أسباب الخلاف الفقهي بقلم الباحث رأفت المحمدي
1- اختلاف دلالة الألفاظ
2- حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز
3- حمل اللفظ على العموم والخصوص
4- الألفاظ المشتركة في اللغة العربية
5- تقديم الذاتية على الموضوعية أو العكس
6- حمل اللفظ على الإطلاق أو تقيده
7- تعاور حروف المعاني وتعدد دلالاتها
8- اختلاف مفهوم اللفظ في اللغة وفي الشرع
9- اختلاف دلالة الأوامر والنواهي
10- حمل بعض التشريعات على الخصوصية للنبي ولعصره
11- حمل بعض أفعال النبي على الجبلة والعادة
12- الاختلاف في الناسخ والمنسوخ
13- اختلاف طرق القياس
وسأضرب مثلا لكل حالة من الحالات السابقة
قال تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )
فكلمة قروء تطلق على الحيض والطهر ( ثلاثة قروء ) معلوم لغويا أن لفظ ثلاثة يأتي مع المذكر ولفظ ثلاث يأتي مع المؤنث ولو عدنا إلى اصل كلمة الحيض لوجدنها مؤنث وكلمة الطهر مذكر فنقول ( ثلاثة أطهار ) و نقول( ثلاث حيض ) وحيث أن الوارد فى الآيات لفظ ثلاثة فيكون الظاهر بوضع اللغة تفسيرالقروء بالطهر إلا أننا نترك هذا الظاهر لوجود دليل أخر دل على أن المراد بالآية ليس المعنى الظاهر لقولة صلى الله علية وسلم لعائشة في الحديث( دعي الصلاة أيام أقراء كي ) فدل الحديث على أن المقصود بالقرء الحيض وليس الطهر
لذلك ذهب الإمام الشافعي والإمام مالك رحمهما الله إلى انه الطهر وليس الحيض فتكون عدة المطلقة عندهما بقرءين وبعض قرء لأنها تعتد بالطهر لا بالحيض وذهب الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد إلى أنه الحيض وليس الطهر فتكون عدة المطلقة عندهما ثلاث حيض لأنها تعتد بالحيض
ثانيا : حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز
مثل قوله تعالى ( وينزل لكم من السماء رزقا ) هل قصد بالرزق المطر فتكون الكلمة على المجاز ويسمى مجاز التسبيب أي أن المطر سبب للزق أم يقصد بالرزق المكتوب عند الله سلفا لكل إنسان ويأمر الله الأسباب بأن تنزله على العبد فيكون نزوله بالأمر من الله فيكون على الحقيقة
في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
ذهب الشافعي رحمه الله إلى أن السلام هنا مقصود به السلام على النبي في الصلاة فقال أن السلام على النبي في التشهد فرض ومن لم يسلم على النبي فيه تبطل صلاته
وذهب الجمهور إلى أن المقصود هنا التسليم للخروج من الصلاة في أخرها ولم يقولوا ببطلان صلاة من لم يسلم في التشهد
في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث فليتوضأ )
فذهب أبي حنيفة وأحمد إلى اعتبار اللفظ الوارد في الحديث لفظ عام يحمل على عمومة باعتبار الخارج من أي مكان خرج لذا يبطل عند الأحناف وضوء من أصيب برعاف من أنفة أو القيء إلا البلغم وكذلك الدم عند الجرح يبطل الوضوء عندهم
وذهب الشافعي وبعض المالكية إلى أن اللفظ عام يحمل على الخصوص باعتبار المكان الخارج منه أي أن الخروج الناقض للوضوء هو ما خرج من السبيلين خصوصا دون غيرهما سواء كان بولا أو غائط أو حصاة أو دما اعي يحمل الخارج على العموم ويحمل على الخصوص في المكان الخارج منه
وذهب الإمام مالك وجل أصحابة حمل الكلام على الخصوص في المكان فلا ينقض الوضوء إلا ما خرج من القبل والدبر وحمل الخارج على الخصوص أي ما اعتاد خروجه منهما دون غيره أي أن الدم والحصاة الخارجة من السبيلين لا تبطل الوضوء واستدل بصلاة عمر ابن الخطاب حين طعن ولم يترك الصلاة
ذهب الإمام أحمد إلى حرمة الصلاة في الثوب المغصوب لأنه قدم الذاتية على الموضوعية أي أن الصلاة مترتبة على تحقق شروطها ومن ضمن شروطها الثوب لستر العورة فإن لم يصح اغتصاب ثوب الغير فلا يصح الصلاة فيه
وذهب الإمام الشافعي إلى تقديم الموضوعية على الذاتية في أن كل واقعة
مستقلة بذاتها عن الأخرى فالصلاة لها شروط متى تحققت صحت والسرقة لها عقوبة متى تحققت أقيم الحد
كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )
ذهب البعض إلى أطلاق الرقبة سواء أنثى أم ذكر سواء مؤمنة أم لا
وذهب الجمهور إلى التقيد برقبة مؤمنة لقولة تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )
حروف المعاني يحل بعضها محل بعض كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )
ذهب الشافعية والأحناف وبعض اصحاب مالك إلى أن الباء في قوله تعالى ( بِرُءُوسِكُمْ ) للتبعيض أي ببعض رءوسكم كما يقول العرب أمسك بتلابيبه أي ببعض ثيابه
وذهب مالك وأحمد إلى أن الباء هنا للآلة وكأنه قال أمسحوا رءوسكم بأيديكم فقالوا ان المسح يجب أن يستوعب كل الرأس
لفظ الصلاة في اللغة الدعاء وفى الشرع أفعال مخصوصة فى أوقات مخصوصة بهيئة مخصوصة ومثالة قولة تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )
نحمل معنى الصلاة على الظاهر بوضع الشرع ويقدم على ظاهر اللغة ولا يحمل اللفظ على ظاهر اللغة إلا بدليل أخر وفى الحديث ( قال النبي صلى الله علية وسلم إذا دعي أحدكم فليجب وإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصلى )
هل نحمل فليصلى في هذا الحديث على المعنى الشرعي ؟ لا وإنما نحملها على المعنى اللغوي أي فليدعوا لأخيه بخير لورود الدليل من أحاديث أخرى أن الصائم يدعوا لأخيه إذا دعاة إلى طعام
وكما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )
الفاء في اللغة للتعقيب ولو حملنا المعني في الآية على المعنى اللغوي لكان الوضوء بعد الصلاة وليس قبلها في حين أن المعنى الشرعي دلت علية أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم
احيانا يكون الامر علىى الوجوب واحيانا على الاستحباب واحيانا على الاباحة كما في قولة تعالى ( أقيموا الصلاة ) هنا على الوجوب وفي قوله النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالاثمد ) أي الكحل هنا على الندب وقوله تعالى (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) أمر للإباحة
احيانا يكون النهي على الوجوب واحيانا يكون على الكراهه قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) هنا على التحريم وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) وذروا البيع هنا على الكراهة
كما في قوله تعالى (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) هذا أمر خاص بالرسول دون غيرة فلا تصح هبة المرأة للرجل وكذلك صيام الوصال خاص بالنبي
وذلك مثل دخول رسول الله إلى مكة من مكان معين وخروجه من مكان أخر ووقوفه في عرفة عند جبل الرحمة وكذلك الأكل بالأصابع دون الملاعق ولعق الأصابع على سبيل العادة السائدة في هذا العصر ولبس الخاتم وغيرها
قد يختلف أحيانا في الآيات هل نسخت أم لا كما في قوله تعالى (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) هل نسخت وأية ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) قال بعضهم نسختها وقال البعض الأخر لم تنسخها بدليل أن الفاتحين المسلمين لم يكرهوا أحد على الدخول في الإسلام وقيل نسخت في حق ساكني جزيرة العرب وحدهم دون غيرهم
ثالث عشر : اختلاف طرق القياس
اختلف الفقهاء في الأمة المطلقة فقال الجمهور عدتها نصف عدة الحرة وذلك قياسا على الدية وقال أهل الظاهر عدتها عدة الحرة قياسا على عدة الحرة ولعل القول الراجح في هذه المسألة مع أهل الظاهر
وعلى ما تقدم
فإن الخلاف في الفقه لن ينتهي لاختلاف العقول والمدارك والأحوال من زمان إلى أخر ومن مكان إلى أخر وهنا ينقسم الخروج من الخلاف إلى شقين
الأول : الخلاف في العبادات فهذه أمور لكل عبد منا إذا لم يكن من أهل الاجتهاد أن يجتهد في اختيار من يقلد وهذا هو اجتهاده الوحيد وله أن يرتب من يستفتيهم ويكون عنده ظواهر من الأدلة على علمهم وورعهم
أما باقي الأمور فهو مقلد فيها
أما المعاملات والعقود وأمور الدولة فلابد من تدخل ولى الأمر فيها وترجيح أحد الأقوال من المذاهب الفقهية والعمل به وإن تعددت المذاهب فلا يشترط له أن يختار مذهب بكامله من بدايته إلى نهايته ويكون المعول عليه في اختياره مصلحة المحكومين ومواكبة العصر ومواكبة الأماكن .
ولولي الأمر تقيد المباح لمصلحة الناس فله أن يمنع ذبح إناث البقر لعدد معين من السنين لمصلحة الإنتاج مثلا وله منع السير في بعض الشوارع لتنظيم المرور رغم أن السير في أي وقت وفي أي مكان ليس محرما
فما كان من اختيار ولى الأمر في مسائل العلاقات والمعاملات فلا يحق لأحد من الرعية اختيار قول أخر بخلاف ما ذهب إليه ولى الأمر وإن اختار ولى الأمر الرأي المرجوح ولنا مثلا وقدوة فيما فعله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في المسائل المسماة بالمسائل العمرية ومنها إمضاء طلاق البته أي في مجلس واحد ثلاث طلقات فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره وكذلك وقف حد قطع اليد في عام الرمادة وكذلك وقف سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة وغيرها من المسائل العمرية
1- اختلاف دلالة الألفاظ
2- حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز
3- حمل اللفظ على العموم والخصوص
4- الألفاظ المشتركة في اللغة العربية
5- تقديم الذاتية على الموضوعية أو العكس
6- حمل اللفظ على الإطلاق أو تقيده
7- تعاور حروف المعاني وتعدد دلالاتها
8- اختلاف مفهوم اللفظ في اللغة وفي الشرع
9- اختلاف دلالة الأوامر والنواهي
10- حمل بعض التشريعات على الخصوصية للنبي ولعصره
11- حمل بعض أفعال النبي على الجبلة والعادة
12- الاختلاف في الناسخ والمنسوخ
13- اختلاف طرق القياس
وسأضرب مثلا لكل حالة من الحالات السابقة
أولا : اختلاف دلالة الألفاظ
قال تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )
فكلمة قروء تطلق على الحيض والطهر ( ثلاثة قروء ) معلوم لغويا أن لفظ ثلاثة يأتي مع المذكر ولفظ ثلاث يأتي مع المؤنث ولو عدنا إلى اصل كلمة الحيض لوجدنها مؤنث وكلمة الطهر مذكر فنقول ( ثلاثة أطهار ) و نقول( ثلاث حيض ) وحيث أن الوارد فى الآيات لفظ ثلاثة فيكون الظاهر بوضع اللغة تفسيرالقروء بالطهر إلا أننا نترك هذا الظاهر لوجود دليل أخر دل على أن المراد بالآية ليس المعنى الظاهر لقولة صلى الله علية وسلم لعائشة في الحديث( دعي الصلاة أيام أقراء كي ) فدل الحديث على أن المقصود بالقرء الحيض وليس الطهر
لذلك ذهب الإمام الشافعي والإمام مالك رحمهما الله إلى انه الطهر وليس الحيض فتكون عدة المطلقة عندهما بقرءين وبعض قرء لأنها تعتد بالطهر لا بالحيض وذهب الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد إلى أنه الحيض وليس الطهر فتكون عدة المطلقة عندهما ثلاث حيض لأنها تعتد بالحيض
ثانيا : حمل اللفظ على الحقيقة أو المجاز
مثل قوله تعالى ( وينزل لكم من السماء رزقا ) هل قصد بالرزق المطر فتكون الكلمة على المجاز ويسمى مجاز التسبيب أي أن المطر سبب للزق أم يقصد بالرزق المكتوب عند الله سلفا لكل إنسان ويأمر الله الأسباب بأن تنزله على العبد فيكون نزوله بالأمر من الله فيكون على الحقيقة
ثالثا الألفاظ المشتركة في اللغة العربية
في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
ذهب الشافعي رحمه الله إلى أن السلام هنا مقصود به السلام على النبي في الصلاة فقال أن السلام على النبي في التشهد فرض ومن لم يسلم على النبي فيه تبطل صلاته
وذهب الجمهور إلى أن المقصود هنا التسليم للخروج من الصلاة في أخرها ولم يقولوا ببطلان صلاة من لم يسلم في التشهد
رابعا :حمل اللفظ على العموم والخصوص
في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث فليتوضأ )
فذهب أبي حنيفة وأحمد إلى اعتبار اللفظ الوارد في الحديث لفظ عام يحمل على عمومة باعتبار الخارج من أي مكان خرج لذا يبطل عند الأحناف وضوء من أصيب برعاف من أنفة أو القيء إلا البلغم وكذلك الدم عند الجرح يبطل الوضوء عندهم
وذهب الشافعي وبعض المالكية إلى أن اللفظ عام يحمل على الخصوص باعتبار المكان الخارج منه أي أن الخروج الناقض للوضوء هو ما خرج من السبيلين خصوصا دون غيرهما سواء كان بولا أو غائط أو حصاة أو دما اعي يحمل الخارج على العموم ويحمل على الخصوص في المكان الخارج منه
وذهب الإمام مالك وجل أصحابة حمل الكلام على الخصوص في المكان فلا ينقض الوضوء إلا ما خرج من القبل والدبر وحمل الخارج على الخصوص أي ما اعتاد خروجه منهما دون غيره أي أن الدم والحصاة الخارجة من السبيلين لا تبطل الوضوء واستدل بصلاة عمر ابن الخطاب حين طعن ولم يترك الصلاة
خامسا : تقديم الذاتية على الموضوعية أو العكس
ذهب الإمام أحمد إلى حرمة الصلاة في الثوب المغصوب لأنه قدم الذاتية على الموضوعية أي أن الصلاة مترتبة على تحقق شروطها ومن ضمن شروطها الثوب لستر العورة فإن لم يصح اغتصاب ثوب الغير فلا يصح الصلاة فيه
وذهب الإمام الشافعي إلى تقديم الموضوعية على الذاتية في أن كل واقعة
مستقلة بذاتها عن الأخرى فالصلاة لها شروط متى تحققت صحت والسرقة لها عقوبة متى تحققت أقيم الحد
سادسا : حمل اللفظ على الإطلاق أو تقيده
كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا )
ذهب البعض إلى أطلاق الرقبة سواء أنثى أم ذكر سواء مؤمنة أم لا
وذهب الجمهور إلى التقيد برقبة مؤمنة لقولة تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )
سابعا : تعاور حروف المعاني وتعدد دلالاتها
حروف المعاني يحل بعضها محل بعض كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )
ذهب الشافعية والأحناف وبعض اصحاب مالك إلى أن الباء في قوله تعالى ( بِرُءُوسِكُمْ ) للتبعيض أي ببعض رءوسكم كما يقول العرب أمسك بتلابيبه أي ببعض ثيابه
وذهب مالك وأحمد إلى أن الباء هنا للآلة وكأنه قال أمسحوا رءوسكم بأيديكم فقالوا ان المسح يجب أن يستوعب كل الرأس
ثامنا : اختلاف مفهوم اللفظ في اللغة وفي الشرع
لفظ الصلاة في اللغة الدعاء وفى الشرع أفعال مخصوصة فى أوقات مخصوصة بهيئة مخصوصة ومثالة قولة تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )
نحمل معنى الصلاة على الظاهر بوضع الشرع ويقدم على ظاهر اللغة ولا يحمل اللفظ على ظاهر اللغة إلا بدليل أخر وفى الحديث ( قال النبي صلى الله علية وسلم إذا دعي أحدكم فليجب وإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصلى )
هل نحمل فليصلى في هذا الحديث على المعنى الشرعي ؟ لا وإنما نحملها على المعنى اللغوي أي فليدعوا لأخيه بخير لورود الدليل من أحاديث أخرى أن الصائم يدعوا لأخيه إذا دعاة إلى طعام
وكما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )
الفاء في اللغة للتعقيب ولو حملنا المعني في الآية على المعنى اللغوي لكان الوضوء بعد الصلاة وليس قبلها في حين أن المعنى الشرعي دلت علية أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم
تاسعا : اختلاف دلالة الأوامر والنواهي
احيانا يكون الامر علىى الوجوب واحيانا على الاستحباب واحيانا على الاباحة كما في قولة تعالى ( أقيموا الصلاة ) هنا على الوجوب وفي قوله النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالاثمد ) أي الكحل هنا على الندب وقوله تعالى (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) أمر للإباحة
احيانا يكون النهي على الوجوب واحيانا يكون على الكراهه قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) هنا على التحريم وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) وذروا البيع هنا على الكراهة
عاشرا : حمل بعض التشريعات على الخصوصية للنبي ولعصره
كما في قوله تعالى (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) هذا أمر خاص بالرسول دون غيرة فلا تصح هبة المرأة للرجل وكذلك صيام الوصال خاص بالنبي
حادي عشر : حمل بعض أفعال النبي على الجبلة والعادة
وذلك مثل دخول رسول الله إلى مكة من مكان معين وخروجه من مكان أخر ووقوفه في عرفة عند جبل الرحمة وكذلك الأكل بالأصابع دون الملاعق ولعق الأصابع على سبيل العادة السائدة في هذا العصر ولبس الخاتم وغيرها
ثاني عشر : الاختلاف في الناسخ والمنسوخ
قد يختلف أحيانا في الآيات هل نسخت أم لا كما في قوله تعالى (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) هل نسخت وأية ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) قال بعضهم نسختها وقال البعض الأخر لم تنسخها بدليل أن الفاتحين المسلمين لم يكرهوا أحد على الدخول في الإسلام وقيل نسخت في حق ساكني جزيرة العرب وحدهم دون غيرهم
ثالث عشر : اختلاف طرق القياس
اختلف الفقهاء في الأمة المطلقة فقال الجمهور عدتها نصف عدة الحرة وذلك قياسا على الدية وقال أهل الظاهر عدتها عدة الحرة قياسا على عدة الحرة ولعل القول الراجح في هذه المسألة مع أهل الظاهر
وعلى ما تقدم
فإن الخلاف في الفقه لن ينتهي لاختلاف العقول والمدارك والأحوال من زمان إلى أخر ومن مكان إلى أخر وهنا ينقسم الخروج من الخلاف إلى شقين
الأول : الخلاف في العبادات فهذه أمور لكل عبد منا إذا لم يكن من أهل الاجتهاد أن يجتهد في اختيار من يقلد وهذا هو اجتهاده الوحيد وله أن يرتب من يستفتيهم ويكون عنده ظواهر من الأدلة على علمهم وورعهم
أما باقي الأمور فهو مقلد فيها
أما المعاملات والعقود وأمور الدولة فلابد من تدخل ولى الأمر فيها وترجيح أحد الأقوال من المذاهب الفقهية والعمل به وإن تعددت المذاهب فلا يشترط له أن يختار مذهب بكامله من بدايته إلى نهايته ويكون المعول عليه في اختياره مصلحة المحكومين ومواكبة العصر ومواكبة الأماكن .
ولولي الأمر تقيد المباح لمصلحة الناس فله أن يمنع ذبح إناث البقر لعدد معين من السنين لمصلحة الإنتاج مثلا وله منع السير في بعض الشوارع لتنظيم المرور رغم أن السير في أي وقت وفي أي مكان ليس محرما
فما كان من اختيار ولى الأمر في مسائل العلاقات والمعاملات فلا يحق لأحد من الرعية اختيار قول أخر بخلاف ما ذهب إليه ولى الأمر وإن اختار ولى الأمر الرأي المرجوح ولنا مثلا وقدوة فيما فعله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في المسائل المسماة بالمسائل العمرية ومنها إمضاء طلاق البته أي في مجلس واحد ثلاث طلقات فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره وكذلك وقف حد قطع اليد في عام الرمادة وكذلك وقف سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة وغيرها من المسائل العمرية
تعليق