إلا ابنتي

تقليص
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاملة اللواء
    مشرفة شرف المنتدى
    عضو مجموعة الأخوات

    • 24 ديس, 2010
    • 1969
    • طاعة الله
    • مسلمة

    #1

    إلا ابنتي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إلا ابنتي



    كان الحاج رمضان رجلا عقيما، بلغ نهاية عقده الخامس ولما يرزق بالأولاد بعد، ثم شاء الله أن تحمل امرأته، لتلد ولدا طال انتظاره، أقر به عينه، أسماه عمر، كان مهجة قلبه وفلذة كبده، كبر وترعرع أمام عينيه، حتى صار كل شيء في حياته..

    بلغ عمر الرابعة من عمره، وكان كثير اللعب والحركة، وكان أبوه دائما ما يوصد نوافذ البيت، شديد الحرص على ولده، إذ كان عمر يهوَى التسلق على الكرسي للنظر من النافذة على المارّة، ما يعرّضه للخطر، وكان أبوه دوما له بالمرصاد..

    وفي صباح يوم، استيقظ عمر مبكرا –وكان لا ينام إلا في حضن أبيه-، فقال أبوه له في رفق: (نم قليلا يا بني، فالشمس أشرقت لتوّها)..

    قالها الحاج رمضان وأخذته غفوة، ولكنّ عمر لم ينم، بل خرج من الغرفة، ليجد النافذة مفتوحة على مصراعيها..

    ثوانٍ معدودة، وإذا بالحاج رمضان يستيقظ على صراخ الناس في الشارع..

    نظر إلى جانبه فوجد الفراش خاليا من عمر!

    هرع مهرولا إلى الأسفل، ليجد ابنه غارقا في دمائه، يوشك أن يفارق الحياة، فأخذ ينادي وصرخ: (الإسعاف! الإسعاف!)

    حمله وهو في حالة انهيار تام، وعرض بعض ذوُو المروءة أن يأخذوه في سياراتهم، وما أن همّ بالركوب في إحداها، إذا بجاره الأستاذ منصور، مدرس التاريخ، يقف أمامه معترضا طريقه، قائلا: (أين كنت أيها الرجل وابنك يتسلق ليقفز من أعلى!)
    (آلآن تصرخ؟)
    (لقد مات ابنك وفارق الحياة، فلا تبك على اللبن المسكوب)

    بُهت منصور، وبُهت الجميع! وساد الصمت للحظة، صرخ بعدها الحاج في وجه منصور: (تنحّ الآن، ابني يموت، وأنت تعاتبني؟!)

    أجابه منصور: (لقد مات وشبع موتا، ولو كنت أبا واعيا لما حدث ما حدث، فلتتحمّل!)

    حتى هبّ أحدهم ودفع منصورا عن الطريق، وقفز الحاج رمضان وابنه في السيارة، لكنّ قدر الله نافذ، وعلم الناس بعدها أنها لم تكن إلا دقائق معدودة، لفظ بعدها عمر أنفاسه الأخيرة، وأسلم روحه إلى بارئها.

    وبلغ الخبر منصورا، فما أحدث في قلبه أثرا يذكر! بل لو تأمّلت في عينيه ساعتها لقرأت فيها كلماتٍ عجز لسانه عن البوح بها، فحواها: (هكذا أنتم، بعد فوات الأوان تتعلّمون، وليتكم لنصحنا كنتم تستمعون!)

    منصور أيها الكرام ليس بعديم المروءة ولا بخسيس الأصل، بل لعلك ستتعجّب إن علمت أنه كان مضرب المثل وحديث الشارع إذا ما ذكِرت الشهامة، يحمل الكَل ويكسب المعدوم ويعين على نوائب الدهر!

    ولذا، فقد عجز الناس جميعا وقت الحادثة عن تفهّم موقفه، ولم يصدّقوا أعينهم، يقولون: (هل حقا هذا منصور، الشهم الشجاع!؟)

    لكنّ الإشكال الذي كان منصور يعاني منه، هو أنه تربّى في بيته منذ صغره على تعظيم بعض المبادئ، إلى حدٍ جعلها تطغى على غيرها، حتى أصبح في كل محكٍ يراها ولا يكاد يرى سواها، فما أن تُخدش هذه المبادئ، إلا وتُلقى على الفور غشاوة على عينيه، وتتنزل اللعنات على من خَدَشها، ولا يستطيع منصور أن يتمالك نفسه، في حالة أقرب إلى الغياب عن الوعي، فيرى هذا المخطئ في أحلك ظرف وأفجع مصيبة، فلا يستطيع أن يساعده ولو بالكلمة، بل لا يملك إلا أن يلومه على تقصيره، الذي وضعه في هذا المأزق.

    لم يشغل باله مصير عمر، هل سيفارق الحياة أم سينقذه الأطباء!

    ما انشغل إلا بهذا "الجاهل" "المستهتر" "المفرّط"، الذي ترك ابنه ينظر من النافذة، ليسقط صريعا، وهو غارق في أحلامه متدثر بلحافه!

    ولو تأمّل منصور تلك الحقيقة، أن الله قد خلق الإنسان ضعيفا، وأن كل ابن آدم خطّاء، وأنه هو نفسه أحيانا ما يقع في شيء من ذلك، لكان له موقفٌ غير الموقف، ولكنّ النسيان طبيعة البشر، وليس الخبر كالمعاينة، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة!

    ثم حدث أن مُنيت البلاد كلها بحالة انفلات أمني لا نظير لها، وكان من عادة الأستاذ منصور من قبل أن يترك ابنته تلعب مع أصحابها أمام المنزل..

    ثم أشيع أن بلطجية قد انتشروا في البلاد، يتقصّدون الأطفال، يختطفونهم ثم يطالبون بالفدية، وغالبا ما يعجز أهل الضحية عن دفعها، فيكون القتل مصير الطفل، إمعانا في إرهاب الناس.

    وعلى الفور، دعا منصور ابنته رباب -ذات السبع سنوات- وبدأ يناقشها ويعرض عليها الأمر، حتى استجابت.

    ولا تعجب أن لم يأمرها أو يجبرها على المكث في البيت، فقد كان شديد الحرص عليها مُفرط في حبها، إذ لم يُرزق غيرُها، حتى أنه كان يتحاشى أن يأمرها بما قد تكره أو ينهاها عما تحب، وكانت تلك الطريقة كثيرا ما تثير حفيظة الأم بل وغيرتها، إذ كان معها غليظا بعض الشيء، ولكنها كانت دوما تقدّر منزلة رباب في قلب أبيها.

    ثم مرت أيام وأيام، وما ظهر بلطجي واحد، فطال العهد وأَمِن الناس، وأَمِن معهم منصور على أهله.

    وأراد صاحبنا ذات ليلة أن يأكل "السوداني"، الذي يعشقه عشقا، قد اعتاد تناوله قبل النوم، فأرسل ابنته إلى شرائه، مع أن الساعة كانت قد قاربت الواحدة بعد منتصف الليل، ولكن البائع بينه وبين باب المنزل قرابة المائة مترا، فلا ضير..

    ونزلت رباب، لتلاقي قدرها المحتوم، إذ اختطفها رجل وفرّ بها مسرعا، وما سُمِع في الشارع إلا صراخها، فنظر الأستاذ من شرفته، فوجد رجلا يحمل ابنته، متوجها بها إلى سيارة تنتظره في نهاية الشارع، وهي ترفس وتحاول الفرار، حتى سقطت على الأرض، فبدأ يضربها ويركلها في وجهها ويهينها، بل ويمزّق ثيابها، ثم بدأ في سحلها على الأرض..

    جُن جنون الأستاذ..

    هرع إلى الشارع على الفور بلباس النوم حافيا، ليجد الشارع خاليا، فقد فر البلطجي، وضاعت رباب!

    صرخ بأعلى صوته: (الغوث يا أهلي.. الغوث يا عشيرتي..)

    حتى كان أول من نزل إلى الشارع، أخوه الأكبر زاهر، الذي كان يحب رباب حبا جما، بالرغم من كثرة خلافه مع أبيها، ولكنه لما كان قد تربّى في نفس البيت الذى تربّى فيه أخوه منصور، فإن قلبه قد أُشرب نفس الاعتقاد، وتطبع بنفس الطبع وأصيب بنفس الداء، فأمسك زاهر بأخيه وعنّفه، ثم لطمه وأسقطه على الأرض، وقال:( (كيف تسمح لها بالنزول أيها المغفّل في هذه الساعة؟)

    (يا لخسارة جهد أبيك في مثلك يا مستهتر!)

    ومنصور ينظر إليه في ذهول، قد انعقد لسانه وتوقف عقله عن التفكير، ثم أفاق وصرخ:
    (يا زاهر، ابنتي تضيع! أهذا وقت العتاب؟!)
    (دعني وشأني، أَلحَق بابنتي، لا تُفجعني فيها)

    وزاهر يصفعه ويقول: (خطأ مَنْ هذا يا جاهل؟)
    (فلتتحمّل عاقبة تقصيرك إن كنت رجلا!)

    وهنا نَفَضَه منصور، وصرخ في وجهه والدموع على خديه، وقال: إلا ابنتي يا زاهر.. إلا ابنتي!)

    وابتلى الله منصورا في رباب، كما ابتلى الحاج رمضان في عمر، وشعر وقتها –ولأول مرة- بمرارة الفراق وهول الفاجعة، تلك التي كانت تعتصر قلب الحاج رمضان يوم سقط عمر.

    الثلاثاء 25 محرم 1433 هـ - 20 ديسمبر 2011 م

    خالد خطاب

    أظن أن الرسالة التي يريد أن يوصلها الكاتب في هذه الأثناء بالخصوص قد وصلت
    فإن وصلت فلنتعظ ولنحذر أن نكون كمنصور حتى لا نلقى المصير نفسه والعياذ بالله
    غفر الله لنا وعفا عنا
    روى الإمام أحمد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال : سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إذا كَنَز الناس الذهب والفضة فاكْنِزوا هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات على الأمر ، والعزيمة على الرُّشْد ، وأسألك شُكر نعمتك ، وأسألك حُسْن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، وأسألك لِساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تَعْلَم ، وأعوذ بك من شر ما تَعْلَم ، وأستغفرك لِما تَعْلَم إنك أنت علام الغيوب".
    وفي رواية له قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلّمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا ، أو قال : في دُبُر كل صلاة.



  • (عبد الرحمن)
    مشرف شرف المنتدى
    مشرف سابق
    عضوية شرفية

    • 17 يون, 2006
    • 3754
    • مسلم

    #2
    إنها فتن تدع الحليم حيرانا

    تعليق

    • حاملة اللواء
      مشرفة شرف المنتدى
      عضو مجموعة الأخوات

      • 24 ديس, 2010
      • 1969
      • طاعة الله
      • مسلمة

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة وائل غدير
      إنها فتن تدع الحليم حيرانا
      صدقتم أستاذنا الفاضل وائل غدير بارك الله فيكم
      ونسأل الله السلامة والعافية
      روى الإمام أحمد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال : سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إذا كَنَز الناس الذهب والفضة فاكْنِزوا هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات على الأمر ، والعزيمة على الرُّشْد ، وأسألك شُكر نعمتك ، وأسألك حُسْن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، وأسألك لِساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تَعْلَم ، وأعوذ بك من شر ما تَعْلَم ، وأستغفرك لِما تَعْلَم إنك أنت علام الغيوب".
      وفي رواية له قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلّمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا ، أو قال : في دُبُر كل صلاة.



      تعليق

      عن الكاتب

      تقليص

      حاملة اللواء مسلمة اكتشف المزيد حول حاملة اللواء

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة ثامررر, 31 أكت, 2010, 04:54 م
      ردود 0
      2,082 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة ثامررر
      بواسطة ثامررر
      ابتدأ بواسطة الشرقاوى, 19 أكت, 2011, 04:13 ص
      رد 1
      7,704 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة الشرقاوى
      بواسطة الشرقاوى
      ابتدأ بواسطة showman2, 8 أبر, 2011, 10:20 م
      ردود 11
      4,366 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة م /الدخاخني
      بواسطة م /الدخاخني
      ابتدأ بواسطة الشرقاوى, 10 أكت, 2010, 02:30 ص
      ردود 21
      5,380 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة أبو عبد الرحمن النوبى
      ابتدأ بواسطة showman2, 1 فبر, 2013, 04:12 ص
      رد 1
      1,123 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة كنز العلوم
      بواسطة كنز العلوم
      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 يول, 2020, 05:13 م
      ردود 0
      1,495 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله
      ابتدأ بواسطة showman2, 1 مار, 2012, 02:35 ص
      ردود 15
      5,701 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة showman2
      بواسطة showman2
      ابتدأ بواسطة بن الإسلام, 6 نوف, 2010, 12:47 م
      ردود 0
      1,240 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة بن الإسلام
      بواسطة بن الإسلام
      ابتدأ بواسطة showman2, 25 ماي, 2012, 10:00 م
      ردود 2
      1,797 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة showman2
      بواسطة showman2
      ابتدأ بواسطة showman2, 15 فبر, 2013, 04:39 ص
      ردود 3
      1,988 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة اسلام الخياط
      ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 18 فبر, 2021, 07:48 ص
      ردود 0
      1,373 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة Ehab_Ehab1
      بواسطة Ehab_Ehab1
      ابتدأ بواسطة showman2, 14 أبر, 2013, 05:46 ص
      رد 1
      955 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة كنز العلوم
      بواسطة كنز العلوم
      ابتدأ بواسطة warda sawdaa, 17 أكت, 2012, 11:40 م
      ردود 0
      882 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة warda sawdaa
      بواسطة warda sawdaa
      ابتدأ بواسطة ياسر جبر, 24 نوف, 2006, 11:38 م
      ردود 79
      34,688 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله
      ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 18 يول, 2007, 02:19 م
      ردود 12
      3,869 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة سيف الكلمة
      بواسطة سيف الكلمة

      مواضيع من نفس المنتدى الحالي

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ثابت: أين هؤلاء
      بواسطة في حب الله
      ابتدأ بواسطة في حب الله, 8 مار, 2008, 02:06 ص
      ردود 800
      107,237 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله
      ابتدأ بواسطة ابو تسنيم, 10 نوف, 2009, 03:00 م
      ردود 793
      89,130 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة منى رضوان
      بواسطة منى رضوان
      ابتدأ بواسطة أبو أسامة, 24 يون, 2006, 11:41 م
      ردود 610
      73,267 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة احمد احمد احمد عبدالحكيم متولى
      ابتدأ بواسطة (((ساره))), 28 يول, 2009, 12:34 ص
      ردود 479
      67,389 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة أمين القسنطيني
      ابتدأ بواسطة قلب ينبض بحب الله, 11 نوف, 2013, 11:49 م
      ردود 364
      29,614 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله
      يعمل...