مدارج السالكين

تقليص
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • النيسابوري
    5- عضو مجتهد

    عضو اللجنة العلمية
    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 13 أغس, 2012
    • 761
    • الإسلام

    #1

    مدارج السالكين


    بسم الله الرحمن الرحيم

    سلسلة شرح كتاب

    مدارج السالكين
    بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

    للعلامة إبن القيم رحمه الله


    بصوت الشيخ الراحل

    محمد سيد حاج
    رحمه الله


    المحاضره الأولى "مقدمه"


    http://www.4shared.com/mp3/AhZ8tHFf/___1__.html







    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
    عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
    وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
    حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

  • النيسابوري
    5- عضو مجتهد

    عضو اللجنة العلمية
    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 13 أغس, 2012
    • 761
    • الإسلام

    #2

    المحاضره الثانيه

    منزلة الهدايه

    مَرَاتِبِ الْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهِيَ عَشْرُ مَرَاتِبَ:

    - الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: مَرْتَبَةُ تَكْلِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ يَقَظَةً بِلَا وَاسِطَةٍ، بَلْ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا، كَمَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ
    - الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : مَرْتَبَةُ الْوَحْيِ الْمُخْتَصِّ بِالْأَنْبِيَاءِ
    - الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ :إِرْسَالُ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ إِلَى الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ فَيُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَهُ أَنْ يُوَصِّلَهُ إِلَيْهِ.

    فَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثُ خَاصَّةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ.

    - الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ : مَرْتَبَةُ التَّحْدِيثِ وَهَذِهِ دُونَ مَرْتَبَةِ الْوَحْيِ الْخَاصِّ، وَتَكُونُ دُونَ مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِينَ
    - الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ : مَرْتَبَةُ الْإِفْهَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
    وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78] فَذَكَرَ هَذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ، وَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْمُعَيَّنَةِ
    - الْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ : مَرْتَبَةُ الْبَيَانِ الْعَامِّ وَهُوَ تَبْيِينُ الْحَقِّ وَتَمْيِيزُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِأَدِلَّتِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَأَعْلَامِهِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ مَشْهُودًا لِلْقَلْبِ، كَشُهُودِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيَّاتِ
    - الْمَرْتَبَةُ السَّابِعَةُ : الْبَيَانُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْبَيَانُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْهِدَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَهُوَ بَيَانٌ تُقَارِنُهُ الْعِنَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ وَالِاجْتِبَاءُ، وَقَطْعُ أَسْبَابِ الْخِذْلَانِ وَمَوَادِّهَا عَنِ الْقَلْبِ
    - الْمَرْتَبَةُ الثَّامِنَةُ : مَرْتَبَةُ الْإِسْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
    وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]
    - الْمَرْتَبَةُ التَّاسِعَةُ : مَرْتَبَةُ الْإِلْهَامِ وهُوَ مَقَامُ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ فَوْقَ مَقَامِ الْفِرَاسَةِ، لِأَنَّ الْفِرَاسَةَ رُبَّمَا وَقَعَتْ نَادِرَةً، وَاسْتُصْعِبَتْ عَلَى صَاحِبِهَا وَقْتًا، أَوِ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ، وَالْإِلْهَامُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَقَامٍ عَتِيدٍ
    - الْمَرْتَبَةُ الْعَاشِرَةُ : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «
    الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»


    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
    عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
    وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
    حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

    تعليق

    • النيسابوري
      5- عضو مجتهد

      عضو اللجنة العلمية
      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 13 أغس, 2012
      • 761
      • الإسلام

      #3

      المحاضره الثالثه

      منزلة محاسبة النفس

      فَإِنَّ الْمُقِيمَ فِي وَطَنِهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ السَّفَرُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ مِنْ غَفْلَتِهِ عَنِ السَّفَرِ، ثُمَّ يَتَبَصَّرَ فِي أَمْرِ سَفَرِهِ وَخَطَرِهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَالْمَصْلَحَةِ، ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ وَالتَّزَوُّدِ وَإِعْدَادِ عُدَّتِهِ، ثُمَّ يَعْزِمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ قَصْدَهُ انْتَقَلَ إِلَى مَنْزِلَةِ الْمُحَاسِبَةِ وَهِيَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَيَسْتَصْحِبُ مَا لَهُ، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرَ مَنْ لَا يَعُودُ
      وَمِنْ مَنْزِلَةِ الْمُحَاسَبَةِ يَصِحُّ لَهُ نُزُولُ مَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ إِذَا حَاسَبَ نَفْسَهُ، عَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَخَرَجَ مِنْهُ، وَتَنَصَّلُ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ فَكَانَ تَقْدِيمُ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهَا لِذَلِكَ أَوْلَى.
      وَلِتَأْخِيرِهَا عَنْهَا وَجْهٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُحَاسَبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ التَّوْبَةِ.
      وَالتَّحْقِيقُ أَنْ التَّوْبَةَ بَيْنَ مُحَاسَبَتَيْنِ، مُحَاسَبَةٍ قَبْلَهَا، تَقْتَضِي وُجُوبَهَا، وَمُحَاسَبَةٍ بَعْدَهَا، تَقْتَضِي حِفْظَهَا، فَالتَّوْبَةُ مَحْفُوفَةٌ بِمُحَاسَبَتَيْنِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى
      {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ الْعَبْدَ أَنْ يَنْظُرَ مَا قَدَّمَ لِغَدٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ مُحَاسَبَةَ نَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرَ هَلْ يَصْلُحُ مَا قَدَّمَهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِهِ أَوْ لَا يَصْلُحُ؟
      وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّظَرِ مَا يُوجِبُهُ وَيَقْتَضِيهِ، مِنْ كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَتَقْدِيمِ مَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيُبَيِّضُ وَجْهَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتُزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] أَوْ قَالَ: عَلَى مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أَعْمَالُكُمْ.


      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
      عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
      وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
      حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

      تعليق

      • النيسابوري
        5- عضو مجتهد

        عضو اللجنة العلمية
        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 13 أغس, 2012
        • 761
        • الإسلام

        #4


        المحاضره الرابعه


        منزلة التوبه

        فَإِذَا صَحَّ هَذَا الْمَقَامُ، وَنَزَلَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، أَشْرَفَ مِنْهَا عَلَى مَقَامِ التَّوْبَةِ ; لِأَنَّهُ بِالْمُحَاسَبَةِ قَدْ تَمَيَّزَ عِنْدَهُ مَا لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ، فَلْيَجْمَعْ هِمَّتَهُ وَعَزْمَهُ عَلَى النُّزُولِ فِيهِ وَالتَّشْمِيرِ إِلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ.
        وَمَنْزِلُ التَّوْبَةِ أَوَّلُ الْمَنَازِلِ، وَأَوْسَطُهَا، وَآخِرُهَا، فَلَا يُفَارِقُهُ الْعَبْدُ السَّالِكُ، وَلَا يَزَالُ فِيهِ إِلَى الْمَمَاتِ، وَإِنِ ارْتَحَلَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ ارْتَحَلَ بِهِ، وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ وَنَزَلَ بِهِ، فَالتَّوْبَةُ هِيَ بِدَايَةُ الْعَبْدِ وَنِهَايَتُهُ، وَحَاجَتُهُ إِلَيْهَا فِي النِّهَايَةِ ضَرُورِيَّةٌ، كَمَا أَنَّ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا فِي الْبِدَايَةِ كَذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
        وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ، خَاطَبَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَخِيَارَ خَلْقِهِ أَنْ يَتُوبُوا إِلَيْهِ، بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَصَبْرِهِمْ، وَهِجْرَتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَّقَ الْفَلَاحَ بِالتَّوْبَةِ تَعْلِيقَ الْمُسَبَّبِ بِسَبَبِهِ، وَأَتَى بِأَدَاةِ لَعَلَّ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّرَجِّي، إِيذَانًا بِأَنَّكُمْ إِذَا تُبْتُمْ كُنْتُمْ عَلَى رَجَاءِ الْفَلَاحِ، فَلَا يَرْجُو الْفَلَاحَ إِلَّا التَّائِبُونَ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ.
        قَالَ تَعَالَى {
        وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] قَسَّمَ الْعِبَادَ إِلَى تَائِبٍ وَظَالِمٍ، وَمَا ثَمَّ قَسْمٌ ثَالِثٌ الْبَتَّةَ، وَأَوْقَعَ اسْمَ الظَّالِمِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ، وَلَا أَظْلَمَ مِنْهُ، لِجَهْلِهِ بِرَبِّهِ وَبِحَقِّهِ، وَبِعَيْبِ نَفْسِهِ وَآفَاتِ أَعْمَالِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَعُدُّونَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ» " مِائَةَ مَرَّةٍ، وَمَا صَلَّى صَلَاةً قَطُّ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] إِلَى آخِرِهَا، إِلَّا قَالَ فِيهَا «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» .
        فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى أَعْلَمِ الْخَلْقِ بِاللَّهِ وَحُقُوقِهِ وَعَظْمَتِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ جَلَالُهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَحُقُوقِهَا وَأَقْوَمِهِمْ بِهَا.
        وَلَمَّا كَانَتِ التَّوْبَةُ هِيَ رُجُوعُ الْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ، وَمُفَارَقَتُهُ لِصِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِدَايَةِ اللَّهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَا تَحْصُلُ هِدَايَتُهُ إِلَّا بِإِعَانَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَقَدِ انْتَظَمَتْهَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ أَحْسَنَ انْتِظَامٍ، وَتَضَمَّنَتْهَا أَبْلَغَ تَضَمُّنٍ، فَمَنْ أَعْطَى الْفَاتِحَةَ حَقَّهَا - عِلْمًا وَشُهُودًا وَحَالًا مَعْرِفَةً - عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ لَهُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْعُبُودِيَّةِ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَإِنَّ الْهِدَايَةَ التَّامَّةَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لَا تَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ بِالذُّنُوبِ، وَلَا مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ جَهْلٌ يُنَافِي مَعْرِفَةَ الْهُدَى، وَالثَّانِيَ غَيٌّ يُنَافِي قَصْدَهُ وَإِرَادَتَهُ، فَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الذَّنْبِ، وَالِاعْتِرَافِ بِهِ، وَطَلَبِ التَّخَلُّصِ مِنْ سُوءِ عَوَاقِبِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا.


        قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
        عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
        وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
        حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

        تعليق

        • النيسابوري
          5- عضو مجتهد

          عضو اللجنة العلمية
          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 13 أغس, 2012
          • 761
          • الإسلام

          #5

          المحاضره الخامسه

          منزلة التوبه "أحكام التوبه"

          وَمِنْ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ أَنَّهُ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ أَبَدًا، أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ؟
          فَشَرَطَ بَعْضُ النَّاسِ عَدَمَ مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ، وَقَالَ: مَتَى عَادَ إِلَيْهِ تَبَيَّنَّا أَنَّ التَّوْبَةَ كَانَتْ بَاطِلَةً غَيْرَ صَحِيحَةٍ.
          وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا صِحَّةُ التَّوْبَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ، وَالْعَزْمِ الْجَازِمِ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ.
          فَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَهَلْ يُشْتَرَطُ تَحَلُّلُهُ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ - سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فَإِذَا عَاوَدَهُ، مَعَ عَزْمِهِ حَالَ التَّوْبَةِ عَلَى أَنْ لَا يُعَاوِدَهُ، صَارَ كَمَنِ ابْتَدَأَ الْمَعْصِيَةَ، وَلَمْ تَبْطُلْ تَوْبَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
          وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةُ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَابَ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ عَاوَدَهُ، فَهَلْ يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الَّذِي قَدْ تَابَ مِنْهُ ثُمَّ عَاوَدَهُ، بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ إِنْ مَاتَ مُصِرًّا؟ أَوْ إِنَّ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُهُ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ؟
          وَفِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلَانِ:
          فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ، لِفَسَادِ التَّوْبَةِ، وَبُطْلَانِهَا بِالْمُعَاوَدَةِ.
          قَالُوا: لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ هَدَمَ إِسْلَامُهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ إِثْمِ الْكُفْرِ وَتَوَابِعِهِ، فَإِذَا ارْتَدَّ عَادَ إِلَيْهِ الْإِثْمُ الْأَوَّلُ مَعَ إِثْمِ الرِّدَّةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «
          مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» فَهَذَا حَالُ مَنْ أَسْلَمَ وَأَسَاءَ فِي إِسْلَامِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّدَّةَ مِنْ أَعْظَمِ الْإِسَاءَةِ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِذَا أُخِذَ بَعْدَهَا بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَلَمْ يُسْقِطْهُ الْإِسْلَامُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَهُمَا، فَهَكَذَا التَّوْبَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ الذَّنْبَيْنِ لَا تُسْقِطُ الْإِثْمَ السَّابِقَ، كَمَا لَا تَمْنَعُ الْإِثْمَ اللَّاحِقَ.
          قَالُوا: وَلِأَنَّ صِحَّةَ التَّوْبَةِ مَشْرُوطَةٌ بِاسْتِمْرَارِهَا، وَالْمُوَافَاةِ عَلَيْهَا، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ يُعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، كَمَا أَنَّ صِحَّةَ الْإِسْلَامِ مَشْرُوطَةٌ بِاسْتِمْرَارِهِ وَالْمُوَافَاةِ عَلَيْهِ.
          قَالُوا: وَالتَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ وُجُوبًا مُضَيَّقًا مَدَى الْعُمْرِ، فَوَقْتُهَا مُدَّةُ الْعُمْرِ، إِذْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُمْرِ كَالْإِمْسَاكِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ، فَإِذَا أَمْسَكَ مُعْظَمَ النَّهَارِ، ثُمَّ نَقَضَ إِمْسَاكَهُ بِالْمُفْطِرَاتِ بَطَلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِيَامِهِ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُمْسِكْ شَيْئًا مِنْ يَوْمِهِ.
          قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
          إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا» وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ الثَّانِي كُفْرًا مُوجِبًا لِلْخُلُودِ، أَوْ مَعْصِيَةً مُوجِبَةً لِلدُّخُولِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ " فَيَرْتَدُّ فَيُفَارِقُ الْإِسْلَامَ " وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلٍ يُوجِبُ لَهُ النَّارَ، وَفِي بَعْضِ السُّنَنِ: «إِنَّ الْعَبْدَ لِيَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ جَارَ فِي وَصِيَّتِهِ فَدَخَلَ النَّارَ» فَالْخَاتِمَةُ السَّيِّئَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ خَاتِمَةً بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ.
          وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الْآخَرُ - وَهُمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ بِنَقْضِ التَّوْبَةِ - بِأَنَّ ذَلِكَ الْإِثْمَ قَدِ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْعَائِدُ إِثْمُ الْمُسْتَأْنَفِ لَا الْمَاضِي.
          قَالُوا: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ الْعِصْمَةُ إِلَى الْمَمَاتِ، بَلْ إِذَا نَدِمَ وَأَقْلَعَ وَعَزَمَ عَلَى التَّرْكِ مُحِيَ عَنْهُ إِثْمُ الذَّنْبِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، فَإِذَا اسْتَأْنَفَهُ اسْتَأْنَفَ إِثْمَهُ.
          قَالُوا: فَلَيْسَ هَذَا كَالْكُفْرِ الَّذِي يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ، فَإِنَّ الْكُفْرَ لَهُ شَأْنٌ آخَرُ، وَلِهَذَا يُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ، وَمُعَاوَدَةُ الذَّنْبِ لَا تُحْبِطُ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ.
          قَالُوا: وَالتَّوْبَةُ مِنْ أَكْبَرِ الْحَسَنَاتِ، فَلَوْ أَبْطَلَتْهَا مُعَاوَدَةُ الذَّنْبِ لَأَبْطَلَتْ غَيْرَهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، وَهُوَ يُشْبِهُ مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ بِالذَّنَبِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ الْمُخَلِّدِينَ فِي النَّارِ بِالْكَبِيرَةِ الَّتِي تُقَدَّمُهَا الْأُلُوفُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّ الْفَرِيقَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى خُلُودِ أَرْبَابِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ، وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ كَفَّرُوهُمْ، وَالْمُعْتَزِلَةَ فَسَّقُوهُمْ، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ بَاطِلٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَمُوجَبِ الْعَدْلِ {
          إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] .
          قَالُوا: وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ» .
          قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا فُتِنَ بِالذَّنْبِ تَابَ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَتْ مُعَاوَدَتُهُ تُبْطِلُ تَوْبَتَهُ لَمَا كَانَ مَحْبُوبًا لِلرَّبِّ، وَلَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى مَقْتِهِ.
          قَالُوا: وَقَدْ عَلَّقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَبُولَ التَّوْبَةِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ، دُونَ الْمُعَاوَدَةِ، فَقَالَ تَعَالَى {
          وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] وَالْإِصْرَارُ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى ارْتِكَابِ الذَّنْبِ مَتَى ظَفِرَ بِهِ، فَهَذَا الَّذِي يَمْنَعُ مَغْفِرَتَهُ.


          قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
          عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
          وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
          حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

          تعليق

          • النيسابوري
            5- عضو مجتهد

            عضو اللجنة العلمية
            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 13 أغس, 2012
            • 761
            • الإسلام

            #6

            المحاضره السادسه

            منزلة التوبه "أجناس ما يُتاب منه"

            وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ اسْمَ التَّائِبِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهَا.
            وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ جِنْسًا مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، هِيَ أَجْنَاسُ الْمُحَرَّمَاتِ:

            الْكُفْرُ، وَالشِّرْكُ، وَالنِّفَاقُ، وَالْفُسُوقُ، وَالْعِصْيَانُ، وَالْإِثْمُ، وَالْعُدْوَانُ، وَالْفَحْشَاءُ، وَالْمُنْكَرُ، وَالْبَغْيُ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَاتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ.

            فَهَذِهِ الِاثْنَا عَشَرَ جِنْسًا عَلَيْهَا مَدَارُ كُلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَإِلَيْهَا انْتِهَاءُ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِمْ إِلَّا أَتْبَاعَ الرُّسُلِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ أَكْثَرُهَا وَأَقَلُّهَا، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُ.
            فَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ هِيَ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا، وَالتَّحَصُّنِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ مُوَاقَعَتِهَا، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا لِمَنْ عَرَفَهَا.


            قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
            عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
            وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
            حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

            تعليق

            • النيسابوري
              5- عضو مجتهد

              عضو اللجنة العلمية
              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 13 أغس, 2012
              • 761
              • الإسلام

              #7

              المحاضره الثامنه

              منزلة التوبه "مشاهد الخلق في المعصيه"

              وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَشْهَدًا:

              1 - مَشْهَدُ الْحَيَوَانِيَّةِ وَقَضَاءِ الشَّهْوَةِ.
              2 - وَمَشْهَدُ اقْتِضَاءِ رُسُومِ الطَّبِيعَةِ وَلَوَازِمِ الْخِلْقَةِ.
              3 - وَمَشْهَدُ الْجَبْرِ.
              4 - وَمَشْهَدُ الْقَدَرِ.
              5 - وَمَشْهَدُ الْحِكْمَةِ.
              6 - وَمَشْهَدُ التَّوْفِيقِ وَالْخِذْلَانِ.
              7 - وَمَشْهَدُ التَّوْحِيدِ.
              8 - وَمَشْهَدُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
              9 - وَمَشْهَدُ الْإِيمَانِ وَتَعَدُّدِ شَوَاهِدِهِ.
              10 - وَمَشْهَدُ الرَّحْمَةِ.
              11 - وَمَشْهَدُ الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ.
              12 - وَمَشْهَدُ الذُّلِّ وَالِافْتِقَارِ.
              13 - وَمَشْهَدُ الْمَحَبَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ.

              فَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ لِلْمُنْحَرِفِينَ، وَالثَّمَانِيَةُ الْبَوَاقِي لِأَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ، وَأَعْلَاهَا الْمَشْهَدُ الْعَاشِرُ.
              وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ أَجَلِّ فُصُولِ الْكِتَابِ وَأَنْفَعِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَهُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ تُثْنَى عَلَيْهِ الْخَنَاصِرُ، وَلَعَلَّكَ لَا تَظْفَرُ بِهِ فِي كِتَابٍ سِوَاهُ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى " سَفَرُ الْهِجْرَتَيْنِ فِي طَرِيقِ السَّعَادَتَيْنِ "

              قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
              عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
              وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
              حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

              تعليق

              • النيسابوري
                5- عضو مجتهد

                عضو اللجنة العلمية
                حارس من حراس العقيدة
                عضو شرف المنتدى
                • 13 أغس, 2012
                • 761
                • الإسلام

                #8

                المحاضره التاسعه

                منزلة التَّذَكُّرِ

                قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر: 13] وَقَالَ {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8] وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ أُولِي الْأَلْبَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269] .
                وَالتَّذَكُّرُ وَالتَّفَكُّرُ مَنْزِلَانِ يُثْمِرَانِ أَنْوَاعَ الْمَعَارِفِ، وَحَقَائِقَ الْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَارِفُ لَا يَزَالُ يَعُودُ بِتَفَكُّرِهِ عَلَى تَذَكُّرِهِ، وَبِتَذَكُّرِهِ عَلَى تَفَكُّرِهِ، حَتَّى يُفْتَحَ قُفْلُ قَلْبِهِ بِإِذْنِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَعُودُونَ بِالتَّذَكُّرِ عَلَى التَّفَكُّرِ، وَبِالتَّفَكُّرِ عَلَى التَّذَكُّرِ، وَيُنَاطِقُونَ الْقُلُوبَ حَتَّى نَطَقَتْ.
                قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: التَّذَكُّرُ فَوْقَ التَّفَكُّرِ، لِأَنَّ التَّفَكُّرَ طَلَبٌ، وَالتَّذَكُّرَ وُجُودٌ.
                يُرِيدُ أَنَّ التَّفَكُّرَ الْتِمَاسُ الْغَايَاتِ مِنْ مَبَادِيهَا، كَمَا قَالَ: التَّفَكُّرُ تَلَمُّسُ الْبَصِيرَةِ لِاسْتِدْرَاكِ الْبُغْيَةِ , وَأَمَّا قَوْلُهُ: التَّذَكُّرُ وُجُودٌ، فَلِأَنَّهُ يَكُونُ فِيمَا قَدْ حَصَلَ بِالتَّفَكُّرِ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ بِالنِّسْيَانِ، فَإِذَا تَذَكَّرَهُ وَجَدَهُ فَظَفِرَ بِهِ.
                وَالتَّذَكُّرُ تَفَعُّلٌ مِنَ الذِّكْرِ، وَهُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَهُوَ حُضُورُ صُورَةِ الْمَذْكُورِ الْعِلْمِيَّةِ فِي الْقَلْبِ، وَاخْتِيرَ لَهُ بِنَاءُ التَّفَعُّلِ لِحُصُولِهِ بَعْدَ مُهْلَةٍ وَتَدَرُّجٍ، كَالتَّبَصُّرِ وَالتَّفَهُّمِ وَالتَّعَلُّمِ.
                فَمَنْزِلَةُ التَّذَكُّرِ مِنَ التَّفَكُّرِ مَنْزِلَةُ حُصُولِ الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَتْ آيَاتُ اللَّهِ الْمَتْلُوَّةُ وَالْمَشْهُودَةُ ذِكْرَى، كَمَا قَالَ فِي الْمَتْلُوَّةِ {
                وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [غافر: 53] وَقَالَ عَنِ الْقُرْآنِ {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [الحاقة: 48] وَقَالَ فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 6] .
                فَالتَّبْصِرَةُ آلَةُ الْبَصَرِ، وَالتَّذْكِرَةُ آلَةُ الذِّكْرِ، وَقَرَنَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُمَا لِأَهْلِ الْإِنَابَةِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَنَابَ إِلَى اللَّهِ أَبْصَرَ مَوَاقِعَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرَ، فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مَا هِيَ آيَاتٌ لَهُ، فَزَالَ عَنْهُ الْإِعْرَاضُ بِالْإِنَابَةِ، وَالْعَمَى بِالتَّبْصِرَةِ، وَالْغَفْلَةُ بِالتَّذْكِرَةِ، لِأَنَّ التَّبْصِرَةَ تُوجِبُ لَهُ حُصُولَ صُورَةِ الْمَدْلُولِ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ غَفْلَتِهِ عَنْهَا، فَتَرْتِيبُ الْمَنَازِلِ الثَّلَاثَةِ أَحْسَنُ تَرْتِيبٍ، ثُمَّ إِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَمُدُّ صَاحِبَهُ وَيُقَوِّيهِ وَيُثَمِّرُهُ.
                وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ {وَ
                كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 36] .
                وَالنَّاسُ ثَلَاثَةٌ:
                رَجُلٌ قَلْبُهُ مَيِّتٌ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا قَلْبَ لَهُ، فَهَذَا لَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذِكْرَى فِي حَقِّهِ.
                الثَّانِي: رَجُلٌ لَهُ قَلْبٌ حَيٌّ مُسْتَعِدٌّ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِلْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ الَّتِي يُخْبِرُ بِهَا اللَّهُ عَنِ الْآيَاتِ الْمَشْهُودَةِ إِمَّا لِعَدَمِ وُرُودِهَا، أَوْ لِوُصُولِهَا إِلَيْهِ وَلَكِنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ عَنْهَا بِغَيْرِهَا، فَهُوَ غَائِبُ الْقَلْبِ، لَيْسَ حَاضِرًا، فَهَذَا أَيْضًا لَا تَحْصُلُ لَهُ الذِّكْرَى مَعَ اسْتِعْدَادِهِ وَوُجُودِ قَلْبِهِ.
                الثَّالِثُ: رَجُلٌ حَيُّ الْقَلْبِ مُسْتَعِدٌّ، تُلِيَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ، فَأَصْغَى بِسَمْعِهِ، وَأَلْقَى السَّمْعَ وَأَحْضَرَ قَلْبَهُ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ بِغَيْرِ فَهْمِ مَا يَسْمَعُهُ، فَهُوَ شَاهِدُ الْقَلْبِ، مُلْقٍ السَّمْعَ، فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ وَالْمَشْهُودَةِ.


                قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                تعليق

                • النيسابوري
                  5- عضو مجتهد

                  عضو اللجنة العلمية
                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 13 أغس, 2012
                  • 761
                  • الإسلام

                  #9

                  الدرس العاشر

                  مفسدات القلب

                  وَأَمَّا مُفْسِدَاتُ الْقَلْبِ الْخَمْسَةُ فَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا: مِنْ كَثْرَةِ الْخُلْطَةِ وَالتَّمَنِّي،وَالتَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَالشِّبَعِ، وَالْمَنَامِ، فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ مِنْ أَكْبَرِ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ.
                  فَنَذْكُرُ آثَارَهَا الَّتِي اشْتَرَكَتْ فِيهَا، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
                  اعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَيَكْشِفُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَنَهْجِهِ، وَآفَاتِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ، وَقِطَاعِ الطَّرِيقِ بِنُورِهِ وَحَيَاتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَصِحَّتِهِ وَعَزْمِهِ، وَسَلَامَةِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَغَيْبَةِ الشَّوَاغِلِ وَالْقَوَاطِعِ عَنْهُ، وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ تُطْفِئُ نُورَهُ، وَتُعْوِرُ عَيْنَ بَصِيرَتِهِ، وَتُثْقِلُ سَمْعَهُ، إِنْ لَمْ تَصُمَّهُ وَتُبْكِمْهُ وَتُضْعِفُ قُوَاهُ كُلَّهَا، وَتُوهِنُ صِحَّتَهُ وَتُفَتِّرُ عَزِيمَتَهُ، وَتُوقِفُ هِمَّتَهُ، وَتُنْكِسُهُ إِلَى وَرَائِهِ، وَمَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِهَذَا فَمَيِّتُ الْقَلْبِ، وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ، فَهِيَ عَائِقَةٌ لَهُ عَنْ نُبْلِ كَمَالِهِ. قَاطِعَةٌ لَهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ. وَجُعِلَ نَعِيمُهُ وَسَعَادَتُهُ وَابْتِهَاجُهُ وَلَذَّتُهُ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
                  فَإِنَّهُ لَا نَعِيمَ لَهُ وَلَا لَذَّةَ، وَلَا ابْتِهَاجَ، وَلَا كَمَالَ، إِلَّا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، وَالْفَرَحِ وَالِابْتِهَاجِ بِقُرْبِهِ، وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ، فَهَذِهِ جَنَّتُهُ الْعَاجِلَةُ، كَمَا أَنَّهُ لَا نَعِيمَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا فَوْزَ إِلَّا بِجِوَارِهِ فِي دَارِ النَّعِيمِ فِي الْجَنَّةِ الْآجِلَةِ، فَلَهُ جَنَّتَانِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا إِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْأُولَى.
                  وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: إِنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الْآخِرَةِ.


                  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                  عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                  وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                  حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                  تعليق

                  • النيسابوري
                    5- عضو مجتهد

                    عضو اللجنة العلمية
                    حارس من حراس العقيدة
                    عضو شرف المنتدى
                    • 13 أغس, 2012
                    • 761
                    • الإسلام

                    #10

                    الدرس الحادي عشر

                    الإعتصام بالله

                    ثُمَّ يَنْزِلُ الْقَلْبُ مَنْزِلَ الِاعْتِصَامِ.
                    وَهُوَ نَوْعَانِ: اعْتِصَامٌ بِاللَّهِ، وَاعْتِصَامٌ بِحَبْلِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
                    وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وَقَالَ {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78] .
                    وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعِصْمَةِ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمَا يَعْصِمُكَ، وَيَمْنَعُكَ مِنْ الْمَحْذُورِ وَالْمَخُوفِ، فَالْعِصْمَةُ: الْحِمْيَةُ، وَالِاعْتِصَامُ: الِاحْتِمَاءُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقِلَاعُ: الْعَوَاصِمَ، لِمَنْعِهَا وَحِمَايَتِهَا.
                    وَمَدَارُ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَاتَيْنِ الْعِصْمَتَيْنِ.
                    فَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَالِاعْتِصَامُ بِهِ يَعْصِمُ مِنَ الْهَلَكَةِ، فَإِنَّ السَّائِرَ إِلَى اللَّهِ كَالسَّائِرِ عَلَى طَرِيقٍ نَحْوَ مَقْصِدِهِ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى هِدَايَةِ الطَّرِيقِ، وَالسَّلَامَةِ فِيهَا، فَلَا يَصِلُ إِلَى مَقْصِدِهِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ، فَالدَّلِيلُ كَفِيلٌ بِعِصْمَتِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الطَّرِيقِ، وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّلَاحِ الَّتِي بِهَا تَحْصُلُ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا.
                    فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يُوجِبُ لَهُ الْهِدَايَةَ وَاتِّبَاعَ الدَّلِيلِ، وَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ، يُوجِبُ لَهُ الْقُوَّةَ وَالْعُدَّةَ وَالسِّلَاحَ، وَالْمَادَّةَ الَّتِي يَسْتَلْئِمُ بِهَا فِي طَرِيقِهِ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ، بَعْدَ إِشَارَتِهِمْ كُلِّهِمْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى.
                    فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
                    تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ.

                    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                    عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                    وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                    حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                    تعليق

                    • النيسابوري
                      5- عضو مجتهد

                      عضو اللجنة العلمية
                      حارس من حراس العقيدة
                      عضو شرف المنتدى
                      • 13 أغس, 2012
                      • 761
                      • الإسلام

                      #11

                      الدرس الثاني عشر
                      منزلة الإنابه


                      قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ نَزَلَ مِنْ مَنْزِلِ التَّوْبَةِ وَقَامَ فِي مَقَامِهَا نَزَلَ فِي جَمِيعِ مَنَازِلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ الْكَامِلَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا، وَهِيَ مُنْدَرِجَةٌ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إِفْرَادِهَا بِالذِّكْرِ وَالتَّفْصِيلِ، تَبْيِينًا لِحَقَائِقِهَا وَخَوَاصِّهَا وَشُرُوطِهَا.
                      فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ قَدَمُهُ فِي مَنْزِلِ التَّوْبَةِ نَزَلَ بَعْدَهُ مَنْزِلَ الْإِنَابَةِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَأَثْنَى عَلَى خَلِيلِهِ بِهَا، فَقَالَ {
                      وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 54] وَقَالَ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] وَأَخْبَرَ أَنَّ آيَاتِهِ إِنَّمَا يَتَبَصَّرُ بِهَا وَيَتَذَكَّرُ أَهْلُ الْإِنَابَةِ، فَقَالَ {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} [ق: 6] إِلَى أَنْ قَالَ {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8] وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر: 13] وَقَالَ تَعَالَى {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الروم: 31] .
                      " فَمُنِيبِينَ " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي قَوْلِهِ " {
                      فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 30] " لِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، أَيْ أَقِمْ وَجْهَكَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أَيْ فَطَرَهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، فَلَوْ خُلُّوا وَفَطَرَهُمْ لَمَا عَدَلَتْ عَنِ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهَا تَتَحَوَّلُ وَتَتَغَيَّرُ عَمَّا فُطِرَتْ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى الْمِلَّةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ» وَقَالَ عَنْ نَبِيِّهِ دَاوُدَ {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَأَخْبَرَ أَنَّ ثَوَابَهُ وَجَنَّتَهُ لِأَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالْإِنَابَةِ، فَقَالَ {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} [ق: 31] وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْبُشْرَى مِنْهُ إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الْإِنَابَةِ، فَقَالَ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} [الزمر: 17] .
                      وَالْإِنَابَةُ إِنَابَتَانِ: إِنَابَةٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ، وَهِيَ إِنَابَةُ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا، يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
                      وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33] فَهَذَا عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ دَاعٍ أَصَابَهُ ضُرٌّ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَهَذِهِ الْإِنَابَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ، بَلْ تُجَامِعُ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: 33] فَهَذَا حَالُهُمْ بَعْدَ إِنَابَتِهِمْ.
                      وَالْإِنَابَةُ الثَّانِيَةُ إِنَابَةُ أَوْلِيَائِهِ، وَهِيَ إِنَابَةٌ لِإِلَهِيَّتِهِ، إِنَابَةَ عُبُودِيَّةٍ وَمَحَبَّةٍ.
                      وَهِيَ تَتَضَمَّنُ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ: مَحَبَّتَهُ، وَالْخُضُوعَ لَهُ، وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضَ عَمَّا سِوَاهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ اسْمُ الْمُنِيبِ إِلَّا مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَرْبَعُ، وَتَفْسِيرُ السَّلَفِ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ.


                      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                      عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                      وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                      حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                      تعليق

                      • النيسابوري
                        5- عضو مجتهد

                        عضو اللجنة العلمية
                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 13 أغس, 2012
                        • 761
                        • الإسلام

                        #12

                        الدرس الثالث عشر

                        منزلة الفرار إلى الله

                        قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50] وَحَقِيقَةُ الْفِرَارِ: الْهَرَبُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، وَهُوَ نَوْعَانِ: فِرَارُ السُّعَدَاءِ، وَفِرَارُ الْأَشْقِيَاءِ.
                        فَفِرَارُ السُّعَدَاءِ: الْفِرَارُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِرَارُ الْأَشْقِيَاءِ: الْفِرَارُ مِنْهُ لَا إِلَيْهِ.
                        وَأَمَّا الْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ فَفِرَارُ أَوْلِيَائِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {
                        فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50] : فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فِرُّوا مِمَّا سِوَى اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: اهْرُبُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَى ثَوَابِهِ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ.
                        وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: هُوَ الْهَرَبُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَى مَنْ لَمْ يَزَلْ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: فِرَارُ الْعَامَّةِ مِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ عَقْدًا وَسَعْيًا، وَمِنَ الْكَسَلِ إِلَى التَّشْمِيرِ جِدًّا وَعَزْمًا، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ ثِقَةً وَرَجَاءً.

                        قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                        عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                        وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                        حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                        تعليق

                        • النيسابوري
                          5- عضو مجتهد

                          عضو اللجنة العلمية
                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 13 أغس, 2012
                          • 761
                          • الإسلام

                          #13

                          الدرس الرابع عشر
                          منزلة الرياضه


                          هِيَ تَمْرِينُ النَّفْسِ عَلَى الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ وقَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: هِيَ تَمْرِينُ النَّفْسِ عَلَى قَبُولِ الصِّدْقِ , وَهَذَا يُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ: تَمْرِينُهَا عَلَى قَبُولِ الصِّدْقِ إِذَا عَرَضَهُ عَلَيْهَا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الصِّدْقَ قَبِلَتْهُ وَانْقَادَتْ لَهُ وَأَذْعَنَتْ لَهُ.
                          وَالثَّانِي: قَبُولُ الْحَقِّ مِمَّنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ {
                          وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] فَلَا يَكْفِي صِدْقُكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ صِدْقِكَ وَتَصْدِيقِكَ لِلصَّادِقِينَ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَصْدُقُ، وَلَكِنْ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّصْدِيقِ كِبْرٌ أَوْ حَسَدٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.
                          قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: رِيَاضَةٌ عَامَّةٌ، وَهِيَ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ بِالْعِلْمِ، وَتَصْفِيَةُ الْأَعْمَالِ بِالْإِخْلَاصِ، وَتَوْفِيرُ الْحُقُوقِ فِي الْمُعَامَلَةِ.
                          أَمَّا تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ بِالْعِلْمِ فَالْمُرَادُ بِهِ إِصْلَاحُهَا وَتَصْفِيَتُهَا بِمُوجَبِ الْعِلْمِ، فَلَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ إِلَّا بِمُقْتَضَى الْعِلْمِ، فَتَكُونُ حَرَكَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ مَوْزُونَةٌ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا تَصْفِيَةُ الْأَعْمَالِ بِالْإِخْلَاصِ فَهُوَ تَجْرِيدُهَا عَنْ أَنْ يَشُوبَهَا بَاعِثٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْحِيدِ الْمُرَادِ، وَتَجْرِيدِ الْبَاعِثِ إِلَيْهِ.وَأَمَّا تَوْفِيرُ الْحُقُوقِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ مَا أُمِرْتَ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، قَدْ نَصَحْتَ فِيهِ صَاحِبَ الْحَقِّ غَايَةَ النُّصْحِ، وَأَرْضَيْتَهُ كُلَّ الرِّضَا، فَفُزْتَ بِحَمْدِهِ لَكَ وَشُكْرِهِ.
                          وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شَاقَّةً عَلَى النَّفْسِ جِدًّا كَانَ تَكَلُّفُهَا رِيَاضَةً، فَإِذَا اعْتَادَهَا صَارَتْ خُلُقًا.
                          وَرِيَاضَةُ الْخَاصَّةِ حَسْمُ التَّفَرُّقِ، وَقَطْعُ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي جَاوَزَهُ، وَإِبْقَاءُ الْعِلْمِ يَجْرِي مَجْرَاهُ.
                          وَرِيَاضَةُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ: تَجْرِيدُ الشُّهُودِ، وَالصُّعُودُ إِلَى الْجَمْعِ، وَرَفْضُ الْمُعَارَضَاتِ، وَقَطْعُ الْمُعَاوَضَاتِ.

                          قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                          عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                          وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                          حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                          تعليق

                          • النيسابوري
                            5- عضو مجتهد

                            عضو اللجنة العلمية
                            حارس من حراس العقيدة
                            عضو شرف المنتدى
                            • 13 أغس, 2012
                            • 761
                            • الإسلام

                            #14

                            الدرس الخامس عشر

                            منزلة السماع


                            وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالنَّبَاتِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْبُشْرَى لَهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى {
                            وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا} [المائدة: 108] وَقَالَ {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16] وَقَالَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ} [النساء: 46] وَقَالَ {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17]
                            وَجَعَلَ الْإِسْمَاعَ مِنْهُ وَالسَّمَاعَ مِنْهُمْ دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ الْخَيْرِ فِيهِمْ، وَعَدَمَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْخَيْرِ فِيهِمْ، فَقَالَ {
                            وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] .
                            وَأَخْبَرَ عَنْ أَعْدَائِهِ أَنَّهُمْ هَجَرُوا السَّمَاعَ وَنَهَوْا عَنْهُ، فَقَالَ {
                            وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] .
                            فَالسَّمَاعُ أَصْلُ الْعَقْلِ، وَأَسَاسُ الْإِيمَانِ الَّذِي انْبَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ رَائِدُهُ وَجَلِيسُهُ وَوَزِيرُهُ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ كُلَّ الشَّأْنِ فِي الْمَسْمُوعِ، وَفِيهِ وَقَعَ خَبْطُ النَّاسِ وَاخْتِلَافُهُمْ، وَغَلِطَ مِنْهُمْ مَنْ غَلِطَ.
                            وَحَقِيقَةُ السَّمَاعِ تَنْبِيهُ الْقَلْبِ عَلَى مَعَانِي الْمَسْمُوعِ، وَتَحْرِيكُهُ عَنْهَا طَلَبًا وَهَرَبًا وَحُبًّا وَبُغْضًا، فَهُوَ حَادٍ يَحْدُو بِكُلِّ أَحَدٍ إِلَى وَطَنِهِ وَمَأْلَفِهِ , وَأَصْحَابُ السَّمَاعِ، مِنْهُمْ: مَنْ يَسْمَعُ بِطَبْعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَوَاهُ، فَهَذَا حَظُّهُ مِنْ مَسْمُوعِهِ مَا وَافَقَ طَبْعَهُ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ بِحَالِهِ وَإِيمَانِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَعَقْلِهِ، فَهَذَا يُفْتَحُ لَهُ مِنَ الْمَسْمُوعِ بِحَسَبَ اسْتِعْدَادِهِ وَقُوَّتِهِ وَمَادَّتِهِ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ بِاللَّهِ، لَا يَسْمَعُ بِغَيْرِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ الصَّحِيحِ " فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ " وَهَذَا أَعْلَى سَمَاعًا، وَأَصَحُّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ.
                            السَّمَاعُ الَّذِي يَمْدَحُهُ اللَّهُ فَهُوَ السَّمَاعُ الَّذِي مَدَحَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَرَ بِهِ وَأَثْنَى عَلَى أصْحَابِهِ، وَذَمَّ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ وَلَعَنَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ أَضَلَّ مِنَ الْأَنْعَامِ سَبِيلًا، وَهُمُ الْقَائِلُونَ فِي النَّارِ {
                            لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] وَهُوَ سَمَاعُ آيَاتِهِ الْمَتْلُوَّةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رَسُولِهِ، فَهَذَا السَّمَاعُ أَسَاسُ الْإِيمَانِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، سَمَاعِ إِدْرَاكٍ بِحَاسَّةِ الْأُذُنِ، وَسَمَاعِ فَهْمٍ وَعَقْلٍ، وَسَمَاعِ فَهْمٍ وَإِجَابَةٍ وَقَبُولٍ، وَالثَّلَاثَةُ فِي الْقُرْآنِ.
                            والسَّمَاعُ الَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيَكْرَهُهُ، وَيَمْدَحُ الْمُعْرِضَ عَنْهُ،هُوَ سَمَاعُ كُلِّ مَا يَضُرُّ الْعَبْدَ فِي قَلْبِهِ وَدِينِهِ، كَسَمَاعِ الْبَاطِلِ كُلِّهِ، إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ رَدَّهُ وَإِبْطَالَهُ وَالِاعْتِبَارَ بِهِ وَقَصَدَ أَنْ يُعْلِمَ بِهِ حُسْنَ ضِدِّهِ، فَإِنَّ الضِّدَّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ، كَمَا قِيلَ:


                            وَإِذَا سَمِعْتُ إِلَى حَدِيثِكَ زَادَنِي ... حُبًّا لَهُ سَمْعِي حَدِيثَ سِوَاكَا

                            وَكَسَمَاعِ اللَّغْوِ الَّذِي مَدَحَ التَّارِكِينَ لِسَمَاعِهِ، وَالْمُعْرِضِينَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {
                            وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55] وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ الْغِنَاءُ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَوْ غَيْرُهُ: أَكْرَمُوا نُفُوسَهُمْ عَنْ سَمَاعِهِ

                            قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                            عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                            وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                            حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                            تعليق

                            • النيسابوري
                              5- عضو مجتهد

                              عضو اللجنة العلمية
                              حارس من حراس العقيدة
                              عضو شرف المنتدى
                              • 13 أغس, 2012
                              • 761
                              • الإسلام

                              #15

                              الدرس السادس عشر

                              منزلة الحزن

                              وَلَيْسَتْ مِنَ الْمَنَازِلِ الْمَطْلُوبَةِ، وَلَا الْمَأْمُورِ بِنُزُولِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لِلسَّالِكِ مِنْ نُزُولِهَا، وَلَمْ يَأْتِ الْحُزْنُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مَنْهِيًّا عَنْهُ، أَوْ مَنْفِيًّا.
                              فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {
                              وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139] وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر: 88] فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] وَالْمَنْفِيُّ كَقَوْلِهِ: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] .
                              وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْحُزْنَ مُوقِفٌ غَيْرُ مُسَيِّرٍ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ، وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَحْزَنَ الْعَبْدُ لِيَقْطَعَهُ عَنْ سَيْرِهِ، وَيُوقِفَهُ عَنْ سُلُوكِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
                              إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10] وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّلَاثَةَ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ مِنْهُمْ دُونَ الثَّالِثِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ. فَالْحُزْنُ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ، وَلَا مَقْصُودٍ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ» فَهُوَ قَرِينُ الْهَمِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الَّذِي يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ، إِنْ كَانَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْرَثَهُ الْهَمَّ، وَإِنْ كَانَ لِمَا مَضَى أَوْرَثَهُ الْحُزْنَ، وَكِلَاهُمَا مُضْعِفٌ لِلْقَلْبِ عَنِ السَّيْرِ، مُقَتِّرٌ لِلْعَزْمِ.
                              وَلَكِنَّ نُزُولَ مَنْزِلَتِهِ ضَرُورِيٌّ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ، وَلِهَذَا يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا {
                              الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانَ يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا الْحَزَنُ، كَمَا يُصِيبُهُمْ سَائِرُ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ.
                              وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى {
                              وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] فَلَمْ يُمْدَحُوا عَلَى نَفْسِ الْحَزَنِ، وَإِنَّمَا مُدِحُوا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَزَنُ مِنْ قُوَّةِ إِيمَانِهِمْ، حَيْثُ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَجْزِهِمْ عَنِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَحْزَنُوا عَلَى تَخَلُّفِهِمْ، بَلْ غَبَطُوا نُفُوسَهُمْ بِهِ.
                              وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «
                              مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَمٍّ وَلَا نَصَبٍ وَلَا حَزَنٍ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ خَطَايَاهُ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُصِيبَةٌ مِنَ اللَّهِ يُصِيبُ بِهَا الْعَبْدَ يُكَفِّرُ بِهَا مِنْ سَيِّئَاتِهِ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقَامٌ يَنْبَغِي طَلَبُهُ وَاسْتِيطَانُهُ.


                              قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
                              عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
                              وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
                              حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

                              تعليق

                              عن الكاتب

                              تقليص

                              النيسابوري الإسلام اكتشف المزيد حول النيسابوري

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة د. نيو, 3 يون, 2011, 12:44-م
                              ردود 5
                              6,887 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة انس
                              بواسطة انس
                              ابتدأ بواسطة taha_elesawy, 9 فبر, 2012, 08:55-ص
                              ردود 0
                              1,426 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة taha_elesawy
                              بواسطة taha_elesawy
                              ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 أكت, 2007, 09:42-م
                              رد 1
                              1,738 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة drsalah_hanie
                              بواسطة drsalah_hanie
                              ابتدأ بواسطة عادل محمد, 4 يول, 2009, 04:52-م
                              ردود 0
                              2,116 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل محمد
                              بواسطة عادل محمد
                              ابتدأ بواسطة muslim_906, 11 يون, 2011, 07:46-م
                              ردود 0
                              1,417 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة muslim_906
                              بواسطة muslim_906
                              ابتدأ بواسطة Dr.Up, 12 يول, 2010, 04:43-ص
                              ردود 4
                              9,395 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                              ابتدأ بواسطة قلب غزة, 4 أبر, 2010, 10:31-ص
                              ردود 2
                              7,640 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة قلب غزة
                              بواسطة قلب غزة
                              ابتدأ بواسطة ام مريم, 2 أبر, 2007, 11:35-ص
                              ردود 0
                              1,480 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة ام مريم
                              بواسطة ام مريم
                              ابتدأ بواسطة فدائى مرتقب, 5 فبر, 2012, 05:02-م
                              ردود 0
                              932 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة فدائى مرتقب
                              بواسطة فدائى مرتقب
                              ابتدأ بواسطة solema, 2 أبر, 2010, 11:34-ص
                              ردود 6
                              6,953 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة solema
                              بواسطة solema
                              ابتدأ بواسطة الفارس الصغير, 8 يول, 2013, 11:22-م
                              ردود 2
                              26,094 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة الفضة
                              بواسطة الفضة
                              ابتدأ بواسطة إسلامي نور حياتي, 22 أغس, 2010, 09:59-م
                              رد 1
                              1,620 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة إسلامي نور حياتي
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 31 أكت, 2007, 03:42-ص
                              ردود 8
                              6,900 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                              ابتدأ بواسطة abanna, 4 ديس, 2008, 03:30-م
                              ردود 4
                              3,861 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة abanna
                              بواسطة abanna
                              ابتدأ بواسطة الشرقاوى, 15 سبت, 2008, 04:14-م
                              رد 1
                              1,712 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة ***غيورة على الإسلام***

                              مواضيع من نفس المنتدى الحالي

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة عزمي ابراهيم عزيز, 20 يول, 2015, 05:59-م
                              ردود 421
                              50,193 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة صورة الزائر الرمزية
                              بواسطة ضيف
                              ابتدأ بواسطة ali_ali, 29 نوف, 2009, 05:12-م
                              ردود 175
                              30,411 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة محب المصطفى
                              بواسطة محب المصطفى
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 ينا, 2007, 06:38-ص
                              ردود 58
                              21,982 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                              ابتدأ بواسطة شخص ما, 29 يون, 2009, 06:43-ص
                              ردود 42
                              9,870 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة Battar Kurdi
                              بواسطة Battar Kurdi
                              ابتدأ بواسطة عادل محمد, 23 يول, 2014, 07:38-م
                              ردود 35
                              10,365 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة محب المصطفى
                              بواسطة محب المصطفى
                              يعمل...