الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]
معنى التأويل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من درس: التأويل له معان منها حق ومنها باطل
يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [ثُمَّ قد صار التأويل مستعملاً في غير معناه الأصلي، فالتأويل في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام] والمآل هو: والعاقبة والنهاية، أي: ينتهي إليها الكلام وتراد بالكلام [فتأويل المخبر به] مثلاً أخبرنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن الجنة والنار، فَقَالَ في النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] فتأويل هذه الآية -على هذا المعنى- أن العالمين جميعاً يردون فوق جسر جهنم هذا تأويلها.
وتأويل دخول الجنة أن يدخل المؤمنون الجنة.
وتأويل دخول النَّار أن يدخل الكفار النار.
وتأويل أخبار الدجال أن يظهر الدجال وتظهر الآيات التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه.
وتأويل أخبار الدابة أن تظهر الدابة فإذا خرجت قلنا قد وقع تأويل ذلك، فكل ما كَانَ من الأخبار فتأويله هو وقوع نفس المخبر به.
وتأويل الأمر: نفس الفعل المأمور به.
فعندما يقول الله تعالى:وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] فتأويلها أن تصلي، فإذا كنت تصلي فأنت تأول هذه الآية بمعنى تأتي بما أمرك الله به وعلى هذا الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عَائِِِشَةَ قالت: {كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن } أي: يتأول قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تحقق له ذلك تأول القُرْآن أي: عَلَى لغتنا يطبق ذلك ويتمثله.
وقال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ [الأعراف:53] أي: هل ينظرون إلا أن يأتي تأويله: فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث كفار قريش وما أكثر ما يحدثهم بكتاب الله عن قيام الساعة؛ لكنهم ينكرونها ويكذبون بها كما قال تَعَالَى عنهم: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] فلا يؤمنون بأن الساعة ستقوم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرر عليهم الآيات والأحاديث في الإيمان بها فماذا ينتظرون بعد ذلك: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ أي: وقوع ذلك الشيء، فإذا وقع وجاء سيؤمنون! يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ فهم ينكرون البعث؛ فإذا نفخ في الصور وبعثر من في القبور،
فإنهم حينئذ يقولون: قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ لكن هل ينفع حينئذٍ؟ لا ينفع؛ لأن من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]
وأخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كل إنسان سوف يموت كما قال تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] فتنزع روحه الملائكة، إما ملائكة الرحمة، إن كَانَ من أهل النعيم والإيمان، وإما ملائكة العذاب إن كَانَ من الشقاوة والجحيم، هكذا أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنؤمن بذلك ونصدق به، فتأويل هذا وتحققه أنه عندما تأتي الملائكة لقبض الروح لا يزداد المؤمن إيماناً، ولا يؤمن المنافق أو الكافر، وكذلك قوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه [يونس:39].
فقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ أي: القُرْآن هذه العلة الأولى من مناط التكذيب، الثانية: هو وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه أي: لم يستطيعوا أن يستوعبوه بعقولهم ولا أن يفهموه، فنشاهد في هذه الآية أن الأمر عندهم دائر بين شيئين: أنهم لم يحيطوا بعلمه، وأنهم لمَّا يأتهم تأويله.
معنى التأويل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من درس: التأويل له معان منها حق ومنها باطل
يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [ثُمَّ قد صار التأويل مستعملاً في غير معناه الأصلي، فالتأويل في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام] والمآل هو: والعاقبة والنهاية، أي: ينتهي إليها الكلام وتراد بالكلام [فتأويل المخبر به] مثلاً أخبرنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن الجنة والنار، فَقَالَ في النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] فتأويل هذه الآية -على هذا المعنى- أن العالمين جميعاً يردون فوق جسر جهنم هذا تأويلها.
وتأويل دخول الجنة أن يدخل المؤمنون الجنة.
وتأويل دخول النَّار أن يدخل الكفار النار.
وتأويل أخبار الدجال أن يظهر الدجال وتظهر الآيات التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه.
وتأويل أخبار الدابة أن تظهر الدابة فإذا خرجت قلنا قد وقع تأويل ذلك، فكل ما كَانَ من الأخبار فتأويله هو وقوع نفس المخبر به.
وتأويل الأمر: نفس الفعل المأمور به.
فعندما يقول الله تعالى:وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] فتأويلها أن تصلي، فإذا كنت تصلي فأنت تأول هذه الآية بمعنى تأتي بما أمرك الله به وعلى هذا الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عَائِِِشَةَ قالت: {كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن } أي: يتأول قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تحقق له ذلك تأول القُرْآن أي: عَلَى لغتنا يطبق ذلك ويتمثله.
وقال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ [الأعراف:53] أي: هل ينظرون إلا أن يأتي تأويله: فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث كفار قريش وما أكثر ما يحدثهم بكتاب الله عن قيام الساعة؛ لكنهم ينكرونها ويكذبون بها كما قال تَعَالَى عنهم: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] فلا يؤمنون بأن الساعة ستقوم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرر عليهم الآيات والأحاديث في الإيمان بها فماذا ينتظرون بعد ذلك: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ أي: وقوع ذلك الشيء، فإذا وقع وجاء سيؤمنون! يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ فهم ينكرون البعث؛ فإذا نفخ في الصور وبعثر من في القبور،
فإنهم حينئذ يقولون: قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ لكن هل ينفع حينئذٍ؟ لا ينفع؛ لأن من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]
وأخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كل إنسان سوف يموت كما قال تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] فتنزع روحه الملائكة، إما ملائكة الرحمة، إن كَانَ من أهل النعيم والإيمان، وإما ملائكة العذاب إن كَانَ من الشقاوة والجحيم، هكذا أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنؤمن بذلك ونصدق به، فتأويل هذا وتحققه أنه عندما تأتي الملائكة لقبض الروح لا يزداد المؤمن إيماناً، ولا يؤمن المنافق أو الكافر، وكذلك قوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه [يونس:39].
فقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ أي: القُرْآن هذه العلة الأولى من مناط التكذيب، الثانية: هو وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه أي: لم يستطيعوا أن يستوعبوه بعقولهم ولا أن يفهموه، فنشاهد في هذه الآية أن الأمر عندهم دائر بين شيئين: أنهم لم يحيطوا بعلمه، وأنهم لمَّا يأتهم تأويله.
تعليق