وهم أوروبا الموحدة
GARETH HARDING
جاريث هاردينج
فورين بوليسي - عدد يناير فبراير 2012
ترجمة: مركز الشعلة للأبحاث والنشر والترجمة
جاريث هاردينج
فورين بوليسي - عدد يناير فبراير 2012
ترجمة: مركز الشعلة للأبحاث والنشر والترجمة
عندما بدَأ اليورو رسميًّا بالتداول في منتصف ليل الأول من يناير 2002، انطَلَقت الألعاب النارية، وأضاءَت السماء عبر أوروبا؛ للاحتفال بإلغاء الفرنك الفرنسي، والمارك الألماني، والدراخمة اليوناني، ومجموعة أخرى من العُملات القديمة، واستضافَت بروكسل عرضًا باذخًا للصوت والضوء، في حين كشَفت فرانكفورت عن تمثالٍ ارتفاعه خمسة طوابق لليورو الجديد، وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي "ويم دوزينبرج": "أنا مُقتنع أنَّ انطلاقة عملات اليورو وأوراقها النقديَّة، سوف تَظهر في كتب التاريخ في كلِّ بلادنا وما وراءها، على أنها بداية حِقبة جديدة من أوروبا"!
فقد كانت بداية الألفيَّة بمثابة اللحظة الأوروبيَّة، وظهَر الكثير من الكتب التي تُبشِّر بذلك العصر الجديد، ولكنَّ المرء الآن يتساءَل: أين ذهبَت كلُّ تلك الكتب اليوم التي كانت تُمجِّد التجربة الأوروبيَّة، فقد تَحوَّل الحُلم الأوروبي في اللحظة الراهنة إلى كابوسٍ بالنسبة للكثير؛ حيث يقف اليورو على حافة الانهيار، والاتحاد الذي أفرَزه غارقٌ في أزمة مُتعدِّدة الأبعاد، سوف تَستغرق سنوات، إن لَم يكن عقودًا لحلِّها.
أولاً: هناك كارثة اقتصادية - مثل التي حلَّت بالولايات المتحدة -: فقد دخَلت أوروبا في أزمة ماليَّة هي الأشرس منذ ثلاثينيَّات القرن الماضي، فنِسَب البطالة مرتفعة وقد وصَلت لأكثر من 20% في إسبانيا، في حين أن نِسَب النمو لا تكاد تُوجَد تقريبًا.
وانهارَت البنوك، وأصبَحت الحكومات مَدِينةً بلا نقودٍ على الإطلاق، وهناك بعض الدول - من بينها بريطانيا واليونان، وأيرلندا وإيطاليا، والبرتغال وإسبانيا - تُواجه احتمالات تَعرُّض جيلٍ كاملٍ للمُعاناة الاقتصادية.
ثانيًا: تأتي الأزمة الاقتصاديَّة على رأس أعمق أزْمة سياسيَّة يَشهدها الاتحاد الأوروبي في تاريخه، فمشروعها الأكثر طموحًا - إنشاء عُملة موحَّدة - يُواجه خطرَ الانهيار، ومبدأ حرية تحرُّك الأشخاص - وهو حجرُ زاوية آخرُ من الاندماج الأوروبي - يتعرَّض للتحدِّي هو الآخر؛ حيث إنَّ بعض الدول أعادَت فرْضَ الرقابة على الحدود، كما أنَّ هناك نَقْصًا حادًّا في القادة ذَوِي البصيرة، كما أنَّ الناخبين الناقمين بَدَؤوا يتحرَّكون بأعداد كبيرة تُجاه رأي عام حاشدٍ ضد المهاجرين، وقد صرَّح رئيس المفوضية الأوروبيَّة "خوسيه مانويل باروسو"- في خُطبته السنوية في سبتمبر الماضي - مُعترفًا: "إننا نواجه التحدِّي الأكبر في تاريخ وَحْدتنا الأوروبيَّة".
وبعد ذلك بشهر وصَفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الخطرَ على اليورو بأنه "أزمة أوروبا الأَسْوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
فلأوَّل مرة منذ سنواتي العشرين في بروكسل، أرى أنَّ تَشَظِّي الاتِّحاد الأوروبي لَم يَعُد خيالاً علميًّا، ولكنَّه حقيقة واقعة، حتى وإن كان ذلك إلى الآن لا يبدو أنه مُمكن الحدوث.
بُنِي الاتحاد الأوروبي على أسطورة أننا شعب واحد بمصيرٍ مشترك، "باتحادٍ أكثر قُربًا من بعضه البعض"، بكلمات معاهدة روما لعام 1957، التي أسَّستْ ما سُمِّي آنذاك بالتجمُّع الاقتصادي الأوروبي.
إننا الآن نَكتشف أنَّ الاختلافات الإقليميَّة والقوميَّة لَم تَتلاشَ، وأنَّ الأوروبيين يُفكِّرون ويتصرَّفون بصورة مختلفة عن بعضهم البعض؛ فالبريطانيون ينظرون إلى دور الدولة بصورة مختلفة تمامًا عن رؤية الفرنسيين، والمفهوم اليوناني والإيطالي للقانون، مختلف عن نظيره في السويد والدنمارك، واللاتفيون لَدَيهم رُؤًى مختلفة تمامًا عن تلك الخاصة بالروس أو الألمان، وما يُمكن للأيرلندي أن يكون مُستعدًّا لدَفْعه في الضرائب، مختلف تمامًا عمَّا يُمكن أن يسمحَ به الدنماركي أو البلجيكي.
إن هذا الافتقار إلى الوَحْدة هو الأزمَّة الثالثة لأوروبا، وهذه الأزمة هي الأكثر عُمقًا، وهي التي تُشكِّل أكبرَ المخاوف السياسية والاقتصادية للقارة، فمعظم الأوروبيين لَدَيهم فكرة محدودة عمَّا يُمثِّله الاتحاد الأوروبي في العالم، وما يَجمع شعبه معًا؟ ومن أين أتى ذلك كله في الماضي؟ وإلى أين يذهبون في المستقبل؟
فبعد أكثر من ستين عامًا من الاندماج الأوروبي، ومائتي ألف صفحة من التشريعات، ومنظومة كبيرة - ولا تزال تنمو - من المعاهدات، فإننا نَجَحنا فقط في بناء اتحاد أوروبي، ولكن دون الأوروبيين!
"نعم، ولكن ما هو الأوروبي؟":
جاء هذا السؤال من أحد تلامذتي، وكان يجب أن يكون سهلاً بصورة كافية لي؛ لكي أستطيع الإجابة عليه، فقد وُلِدت في "ويلز" وعِشْتُ في أوروبا كقارة، في "أسلو، وبراغ، وبروكسل"، في الخمسة والعشرين عامًا الأخيرة، ولقد سافَرت إلى كلِّ بلدٍ أوروبي، باستثناء "مالطا"، وأتحدَّث عدَّة لغات أوروبيَّة، ودرَست التاريخ الأوروبي وسياساته في الجامعة، وقد عَمِلت في المفوضيَّة الأوروبيَّة وفي البرلمان الأوروبي، وأفضلُ أصدقائي مَن عرَفتهم من الهولنديين والألمان، والسلوفاك والسويديين.
والداي فرنسيَّان، وأطفالي يتحدَّثون لُغتين، وعلى عكس بعض الرؤساء الأمريكيين الذين جاؤوا مُؤخَّرًا، أعلمُ الفرق بين سلوفينيا وسلوفاكيا.
فإذا كان أحدٌ أوروبيًّا، أو على الأقل يعرف ماذا تعني كلمة: "أوروبي"، فينبغي أن يكون أنا!
ولكني وجَدت نفسي مُتلعثمًا في كلامي، عندما حاوَلت البحث عن إجابة، لقد تحدَّثت بغموضٍ قليلاً عن القِيَم الأوروبيَّة - مثل: الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان وحُكم القانون - ولكنَّني لَم أُقنع نفسي، فضلاً عن الفصل الدراسي.
إنَّ مؤيدي الاتحاد الأوروبي كثيرًا ما يُقارنونه بسمك القرش، إذا توقَّف عن التحرُّك إلى الأمام فسوف يَغرق، فهدفُ الاتِّحاد أن يكونَ أكثر قُربًا بين الشُّعوب والدول، كُتِب ذلك في المعاهدة المُنْشِئَة للاتِّحاد الأوروبي، وكأنها حتميَّة تاريخيَّة.
ولأكثر من نصف قرنٍ نَمَا الاتِّحاد من 6 دولٍ مُؤسِّسة إلى 27 دولةً، وقد سلَّم الدول الأعضاء طواعيةً بالمزيد منَ السلُطات إلى بروكسل، ولَم تتوقَّف الكتلة بكاملها عن التحرُّك إلى الأمام، ولكنَّ الأزمة الاقتصاديَّة يمكن أن تُنهي تسريعَ عملية الاندماج، ولكن بأيِّ نفقة على الشرعيَّة - طويلة الأمَد - للاتحاد الأوروبي؟!
صرَّح جوي بورج في عام 2005 - عندما كان مُفوضًا أوروبيًّا - قائلاً: "مع تقدُّم الاتحاد الأوروبي، يبدو أننا نَفقد المواطن الأوروبي في مكانٍ ما بطول الطريق".
إذا كان ذلك صحيحًا منذ سبع سنوات، فإن ذلك أكثر دِقَّة في عالَمنا اليوم، مع استبدال السياسيين المُنتخبين بالتكنوقراط؛ لقيادة اليونان وإيطاليا الذين ضرَبتهما الأزمات الماليَّة، وقد نزَلت فِرَقٌ - من المسؤولين من الاتِّحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي - إلى أثينا وروما، ومدريد ولشبونة؛ لإقناع وإغراء السياسيين باتِّخاذ إجراءاتٍ مُؤلِمة لخَفْض النَّفقات.
في الماضي نادرًا ما كان القادة الأوروبيون يقلقون بشأن العمل المُضني الخاص بمغازلة الرأي العام، ولكنَّ ذلك لَم يَعُد باقيًا بعدَ الآن؛ فآمال توسيع الاتحاد تَقع في أيدي الناخبين في النمسا وفرنسا، وكلاهما مُقيَّدان بدستوريهما لإجراء استفتاءٍ على تلك القضيَّة، وهو شرط يَقضي فعليًّا على فُرَص تركيا في الانضمام إلى الكتلة الأوروبيَّة، مع الوضع في الاعتبار العداوة ضد أنقرة من كلا البلدين، كما أنَّ تغيير المعاهدة الأوروبيَّة - لجَعْل قواعد منطقة اليورو أكثر صرامةً - يُمكن أن يؤدِّي إلى انطلاق عمليَّة تصويت في أيرلندا؛ حيث رفَض المُصَوتون من قَبْلُ المحاولتين السابقتين للاتحاد الأوروبي لتغيير مُعاهداته.
فقبل مدة قليلة من إطلاق عملة اليورو في يناير 2002، صرَّح السيد دوزينبيرج رئيس البنك المركزي الأوروبي قائلاً: "إنَّ اليورو أكثر من مجرَّد عملة، إنه رمزٌ للاندماج الأوروبي بكلِّ ما تَحمله الكلمة من معانٍ".
وقد كان مُحقًّا، ولكن ليس بالطريقة التي كان يَأْمُلها، فبعد ذلك بعقدٍ من الزمان، وجَدنا أنَّ محنة اليورو تَحمل بين طيَّاتها انهيارًا أوسعَ لأحلام مستقبلٍ مُوحد للجميع.
فبدلاً من تقريب الاتحاد الأوروبي أكثر إلى مواطنيه، أدَّت العُملة إلى توسيع الفجوة بين الحُكَّام والمحكومين، وبدلاً من رَسْم الطريق حِقبة جديدة من الرَّخاء، فاليورو حكَم على ملايين الأوروبيين بعقود من الفقر، وبعيدًا عن جَلْب شعوب أوروبا إلى جوار بعضهم البعض، فهو الآن على حافة تمزيق بعضهم بعضًا.
فقد كانت بداية الألفيَّة بمثابة اللحظة الأوروبيَّة، وظهَر الكثير من الكتب التي تُبشِّر بذلك العصر الجديد، ولكنَّ المرء الآن يتساءَل: أين ذهبَت كلُّ تلك الكتب اليوم التي كانت تُمجِّد التجربة الأوروبيَّة، فقد تَحوَّل الحُلم الأوروبي في اللحظة الراهنة إلى كابوسٍ بالنسبة للكثير؛ حيث يقف اليورو على حافة الانهيار، والاتحاد الذي أفرَزه غارقٌ في أزمة مُتعدِّدة الأبعاد، سوف تَستغرق سنوات، إن لَم يكن عقودًا لحلِّها.
أولاً: هناك كارثة اقتصادية - مثل التي حلَّت بالولايات المتحدة -: فقد دخَلت أوروبا في أزمة ماليَّة هي الأشرس منذ ثلاثينيَّات القرن الماضي، فنِسَب البطالة مرتفعة وقد وصَلت لأكثر من 20% في إسبانيا، في حين أن نِسَب النمو لا تكاد تُوجَد تقريبًا.
وانهارَت البنوك، وأصبَحت الحكومات مَدِينةً بلا نقودٍ على الإطلاق، وهناك بعض الدول - من بينها بريطانيا واليونان، وأيرلندا وإيطاليا، والبرتغال وإسبانيا - تُواجه احتمالات تَعرُّض جيلٍ كاملٍ للمُعاناة الاقتصادية.
ثانيًا: تأتي الأزمة الاقتصاديَّة على رأس أعمق أزْمة سياسيَّة يَشهدها الاتحاد الأوروبي في تاريخه، فمشروعها الأكثر طموحًا - إنشاء عُملة موحَّدة - يُواجه خطرَ الانهيار، ومبدأ حرية تحرُّك الأشخاص - وهو حجرُ زاوية آخرُ من الاندماج الأوروبي - يتعرَّض للتحدِّي هو الآخر؛ حيث إنَّ بعض الدول أعادَت فرْضَ الرقابة على الحدود، كما أنَّ هناك نَقْصًا حادًّا في القادة ذَوِي البصيرة، كما أنَّ الناخبين الناقمين بَدَؤوا يتحرَّكون بأعداد كبيرة تُجاه رأي عام حاشدٍ ضد المهاجرين، وقد صرَّح رئيس المفوضية الأوروبيَّة "خوسيه مانويل باروسو"- في خُطبته السنوية في سبتمبر الماضي - مُعترفًا: "إننا نواجه التحدِّي الأكبر في تاريخ وَحْدتنا الأوروبيَّة".
وبعد ذلك بشهر وصَفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الخطرَ على اليورو بأنه "أزمة أوروبا الأَسْوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
فلأوَّل مرة منذ سنواتي العشرين في بروكسل، أرى أنَّ تَشَظِّي الاتِّحاد الأوروبي لَم يَعُد خيالاً علميًّا، ولكنَّه حقيقة واقعة، حتى وإن كان ذلك إلى الآن لا يبدو أنه مُمكن الحدوث.
بُنِي الاتحاد الأوروبي على أسطورة أننا شعب واحد بمصيرٍ مشترك، "باتحادٍ أكثر قُربًا من بعضه البعض"، بكلمات معاهدة روما لعام 1957، التي أسَّستْ ما سُمِّي آنذاك بالتجمُّع الاقتصادي الأوروبي.
إننا الآن نَكتشف أنَّ الاختلافات الإقليميَّة والقوميَّة لَم تَتلاشَ، وأنَّ الأوروبيين يُفكِّرون ويتصرَّفون بصورة مختلفة عن بعضهم البعض؛ فالبريطانيون ينظرون إلى دور الدولة بصورة مختلفة تمامًا عن رؤية الفرنسيين، والمفهوم اليوناني والإيطالي للقانون، مختلف عن نظيره في السويد والدنمارك، واللاتفيون لَدَيهم رُؤًى مختلفة تمامًا عن تلك الخاصة بالروس أو الألمان، وما يُمكن للأيرلندي أن يكون مُستعدًّا لدَفْعه في الضرائب، مختلف تمامًا عمَّا يُمكن أن يسمحَ به الدنماركي أو البلجيكي.
إن هذا الافتقار إلى الوَحْدة هو الأزمَّة الثالثة لأوروبا، وهذه الأزمة هي الأكثر عُمقًا، وهي التي تُشكِّل أكبرَ المخاوف السياسية والاقتصادية للقارة، فمعظم الأوروبيين لَدَيهم فكرة محدودة عمَّا يُمثِّله الاتحاد الأوروبي في العالم، وما يَجمع شعبه معًا؟ ومن أين أتى ذلك كله في الماضي؟ وإلى أين يذهبون في المستقبل؟
فبعد أكثر من ستين عامًا من الاندماج الأوروبي، ومائتي ألف صفحة من التشريعات، ومنظومة كبيرة - ولا تزال تنمو - من المعاهدات، فإننا نَجَحنا فقط في بناء اتحاد أوروبي، ولكن دون الأوروبيين!
"نعم، ولكن ما هو الأوروبي؟":
جاء هذا السؤال من أحد تلامذتي، وكان يجب أن يكون سهلاً بصورة كافية لي؛ لكي أستطيع الإجابة عليه، فقد وُلِدت في "ويلز" وعِشْتُ في أوروبا كقارة، في "أسلو، وبراغ، وبروكسل"، في الخمسة والعشرين عامًا الأخيرة، ولقد سافَرت إلى كلِّ بلدٍ أوروبي، باستثناء "مالطا"، وأتحدَّث عدَّة لغات أوروبيَّة، ودرَست التاريخ الأوروبي وسياساته في الجامعة، وقد عَمِلت في المفوضيَّة الأوروبيَّة وفي البرلمان الأوروبي، وأفضلُ أصدقائي مَن عرَفتهم من الهولنديين والألمان، والسلوفاك والسويديين.
والداي فرنسيَّان، وأطفالي يتحدَّثون لُغتين، وعلى عكس بعض الرؤساء الأمريكيين الذين جاؤوا مُؤخَّرًا، أعلمُ الفرق بين سلوفينيا وسلوفاكيا.
فإذا كان أحدٌ أوروبيًّا، أو على الأقل يعرف ماذا تعني كلمة: "أوروبي"، فينبغي أن يكون أنا!
ولكني وجَدت نفسي مُتلعثمًا في كلامي، عندما حاوَلت البحث عن إجابة، لقد تحدَّثت بغموضٍ قليلاً عن القِيَم الأوروبيَّة - مثل: الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان وحُكم القانون - ولكنَّني لَم أُقنع نفسي، فضلاً عن الفصل الدراسي.
إنَّ مؤيدي الاتحاد الأوروبي كثيرًا ما يُقارنونه بسمك القرش، إذا توقَّف عن التحرُّك إلى الأمام فسوف يَغرق، فهدفُ الاتِّحاد أن يكونَ أكثر قُربًا بين الشُّعوب والدول، كُتِب ذلك في المعاهدة المُنْشِئَة للاتِّحاد الأوروبي، وكأنها حتميَّة تاريخيَّة.
ولأكثر من نصف قرنٍ نَمَا الاتِّحاد من 6 دولٍ مُؤسِّسة إلى 27 دولةً، وقد سلَّم الدول الأعضاء طواعيةً بالمزيد منَ السلُطات إلى بروكسل، ولَم تتوقَّف الكتلة بكاملها عن التحرُّك إلى الأمام، ولكنَّ الأزمة الاقتصاديَّة يمكن أن تُنهي تسريعَ عملية الاندماج، ولكن بأيِّ نفقة على الشرعيَّة - طويلة الأمَد - للاتحاد الأوروبي؟!
صرَّح جوي بورج في عام 2005 - عندما كان مُفوضًا أوروبيًّا - قائلاً: "مع تقدُّم الاتحاد الأوروبي، يبدو أننا نَفقد المواطن الأوروبي في مكانٍ ما بطول الطريق".
إذا كان ذلك صحيحًا منذ سبع سنوات، فإن ذلك أكثر دِقَّة في عالَمنا اليوم، مع استبدال السياسيين المُنتخبين بالتكنوقراط؛ لقيادة اليونان وإيطاليا الذين ضرَبتهما الأزمات الماليَّة، وقد نزَلت فِرَقٌ - من المسؤولين من الاتِّحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي - إلى أثينا وروما، ومدريد ولشبونة؛ لإقناع وإغراء السياسيين باتِّخاذ إجراءاتٍ مُؤلِمة لخَفْض النَّفقات.
في الماضي نادرًا ما كان القادة الأوروبيون يقلقون بشأن العمل المُضني الخاص بمغازلة الرأي العام، ولكنَّ ذلك لَم يَعُد باقيًا بعدَ الآن؛ فآمال توسيع الاتحاد تَقع في أيدي الناخبين في النمسا وفرنسا، وكلاهما مُقيَّدان بدستوريهما لإجراء استفتاءٍ على تلك القضيَّة، وهو شرط يَقضي فعليًّا على فُرَص تركيا في الانضمام إلى الكتلة الأوروبيَّة، مع الوضع في الاعتبار العداوة ضد أنقرة من كلا البلدين، كما أنَّ تغيير المعاهدة الأوروبيَّة - لجَعْل قواعد منطقة اليورو أكثر صرامةً - يُمكن أن يؤدِّي إلى انطلاق عمليَّة تصويت في أيرلندا؛ حيث رفَض المُصَوتون من قَبْلُ المحاولتين السابقتين للاتحاد الأوروبي لتغيير مُعاهداته.
فقبل مدة قليلة من إطلاق عملة اليورو في يناير 2002، صرَّح السيد دوزينبيرج رئيس البنك المركزي الأوروبي قائلاً: "إنَّ اليورو أكثر من مجرَّد عملة، إنه رمزٌ للاندماج الأوروبي بكلِّ ما تَحمله الكلمة من معانٍ".
وقد كان مُحقًّا، ولكن ليس بالطريقة التي كان يَأْمُلها، فبعد ذلك بعقدٍ من الزمان، وجَدنا أنَّ محنة اليورو تَحمل بين طيَّاتها انهيارًا أوسعَ لأحلام مستقبلٍ مُوحد للجميع.
فبدلاً من تقريب الاتحاد الأوروبي أكثر إلى مواطنيه، أدَّت العُملة إلى توسيع الفجوة بين الحُكَّام والمحكومين، وبدلاً من رَسْم الطريق حِقبة جديدة من الرَّخاء، فاليورو حكَم على ملايين الأوروبيين بعقود من الفقر، وبعيدًا عن جَلْب شعوب أوروبا إلى جوار بعضهم البعض، فهو الآن على حافة تمزيق بعضهم بعضًا.
http://www.alukah.net/Translations/0/38331/
تعليق