شرح العقيدة الطحاوية لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ابومريم المكي مسلم اكتشف المزيد حول ابومريم المكي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 2 (0 أعضاء و 2 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابومريم المكي
    5- عضو مجتهد

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 27 فبر, 2010
    • 796
    • باحث
    • مسلم

    #31
    لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْخَالِقِ"، وَلَا بِإِحْدَاثِ الْبَرِيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْبَارِي.
    __________________________________________
    ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري" المعنى: أنه -سبحانه وتعالى- اسمه الخالق، واسمه الباري لم يزل له هذا الاسم من أسمائه الخالق، ومن أسمائه البارئ، والله الخالق والبارئ، أي برأ البرية وأحدثها والذي خلق الخلق هو لم يزل متصفا بصفاته، ولم يزل له الأسماء الحسنى؛ لأنه -سبحانه وتعالى- قادر على الفعل؛ ولأنه فعال وهو قادر على الفعل في أي وقت.
    خلافا لأهل البدع الذين يقولون: إن هناك فترة عطلوا فيها الرب عن الكلام والفعل، فقالوا: إن الكلام والفعل كان ممتنعا ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، فالرب -سبحانه وتعالى- لم يزل ولا يزال متصفا بصفاته وبأسمائه الحسنى؛ لأنه فعال وقادر على الفعل في أي وقت، والفعل له ممكن في أي وقت، والفعل صفته -سبحانه وتعالى- والمفعول هو المخلوق المنفصل وهو سبحانه يخلق بكلام: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} .
    ومادام أنه فعَّال وقادر على الفعل في أي وقت فهو متصف بالصفات، فالإنسان حينما يتكلم ويكون قادرا على الكلام يقال: إنه متكلم، متصف بالكلام، فإذا تكلم أمس ثم تكلم اليوم يقال: إنه متكلم وإذا كان ساكتا، وهو قادر على الكلام يقال إنه متكلم بالقوة، وإذا تكلم يقال: إنه متكلم بالفعل؛ لأنه قادر على الكلام والكاتب إذا كان يكتب ويباشر الكتابة، يقال: كاتب بالفعل وإذا رفع يده عن القلم يقال كاتب بالقوة؛ لأنه قادر على الكتابة، فالقادر على الفعل يكون فاعلا، والله -سبحانه وتعالى- فعال قادر على الفعل في أي وقت من الأوقات.
    ولهذا هو -سبحانه وتعالى- الخالق وهو البارئ قبل الخلق وبعده، وكما سبق أن الحوادث متسلسلة في الماضي والرب لم يزل يفعل، ويخلق إلى ما لا نهاية في الأزل.
    .

    تعليق

    • ابومريم المكي
      5- عضو مجتهد

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 27 فبر, 2010
      • 796
      • باحث
      • مسلم

      #32
      له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق
      __________________________________________
      نعم له معنى الربوبية ولا مربوب؛ لأنه -سبحانه وتعالى- هو مُرَبِّي عباده وحافظهم ويحفظهم ويربيهم ويدبر أمرهم وهو الخالق ولا مخلوق، وهذا قد يفهم منه أنه يميل إلى قول أهل الكلام الذين يقولون: إن هناك فترة ليس فيها مخلوق كما سبق أن الله -تعالى- لم يزل فعالا، وليس هناك فترة ليس فيها فعل؛ لأن الرب لم يزل فعالا مطلقا في كل وقت فعال لما يريد -سبحانه وتعالى- وهو فاعل وقادر على الفعل، وعلى هذا فله معنى الربوبية، وله معنى الخالق في كل وقت في الأزل وفى الأمر.

      تعليق

      • ابومريم المكي
        5- عضو مجتهد

        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 27 فبر, 2010
        • 796
        • باحث
        • مسلم

        #33
        وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم
        __________________________________________
        نعم هو -سبحانه وتعالى- محيي الموتى يحيي ويميت، وكذلك أيضا الخالق قبل إنشائهم وبعد إنشائهم، وهو من صفاته الفعلية أنه يحيي ويميت، ومن أسمائه الخالق ؛ وذلك لأنه قادر على الفعل في أي وقت فهو فعال في كل وقت، ولذلك فله صفات الفعل وهو يحيي ويميت -سبحانه وتعالى- وهو الخالق في كل وقت، وفي كل زمان ؛ لأنه قادر وفعال -سبحانه وتعالى-، والفعل له ممكن في أي وقت من الأوقات.
        .

        تعليق

        • ابومريم المكي
          5- عضو مجتهد

          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 27 فبر, 2010
          • 796
          • باحث
          • مسلم

          #34
          ذلك بأنه على كل شيء قدير
          __________________________________________
          ذلك بأنه على كل شيء قدير، فلكونه -سبحانه وتعالى- متصفا بصفاته الذاتية والفعلية في الأزل، وأنه لم يزل فعالا، وأنه ليس هناك فترة يعطل فيها الرب ذلك، بأنه على كل شيء قدير، وأراد بذلك الرد على المعتزلة الذين ما يقولون: إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: إن الله على ما يشاء قدير.
          لأن هناك شيء لا يقدر عليه الله عند المعتزلة، وهى أفعال العباد، ولذلك فأوّلواَ "إنه على كل شيء قدير" يقولون: على كل شيء يقدر عليه، على كل شيء قادر عليه وأفعال العباد لا يقدر عليها؛ لأن أفعال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية هم الذين خلقوها وأوجدوها والله لا يقدر عليها كما سبق، أو قالوا: إن العباد أحدثوا أفعالا من طاعات ومعاصي.
          ولهذا قالوا: إن العبد يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره؛ لأنه هو الذي أوجده؛ وقالوا: إنه يجب على الله أن يعاقب العاصي، وأن يخلد صاحب الكبيرة في النار؛ لأنه توعد بذلك ولا يخلف وعيده ولذلك قالوا: إن أفعال العباد لا يقدر عليها الرب، وليس هذا موضع الرد عليهم لكن لعله يأتي إن شاء الله في المستقبل، فهم يقولون لا يقولون إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: إنه على ما يشاء قدير ولذلك إذا رأيت في بعض الكتب يذكر في آخرها، وهو على ما يشاء قدير، فاعلم أن هذا يتمشى مع بعض المعتزلة، ولا يرد على ذلك قوله -تعالى- {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)} .
          هذا مقيد بجمعهم وعلى جمعهم إذا يشاء قدير، فلا يقال: إنه على ما يشاء قدير بل يقال: إنه على كل شيء قدير؛ لأن معنى قوله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)} يفهم منها أن هناك شيئا لا يشاءه الله فلا يقدر عليه ويفعله العباد وهذا باطل؛ لأنه تأول القول على كل شيء قدير ، على كل شيء يقدر عليه، وعلي هذا قياس ما قال ما يقيد الله بكل شيء عليم، أو يقال بكل شيء يعلمه عليم كما قالوا: إنه على كل شيء يقدر عليه إنه على كل شيء مقدور له قدير.
          أما أفعال العباد فليس مقدور له. وهذا من أبطل الباطل وهو مصادم لنصوص القرآن والسنة والله -تعالى- يقول {إِن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)} وكل من صيغ العموم كل شيء كل ما يسمى شيئا ، فالله -تعالى- يقدر عليه، ولا يرد على هذا الممتنع الذي لا يمكن؛ لأنه لا يسمى شيئا؛ وعند أهل السنة أن الله على كل شيء قدير؛ فالممتنع الذي لا يمكن وجوده لا يسمى شيئا؛ فلا يرد على هذا قوله مثل كون الشيء موجودا معدوما في وقت واحد هل يقال: إن هذا يقدر عليه الله يكون الشيء موجودا معدوما في وقت واحد.
          ومثل قولهم: هل يقدر على خلق مثل نفسه؟ ومثل قولهم هل يقدر على إعداد نفسه؟
          والجواب: إن هذا من ممتنع تماما هذه الأمور ممتنعة؛ لأنه لا يمكن إيجادها ولا يتصور إيجادها، ولا تسمى شيئا باتفاق العقلاء ما تسمى شيئا، ليست داخلة في قوله كل شيء {إِن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} وكون الشيء موجودا معدوما لا يسمى شيئا، ومثل خلقه نفسه أو إعداد نفسه لا يسمى شيئا، ولا يتصور وجوده حتى يقال: إنه شيء لا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ولا يمكن وجوده، ولا يتصور وجوده فلا يكون داخلا في عموم كل شيء.
          اختلف العلماء في المعدوم الذي يمكن وجوده قالوا: هل يسمي شيئا؟ أو لا يسمي شيئا ؟.
          والصواب أنه يسمي شيئا في الذكر والكتاب والعلم كما قال -سبحانه وتعالى- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} الساعة ما جاءت سماها الله شيئا فهي شيء عظيم في الذكر، في العلم؛ في علم الله، وفي الكتاب وفي الذكر، {إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} مثل قوله -سبحانه وتعالى- {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)} لم يكن شيئا في الوجود لكنه شيء في علم الله وذكره وكتابه وقوله -سبحانه- عن زكريا: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)} لم تك شيئا في الوجود، ولكنه شيء في علم الله وذكره وكتابه، أما الممتنع الذي لا يمكن وجوده، فهذا لا يسمى شيئا، فلا يقال: إنه داخل تحت القدرة؛ لأنه لا يسمى شيئا
          .

          تعليق

          • ابومريم المكي
            5- عضو مجتهد

            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 27 فبر, 2010
            • 796
            • باحث
            • مسلم

            #35

            تفريغ شرح الطحاوية
            ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير
            __________________________________________
            نعم، هذا وصفه سبحانه . على كل شيء قدير، وكل شيء عليه يسير. ليس هناك شيء على الله عسير سبحانه وتعالى، وكل شيء يسير عليه سبحانه وتعالى، فلا يعجزه شيء، ولا يشق عليه شيء -سبحانه وتعالى- .
            وكل شيء إليه فقير؛ لأن المخلوقين كلهم فقراء إلى الله كما قال سبحانه: {* يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)} ليس ذلك بشاق على الله بل كل شيء يسير عليه، وقال -سبحانه-: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} يعني هين عليه، أهون بمعنى هين، فكل شيء هين على الله، وكل شيء يسير على الله، وكل مخلوق فهو فقير إلى الله عز وجل والله هو الغني -سبحانه وتعالى-
            .

            تعليق

            • ابومريم المكي
              5- عضو مجتهد

              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 27 فبر, 2010
              • 796
              • باحث
              • مسلم

              #36
              لا يحتاج إلى شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} .
              __________________________________________
              نعم، لا يحتاج إلى شيء من الأشياء، شاملة جميع الموجودات فهو لا يحتاج إلى أي مخلوق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هذا رد على الممثلة والمشبهة. {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} رد على المعطلة الذين ينكرون الأسماء والصفات. هذه الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} فيها رد على الممثلة والمشبهة، ورد على المعطلة؛ رد على الممثلة والمشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، ويمثلون الصفات بصفات المخلوقين،بقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ). و رد على المعطلة الذين ينكرون الأسماء والصفات بقوله تعالى : (وهو السميع البصير)
              .

              تعليق

              • ابومريم المكي
                5- عضو مجتهد

                حارس من حراس العقيدة
                عضو شرف المنتدى
                • 27 فبر, 2010
                • 796
                • باحث
                • مسلم

                #37
                خلق الخلق بعلمه
                __________________________________________
                خلق الخلق بعلمه -سبحانه وتعالى- فهو لا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء وهو عليم بكل شيء كما قال -سبحانه-: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} وقال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} خلق الخلق بعلمه قال -سبحانه-: {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} .
                وهو -سبحانه وتعالى- خلق الخلق بعلمه، وهو -سبحانه وتعالى- يعلمهم قبل خلقهم ويعلمهم بعد خلقهم . وهذا فيه رد أراد به المؤلف الرد على المعتزلة الذين يقولون: إنه لا يعلم الخلق إلا بعد خلقه، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن علم الله شامل للماضي والحاضر والمستقبل فهو سبحانه يعلم ما كان في الماضي ويعلم ما يكون في المستقبل والحاضر، وأيضا يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون.
                فالشيء الذي لم يكن يعلمه لو كان كما في قوله سبحانه عن الكفار الذين سألوا الرجعة إلى الدنيا قال سبحانه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)} هذا علمه بحالهم لو ردوا وهو يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون؛ ومثل قوله الله عز وجل {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} هذا علمه بحالهم؛ بالشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون.
                ومثل قول الله - سبحانه تعالى- في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة "تبوك": {* وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} هذا من علمه -سبحانه وتعالى- بما لم يكن أن لو كان كيف يكون .
                يعلم سبحانه لو خرجوا ماذا يحصل {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} يعني شرا بعضهم يقولون: إن الشر هو الفتنة والفساد {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} وهذا من لطفه سبحانه بعباده أنه ثبطهم ومنعهم حتى لا يفسدوا على عباد الله المؤمنين.
                .

                تعليق

                • ابومريم المكي
                  5- عضو مجتهد

                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 27 فبر, 2010
                  • 796
                  • باحث
                  • مسلم

                  #38
                  وقدّر لهم أقدارا
                  __________________________________________
                  قدّر لهم أقدارا: الله -سبحانه وتعالى- قدَّر الأقدار والآجال وجعل لكل شيء من مخلوقاته أقدارا وأجلا قال سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} وقال سبحانه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)} ومن ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- قدَّر مقادير الخلائق كما في الحديث الذي ثبت في صحيح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) .
                  وهو -سبحانه- قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدَّر لكل أجل كتاب، وخلق كل شيء فقدره تقديرا. وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعة كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .
                  وهذا من تقديره تقدير الأجل، ومن ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- قدَّر الموت على كل أحد، وجعل له أجلا مقدرا كما قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)} {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} .
                  الله -تعالى- قدَّر الموت على كل مخلوق . فلا يتأخر عن هذا الأجل ولا يتقدم إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وأسباب الموت متعددة سواء كان قدر الله الموت على العبد بالمرض أو بالقتل أو بالغرق أو بالحرق أو بأي سبب من الأسباب فهو مات بأجله الذي قدره الله عليه.
                  وهذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن المقتول قطع عليه أجله، قالوا: إن المقتول قطع عليه أجله، ولو لم يقتل لعاش إلى أجل آخر، وهذا باطل. هذا من أبطل الباطل ؛ لأن الله -تعالى- قدر الموت، وجعل له أسبابا، قدر بأن هذا سيموت بالقتل لكن ما يتقدم ولا يتأخر. المقتول مقدر عليه، مقدر عليه الموت بسبب القتل ولا يتأخر ولا يتقدم، كما أن الذي قدر عليه الموت بالمرض كذلك أو بالهدم أو بالغرق أو بالحرق أو بغير ذلك من الأسباب.
                  يقول المعتزلة: إن المقتول قطع عليه أجله هذا من أبطل الباطل؛ لأن معنى ذلك أن يكون له أجلان جعل الله أجلا لا يصل إليه أو أن الله جعل له أجلين كالجاهل الذي لا يعلم العواقب، وهذا من أبطل الباطل، والصواب أن المقتول كغيره أجله مقدر بالقتل لا يتقدم ولا يتأخر وهو داخل في قول الله عز وجل {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)} ومن بذلك أن حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان أنها قالت للنبي -صلى الله عليه و سلم- (اللهم أمتعني بأبي قبل زوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله بآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لا يؤخر الله شيئا عن أجله ولا يتقدم شيء عن حله ولو سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر لكان خيرا وأفضل) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
                  وهذا دليل واضح بأن الآجال مضروبة ومعدودة، ولهذا كان الإمام أحمد -رحمه الله- يكره أن يدعى له بطول العمر ويقول: إن هذا أمر فرغ منه، لكن ظاهر الحديث من أم حبيبة أنه جائز ؛ لأن النبي قال: (لو سألت الله أن يعيذك من عذاب النار أو عذاب القبر لكان أفضل) ولم يقل: إنه ممنوع فدل على جوازه لكن ينبغي أن يقيد بالطاعة.
                  إذا قلت: أطال الله عمرك على طاعته هذا حسن أما أن تقول أطال الله عمرك فقط هذا ليس دعاء، منه ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله) إذا طال العمر على شر هذا شر ليس خيرا، وإذا طال العمر على خير هذا خير، فإذا أردت أن تدعو لأخيك وتقول: أطال الله عمرك على طاعته، ونحن في لهجتنا الدارجة نقول أطال الله عمرك، طوَّل الله عمرك، ينبغي أن يضاف إليها: على طاعته . حتى تحصل الفائدة وتكون الدعوة فيها خير.
                  وبهذا القول نكتفي. أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يوفقنا جميعا إلى العمل الصالح الذي يرضيه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                  يتبع
                  .

                  تعليق

                  • ابومريم المكي
                    5- عضو مجتهد

                    حارس من حراس العقيدة
                    عضو شرف المنتدى
                    • 27 فبر, 2010
                    • 796
                    • باحث
                    • مسلم

                    #39
                    وقدر لهم أقدارا وضرب لهم آجالا
                    __________________________________________
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
                    قد سبق الكلام عن هاتين الجملتين "قدر لهم أقدارا وضرب آجالا " وقلنا: إن الله -تعالى- جعل لكل شيء قدرا، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، سبق أن الله ـ سبحانه ـ ضرب الآجال، وجعل لكل نفس أجلا {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)} وسبق الكلام عن حديث أم حبيبة. نعم
                    .

                    تعليق

                    • ابومريم المكي
                      5- عضو مجتهد

                      حارس من حراس العقيدة
                      عضو شرف المنتدى
                      • 27 فبر, 2010
                      • 796
                      • باحث
                      • مسلم

                      #40
                      ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم
                      __________________________________________
                      في هذا إثبات علم الله عز وجل وسبق الكلام على علم الله، والأدلة ، والمؤلف كرر قال: خلقهم بعلمه، ثم قال: لم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم.
                      والمعنى أن علم الله -سبحانه وتعالى- سابق للمقادير ومراتب القدر كما هو معلوم أربع:
                      المرتبة الأولى: العلم الشامل لجميع الكائنات، علم الله الشامل لجميع الكائنات، .
                      الثانية: كتابته لها في اللوح المحفوظ.
                      الثالثة: إرادته ومشيئته.
                      الرابعة: خلقه وإيجاده .
                      هذه مراتب القدر من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر، والأدلة عليها كثيرة. قال الله -تعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)} هذا دليل على إثبات العلم والكتابة . وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} وللإرادة أدلة كثيرة كقوله تعالى . {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)} وللخلق والإيجاد أدلة كثيرة {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ومن أنكر المرتبة الأولى، والثانية العلم والكتابة، فقد كفَّره أهل العلم ؛ لأن من أنكر العلم نسب الله إلى الجهل.
                      وكانت القدرية الأولى ينكرون العلم والكتابة ، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي -رحمه الله- ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا فمن أنكر العلم والكتابة فهم القدرية الأولى كفروا، فإنهم يكفرون بهذا ؛ لأنهم ينسبون الله إلى الجهل، فقد انقرضت القدرية الأولى، وأما عامة القدرية فهم يثبتون العلم والكتابة وينكرون عموم الإرادة والمشيئة بجميع الكائنات حتى تشمل أفعال العباد، قالوا: إن أفعال العباد ما أرادها الله ولا خلقها . العباد هم الذين أرادوها وخلقوها .
                      وعلم الله -كما سبق- شامل للماضي والمستقبل والحاضر بل لما لم يكن أن لو كان كيف يكون كما قلنا {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)} بيَّن الله أنه يعلم حالهم لو ردوا . وأدلة العلم كثيرة الكتاب والسنة {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} .
                      والدليل العقلي على ثبوت العلم لله عز وجل أنه يستحيل إيجاد هذه الأشياء مع الجهل فالعقل يحيل إيجاد الأشياء مع الجهل؛ ولأن الإيجاد يستلزم الإرادة، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد هو العلم فثبت علم الله في الشرع والعقل؛ في الشرع الأدلة كثيرة {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} .
                      وكما سبق علم الله شامل لما مضى وللمستقبل وللحاضر ولما لم يكن أن لو كان كيف يكون والعقل أيضا دل على ثبوت العلم لله؛ لأنه يستحيل إيجاد الأشياء مع الجهل؛ ولأن الإيجاد يستلزم الإرادة، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد هو العلم .
                      من قسم مراتب القدر إلى ستة مراتب، وقسم المشيئة إلى مشيئة سابقة وحالية ؟ وأضاف الأمر للمراتب؟
                      معروف عند أهل العلم أن المراتب أربعة والمشيئة واحدة .
                      المشيئة ما تنقسم، المشيئة واحدة، والإرادة تنقسم إلى قسمين، . وهذه معروفة أنها أربع، وشيخ الإسلام -رحمه الله- جعلها على درجتين، وكل درجة تتضمن مرتبتين، الدرجة الأولى العلم تتضمن مرتبة العلم والكتابة، والثانية الإرادة والإيجاد والخلق، أربع مراتب ما نعرف أن أحدا قسمها ستا. نعم
                      .

                      تعليق

                      • ابومريم المكي
                        5- عضو مجتهد

                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 27 فبر, 2010
                        • 796
                        • باحث
                        • مسلم

                        #41

                        تفريغ شرح الطحاوية.
                        وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته
                        __________________________________________
                        في هذا أن الله -سبحانه وتعالى- أمر العباد بطاعته ونهاهم عن معصيته ، ذكر هذا بعد الخلق والقدر، ذكر الشرط لبيان أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق لعبادته وتوحيده وطاعته لما ذكر أن خلقهم أن الله -تعالى- خلق الخلق بعلمه قال:: وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، ففيه بيان أن الله خلق العباد لتوحيده وطاعته كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} ومعنى يعبدون يوحدون، التوحيد بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} الله -تعالى- خلق الخلق لعبادته وتوحيده وطاعته أمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، وهذه هي العبادة التي خلق الخلق من أجلها، العبادة أن تمتثل للأوامر وتجتنب النواهي وتقف عند الحدود ، وتستقيم على دين الله، هذه هي العبادة التي خلق الخلق لها ، لتوحيد الله وطاعته، طاعة الأوامر، واجتناب النواهي، فعل الأوامر الواجبة والمستحبة، ترك النواهي المحرمة والمكروهة.
                        .

                        تعليق

                        • ابومريم المكي
                          5- عضو مجتهد

                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 27 فبر, 2010
                          • 796
                          • باحث
                          • مسلم

                          #42
                          وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته ، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن
                          __________________________________________
                          نعم هذا في بيان مشيئة الرب، وأن كل شيء يجري بتقديره ومشيئته، وأن مشيئة الله نافذة أما مشيئة العباد فهي تابعة لمشيئة الله عز وجل مشيئة الله نافذة، لا يتخلف ما شاءه الله ف"ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" كل شيء شاءه الله لا بد أن يوجد، وما لم يشأ الله وجوده فإنه لا يكون ، كل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته ، ومشيئة الله نافذة وإرادته الكونية لا تتخلف، والمشيئة لا تنقسم إلى قسمين، إنما الذي ينقسم إلى قسمين الإرادة .
                          الإرادة تنقسم إلى قسمين:
                          إرادة كونية قدرية ترادف المشيئة وإرادة دينية شرعية ترادف المحبة والرضا، الإرادة الكونية مرادفة للمشيئة، والمشيئة لا تنقسم. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء يجري بقضاء الله وقدره ومشيئته نافذة، أما مشيئة العباد فقد تنفذ، وقد لا تنفذ؛ لأن مشيئة العباد تابعة لمشيئة الله كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)} وقال -سبحانه-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} .
                          وقال -سبحانه-: {* وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقال -سبحانه-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)} وقال -سبحانه-: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} وقال -تعالى-: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)} وقال -سبحانه-: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} .
                          والإرادة الكونية ترادف المشيئة، المعنى واحد، فمشيئة الله نافذة أما مشيئة العباد فهي تابعة لمشيئة الله عز وجل فقد يشاء العبد شيئا لكن لا يقع؛ لأن الله لم يشأ وقوعه، وقد يشأ العبد شيئا فيقع؛ لأن الله أراد وقوعه فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل .
                          وقد أنكر الله -سبحانه وتعالى- على الكفار احتجاجهم بالمشيئة كقوله عز وجل {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)} الآية من سورة الأنعام ، وقال -سبحانه -: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)} الآية من سورة النحل.
                          وقال الله - سبحانه وتعالى- عن نوح: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)} فهؤلاء المشركون احتجوا بالمشيئة، فأنكر الله عليهم ذلك؛ لأنهم احتجوا بالمشيئة على محبة الله ورضاه، فاستدلوا بها على أن ما شاءه الله أحبه ورضيه، وأن المشيئة دليل على المحبة والرضا، ولولا أنه أحبه ورضيه لما شاءه فأنكر الله عليهم ذلك؛ لأن الله قد يشاء الشيء ولا يرضاه ولا يحبه، أو أن الله أنكر عليهم أنهم جعلوا المشيئة دليلا على الرضا والمحبة أو أنهم عارضوا شرع الله ودينه في مشيئته، عارضوا قضاء الله وقدره بالشرط أو عارضوا دين الله وشرعه بالمشيئة {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} .
                          فأنكر الله عليهم ذلك فلا يعارَض ما شرعه الله بالمشيئة ، المشيئة والإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، والله حكيم فيما يقدره ويشاءه -سبحانه وتعالى- ، فإذا قدر الله الشرك على العبد فله الحكمة البالغة، ولا يكون هذا حجة له في جواز الشرك ، لو قدر الله المعصية على العبد فله الحكمة البالغة، ولا يكون هذا دليل الله على جواز المعصية، وعلى فعل المعصية فلهذا أنكر الله عليهم
                          .

                          تعليق

                          • ابومريم المكي
                            5- عضو مجتهد

                            حارس من حراس العقيدة
                            عضو شرف المنتدى
                            • 27 فبر, 2010
                            • 796
                            • باحث
                            • مسلم

                            #43
                            يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا ، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا
                            __________________________________________
                            هذا فعله -سبحانه وتعالى- يهدي من يشاء ويعصم، ويعافي فضلا منه وإحسانا ، ويضل ويبتلي عدلا منه وحكمة، هو يهدي ويعصم ويعافي فضلا، ويضل ويبتلي حكمة منه وعدلا سبحانه وتعالى، وهذه المسألة؛ وهي مسألة الهدى والضلال مسألة عظيمة من أهم مسائل القدر حتى إن العلامة ابن القيم -رحمه الله - قال: إنه قلب أبواب القدر؛ مسألة الهدى والضلال، هذه تسمى مسألة الهدى والضلال قلب أبواب القدر ومسائله.
                            وأراد المؤلف -رحمه الله- الطحاوي الرد على القدرية والمعتزلة الذين يقولون: إنه يجب على الله فعل الأصلح للعبد، يقولون: يجب على الله فعل الأصلح للعبد ، وهي مسألة الهدى والضلال. والقدرية أنكروا أن يهدي الله أحدا أو أن يضل أحدا فقالوا: إن العبد هو الذي يهدي نفسه، وهو الذي يضل نفسه ، أما الله فلا يهدي أحدا، ولا يضل أحدا، وأجابوا على النصوص قالوا معنى يهدي: يعنى يبين له الطريق الصواب ويسميه مهتديا، ومعنى يضله، أي يسميه ضالا ، أو يحكم عليه بالإضلال بعد خلقه الإضلال من نفسه.
                            فهذه المسألة وهي مسألة الهدى والضلال مسألة عظيمة من مسائل القدر، ولا بد من بيان مراتب الهداية وأقسامها حتى يتبين هذا الباب.
                            مراتب الهداية أربعة:
                            المرتبة الأولى: الهداية العامة لكل مخلوق إلى ما يصلحه هداية الله العامة لكل مخلوق إلى مصالح معاشه، وما يقيمه هذه الهداية العامة عامة لكل مخلوق للآدميين والطيور والوحوش والصغار والكبار والأطفال، هداية الله العامة لكل مخلوق إلى ما يصلحه في معاشه وإلى ما يقيمه، ويدخل في ذلك: هداية الطيور إلى أوكارها، وهداية الأنعام إلى مراتعها، وهداية الطفل إلى ثدي أمه، وهداية الإنسان إلى ما يصلحه في معاشه وما يقيم به أمور حياته، هداه الله كيف يأكل، كيف يشرب، كيف ينكح.
                            الحيوانات هداها الله تعرف كيف تأكل وكيف تشرب وكيف تنكح أنثاها.
                            هي عامة شاملة للآدميين وللحيوانات وللوحوش وللطيور، قال الله- سبحانه وتعالى-: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} هذا دليل الهداية العامة، وقال -سبحانه- في جواب موسى لفرعون: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} كل المخلوقات هداها الله إلى ما يصلحها في معاشها؛ فالإبل والبقر والغنم هداها الله كيف تأكل وكيف تذهب إلى الماء وتشرب كيف تذهب إلى المراعي. الطفل من حين سقوطه من بطن أمه هداه الله إلى أن يلتقم ثدي أمه هذه هي الهداية العامة، الطيور هداها الله إلى أوكارها جلب غذائها لصغارها {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} هذه عامة للآدميين ولغيرهم وهذه ما أنكرها أحد.
                            النوع الثاني من الهداية: هداية البيان والدلالة والإرشاد والتعليم والدعوة والإبلاغ ، التعليم والدعوة إلى ما يصلح الإنسان في معاده، وهذه خاصة بالآدميين خاصة بالمكلفين من الجن والأنس، هداية تسمى هداية البيان والدلالة والإرشاد والتعليم والدعوة إلى ما يصلح الإنسان في معاده يوم القيامة إلى ما يكون سببا في نجاته من النار وإيداعه بما أوجب الله عليه، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه لا يعذب الله أحدا حتى تقوم عليه الحجة، وحتى يُهدى هذه الهداية وهي التي أرسل من أجلها الرسل وأنزل من أجلها الكتب قال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} يعني ما كان الله ليضلهم بعد أن هداهم وبين لهم طريق الخير فلما بين لهم طريق الخير وتركوه أضلهم عقوبة لهم، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} هذه هي هداية الدلالة والإرشاد.
                            وقال -سبحانه-: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} هديناهم يعني دللناهم طريق الخير وطريق الشر، {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فلما بين الله لهم طريق الخير وطريق الشر واستحبوا العمى على الهدى جاءتهم العقوبة {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)}
                            وهذه هي هداية ثابتة للرسل والأنبياء والمصلحين والدعاة كلهم يقدرون عليها قال الله -تعالى- للنبي صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} أي ترشد وتدل وتبلغ وتدعو، هذه هداية يقدر عليها الرسول - عليه الصلاة والسلام- ويقدر عليها الدعاة والمصلحون يهدون الناس هداية الدلالة والإرشاد والبيان والتبليغ والدعوة هذه خاصة بالمكلفين من الإنس والجن وليست للحيوانات ولا الطيور، هذه هداية يعني بيان وإرشاد الناس إلى الأمر الذي خلقوا له بيان ما أوجب الله عليهم من توحيده وطاعته وترك معصيته.
                            الله -تعالى- لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة حتى تقوم الحجة عليه وحتى يتبين له ما أوجب الله عليه، كما قال-تعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} وقال -سبحانه-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} إذا بعث الرسول وأرشد الناس ودلهم على ما أوجب الله عليهم من التوحيد والطاعة واجتناب المعصية قامت الحجة عليهم . وإذا قامت الحجة بعد ذلك استحقوا العذاب، إذا لم يعملوا، هذه هداية والبيان والدلالة والإرشاد، وهذه المرتبة ما أنكرها المعتزلة.
                            النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام والتسديد وجعل الإنسان يقبل الحق ويرضاه ويختاره وخلق هداية القلب هذه خاصة بالله ، لا يقدر عليها إلا الله ، لا يقدر عليها أحد من الخلق لا الأنبياء ولا غيرهم وهذه هي المنفية عن النبي صلى الله عليه وسلم نفاها الله بقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فهو لا يهدي يعني لا يخلق الهداية في القلب ولا يوفق ولا يلهم ولا يجعله يقبل الحق ويختاره ويرضاه إلا الله ، ولو كانت هداية الدلالة والإرشاد لكان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أحب ومن أبغض.
                            وقال سبحانه: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)} فالله -تعالى- يهدي ويضل، فالهداية والإضلال، بيد الله عز وجل والعبد هو الضال والمهتدي ولا بد في وقوع هذه الهداية من أمرين:
                            الأمر الأول: الهداية من الله، يعني يهديه الله.
                            والثاني: الاهتداء من العبد فإذا هداه الله واهتدى حصلت له الهداية بالتوفيق وكذلك الإضلال من الله، والعبد هو الضال إذا أضله الله فضل صار ضالا.
                            فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل وقد اتفقت رسل الله وكتبه المنزلة على أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
                            وهذه المسألة مسألة الهداية والإضلال مسألة عظيمة؛ لأن أفضل ما يقدره الله على العبد وأجل ما يقسمه له هو الهداية وأعظم ما يبتلي الله به العبد وأعظم مصيبة تصيبه هو أن يقدر الله عليه الإضلال، وكل نعمة فهي دون نعمة الهداية، وكل مصيبة هي دون مصيبة الإضلال، فلذلك كانت الهداية والإضلال بيد الله عز وجل .
                            هذه المرتبة أنكرها المعتزلة والقدرية فأنكر عليهم أهل السنة وبدَّعُوهم وضللوهم، وهذا هو معنى قول المؤلف - رحمه الله-: "يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا ويضل من يشاء ويبتلي حكمة وعدلا ".
                            المعتزلة والقدرية قالوا: الهداية والإضلال بيد العبد وليس بيد الله الهداية والإضلال أنكروا هذه المرتبة . أنكر عليهم أهل السنة وقالوا: النصوص واضحة لأن الله - سبحانه وتعالى- بيده الهداية والإضلال قال: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} لو كانت الهداية بيد العبد لما قيدها بالمشيئة {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ولكن الله -سبحانه وتعالى- خص المؤمن بنعمة دينية دون الكافر ، كما قال -سبحانه-: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} وقال -سبحانه-: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} .
                            هذه النعمة اختص الله بها المؤمنين اختصهم بنعمة دينية جعلهم يقبلون الحق ويرضون به ويختارونه وألهمهم إياه وخلق الهداية في قلوبهم فصاروا مهتدين . وله الفضل والإحسان. والكافر أضله الله خذله وأضله الله وابتلاه - كل ذلك -عدلا منه وحكمة بالغة -سبحانه وتعالى-.
                            فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل . فالمؤمن اختصه الله بهذه النعمة الدينية دون الكافر والكافر خذله الله. والمعتزلة والقدرية أنكروا هذه المرتبة، وقالوا: الهداية والإضلال بيد العبد ، وتأولوا النصوص بقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} قالوا معناه: يهدي أي يسميه مهتديا ويبين لهم طريق الصواب فسروها بهداية الدلالة والإرشاد. ويضل من يشاء قالوا: يسميه ضالا أو يحكم عليه بالإضلال بعد أن يخلق الضلال من نفسه، وهذا من أبطل الباطل.
                            القدرية يضربون مثلا في هذا، والله -تعالى- قال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} لكنهم يضربون مثلا يقولون: إن الله -تعالى- لم يهد أحدا ولم يضل أحدا، ولكن العبد هو الذي اختار الهداية بنفسه وخلق الهداية لنفسه، والكافر اختار الإضلال وخلق الإضلال لنفسه، واختار الإضلال لنفسه، والله -تعالى- لم يخص المؤمن بنعمة دينية ولم يخذل الكافر، وهذا مبني على شبهتهم السابقة.
                            وهو أن لو هدى هؤلاء وأضل هؤلاء لكان هذا جورا، والله عادل لا يجور، وسبق الجواب على هذه الشبهة، وأن الله له الحكمة البالغة فيما يقدره، وأن الله عاقبهم لما لم يستجيبوا للحق بعد ظهوره ووضوحه عاقبهم كما سبق في الآية {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} فلما بين لهم ما يتقون واتضح لهم الأمر فلم يقبلوه أضلهم الله عقوبة لهم ، وقال -سبحانه-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وقال -سبحانه-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} .
                            فقالوا: مِثْلُ الله في ذلك مِثْلُ رجل له ابنان أعطى كل واحد منهما سيفا، وقال لهما جاهدا به في سبيل الله فالأول أطاع والده وجاهد به في سبيل الله والثاني عصى والده وجعل يستعرض رقاب المسلمين ويقتل المسلمين. هذا اختار طريق الحق، وهذا اختار طريق الضلال من نفسه ، هذا من نفسه وهذا من نفسه ، والله -تعالى- ما خص الأول بهداية ولا خص الثاني بالإضلال. وهذا من أبطل الباطل فمرتبة الهداية هداية التوفيق والتسليم هذه خاصة بالله عز وجل وهذه أنكرها المعتزلة والقدرية وهي خاصة بالله.
                            وأما الهداية الثانية -التي هي الدلالة والإرشاد- فهي حجة الله على خلقه، لا يعذب أحدا حتى يهديه هداية الدلالة والإرشاد كما سبق: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} {وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} .
                            والآيات والنصوص في بيانها كثيرة كقوله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَن اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)} .
                            والمرتبة الرابعة: الهداية إلى طريق الجنة والنار يوم القيامة، فالكفار يهديهم الله إلى النار، والمؤمنون يهديهم الله إلى الجنة، قال سبحانه وتعالى في الكفار: {* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} الآية من سورة الصافات.
                            وقال سبحانه في المؤمنين: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} فهذه هداية بعد قتلهم يهديهم إلى طريق الجنة، ويصلح بالهم في إلغاء خصومهم وقبول أعمالهم، فهذه مراتب الهداية.
                            المرتبة الأولى الهداية العامة والمرتبة الرابعة ليس فيهما إشكال، إنما البحث في المرتبة الثانية، مرتبة الهداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والتسديد، هذا محل النزاع والخلاف بينهم وبين أهل السنة.
                            أهل السنة يقسمون الهداية إلى قسمين: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق وإلهام.
                            والقدرية والمعتزلة ليس عندهم إلا هداية واحدة: هداية الدلالة والإرشاد. وهداية التوفيق يردونها إلى هداية البيان والإرشاد، وهذا من أبطل الباطل، وهذا مبني على أصلهم الفاسد وهو قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله قالوا: يجب على الله فعل الأصلح للعبد. وما دام يجب على الله فعل الأصلح للعبد قالوا: فلا يمكن أن يهدي الله أحدا ولا أن يضل أحدا.
                            وهذا أيضا مبني على أصلهم الآخر، وهو القول بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، فالعباد هم الذين خلقوا الهداية والضلال، هم الذين يخلقون الطاعات والمعاصي، ولو خص الله أحدا بالهداية وخذل أحدا لكان ظالما، والله عدل لا يجور.
                            وكما سبق أن الله له حكمة بالغة -كما سبق- في بيان حكمة الله في تقدير الكفر والمعاصي وغيرها، وأن الذي ينسب إلى الله إنما هو الخلق، وهو مبني على الحكمة، والذي ينسب إلى العبد هو المباشرة والكسب
                            .

                            تعليق

                            • ابومريم المكي
                              5- عضو مجتهد

                              حارس من حراس العقيدة
                              عضو شرف المنتدى
                              • 27 فبر, 2010
                              • 796
                              • باحث
                              • مسلم

                              #44
                              يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا ، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا
                              __________________________________________
                              هذا فعله -سبحانه وتعالى- يهدي من يشاء ويعصم، ويعافي فضلا منه وإحسانا ، ويضل ويبتلي عدلا منه وحكمة، هو يهدي ويعصم ويعافي فضلا، ويضل ويبتلي حكمة منه وعدلا سبحانه وتعالى، وهذه المسألة؛ وهي مسألة الهدى والضلال مسألة عظيمة من أهم مسائل القدر حتى إن العلامة ابن القيم -رحمه الله - قال: إنه قلب أبواب القدر؛ مسألة الهدى والضلال، هذه تسمى مسألة الهدى والضلال قلب أبواب القدر ومسائله.
                              وأراد المؤلف -رحمه الله- الطحاوي الرد على القدرية والمعتزلة الذين يقولون: إنه يجب على الله فعل الأصلح للعبد، يقولون: يجب على الله فعل الأصلح للعبد ، وهي مسألة الهدى والضلال. والقدرية أنكروا أن يهدي الله أحدا أو أن يضل أحدا فقالوا: إن العبد هو الذي يهدي نفسه، وهو الذي يضل نفسه ، أما الله فلا يهدي أحدا، ولا يضل أحدا، وأجابوا على النصوص قالوا معنى يهدي: يعنى يبين له الطريق الصواب ويسميه مهتديا، ومعنى يضله، أي يسميه ضالا ، أو يحكم عليه بالإضلال بعد خلقه الإضلال من نفسه.
                              فهذه المسألة وهي مسألة الهدى والضلال مسألة عظيمة من مسائل القدر، ولا بد من بيان مراتب الهداية وأقسامها حتى يتبين هذا الباب.
                              مراتب الهداية أربعة:
                              المرتبة الأولى: الهداية العامة لكل مخلوق إلى ما يصلحه هداية الله العامة لكل مخلوق إلى مصالح معاشه، وما يقيمه هذه الهداية العامة عامة لكل مخلوق للآدميين والطيور والوحوش والصغار والكبار والأطفال، هداية الله العامة لكل مخلوق إلى ما يصلحه في معاشه وإلى ما يقيمه، ويدخل في ذلك: هداية الطيور إلى أوكارها، وهداية الأنعام إلى مراتعها، وهداية الطفل إلى ثدي أمه، وهداية الإنسان إلى ما يصلحه في معاشه وما يقيم به أمور حياته، هداه الله كيف يأكل، كيف يشرب، كيف ينكح.
                              الحيوانات هداها الله تعرف كيف تأكل وكيف تشرب وكيف تنكح أنثاها.
                              هي عامة شاملة للآدميين وللحيوانات وللوحوش وللطيور، قال الله- سبحانه وتعالى-: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} هذا دليل الهداية العامة، وقال -سبحانه- في جواب موسى لفرعون: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} كل المخلوقات هداها الله إلى ما يصلحها في معاشها؛ فالإبل والبقر والغنم هداها الله كيف تأكل وكيف تذهب إلى الماء وتشرب كيف تذهب إلى المراعي. الطفل من حين سقوطه من بطن أمه هداه الله إلى أن يلتقم ثدي أمه هذه هي الهداية العامة، الطيور هداها الله إلى أوكارها جلب غذائها لصغارها {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} هذه عامة للآدميين ولغيرهم وهذه ما أنكرها أحد.
                              النوع الثاني من الهداية: هداية البيان والدلالة والإرشاد والتعليم والدعوة والإبلاغ ، التعليم والدعوة إلى ما يصلح الإنسان في معاده، وهذه خاصة بالآدميين خاصة بالمكلفين من الجن والأنس، هداية تسمى هداية البيان والدلالة والإرشاد والتعليم والدعوة إلى ما يصلح الإنسان في معاده يوم القيامة إلى ما يكون سببا في نجاته من النار وإيداعه بما أوجب الله عليه، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه لا يعذب الله أحدا حتى تقوم عليه الحجة، وحتى يُهدى هذه الهداية وهي التي أرسل من أجلها الرسل وأنزل من أجلها الكتب قال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} يعني ما كان الله ليضلهم بعد أن هداهم وبين لهم طريق الخير فلما بين لهم طريق الخير وتركوه أضلهم عقوبة لهم، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} هذه هي هداية الدلالة والإرشاد.
                              وقال -سبحانه-: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} هديناهم يعني دللناهم طريق الخير وطريق الشر، {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فلما بين الله لهم طريق الخير وطريق الشر واستحبوا العمى على الهدى جاءتهم العقوبة {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)}
                              وهذه هي هداية ثابتة للرسل والأنبياء والمصلحين والدعاة كلهم يقدرون عليها قال الله -تعالى- للنبي صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} أي ترشد وتدل وتبلغ وتدعو، هذه هداية يقدر عليها الرسول - عليه الصلاة والسلام- ويقدر عليها الدعاة والمصلحون يهدون الناس هداية الدلالة والإرشاد والبيان والتبليغ والدعوة هذه خاصة بالمكلفين من الإنس والجن وليست للحيوانات ولا الطيور، هذه هداية يعني بيان وإرشاد الناس إلى الأمر الذي خلقوا له بيان ما أوجب الله عليهم من توحيده وطاعته وترك معصيته.
                              الله -تعالى- لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة حتى تقوم الحجة عليه وحتى يتبين له ما أوجب الله عليه، كما قال-تعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} وقال -سبحانه-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} إذا بعث الرسول وأرشد الناس ودلهم على ما أوجب الله عليهم من التوحيد والطاعة واجتناب المعصية قامت الحجة عليهم . وإذا قامت الحجة بعد ذلك استحقوا العذاب، إذا لم يعملوا، هذه هداية والبيان والدلالة والإرشاد، وهذه المرتبة ما أنكرها المعتزلة.
                              النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام والتسديد وجعل الإنسان يقبل الحق ويرضاه ويختاره وخلق هداية القلب هذه خاصة بالله ، لا يقدر عليها إلا الله ، لا يقدر عليها أحد من الخلق لا الأنبياء ولا غيرهم وهذه هي المنفية عن النبي صلى الله عليه وسلم نفاها الله بقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فهو لا يهدي يعني لا يخلق الهداية في القلب ولا يوفق ولا يلهم ولا يجعله يقبل الحق ويختاره ويرضاه إلا الله ، ولو كانت هداية الدلالة والإرشاد لكان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أحب ومن أبغض.وقال سبحانه: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)} فالله -تعالى- يهدي ويضل، فالهداية والإضلال، بيد الله عز وجل والعبد هو الضال والمهتدي ولا بد في وقوع هذه الهداية من أمرين:
                              الأمر الأول: الهداية من الله، يعني يهديه الله.
                              والثاني: الاهتداء من العبد فإذا هداه الله واهتدى حصلت له الهداية بالتوفيق وكذلك الإضلال من الله، والعبد هو الضال إذا أضله الله فضل صار ضالا.
                              فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل وقد اتفقت رسل الله وكتبه المنزلة على أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
                              وهذه المسألة مسألة الهداية والإضلال مسألة عظيمة؛ لأن أفضل ما يقدره الله على العبد وأجل ما يقسمه له هو الهداية وأعظم ما يبتلي الله به العبد وأعظم مصيبة تصيبه هو أن يقدر الله عليه الإضلال، وكل نعمة فهي دون نعمة الهداية، وكل مصيبة هي دون مصيبة الإضلال، فلذلك كانت الهداية والإضلال بيد الله عز وجل .
                              هذه المرتبة أنكرها المعتزلة والقدرية فأنكر عليهم أهل السنة وبدَّعُوهم وضللوهم، وهذا هو معنى قول المؤلف - رحمه الله-: "يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا ويضل من يشاء ويبتلي حكمة وعدلا ".
                              المعتزلة والقدرية قالوا: الهداية والإضلال بيد العبد وليس بيد الله الهداية والإضلال أنكروا هذه المرتبة . أنكر عليهم أهل السنة وقالوا: النصوص واضحة لأن الله - سبحانه وتعالى- بيده الهداية والإضلال قال: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} لو كانت الهداية بيد العبد لما قيدها بالمشيئة {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ولكن الله -سبحانه وتعالى- خص المؤمن بنعمة دينية دون الكافر ، كما قال -سبحانه-: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} وقال -سبحانه-: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} .
                              هذه النعمة اختص الله بها المؤمنين اختصهم بنعمة دينية جعلهم يقبلون الحق ويرضون به ويختارونه وألهمهم إياه وخلق الهداية في قلوبهم فصاروا مهتدين . وله الفضل والإحسان. والكافر أضله الله خذله وأضله الله وابتلاه - كل ذلك -عدلا منه وحكمة بالغة -سبحانه وتعالى-.
                              فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل . فالمؤمن اختصه الله بهذه النعمة الدينية دون الكافر والكافر خذله الله. والمعتزلة والقدرية أنكروا هذه المرتبة، وقالوا: الهداية والإضلال بيد العبد ، وتأولوا النصوص بقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} قالوا معناه: يهدي أي يسميه مهتديا ويبين لهم طريق الصواب فسروها بهداية الدلالة والإرشاد. ويضل من يشاء قالوا: يسميه ضالا أو يحكم عليه بالإضلال بعد أن يخلق الضلال من نفسه، وهذا من أبطل الباطل.
                              القدرية يضربون مثلا في هذا، والله -تعالى- قال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} لكنهم يضربون مثلا يقولون: إن الله -تعالى- لم يهد أحدا ولم يضل أحدا، ولكن العبد هو الذي اختار الهداية بنفسه وخلق الهداية لنفسه، والكافر اختار الإضلال وخلق الإضلال لنفسه، واختار الإضلال لنفسه، والله -تعالى- لم يخص المؤمن بنعمة دينية ولم يخذل الكافر، وهذا مبني على شبهتهم السابقة.
                              وهو أن لو هدى هؤلاء وأضل هؤلاء لكان هذا جورا، والله عادل لا يجور، وسبق الجواب على هذه الشبهة، وأن الله له الحكمة البالغة فيما يقدره، وأن الله عاقبهم لما لم يستجيبوا للحق بعد ظهوره ووضوحه عاقبهم كما سبق في الآية {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} فلما بين لهم ما يتقون واتضح لهم الأمر فلم يقبلوه أضلهم الله عقوبة لهم ، وقال -سبحانه-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وقال -سبحانه-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} .
                              فقالوا: مِثْلُ الله في ذلك مِثْلُ رجل له ابنان أعطى كل واحد منهما سيفا، وقال لهما جاهدا به في سبيل الله فالأول أطاع والده وجاهد به في سبيل الله والثاني عصى والده وجعل يستعرض رقاب المسلمين ويقتل المسلمين. هذا اختار طريق الحق، وهذا اختار طريق الضلال من نفسه ، هذا من نفسه وهذا من نفسه ، والله -تعالى- ما خص الأول بهداية ولا خص الثاني بالإضلال. وهذا من أبطل الباطل فمرتبة الهداية هداية التوفيق والتسليم هذه خاصة بالله عز وجل وهذه أنكرها المعتزلة والقدرية وهي خاصة بالله.
                              وأما الهداية الثانية -التي هي الدلالة والإرشاد- فهي حجة الله على خلقه، لا يعذب أحدا حتى يهديه هداية الدلالة والإرشاد كما سبق: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} {وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} .
                              والآيات والنصوص في بيانها كثيرة كقوله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَن اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)} .
                              والمرتبة الرابعة: الهداية إلى طريق الجنة والنار يوم القيامة، فالكفار يهديهم الله إلى النار، والمؤمنون يهديهم الله إلى الجنة، قال سبحانه وتعالى في الكفار: {* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} الآية من سورة الصافات.
                              وقال سبحانه في المؤمنين: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} فهذه هداية بعد قتلهم يهديهم إلى طريق الجنة، ويصلح بالهم في إلغاء خصومهم وقبول أعمالهم، فهذه مراتب الهداية.
                              المرتبة الأولى الهداية العامة والمرتبة الرابعة ليس فيهما إشكال، إنما البحث في المرتبة الثانية، مرتبة الهداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والتسديد، هذا محل النزاع والخلاف بينهم وبين أهل السنة.
                              أهل السنة يقسمون الهداية إلى قسمين: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق وإلهام.
                              والقدرية والمعتزلة ليس عندهم إلا هداية واحدة: هداية الدلالة والإرشاد. وهداية التوفيق يردونها إلى هداية البيان والإرشاد، وهذا من أبطل الباطل، وهذا مبني على أصلهم الفاسد وهو قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله قالوا: يجب على الله فعل الأصلح للعبد. وما دام يجب على الله فعل الأصلح للعبد قالوا: فلا يمكن أن يهدي الله أحدا ولا أن يضل أحدا.
                              وهذا أيضا مبني على أصلهم الآخر، وهو القول بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، فالعباد هم الذين خلقوا الهداية والضلال، هم الذين يخلقون الطاعات والمعاصي، ولو خص الله أحدا بالهداية وخذل أحدا لكان ظالما، والله عدل لا يجور.
                              وكما سبق أن الله له حكمة بالغة -كما سبق- في بيان حكمة الله في تقدير الكفر والمعاصي وغيرها، وأن الذي ينسب إلى الله إنما هو الخلق، وهو مبني على الحكمة، والذي ينسب إلى العبد هو المباشرة والكسب.
                              ولهذا فإن الهداية والإضلال بيد الله، فالله تعالى يهدي ويضل، والعبد يباشر فيكون هو المهتدي وهو الضال، العبد هو المهتدي وهو الضال، والله يهدي ويضل {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)} ولا بد فيها من أمرين: الهداية والإضلال، هذا من الله، والعبد من هواه، الاهتداء والضلال، المباشرة والكسب.
                              وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله
                              __________________________________________
                              نعم كل العباد يتقلبون بين مشيئته وفضله كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)} هو -سبحانه وتعالى- يهدي من يشاء فضلا منه وإحسانا، ويضل من يشاء مشيئة وحكمة وعدلا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} .
                              الله -سبحانه وتعالى- عليم بمن يستحق الهداية ، عليم بالمحل الذي يصلح لغرس الكرامة فيهديه، وعليم بالمحل الذي لا يصلح لغرس الكرامة فلا يهديه.
                              وهو -سبحانه وتعالى- يتصرف في عباده، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، والله تعالى وضع الأشياء في مواضعها، ولا يكون الإنسان ظالما، ولا يكون أحد ظالما، ولا يكون الشخص ظالما إلا إذا منع الشخص مما يستحقه.
                              والله تعالى ما منع الكافر شيئا يستحقه، فالهداية والإضلال ملكه وبيده -سبحانه وتعالى- فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يهدي من يشاء فضلا وإحسانا، ويضل من يشاء مشيئة وحكمة وعدلا.
                              والعباد والناس كلهم خلق الله وعبيده يتصرف فيهم، ولم يمنع أحدا شيئا له حتى يكون ظالما، فالظلم هو أن تمنع أحدا من حقه، أو تُحمّله أوزار غيره؛ ولهذا قال: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)} .
                              والظلم يختلف الناس في تفسيره، ولعله يأتي - إن شاء الله- في العقيدة بيان الظلم، حقيقة الظلم، وأقسامه، والأقوال فيه. نعم.
                              .

                              تعليق

                              • ابومريم المكي
                                5- عضو مجتهد

                                حارس من حراس العقيدة
                                عضو شرف المنتدى
                                • 27 فبر, 2010
                                • 796
                                • باحث
                                • مسلم

                                #45
                                وهو متعال عن الأضداد والأنداد
                                __________________________________________
                                نعم، الله تعالى متعال عن الأضداد والأنداد، "الأضداد" جمع ضِد وهو المخالف، و"الأنداد" جمع نِد وهو المِثل، فهو سبحانه لا مخالف له، (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) فلا يمكن أن يخالفه شيء، مشيئته نافذة، (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) ولا مثل له، كما قال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد (4)} فلا ضد له، ولا مخالف له، ولا مثل له -سبحانه وتعالى-.
                                لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره
                                __________________________________________
                                "لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره"، لا يرد قضاء الله راد، إذا قضى الله شيئا فلا يرده أحد، لا بد من وقوعه، ولا معقب لحكمه، يعني لا يؤخر أحد حكم الله، بل لا بد أن ينفذ، ولا غالب لأمر الله؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- هو الغالب، وهو الواحد القهار.
                                فلا يرد قضاء الله أحد ولا يؤخر حكمه، بل لا بد أن ينفذ قضاء الله، ولا بد أن ينفذ حكم الله في وقته، ولا يؤخره أحد، ولا يغلب أمر الله غالب؛ لأن الله إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، فلا يغلب أمر الله شيء؛ لأن الله هو الواحد القهار -سبحانه وتعالى-.
                                آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلا من عنده
                                __________________________________________
                                "آمنا" يعني صدقنا، صدقنا بذلك، واعتقدنا ذلك. "وأيقنا" من اليقين، وهو الاستقرار، يعني ثبت هذا في قلوبنا واستقر، فاليقين هو الاستقرار من يقن الماء إذا استقر في المكان.
                                والمعنى أن كل شيء يجري بقضاء الله وقدره وإرادته وتكوينه ومشيئته، مشيئة الله نافذة، وقدر الله جار ماض، وما أراده الله لا بد أن يكون، وما أراده الله فينا لا بد أن يوجد، آمنا بذلك وصدقنا، واستقر ذلك في قلوبنا؛ لأن هذا من الإيمان بقضاء الله وقدره، لا بد من ذلك كما سبق.
                                لا بد من الإيمان بعلم الله بالأشياء، وكتابتها في اللوح المحفوظ، وإرادته لكل من يوجد في هذا الكون، لا بد أن الله أراده، وخلقه، وأوجده.
                                وهذا مكتوب قبل أن تخلق الخلائق بخمسين ألف سنة، كما ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الله السموات الأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) .
                                .

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 20 ينا, 2023, 12:34 ص
                                ردود 0
                                41 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 مار, 2022, 03:43 ص
                                ردود 0
                                42 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 مار, 2022, 03:38 ص
                                ردود 0
                                63 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 1 فبر, 2022, 04:13 ص
                                ردود 0
                                68 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة صلاح عامر
                                بواسطة صلاح عامر
                                ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 22 يول, 2021, 02:08 م
                                ردود 0
                                59 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة صلاح عامر
                                بواسطة صلاح عامر
                                يعمل...