هل تدخلت الرحمة لرفع العقاب عن آدم ؟
لو افترضنا ان هناك جسمين من النحاس احدهما ساخن والاخر بارد (احدهما يعبر عن المسيح والاخر يعبر عن ادم ) وان هناك من يتمتع بصفة الرحمة يحمل دلو من الماء يمكن ان يعبر به عن رحمته بصب الماء على الجسم الساخن . و تصورنا الجسم الساخن فى حالة عقاب وان صب الماء يمثل الرحمة (للمتمتع بها ) من حيث كونه سوف يرفع الحراة عن الجسم الساخن أو يخفضها بينما الجسم البارد هو من سوف يحمل عقاب او سخونة الجسم الاول بملامسته اياه فيؤدى الى نفس النتيجة ((خفض الحرارة أو رفعها)) طبقا للقانون الثانى للديناميكا الحرارية فتنتقل اليه الحرارة باعتباره فداء . وانه لابد من استمرار عقاب الجسم الأول بالحرارة ولابد فى نفس الوقت من رحمته بصب الماء , الشيء الذى سوف يؤدى الى تبريده او ورفع عنه هذه الحرارة او العقاب , ولكن لو حدث ذلك ما هى النتيجة ؟ ... لو حدث ذلك سوف يكون التغير الكلى للجسم الساخن مساوى صفر وبذلك سوف يبقى الحال على ما هو عليه بدون تغيير لان كلا من الفعلين مناقض للاخر والموضع أو المحل واحد اوالذات المفعول بها واحدة (التناقض كما ورد فى معجم المصطلحات العامةهو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب
الأخرى كقولنا زيد إنسان زيد ليس بإنسان - ) فلا يبقى لدينا الا حل واحد وهو ان يلامس الجسم البارد او الفداء الجسم الساخن فتنتقل اليه الحرارة او العقاب و لو حدث ذلك لن يكون للماء اى دور متعلق بالعقاب .. والماء كما قلنا يمثل الرحمة وهذا يعنى ان الرحمة لم يكن لها اى دور فى هذا المشهد , ومن ذلك يتضح لنا خطا كل التفسيرات والتبريرات الموضوعة من قبل النصارى حيث لا يمكن التوفيق بين متناقضين فى ذات واحدة فمن المستحيل ان اعاقب انسان ولا أعاقبه فى نفس الوقت وما يعتقده النصارى لا يناقض ذلك بل يؤكده لان المسيح تحمل العقاب فى الحقيقة عن ادم وبذلك لم يحدث (عقاب ادم وعدم عقابه فى نفس الوقت) , وهذا ليس فيه حل للمشكلة التي أوقع الله نفسه فيها حيث ان ادم لم يعاقب فقط بل حتمية عقابه لم تحدث
ثانيا : الرحمة لم يكن لها اى دور فى هذه القضية ولقد اثبتا ذلك فيما سبق , ومن جانب اخر الرحمة عطاء تعطى ولا تقايض الشىء الذى يجعلها تضاف فقط و لا تطرح وفى الحالة التى بين ايدينا لن يكون هناك مجال الا لفعل واحد لمن له الامر اما ان يعذب وإما ان يرحم بتخفيف العذاب او رفعه بغض النظر عن التعبير المتعلق بهذا التخفيف من كونه توفيق او غيره , لا يوجد احتمال ثالث مع العلم بان التخفيف يتم فيه اضافة شىء الى شىء اخر لا العكس .
وبقياس ما سبق على ادم والمسيح :
اذا حمل المسيح العقاب عن ادم او البشر فلن يكون لصفة الرحمة اى دور قياسا على الماء البارد فى المثال السابق مما يعنى ان احد طرفى التوفيق وهو الرحمة غير موجود وما حدث هو انتقال العقاب الخارج عن اطار الرحمة من محل الى اخر والعقاب مناقض للرحمة سواء كان لادم او المسيح وبذلك لم تؤدى الرحمة وظيفتها برفع مطلق العقاب ومحو اثاره , حيث ان الحال الذى ادى الى تدخلها بالنسبة لادم هو نفس الحال الذى يفرض تدخلها بالنسبة للمسيح , واذا كان العقاب مناقض للرحمة يكون من نقل العقاب من ادم الى المسيح شىء اخر ليس له علاقة بالرحمة من قريب او بعيد .
اذن الحقيقة تقول شىء وما يعتقده النصارى شىء اخر مما يعنى ان كل التبريرات والتفسيرات التى وضعت لاختلاقات او مزاعم بولس التى قالها في رسالته إلى العبرانيين [ 9 : 22 ] : (( وكل شئ تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة )) خاطئة وهذا شيء طبيعي فالاختلاق العارى من الحقيقة لا يمكن تبريره او تفسيره وإلا لتوارت الحقيقة عن الابصار الى الابد واصبح الضلال هو السلعة الرائجة .
ويمكن ان نوجز ما سبق فى الاتى :
اذا قيل الرحمة تدخلت برفع العقاب عن ادم !
نقول هل الرحمة تقتضى رفع العقاب ام انتقاله من محل لاخر ؟
فاذا كانت الرحمة تقتضى رفع العقاب فان العقاب قد انتقل الى المسيح ولم يرفع وبذلك هى لم تؤدى وظيفتها .
اما اذا كانت الرحمة تقتضى انتقال العقاب من محل لاخر فانها كما اقتضت انتقال العقاب من ادم الى المسيح فيجب ان تقضى ايضا انتقال العقاب من المسيح الى شخص اخر ومن هذا الشخص الى اخر وهكذا لنصل الى سلسلة ليس لها نهاية والتسلسل باطل واخير العقاب مناقض للرحمة سواء كان لادم او كان للمسيح.
إثانيا : ذا كان هناك بواعث مروجعها إلى صفات ألاهية معينة أدت إلى الحول بين ادم والعقاب فبالقياس على ذلك سوف تكون البواعث التي أدت إلى قتل وصلب المسيح راجعة إلى بواعث مناقضة للبواعث الأولى و وبالتبعية مناقضة أيضا للصفات الإلهية المعينة التي أدت إلى هذه البواعث لان المقصود الفعل وليس المفعول به
والصفة (اى الرحمة) لا الموصوف.
وبعد كل ذلك يتبين لنا ان التوفيق بين شيئين يتطلب الجمع بينهما , ولكن فى صورة غير كاملة فى موضع واحد , ولكن ما حدث فى الحقيقة هو التفريق وبصورة كاملة فى موضعين مختلفين وكل ذلك ليس للعدل أو الرحمة بل للظلم والقسوة .
كما يتبين لنا ان الصفة شىء مطلق لا يتغير ولا يتبدل , وعليه اذا رفضت الصفة شىء فيجب ان ترفضه على اطلاقه واذا قبلت شىء يجب ان تقبله على اطلاقه .
واخيرا لزم من عقيدة الصلب والفداء كون خالق الكون عاجز عن إتمام مراده بالجمع بين عدله ورحمته ( تعالى الله ) لأن صفتا العدل والرحمة لا وجود لهما في صلب المسيح ولقد اثبتنا ذلك سابقا من جانب ومن جانب اخر ، لأن الله عذب المسيح من حيث هو بشر وهو لا يستحق العذاب لأنه لم يذنب قط ، فيكون تعذيبه بالصلب لا يصدر من عادل ولا من رحيم من باب أولى ، وهل يعقل أن الله العادل والرحيم ، يخلق ناسوتاً ويوقعه في ورطة الوقوع في انتفاء إحدى هاتين الصفتين ، فيحاول الجمع بينهما فيفقدهما معاً ؟
"وما رأينا أحداً من العقلاء ولا من علماء الشرائع والقوانين يقول :
إن عفو الإنسان عمن أذنب إليه ، أو عفو السيد عن عبده الذي يعصيه ينافــي العدل والكمال ، بل يعدون العفو من أعظم الفضائل ، ونرى المؤمنين بالله من الأمم المختلفة يصفونه بالعفو الغفور ، ويقولون إنه أهل للمغفرة ، فدعوى المسيحيين إن العفو والمغفرة مما ينافي العدل مردوة غير مقبولة عند أحد من العقلاء والحكماء .
وإذا كان هذا الصلب بسبب ذنب اقترفه آدم _ عليه السلام _ فهو إما أن يتوب الله سبحانه وتعالى عليه ويعفو عنه ، أو أن يعاقبه ، ولا ثالث لهما ، وذلك مقتضى عدل الله ، أما أنه يصلب ابنه الوحيد متاهلا العفو والسماح بزعم العدل ، أو الرحمة ، فهذا لا يقيله من عنده مسحة عقل !!"
(عقيدة الخطيئة الأولى وفداء الصليب – وليد المسلم)
"و خير تمثيل لهذا المبدأ هو: أن خادما أخطأ، فعاقبه سيده، ونتيجة لخطأ الخادم أصبح أبناء الخادم ملوثين بخطئه، ولمحبة السيد لأسرة الخادم ورحمته بهم، وعدله في أن يوقع العقاب، قام السيد بعقاب ابنه وليس ابن الخادم، وذلك لكي يخلص أبناء الخادم من الذنب!.
وفي المثال السابق لا نجد عدلا ولا رحمة!، فلا ذنب لأبناء الخادم، ولا ذنب لابن السيد، ولا داعي للفداء. فقد تم عقاب الفاعل أو العفو عنه وانتهى الأمر!.
وبالمثل الاعتقاد بالخطيئة والفداء، فالقول بأن عدل الله كان يتطلب أن ينزل العقاب على أحد قول باطل نقول: بل العدل أن ينزل العقاب على الفاعل ولا على غيره. كما أن رحمة الله وقدرته على غفران الذنب تقتضي عدم عقاب البريء".
(البيان الصحيح لدين المسيح – ياسر جبر ص237)
تعليق