ الرحمن: 60 ] ثم قال: هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا: الله ورسوله أعلم قال: يقول: هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة" وأما الحديث: فإشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل ومراقبته الجامعة لخشيته ومحبته ومعرفته والإنابة إليه والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان
                              قال: وهو على ثلاث درجات:

                              الدرجة الأولى: الإحسان في القصد بتهذيبه علما وإبرامه عزما وتصفيته حالا يعني إحسان القصد يكون بثلاثة أشياء أحدها: تهذيبه علما بأن يجعله تابعا للعلم على مقتضاه مهذبا به منقى من شوائب الحظوظ فلا يقصد إلا ما يجوز في العلم و العلم هو اتباع الأمر والشرع والثاني: إبرامه عزما و الإبرام الإحكام والقوة أي يقارنه عزم يمضيه ولا يصحبه فتور وتوان يضعفه ويوهنه الثالث: تصفيته حالا أي يكون حال صاحبه صافيا من الأكدار والشوائب التي تدل على كدر قصده فإن الحال مظهر القصد وثمرته وهو أيضا مادته وباعثه فكل منهما ينفعل عن الآخر فصفاؤه وتخليصه من تمام صفاء الآخر وتخليصه
                              الدرجة الثانية: الإحسان في الأحوال وهو أن تراعيها غيرة وتسترها تظرفا وتصححها تحقيقا يريد بمراعاتها: حفظها وصونها غيرة عليها أن تحول فإنها تمر مر السحاب فإن لم يرع حقوقها حالت ومراعاتها: بدوام الوفاء وتجنب الجفاء ويراعيها أيضا بإكرام نزلها فإنها ضيف والضيف إن لم تكرم نزله ارتحل ويراعيها أيضا بضبطها ملكة وشد يده عليها وأن لا يسمح بها لقاطع طريق ولا ناهب ويراعيها أيضا: بالانقياد إلى حكمها والإذعان لسلطانها إذا وافق الأمر ويراعيها أيضا: بسترها تظرفا وهو أن يسترها عن الناس ما أمكنه لئلا يعلموا بها ولا يظهرها إلا لحجة أو حاجة أو مصلحة راجحة فإن في إظهارها بدون ذلك آفات عديدة مع تعريضها للصوص والسراق والمغيرين وإظهار الحال للناس عند الصادقين: حمق وعجز وهو من حظوظ النفس والشيطان وأهل الصدق والعزم لها أستر وأكتم من أرباب الكنوز من الأموال لأموالهم حتى إن منهم من يظهر أضدادها نفيا وجحدا وهم أصحاب الملامتيه ولهم طريقة معروفة وكان شيخ هذه الطائفة عبدالله بن منازل واتفقت الطائفة على أن من أطلع الناس على حاله مع الله: فقد دنس طريقته إلا لحجة أو حاجة أو ضرورة وقوله: وتصحيحها تحقيقا أي يجتهد في تحقيق أحواله وتصحيحها وتخليصها فإن الحال قد يمتزج بحق وباطل ولا يميزه إلا أولو البصائر والعلم وأهل هذه الطريق يقولون: إن الوارد الذي يبتدىء العبد من جانبه الأيمن والهواتف والخطاب: يكون في الغالب حقا والذي يبتدىء من الجانب الأيسر: يكون في الغالب باطلا وكذبا فإن أهل اليمين: هم أهل الحق وبأيمانهم يأخذون كتبهم ونورهم الظاهر على الصراط يكون بأيمانهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وشأنه كله والله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وأخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وحظه من ابن آدم جهة الشمال ولهذا تكون اليد الشمال للاستجمار وإزالة النجاسة والأذى ويبدأ بالرجل الشمال عند دخول الخلاء ومن الفرقان أيضا: أن كل وارد يبقي الإنسان بعد انفصاله نشيطا مسرورا نشوانا: فإنه وارد ملكي وكل وارد يبقي الإنسان بعد انفصالة خبيث النفس كسلان ثقيل الأعضاء والروح يجنح إلى فتور: فهو وارد شيطاني ومن الفرقان أيضا: أن كل وارد أعقب في القلب: معرفة بالله ومحبة له وأنسا به وطمأنينة بذكره وسكونا إليه: فهو ملكي إلهي وخلافه بخلافه
                              الدرجة الثالثة: الإحسان في الوقت وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدا ولا تخلط بهمتك أحدا وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدا أي لا تفارق حال الشهود وهذا إنما يقدر عليه أهل التمكن الذين ظفروا بنفوسهم وقطعوا المسافات التي بين النفس وبين القلب والمسافات التي بين القلب وبين الله بمجاهدة القطاع التي على تلك المسافات وقوله: ولا تخلط بهمتك أحدا يعني: أن تعلق همتك بالحق وحده ولا تعلق همتك بأحد غيره فإن ذلك شرك في طريق الصادقين قوله: وأن تجعل هجرتك إلى الحق سرمدا يعني: أن كل متوجه إلى الله بالصدق والإخلاص فإنه من المهاجرين إليه فلا ينبغي أن يتخلف عن هذه الهجرة بل ينبغي أن يصحبها سرمدا حتى يلحق بالله عز وجل


                              فما هي إلا ساعة ثم تنقضي*** ويحمد غب السير من هو سائر

                              http://www.4shared.com/mp3/pqYeB0YY/__-__.html


                              قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                              عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                              وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                              حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                              تعليق

                              • النيسابوري
                                5- عضو مجتهد

                                عضو اللجنة العلمية
                                حارس من حراس العقيدة
                                عضو شرف المنتدى
                                • 13 أغس, 2012
                                • 761
                                • الإسلام

                                #45

                                الدرس الخامس والأربعون

                                منزلة العلم

                                فصل " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة العلم " وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعة في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه: فسلوكه على غير طريق وهو مقطوع عليه طريق الوصول مسدود عليه سبل الهدى والفلاح مغلقة عنه أبوابها وهذا إجماع من الشيوخ العارفين ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم ونواب إبليس وشرطه قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة وقال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة وقال أبو حفص رحمه الله: من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة وقال سهل به عبدالله رحمه الله: كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء طاعة كان أو معصية فهو عيش النفس وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء: فهو عذاب على النفس وقال السري: التصوف اسم لثلاثة معان: لا يطفىء نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله وقال أبو يزيد: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لبقيت واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد وقال مرة لخادمه: قم بنا إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالصلاح لنزوره فلما دخلا عليه المسجد تنخع ثم رمى بها نحو القبلة فرجع ولم يسلم عليه وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه وقال: لقد هممت أن أسأل الله تعالى أن يكفيني مؤنة النساء ثم قلت: كيف يجوز لي أن أسأل الله هذا ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسأله ثم إن الله كفاني مؤنة النساء حتى لا أبالي استقبلتني امرأة أو حائط وقالوا: لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات إلى أن يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريع



                                قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                                عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                                وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                                حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
                                ردود 0
                                10 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
                                ردود 0
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
                                رد 1
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
                                ردود 0
                                13 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 13 سبت, 2024, 11:17 م
                                ردود 0
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                يعمل...