بطلان الأساس الذي يستند إليه الفكر الغربي في إباحة السفور والاختلاط
د. أحمد إبراهيم خضر
تعتبر مسألة المرأة من أعظم الفروق بين الإسلام والغرب، بل إنها أعظم حاجز بين الإسلام والمدنية الغربية، فالمسلم لا يقبل الحياة العارية المختلطة لنساء المسلمين ما بقي إسلامه صحيحًا، والرجل الغربي يرى أن حجاب المرأة أكبر مانع في اختياره الإسلام دينًا له، وربما لا يشك في كونه أحق الأديان بالقبول، لكنه يصعب عليه فراق ما تعوَّده من الحياة المختلطة بالنساء، التي يرى فيها اللذة والسرور والابتهاج!
ولم يكن الغرب يتصور أن جهوده وإن أثمرت في كل الاتجاهات لإفساد المسلمين ستأتي بثمارها سريعًا في سعيه نحو إفساد المرأة المسلمة؛ لتيقنه الكامل من مدى غيرة المسلمين على أعراضهم، حتى إن اغتصاب نصارى الصرب لهذا الكم الهائل من النساء المسلمات البوسنيات بغرض إذلال المسلمين كان من هذا القبيل! ويرى آخر مُفْتٍ لآخر دولة للخلافة الإسلامية -وهو الشيخ مصطفى صبري يرحمه الله- أن "غيرة المسلمين على أعراضهم زالت مع زوال غيرتهم على إسلامهم، وربما كان زوال الأولى جزاء من الله تعالى في الدنيا على زوال الثانية"!!.
يفند "الشيخ مصطفى صبري" الأسس التي ارتكن إليها الغربيون في إباحة السفور والاختلاط، في كتابه "قولي في المرأة" الذي أصدره في الأربعينيات من القرن الماضي فيقول:
أولاً: إن المسلمين مخطئون في اعتقادهم أن الغرب يعبد المرأة ويُجِلُّها ويحترمها، على عكس المرأة المسلمة التي يرونها مستعبَدة منكودة الحظ، والحقيقة كما يراها الشيخ هي أن الغرب ومقلديه من المسلمين لا يعبدون المرأة، وإنما يعبدون هوى أنفسهم، وليس إجلالهم للمرأة وتقديمها على الرجال Ladies First إلا نوعًا من الخداع للمرأة، وجعلها أداة للهو واللعب، وفى هذا ابتذال للمرأة وإهانة لها.
ثانيًا: إن الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة لا يؤثر فيها ولا يهزها وجود زوجات سيئات الحظ من اللواتي وقعن في أيدي أزواج ظالمين قساة المعاملة معهن، وأن حماية هؤلاء الزوجات من مثل هؤلاء الرجال أمر يقرُّه الشرع، ولا يعجز الشرع عن تأديب الظلمة مهما كانت صفاتهم.
ثالثًا: المفروض في المرأة المسلمة أنها خير عون للرجل، تساعده داخل بيته، وتشترك معه في تحمل أعباء الحياة كزوجة وأم، ومن ثَمَّ فإن إخراجها من مملكتها وحصنها المنيع - الذي هو بيتها - ومشاركتها الرجال في العمل، الذي يعده الغرب أحد انتصاراته المعدودة بمنحها الحقوق التي تخوِّلها مساواتها بالرجال - هو في الواقع تحميل للمرأة أعباء الحياة القاسية، التي لم يقم بها الرجال أصلاً حقَّ القيام، وتحمُّل المرأة لهذه الأعباء هو في واقع الأمر مزاحمة للرجل، وليس تعاونًا ومساعدةً له.
أما لماذا لم يحارب الرجال المرأة ردًّا على مزاحمتها إياهم؟؛ فذلك لسبب واحد: هو أنهم يستفيدون من أنوثة المرأة، وهذا فيه ابتذال ومهانة للمرأة أيضًا.
رابعًا: إن كان الادعاء بأن تفرغ المرأة لخدمة زوجها وأطفالها هو نوع من الاضطهاد والقهر، فإن خروجها إلى المجتمع ومزاحمتها للرجال في تحمُّل أعباء الحياة هو نوع من الاضطهاد والقهر أيضًا، بسبب ضعف المرأة الجسماني، وطمع الرجال فيها، لكن المنادين بالسفور والاختلاط يزعمون أن هذا الخروج من البيت هو نوع من السلامة لها من الاضطهاد، وتأكيدًا لمكانتها في المجتمع.
الواقع الحاصل: هو أن مخالطة المرأة الرجال الأجانب عنها هو في حقيقته مزاحمة هؤلاء الرجال الأجانب للمرأة في زوجها، فإذا أضفنا إلى ذلك الإقرار بضعف المرأة من الناحية الجسمانية، وطمع الرجال فيها، خاصة إذا كانت لها مقومات من الجمال والأنوثة والرقة - يتحتم ألا تكون المرأة عُرْضَة للرجال، وأن تكون زوجة لرجل واحد تحصر حياتها فيه، ويلزمها أن تتجنب كل ما يُخِلّ بهذا الانحصار من قريب أو بعيد.
خامسًا: الزعم بأن سفور المرأة هو من التحضُّر أمر غير صحيح، والصحيح هو أنه نوع من البداوة والتخلُّف، كحال النساء في المجتمعات الأفريقية البدائية، ولم يأت تستُّر المرأة باللباس إلا بوازع ديني أو خلقي يمنع حدوث الفوضى في المناسبات الاجتماعية، ويسد الذرائع، ويكون حاجزًا بين الذكور والإناث.
لم يكن الشيخ "مصطفى صبري" مرتاحًا للنزعة التحررية في مصر، ونظرة المصريين وعلى رأسهم "سعد زغلول" إلى السفور والاختلاط على أنه نوع من التحضر، واستاء أيضًا من قيام الزعيم المصرى بكشف الستار بيده عن النساء في حضور أزواجهن، واعتبار المصريين أن ذلك من مناقب الزعيم، واستاء كذلك من سكوت علماء الدين في مصر عن هذه الواقعة احترامًا لـ "سعد زغلول"، وانتقاد البعض الآخر لذلك من غير تصريح بأسمائهم. يقول الشيخ: "قد يقولون أن سفور المرأة من لوازم النهضة التي يحتاج إليها المسلمون، ومن أجل ذلك التزمه "سعد زغلول"، وأنا أقول أن العهد الذى بلغت فيه نهضة المسلمين أشدها هو عهد "عمر الفاروق" رضي الله عنه، ولم تبلغ أي أمة في أي طور من أطوارها مبلغ تلك النهضة، ولن ترى الدنيا مثل ما قام به المسلمون في ذلك العهد الذهبي من الأعمال الجليلة، ومع هذا فإن أول من قال بلزوم الحجاب للنساء كان هو "عمر ابن الخطاب"، ثم نزل القرآن على وفق قوله رضي الله عنه.
سادسًا: إن من حكمة اختصاص المرأة بالحجاب دون الرجل هي أن موقف الرجل إذا طمع في المرأة هو موقف الطالب، أما موقف المرأة فهو موقف المطلوب، فيكون الطلب من الرجل، ويكون الإيجاب والقبول أو الرفض والإباء هو موقف المرأة، ومن هنا يكون الحجاب الصحيح وسام إباء تتحلى به أمام الرجال، حتى لا تحتاج إلى الإباء والرفض باللسان أو اليد، ففي الحجاب الصحيح صون للمرأة عن أن تكون عرضة للرجال، فإذا تصدى لها الرجل وراودها بنظراته، وأرادت هي قبول مراودته أسفرت، وهذا ينم عن قبولها لطلبه. كما يعنى سفور المرأة لرجل معين من غير سبق طلب منه قبولاً متقدِّمًا منها على طلبه، أو إغراء للرجل بالطلب، أما السفور العام للمرأة فهو إشعار للقبول والإغراء للجميع.
سابعًا: هناك طبيعتان في الناس: طبيعة الغيرة، وطبيعة الشهوة. فالحجاب يتناسب مع طبيعة الغيرة التي جُبِل عليها الإنسان، ويوافق الطبيعة الثانية. والغيرة كغريزة تستمد قوتها من الروح، أما التحرر من القيود في المناسبات الجنسية غريزةً فيستمد قوته من الشهوة الجسمانية التي تغرى بالسفور، أما الأولى فتبعث على الحجاب. وبين هاتين الغريزتين حرب وتنافر، لكنهما يجريان داخل الإنسان، والواقع هو أن الغرب انحاز لطبيعة الشهوة، ورأت المدنية الغربية أن الغيرة عيب يجب أن يروِّض الإنسان نفسه على التخلُّص منه، ولهذا فهي لا تحرم الناس من التمتع الجاذب الحلو في تكشف النساء، واختلاط الجنسين في الأندية والمجالس والحفلات الساهرة، وضَحَّت بطبيعة الغيرة في سبيل ذلك التمتع. فالرجل في الغرب يخالط نساء الآخرين، ويقبل أيديهن، ويجالسهن كاشفات ونصف عاريات، ويخاصرهن، في مقابل التنازل عن غيرته على زوجته واخته وابنته، فيخالطهن غيره، ويجالسهن، ويخاصرهن، ويرى أن عدد ضحاياه (زوجته وبناته وأخواته) قليل بالنسبة إلى ما يربح، وربما لا تكون له ضحايا فيَخْلُص له الربح! ومن هنا يمكن القول أن الحفلات الراقصة سواء في الغرب أو في بلادنا ليست إلا تأييدًا علنيًّا للمعاشرة المختلطة، وتقريبًا لأحد الجنسين إلى الآخر، والتصاقهما ببعضهما، وفى هذا كله قضاء على الغيرة التي هي سمة أساسية من سمات المسلم الحقيقي، الذي يأبى أن يكون ديوثًا. "والله تعالى يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه"؛ صحيح مسلم.
ثامنًا: من الأمور المسلَّم بها عقلاً: أن تكشُّف المرأة أو ارتدائها الملابس الضيقة المبيِّنة لمفاتنها ليس بشيء عادي ينطوي على الصلاح، وينبني على نية حسنة. والدليل على ذلك: أن كشف المرأة لجسدها يزيد كثيرًا عن حدِّ كشف الرجل لجسده، فالنساء يكشفن عن أذرعهن حتى آباطهن، وكذلك صدورهن وظهورهن وسيقانهن، في حين أن الرجال لا يرون أي لزوم للكشف عن هذه الأعضاء. ولا يمكن لمجتمع يحافظ على عفَّة نسائه أن يسمح لهن بذلك، فالكشف عن هذه الأعضاء مع الاختلاط بالرجال هو أمر يقود حتمًا إلى الفسق والفساد، ويزداد الأمر سوءًا على شواطئ البحار، فالمرأة تمشى على البحر كمن يتخبَّطه الشيطان من المسِّ، تجمح في الغواية، ولا يكسر شكيمتها قانون، ولا يكبح جماحها شيء، تروح وتغدو بملابس البحر الضيقة، تستجدى النظرات الخائنة، في حرية خارجة عن الحياء، هادمة للآداب، وغَفَل - أو غَفَا - الآباء، والأزواج، والإخوة عما تفعله النساء، بل تسامحوا، ولا يفكِّر أحد منهم في إرهابها وتخويفها ومنعها.
تاسعًا: الادِّعاء بأن الحجاب – أو النقاب - يدعو إلى الفتنة، وأنه يتضمَّن مفاسد تزيد عن مفاسد التكشُّف - ادعاء فيه سفسطة وتضليل، وليس هناك من عاقل يرى أن منع أي فعل يؤدي إلى وقوع ذلك الفعل أكثر مما يمنعه. ولو كان ذلك صحيحًا لما كان هناك ضرورة للأمر والنهى، ولزم من ذلك إلغاء قوانين العقاب في كل بلاد العالم؛ لأن هذه القوانين – حسب هذا الادعاء- تحثُّ وتحرِّض على الإجرام، انتقامًا من واضعيها، وهذا أمر لا يقول به عاقل.
عاشرًا: من أوهن الأمور التي يستند إليها الغربيون ومقلِّديهم من المسلمين في إباحة تكشُّف المرأة وإباحة الاختلاط - ويعتقدون أنها من أقوى حججهم - قولهم: "إن الرجل في الغرب يرى النساء منذ طفولته كاسيات عاريات، ولا يثيره ذلك لأنه تعوَّد على رؤيتهن بهذه الصورة. وذلك على خلاف الأمر في بلاد المسلمين، الذين تثيرهم أجساد النساء العاريات لعدم تعوُّدهم على ذلك، ومتى تعوَّد المسلمون على ذلك – كما حدث في الغرب - فإن إغواء الشيطان وإغراء النفس سيزول تأثيرهما، ولا يصبح كشف النساء لأجسادهن سببًا في إثارة الرجال. ويعنون بذلك أن المتعوِّد لمجالسة النساء وملامستهن لا يكون كحديث العهد بهذه الأحوال، وأن لحالة التعود والتكرار حكمًا مختلفًا عن حكم المبتدئ فيه. ويطبَّق هذا الوضع كذلك على مسألة اختلاط الرجال بالنساء؛ فإن تعدُّد وكثرة اللقاءات بينهم، وتعوُّدهم على هذه اللقاءات سيزيل بالتدريج إغراء النفس وإغواء الشيطان! وينقل الشيخ القول عن المؤيدين لهذا الادعاء الآتي:
"إن الحياة المختلطة الحرة لا ينظر فيها أحد إلى المرأة نظرة سوء، والمحاذير المتصوَّرة هنا لا تكون إلا من الذين لم يتأدَّبوا بآداب المدنية، ولم يرتقوا وترقى إحساساتهم. نعم إن الرجل عند أول عهده دخولاً في تلك الحياة ورؤيته للنساء الجميلات المتكشِّفات حوله يندهش ويستحيى، ثم تثور نفسه الأمَّارة بالسوء، لكن الذي يتعوَّد على هذه الحياة ويكون ناضج الشعور والإحساس يذهب إلى شاطئ البحر، ويرى على الشاطئ أو في البحر النساء شبه عاريات، ولا يخطر بباله إغواء الشيطان أو إغراء النفس الأمارة بالسوء. وإذا كان يراقص امرأة في حفلة ساهرة، عينيه في عينيها، وجسمه ملتصق بجسمها، لن تتحرك فيه شعره؛ لأنه ربَّى نفسه الأمارة، ومن هنا تكون الحياة المدنية الحديثة أمينة على العفة".
يرد "الشيخ مصطفى صبري" على هذه الادعاءات؛ مبينًا بطلانها فيقول:
1) أن هذه دعوة صريحة لتكشُّف النساء، مع محاولة لتخفيف أثر ذلك على النفوس بالقول بتعوُّد الناس على ذلك مستقبلاً.
2) أن هذا الأمر يقوم على دعوى غير صحيحة، مؤدَّاها أن الرجال في الغرب لا تثيرهم رؤية أجساد النساء المكشوفة، والواقع في الغرب يقول أن النساء تتفنَّن في التأنُّق والتكشُّف والتعرِّي، فهل يعني هذا أنهن لا يرغبن في الرجال، وأن ما يقمن به من باب العبث؟ ومن هنا نطرح السؤال: ما السبب في حرص رواد المدنية الغربية على مداومة الحفلات التي يكون فيها الاختلاط والسهر، ومراقصة النساء وهن عرايا الظهر والأجساد، وهل احتضان الرجل للمرأة في هذه المراقص احتضان بين قطعتين من الخشب لا حركة فيهما ولا حياة. إن هذه الدعوى لعب بالعقول كما يرى الشيخ.
3) أن الهدف من التكشف والتعري سواء في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين هو ما يسمه الشيخ بـ "تغذية عيون الناظرين"، فإذا لم يكن هذا القصد واقع، فإن التغذي حاصل لا محالة؛ لأن الشرع يقول: "العينان تزنيان، واليدان تزنيان"، وطبع المسلم الغيور على عرضه هو أنه لا يقبل لأحد أن يستمتع من المرأة بأى صورة من صور الاستمتاع ما لم يكن له الحق في ذلك.
4) أن هذا الادعاء يفترض أن الناس هم مجموعة من الحمقى!! ذلك لأن رواد المدنية الحديثة الذين ابتدعوا ظواهر الحفلات المختلطة والسهر والمراقصة بين الرجال والنساء يحاولون إقناعنا بأن الغرض من ذلك هو إزالة تأثير أحد الجنسين على الآخر وإخماد الشهوة بينهما، ومن هنا يكون السؤال: ما هو الغرض إذن من هذه الحفلات؟ وما هي الفائدة المتحصِّلة من ذلك؟ علما بأن مصلحة الناس هي إيجاد اللذات لهم، وليس منعها وإعدامها، وما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها الرجل والمرأة إذا كان الغرض من الاختلاط والمراقصة هو إزالة حرارة الجاذبية بين الجنسين وإبدالها بالبرود والجمود؟!
5) إن التقاء الرجل بالمرأة - وخاصة ذات الجاذبية - ومجالستها ومراقصتها وحدوث التماس بين جسديهما، لا يسكن الميول الجنسية بينهما، بل يثيرها ويشددها، والتوسع في هذا الأمر لا يروى الطرفين، بل يزيدهما ظمأً على ظمأ، وهذا هو مفعول التعوُّد، ذلك لأنه لو كان في الدنيا شيء لا يُشبع منه ولا يُستغنى عنه بقدر ما يُنال منه؛ فإنه ملاقاة المرأة ومماسَّتها.
6) أنه لو افترضنا حدوث ارتواء وشبع من ملاقاة الجنسين بفضل تعوُّدهما على ذلك، قد يكون صحيحًا مع هذه المجموعة من الرجال والنساء الذين تكرَّرت لقاءاتهم، لكنه لن يكون صحيحًا مع من لم يلتقِ بهن الرجال بالنساء والعكس.
7) أورد الشيخ حالة لأحد كبار القوم من المسلمين، ممن يسمح لزوجته على الدخول على أصدقائه ومراقصتهم ومجالستهم والحديث معهم سافرة، لكنه كان ينهاها عن الدخول على الطاهي! ولما سأله: لماذا يسمح لها بمخالطة الأصدقاء ولا يسمح لها بمخالطة الطاهي؟ فأجاب بأن "الطاهي لا يُقاس بهم، فهم يعرفون كيف يحترمون المرأة ويقدِّرون جمالها، أما الطاهي فهو يعتبرها مخلوقًا يؤكل كالكمثرى". يعلق الشيخ على ذلك قائلاً: "إن هذا اتهام بسوء الظن، وأن هذه الحياة تنطوى لا محالة على مفاسد لا تتفق مع العفة، لكن تجاهل هذه المفاسد يقوم في تلك الحياة مقام العفة، ولو فرضنا فرض المحال أن هذه المقدمات من المخالطة والمراقصة بين الجنسين لا تجرَّهما إلى ما وراءها من المفاسد؛ فحسبها بمفردها مفسدة، ذلك لأن الشرع الإسلامى والطباع السليمة لا تسمح بأن يقضي الرجال الأجانب شهواتهم من أجساد زوجتك، وبناتك، وأخواتك، ولا بد أن تقضي أنت ذلك من أجسام زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم! إن شريعتنا الغيور تحكم بلمسة واحدة بين الرجل والمرأة الأجنبية من تلك اللمسات الخليعة المنطوية على الشهوة بالمصاهرة بينهما، فتحرِّم أصول أحدهما وفروعه على الآخر".
حادي عشر: يتفق الأستاذ "أحمد عطيات" في كتابه "الطريق" مع الشيخ "مصطفى صبري" في تفنيده لما استند إليه الفكر الغربي في إباحة السفور والاختلاط، لكنه أعاد صياغة القضية على النحو التالي:
أولاً: أن المفكرين الغربيين اختلفوا في فهمهم لعدد الغرائز، فمنهم من قال إنها لا تُعدُّ ولا تُحصى، ومنهم من قال إنها ستٌّ وخمسون. والواقع أن البحث في الإنسان وغرائزه يبين أن سلوكيات الإنسان الناتجة عن الغرائز تنحصر في ثلاثة أنواع من الغرائز، وهى: الغرائز الهادفة إلى بقاء الذات، وهي غريزة "البقاء"، أو الهادفة إلى بقاء النوع البشرى، وهي "النوع"، أو الهادفة إلى إشباع الإحساس الطبيعى بالنقص والعجز والاحتياج إلى القوة المسيطرة على الكون، وهي "التدين".
ثانيًا: أن المفكرين الغربيين اتفقوا في الفهم الخاطئ للغرائز من حيث المثير لها، فظنوا أن مثيرها داخلي كمثير الحاجات العضوية، وتعاملوا معها بالتالي كتعاملهم مع الحاجات العضوية. والواقع يبين أنهم مخطئون في فهمهم هذا، لأن المشاهد المحسوس هو أن الغريزة لا تثور إلا بمؤثر خارجي، فلا يثور الميل الجنسي عند الرجل ما لم ير صورة امرأة، أو يفكر فيها أو ما شابه ذلك، كما لا يثور حب التملك عند الإنسان ما لم ير شيئًا يثير عنده تلك الرغبة.
ثالثًا: أنه بناء على هذا الفهم الخاطئ وضع الغرب قواعد فاسدة لإشباع تلك الغرائز، أدت في نهاية الأمر إلى شقاء البشرية وتعاستها، وأدَّت إلى إفساد المجتمعات وتفكُّكها، بدلاً من تماسكها وترابطها.
رابعًا: أن نظام الاختلاط هو ثمرة الفهم الخاطئ لمثيرات الغرائز، فقد فهم الغربيون أن الغريزة كالحاجة العضوية، إذا أشبعت عند الإنسان أدَّت إلى اكتفائه وعدم طلبه المزيد. والواقع غير ذلك؛ فالإنسان لا يطلب طعامًا بعد أن يأكل، وتنتهي حاجته عند هذا الحد، بينما لا يشبع الإنسان من ناحية الغرائز مطلقًا، بل تتجدَّد حاجته إلى ذلك ما وجد المثير إلى ذلك، فكلما وجد الإنسان مثيرًا للتملُّك - كرؤية سيارة أو عمارة أو مال - كلما عاودته الرغبة في التملُّك، وكلما أثير عنده الميل الجنسي أو التدين أحسَّ بالرغبة في إشباع ذلك من جديد، حتى ولو كان أشبع ذلك قبل وقت قليل من الثوران الجديد.
خلاصة القول:
أن التعري والاختلاط كان وبالاً على المجتمعات بدلاً من أن يكونا من عناصر تهذيب الغريزة كما زعموا، وما انتشار الأمراض الجنسية كالإيدز والزهري والسيلان، وما الحاجة الملحة إلى مستشفيات للولادة والإجهاض وإلى ملاجئ للقطاء - إلا نتاجًا لذلك الفهم المغلوط.
http://www.alukah.net/Social/0/37394/
د. أحمد إبراهيم خضر
تعتبر مسألة المرأة من أعظم الفروق بين الإسلام والغرب، بل إنها أعظم حاجز بين الإسلام والمدنية الغربية، فالمسلم لا يقبل الحياة العارية المختلطة لنساء المسلمين ما بقي إسلامه صحيحًا، والرجل الغربي يرى أن حجاب المرأة أكبر مانع في اختياره الإسلام دينًا له، وربما لا يشك في كونه أحق الأديان بالقبول، لكنه يصعب عليه فراق ما تعوَّده من الحياة المختلطة بالنساء، التي يرى فيها اللذة والسرور والابتهاج!
ولم يكن الغرب يتصور أن جهوده وإن أثمرت في كل الاتجاهات لإفساد المسلمين ستأتي بثمارها سريعًا في سعيه نحو إفساد المرأة المسلمة؛ لتيقنه الكامل من مدى غيرة المسلمين على أعراضهم، حتى إن اغتصاب نصارى الصرب لهذا الكم الهائل من النساء المسلمات البوسنيات بغرض إذلال المسلمين كان من هذا القبيل! ويرى آخر مُفْتٍ لآخر دولة للخلافة الإسلامية -وهو الشيخ مصطفى صبري يرحمه الله- أن "غيرة المسلمين على أعراضهم زالت مع زوال غيرتهم على إسلامهم، وربما كان زوال الأولى جزاء من الله تعالى في الدنيا على زوال الثانية"!!.
يفند "الشيخ مصطفى صبري" الأسس التي ارتكن إليها الغربيون في إباحة السفور والاختلاط، في كتابه "قولي في المرأة" الذي أصدره في الأربعينيات من القرن الماضي فيقول:
أولاً: إن المسلمين مخطئون في اعتقادهم أن الغرب يعبد المرأة ويُجِلُّها ويحترمها، على عكس المرأة المسلمة التي يرونها مستعبَدة منكودة الحظ، والحقيقة كما يراها الشيخ هي أن الغرب ومقلديه من المسلمين لا يعبدون المرأة، وإنما يعبدون هوى أنفسهم، وليس إجلالهم للمرأة وتقديمها على الرجال Ladies First إلا نوعًا من الخداع للمرأة، وجعلها أداة للهو واللعب، وفى هذا ابتذال للمرأة وإهانة لها.
ثانيًا: إن الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة لا يؤثر فيها ولا يهزها وجود زوجات سيئات الحظ من اللواتي وقعن في أيدي أزواج ظالمين قساة المعاملة معهن، وأن حماية هؤلاء الزوجات من مثل هؤلاء الرجال أمر يقرُّه الشرع، ولا يعجز الشرع عن تأديب الظلمة مهما كانت صفاتهم.
ثالثًا: المفروض في المرأة المسلمة أنها خير عون للرجل، تساعده داخل بيته، وتشترك معه في تحمل أعباء الحياة كزوجة وأم، ومن ثَمَّ فإن إخراجها من مملكتها وحصنها المنيع - الذي هو بيتها - ومشاركتها الرجال في العمل، الذي يعده الغرب أحد انتصاراته المعدودة بمنحها الحقوق التي تخوِّلها مساواتها بالرجال - هو في الواقع تحميل للمرأة أعباء الحياة القاسية، التي لم يقم بها الرجال أصلاً حقَّ القيام، وتحمُّل المرأة لهذه الأعباء هو في واقع الأمر مزاحمة للرجل، وليس تعاونًا ومساعدةً له.
أما لماذا لم يحارب الرجال المرأة ردًّا على مزاحمتها إياهم؟؛ فذلك لسبب واحد: هو أنهم يستفيدون من أنوثة المرأة، وهذا فيه ابتذال ومهانة للمرأة أيضًا.
رابعًا: إن كان الادعاء بأن تفرغ المرأة لخدمة زوجها وأطفالها هو نوع من الاضطهاد والقهر، فإن خروجها إلى المجتمع ومزاحمتها للرجال في تحمُّل أعباء الحياة هو نوع من الاضطهاد والقهر أيضًا، بسبب ضعف المرأة الجسماني، وطمع الرجال فيها، لكن المنادين بالسفور والاختلاط يزعمون أن هذا الخروج من البيت هو نوع من السلامة لها من الاضطهاد، وتأكيدًا لمكانتها في المجتمع.
الواقع الحاصل: هو أن مخالطة المرأة الرجال الأجانب عنها هو في حقيقته مزاحمة هؤلاء الرجال الأجانب للمرأة في زوجها، فإذا أضفنا إلى ذلك الإقرار بضعف المرأة من الناحية الجسمانية، وطمع الرجال فيها، خاصة إذا كانت لها مقومات من الجمال والأنوثة والرقة - يتحتم ألا تكون المرأة عُرْضَة للرجال، وأن تكون زوجة لرجل واحد تحصر حياتها فيه، ويلزمها أن تتجنب كل ما يُخِلّ بهذا الانحصار من قريب أو بعيد.
خامسًا: الزعم بأن سفور المرأة هو من التحضُّر أمر غير صحيح، والصحيح هو أنه نوع من البداوة والتخلُّف، كحال النساء في المجتمعات الأفريقية البدائية، ولم يأت تستُّر المرأة باللباس إلا بوازع ديني أو خلقي يمنع حدوث الفوضى في المناسبات الاجتماعية، ويسد الذرائع، ويكون حاجزًا بين الذكور والإناث.
لم يكن الشيخ "مصطفى صبري" مرتاحًا للنزعة التحررية في مصر، ونظرة المصريين وعلى رأسهم "سعد زغلول" إلى السفور والاختلاط على أنه نوع من التحضر، واستاء أيضًا من قيام الزعيم المصرى بكشف الستار بيده عن النساء في حضور أزواجهن، واعتبار المصريين أن ذلك من مناقب الزعيم، واستاء كذلك من سكوت علماء الدين في مصر عن هذه الواقعة احترامًا لـ "سعد زغلول"، وانتقاد البعض الآخر لذلك من غير تصريح بأسمائهم. يقول الشيخ: "قد يقولون أن سفور المرأة من لوازم النهضة التي يحتاج إليها المسلمون، ومن أجل ذلك التزمه "سعد زغلول"، وأنا أقول أن العهد الذى بلغت فيه نهضة المسلمين أشدها هو عهد "عمر الفاروق" رضي الله عنه، ولم تبلغ أي أمة في أي طور من أطوارها مبلغ تلك النهضة، ولن ترى الدنيا مثل ما قام به المسلمون في ذلك العهد الذهبي من الأعمال الجليلة، ومع هذا فإن أول من قال بلزوم الحجاب للنساء كان هو "عمر ابن الخطاب"، ثم نزل القرآن على وفق قوله رضي الله عنه.
سادسًا: إن من حكمة اختصاص المرأة بالحجاب دون الرجل هي أن موقف الرجل إذا طمع في المرأة هو موقف الطالب، أما موقف المرأة فهو موقف المطلوب، فيكون الطلب من الرجل، ويكون الإيجاب والقبول أو الرفض والإباء هو موقف المرأة، ومن هنا يكون الحجاب الصحيح وسام إباء تتحلى به أمام الرجال، حتى لا تحتاج إلى الإباء والرفض باللسان أو اليد، ففي الحجاب الصحيح صون للمرأة عن أن تكون عرضة للرجال، فإذا تصدى لها الرجل وراودها بنظراته، وأرادت هي قبول مراودته أسفرت، وهذا ينم عن قبولها لطلبه. كما يعنى سفور المرأة لرجل معين من غير سبق طلب منه قبولاً متقدِّمًا منها على طلبه، أو إغراء للرجل بالطلب، أما السفور العام للمرأة فهو إشعار للقبول والإغراء للجميع.
سابعًا: هناك طبيعتان في الناس: طبيعة الغيرة، وطبيعة الشهوة. فالحجاب يتناسب مع طبيعة الغيرة التي جُبِل عليها الإنسان، ويوافق الطبيعة الثانية. والغيرة كغريزة تستمد قوتها من الروح، أما التحرر من القيود في المناسبات الجنسية غريزةً فيستمد قوته من الشهوة الجسمانية التي تغرى بالسفور، أما الأولى فتبعث على الحجاب. وبين هاتين الغريزتين حرب وتنافر، لكنهما يجريان داخل الإنسان، والواقع هو أن الغرب انحاز لطبيعة الشهوة، ورأت المدنية الغربية أن الغيرة عيب يجب أن يروِّض الإنسان نفسه على التخلُّص منه، ولهذا فهي لا تحرم الناس من التمتع الجاذب الحلو في تكشف النساء، واختلاط الجنسين في الأندية والمجالس والحفلات الساهرة، وضَحَّت بطبيعة الغيرة في سبيل ذلك التمتع. فالرجل في الغرب يخالط نساء الآخرين، ويقبل أيديهن، ويجالسهن كاشفات ونصف عاريات، ويخاصرهن، في مقابل التنازل عن غيرته على زوجته واخته وابنته، فيخالطهن غيره، ويجالسهن، ويخاصرهن، ويرى أن عدد ضحاياه (زوجته وبناته وأخواته) قليل بالنسبة إلى ما يربح، وربما لا تكون له ضحايا فيَخْلُص له الربح! ومن هنا يمكن القول أن الحفلات الراقصة سواء في الغرب أو في بلادنا ليست إلا تأييدًا علنيًّا للمعاشرة المختلطة، وتقريبًا لأحد الجنسين إلى الآخر، والتصاقهما ببعضهما، وفى هذا كله قضاء على الغيرة التي هي سمة أساسية من سمات المسلم الحقيقي، الذي يأبى أن يكون ديوثًا. "والله تعالى يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه"؛ صحيح مسلم.
ثامنًا: من الأمور المسلَّم بها عقلاً: أن تكشُّف المرأة أو ارتدائها الملابس الضيقة المبيِّنة لمفاتنها ليس بشيء عادي ينطوي على الصلاح، وينبني على نية حسنة. والدليل على ذلك: أن كشف المرأة لجسدها يزيد كثيرًا عن حدِّ كشف الرجل لجسده، فالنساء يكشفن عن أذرعهن حتى آباطهن، وكذلك صدورهن وظهورهن وسيقانهن، في حين أن الرجال لا يرون أي لزوم للكشف عن هذه الأعضاء. ولا يمكن لمجتمع يحافظ على عفَّة نسائه أن يسمح لهن بذلك، فالكشف عن هذه الأعضاء مع الاختلاط بالرجال هو أمر يقود حتمًا إلى الفسق والفساد، ويزداد الأمر سوءًا على شواطئ البحار، فالمرأة تمشى على البحر كمن يتخبَّطه الشيطان من المسِّ، تجمح في الغواية، ولا يكسر شكيمتها قانون، ولا يكبح جماحها شيء، تروح وتغدو بملابس البحر الضيقة، تستجدى النظرات الخائنة، في حرية خارجة عن الحياء، هادمة للآداب، وغَفَل - أو غَفَا - الآباء، والأزواج، والإخوة عما تفعله النساء، بل تسامحوا، ولا يفكِّر أحد منهم في إرهابها وتخويفها ومنعها.
تاسعًا: الادِّعاء بأن الحجاب – أو النقاب - يدعو إلى الفتنة، وأنه يتضمَّن مفاسد تزيد عن مفاسد التكشُّف - ادعاء فيه سفسطة وتضليل، وليس هناك من عاقل يرى أن منع أي فعل يؤدي إلى وقوع ذلك الفعل أكثر مما يمنعه. ولو كان ذلك صحيحًا لما كان هناك ضرورة للأمر والنهى، ولزم من ذلك إلغاء قوانين العقاب في كل بلاد العالم؛ لأن هذه القوانين – حسب هذا الادعاء- تحثُّ وتحرِّض على الإجرام، انتقامًا من واضعيها، وهذا أمر لا يقول به عاقل.
عاشرًا: من أوهن الأمور التي يستند إليها الغربيون ومقلِّديهم من المسلمين في إباحة تكشُّف المرأة وإباحة الاختلاط - ويعتقدون أنها من أقوى حججهم - قولهم: "إن الرجل في الغرب يرى النساء منذ طفولته كاسيات عاريات، ولا يثيره ذلك لأنه تعوَّد على رؤيتهن بهذه الصورة. وذلك على خلاف الأمر في بلاد المسلمين، الذين تثيرهم أجساد النساء العاريات لعدم تعوُّدهم على ذلك، ومتى تعوَّد المسلمون على ذلك – كما حدث في الغرب - فإن إغواء الشيطان وإغراء النفس سيزول تأثيرهما، ولا يصبح كشف النساء لأجسادهن سببًا في إثارة الرجال. ويعنون بذلك أن المتعوِّد لمجالسة النساء وملامستهن لا يكون كحديث العهد بهذه الأحوال، وأن لحالة التعود والتكرار حكمًا مختلفًا عن حكم المبتدئ فيه. ويطبَّق هذا الوضع كذلك على مسألة اختلاط الرجال بالنساء؛ فإن تعدُّد وكثرة اللقاءات بينهم، وتعوُّدهم على هذه اللقاءات سيزيل بالتدريج إغراء النفس وإغواء الشيطان! وينقل الشيخ القول عن المؤيدين لهذا الادعاء الآتي:
"إن الحياة المختلطة الحرة لا ينظر فيها أحد إلى المرأة نظرة سوء، والمحاذير المتصوَّرة هنا لا تكون إلا من الذين لم يتأدَّبوا بآداب المدنية، ولم يرتقوا وترقى إحساساتهم. نعم إن الرجل عند أول عهده دخولاً في تلك الحياة ورؤيته للنساء الجميلات المتكشِّفات حوله يندهش ويستحيى، ثم تثور نفسه الأمَّارة بالسوء، لكن الذي يتعوَّد على هذه الحياة ويكون ناضج الشعور والإحساس يذهب إلى شاطئ البحر، ويرى على الشاطئ أو في البحر النساء شبه عاريات، ولا يخطر بباله إغواء الشيطان أو إغراء النفس الأمارة بالسوء. وإذا كان يراقص امرأة في حفلة ساهرة، عينيه في عينيها، وجسمه ملتصق بجسمها، لن تتحرك فيه شعره؛ لأنه ربَّى نفسه الأمارة، ومن هنا تكون الحياة المدنية الحديثة أمينة على العفة".
يرد "الشيخ مصطفى صبري" على هذه الادعاءات؛ مبينًا بطلانها فيقول:
1) أن هذه دعوة صريحة لتكشُّف النساء، مع محاولة لتخفيف أثر ذلك على النفوس بالقول بتعوُّد الناس على ذلك مستقبلاً.
2) أن هذا الأمر يقوم على دعوى غير صحيحة، مؤدَّاها أن الرجال في الغرب لا تثيرهم رؤية أجساد النساء المكشوفة، والواقع في الغرب يقول أن النساء تتفنَّن في التأنُّق والتكشُّف والتعرِّي، فهل يعني هذا أنهن لا يرغبن في الرجال، وأن ما يقمن به من باب العبث؟ ومن هنا نطرح السؤال: ما السبب في حرص رواد المدنية الغربية على مداومة الحفلات التي يكون فيها الاختلاط والسهر، ومراقصة النساء وهن عرايا الظهر والأجساد، وهل احتضان الرجل للمرأة في هذه المراقص احتضان بين قطعتين من الخشب لا حركة فيهما ولا حياة. إن هذه الدعوى لعب بالعقول كما يرى الشيخ.
3) أن الهدف من التكشف والتعري سواء في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين هو ما يسمه الشيخ بـ "تغذية عيون الناظرين"، فإذا لم يكن هذا القصد واقع، فإن التغذي حاصل لا محالة؛ لأن الشرع يقول: "العينان تزنيان، واليدان تزنيان"، وطبع المسلم الغيور على عرضه هو أنه لا يقبل لأحد أن يستمتع من المرأة بأى صورة من صور الاستمتاع ما لم يكن له الحق في ذلك.
4) أن هذا الادعاء يفترض أن الناس هم مجموعة من الحمقى!! ذلك لأن رواد المدنية الحديثة الذين ابتدعوا ظواهر الحفلات المختلطة والسهر والمراقصة بين الرجال والنساء يحاولون إقناعنا بأن الغرض من ذلك هو إزالة تأثير أحد الجنسين على الآخر وإخماد الشهوة بينهما، ومن هنا يكون السؤال: ما هو الغرض إذن من هذه الحفلات؟ وما هي الفائدة المتحصِّلة من ذلك؟ علما بأن مصلحة الناس هي إيجاد اللذات لهم، وليس منعها وإعدامها، وما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها الرجل والمرأة إذا كان الغرض من الاختلاط والمراقصة هو إزالة حرارة الجاذبية بين الجنسين وإبدالها بالبرود والجمود؟!
5) إن التقاء الرجل بالمرأة - وخاصة ذات الجاذبية - ومجالستها ومراقصتها وحدوث التماس بين جسديهما، لا يسكن الميول الجنسية بينهما، بل يثيرها ويشددها، والتوسع في هذا الأمر لا يروى الطرفين، بل يزيدهما ظمأً على ظمأ، وهذا هو مفعول التعوُّد، ذلك لأنه لو كان في الدنيا شيء لا يُشبع منه ولا يُستغنى عنه بقدر ما يُنال منه؛ فإنه ملاقاة المرأة ومماسَّتها.
6) أنه لو افترضنا حدوث ارتواء وشبع من ملاقاة الجنسين بفضل تعوُّدهما على ذلك، قد يكون صحيحًا مع هذه المجموعة من الرجال والنساء الذين تكرَّرت لقاءاتهم، لكنه لن يكون صحيحًا مع من لم يلتقِ بهن الرجال بالنساء والعكس.
7) أورد الشيخ حالة لأحد كبار القوم من المسلمين، ممن يسمح لزوجته على الدخول على أصدقائه ومراقصتهم ومجالستهم والحديث معهم سافرة، لكنه كان ينهاها عن الدخول على الطاهي! ولما سأله: لماذا يسمح لها بمخالطة الأصدقاء ولا يسمح لها بمخالطة الطاهي؟ فأجاب بأن "الطاهي لا يُقاس بهم، فهم يعرفون كيف يحترمون المرأة ويقدِّرون جمالها، أما الطاهي فهو يعتبرها مخلوقًا يؤكل كالكمثرى". يعلق الشيخ على ذلك قائلاً: "إن هذا اتهام بسوء الظن، وأن هذه الحياة تنطوى لا محالة على مفاسد لا تتفق مع العفة، لكن تجاهل هذه المفاسد يقوم في تلك الحياة مقام العفة، ولو فرضنا فرض المحال أن هذه المقدمات من المخالطة والمراقصة بين الجنسين لا تجرَّهما إلى ما وراءها من المفاسد؛ فحسبها بمفردها مفسدة، ذلك لأن الشرع الإسلامى والطباع السليمة لا تسمح بأن يقضي الرجال الأجانب شهواتهم من أجساد زوجتك، وبناتك، وأخواتك، ولا بد أن تقضي أنت ذلك من أجسام زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم! إن شريعتنا الغيور تحكم بلمسة واحدة بين الرجل والمرأة الأجنبية من تلك اللمسات الخليعة المنطوية على الشهوة بالمصاهرة بينهما، فتحرِّم أصول أحدهما وفروعه على الآخر".
حادي عشر: يتفق الأستاذ "أحمد عطيات" في كتابه "الطريق" مع الشيخ "مصطفى صبري" في تفنيده لما استند إليه الفكر الغربي في إباحة السفور والاختلاط، لكنه أعاد صياغة القضية على النحو التالي:
أولاً: أن المفكرين الغربيين اختلفوا في فهمهم لعدد الغرائز، فمنهم من قال إنها لا تُعدُّ ولا تُحصى، ومنهم من قال إنها ستٌّ وخمسون. والواقع أن البحث في الإنسان وغرائزه يبين أن سلوكيات الإنسان الناتجة عن الغرائز تنحصر في ثلاثة أنواع من الغرائز، وهى: الغرائز الهادفة إلى بقاء الذات، وهي غريزة "البقاء"، أو الهادفة إلى بقاء النوع البشرى، وهي "النوع"، أو الهادفة إلى إشباع الإحساس الطبيعى بالنقص والعجز والاحتياج إلى القوة المسيطرة على الكون، وهي "التدين".
ثانيًا: أن المفكرين الغربيين اتفقوا في الفهم الخاطئ للغرائز من حيث المثير لها، فظنوا أن مثيرها داخلي كمثير الحاجات العضوية، وتعاملوا معها بالتالي كتعاملهم مع الحاجات العضوية. والواقع يبين أنهم مخطئون في فهمهم هذا، لأن المشاهد المحسوس هو أن الغريزة لا تثور إلا بمؤثر خارجي، فلا يثور الميل الجنسي عند الرجل ما لم ير صورة امرأة، أو يفكر فيها أو ما شابه ذلك، كما لا يثور حب التملك عند الإنسان ما لم ير شيئًا يثير عنده تلك الرغبة.
ثالثًا: أنه بناء على هذا الفهم الخاطئ وضع الغرب قواعد فاسدة لإشباع تلك الغرائز، أدت في نهاية الأمر إلى شقاء البشرية وتعاستها، وأدَّت إلى إفساد المجتمعات وتفكُّكها، بدلاً من تماسكها وترابطها.
رابعًا: أن نظام الاختلاط هو ثمرة الفهم الخاطئ لمثيرات الغرائز، فقد فهم الغربيون أن الغريزة كالحاجة العضوية، إذا أشبعت عند الإنسان أدَّت إلى اكتفائه وعدم طلبه المزيد. والواقع غير ذلك؛ فالإنسان لا يطلب طعامًا بعد أن يأكل، وتنتهي حاجته عند هذا الحد، بينما لا يشبع الإنسان من ناحية الغرائز مطلقًا، بل تتجدَّد حاجته إلى ذلك ما وجد المثير إلى ذلك، فكلما وجد الإنسان مثيرًا للتملُّك - كرؤية سيارة أو عمارة أو مال - كلما عاودته الرغبة في التملُّك، وكلما أثير عنده الميل الجنسي أو التدين أحسَّ بالرغبة في إشباع ذلك من جديد، حتى ولو كان أشبع ذلك قبل وقت قليل من الثوران الجديد.
خلاصة القول:
أن التعري والاختلاط كان وبالاً على المجتمعات بدلاً من أن يكونا من عناصر تهذيب الغريزة كما زعموا، وما انتشار الأمراض الجنسية كالإيدز والزهري والسيلان، وما الحاجة الملحة إلى مستشفيات للولادة والإجهاض وإلى ملاجئ للقطاء - إلا نتاجًا لذلك الفهم المغلوط.
http://www.alukah.net/Social/0/37394/