ورد سؤال لفضيلة الشيخ / محمد صالح المنجد من شخص مفادة
أنا غير مسلمة مهتمة كثيرا بالإسلام وخلال بحثي وقعت على بعض المعلومات التي أثارت حيرتي وهي تتعلق بالكعبة وأصل الإسلام. قيل لي أن إبراهيم وإسماعيل أزالوا جميع الأصنام من الكعبة، ولكن كان هناك صنما معينا اسمه يعني "الإله".
وقرأت أن هذا هو ما اشتق منه اسم "الله" وأن هذا الإله كان إله القمر في الوثنية، وأن رمزه هو الهلال وأن شهر رمضان يتحدد بدورة القمر.
أريد أن أعرف هل وجد مثل هذا الدين أم لا وهل الإسلام يتصل حقيقة بهذه العادة الوثنية؟
الإجابة: محمد صالح المنجد
الحمد لله
أهلا ومرحبا بك أيتها السائلة الباحثة عن الحق والمهتمة بالإسلام ونسأل الله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه ويعصمك من الشيطان وشبهاته ومن ضلالات أعداء الإسلام.
قبل الإجابة على سؤالك أود أن أذكرك بأن الطريق إلى معرفة حقيقة الدين هو الرجوع إلى مصادره الأصلية وهي - بالنسبة إلى الإسلام - القرآن كلام الله ، والسنة وهي كلام نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من الله .
وإن من الخطأ الذي يقع فيه بعض الباحثين عن الإسلام هو الأخذ عن المصادر غير الموثوقة أو مقالات المغرضين وأعداء الإسلام الذين يشيعون الأكاذيب عن الإسلام لتنفير عامة الناس منه وليضلوا الناس عن سبيل الله .
أما بالنسبة لسؤالك عن الكعبة وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإن في السؤال أمرا غريبا جدا وهو القول بأن إبراهيم وإسماعيل أزالا الأصنام من الكعبة إلا صنما واحدا ، وهذا الكلام مخالف للحقائق التاريخية ولا يقبله العقل أصلا . لأنه من المعلوم أن إبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بأمر الله تعالى فكيف يخرجان منها الأصنام ؟ وكيف يكون فيها أصنام وهما اللذان أشرفا على بنائها وعمارتها بذكر الله ودعوة الناس إلى الطواف بها والحج إليها توحيدا لله . وإنما حدثت الأصنام بعدهما بسنين متطاولة حينما سافر بعض العرب إلى بلاد الكفار خارج الجزيرة العربية وجلب معه أصناما وضع بعضها حول الكعبة ثم أضيفت أصنام أخرى من قبل المشركين حتى صار حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأشرقت به شمس التوحيد التي محت ظلمات الوثنية وهزم الله به المشركين فكسر الأصنام وطهر البيت الحرام وأعاد الكعبة بيتا للتوحيد وعبادة الله وحده كما كانت في عهد جده إبراهيم الخليل عليه السلام .
وإليك فيما يلي شيئا من قصة بناء البيت العتيق من القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ونبدأ بالقرآن الكريم : قال الله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ، وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }[سورة البقرة:129-126]
وقال تعالى : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } [سورة الحج:26-27]
وأما عن قصة بناء الكعبة في السنة النبوية فقد روى ابن عباس رضي الله عنه قصة هاجر زوجة إبراهيم وأم ابنه إسماعيل فقال في الرواية : جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له أالله الذي أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك فقالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته .. ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . صحيح البخاري 3113
وبعد هذا العرض لتلك الحقيقة التاريخية في قصة بناء الكعبة ننتقل إلى ما أوردته في سؤالك من أن اسم الله مشتق من اسم الصنم وهذا أمر في غاية الغرابة والنكارة فكيف يشتق اسم الخالق البارئ الأول العزيز الجبار من اسم صنم مخلوق لا يضر ولا ينفع ؟
قال الله تعالى يذم المشركين : { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } [سورة الفرقان:3]
وقال سبحانه : { إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون } [العنكبوت:17]
وقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام الذي أنكر على أبيه وقومه عبادة الأصنام : { إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } [مريم:43]
وقال عز وجل : { واتل عليهم نبأ إبراهيم ، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ، قال هل يسمعونكم إذ تدعون ، أو ينفعونكم أو يضرون ، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ، قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ، أنتم وءاباؤكم الأقدمون ، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ، الذي خلقني فهو يهدين } [سورة الشعراء:69-78]
وقال تعالى عنه في تحطيمه أصنام قومه : { فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ، ما لكم لا تنطقون ، فراغ عليهم ضربا باليمين ، فأقبلوا إليه يزفون ، قال أتعبدون ما تنحتون ، والله خلقكم وما تعملون } [سورة الصافات:91-96]
كيف يقال بعد كل ذلك إن إبراهيم أبقى صنما حول الكعبة وأن اسم الله مشتق من اسم الصنم ؟ أتدرين أيتها السائلة ما معنى الله ومم اشتق هذا الاسم ؟
إن لفظ الجلالة "الله" مشتق من الفعل أله يأله فهو مألوه وهذا الفعل يتضمن معنى المحبة مع العبادة فهو سبحانه وتعالى المعبود الذي تألهه قلوب المؤمنين فتحبه وتعظمه وتخشاه وترجوه .
أما عن سؤالك الأخير هل الإسلام متعلق بالوثنية وعبادة الكواكب فهو من العجب الذي لا يكاد ينقضي فإن الإسلام جاء بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، والإسلام جاء لمحاربة الوثنية والقضاء عليها فكيف يرتبط بالوثنية .
لعلك تقرئين في القرآن أيتها السائلة قصة الهدهد الموحد الذي عرف ربه وأنكر عبادة الكواكب فقال الله عنه وهو يخبر النبي سليمان عليه السلام بأخبار ملكة اليمن في ذلك الوقت : { وجئتك من سبإ بنبإ يقين ، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ، ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [النمل:22-26]
وكذلك قصة إنكار إبراهيم على قومه عبادة الكواكب والشمس والقمر والتي قصها الله علينا في القرآن الكريم في سورة الأنعام .
وأما ارتباط صيام رمضان بالهلال فليس لأننا نعبد الهلال ولكن لأن رب الهلال جعل الأهلة مواقيت لنا في عباداتنا ومعاملاتنا فنحن نتحرى رؤية هلال رمضان لنوحد الله بالصيام له سبحانه ونتحرى هلال الشهر الذي يليه لنعلم نهاية هذه العبادة السنوية وكذلك نفعل في معرفة أيام الحج وغير ذلك من العبادات .
نرجو أن نكون بهذا العرض قد أوضحنا لك ما التبس عليك ، وأن الغبش قد زال والغموض قد اتضح ، واعلمي بأن المسألة جد ليست بالهزل وان الدين عند الله الإسلام رضيه لعباده ولا يقبل بغيره دينا لهم ، فهلمي إلى دين الحق وشريعة الهدى واتبعي ما أنزل إليك من ربك . والله مع المؤمنين .
أنا غير مسلمة مهتمة كثيرا بالإسلام وخلال بحثي وقعت على بعض المعلومات التي أثارت حيرتي وهي تتعلق بالكعبة وأصل الإسلام. قيل لي أن إبراهيم وإسماعيل أزالوا جميع الأصنام من الكعبة، ولكن كان هناك صنما معينا اسمه يعني "الإله".
وقرأت أن هذا هو ما اشتق منه اسم "الله" وأن هذا الإله كان إله القمر في الوثنية، وأن رمزه هو الهلال وأن شهر رمضان يتحدد بدورة القمر.
أريد أن أعرف هل وجد مثل هذا الدين أم لا وهل الإسلام يتصل حقيقة بهذه العادة الوثنية؟
الإجابة: محمد صالح المنجد
الحمد لله
أهلا ومرحبا بك أيتها السائلة الباحثة عن الحق والمهتمة بالإسلام ونسأل الله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه ويعصمك من الشيطان وشبهاته ومن ضلالات أعداء الإسلام.
قبل الإجابة على سؤالك أود أن أذكرك بأن الطريق إلى معرفة حقيقة الدين هو الرجوع إلى مصادره الأصلية وهي - بالنسبة إلى الإسلام - القرآن كلام الله ، والسنة وهي كلام نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من الله .
وإن من الخطأ الذي يقع فيه بعض الباحثين عن الإسلام هو الأخذ عن المصادر غير الموثوقة أو مقالات المغرضين وأعداء الإسلام الذين يشيعون الأكاذيب عن الإسلام لتنفير عامة الناس منه وليضلوا الناس عن سبيل الله .
أما بالنسبة لسؤالك عن الكعبة وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإن في السؤال أمرا غريبا جدا وهو القول بأن إبراهيم وإسماعيل أزالا الأصنام من الكعبة إلا صنما واحدا ، وهذا الكلام مخالف للحقائق التاريخية ولا يقبله العقل أصلا . لأنه من المعلوم أن إبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بأمر الله تعالى فكيف يخرجان منها الأصنام ؟ وكيف يكون فيها أصنام وهما اللذان أشرفا على بنائها وعمارتها بذكر الله ودعوة الناس إلى الطواف بها والحج إليها توحيدا لله . وإنما حدثت الأصنام بعدهما بسنين متطاولة حينما سافر بعض العرب إلى بلاد الكفار خارج الجزيرة العربية وجلب معه أصناما وضع بعضها حول الكعبة ثم أضيفت أصنام أخرى من قبل المشركين حتى صار حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأشرقت به شمس التوحيد التي محت ظلمات الوثنية وهزم الله به المشركين فكسر الأصنام وطهر البيت الحرام وأعاد الكعبة بيتا للتوحيد وعبادة الله وحده كما كانت في عهد جده إبراهيم الخليل عليه السلام .
وإليك فيما يلي شيئا من قصة بناء البيت العتيق من القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ونبدأ بالقرآن الكريم : قال الله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ، وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }[سورة البقرة:129-126]
وقال تعالى : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } [سورة الحج:26-27]
وأما عن قصة بناء الكعبة في السنة النبوية فقد روى ابن عباس رضي الله عنه قصة هاجر زوجة إبراهيم وأم ابنه إسماعيل فقال في الرواية : جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له أالله الذي أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك فقالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته .. ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . صحيح البخاري 3113
وبعد هذا العرض لتلك الحقيقة التاريخية في قصة بناء الكعبة ننتقل إلى ما أوردته في سؤالك من أن اسم الله مشتق من اسم الصنم وهذا أمر في غاية الغرابة والنكارة فكيف يشتق اسم الخالق البارئ الأول العزيز الجبار من اسم صنم مخلوق لا يضر ولا ينفع ؟
قال الله تعالى يذم المشركين : { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } [سورة الفرقان:3]
وقال سبحانه : { إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون } [العنكبوت:17]
وقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام الذي أنكر على أبيه وقومه عبادة الأصنام : { إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } [مريم:43]
وقال عز وجل : { واتل عليهم نبأ إبراهيم ، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ، قال هل يسمعونكم إذ تدعون ، أو ينفعونكم أو يضرون ، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ، قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ، أنتم وءاباؤكم الأقدمون ، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ، الذي خلقني فهو يهدين } [سورة الشعراء:69-78]
وقال تعالى عنه في تحطيمه أصنام قومه : { فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ، ما لكم لا تنطقون ، فراغ عليهم ضربا باليمين ، فأقبلوا إليه يزفون ، قال أتعبدون ما تنحتون ، والله خلقكم وما تعملون } [سورة الصافات:91-96]
كيف يقال بعد كل ذلك إن إبراهيم أبقى صنما حول الكعبة وأن اسم الله مشتق من اسم الصنم ؟ أتدرين أيتها السائلة ما معنى الله ومم اشتق هذا الاسم ؟
إن لفظ الجلالة "الله" مشتق من الفعل أله يأله فهو مألوه وهذا الفعل يتضمن معنى المحبة مع العبادة فهو سبحانه وتعالى المعبود الذي تألهه قلوب المؤمنين فتحبه وتعظمه وتخشاه وترجوه .
أما عن سؤالك الأخير هل الإسلام متعلق بالوثنية وعبادة الكواكب فهو من العجب الذي لا يكاد ينقضي فإن الإسلام جاء بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، والإسلام جاء لمحاربة الوثنية والقضاء عليها فكيف يرتبط بالوثنية .
لعلك تقرئين في القرآن أيتها السائلة قصة الهدهد الموحد الذي عرف ربه وأنكر عبادة الكواكب فقال الله عنه وهو يخبر النبي سليمان عليه السلام بأخبار ملكة اليمن في ذلك الوقت : { وجئتك من سبإ بنبإ يقين ، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ، ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [النمل:22-26]
وكذلك قصة إنكار إبراهيم على قومه عبادة الكواكب والشمس والقمر والتي قصها الله علينا في القرآن الكريم في سورة الأنعام .
وأما ارتباط صيام رمضان بالهلال فليس لأننا نعبد الهلال ولكن لأن رب الهلال جعل الأهلة مواقيت لنا في عباداتنا ومعاملاتنا فنحن نتحرى رؤية هلال رمضان لنوحد الله بالصيام له سبحانه ونتحرى هلال الشهر الذي يليه لنعلم نهاية هذه العبادة السنوية وكذلك نفعل في معرفة أيام الحج وغير ذلك من العبادات .
نرجو أن نكون بهذا العرض قد أوضحنا لك ما التبس عليك ، وأن الغبش قد زال والغموض قد اتضح ، واعلمي بأن المسألة جد ليست بالهزل وان الدين عند الله الإسلام رضيه لعباده ولا يقبل بغيره دينا لهم ، فهلمي إلى دين الحق وشريعة الهدى واتبعي ما أنزل إليك من ربك . والله مع المؤمنين .