اخيرا عاد محمد الى أسرته وبيته بعد عدة أشهر قضاها فى معسكرات المجاهدين ...
نظر محمد الى مالك وزهره وعمر وكأنما يراهم لأول مره ..لم يكن يصدق أنهم نجوا من تلك المذبحه الرهيبه فى العاصمه...هناك ..حيث أطلقت
القوات الروسيه صواريخ بعيدة المدى وقصفت الطائرات بقذائفها على المدنيين
وكانت الصواريخ تستهدف البيوت والمناطق المحيطه بالمستشفيات ..وقتل من جراء هذا القصف مائه من المدنيين وجرح مائتان بعضهم مات
لخطورة الإصابه وقلة الدواء..ودمرت عشرات البيوت وعدة سيارات
ولقد اتجه محمد الى معسكرات المجاهدين فور علمه بالقصف وحتى قبل أن يطمئن على أولاده ..ليدبر معهم طريقه للرد على تلك الضربة الروسيه الوحشيه الغادره
طوال مدة غياب محمد لم يكن عمر يعمل شئ سوى التفكير ....
التفكير فى كل ما يدور حوله
عجبا ...لقد ضبط نفسه يفكر..لأول مره يفكر بهذه الطريقه وهذا العمق ..لم تكن حياته السابقه تعتمد على التفكير ..بل لم يكن لعقله أى
دخل فى مسار حياته منذ ولادته ..وكان يتعامل مع عقله وكأنه غير موجود ..أو أنه عضو غير قابل للعمل ويترك لجوارحه العمل دون أدنى تدخل من عقله
كانت شخصية محمد الغريبه تثير فضوله بشده وتدفعه دفعا للتفكير فيها حتى وهو بعيد..... وبرغم حنقه الشديد عليه وغضبه منه
الا أنه كان ينظر اليه على أنه رجل عجيب ..أتى من زمن آخر ..أو من عالم آخر...رجل يضحى بأى شئ وكل شئ بلا مقابل
والأم الصابره التى لا تشكو أبدا برغم ثقل المسؤليه وضيق الحال على الجميع وبرغم ترك زوجها لها لفترات طويله..لكنها تقف صامده ..تحمل البيت بلا كلل ..تربى أبناءها وابناء زوجها بكل حب واخلاص
أما مالك..فهو يصيبه دوما بالجنون...هو الوجه الآخر لشخصية والده فهو عكسه تماما ..متفائل لأبعد الحدود ..ضحوك دائما ينثر المرح فى كل مكان حوله.. لايكف عن الغناء فى أى وقت
وزهرة الرقيقه الهادئه...عجيبه أخرى من العجائب...تحمل عقلا أكبر بكثير من سنوات عمرها ولديها قدره عجيبه على التأثير فى الآخرين واقناعهم
وهى التى استطاعت اقناع عمر بتعلم لغة البلد وفى خلال عدة أشهر استطاع عمر اتقان اللغه الشيشانيه بشكل لا بأس به
وكذلك بعض كلمات من اللغه الروسيه التى كانت تتقنها زهرة بمهاره
وعندما انتهت الدراسه وبدأت العطله ..كان عمر يقضى معظم وقته بصحبة مالك وأصبح لدى مالك المزيد من الوقت ليعلم عمر الكثير عن الشيشان وتاريخها
كان عمر يجلس شاردا عندما سألـه مالك : فيم تفكر؟؟
عمر: أبوك ده غريب قوى..
مالك: لماذا؟
عمر : والله مانا عارف..دا مجاهد ولا تاجر ولا امام جامع ولا مدرس عربى
ابتسم مالك وقال : انه كل هؤلاء..فهو فى الحرب مجاهد ..وعند الصلاة امام وهو تاجر يكسب قوته من عمله وهو معلم اللغة العربية لمن لا يعرفها
عمر : وازاى يمشى كده من غير ما يقول هو رايح فين..من غير حتى ما يطمن عليكوا
مالك ببساطته المعهوده وابتسامته البشوشه :
لقد اعتدنا ذلك .. فى المرة السابقه غادر دون أن يخبر أحدا ..وغاب عنا عام كامل... انه لا يتأخر أبدا عن الجهاد ..انه شجاع جدا..لقد تربى فى أحضان الذئاب
عمر بدهشه: نعم ؟؟ يعنى ايه ؟؟
يضحك مالك : انه تعبير دارج لدينا نقوله اذا ما أردنا أن نصف أحد ما بالشجاعه
أكمل بفخر : الشيشانيون مقاتلون أشداء أقوياء شجعان وشجاعتهم مقرونه بنبل أخلاقهم
عمر : وايه الفايده من دا كله ؟؟ هاتقدروا تغلبوا الروس؟؟ دول أقوى منكوا بكتير..ما فيش حل للحرب دى الا انكوا تستسلموا
أطرق مالك يفكر بعمق : أفهم تماما ما تعنى...
هل تعلم لم اخترنا الذئب رمزا لنا؟؟
هز عمر رأسه بالنفى ..فأكمل :
الذئب ليس أقوى الحيوانات لكنه من وجهة نظرنا الأنبل..فهو لا يقاتل الا الأقوياء ...ليس كالأسد والنمر الذى يفترس الضعفاء
لذلك اذا ما أردنا وصف أحدهم بالشجاعه ..نطلق عليه ذئبا
بدا على وجهه عدم الإقتناع فقال :
مازلت لا تصدق؟؟ هل تذكر ماقلته لك عن معسكرات الإبعاد الجماعى والسجون فى وسط آسيا؟؟
برغم قسوة الظروف وقتها وذل الأسر والنفى ..الا أن شيشانيا واحدا لم يخضع للحكم الروسى ..بل انهم كانوا يظهرون دائما عداءهم للروس بمنتهى الشجاعه...ليس هذا كلامى....بل كلام الكاتب الروسى سولجنستين الذى عاصر ما فعله ستالين بالشيشان
اننا قد نهزم ...لكننا لا نستسلم أبدا...فالحريه لدينا أغلى من أى شئ فى الحياه..وذلك بشهادة الروس أنفسهم
مالك: قرأت مره عن مخطوط روسى شهير عمره أكثر من مائه وثمانين عاما وهوعباره عن رساله بعث بها الجنرال روس أرمولوف الى قيصر الكريملين ألكسندر الأول عام 1818 يبرر فيها سبب الخسائر الكبيره للقوات الروسيه ضد الشيشان ..ويتعهد بأنه سوف يبيدهم عن آخرهم
(( وأؤكد لكم يا فخامة القيصر العظيم أنه لن يرتاح لى بال طالما بقى شيشانى واحد على قيد الحياه..لأن هذا الشعب المشئوم بإمكانه تحريك روح الثورة واشعال شرارة الحرية حتى بين أكثر الناس تفانيا واخلاصا للإمبراطورية الروسيه وربما داخل الكريملين ذاته))
عمر ....نحن نؤمن تماما أننا سننتصر...وان لم يكن نحن بأنفسنا ..فمن بعدنا.....لكننا فى النهايه .......سننتصر
ظل عمر يحدق به فتره كالتمثال...وكأن كلماته الواثقه ..قد اخترقته اختراقا
فى تلك اللحظه ...دخل عليهم خالد الصغيروقال : مالك ...عمر ...أبى يريدكما
عمر بعناد شديد : أنا مش من البلد دى, ومش ممكن هاعيش هنا
ابدا...أنا راجع مصر ومش هاتقدر تمنعنى...أنا راجع, راجع ..
تفجر محمد بالغضب وهم أن يهجم على عمر ...
لكن زهرة التى أتت مسرعة من الحجرة المجاورة على صوت
النقاش الحاد وقفت أمامه وحالت بينه وبين عمر وهى تقول
برجاء :
أبى أرجوك ...هل تسمح لى بكلمه؟
أكملت بسرعة دون انتظار رده:
لا يمكننا اجباره على الذهاب للمعسكر دون ارادته, لقد تربى
فى بيئة غير بيئتنا وهو غير مؤهل نفسيا ولا جسمانيا ليعيش
حياتنا, كما أن قضيتنا مازالت بعيدة تماما عن تفكيره
الأب بعناد وهو ينظر فى عينى عمر بقوة : عندما يعيش بين
المجاهدين سيتربى ويتعلم كيف يكون رجلا
زهرة : أبى ....انه غير مستعد نفسيا لفكرة الجهاد ... مشاعره
غير مؤهله لإستيعاب الأمر والإيمان بالقضيه لو ذهب الى هناك
الآن بالتأكيد سيفشل
صمت الأب طويلا ..وأطال النظر فى عينى زهرة الجميلتين وهو يفكر بعمق ...
أما عمر ..فقد ظل ينقل عينيه بينهما وبداخله بركان يغلى
بمشاعر كثيره متناقضه بعد قليل ...لان وجه محمد ونظر الى
عمر وقال بصرامه
حسنا ... فليذهب مالك وحده ..
ولتبق أنت هنا .... وحدك...حتى تتعلم كيف تكون رجلا
لم يدر عمر لم لم يفرح؟؟
رغم أن هذا هو ما كان يريده...بل العكس ..لقد أصابه
كلام محمد بصدمة ....أو كلام زهرة ..؟؟ لم يدرى أيهما أثارهأكثر...حتى عندما ذهب مع مالك الى حجرتهما, كان صامتا تماما
ومالك يتحدث بحماس وهو يجمع أغراضه ويستعد للذهاب
للمعسكر: أتعلم ...أنا سعيد لأنك ستبقى هنا...
أول الأمر شعرت بالضيق, لأننى سأكون وحيدا هناك, لكنى
أدركت أهمية وجودك هنا, فأنا لن أكون موجودا ..
وأبى ..ربما اضطرته الظروف للرحيل كما حدث من قبل...
فمن سيعتنى بأمى واخوتى ؟؟ أوصيك بهم خيرا ...
ان وجود رجل فى البيت فى مثل هذه الظروف التى تمر بها البلاد
أمر ضرورى
رجل ..!!!!!!!!!
رنت الكلمه بقوة فى أذن عمر وكأنه يسمعها لأول مرة وقضى
عمر الليلة وهو يتقلب فى فراش من الشوك..
لا يدرى ما الذى أصابه ....
كانت كلمات محمد وزهرة تدور فى رأسه وتمنعه من النوم..
ما الذى دهاه ؟؟.. ولماذا يشعر بكل هذا الضيق ولماذا تأثر بهذه
الكلمات رغم أنه سمع مثلها بل وأكثر منها من قبل....
شعر بجسده يكاد ينصهر من الحرارة, وروحه
تكاد تزهق من الإختناق, دفع الغطاء بضيق وهب جالسا فى
فراشه..
مسح بعض حبات العرق عن جبينه وهو يفكر
أخذ نفس عميق
وغادر الفراش وبخطوات خفيفة اتجه الى حجرة المعيشه ...
سمع صوت محمد وهو يترنم بآيات القرآن الكريم بصوته الندى
الجميل....اقترب منه وهو يصلى فى خشوع, وألقى بنظره الى
الساعة المعلقه على الحائط, كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل
بكثير
ظل يدور فى أرجاء الغرفة بنفاذ صبر منتظرا أن ينهى محمد
صلاته عندما انتهى محمد من الصلاة, اقترب منه عمر وقال بتردد :
أنا ...أنا ..عاوز أروح مع مالك ..
التفت محمد اليه وتنهد وهو يهز رأسه : أتظن أن هذا هو الوقت
المناسب لإدعاء الشجاعه؟؟
عمر بغضب: لا ...أنا مش جبان, دانا بعون الله كنت بقفل
شوارع فى مصر وأبيتهم من المغرب
خفض رأسه وتردد قليلا وهو يكمل : أنا...أنا ..رايح المعسكر
تابعونا
نظر محمد الى مالك وزهره وعمر وكأنما يراهم لأول مره ..لم يكن يصدق أنهم نجوا من تلك المذبحه الرهيبه فى العاصمه...هناك ..حيث أطلقت
القوات الروسيه صواريخ بعيدة المدى وقصفت الطائرات بقذائفها على المدنيين
وكانت الصواريخ تستهدف البيوت والمناطق المحيطه بالمستشفيات ..وقتل من جراء هذا القصف مائه من المدنيين وجرح مائتان بعضهم مات
لخطورة الإصابه وقلة الدواء..ودمرت عشرات البيوت وعدة سيارات
ولقد اتجه محمد الى معسكرات المجاهدين فور علمه بالقصف وحتى قبل أن يطمئن على أولاده ..ليدبر معهم طريقه للرد على تلك الضربة الروسيه الوحشيه الغادره
طوال مدة غياب محمد لم يكن عمر يعمل شئ سوى التفكير ....
التفكير فى كل ما يدور حوله
عجبا ...لقد ضبط نفسه يفكر..لأول مره يفكر بهذه الطريقه وهذا العمق ..لم تكن حياته السابقه تعتمد على التفكير ..بل لم يكن لعقله أى
دخل فى مسار حياته منذ ولادته ..وكان يتعامل مع عقله وكأنه غير موجود ..أو أنه عضو غير قابل للعمل ويترك لجوارحه العمل دون أدنى تدخل من عقله
كانت شخصية محمد الغريبه تثير فضوله بشده وتدفعه دفعا للتفكير فيها حتى وهو بعيد..... وبرغم حنقه الشديد عليه وغضبه منه
الا أنه كان ينظر اليه على أنه رجل عجيب ..أتى من زمن آخر ..أو من عالم آخر...رجل يضحى بأى شئ وكل شئ بلا مقابل
والأم الصابره التى لا تشكو أبدا برغم ثقل المسؤليه وضيق الحال على الجميع وبرغم ترك زوجها لها لفترات طويله..لكنها تقف صامده ..تحمل البيت بلا كلل ..تربى أبناءها وابناء زوجها بكل حب واخلاص
أما مالك..فهو يصيبه دوما بالجنون...هو الوجه الآخر لشخصية والده فهو عكسه تماما ..متفائل لأبعد الحدود ..ضحوك دائما ينثر المرح فى كل مكان حوله.. لايكف عن الغناء فى أى وقت
وزهرة الرقيقه الهادئه...عجيبه أخرى من العجائب...تحمل عقلا أكبر بكثير من سنوات عمرها ولديها قدره عجيبه على التأثير فى الآخرين واقناعهم
وهى التى استطاعت اقناع عمر بتعلم لغة البلد وفى خلال عدة أشهر استطاع عمر اتقان اللغه الشيشانيه بشكل لا بأس به
وكذلك بعض كلمات من اللغه الروسيه التى كانت تتقنها زهرة بمهاره
وعندما انتهت الدراسه وبدأت العطله ..كان عمر يقضى معظم وقته بصحبة مالك وأصبح لدى مالك المزيد من الوقت ليعلم عمر الكثير عن الشيشان وتاريخها
كان عمر يجلس شاردا عندما سألـه مالك : فيم تفكر؟؟
عمر: أبوك ده غريب قوى..
مالك: لماذا؟
عمر : والله مانا عارف..دا مجاهد ولا تاجر ولا امام جامع ولا مدرس عربى
ابتسم مالك وقال : انه كل هؤلاء..فهو فى الحرب مجاهد ..وعند الصلاة امام وهو تاجر يكسب قوته من عمله وهو معلم اللغة العربية لمن لا يعرفها
عمر : وازاى يمشى كده من غير ما يقول هو رايح فين..من غير حتى ما يطمن عليكوا
مالك ببساطته المعهوده وابتسامته البشوشه :
لقد اعتدنا ذلك .. فى المرة السابقه غادر دون أن يخبر أحدا ..وغاب عنا عام كامل... انه لا يتأخر أبدا عن الجهاد ..انه شجاع جدا..لقد تربى فى أحضان الذئاب
عمر بدهشه: نعم ؟؟ يعنى ايه ؟؟
يضحك مالك : انه تعبير دارج لدينا نقوله اذا ما أردنا أن نصف أحد ما بالشجاعه
أكمل بفخر : الشيشانيون مقاتلون أشداء أقوياء شجعان وشجاعتهم مقرونه بنبل أخلاقهم
عمر : وايه الفايده من دا كله ؟؟ هاتقدروا تغلبوا الروس؟؟ دول أقوى منكوا بكتير..ما فيش حل للحرب دى الا انكوا تستسلموا
أطرق مالك يفكر بعمق : أفهم تماما ما تعنى...
هل تعلم لم اخترنا الذئب رمزا لنا؟؟
هز عمر رأسه بالنفى ..فأكمل :
الذئب ليس أقوى الحيوانات لكنه من وجهة نظرنا الأنبل..فهو لا يقاتل الا الأقوياء ...ليس كالأسد والنمر الذى يفترس الضعفاء
لذلك اذا ما أردنا وصف أحدهم بالشجاعه ..نطلق عليه ذئبا
بدا على وجهه عدم الإقتناع فقال :
مازلت لا تصدق؟؟ هل تذكر ماقلته لك عن معسكرات الإبعاد الجماعى والسجون فى وسط آسيا؟؟
برغم قسوة الظروف وقتها وذل الأسر والنفى ..الا أن شيشانيا واحدا لم يخضع للحكم الروسى ..بل انهم كانوا يظهرون دائما عداءهم للروس بمنتهى الشجاعه...ليس هذا كلامى....بل كلام الكاتب الروسى سولجنستين الذى عاصر ما فعله ستالين بالشيشان
اننا قد نهزم ...لكننا لا نستسلم أبدا...فالحريه لدينا أغلى من أى شئ فى الحياه..وذلك بشهادة الروس أنفسهم
مالك: قرأت مره عن مخطوط روسى شهير عمره أكثر من مائه وثمانين عاما وهوعباره عن رساله بعث بها الجنرال روس أرمولوف الى قيصر الكريملين ألكسندر الأول عام 1818 يبرر فيها سبب الخسائر الكبيره للقوات الروسيه ضد الشيشان ..ويتعهد بأنه سوف يبيدهم عن آخرهم
(( وأؤكد لكم يا فخامة القيصر العظيم أنه لن يرتاح لى بال طالما بقى شيشانى واحد على قيد الحياه..لأن هذا الشعب المشئوم بإمكانه تحريك روح الثورة واشعال شرارة الحرية حتى بين أكثر الناس تفانيا واخلاصا للإمبراطورية الروسيه وربما داخل الكريملين ذاته))
عمر ....نحن نؤمن تماما أننا سننتصر...وان لم يكن نحن بأنفسنا ..فمن بعدنا.....لكننا فى النهايه .......سننتصر
ظل عمر يحدق به فتره كالتمثال...وكأن كلماته الواثقه ..قد اخترقته اختراقا
فى تلك اللحظه ...دخل عليهم خالد الصغيروقال : مالك ...عمر ...أبى يريدكما
عمر بعناد شديد : أنا مش من البلد دى, ومش ممكن هاعيش هنا
ابدا...أنا راجع مصر ومش هاتقدر تمنعنى...أنا راجع, راجع ..
تفجر محمد بالغضب وهم أن يهجم على عمر ...
لكن زهرة التى أتت مسرعة من الحجرة المجاورة على صوت
النقاش الحاد وقفت أمامه وحالت بينه وبين عمر وهى تقول
برجاء :
أبى أرجوك ...هل تسمح لى بكلمه؟
أكملت بسرعة دون انتظار رده:
لا يمكننا اجباره على الذهاب للمعسكر دون ارادته, لقد تربى
فى بيئة غير بيئتنا وهو غير مؤهل نفسيا ولا جسمانيا ليعيش
حياتنا, كما أن قضيتنا مازالت بعيدة تماما عن تفكيره
الأب بعناد وهو ينظر فى عينى عمر بقوة : عندما يعيش بين
المجاهدين سيتربى ويتعلم كيف يكون رجلا
زهرة : أبى ....انه غير مستعد نفسيا لفكرة الجهاد ... مشاعره
غير مؤهله لإستيعاب الأمر والإيمان بالقضيه لو ذهب الى هناك
الآن بالتأكيد سيفشل
صمت الأب طويلا ..وأطال النظر فى عينى زهرة الجميلتين وهو يفكر بعمق ...
أما عمر ..فقد ظل ينقل عينيه بينهما وبداخله بركان يغلى
بمشاعر كثيره متناقضه بعد قليل ...لان وجه محمد ونظر الى
عمر وقال بصرامه
حسنا ... فليذهب مالك وحده ..
ولتبق أنت هنا .... وحدك...حتى تتعلم كيف تكون رجلا
لم يدر عمر لم لم يفرح؟؟
رغم أن هذا هو ما كان يريده...بل العكس ..لقد أصابه
كلام محمد بصدمة ....أو كلام زهرة ..؟؟ لم يدرى أيهما أثارهأكثر...حتى عندما ذهب مع مالك الى حجرتهما, كان صامتا تماما
ومالك يتحدث بحماس وهو يجمع أغراضه ويستعد للذهاب
للمعسكر: أتعلم ...أنا سعيد لأنك ستبقى هنا...
أول الأمر شعرت بالضيق, لأننى سأكون وحيدا هناك, لكنى
أدركت أهمية وجودك هنا, فأنا لن أكون موجودا ..
وأبى ..ربما اضطرته الظروف للرحيل كما حدث من قبل...
فمن سيعتنى بأمى واخوتى ؟؟ أوصيك بهم خيرا ...
ان وجود رجل فى البيت فى مثل هذه الظروف التى تمر بها البلاد
أمر ضرورى
رجل ..!!!!!!!!!
رنت الكلمه بقوة فى أذن عمر وكأنه يسمعها لأول مرة وقضى
عمر الليلة وهو يتقلب فى فراش من الشوك..
لا يدرى ما الذى أصابه ....
كانت كلمات محمد وزهرة تدور فى رأسه وتمنعه من النوم..
ما الذى دهاه ؟؟.. ولماذا يشعر بكل هذا الضيق ولماذا تأثر بهذه
الكلمات رغم أنه سمع مثلها بل وأكثر منها من قبل....
شعر بجسده يكاد ينصهر من الحرارة, وروحه
تكاد تزهق من الإختناق, دفع الغطاء بضيق وهب جالسا فى
فراشه..
مسح بعض حبات العرق عن جبينه وهو يفكر
أخذ نفس عميق
وغادر الفراش وبخطوات خفيفة اتجه الى حجرة المعيشه ...
سمع صوت محمد وهو يترنم بآيات القرآن الكريم بصوته الندى
الجميل....اقترب منه وهو يصلى فى خشوع, وألقى بنظره الى
الساعة المعلقه على الحائط, كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل
بكثير
ظل يدور فى أرجاء الغرفة بنفاذ صبر منتظرا أن ينهى محمد
صلاته عندما انتهى محمد من الصلاة, اقترب منه عمر وقال بتردد :
أنا ...أنا ..عاوز أروح مع مالك ..
التفت محمد اليه وتنهد وهو يهز رأسه : أتظن أن هذا هو الوقت
المناسب لإدعاء الشجاعه؟؟
عمر بغضب: لا ...أنا مش جبان, دانا بعون الله كنت بقفل
شوارع فى مصر وأبيتهم من المغرب
خفض رأسه وتردد قليلا وهو يكمل : أنا...أنا ..رايح المعسكر
تابعونا
تعليق