بولس .......... الحقيقة والخيال
مقدمة
إن الناظر المتفحص للأناجيل التي بين أيدينا اليوم سيجد إتجاهين متناقضين من التعاليم لا يعرف أحدهما الآخر , ولم يلتق أحدهما بالآخر .
الإتجاه الأول
هو الأناجيل الاربعة والتي تحكي عن تاريخية يسوع وعن شبابه كمسيح الله وحياته ومعجزاته واتباع الشريعة الموسوية والحض عليها وخصوصية الدعوة لبني إسرائيل والبشارة بالملكوت وتعظيم الرسل الإثناعشر ومكانتهم عند المسيح وعند الله ,وموعظته لهم على الجبل وتكليفهم بحمل الدعوة وكيفية الإيمان والحياة الأبدية وملكوت الله وأهمية العمل المدفوع بالإيمان .
والإتجاه المُعاكس
هو رسائل بولس والتي تتحدث عن شخص لا نعرف عنه إلا العقيدة البولسية في الخلاص وهي أنه تألم (رومية 8: 17),(2كور 11: 22),(فليبي 3: 5 ),(اعمال22 :3 ) ومات على الصليب (رومية6 :6),(غلاطية5 :24 , 6 :14 ),(كولسوي2 :12) وقبر (رومية6 :4) وقام من الأموات(رومية2: 24 - 6: 4,9 - 7: 4 - 8 : 11 - 10: 9 ).(1كور 6: 14 - 15 : 4 ...الخ) أما متى وأين حدث ذلك فلا نعرف عنه شيئاً,أما ما يخص المسيح وحياته وتعاليمه هو فلا نعرف من بولس الذي عاصر المسيح عن المسيح شيئاً إلا أنه ولد من إمرأة تحت الناموس (غلاطية 4:4 ) وانه من نسل ابراهيم (غلاطية 3 :16) ومن عقب داود (رومية 1 :4),(تيموثي2 :8) وأنه ينتمي إلى شعب إسرائيل (رومية 9 : 3),(2كورنثوس11: 22 ),(فيلبي3 : 5),(أعمال 22: 3).
وهذا فيه من الغرابة الكثير وما يستحق التوقف عنده بالنقد والتحليل ,لأنه من المفترض أن بولس هذا عاصر تاريخية المسيح النبي وصانع المعجزات الذي أكل مع العشارين والخطاة .
إلا أننا نجد كاتب الرسائل قد ترك فجوة هائلة بين
• لم يذكر عن ميلاد المسيح وموته.
• لم يذكر شيئاً عن والدة المسيح مريم أو عن الحاكم الروماني , ولم يسكت فقط عن ذكرأمه مريم أو عن دور بيلاطس البنطي ,بل
• لم يذكر شيئاً عن المعتقدات والتعاليم التي تعلمناها من الإنجيل ,
• لم يذكر شيئاً عن عظاته على الجبل وأمثلته عن مملكة الله ,
• لم يذكر شيئاً عن يوحنا المعمدان أو الجليل أو جيثماني أو الجلجثة ,لقد سكت تماماً عن مواجهات يسوع مع الكتبة والفريسيين,
• لم يذكر شيئاً عن بطرس صخرة المسيح الذي عليه يبني المسيح كنيسته إلا أنه قضى معه 15 يوماً فقط لا ليتعلم منه ولكن ليتعرف عليه (غلاطية1 : 18 ) ثم إتهامه له ومعه برنابا واليهود المتنصرون بالرياء وعدم الإستقامة ومخالفة الإنجيل بعد أربعة عشر عاماً (غلاطية2 :11-14 ) وإتهام بطرس بالخوف من جماعة يعقوب كما في (غلاطية 2: 12)
• ولم يذكر شيئاً عن يعقوب ويوحنا وصفا سوى أنه رأى يعقوب عند بطرس (غلاطية 1 : 19) ومن ثم التهكم منهم والتباهي بأنهم لم يُعلموه شيئاً ورفضه بدعوتهم للختان بل وبأسلوب يُشكك في كونهم أعمدة (غلاطية 2: 6 , 2 :9 ), ومن هو يعقوب؟!! إنه أخو المسيح الذي دانت له اليهودية كلها بالولاء, يعقوب هذا الذي كان هو الوحيد من بين جميع اليهود الذي يدخل قدس الأقداس.بل حتى رسالة يعقوب باتت لتخرج من الإنجيل وسط صراع الآباء عن صحتها وخطأها لا لشيء إلا لأنها تُخالف تعاليم بولس عن الإيمان والعمل .
فكيف يسكت بولس تماماً عن حياة وسيرة يسوع؟!!..
فهو ليس مجرد شخص عادي وإنما الباعث له بالرسالة والوحي كما ادعى!!! ..وكيف يُهمش ويُقلل من شأن الرسل الإثنى عشر الذين شهد لهم المسيح بانهم سيدينون اسباط إسرائيل؟!!..بل إن أول ما فعله بولس هو سفره إلى العربية لمدة ثلاث سنوات (غلاطية1 :17 )
• كان من باب اولى أن يقوده حب المسيح وشوق الإيمان الصادق إلى التواضع والسفر إلى اليهودية في الحال و مقابلة من أحبهم المسيح ومن حملوا نوره على الأرض وهم الرسل الإثناعشر ,
• كان من باب أولى حتى لا يكون سعى او قد يسعى باطلاً ان يعرض تعاليمه في الحال عليهم .وهذا مالم يحدث إلا بعد ثلاثة سنوات قضى فيها 15 يوماً لم يرى إلا بطرس ويعقوب ثم هجرهم ورحل , ولم يعد إلا بعد اربعة عشر سنة (غلاطية2 :1- 2 ) .
فكيف يكون هو الغيور على تعاليم المسيح السالك حسب الإستقامة وينتظر طيلة هذه المُدة دون عرض ما يكرز به على المُعتبرين؟!!..بل إن النتيجة كانت أنه جاهر بمخالفتهم واتهامهم بالرياء والإفتخار بأنه لم يلجأ ولم يُذعن لهم ولو ساعة (غلاطية2 : 5) .
ولو اكتفينا برسائل بولس لنعرف شيئاً عن المسيح وعقيدته
لما عرفنا شيء أكثر من عقيدة صاحب الرسائل في أن هناك شخص يُسمى يسوع مات على الصليب وقام من الأموات أما متى وأين فلا نعلم. وأن أتباع هذا الشخص وتلاميذه المُعتبرون أعمدة لم يسيروا حسب استقامة الإنجيل وخالفوا أقوال المسيح وراؤوا ونافقوا , وأن بولس وعقيدته هي الصحيحة وماعداها خطأ.
وأما عن عقيدة بولس التي ألبسها للمسيح فلا يتعدى المسيح عند بولس فيها كونه أيقونة يتم تعليق أفكار الكاتب ومعتقده عليها بلا أي دليل او استشهاد بل وبكل تناقض تام مع أقوال المسيح وتلاميذه أنفسهم , فيُصبح الملكوت ليس ما قال به المسيح وإنما من اتبع إيمان وأفكار صاحب الرسائل , ويُصبح العمل بلا قيمة والقيمة لاتكون الا بإتباع إيمان وأفكار صاحب الرسائل .
لقد استطاع مؤلف الرسائل البولسية أن يمحو شخصية المسيح ويُضيف تعاليم جديدة يُغير بها دين المسيح كاملاً ويضع دينه وعقيدته التي لا تجد لها أي سند سوى أفكاره , مستخدماً أيقونة المسيح في حين أنه لو تم استخدام اي اسم آخر وأي ايقونة أخرى لجاز وانطبق فكر كاتب الرسائل عليها , في حين أن الاناجيل وإن شابها بعض التدخل فإنها لا تنطبق إلا على شخص بعينه وهو المسيح.
والأكثر من ذلك أن يضج نصف الكتاب بتعاليم بولس ولا نجد لرسائل وتعاليم الرسل إلا القليل جداً والمشكوك في امرها والتي تُظهرهم بمظهر الضعف والتسليم بأحقية بولس بل والتي باتت لتخرج من الإنجيل وسط صراع الآباء على صحتها وخطأها لا لشيء إلا لأنها تُخالف تعاليم بولس عن الإيمان.
لقد نجح كاتب الرسائل البولسية في تدمير دين الله وبجدارة ثلاث مرات :
• المرة الأولى حين استطاع أن يُهمش الناموس والشريعة الموسوية ويجعلها لعنة غير نافعة لأجل فرض أفكار وعقيدة بولس.
• والمرة الثانية حين نجح بجدارة في أن يُهمش تعاليم المسيح و جعل المسيح نفسه ملعوناً من أجل فرض أفكار وعقيدة بولس.
• المرة الثالثة حين استطاع أن يُهمش تعاليم الرسل ويقضي على كتاباتهم ويُظهرهم بمظهر المرائين والمُقرين بأفكار وعقيدة بولس.
مما جعله يستحق وبجدارة في رأي مايكل هارت صاحب كتاب الخالدون المئة أن يكون سادس العظماء الذين عرفتهم البشرية بل ويرمي بموسى للمرتبة الأربعين ويؤخر المسيح للمرتبة الثالثة وينفرد محمد صلى الله عليه وسلم (1) بالسبق والصدارة وحده .
"فطبقاً لرأي هارت فإن شرف تأسيس المسيحية يجب تقسيمه بين المسيح عليه السلام وبولس. والأخير كما يعتقد هارت هو المؤسس الحقيقي للمسيحية. فمن مجموع الأسفار السبعة والعشرين للعهد الجديد نجد أن القديس بولس قد كتب أكثر من نصفها، وخلافًا لبولس فإن السيد المسيح لم يكتب كلمة واحدة في السبع والعشرين سفرًا .ولا تندهش حينما تجد في الإنجيل الموجود بين أيدينا اليوم أن أكثر من 90 في المائة في السبع والعشرين سفرًا للعهد الجديد ليست من أقوال المسيح. هذا هو الاعتراف المسيحي النزيه على ما يسمونه الإنجيل، وفي أي مواجهة مع المبشرين المسيحيين ستجدهم يستشهدون مائة في المائة من بولس ولا مكان للمسيح.في حين أن المسيح عليه السلام قال: "إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي" (2) وقال أيضًا: "فمن نقض هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السماوات" (3)
وإذا سألت أي نصرانى : هل تحفظ هذه الشريعة والوصايا؟ يجيب: "لا"،
فإن سألته بعدها: لماذا لا تفعل؟ سيجيبك بلا اختلاف "الشريعة سُمِّرت على الصليب"، وهو يعني بذلك أن الشريعة قد انتهت أو ألغيت ويضيف"ونحن الآن نعيش تحت الرحمة والنعمة الإلهية"
.إذاً كل ما يؤمن به نصارى اليوم هو مئة بالمئة إيمان وفكر وعقيدة بولس .وفي كل مرة تستحث المسيحي بما قاله سيده ومعلمه "المسيح عليه السلام" فإنه يواجهك بشيء من الرسالتين الأولى والثانية إلى أهل كورينثوس، والرسالة إلى أهل غلاطية، والرسالة إلى أهل أفسس، والرسالة إلى أهل فيلبي ...إلخ. فإذا سألته: مَن مؤلفها؟ فسيجيبك: بولس.. بولس.. بولس .ومن هو سيدك؟ سيجيبك: "المسيح عليه السلام"، ولكنه دائمًا سيناقض سيده "المسيح عليه السلام" بالقديس بولس. ولن تجد مسيحياً متعلماً يناقش حقيقة أن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو القديس بولس، ولذلك كان على مايكل هارت ليكون منصفًا أن يصنف "المسيح عليه السلام" في المرتبة الثالثة في كتابه. " (4) من كتاب الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم لإمام الدعاة أحمد ديدات مع بعض التعديل الغير مُغير للمعنى
"وقد خلت قائمة مايكل هارت من تلاميذ المسيح الذين غلبتهم دعوة بولس مؤسس المسيحية الحقيقي، بينما كان الامبرطور قسطنطين صاحب مجمع نيقية الذي تبنى رسمياً القول بألوهية المسيح (325م) في المرتبة الثامنة والعشرين" هل العهد الجديد كلمة الله-هل كان بولس رسولاً-د.منقذ السقار
• كيف سكت اللاهوتيون عن هذا التجاهل الكامل في رسائل بولس لسيرة وحياة وعقيدة يسوع والرسل الإثنى عشر؟!!.
• كيف أذعن آباء الكنيسة الاولى لرسائل بولس وتخطوا مراحل الشك إلى اليقين بقانونيتها مع أنهم يفتقدون لأي دليل قد يوحي شيئاً عن حقيقة كاتبها؟!!
• أين ذهبت رسائل وتعاليم الرسل ومن الذي أخرجها من الإنجيل؟!!
• ولماذا لم يكن مقياس صحة رسائل بولس هي تعاليم الرسل وليس العكس؟!!!
إن هذا المبحث كاملاً سيبدأ من جديد من حيث بدأت الكنيسة الأولى , من جمع كل ما توافر لدينا من مخطوطات وكتابات لنستدل ونستقرأ التاريخ خاصة وأن الحقيقة المُسلمة هي أن من ينفرد بكتابة التاريخ هو الطرف المُنتصر وكل من خالفه خطأ. فمن هو بولس؟!!.. وماذا يُخفي التاريخ عنه؟!!! وما هي حقيقته؟؟!!!..هذا ما تكشفه الكتابات في الفصول التالية.
ف ون
تعليق