انقسمت أقوال العلماء في هذا الباب على قولين
القول الأول
ذهب أصحاب هذا القول إلى جواز دخول الجني إلى بدن الإنسان ويسمى عندهم (المس)
القول الثاني
ذهب أصحاب هذا القول بعدم جواز دخول الجني إلى جسم الإنسان وفيما يلي نستعرض أدلة كل فريق مقرونا ببعض أقوال أصحابها
المطلب الأول : القائلون بجواز دخول الجني إلى بدن الإنسان ( المس ) وأدلتهم
ذهب أصحاب هذا القول بجواز دخول الجني إلي جسم الإنسان والإضرار به واستخدام بدنه رغما عنه وعلى غير إرادته والقيام بأفعال دون أن يدرى بها الممسوس أو يدري ولا يستطيع منعها وذهب فريق منهم إلى أن ما يحدثه الشيطان بجسم الممسوس يسمى الصرع
أدلة القائلون بجواز دخول الجني بدن الإنسان
ويقول بهذا الرأي من العلماء (الطبرى والماوردي و البغوي والنسفي و ابن كثير و ابن تيمية وابن القيم وآخرون من السلف والمعاصرين ) وأدلتهم تتمثل فيما يلي :
الدليل الأول :عمدة الأدلة عند أصحاب هذا القول هو قول الله تعالى:(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275]
واستدل أصحاب هذا القول بهذه الآية الكريمة على أن الجني يستطيع الدخول إلى بدن الممسوس وان المس يعنى دخول الجني بدن الممسوس فيصرعه.
قال الشوكاني في فح القدير ( أي قياما كقيام الذي يتخبطه ، والخبط : الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو المصروع . والمس : الجنون ، والأمس : المجنون ، وهو متعلق بقوله : يقومون أي : لا يقومون من المس الذي بهمأو متعلق ب يقوم( . كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) وقال الشوكاني رحمه الله في الآية دليل على فساد قول من قال : إن الصرع لا يكون من جهة الجن ، وزعم أنه من فعل الطبائع ، وقال : ( إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان ، وليس بصحيح ، وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس)
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره ، (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى ( أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي من الأشاعرة وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك ) (9/19 الفتاوى )
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد الميعاد (الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها)
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة (أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً). (تفسير القرآن العظيم – 1 / 334)
ورد في /مجموع الفتاوى: "قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقواما يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال الإمام أحمد: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسان المصروع (مجموع الفتاوى لابن تيمية ج24 ص277 )و الأقوال كثيرة في هذا المجال للعلماء
الدليل الثاني : لأصحاب هذا القول قوله تعالى :( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )( ص - 41)استدلوا بهذه الآية علي جواز إضرار الشيطان بالإنسان بأن يعذبه أو يجعله في نصب أي ضيق أو تعب وإرهاق رغما من أنهم لا يعتقدون بان إبليس قد احتل بدن أيوب عليه السلام لان ذلك ممتنع علية فالشيطان ممتنع عليه الدخول إلى جسد الأنبياء
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق علماء السنة والجماعة"(الفتاوى لابن تيمية ج4 ص276،ص277)
قال الشيخ أبو بكر الجزائري: رحمه الله "أذى الجن للإنسان ثابت لا ينكر حيث ثبت بالدليل النقلي والحسي" ( عقيدة المؤمن/ ص229،ص23
الدليل الثالث : يستدل أصحاب هذا القول بحديث عثمان ابن أبي العاص قال: ( لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيئا في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن العاص قلت نعم يا رسول الله قال ما جاء بك قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي قال ذاك شيطان ادنه فدنوت منه فجلست على صدور قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك )الألباني -:السلسلة الصحيحة
فيستدلون بهذا الحديث على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله قالها رسول الله صلى الله علية وسلم للخبيث عدو الله الشيطان والخروج عكس الدخول مما يعني سابق دخول الشيطان بدن عثمان لذا اقتضى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله ودل ذلك على أن عثمان كان مصروعا من الشيطان وتفل النبي في فمه ليخرج ببركة النبي صلى الله عليه وسلم من جوفه
يقول الشيخ الألباني – رحمه الله - : ( وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة – 2918 )
يقولشيخ الإسلام ابن تيمية : ( أن الإنس قد يؤذون الجن بالبول عليهم ، أو بصب ماء حار ، أو بقتلٍ ونحو ذلك ، دون أن يشعروا ، فيجازي الجن حينئذ فاعل ذلك من الإنس بالصرع )
قال ابن حزم رحمه الله :( وأما الصرع فإن الله عز وجل قال: كالذي يتخبطه الشيطان من المس فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصر وع ، إنما هو بالمماسة.)
الدليل الرابع : يستند أصحاب هذا القول إلى حديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ، أو قال : شيئا ).صحيح البخاري -
واستدلوا بهذا الحديث على إمكانية دخول الجن إلى بدن الإنسان طالما انه يجرى مجرى الدم والدم لا يكون إلا في داخل البدن .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: رحمة الله ( وكذلك دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعه
الدليل الخامس : لأصحاب هذا القول حديث أبى سعيد الخدري قال( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ثم يقول الله أكبر كبيرا ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه )الألباني - المصدر:صحيح الترمذي -
وفى رواية ابن مسعود(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه و نفثه قال : و همزه المؤتة و نفخه
الكبر و نفثه الشعر)ابن حجر العسقلاني - المصدر:الفتوحات الربانيةحديث حسن
قال ابن الأثير رحمه الله : (قال ابن كثير: "فهمزه الموتة، وهو الخنق الذي هو الصرع
وجاء في لسان العرب: ( والمُوتةُ بالضم جنس من الجُنُونِ والصَّرَع يَعْتَري الإِنسانَ فإِذا أَفاقَ عاد إِليه عَقْلُه كالنائم والسكران و المُوتة الغَشْيُ و المُوتةُ الجُنونُ لأَنه يَحْدُثُ عنه سُكوتٌ كالمَوْتِ وفي الحديث أَن النبي صلى الله عليه وسلم كانَّ يتَعوَّذُ بالله من الشيطان وهَمْزه ونَفْثِه ونَفْخِه فقيل له ما هَمْزُه ؟ قال المُوتةُ قال أَبو عبيد المُوتَةُ الجُنونُ يسمى هَمْزاً لأَنه جَعَله من النَّخْس والغَمْزِ وكلُّ شيءٍ دفَعْتَه فقد هَمَزْتَه وقال ابن شميل المُوتةُ الذي يُصْرَعُ من الجُنونِ أَو غيره ثم يُفِيقُ وقال اللحياني المُوتةُ شِبْهُ الغَشْية وماتَ الرجلُ إِذا خَضَعَ للحَقِّ ) وعلى ذلك يكون استدلالهم بهذا الحديث من وجه أن الجنون من الشيطان والتخبط من الشيطان حال المس ودخوله داخل جسم الإنسانوان قولة صلى الله عليه وسلم والموته من الشيطان يدل على ما ذهبوا الية من الصرع قال ابن الأثير: (والموتة: الجنون، لأن المجنون ينخسه الشيطان)
الدليل السادس: لأصحاب هذا القول حديث أسامة ابن زيد قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حجها ، فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة [ معها صبي لها ] فسلمت عليه صلى الله عليه وسلم فوقف لها ، فقالت : يا رسول هذا ابني فلان ، والذي بعثك بالحق مازال في خنق واحد منذ ولدته إلى الساعة – أو كلمة تشبهها فاكتنع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط يده فجعله بينه وبين الرحل ، ثم تفل في فيه ، ثم قال : اخرج عدو الله فإني رسول الله ، ثم ناولها صلى الله عليه وسلم إياه فقال : خذيه فلن ترى معه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء الله تعالى قال أسامة رضي الله عنه : وقضينا حجتنا ثم انصرفنا ، فلما نزلنا بالروحاء فإذا تلك المرأة أم الصبي ، فجاءت ومعها شاة مصلية فقالت : يا رسول الله ، أنا أم الصبي الذي أتيتك به ، قالت : والذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئا يريبني إلى هذه الساعة . )ابن حجر العسقلاني -:المطالب العالية - 4/197 إسناده حسن
استدلوا أيضا بهذا الحديث على جواز دخول الجني جسم الإنسي لقول النبي صل الله علية وسلم في هذا الحديث اخرج عدو الله وقالوا أن الخروج لابد أن يكون مسبوقا بدخول الشيطان داخل جسم الطفل .
قال الشيخ صالح العثيمين – رحمه الله - : ( أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضا ، فإنهم يؤثرون على الإنس ، إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم ، وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش وما أشبه ذلك) (مجموع الفتاوى – 157
الدليل السابع : لأصحاب هذا القول حديث عطاء ابن أبى رباح قال ( قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ).صحيح البخاري - الصفحة : 5652
قال ابن حجر: ( وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني.)ورواية البزار هذه التي فيها ذكر الخبيث ـ الشيطان ـ من طريق فرقد السبخي وهو ضعيف لأنه لين الحديث كثير الخطأ كما في القريب
وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة أم زفر أنها هي التي كان بها مس من الجن
وقال ابن القيم : "ويجوز أن صرع هذه المرأة السوداء من جهة الأرواح الخبيثة" وخلاصة القول في هذا الدليل أن أصحاب هذا القول يحملون صرع هذه المرأة على دخول الجن بجسدها فتصرع ولا يحملونه على الصرع الطبي المعروف في عالم الطب الآن .
الدليل الثامن : لأصحاب هذا القول سورة الناس قال تعلى :( الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ
فقالوا إن في هنا ظرفية تفيد دخول الجني بدن الإنسان ثم يوسوس في صدره وهذا هو ظاهر التعبير بالحرف (في) أي وهو بداخله .
الدليل التاسع : لأصحاب هذا القول قوله تعالى :( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا )(الجن – 6
فيقولون دلت هذه الآية على أن الجن يرهقون الإنس لذا فقد حملوا معنى فزادوهم رهقا على انه خفة العقل والمس
وقال ابن منظور: في لسان العرب ( والرَّهَقُ جهل في الإِنسان وخِفَّة في عقله تقول به رَهَق ورجل مُرَهَّقٌ موصوف بذلك ولا فِعل له والرَّهَقُ التُّهمَةُ والمُرَهَّقُ المُتَّهم في دِينه والرَّهَقُ الإِثْمُ والرَّهْقةُ المرأَةُ الفاجرة )
قال الشيباني : ( فيه رَهَق أَي حِدَّة وخِفَّة وإِنه لَرَهِقٌ أَي فيه حدّة وسفَه والرَّهَق السَّفَه ) (لسان العرب ) لذا فقد حملوا معنى فزادوهم رهقا على انه خفة العقل والمس
وقال ابن أبي حاتم: (حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا أبي, حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد, فكان الإنس إذا نزلوا وادياً هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي, فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون, فذلك قول الله عز وجل: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً} أي إثماً ) (تفسير ابن كثير – 572 )
(حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله) : (وانه كان رجال يعوزون برجال من الجن ذكر لنا أن هذا الحي من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا : نعوذ بأعز أهل هذا المكان) :فزادوهم رهقا أي إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .( ( تفسير الطبري- 656)
الدليل العاشر : لأصحاب هذا القول قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُون:َ ) ( سورة الأعراف – الآية 201 )
قال ابن كثير : ( إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد وقيل : بينهما فرق ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ) ( تفسير القرآن العظيم – 2 / 267 )
واستدل بعضهم بان مسهم طائف تعني أن الطائف من مس الشيطان والدخول إلى جسده وان معنى المس هو دخول الجني إلى بدن الممسوس لان كلمة طائف جاء في عقبها الشيطان .
المطلب الثاني :القائلون بعدم جواز دخول الجنى الى جسم الإنسان وأدلتهم
وذهب الى هذا القول (جمال الدين الأفغاني - محمد عبده - ابو حامد الغزالي – الجبائي من المعتزلة – والقفال من الشافعية – والبيضاوي من الشافعية – والفخر الرازي – والقاضي أبو يعلى – وعبد الجبار الهمداني من المعتزلة – والشيخ محمود شلتوت – الشيخ المراغي – والشيخ جاد الحق – وغيرهم)
أدلة القائلون بعدم جواز المس
الدليل الأول : عمدة الأدلة عند من يقولون بعدم جواز دخول الجني إلى جسم الإنسان قوله تعال : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(إبراهيم -22)
استند أصحاب هذا القول إلي هذه الآية الكريمة في إثبات أن عمل الشيطان وسلطانه بالدعوة إلى الشر وذلك قوله عز وجل ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم ) أي لا يكون إلا بالوسوسة والدعوة إلى معصية الله وان الاستثناء الوارد في الآية الكريمة يفيد الحصر أي حصر عمل الشيطان في الدعوة والوسوسة ولا مجال لدخول الشيطان جسم الإنسان فأن الله لم يجعل له سلطان على بني ادم إلا في أمر الوسوسة فقط كما جاء في الحديث
وقال الشيخ الشعراوي : رحمه الله ( الملوم هنا من اقبل على المعصية لا من اغوي بها ) ( تفسير الشعراوي 12 / 7488 )
وقال الشعراوي : رحمه الله في تفسير قوله تعالى : وما كان لي عليكم من سلطان ( والسلطان كما نعلم – إما سلطان قهر أو سلطان إقناع وسلطان القهر ما يقهر به غيره على أن يفعل ما يكره بينما يكون كارها للفعل أما سلطان الحجة فهو إن يملك منطقا يجعلك تعمل وفق ما يطلبه منك وتحب ما تفعل وكذا يعترف الشيطان للبشر يوم الحشر الأعظم ويقول : أريد أن أناقشكم هل كان لي سلطان قهري أقهركم به ؟ هل كان لي سلطان إقناع أقنعكم به على إتباع طريقي ؟ لم يكن لي في دنياكم هذه ولا تلك فلا تتهموني ولا تجعلوني شماعة تعلقون على أخطاءكم فقد غويت من قبلكم وخالفت أمر ربي ولم يكن لي عليكم سلطان سوى ا ن دعوتكم فاستجبتم لي وكل ما كان لي عندكم أنى حركت فيكم نوازع أنفسكم لتقبلوا على المعصية إذن :فالشيطان إما أن يحرك نوازع النفس أو يترك النفس تتحرك بنوازعها إلى المعصية وهى كافية لذلك ) ( تفسير الشعراوي 12/ 7486 )
وجاء فى كتاب عالم الجن لعبد الكريم عبيدات : (بعض الناس يتصورون أن للشيطان تلك القدرة التي يستطيع بها أن يجبر الإنسان على ترك الطاعات وفعل المعاصي، ومن ثم فلا ذنب على الإنسان إذا قصر في طاعة الله أو فعل معصية من المعاصي، وهذا التصور إنما سببه الجهل بالقرآن الذي بين حقيقة الشيطان وأنه ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية أو يثبطه عن القيام بالطاعة، لأنه في هذا التصور يكون مشاركاً لله في القدرة على قهر العباد وجبرهم على ما يشاء, وهذا هو عين الشرك في الربوبية، ولو كان للشيطان مثل هذه السلطة لكان في ذلك مناقضة لتكليف الله للبشر, وفي ذلك مناقضة صريحة لما في القرآن الكريم, لأن التكليف مبني على قدرة الإنسان في اختيار الخير أو الشر, وإذا انتفى الاختيار عند الإنسان - بسبب إجبار الشيطان له على فعل المعاصي وترك الواجبات – لكان في ذلك بطلان التكليف من قبل الله للإنسان، وهذا الكلام لا يقول به إلا كافر أو جاهل، لأن بعث الله للرسل على مدار التاريخ إنما جاء لاختبار هذه الإرادة عند الإنسان، فإما أن يستجيب هذا الإنسان لداعي الله، وإما أن يستجيب لداعي الشيطان الذي يوسوس للإنسان ويزين له المعاصي، وعلى أساس هذه الاستجابة أو عدمها يكون جزاء الإنسان بالجنة أو النار. (عالم الجن / 391 ) ثم قال : (ولقد نفى القرآن أن يكون للشيطان سلطان على الكافرين فضلا عن المؤمنين يقهرهم أو بالحجة لما يدعوهم إليه، وبين القرآن حدود سلطان الشيطان على الكافرين، وأنه مجرد دعوة للكفر والمعاصي، واستجابة منهم له في ذلك. يقول الله عز وجل في هذا الشأن حاكياً عن الشيطان: ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [إبراهيم: 22].
فهذا هو الشيطان في الآخرة يعلن في صغار وانكسار تخليه عن أتباعه الذين أطاعوه فيما زين لهم من المعاصي، ويوضح لهم أنه لم يكن له سلطان يجبر هؤلاء على ما كان سبباً في دخولهم جهنم.
قال الإمام الشوكاني : في قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ) الآية(أي وما كان لي تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي: أي إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان..، وقيل: المراد بالسلطان هنا: القهر، أي: ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي، وقيل: هذا الاستثناء هو من باب: تحية بينهم ضرب وجيع، مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه، كأنه قال: إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من السلطان، وليس منه قطع) (تفسير فتح القدير3/103).
ثم يقول صاحب كتاب عالم الجن : ( وهذه الأقوال بمجملها تدل على انتفاء السلطان من قبل الشيطان على أتباعه في الدنيا، وأن وظيفته كانت منحصرة في الدعوة إلى الغواية والضلال، وهذه الدعوة البراقة معراة عن الحجة والبرهان من جهة، وبعيدة عن القهر والسلطان من جهة أخرى، وإذا انتفى الأمران انتفت معهما دواعي الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الشيطان، وبناء على ذلك فلا لوم ولا عتاب. ) (عالم الجن)
قال الشوكاني: (فَلاَ تَلُومُونِي بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد. وَلُومُواْ أَنفُسَكُم باستجابتكم لي بمجرد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائفة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ولمآربه قطع، ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق, ودعوته لكم إلى دار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول.
مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ..ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب, وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب، محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه؟
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ لما كشف لهم القناع بأنه كافر بإشراكهم له مع الله من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكاً، ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقاماً يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم:
أولاً: أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة، معارضة لوعد الحق من الله سبحانه، وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد، ولم يف لهم بشيء منها.
ثانياً: أنه أوضح لهم بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ولا يتفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لابد للعاقل منها في قبول قول غيره.
ثالثاً: أنه أوضح: بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء.
رابعاً: أنه نعى عليهم ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له، وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم، لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذي لا يتلبس بطلانه على من له أدنى عقل.
خامساً: أنه أوضح لهم: بأنه لا نصرة عنده ولا إغاثة، ولا يستطيع لهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضراً، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة.
سادساً: بأنه صرح لهم بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، فتضاعفت عليهم الحسرات، وتوالت عليهم المصائب) (تفسير فتح القدير 3/103). .
ثم يقول صاحب كتاب عالم الجن (وبهذا يتبين أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على بني آدم، لتكون إرادة الناس حرة في اختيارها طريق الخير أو الشر، ومن ثم فليس له سلطان على الإنس في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة، فإن ذلك مما لا سبيل له إليه.) (عالم الجن )
قال القاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي رحمه الله : ( وربما قيل : إن قوله : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – 275 ) كيف يصح ذلك وعندكم أن الشيطان لا يقدر على مثل ذلك ؟ 0 وجوابنا أن مس الشيطان : إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب : ( مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ( سورة ص - 42 ، 43 ) كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب ، وبين ذلك قوله في صفة الشيطان : ( وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ) ( سورة إبراهيم – جزء من الآية 22 ) ولو كان يقدر على أن يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول ، لا إلى من يعتريه الضعف ، وإذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة ، فتغلب عليه المرة ، فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الإنس إذا فعلوا ذلك بغيرهم ) ( تنزيه القرآن عن المطاعن – ص 54 ) 0
الدليل الثاني : وجاء فى الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنة واخرجه الامام احمد فى مسنده قال :(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)مسند الإمام احمد صححه أحمد شاكر الصفحة 3/351
وهذا الحديث الشريف فهموا منه أن عمل الشيطان لا يكون إلا الو سوسه فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة ) و جميع أذى إبليس للإنسان تأتي بالوسوسة فقط ويستجيب الإنسان لهذه الوساوس فيتولى الشيطان من دون الله ويصبح من أوليائه وعلى هذا لا يمكن للشيطان احتلال بدن الإنسان وإلا أصبح الإنسان مجبر على تصرفاته ويرد كل فعل لا يرضاه الله ولا رسوله الى تسير الشيطان له فالتي تحمل من سفاح تقول زنى بي شيطان والذي يسرق يقول حملني على ذلك الشيطان والذي يسب ويكفر يقول حملني علي ذلك الشيطان وجميع الموبيقات تنسب للشيطان وهذا على غير الحقيقة فلو كان الأمر كذلك لما خلق الله الثواب والعقاب ولا خلق الحنة والنار ليثاب المطيع العامل بأوامر الله ويعاقب المقصر المفرط في حدود الله
الدليل الثالث : لعدم جواز دخول الجني إلى جسم الإنسان قوله تعالى :(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء – 76)
قالوا إن الشيطان لا يقدر على مس الإنسان والدخول إلى جسده لان الشيطان اضعف من ذلك بدليل قوله عز وجل ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) وكونه يستولى ويحتل جسم الإنسان ويحركه كيفما يشاء ويقول على لسانه ما يشاء ويعمل فيه أنواع الأذى فهذا يحتاج إلى قوة لا يملكها الشيطان أو الجني
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله : ( ولا سبيل للشيطان إلى تخبيط الإنسي كما كان له سبيل إلى سلوكه ووسوسته ، وما تراه من الصرع والتخبط والاضطراب ليس من فعل الشيطان لاستحالة فعل الفاعل في غير محل قدرته ، وإنما ذلك من فعل الله تعالى )
قال الجُبَّائي رحمه الله : ( الناس يقولون : المصر وع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه ويصرعه ، وهذا باطل ، لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم ، والشيطان يمس الإنسان بوسوسته المؤذية التي يحدث عندها الصرع ، وهو كقول أيوب عليه السلام : ( أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ( سورة ص – الآية 41 ، 42 ) وإنما يحدث الصرع عند تلك الوسوسة ، لأن الله تعالى خلقه من ضعف الطباع ، وغلبة السوداء عليه بحيث يخاف عند الوسوسة ، فلا يجترئ ، فيصرع عند تلك الوسوسة ، كما يصرع الجبان من الموضع الخالي 0 ولهذا المعنى لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين ، وأهل الحزم والعقل ، وإنما يوجد فيمن به نقص في المزاج وخلل في الدماغ ) ( تفسير الفخر الرازي7/95 )
وقال أبو حامد الغزالي : رحمه الله ( وترددت أفهام المفسرين في معنى إسناد المس بالنصب والعذاب إلى الشيطان ، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مكرر آيات القرآن ، وليس النصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها ) كتاب الاسطورة التي هوت 75
الدليل الرابع : استدلوا بقوله تعالى :( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)) الإسراء تدل هذه الآية على أن الإنسان مكرما ولا يخفي على عاقل أن دخول الجني إلى بدن الإنسان من الإهانة التي تنافى تكريم الله لبنى ادم الذي نعته الله بأنه خليفة وانه مكرم ومفضل على كث ير من المخلوقات التي خلقها رب العالمين
قال ابن عاشور رحمه الله : ( وترددت أفهام المفسرين في معنى إسناد المس بالنصب والعذاب إلى الشيطان ، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مكرر آيات القرآن ، وليس النصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها ) (الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان ص 75 ) 0
قال الشيخ محمود شلتوت رحمه الله : ( قد تغلب الوهم على الناس ، ودرج المشعوذون في كل العصور على التلبيس ، وعلى غرس هذه الأوهام في نفوس الناس ، استغلوا بها ضعاف العقول والإيمان ، ووضعوا في نفوسهم أن الجن يلبس جسم الإنسان ، وأن لهم قدرة على استخراجه ، ومن ذلك كانت بدعة الزار ، وكانت حفلاته الساخرة المزرية ، ووضعوا في نفوسهم أن لهم القدرة على استخدام الجن في الحب والبغض، والزواج ، والطلاق ، وجلب الخير ودفع الشر ، وبذلك كانت " التحويطة والمندل وخاتم سليمان " 000 وقد ساعدهم على ذلك طائفة من المتسمين بالعلم والدين ، وأيدوهم بحكايات وقصص موضوعة ، أفسدوا بها حياة الناس ، وصرفوهم عن السنن الطبيعية في العلم والعمل ، عن الجد النافع المفيد 0 وجدير بالناس أن يشتغلوا بما يعنيهم ، وبما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، جدير بهم أن لا يجعلوا لدجل المشعوذين سبيلاً إلى قلوبهم فليحاربوهم وليطاردوهم حتى يطهر المجتمع منهم ، وليعرفوا ما أوجب الله عليهم معرفته مما يفتح لهم أبواب الخير والسعادة ) ( الفتاوى – ص 27 ) 0
الدليل السادس : قالوا إن العرب درجت في أقوالهم رجل ممسوس أي مسه الجن ورجل مجنون أي ضربته الجن وهذا المعتقد ليس على حقيقته .قالوا إن العرب استخدمت مسه الجن والرجل المجنون أي ضربه الجن وهي على غير الحقيقة لذلك خاطبهم القرآن بما درجوا على استخدامه من ألفاظ لتقريب المعاني إلى أذهانهم وليس المقصود دخول الجان إلى الأجساد والعرب كانوا لا يحملون مسه الجن على دخول الجان بدن الممسوس
قال الشيخ مصطفى المراغي : رحمه الله في تفسير آية " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " : ( إن هذا النص القرآني جاء موافقاً لما يعتقده العرب ، وإن كان من " زعماتهم " فكانوا يقولون : رجل ممسوس : أي مسه الجن ، ورجل مجنون : إذا ضربته الجن ) ( تتفسير المراغي 3/63,64)
قال الزمخشري رحمه الله : ( وتخبط الشيطان من زعمات العرب ، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع والمس والجنون ورجل ممسوس وهذا أيضاً من زعماتهم وأن الجني يمسه فيختلط عقله وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن)(تفسيرالكشاف)
الدليل السابع : قول الله عز وجل : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ (42))(الحجر )
(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65))(الإسراء )
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)( النحل )
وترجع هذه الآيات وغيرها من الآيات كيد الشيطان إلى الغواية والوسوسة وفى قوله تعالى : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) تقصر سلطان إبليس على الغاوين فقط دون غيرهم من عباد الله والاستثناء يفيد الحصر كما أن قوله تعالى عبادي بأن ينسبهم للمتكلم وهو الله عز وجل يستحيل معه أن يسلط عليهم الشيطان وفى هذا رد على الشيخ الألباني ومن يقول بقوله بأن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا
الدليل الثامن : مجموعة من الأدلة العقلية نوردها باختصار إن شاء اللهمن المستحيل أن يجمع جسد واحد روح الإنسي والجني
يقول الشيخ جاد الحق رحمه الله إنه يكون بمثابة تسلط من الجن على الإنس كما يحدث في التنويم المغناطيسي الشائع حيث يتبع الإنسان الذي يتم تنويمه المنوم المغناطيسي في أقواله ولغته وربما في صوته
وأضاف أنه لذلك فإن ما يحدث " للمصروع " ليس أثراً لتداخل جسمين " جن وإنس " وامتزاجهما جسداً واحداً أو نحوه وإنما نتيجة التسلط كما يحدث في التنويم المغناطيسي ) ( جريدة الرأي الأردنية – العدد 8442 )
قال أبو حامد الغزالي : رحمه الله (أهم النصوص التي احتجوا بها في الصرع وإثباته ، لا تخلو من أحد أمرين :الأول : أن يكون معناها الذي ذكروا غير مسلم به ، بل ما لم يذكروا من معان أقوى في المسألة وأرجح
الثاني : أن تكون ضعيفة ضعفاً لا يقبل معه الاحتجاج بها ، ولا تصلح بمجموعها أن تتقوى ، لأن أغلبها شديد الضعف واضح النكارة في بعض رواتها ، ولأن قسماً منها نشأ من خطأ بعض الرواة فأعرضنا عنها ) ( الاسطورة التي هوت -96 )
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله : (ويقول كثيرون : إن قراءة آية الكرسي وقراءة القرآن على المصروع يؤذي الجن ، واستدلوا ببعض الأحاديث والمشاهدات الحسية لذلك
وينقل رده على ذلك حيث يقول : إن القرآن مصدر هداية لا مصدر تعذيب وإهانة ، فآيات القرآن كلها تشير أن القرآن مصدر هداية للعالمين جميعاً ، وهو تشريع من رب العالمين ) (الأسطورة التي هوت ص 102 ، 103 )
ثم يقول رحمه الله( تبين لنا أن لا دليل واضح من الكتاب والسنة على الصرع ، ولا يصح إسناد إلى السلف في معالجته ، وإن صح فإنما هو اجتهاد وليس بحجة
ولم تشتهر مسألة الصرع اشتهاراً قوياً إلا في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقد حذا حذو تلك القصص المذكورة في الأحاديث غير الصحيحة والأحداث الواردة عند بعض السلف ، والتي لم تثبت صحتها
وليس هناك في حالات الصرع المذكورة قديماً وحديثاً ما يدل أنها من الجن ، وما ظن أنه منه فاحتمال ضعيف جداً ، والواقع أن له تفسيرات أخرى أقوى )(الأسطورة التي هوت ص 113 )
قالوا أيضا لماذا لم نسمع بهذا في بلاد الغرب وتخصص مس الشيطان بالمسلمين فقط كما أن الأولى بالشيطان مس العلماء والعابدين لان هؤلاء هم أعدى أعداء الشيطان ولقول الشيطان( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) وقال تعالى ( فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) والقول عن أنهم يمسون المسلمون فقط دون غيرهم من الملل الأخرى قد يكون مردود علية بالقول بأنهم يصابون بالمس ويعزونه إلى المس المرضى والصرع النفسي وهم لا يعلمون ويقل البعض الآخر انه يعالج هؤلاء ويخرج ما بهم من شياطين وانه حين يقرأ عليهم القران يفزعون رغم أنهم لا يفهمون شيء من آيات الله والادعاءات في هذا لا تحصى .
القول الأول
ذهب أصحاب هذا القول إلى جواز دخول الجني إلى بدن الإنسان ويسمى عندهم (المس)
القول الثاني
ذهب أصحاب هذا القول بعدم جواز دخول الجني إلى جسم الإنسان وفيما يلي نستعرض أدلة كل فريق مقرونا ببعض أقوال أصحابها
المطلب الأول : القائلون بجواز دخول الجني إلى بدن الإنسان ( المس ) وأدلتهم
ذهب أصحاب هذا القول بجواز دخول الجني إلي جسم الإنسان والإضرار به واستخدام بدنه رغما عنه وعلى غير إرادته والقيام بأفعال دون أن يدرى بها الممسوس أو يدري ولا يستطيع منعها وذهب فريق منهم إلى أن ما يحدثه الشيطان بجسم الممسوس يسمى الصرع
أدلة القائلون بجواز دخول الجني بدن الإنسان
ويقول بهذا الرأي من العلماء (الطبرى والماوردي و البغوي والنسفي و ابن كثير و ابن تيمية وابن القيم وآخرون من السلف والمعاصرين ) وأدلتهم تتمثل فيما يلي :
الدليل الأول :عمدة الأدلة عند أصحاب هذا القول هو قول الله تعالى:(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275]
واستدل أصحاب هذا القول بهذه الآية الكريمة على أن الجني يستطيع الدخول إلى بدن الممسوس وان المس يعنى دخول الجني بدن الممسوس فيصرعه.
قال الشوكاني في فح القدير ( أي قياما كقيام الذي يتخبطه ، والخبط : الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو المصروع . والمس : الجنون ، والأمس : المجنون ، وهو متعلق بقوله : يقومون أي : لا يقومون من المس الذي بهمأو متعلق ب يقوم( . كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) وقال الشوكاني رحمه الله في الآية دليل على فساد قول من قال : إن الصرع لا يكون من جهة الجن ، وزعم أنه من فعل الطبائع ، وقال : ( إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان ، وليس بصحيح ، وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس)
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره ، (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى ( أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي من الأشاعرة وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك ) (9/19 الفتاوى )
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد الميعاد (الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها)
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة (أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً). (تفسير القرآن العظيم – 1 / 334)
ورد في /مجموع الفتاوى: "قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقواما يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال الإمام أحمد: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسان المصروع (مجموع الفتاوى لابن تيمية ج24 ص277 )و الأقوال كثيرة في هذا المجال للعلماء
الدليل الثاني : لأصحاب هذا القول قوله تعالى :( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )( ص - 41)استدلوا بهذه الآية علي جواز إضرار الشيطان بالإنسان بأن يعذبه أو يجعله في نصب أي ضيق أو تعب وإرهاق رغما من أنهم لا يعتقدون بان إبليس قد احتل بدن أيوب عليه السلام لان ذلك ممتنع علية فالشيطان ممتنع عليه الدخول إلى جسد الأنبياء
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق علماء السنة والجماعة"(الفتاوى لابن تيمية ج4 ص276،ص277)
قال الشيخ أبو بكر الجزائري: رحمه الله "أذى الجن للإنسان ثابت لا ينكر حيث ثبت بالدليل النقلي والحسي" ( عقيدة المؤمن/ ص229،ص23
الدليل الثالث : يستدل أصحاب هذا القول بحديث عثمان ابن أبي العاص قال: ( لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيئا في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن العاص قلت نعم يا رسول الله قال ما جاء بك قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي قال ذاك شيطان ادنه فدنوت منه فجلست على صدور قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك )الألباني -:السلسلة الصحيحة
فيستدلون بهذا الحديث على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله قالها رسول الله صلى الله علية وسلم للخبيث عدو الله الشيطان والخروج عكس الدخول مما يعني سابق دخول الشيطان بدن عثمان لذا اقتضى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله ودل ذلك على أن عثمان كان مصروعا من الشيطان وتفل النبي في فمه ليخرج ببركة النبي صلى الله عليه وسلم من جوفه
يقول الشيخ الألباني – رحمه الله - : ( وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة – 2918 )
يقولشيخ الإسلام ابن تيمية : ( أن الإنس قد يؤذون الجن بالبول عليهم ، أو بصب ماء حار ، أو بقتلٍ ونحو ذلك ، دون أن يشعروا ، فيجازي الجن حينئذ فاعل ذلك من الإنس بالصرع )
قال ابن حزم رحمه الله :( وأما الصرع فإن الله عز وجل قال: كالذي يتخبطه الشيطان من المس فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصر وع ، إنما هو بالمماسة.)
الدليل الرابع : يستند أصحاب هذا القول إلى حديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي . فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ، أو قال : شيئا ).صحيح البخاري -
واستدلوا بهذا الحديث على إمكانية دخول الجن إلى بدن الإنسان طالما انه يجرى مجرى الدم والدم لا يكون إلا في داخل البدن .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: رحمة الله ( وكذلك دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعه
الدليل الخامس : لأصحاب هذا القول حديث أبى سعيد الخدري قال( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ثم يقول الله أكبر كبيرا ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه )الألباني - المصدر:صحيح الترمذي -
وفى رواية ابن مسعود(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه و نفثه قال : و همزه المؤتة و نفخه
الكبر و نفثه الشعر)ابن حجر العسقلاني - المصدر:الفتوحات الربانيةحديث حسن
قال ابن الأثير رحمه الله : (قال ابن كثير: "فهمزه الموتة، وهو الخنق الذي هو الصرع
وجاء في لسان العرب: ( والمُوتةُ بالضم جنس من الجُنُونِ والصَّرَع يَعْتَري الإِنسانَ فإِذا أَفاقَ عاد إِليه عَقْلُه كالنائم والسكران و المُوتة الغَشْيُ و المُوتةُ الجُنونُ لأَنه يَحْدُثُ عنه سُكوتٌ كالمَوْتِ وفي الحديث أَن النبي صلى الله عليه وسلم كانَّ يتَعوَّذُ بالله من الشيطان وهَمْزه ونَفْثِه ونَفْخِه فقيل له ما هَمْزُه ؟ قال المُوتةُ قال أَبو عبيد المُوتَةُ الجُنونُ يسمى هَمْزاً لأَنه جَعَله من النَّخْس والغَمْزِ وكلُّ شيءٍ دفَعْتَه فقد هَمَزْتَه وقال ابن شميل المُوتةُ الذي يُصْرَعُ من الجُنونِ أَو غيره ثم يُفِيقُ وقال اللحياني المُوتةُ شِبْهُ الغَشْية وماتَ الرجلُ إِذا خَضَعَ للحَقِّ ) وعلى ذلك يكون استدلالهم بهذا الحديث من وجه أن الجنون من الشيطان والتخبط من الشيطان حال المس ودخوله داخل جسم الإنسانوان قولة صلى الله عليه وسلم والموته من الشيطان يدل على ما ذهبوا الية من الصرع قال ابن الأثير: (والموتة: الجنون، لأن المجنون ينخسه الشيطان)
الدليل السادس: لأصحاب هذا القول حديث أسامة ابن زيد قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حجها ، فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة [ معها صبي لها ] فسلمت عليه صلى الله عليه وسلم فوقف لها ، فقالت : يا رسول هذا ابني فلان ، والذي بعثك بالحق مازال في خنق واحد منذ ولدته إلى الساعة – أو كلمة تشبهها فاكتنع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط يده فجعله بينه وبين الرحل ، ثم تفل في فيه ، ثم قال : اخرج عدو الله فإني رسول الله ، ثم ناولها صلى الله عليه وسلم إياه فقال : خذيه فلن ترى معه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء الله تعالى قال أسامة رضي الله عنه : وقضينا حجتنا ثم انصرفنا ، فلما نزلنا بالروحاء فإذا تلك المرأة أم الصبي ، فجاءت ومعها شاة مصلية فقالت : يا رسول الله ، أنا أم الصبي الذي أتيتك به ، قالت : والذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئا يريبني إلى هذه الساعة . )ابن حجر العسقلاني -:المطالب العالية - 4/197 إسناده حسن
استدلوا أيضا بهذا الحديث على جواز دخول الجني جسم الإنسي لقول النبي صل الله علية وسلم في هذا الحديث اخرج عدو الله وقالوا أن الخروج لابد أن يكون مسبوقا بدخول الشيطان داخل جسم الطفل .
قال الشيخ صالح العثيمين – رحمه الله - : ( أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضا ، فإنهم يؤثرون على الإنس ، إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم ، وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش وما أشبه ذلك) (مجموع الفتاوى – 157
الدليل السابع : لأصحاب هذا القول حديث عطاء ابن أبى رباح قال ( قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ).صحيح البخاري - الصفحة : 5652
قال ابن حجر: ( وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني.)ورواية البزار هذه التي فيها ذكر الخبيث ـ الشيطان ـ من طريق فرقد السبخي وهو ضعيف لأنه لين الحديث كثير الخطأ كما في القريب
وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة أم زفر أنها هي التي كان بها مس من الجن
وقال ابن القيم : "ويجوز أن صرع هذه المرأة السوداء من جهة الأرواح الخبيثة" وخلاصة القول في هذا الدليل أن أصحاب هذا القول يحملون صرع هذه المرأة على دخول الجن بجسدها فتصرع ولا يحملونه على الصرع الطبي المعروف في عالم الطب الآن .
الدليل الثامن : لأصحاب هذا القول سورة الناس قال تعلى :( الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ
فقالوا إن في هنا ظرفية تفيد دخول الجني بدن الإنسان ثم يوسوس في صدره وهذا هو ظاهر التعبير بالحرف (في) أي وهو بداخله .
الدليل التاسع : لأصحاب هذا القول قوله تعالى :( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا )(الجن – 6
فيقولون دلت هذه الآية على أن الجن يرهقون الإنس لذا فقد حملوا معنى فزادوهم رهقا على انه خفة العقل والمس
وقال ابن منظور: في لسان العرب ( والرَّهَقُ جهل في الإِنسان وخِفَّة في عقله تقول به رَهَق ورجل مُرَهَّقٌ موصوف بذلك ولا فِعل له والرَّهَقُ التُّهمَةُ والمُرَهَّقُ المُتَّهم في دِينه والرَّهَقُ الإِثْمُ والرَّهْقةُ المرأَةُ الفاجرة )
قال الشيباني : ( فيه رَهَق أَي حِدَّة وخِفَّة وإِنه لَرَهِقٌ أَي فيه حدّة وسفَه والرَّهَق السَّفَه ) (لسان العرب ) لذا فقد حملوا معنى فزادوهم رهقا على انه خفة العقل والمس
وقال ابن أبي حاتم: (حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا أبي, حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد, فكان الإنس إذا نزلوا وادياً هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي, فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون, فذلك قول الله عز وجل: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً} أي إثماً ) (تفسير ابن كثير – 572 )
(حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله) : (وانه كان رجال يعوزون برجال من الجن ذكر لنا أن هذا الحي من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا : نعوذ بأعز أهل هذا المكان) :فزادوهم رهقا أي إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .( ( تفسير الطبري- 656)
الدليل العاشر : لأصحاب هذا القول قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُون:َ ) ( سورة الأعراف – الآية 201 )
قال ابن كثير : ( إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد وقيل : بينهما فرق ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ) ( تفسير القرآن العظيم – 2 / 267 )
واستدل بعضهم بان مسهم طائف تعني أن الطائف من مس الشيطان والدخول إلى جسده وان معنى المس هو دخول الجني إلى بدن الممسوس لان كلمة طائف جاء في عقبها الشيطان .
المطلب الثاني :القائلون بعدم جواز دخول الجنى الى جسم الإنسان وأدلتهم
وذهب الى هذا القول (جمال الدين الأفغاني - محمد عبده - ابو حامد الغزالي – الجبائي من المعتزلة – والقفال من الشافعية – والبيضاوي من الشافعية – والفخر الرازي – والقاضي أبو يعلى – وعبد الجبار الهمداني من المعتزلة – والشيخ محمود شلتوت – الشيخ المراغي – والشيخ جاد الحق – وغيرهم)
أدلة القائلون بعدم جواز المس
الدليل الأول : عمدة الأدلة عند من يقولون بعدم جواز دخول الجني إلى جسم الإنسان قوله تعال : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(إبراهيم -22)
استند أصحاب هذا القول إلي هذه الآية الكريمة في إثبات أن عمل الشيطان وسلطانه بالدعوة إلى الشر وذلك قوله عز وجل ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم ) أي لا يكون إلا بالوسوسة والدعوة إلى معصية الله وان الاستثناء الوارد في الآية الكريمة يفيد الحصر أي حصر عمل الشيطان في الدعوة والوسوسة ولا مجال لدخول الشيطان جسم الإنسان فأن الله لم يجعل له سلطان على بني ادم إلا في أمر الوسوسة فقط كما جاء في الحديث
وقال الشيخ الشعراوي : رحمه الله ( الملوم هنا من اقبل على المعصية لا من اغوي بها ) ( تفسير الشعراوي 12 / 7488 )
وقال الشعراوي : رحمه الله في تفسير قوله تعالى : وما كان لي عليكم من سلطان ( والسلطان كما نعلم – إما سلطان قهر أو سلطان إقناع وسلطان القهر ما يقهر به غيره على أن يفعل ما يكره بينما يكون كارها للفعل أما سلطان الحجة فهو إن يملك منطقا يجعلك تعمل وفق ما يطلبه منك وتحب ما تفعل وكذا يعترف الشيطان للبشر يوم الحشر الأعظم ويقول : أريد أن أناقشكم هل كان لي سلطان قهري أقهركم به ؟ هل كان لي سلطان إقناع أقنعكم به على إتباع طريقي ؟ لم يكن لي في دنياكم هذه ولا تلك فلا تتهموني ولا تجعلوني شماعة تعلقون على أخطاءكم فقد غويت من قبلكم وخالفت أمر ربي ولم يكن لي عليكم سلطان سوى ا ن دعوتكم فاستجبتم لي وكل ما كان لي عندكم أنى حركت فيكم نوازع أنفسكم لتقبلوا على المعصية إذن :فالشيطان إما أن يحرك نوازع النفس أو يترك النفس تتحرك بنوازعها إلى المعصية وهى كافية لذلك ) ( تفسير الشعراوي 12/ 7486 )
وجاء فى كتاب عالم الجن لعبد الكريم عبيدات : (بعض الناس يتصورون أن للشيطان تلك القدرة التي يستطيع بها أن يجبر الإنسان على ترك الطاعات وفعل المعاصي، ومن ثم فلا ذنب على الإنسان إذا قصر في طاعة الله أو فعل معصية من المعاصي، وهذا التصور إنما سببه الجهل بالقرآن الذي بين حقيقة الشيطان وأنه ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية أو يثبطه عن القيام بالطاعة، لأنه في هذا التصور يكون مشاركاً لله في القدرة على قهر العباد وجبرهم على ما يشاء, وهذا هو عين الشرك في الربوبية، ولو كان للشيطان مثل هذه السلطة لكان في ذلك مناقضة لتكليف الله للبشر, وفي ذلك مناقضة صريحة لما في القرآن الكريم, لأن التكليف مبني على قدرة الإنسان في اختيار الخير أو الشر, وإذا انتفى الاختيار عند الإنسان - بسبب إجبار الشيطان له على فعل المعاصي وترك الواجبات – لكان في ذلك بطلان التكليف من قبل الله للإنسان، وهذا الكلام لا يقول به إلا كافر أو جاهل، لأن بعث الله للرسل على مدار التاريخ إنما جاء لاختبار هذه الإرادة عند الإنسان، فإما أن يستجيب هذا الإنسان لداعي الله، وإما أن يستجيب لداعي الشيطان الذي يوسوس للإنسان ويزين له المعاصي، وعلى أساس هذه الاستجابة أو عدمها يكون جزاء الإنسان بالجنة أو النار. (عالم الجن / 391 ) ثم قال : (ولقد نفى القرآن أن يكون للشيطان سلطان على الكافرين فضلا عن المؤمنين يقهرهم أو بالحجة لما يدعوهم إليه، وبين القرآن حدود سلطان الشيطان على الكافرين، وأنه مجرد دعوة للكفر والمعاصي، واستجابة منهم له في ذلك. يقول الله عز وجل في هذا الشأن حاكياً عن الشيطان: ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [إبراهيم: 22].
فهذا هو الشيطان في الآخرة يعلن في صغار وانكسار تخليه عن أتباعه الذين أطاعوه فيما زين لهم من المعاصي، ويوضح لهم أنه لم يكن له سلطان يجبر هؤلاء على ما كان سبباً في دخولهم جهنم.
قال الإمام الشوكاني : في قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ) الآية(أي وما كان لي تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي: أي إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان..، وقيل: المراد بالسلطان هنا: القهر، أي: ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي، وقيل: هذا الاستثناء هو من باب: تحية بينهم ضرب وجيع، مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه، كأنه قال: إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من السلطان، وليس منه قطع) (تفسير فتح القدير3/103).
ثم يقول صاحب كتاب عالم الجن : ( وهذه الأقوال بمجملها تدل على انتفاء السلطان من قبل الشيطان على أتباعه في الدنيا، وأن وظيفته كانت منحصرة في الدعوة إلى الغواية والضلال، وهذه الدعوة البراقة معراة عن الحجة والبرهان من جهة، وبعيدة عن القهر والسلطان من جهة أخرى، وإذا انتفى الأمران انتفت معهما دواعي الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الشيطان، وبناء على ذلك فلا لوم ولا عتاب. ) (عالم الجن)
قال الشوكاني: (فَلاَ تَلُومُونِي بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد. وَلُومُواْ أَنفُسَكُم باستجابتكم لي بمجرد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائفة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ولمآربه قطع، ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق, ودعوته لكم إلى دار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول.
مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ..ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب, وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب، محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه؟
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ لما كشف لهم القناع بأنه كافر بإشراكهم له مع الله من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكاً، ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقاماً يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم:
أولاً: أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة، معارضة لوعد الحق من الله سبحانه، وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد، ولم يف لهم بشيء منها.
ثانياً: أنه أوضح لهم بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ولا يتفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لابد للعاقل منها في قبول قول غيره.
ثالثاً: أنه أوضح: بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء.
رابعاً: أنه نعى عليهم ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له، وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم، لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذي لا يتلبس بطلانه على من له أدنى عقل.
خامساً: أنه أوضح لهم: بأنه لا نصرة عنده ولا إغاثة، ولا يستطيع لهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضراً، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة.
سادساً: بأنه صرح لهم بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، فتضاعفت عليهم الحسرات، وتوالت عليهم المصائب) (تفسير فتح القدير 3/103). .
ثم يقول صاحب كتاب عالم الجن (وبهذا يتبين أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على بني آدم، لتكون إرادة الناس حرة في اختيارها طريق الخير أو الشر، ومن ثم فليس له سلطان على الإنس في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة، فإن ذلك مما لا سبيل له إليه.) (عالم الجن )
قال القاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي رحمه الله : ( وربما قيل : إن قوله : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – 275 ) كيف يصح ذلك وعندكم أن الشيطان لا يقدر على مثل ذلك ؟ 0 وجوابنا أن مس الشيطان : إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب : ( مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ( سورة ص - 42 ، 43 ) كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب ، وبين ذلك قوله في صفة الشيطان : ( وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ) ( سورة إبراهيم – جزء من الآية 22 ) ولو كان يقدر على أن يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول ، لا إلى من يعتريه الضعف ، وإذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة ، فتغلب عليه المرة ، فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الإنس إذا فعلوا ذلك بغيرهم ) ( تنزيه القرآن عن المطاعن – ص 54 ) 0
الدليل الثاني : وجاء فى الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنة واخرجه الامام احمد فى مسنده قال :(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)مسند الإمام احمد صححه أحمد شاكر الصفحة 3/351
وهذا الحديث الشريف فهموا منه أن عمل الشيطان لا يكون إلا الو سوسه فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة ) و جميع أذى إبليس للإنسان تأتي بالوسوسة فقط ويستجيب الإنسان لهذه الوساوس فيتولى الشيطان من دون الله ويصبح من أوليائه وعلى هذا لا يمكن للشيطان احتلال بدن الإنسان وإلا أصبح الإنسان مجبر على تصرفاته ويرد كل فعل لا يرضاه الله ولا رسوله الى تسير الشيطان له فالتي تحمل من سفاح تقول زنى بي شيطان والذي يسرق يقول حملني على ذلك الشيطان والذي يسب ويكفر يقول حملني علي ذلك الشيطان وجميع الموبيقات تنسب للشيطان وهذا على غير الحقيقة فلو كان الأمر كذلك لما خلق الله الثواب والعقاب ولا خلق الحنة والنار ليثاب المطيع العامل بأوامر الله ويعاقب المقصر المفرط في حدود الله
الدليل الثالث : لعدم جواز دخول الجني إلى جسم الإنسان قوله تعالى :(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء – 76)
قالوا إن الشيطان لا يقدر على مس الإنسان والدخول إلى جسده لان الشيطان اضعف من ذلك بدليل قوله عز وجل ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) وكونه يستولى ويحتل جسم الإنسان ويحركه كيفما يشاء ويقول على لسانه ما يشاء ويعمل فيه أنواع الأذى فهذا يحتاج إلى قوة لا يملكها الشيطان أو الجني
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله : ( ولا سبيل للشيطان إلى تخبيط الإنسي كما كان له سبيل إلى سلوكه ووسوسته ، وما تراه من الصرع والتخبط والاضطراب ليس من فعل الشيطان لاستحالة فعل الفاعل في غير محل قدرته ، وإنما ذلك من فعل الله تعالى )
قال الجُبَّائي رحمه الله : ( الناس يقولون : المصر وع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه ويصرعه ، وهذا باطل ، لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم ، والشيطان يمس الإنسان بوسوسته المؤذية التي يحدث عندها الصرع ، وهو كقول أيوب عليه السلام : ( أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ( سورة ص – الآية 41 ، 42 ) وإنما يحدث الصرع عند تلك الوسوسة ، لأن الله تعالى خلقه من ضعف الطباع ، وغلبة السوداء عليه بحيث يخاف عند الوسوسة ، فلا يجترئ ، فيصرع عند تلك الوسوسة ، كما يصرع الجبان من الموضع الخالي 0 ولهذا المعنى لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين ، وأهل الحزم والعقل ، وإنما يوجد فيمن به نقص في المزاج وخلل في الدماغ ) ( تفسير الفخر الرازي7/95 )
وقال أبو حامد الغزالي : رحمه الله ( وترددت أفهام المفسرين في معنى إسناد المس بالنصب والعذاب إلى الشيطان ، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مكرر آيات القرآن ، وليس النصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها ) كتاب الاسطورة التي هوت 75
الدليل الرابع : استدلوا بقوله تعالى :( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)) الإسراء تدل هذه الآية على أن الإنسان مكرما ولا يخفي على عاقل أن دخول الجني إلى بدن الإنسان من الإهانة التي تنافى تكريم الله لبنى ادم الذي نعته الله بأنه خليفة وانه مكرم ومفضل على كث ير من المخلوقات التي خلقها رب العالمين
قال ابن عاشور رحمه الله : ( وترددت أفهام المفسرين في معنى إسناد المس بالنصب والعذاب إلى الشيطان ، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مكرر آيات القرآن ، وليس النصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها ) (الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان ص 75 ) 0
قال الشيخ محمود شلتوت رحمه الله : ( قد تغلب الوهم على الناس ، ودرج المشعوذون في كل العصور على التلبيس ، وعلى غرس هذه الأوهام في نفوس الناس ، استغلوا بها ضعاف العقول والإيمان ، ووضعوا في نفوسهم أن الجن يلبس جسم الإنسان ، وأن لهم قدرة على استخراجه ، ومن ذلك كانت بدعة الزار ، وكانت حفلاته الساخرة المزرية ، ووضعوا في نفوسهم أن لهم القدرة على استخدام الجن في الحب والبغض، والزواج ، والطلاق ، وجلب الخير ودفع الشر ، وبذلك كانت " التحويطة والمندل وخاتم سليمان " 000 وقد ساعدهم على ذلك طائفة من المتسمين بالعلم والدين ، وأيدوهم بحكايات وقصص موضوعة ، أفسدوا بها حياة الناس ، وصرفوهم عن السنن الطبيعية في العلم والعمل ، عن الجد النافع المفيد 0 وجدير بالناس أن يشتغلوا بما يعنيهم ، وبما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، جدير بهم أن لا يجعلوا لدجل المشعوذين سبيلاً إلى قلوبهم فليحاربوهم وليطاردوهم حتى يطهر المجتمع منهم ، وليعرفوا ما أوجب الله عليهم معرفته مما يفتح لهم أبواب الخير والسعادة ) ( الفتاوى – ص 27 ) 0
الدليل السادس : قالوا إن العرب درجت في أقوالهم رجل ممسوس أي مسه الجن ورجل مجنون أي ضربته الجن وهذا المعتقد ليس على حقيقته .قالوا إن العرب استخدمت مسه الجن والرجل المجنون أي ضربه الجن وهي على غير الحقيقة لذلك خاطبهم القرآن بما درجوا على استخدامه من ألفاظ لتقريب المعاني إلى أذهانهم وليس المقصود دخول الجان إلى الأجساد والعرب كانوا لا يحملون مسه الجن على دخول الجان بدن الممسوس
قال الشيخ مصطفى المراغي : رحمه الله في تفسير آية " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " : ( إن هذا النص القرآني جاء موافقاً لما يعتقده العرب ، وإن كان من " زعماتهم " فكانوا يقولون : رجل ممسوس : أي مسه الجن ، ورجل مجنون : إذا ضربته الجن ) ( تتفسير المراغي 3/63,64)
قال الزمخشري رحمه الله : ( وتخبط الشيطان من زعمات العرب ، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع والمس والجنون ورجل ممسوس وهذا أيضاً من زعماتهم وأن الجني يمسه فيختلط عقله وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن)(تفسيرالكشاف)
الدليل السابع : قول الله عز وجل : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ (42))(الحجر )
(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65))(الإسراء )
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)( النحل )
وترجع هذه الآيات وغيرها من الآيات كيد الشيطان إلى الغواية والوسوسة وفى قوله تعالى : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) تقصر سلطان إبليس على الغاوين فقط دون غيرهم من عباد الله والاستثناء يفيد الحصر كما أن قوله تعالى عبادي بأن ينسبهم للمتكلم وهو الله عز وجل يستحيل معه أن يسلط عليهم الشيطان وفى هذا رد على الشيخ الألباني ومن يقول بقوله بأن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا
الدليل الثامن : مجموعة من الأدلة العقلية نوردها باختصار إن شاء اللهمن المستحيل أن يجمع جسد واحد روح الإنسي والجني
يقول الشيخ جاد الحق رحمه الله إنه يكون بمثابة تسلط من الجن على الإنس كما يحدث في التنويم المغناطيسي الشائع حيث يتبع الإنسان الذي يتم تنويمه المنوم المغناطيسي في أقواله ولغته وربما في صوته
وأضاف أنه لذلك فإن ما يحدث " للمصروع " ليس أثراً لتداخل جسمين " جن وإنس " وامتزاجهما جسداً واحداً أو نحوه وإنما نتيجة التسلط كما يحدث في التنويم المغناطيسي ) ( جريدة الرأي الأردنية – العدد 8442 )
قال أبو حامد الغزالي : رحمه الله (أهم النصوص التي احتجوا بها في الصرع وإثباته ، لا تخلو من أحد أمرين :الأول : أن يكون معناها الذي ذكروا غير مسلم به ، بل ما لم يذكروا من معان أقوى في المسألة وأرجح
الثاني : أن تكون ضعيفة ضعفاً لا يقبل معه الاحتجاج بها ، ولا تصلح بمجموعها أن تتقوى ، لأن أغلبها شديد الضعف واضح النكارة في بعض رواتها ، ولأن قسماً منها نشأ من خطأ بعض الرواة فأعرضنا عنها ) ( الاسطورة التي هوت -96 )
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله : (ويقول كثيرون : إن قراءة آية الكرسي وقراءة القرآن على المصروع يؤذي الجن ، واستدلوا ببعض الأحاديث والمشاهدات الحسية لذلك
وينقل رده على ذلك حيث يقول : إن القرآن مصدر هداية لا مصدر تعذيب وإهانة ، فآيات القرآن كلها تشير أن القرآن مصدر هداية للعالمين جميعاً ، وهو تشريع من رب العالمين ) (الأسطورة التي هوت ص 102 ، 103 )
ثم يقول رحمه الله( تبين لنا أن لا دليل واضح من الكتاب والسنة على الصرع ، ولا يصح إسناد إلى السلف في معالجته ، وإن صح فإنما هو اجتهاد وليس بحجة
ولم تشتهر مسألة الصرع اشتهاراً قوياً إلا في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقد حذا حذو تلك القصص المذكورة في الأحاديث غير الصحيحة والأحداث الواردة عند بعض السلف ، والتي لم تثبت صحتها
وليس هناك في حالات الصرع المذكورة قديماً وحديثاً ما يدل أنها من الجن ، وما ظن أنه منه فاحتمال ضعيف جداً ، والواقع أن له تفسيرات أخرى أقوى )(الأسطورة التي هوت ص 113 )
قالوا أيضا لماذا لم نسمع بهذا في بلاد الغرب وتخصص مس الشيطان بالمسلمين فقط كما أن الأولى بالشيطان مس العلماء والعابدين لان هؤلاء هم أعدى أعداء الشيطان ولقول الشيطان( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) وقال تعالى ( فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) والقول عن أنهم يمسون المسلمون فقط دون غيرهم من الملل الأخرى قد يكون مردود علية بالقول بأنهم يصابون بالمس ويعزونه إلى المس المرضى والصرع النفسي وهم لا يعلمون ويقل البعض الآخر انه يعالج هؤلاء ويخرج ما بهم من شياطين وانه حين يقرأ عليهم القران يفزعون رغم أنهم لا يفهمون شيء من آيات الله والادعاءات في هذا لا تحصى .