الفتور في رمضان ’’ما الحل ’’؟
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
هذه نعم الله تتجدد بمرور ايام رمضان وهذه آلائه تتوالى علينا بتوالي ليالي هذا الشهر الفضيل
وما عشنا من ايام وليالي من رمضان فهو نعمه من الله وما بلغنا زياده فهو منه من الله
فإن من عباد الله من اوقفه انتهاء اجله عن إكمال هذا الشهر الكريم فلله الحمد والمنه على هذه النعمه.
إننا نشعر بنوع من نقص العبادة ونوع من التكاسل والفتور بعد مرور الأيام الأولى من رمضان ؛ وهذا شئ ملاحظ فإن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى لما يحسون من التغيير ويجدون شيئاً من لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد في أول الشهر ثم ما يلبث
هذا الشعور أن يبدأ بالاضمحلال.
ونلاحظ نوعاً من القله في قراءة القرآن في وسط الشهر عما كان عليه أوله ؛ ثم تاتي العشر الأواخر بعد ذلك وما فيها من القيام وليله القدر لتنبعث بعض العزائم مره أخرى؛ فعلينا استدراك ذلك وأن لا نخسر شيئاً من أيام رمضان.
الفتورأمر يعترض نفوسنا جميعاً بين الفينة والأخرى فهو من طبيعة النفس البشرية ، فكل إنسان تصيبه نوبة من الكسل والتراخي،ويكون حاصلاً في شيء من أمور الدنيا كما يحصل في أمور الدين، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم(
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إن لكل عمل شرّة ولكل شرّة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل (
والشرّة: هي القوة والنشاط ، ويقابلها الفترة: وهي الضعف والكسل.
والفتور يطلق في اللغة على معنيين: الأول: الكسل أو التراخي ، أو التباطؤ بعد النشاط والجد
والمعنى الثاني : السكون بعد الحركة والانقطاع بعد الاستمرار .
وقد أثنى الله– جل وعلا– على ملائكته فقال سبحانه:
{ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ{19** يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ** [ الأنبياء /20،19]
{ لا يَفْتُرُونَ ** ، لا يتكاسلون ، ولا يتوقفون عن الذكر ، والتسبيح ، والطاعة ، والعبادة .
ما هي أهم أسباب الفتور ؟
أولا : ضعف الإيمان بالله – جل وعلا-
فضعف الإيمان في القلب من أخطر أسباب الفتور، من أخطر أسباب التراخي والتكاسل والتباطؤ، ومن أخطر أسباب الإعراض والانقطاع عن الطاعة ، وعدم الاستمرار عليها .
فالإيمان حصن الأمان وهدايتك للطاعات بتوفيق الله
قال – جل وعلا: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ** [ التغابن 11]
فهداية القلب ثمرة للإيمان ، ولو هدى الله قلبك استقامت جوارحك كلها على الطاعة ، لأن القلب هو الملك والجوارح جنود الملك ورعاياه فإن طاب الملك ،طابت الجنود والرعايا ، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا
في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير ، أن النذير البشير رضى الله عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ))(1) .
ثانياً : ضعف الإرادة والهمة :
قال ابن القيم : اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله تعالى بقلبه وهمته لا ببدنه ، فالتقوى في الحقيقة تقوى القلب لا تقوى الجوارح .
قال تعالى : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ** [الحج/32]
وقال – جل وعلا : {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10** أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11** فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12** ثُلَّةٌ مِّنَ الأوَّلِينَ{13** وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ ** [الواقعة/10-14] .
قال ابن القيم: (( فالسابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات هم السابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات، فعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك)) .
ثالثاً : الاستهانة بصغائر الذنوب :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ))
رابعا : التخلي عن العمل لدين الله .
قال الله – جل وعلا : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ** [العنكبوت/69] .
خامسا هجر مجالس العلم :
من أخطر أسباب الفتور أن يهجر المسلم مجالس العلم التي تجدد إيمانه وتقوي إرادته ، وتنشط همته للعلم ، لدين الله – تبارك وتعالى .
ففي مجالس العلم تحصل من الأجر والسكينة والفضل والعلم بالحلال والحرام وتجديد الإيمان
قال جل وعلا:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ** [المجادلة/11]
سادسا : عدم الترويح على النفس بالمباح
إذا دخل رمضان قام الليل بطوله ، أو جل الليل وشرع في قراءة القرآن فقرأ في أول ليلة عشرة أجزاء و ...
فالقصد القصد ، و الاعتدال الاعتدال ، عليك بالتدرج في الأمر .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه أحمد
والغلو يكون بالانهماك في الطاعات وعدم إعطاء البدن الراحة الكافية للقيام بهذه الطاعات، فتؤثِّر الطاعات على الإنسان تأثيرًا عكسيًّا ولا تؤدي الغرض الذي من أجله تم فعلها، فتصيب النفس بحالةٍ من [color=window****]الكسلوالدعة[/color]
السبب السابع: مصاحبة ذوي الهمم الضعيفة والإرادات الدنية
فلا تصاحب إلا أصحاب الهمم العالية ، لا تصاحب إلا أصحاب الإرادات القوية ، واضرب مع أهل كل عبودية بسهم .
((والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
الثامن : طول الأمل
طول الأمل مفسد للقلب؛ فإن من طال أمله نسي الآخرة، وسوَّف في التوبة، ورغب في الدنيا، وكسل عن الطاعة، وأسرع للمعصية؛ اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة
التاسع : الإفراط في الكلام والطعام والمنام والخلطة
فكثرة الكلام تقسي القلب. وكثرة الطعام تثقل عن العبادة.وكثرة المنام تضيع خيرًا كثيرًا.وكثرة الخلطة لا حد لمفاسدها
العلاج :
أولا : أنك لن توفق للطاعة إلا بتوفيق الله لك
فالموفق من وفقه الله ، والمخذول من خذله الله ، فسأل الله التوفيق لطاعته.
روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في السنن بسند صحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (( إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله ))
قيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : (( يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه ))
ثانيا : القصد والاعتدال في الطاعات
بلا إفراط أو تفريط ، فخير الأمور الوسط .
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ))
وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوما فوجد حبلا مربوطا بين ساريتين – أي : بين عمودين –
فقال النبي : (( ما هذا )) ؟ قالوا : حبل لزينب إذا فترت تعلقت به ..
فقال صلى الله عليه وسلم : (( ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد))
وفي الصحيحين من حديث أنس قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها
فقالوا : أين نحن من رسول الله وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟!
فقال أحدهم : أما أنا اصلي الليل أبدا
وقال الآخر : أما أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبدا ،
وقال الثالث : وأما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج أبدا .
فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبرهم قال:
(( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ))
ثالثا : التدرج في الطاعة :
التدرج معناه أن تبدأ بالأسهل فالأسهل ، وبالأحب إلى قلبك .
رابعا : صحبة الأخيار من أصحاب الهمم العالية
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ))
خامسا : عمل اليوم والليلة
من الأذكار والصلوات والقرآن والذكر والاستغفار إلى غير ذلك ،
المحافظة على الصلوات في جماعة ، المحافظة على الورد اليومي للقرآن ،
المحافظة على أذكار الصباح والمساء ، والذكر المطلق ،
المحافظة والمداومة على الاستغفار في السحر لتكتب عند الله من المستغفرين بالأسحار ،
المحافظة على التذلل والتضرع والتزلف والدعاء لرب الأرض والسماء
فما تقرب إلى الله – جل وعلا – عبد بأحب مما أفترض الله – تبارك وتعالى –
عليه كما في الحديث القدسي :
(( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبد بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ))
سادسا : ذكر الجنة والنار و تذكُّر الموت وأمور الآخرة
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإن فيها عبرة) رواه أحمد، وفى رواية: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة) رواه الترمذي
إنك ذكرت الجنة هان عليك كل شيء ، وإن ذكرت النار هربت من كل معصية ، فأكثر من ذكر الجنة والنار ، لتعمل من أجل الجنة ـ ولتفر من أجل النار
سابعا:المحافظة على مجلس من مجالس العلم
لتجدد فيه إيمانك وليتجدد فيه معرفتك بالله ، وبرسول الله وبالحلال والحرام .
تعليق