حديث (....إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ....)
العَشِيْرَة : العين والشين والراء أصلان صحيحان ، و المراد هنا ما يدل على مداخلة ومخالطة (2) . وعشيرة الرجل: القبيلة وجمعها : عشائر (3) . فَاحِشًا : الفاء والحاء والشين كلمة تدل على قُبح في شيءٍ وشناعة ، يقولون في كلِّ شيء جاوز قدره فاحش، ولا يكون ذلك إلا فيما يُتَكرَّه (4). والفُحْشُ : التعدي في الكلام والفعال، بما يقبح (5).
من فَوائد الحديث :
1/ جمع هذا الحديث علمًا وأدبًا، وخلقًا حسنًا جُبِل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو دائم البِشر، طَلِق الوجه، ليّن الحديث، شفوق بأمتّه، رحيم بها (6). 2/ المدارة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة وسلِّ السخيمة ممن يخشى ضرره من فاسق وجاهل، وهي مندوبة إن ترتب عليها نفع بخلاف المداهنة فهي حرام مطلقًا وهي بـذل الدين لصالح الدنيا(7) . 3/ قال ابن بطال – رحمه الله - : هذا الحديث أصل في جواز اغتياب أهل الفساد (8) [لئلا يغترّ بهم]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : مما يجوز فيه الغيبة بلا نزاع بين العلماء : أن يكون الرجل مظهرًا للفجور مثل الظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة، فإذا أظهر المنكر وجب الإنكار عليه. والثاني : أن يستشار المرء في مناكحة رجلٍ ومعاملته ويعلم أنه لا يصلح لذلك فيبيَّن حاله(9). وذكر ابن حجر – رحمه الله - الضابط لجوازها، فقال: تباح الغيبة في كل غرضٍ صحيح شرعًا حيث تتعين طريقًا إلى الوصول إليه بها؛ كالتظلم، والاستفتاء والمحاكمة، والتحذير من شره، ويدخل فيه تجريح الرواة والشهود، والمجاهر بالفسق أو من يخشى الاقتداء به وهو مبتدع أو فاسق (10). 4/ المذموم في الحديث هو عُيَيْنَةُ بن حِصْن الفَزَاري، وكان سيّد قومه فأقبل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم رجاء إسلامه قبيلته . وبهذا جزم ابن بطال، والقرطبي، والقاضي عياض والنووي وغيرهم –رحمهم الله-. ورجّح ابن حجر وابن الملقن أن يكون مَخْزَمَةَ بنِ نوفلٍ، والله أعلم (11). 5/ فيه أن ملازمة الرجل الشَّـرَّ والفحش والأذى حتى يخشاه الناس اتقاءً لشره من الكبائر(12). 6/ اليقين التام بصدق النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً وثبات شخصيته على الحق دفع عائشة – رضي الله عنها - إلى استنكار موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع المستأذن عليه كيف يذمه ثم يقبل عليه . والحقيقة : أن لا تناقض بين قوله وفعله ؛ فهذا الانبساط واللين واللطف سجيّة لا تنفك عن شمائله الحسنة وأخلاقه الكريمة وهو قدوة الأمة ، ولم يثبت أن صدر منه صلى الله عليه وسلم مديحٌ أو ثناءٌ عليه يخالف ما سبق من الذم ، فإن قوله فيه حقٌ وفعله معه حسَنٌ . وهذا من تمام العدل في التقدير والإحسان في المعاملة، والإنصاف مع أهل الفساد والفسوق (13) .
المصدر شبكة السنة النبوية وعلومها