إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102)}آل عمران.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ًوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)}النساء. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)}الأحزاب
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
حياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني بحضراتكم في هذا البيت الطيب على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك والقادر عليه
أحبتي في الله
فلنعمل معا من أجل مصر
هذا هو عنوان لقاءي مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك والله تعالى أسأل أن يجعلنا جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
لاشك ولا ريب أن مصر تمر الآن بمرحلة دقيقة جداً من مراحل تاريخها المعاصر، هذه المرحلة توجب على الجميع من الصادقين والمخلصين؛ أن يعملوا معا في فريق واحد من أجل الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم من أجل هذا البلد الكريم؛وهذا الشعب الأبي الذكي العبقري الذي صبر طويلاً. وهو يعلق الآن آمال كبيرة على الله جل وعلا أولاً ثم على إخواننا من الإسلاميين الذين كتب الله عز وجل لهم الفوز والنجاح في البرلمان المقبل، الشعب كله متطلع إليهم ومراقب لهم. بل ولا أبالغ إن قلت: إنه ينتظر منهم الكثير والكثير.
ولذا فأنا أخاطب الجميع الآن أولاً من الإسلاميين من حزبي الحرية والعدالة والنور، بل وأخاطب جميع الأحزاب، وجميع الأطياف، ليعملوا معا في فريق واحد؛ فلا يستطيع أبداً فريق وحده أن يؤدي الأمانة كاملة وأن يبني مصر بمفرده.
فالمرحلة تقتضي أن يعمل الجميع بروح الفريق، وأن يتناسى الجميع مصالحه الشخصية، ومصالحهُ الخاصة، وأطروحات حزبه، ورؤية جماعته التي ينتسب إليه. ليعمل من أجل صالح هذا الوطن وصالح هذا البلد بروح جديدة مبنية على الإخلاص والصدق والتفاني.
وأرى أن الخطوة العملية الأولى على طريق العمل الجماعي، أو على طريق العمل بروح الفريق الواحد.
أرى أن الخطوة العملية الأولى هي أن يسمع بعضنا بعض، وأن يسمع كل واحد للآخر بلا كبر، ولا استعلاء ولا تطاول.
اسمع مني.. وأنا أسمع منك..
أياً كان حزبك، وأياً كان قدر الكراسي التي حصلت عليها في البرلمان؛ لا تنفرد فإنك لا تستطيع أن تنفرد وحدك. ولا يمكن لأي فصيل أن يبني مصر وحده، وإنما يجب على الجميع أن يسمع للآخرين.
اسمع للآخر..
أخاطب الإسلاميين أن يسمعوا لبعضهم البعض؛ فليختلفوا فيما بينهم، ولا حرج أبداً في الاختلاف؛ فليختلفوا فيما بينهم في الرؤى، والأطروحات، والنقاشات، والأخذ، والرد، لكن بعيداً عن ساحة مجلس الشعب. في الغرف المغلقة، في المكاتب الخاصة.
فلنجلس معاً ليطرح كل واحد منا رؤيته لصالح هذا الوطن، ولخدمة هذا الشعب الصابر الأبي، فإن خرج الجميع على اختلاف أطيافهم، وأحزابهم، وجماعاتهم، وانتماءاتهم، خرجوا إلى ساحة البرلمان أو مجلس الشعب؛ فلا يجوز البتة أن ترى الأمة خلافاً أو تطاولاً أو صراعاً أو تطرفاً في التعامل والرؤى والطرح؛ لا يجوز أبداً لإخواننا أن يخرجوا الخلاف، وهو أمر فطري، أنا لا أقول أبداً بإلغائه فهذا مخالف لسنن الله الكونية.
فالخلاف أمر قدري لن ينتهي إلى قيام الساعة.
وقع الخلاف بين الصحابة وهم أشرف بعد الرسل والأنبياء، ووقع الخلاف بين الأنبياء. لا أقول بين الصحابة فقط، بل وقع الخلاف بين الأنبياء. وكلكم يعلم الخلاف الواقع والحاصل بين نبيين كريمين بين نبي الله داوود ونبي الله سليمان {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا(79)}الأنبياء.
فالخلاف واقع بين أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع بين أنبياء الله ورسله. بل واسمع مني..
وقع الخلاف بين الملائكة.
نعم بين الملائكة، وقد أخبرنا عن هذا الخلاف نبينا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى في القصة التي تعرفونها جميعاً؛ وهي قصة الرجل الذي قتل مائة نفس. قال نبينا: [فاختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب].
فالخلاف أمر قدري..
لن يزول أبدا. والخلاف المذموم باتفاق علماءنا: هو الخلاف في أصل الملة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.
الخلاف المذموم كما قال الشاطبي، وابن القيم، وابن تيمية، وابن حزم، وغيرهم من سادتنا وأئمتنا: (الخلاف المذموم باتفاق هو الخلاف في أصل الملة).
أما الخلاف في مسائل الأحكام ومسائل الفروع يقول فيه شيخ الإسلام: (أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا لم يبقى بين المسلمين عصمة ولا إخوة).
فأنا لا أقول بإلغاء الخلاف فهذا مخالف لكل السنن.
لا حرج أن يختلف إخواننا أياً كانت أحزابهم، وانتماءاتهم.. لا حرج.
لكن الحرج؛ أن يظهر الخلاف على العلن.
لكن الحرج أن تفتن الأمة بهذا الخلاف الحاد.
لا ينبغي أن نعلنه، ولا يجوز أن نظهره، فلنختلف فيما بيننا أثناء النقاش والطرح، بتجرد خالص، وصدق كامل، من أجل مصلحة هذا البلد، ومن أجل رفع الظلم والعناء عن هذا الشعب الصابر الأبي.
ثم إذا برز الجميع لساحة البرلمان؛ لا يرى الشعب، ولا ترى الأمة، إلا الصورة المشرقة.
يبدأ هذا بالسماع للآخرين..
لا ينبغي أبدا أن أختزل الجميع في فكري أنا، ولا في عقلي، ولا في طرحي.
وإنما اطرح ما عندك؛ واسمع ما عندي. وأنا أطرح ما عندي؛ وأسمع ما عندك.
هذا المنهج علمنا إياه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.
لقد علمنا النبي منهج سماع الآخر..
وكلكم يعرف قصة عتبة بن ربيعة سيد من سادات مكة، ورجل من أشراف القوم، وعِلّيَة الناس. استأذن قومه من سادة الشرك يوما أن يذهب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليعرض عليه أمورالعله يقبل بعضها.
والحديث رواه ابن إسحاق والبيهقي في الاعتقاد وكذلك في الدلائل وأبو نعيم في الدلائل وغيرهم بسند حسنه الألباني.
فأذن له قومه وذهب عتبة بن ربيعة وهو رجل مشرك كافر أصلي.
أرجوا أن ينتبه إخواني وشبابنا..
رجل كافر أصلي ليس مسلم، ليس أخ لي.
بل هو كافر أصلي؛ مشرك من سادة المشركين في مكة.
ويذهب عتبة بن ربيعة إلى من علم الدنيا الأدب، إلى من علم الدنيا الخُلق، إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكانة في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم. فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به من مضى من أبائهم، وإني جئت أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها).
اسمع ماذا قال الصادق قال: [قل يا أبا الوليد اسمع]..
إنه الأدب.. إنه الخلق.. [قل يا أبا الوليد اسمع..
لم يقل قل يا عتبة، لم يقل لا أسمعك أنت مشرك أصلي.. أبداً.
وإنما نادى عليه بكنيته: [قل يا أبا الوليد اسمع].
اسمع الآخر..
ها هو رسول الله يسمع الآخر، وهو مشرك أصلي. بل وينادي عليه بكنيته، لم يسفهه، ولم يحتقره، ولم يغلق أذنيه عن كلامه والسماع له. وإنما قال:[قل يا أبا الوليد اسمع] فقال له عتبه أبو الوليد: (يا ابن أخي إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تصير أكثرنا مالا).
انت جاي ترشيني يا عتبة؟ بتعرض علي مالا؟ أنت رجل لا تعرف الأصول!!
هل قال النبي شيئا من هذه الكلمات التي ذكرتها؟.. أبداً.
لو عُرض هذا الأمر الآن على أي رجل إلا من رحم ربي لجعل من نفسه بطلا قومياً، وربما نادى على كل وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لتضخم الحدث.
(إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تصير أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد بهذا الأمر شرفا سودناك علينا أي جعلناك سيداً علينا حتى لا نقطع أمراً دونك) سنرجع لك في كل شيء(وإن كنت تريد بهذا الأمر ملكا ملكناك علينا وإن كان الذي يأتيك رئياً من الجن طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ).
والله ما سفهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما نهره ولا زجره ولا طرده ولا اتهمه؛ وإنما بكل أدب واحترام علمه إيانا والأمة كلها من رباه الله على عينه ليربي به الدنيا صلى الله عليه وسلم. قال لعتبة: [أقد فرغت يا أبا الوليد؟] هل أنهيت حديثك؟ لم يقاطعه؟ أبدا.. لم يعترض عليه؟ أبدا.
تركه حتى قضى كلامه وانتهى [أقد فرغت يا أبا الوليد؟. قال: نعم. فقال الحبيب: فاسمع مني. قال أبو الوليد: اسمع والله ما زاد النبي على قراءة آيات من القرآن الكريم من صدر سورة فصلت جلس النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ(5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ..(6)}فصلت. واسترسل النبي في التلاوة حتى وصل آية السجدة في سورة فصلت: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْل ُوَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38)}فصلت. وخر النبي ساجدا لله جل وعلا ثم رفع رأسه وعتبة بن ربيعة قد أخذ قلبه لهذه الآيات الجليلة التي تهز القلوب الجامدة فلما رفع النبي رأسه نظر إلى عتبة بن ربيعة وقال له:[ها أنت قد سمعت يا أبا الوليد فاصنع ما بدا لك] فقام عتبة بن ربيعة بوجه آخر وبعقل آخر إلى قومه.
والله يا إخواني لما وصل عتبة إلى بيت الله الحرام وسادة مكة في انتظاره حول الكعبة لما نظروا إلى وجه عتبة قالوا: (نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به إلى محمد).
الوجه تغير (نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ما وراءك يا أبا الوليد؟ ماذا صنعت مع محمد بن عبد الله؟ فقال أبو الوليد: يا قوم والله لقد سمعت من محمد أنفا كلاما ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة. يا قوم أطيعوني واجعلوها بي، والله ليكونن لقوله الذي سمعته منه نبأ عظيم، فاتركوا الرجل وما هو فيه، فإن تظهر عليه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم. فقالوا: سحرك والله محمد. فقال أبو الوليد: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم).
يتبع إن شاء الله،،،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102)}آل عمران.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ًوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)}النساء. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)}الأحزاب
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
حياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني بحضراتكم في هذا البيت الطيب على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك والقادر عليه
أحبتي في الله
فلنعمل معا من أجل مصر
هذا هو عنوان لقاءي مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك والله تعالى أسأل أن يجعلنا جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
لاشك ولا ريب أن مصر تمر الآن بمرحلة دقيقة جداً من مراحل تاريخها المعاصر، هذه المرحلة توجب على الجميع من الصادقين والمخلصين؛ أن يعملوا معا في فريق واحد من أجل الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم من أجل هذا البلد الكريم؛وهذا الشعب الأبي الذكي العبقري الذي صبر طويلاً. وهو يعلق الآن آمال كبيرة على الله جل وعلا أولاً ثم على إخواننا من الإسلاميين الذين كتب الله عز وجل لهم الفوز والنجاح في البرلمان المقبل، الشعب كله متطلع إليهم ومراقب لهم. بل ولا أبالغ إن قلت: إنه ينتظر منهم الكثير والكثير.
ولذا فأنا أخاطب الجميع الآن أولاً من الإسلاميين من حزبي الحرية والعدالة والنور، بل وأخاطب جميع الأحزاب، وجميع الأطياف، ليعملوا معا في فريق واحد؛ فلا يستطيع أبداً فريق وحده أن يؤدي الأمانة كاملة وأن يبني مصر بمفرده.
فالمرحلة تقتضي أن يعمل الجميع بروح الفريق، وأن يتناسى الجميع مصالحه الشخصية، ومصالحهُ الخاصة، وأطروحات حزبه، ورؤية جماعته التي ينتسب إليه. ليعمل من أجل صالح هذا الوطن وصالح هذا البلد بروح جديدة مبنية على الإخلاص والصدق والتفاني.
وأرى أن الخطوة العملية الأولى على طريق العمل الجماعي، أو على طريق العمل بروح الفريق الواحد.
أرى أن الخطوة العملية الأولى هي أن يسمع بعضنا بعض، وأن يسمع كل واحد للآخر بلا كبر، ولا استعلاء ولا تطاول.
اسمع مني.. وأنا أسمع منك..
أياً كان حزبك، وأياً كان قدر الكراسي التي حصلت عليها في البرلمان؛ لا تنفرد فإنك لا تستطيع أن تنفرد وحدك. ولا يمكن لأي فصيل أن يبني مصر وحده، وإنما يجب على الجميع أن يسمع للآخرين.
اسمع للآخر..
أخاطب الإسلاميين أن يسمعوا لبعضهم البعض؛ فليختلفوا فيما بينهم، ولا حرج أبداً في الاختلاف؛ فليختلفوا فيما بينهم في الرؤى، والأطروحات، والنقاشات، والأخذ، والرد، لكن بعيداً عن ساحة مجلس الشعب. في الغرف المغلقة، في المكاتب الخاصة.
فلنجلس معاً ليطرح كل واحد منا رؤيته لصالح هذا الوطن، ولخدمة هذا الشعب الصابر الأبي، فإن خرج الجميع على اختلاف أطيافهم، وأحزابهم، وجماعاتهم، وانتماءاتهم، خرجوا إلى ساحة البرلمان أو مجلس الشعب؛ فلا يجوز البتة أن ترى الأمة خلافاً أو تطاولاً أو صراعاً أو تطرفاً في التعامل والرؤى والطرح؛ لا يجوز أبداً لإخواننا أن يخرجوا الخلاف، وهو أمر فطري، أنا لا أقول أبداً بإلغائه فهذا مخالف لسنن الله الكونية.
فالخلاف أمر قدري لن ينتهي إلى قيام الساعة.
وقع الخلاف بين الصحابة وهم أشرف بعد الرسل والأنبياء، ووقع الخلاف بين الأنبياء. لا أقول بين الصحابة فقط، بل وقع الخلاف بين الأنبياء. وكلكم يعلم الخلاف الواقع والحاصل بين نبيين كريمين بين نبي الله داوود ونبي الله سليمان {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا(79)}الأنبياء.
فالخلاف واقع بين أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع بين أنبياء الله ورسله. بل واسمع مني..
وقع الخلاف بين الملائكة.
نعم بين الملائكة، وقد أخبرنا عن هذا الخلاف نبينا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى في القصة التي تعرفونها جميعاً؛ وهي قصة الرجل الذي قتل مائة نفس. قال نبينا: [فاختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب].
فالخلاف أمر قدري..
لن يزول أبدا. والخلاف المذموم باتفاق علماءنا: هو الخلاف في أصل الملة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.
الخلاف المذموم كما قال الشاطبي، وابن القيم، وابن تيمية، وابن حزم، وغيرهم من سادتنا وأئمتنا: (الخلاف المذموم باتفاق هو الخلاف في أصل الملة).
أما الخلاف في مسائل الأحكام ومسائل الفروع يقول فيه شيخ الإسلام: (أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا لم يبقى بين المسلمين عصمة ولا إخوة).
فأنا لا أقول بإلغاء الخلاف فهذا مخالف لكل السنن.
لا حرج أن يختلف إخواننا أياً كانت أحزابهم، وانتماءاتهم.. لا حرج.
لكن الحرج؛ أن يظهر الخلاف على العلن.
لكن الحرج أن تفتن الأمة بهذا الخلاف الحاد.
لا ينبغي أن نعلنه، ولا يجوز أن نظهره، فلنختلف فيما بيننا أثناء النقاش والطرح، بتجرد خالص، وصدق كامل، من أجل مصلحة هذا البلد، ومن أجل رفع الظلم والعناء عن هذا الشعب الصابر الأبي.
ثم إذا برز الجميع لساحة البرلمان؛ لا يرى الشعب، ولا ترى الأمة، إلا الصورة المشرقة.
يبدأ هذا بالسماع للآخرين..
لا ينبغي أبدا أن أختزل الجميع في فكري أنا، ولا في عقلي، ولا في طرحي.
وإنما اطرح ما عندك؛ واسمع ما عندي. وأنا أطرح ما عندي؛ وأسمع ما عندك.
هذا المنهج علمنا إياه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.
لقد علمنا النبي منهج سماع الآخر..
وكلكم يعرف قصة عتبة بن ربيعة سيد من سادات مكة، ورجل من أشراف القوم، وعِلّيَة الناس. استأذن قومه من سادة الشرك يوما أن يذهب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليعرض عليه أمورالعله يقبل بعضها.
والحديث رواه ابن إسحاق والبيهقي في الاعتقاد وكذلك في الدلائل وأبو نعيم في الدلائل وغيرهم بسند حسنه الألباني.
فأذن له قومه وذهب عتبة بن ربيعة وهو رجل مشرك كافر أصلي.
أرجوا أن ينتبه إخواني وشبابنا..
رجل كافر أصلي ليس مسلم، ليس أخ لي.
بل هو كافر أصلي؛ مشرك من سادة المشركين في مكة.
ويذهب عتبة بن ربيعة إلى من علم الدنيا الأدب، إلى من علم الدنيا الخُلق، إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكانة في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم. فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به من مضى من أبائهم، وإني جئت أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها).
اسمع ماذا قال الصادق قال: [قل يا أبا الوليد اسمع]..
إنه الأدب.. إنه الخلق.. [قل يا أبا الوليد اسمع..
لم يقل قل يا عتبة، لم يقل لا أسمعك أنت مشرك أصلي.. أبداً.
وإنما نادى عليه بكنيته: [قل يا أبا الوليد اسمع].
اسمع الآخر..
ها هو رسول الله يسمع الآخر، وهو مشرك أصلي. بل وينادي عليه بكنيته، لم يسفهه، ولم يحتقره، ولم يغلق أذنيه عن كلامه والسماع له. وإنما قال:[قل يا أبا الوليد اسمع] فقال له عتبه أبو الوليد: (يا ابن أخي إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تصير أكثرنا مالا).
انت جاي ترشيني يا عتبة؟ بتعرض علي مالا؟ أنت رجل لا تعرف الأصول!!
هل قال النبي شيئا من هذه الكلمات التي ذكرتها؟.. أبداً.
لو عُرض هذا الأمر الآن على أي رجل إلا من رحم ربي لجعل من نفسه بطلا قومياً، وربما نادى على كل وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لتضخم الحدث.
(إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تصير أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد بهذا الأمر شرفا سودناك علينا أي جعلناك سيداً علينا حتى لا نقطع أمراً دونك) سنرجع لك في كل شيء(وإن كنت تريد بهذا الأمر ملكا ملكناك علينا وإن كان الذي يأتيك رئياً من الجن طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ).
والله ما سفهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما نهره ولا زجره ولا طرده ولا اتهمه؛ وإنما بكل أدب واحترام علمه إيانا والأمة كلها من رباه الله على عينه ليربي به الدنيا صلى الله عليه وسلم. قال لعتبة: [أقد فرغت يا أبا الوليد؟] هل أنهيت حديثك؟ لم يقاطعه؟ أبدا.. لم يعترض عليه؟ أبدا.
تركه حتى قضى كلامه وانتهى [أقد فرغت يا أبا الوليد؟. قال: نعم. فقال الحبيب: فاسمع مني. قال أبو الوليد: اسمع والله ما زاد النبي على قراءة آيات من القرآن الكريم من صدر سورة فصلت جلس النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ(5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ..(6)}فصلت. واسترسل النبي في التلاوة حتى وصل آية السجدة في سورة فصلت: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْل ُوَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38)}فصلت. وخر النبي ساجدا لله جل وعلا ثم رفع رأسه وعتبة بن ربيعة قد أخذ قلبه لهذه الآيات الجليلة التي تهز القلوب الجامدة فلما رفع النبي رأسه نظر إلى عتبة بن ربيعة وقال له:[ها أنت قد سمعت يا أبا الوليد فاصنع ما بدا لك] فقام عتبة بن ربيعة بوجه آخر وبعقل آخر إلى قومه.
والله يا إخواني لما وصل عتبة إلى بيت الله الحرام وسادة مكة في انتظاره حول الكعبة لما نظروا إلى وجه عتبة قالوا: (نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به إلى محمد).
الوجه تغير (نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ما وراءك يا أبا الوليد؟ ماذا صنعت مع محمد بن عبد الله؟ فقال أبو الوليد: يا قوم والله لقد سمعت من محمد أنفا كلاما ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة. يا قوم أطيعوني واجعلوها بي، والله ليكونن لقوله الذي سمعته منه نبأ عظيم، فاتركوا الرجل وما هو فيه، فإن تظهر عليه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم. فقالوا: سحرك والله محمد. فقال أبو الوليد: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم).
يتبع إن شاء الله،،،
تعليق