بسم الله الرحمن الرحيم
نهاية ما يقال عن الاسلام و القتال (أيات القتال)
لقد استعرضت في الجزء الاول " نهاية ما يقال عن الاسلام و القتال ج1 [غزوات الرسول] " وجه من وجوه رد الشبهات التي تتكلم عن علاقة الاسلام بالقتال و اليوم ساستعرض الوجه الثاني للرد على هذه الشبهات وهو (أيات القتال) و فعليًا هي ما يستعمل غالبًا كدليل يوثق الشبهة
من وجه "أيات القتال" هناك عدة طرق لنقد الشبهة من أساسها و هي :-
أولا : التدليس في إستعراض الايات
وهو الاكثر شيوعا فهم يستعرضون فقط "الايات الامرة بالقتال" ثم يقولون ان "الامر موجه (للمسلمين عامًة) بقتل (الكفار عامًة)" و لا يستعرضون الايات و الاحاديث التي تتحدث عن الامور الاتية (متى يشرع القتال \ كيف يكون القتال \ من المحكوم عليه بالقتال من المشركين ....... الخ) لذلك فإن الاانتقادي المسكين يحمل أمر القتال على عمومه و تصبح الصورة أن الاسلام قال بقتل كل المخالفين تعسفا و هذا الغلو في الخطأ
فمثلا : هم يستعرضون الاية 191 من سورة البقرة {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ}
لكنهم لا يتكلمون عن الاية التي سبقتها مباشرة
ما هي الاية التي سبقتها ؟؟؟؟؟
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} سورة البقرة: 190
أو مثلا الاية {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} سورة التوبة: 14
و الاية التي قبلها
{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} سورة التوبة: 13
ممممم حسناً يبدو انهم سيفسرون القرأن كـ "فويلٌ للمصلين" و لا ينظرون الى الاية التي بعدها
هذا مجرد مثال و لا يشترط ان تكون الاية الضابطة لحكم القتال قبل الاية الامرة به مباشرة بل قد تكون حديث او أية في مكان أخر و هذا ما سأوضحه في البند الثاني
ثانياً : عدم العلم بطريقة استخلاص الاحكام من أيات القتال
وهو ما يسبب أغلب الاخطاء في التصور فهم يحاولون فهم تفسير أحكام القرأن على انهم ليسوا بمسلمين و لا يعلمون الاحكام القرأنية _الفرق بين التفسير و التأويل و المعنى و تفسير الاية بأية أو أية بحديث أو طريقة تطبيق الرسول لها أو ما هو الناسخ و المنسوخ و المنطوق و المفهوم الاحكام المطلقة و المقيدة و الايات المحكمة و المتشابهة وووووو ........ هلم جرا_ و الذي يثير استغرابي (من النصارى خصوصا) هو انهم يرفضون أن يفسر مسلم الكتاب المقدس (لانه لا يعلم أحكامه) و يسمحون لأنفسهم بتفسير القرأن
طريقة استخلاص الاحكام التي اتبعها الانتقاديون خاطئة جدا فهم حملوا الايات الامرة بالقتال على عموم الحال و هذا خطأ
فهناك أيات تضبط الامر بالقتال فالامر بالقتال جاء لرد الاعتدائات فقط و لم ينزل في شيء أخر و قد أثبتنا في الجزء الاول انه لم تحدث أي غزوة الا وكانت ذات سبب منطقي و كانت رد لإعتداء و لم يحدث أي من الغزوات تعسفا او دون سبب منطقي
و في الاسلام ما يضبط القتال أشياء عدة منها
1- متى يشرع القتال ؟: و هذا نجيب عليه بأن ننظر الى السيرة النبوية (ما الذي شرع القتال للرسول ؟) و قد وجدنا في الجزء الاول انه كان ما يلي :
- تعرض المسلمين للظلم أو الاعتداء بأي شكل من الاشكال
- اذا تم تهديد المسلمين
- اعتراض طريق الدعوة الى الاسلام
- الاسباب السياسية و العسكرية ( كالعهود و المواثيق وغيرها )
- علينا ان نعلم أيضا ان المسلمين بعد هجرتهم من مكة قامت قريش بنهب أموالهم في مكة و هذا ما بدأ الغزوات لان المسلمين عندما علمو بالخبر طلبوا من الرسول _صلى الله عليه و سلم_ ان يغزو و يأخذو قوافل مكة التجارية كإسترداد لحقوقهم فنزلت أول أية قتال {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39) و بعدها تتابعت الاسباب
و تلخص هذه الاسباب الخمسة بكلمة واحدة هي (( الاعتداء )) فكل غزوات الرسول كانت ناتجة عن تعرضه لإعتداء فكوننا نحن المسلمين قد تم تحريم الابتداء بالعدوان منا في الاية {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} سورة البقرة: 190 فان علة تعدينا على أحد تكون بإعتدائه هو علينا كما في الاية
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (سورة البقرة 194)
و من الايات الامرة بالقتال التي تذكر علة القتال
{وَقَاتِلُوهُمْ ((حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ)) وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } البقرة 193
{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا (نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} سورة التوبة: 13
{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا (نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} سورة التوبة: 13
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا - النساء(75)
و غيرها و هذا يوضح لنا شيء وهو انه (لحدوث أمر القتال يجب أن يكون المسلمين قد تعرضوا لإعتداء و لا يجوز القتال يغير وجود اعتداء)
2- من الذين يتم قتالهم ؟ : و هذا السؤال تجيبه الاية التي استشهدنا بها سابقا {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} سورة البقرة: 190 فقد تم تخصيص (الذين يقاتلونكم) بالقتال و حكم هذه الاية مطلق و هي غير قابلة للنسخ لانها اوردت صفة الهية (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) و هذه الصفة هي علة وجود الحكم
و أيضا نستشهد بهذه{سورة النساء {90} إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} أي أنه يحرم قتال من ألقى السلم للمسلمين
و أيضا {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة الممتحنة: 8
و هناك و غيرها من الايات و هناك أحاديث أيضا مثل :-
أخرج أبو داود بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشًا قال: «(((انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسني))) ».
و في صحيح البخاري(( أَنَّ امْــرَأَةً وُجِـدَتْ فِي بَعْضِ مَغَـازِي النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ مَقْتُـولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ )) . كتاب الجهاد باب قتل النساء في الحرب و ورد هذا الحديث بروايات اخرى و في كتب اخرى كمسلم في باب تحريم قتل النساء و الصبيان و أبو داود و غيره
و غيرها الكثير أيضا
اذا لنجمع الصورة ( يعمل أمر القتال في الاسلام عند حدوث اعتداء [1] و يكون على المعتدي [2] و لا يكون قتال الا في وقت القتال على المقاتل فقط )
هذا يوضح الصورة و نقول أيضا (أي حكم شرعي يؤخذ بأمر القتال فقط دون الاخد بتشريعين السابقين فهو حكم مردود )
قد يتحدث البعض عن غزوة "بني قريظة" لكن كما قلت سابقا ...... سأفردها بالشرح لاحقا لشذوذها في الكثير من الاشياء
أنا الان قد قمت بإعطاء منهجية لإستخلاص الاحكام من أيات القتال و بهذا نستطيع ان نقيس هذا على جميع أيات القتال دون الحاجة للعودة لكل أية و تفسيرها واحدة واحدة لكن للعلم فقط فان أيات القتال لها أسباب نزول و بأسباب النزول نستطيع أن نعرف ما هي علة نزول الحكم بالقتال و بهذا نعلم متى يكون القتال فمثلا أيات سورة الانفال نزلت في معركة بدر الكبرى و أيات سورة التوبة نزلت بعد نقض كفار قريش العهد "صلح الحديبية" مع الرسول و أيات سورة الاحزاب نزلت في غزوة الاحزاب و بني قريظة و هكذا ....
ثالثا : استخلاص الحكم من كيفية تطبيق الرسول له
و هذا نصل اليه من الجزء الاول للمقالة حيث ذكرت من قبل ان الرسول صلى الله عليه و سلم لم يقم بحرب تعسفية
أرجو ان لا أكون قد قصرت في هذه المقالة فقد حاولت أن أوجز قدر الامكان و سيكون هناك جزء قادم ان شاء الله
سبحانك اللهم و بحمدك .... أشهد أن لا اله الا انت .... أستغفرك و أتوب اليك
تعليق