بسم الله و الحمد لله و الصلاه و السلام علي رسول الله
محمد صلي الله علية و سلم
أخوتي في الله أحبتي في الله
السلام عليكم و رحمه الله وبركاتة
وجدت هذا البحث رائع فى موقع لجنة التعريف بالإسلام، فأردت أن انقله إليكم...
http://www.ipc-kw.com/vb/showthread.php?t=2742
هل انتشر الاسلام بالسيف والقوة ؟
انتشار الإسلام ( * )
بين الدعوة والقوة يعتقد بعض المستشرقين وبعض من لم تتح لهم الفرصة للتعمق في الدراسات الإسلامية ، أن القوة كانت عاملا مهما في انتشار الإسلام ، ويتخذون من الحروب التي حدثت في حياء الرسول وبعد وفاته دليلا على ذلك ، وردا لهذا الادعاء نأخذ في شرح هذا الموضوع ، ونبدأ بأن نسأل سؤالين هامين:
1 - هل انتشر الإسلام بالدعوة أو بالقوة ؟ وما الدليل على ذلك ؟
2 - وإذا كان قد انتشر بالدعوة فلماذا وقعت الحروب بين المسلمين وغيرهم ؟
للإجابة عن السؤال الأول نقول في قوة وإصرار إن الإسلام لم ينتشر بالسيف وإنما انتشر بالدعوة ، ونضع البراهين الواحد بعد الآخر في سلسة من آيات القرآن ، ثم في سلسلة من أحداث التاريخ بحيث لا يبقى للشك مجال :
فأما القرآن الكريم وهو دستور المسلمين الواجب الاتباع ، فقد وضح في عدة آيات أن الدعوة هي الطريق إلى الإسلام ، وأنه لا يجوز إجبار أحد على تغيير دينه ، قال تعالى : - لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) أنظر ما كتبناه عن هذا الموضوع في الجزء الأول من " موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية " . ( 1 ) سورة البقرة الآية 256 .
وقد أوردنا هذه الآيات الكريمة في الصفحات الماضية للتدليل على حرية العقيدة عند المسلمين . ( * )
- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
( 1 ) . - لكم دينكم ولي دين
( 2 ) . - فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب
( 3 ) . - فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر
( 4 ) . وأما سلسلة التاريخ فترينا بوضوح أن الإسلام سلك طريقه بالدعوة ، متبعا هذه الآيات البينات ، ومبتعدا كل البعد عن القسوة .
وإلى القارئ بيان ذلك :
1 - حينما كان الرسول في مكة ، وحينما بدأ دعوته وحيدا لا سلاح معه ولا مال ، دخلها مجموعة من عظماء الرجال من أمثال أبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ثم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب .
فهل يمكن أن نقول أن هؤلاء دخلوا بالقوة ؟ وأين القوة في ذلك الوقت ؟
2 - واضطهدت قريش المسلمين اضطهادا قاسيا ، وأنزلت بمحمد وأتباعه ألوانا من العذاب ، وفي وسط هذا العناء حينما كان محمد والمسلمون معه بمكة مغلوبين على أمرهم مستضعفين ، كان أهل المدينة يسعون للإسلام فيعتنقونه ويدعون له ذويهم وأهليهم ، فهل يمكن أن نقول أن الإسلام انتشر بالقوة بين سكان المدينة ؟
3 - جاء الصليبيون إلى الشرق إبان ضعف الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية لمحاولة القضاء على الإسلام ، وإذا بالاسلام يجذب جموعا منهم * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النحل الآية 125 . ( 2 ) سورة الكافرون الآية السادسة . ( 3 ) سورة الرعد الآية 42 . ( 4 ) سورة الغاشية الآيتان 21 - 22 . ( * ) فيدخلون ويحاربون في صفوف المسلمين .
ويقول أرنولد : لقد اجتذبت الدعوة المحمدية إلى أحضانها من الصليبيين عددا مذكورا حتى في العهد الأول أي في القرن الثاني عشر ، ولم يقتصر ذلك على عامة النصارى بل إن بعض أمرائهم وقادتهم انضموا أيضا إلى المسلمين في ساعات انتصارات المسيحيون .
ويروي توماس أرنولد عن بعض مؤرخي النصارى قوله : إن ستة من أمراء مملكة القدس استولى عليهم الشيطان ليلة معركة حطين ، فأسلموا وانضموا إلى صفوف الأعداء دون أن يقهروا من أحد على ذلك ، ويعلل توماس أرنولد لانتشار الإسلام بين الصليبيين بقوله : ويظهر أن أخلاق صلاح الدين وحياته التي انطوت على البطولة ، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا ، حتى أن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين ، وكذلك كانت الحال عندما طرح النصرانية ، مثلا ، فارس إنجليزي من فرسان المعبد ، يدعى روبرت أوف سانت أليانس سنة 1185 م واعتنق الإسلام ثم تزوج بإحدى حفيدات صلاح الدين ( 1 ) .
فهل يمكن أن نقول إن الإسلام انتشر بين الصليبيين بالقوة ؟ 4 - في القرن التاسع الهجري هجم المغول على العالم الإسلامي ، وكان هجومهم وحشيا قاسيا مدمرا ، سفكوا الدماء فسالت أنهارا ، وحطموا الحضارة الإسلامية ، وهدموا القصور والمساجد ، وأحرقوا الكتب ، وقتلوا العلماء ، وامتدت أيديهم إلى الخليفة فقتلوه وقتلوا معه أهله .
وأزالوا الخلافة العباسية سنة 656 ه ، وأصبحت للمغول اليد العليا ، وهوت أمامهم كل قوى المسلمين * ( هامش ) * ( 1 ) اقرأ ما كتبه توماس أرنولد عن " حالات التحول إلى الإسلام بين الصليبيين " في كتابه : الدعوة إلى الإسلام ص 7 . 1 وما بعدها . ( * )
في عاصمة الخلافة وما حولها ، ولكن سرعان ما جذب الإسلام إليه هؤلاء الفاتحين الغزاة ، وسرعان ما دخله المغول الذين هاجموه وعملوا على تقويضه .
فهل يمكن أن نقول إن الإسلام انتشر بين المغول بالقوة ؟
يقول سير توماس أرنولد في ذلك : لا يعرف الإسلام من بين ما نزل به من خطوب وويلات خطبا أعنف قسوة من غزوات المغول ، فلقد انسابت جيوش جنكيزخان ، واكتسحت في طريقها العواصم الإسلامية وقضت على ما كان بها من مدنية وحضارة . . .
على أن الإسلام لم يلبث أن نهض من رقدته وظهر من بين الأطلال ، واستطاع بواسطة دعاته أن يجذب أولئك الفاتحين البرابرة ويحملهم على اعتناقه ( 1 ) . 5 - وهل كانت غزوات الرسول ذات بال من الناحية الحربية ؟
إن التاريخ يحدثنا أن كثيرا من غزوات الرسول انتصر فيها أعداء المسلمين ، ولكن الإسلام كان ينتشر في حالتي انتصار المسلمين وانهزامهم ( 2 ) . 6 - يحدثنا التاريخ بصراحة ووضوح أن أهم فترة انتشر فيها الإسلام هي فترة السلم الذي تلا صلح الحديبية بين قريش والمسلمين ، وكانت فترة السلم سنتين ، ويقول المؤرخون إن من دخل الإسلام في خلال هاتين السنتين أكثر ممن دخلوه في المدة التي تقرب من عشرين عاما منذ بدء الإسلام حتى ذلك الصلح .
وهذا يدلنا على أن انتشار الإسلام تبع السلام ولم يتبع الحرب . 7 - وهناك فكرة مهمة يجدر بنا أن نوضحها تماما ، ويجدر بالقارئ أن يتفهمها ، تلك الفكرة هي أنه لا علاقة بين انتشار الإسلام وبين حروب المسلمين مع الفرس والروم وغيرهم فقد كانت الحروب تشتعل ، وكان المسلمون * ( هامش ) * ( 1 ) الدعوة إلى الإسلام ص 148 و 150 .
( 2 ) اقرأ المجتمع الإسلامي للمؤلف ص 128 - 133 . ( * ) ينتصرون ، ثم تتوقف الحروب وتتوارى السيوف ، وحينئذ يتقدم الدعاة والمعلمون فيشرحون نظم الإسلام ومبادئه وفلسفاته ، وكانت هذه الدعوة السمحة تجذب لها الناس وبخاصة عندما رأت الشعوب المغلوبة الفرق الكبير بين حكم قيصر وطغيانه ، وبين بساطة عمر بن الخطاب وسماحته وتواضعه ، وبالدعوة دخل الناس أفواجا في الدين الجديد ، فمنهم من أسرع في الدخول ومنهم من دخل بعد عام ، أو خمسة أعوام ، أو مائة . . . ويقول ) 1 ( Kirk إن غالبية أهل الشام ومصر السفلى في القرن التاسع الميلادي كانت لا تزال مسيحية على الرغم من أن الإسلام كان قد مضى عليه في هذه البقاع أكثر من قرنين . ومن هؤلاء المسيحيين من لم يدخل الإسلام حتى الآن ، وتستطيع أن ترى اليوم الآلاف أو الملايين من المسيحين في مصر والجمهورية العراقية وغيرهما من البلاد الإسلامية .
مرة أخرى لا علاقة بين انتشار الإسلام وبين الحروب . ومثل هذا ما ذكره J . Fage and Roland Oliver من أن الإسلام لم يتخذ طريقه وراء الصحراء بإفريقية إلا بعد انحلال دولته الكبرى في المغرب ، وكانت وسيلة الإسلام لهذه البقاع هي الثقافة والفكر والدعوة ، فانتشر الإسلام بين شعوب البربر وبين الزنوج ، وقامت خلف الصحراء دول إسلامية لعبت في التاريخ دورا كبيرا ( 2 ) . 8 - وانتشر الإسلام انتشار واسعا في الشرق الأقصى ( ماليزيا وإندونيسيا ) وانتشر كذلك في إفريقية كما أشرنا آنفا ، فأين القوة التي نشرته في هذه البلاد الفسيحة وجذبت له قلوب الملايين ؟ .
وكاتب هذه السطور عاش في إندونيسيا عدة سنين ، ورأى الإسلام بنفسه * ( هامش ) * ( 1 ) . 36 . A short history of the Middle Fast p ( 2 ) 77 . A Short History of Africa p وانظر الجرء السادس من موسوعة التاريخ الإسلامي " للمؤلف ( * ) وهو ينتشر بين الإندونيسيين بيسر وبساطة ، رآه وهو يهزم الديانات الأخرى والأفكار المتعددة ويتقدم إلى الطليعة لا تدفعه إلا مبادئه السمحة وتعاليمه المعقولة الهادئة لها البسيطة ، وقد رأيت في إندونيسيا صراعا بين الأديان والأفكار ، كل منها يريد أن يكون أسرع وصولا إلى قلوب الإندونيسيين ، ولكل منها وسائل وطرق تعمل على تحقيق هذه الغاية .
كانت المسيحية يساعدها أو قل يفرضها بطش المستعمر وماله وجاله ، والكونفوشية يساعدها ملايين الصينيين الذين يقيمون في إندونيسيا - وتدفعها الثروات الضخمة التي يملكها هؤلاء الصينيون ، والهندوكية والبوذية تساعدهما صلات الهند بإندونيسيا ، تلك الصلات الثقافية والحضارية التي تضرب في أعماق التاريخ ، ورأيت الإسلام تدفعه مبادئه ويرعاه الله ، يعلمه عرب هاجروا من البلاد العربية بثقافة محدودة وبدون مال ولا سلطان ، أو يعلمه إندونيسيون ينطبق عليهم وصف العرب في فقرهم وقلة سلطانهم ، فماذا كانت نتيجة هذا الصراع ؟
أما الكنفوشية فقد خرجت صفر اليدين ، ولم تجذب إليها فردا واحدا تقريبا من أبناء إندونيسيا . وقنعت الهندوكية والبوذية بنصيب ضئيل حصلت عليه غالبا قبل زحف الإسلام .
وجذبت مدارس المسيحيين ومستشفياتهم ووظائفهم عددا قليلا لا يتجاوز المليونين ، وأغلبهم سقطوا في المسيحية مخدوعين ، فالطفل يدخل مدرسة مسيحية ويتلقى تعاليم هذه الديانة ثم يخرج مسيحيا ولا يعرف غير المسيحية ، والمريض يشترك في الصلوات والأدعية التي تقام في المستشفيات وليس له إلا الاشتراك أو الطرد من المستشفى ، وهكذا دواليك .
أما الإسلام فقد اكتسح وتسرب في النور وبالدعوة السلمية إلى أكثر من تسعين في المائة من سكان إندونيسيا الذين يقربون من تسعين مليونا . أما انتشار الإسلام في إفريقية فندع الحديث عنه إلى شاهد عيان آخر ذلك هو الكاتب المسيحي الفرنسي هوبير ديشان حاكم المستعمرات الفرنسية بإفريقية حتى سنة 1950 وهو يقول ( 1 ) : إن انتشار دعوة الإسلام في أغلب الظروف لم تقم على القسر ، وإنما قامت على الاقناع الذي كان يقوم به دعاة متفرقون لا يملكون حولا ولا طولا إلا إيمانهم العميق بربهم ، وكثيرا ما انتشر الإسلام بالتسرب السلمي البطئ من قوم إلى قوم ، فكان إذا ما اعتنقته الارستقراطية وهي هدف الدعاة الأول تبعتها بقية القبيلة ، وقد يسر انتشار الإسلام أمر آخر هو أنه دين فطرة بطبيعته ، سهل التناول ، لا لبس ولا تعقيد في مبادئه ، سهل التكييف والتطبيق في مختلف الظروف ، ووسائل الانتساب إليه أيسر وأيسر ، إذ لا يطلب من الشخص لإعلان إسلامه سوى النطق بالشهادتين فيصبح بذلك في عداد المسلمين ، وقد حبب الإسلام إليهم مظاهره الخلابة كالثوب الفضفاض والمسبحة والكتابة العربية والوقار الديني وشعائر الصلاة ، مما يضفي على المسلم مكانة مرموقة وجاذبية ساحرة ، فالذي يدخل الإسلام ولو في الظاهر ، يشعر بأنه أصبح ذا شخصية محترمة ، وأنه ازداد من القوة والحيوية .
وتقول الباحثة الألمانية الدكتورة llse Lictens Eadter إن التخيير ببلاد الفرس والروم لم يكن بين الإسلام والسيف ، وإنما بين الإسلام والجزية ، وهي الخطة التي استحقت الثناء لاستنارتها حين اتبعت بعد ذلك في إنجلترا إبان حكم الملكة الياصابات ( 2 ) . ونجئ بعد ذلك إلى السؤال الثاني : لماذا حدثت الحروب بين المسلمين وغيرهم ؟ * ( هامش ) * ( 1 ) الديانات في إفريقية السوداء ص 128 - 129 . ( 2 ) . 57 . ) * ( lslam and the Modern Age . p
والإجابة عن هذا السؤال سهلة يسيرة أشرنا إلى بعضها فيما سبق وسنذكر فيما يلي موجزا شاملا لها . 1 - الدفاع عن النفس : يقرر التاريخ أن المسلمين قبل الهجرة لم يؤذن لهم بقتال ، وقد ضرب عمار وبلال وياسر وضرب محمد وأبو بكر ، ومات ياسر تحت العذاب ، ولم يرفع هؤلاء أيديهم لرد الاعتداء الذي وقع عليهم . ولكن المشركين أسرفوا في عدوانهم ، ووصلوا إلى حد اتخاذ قرار بقتل محمد .
ووضعوا خطتهم على أن ينفذوا قرارهم قبل أن يهاجر إلى المدينة حتى تتخلص الجزيرة العربية من الإسلام والمسلمين . فكان من الضروري أن يدافع المسلمون عن أنفسهم ، وقد أذن الله لهم بالدفاع بقوله : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله " ( 1 ) . ويتضح من الآية للذي يمعن النظر أن الإسلام لا يحب القتال ، فالفعل ( أذن ) مبني للمجهول ، وفاعله عندما كان مبنيا للمعلوم هو الله سبحانه وتعالى ، وقد بني الفعل للمجهول لأن الله لم يرد - فيما أفهم - أن يذكر اسمه الكريم متصلا بالإذن بالقتال .
ثم إن نائب الفاعل محذوف تقديره : ( القتال ) أي أذن لهم القتال ، ولم يذكر نائب الفاعل أيضا لأنه كلمة ( القتال ) ، وبدل نائب الفاعل ذكر سبب الإذن وهو ( بأنهم ظلموا ) وقد دعا هذا بعض المسلمين أن يقولوا عندما نزلت هذه الآية : إنها لا تكفي لنقاتل المشركين ، لأن روحها تميل إلى السلم ولو أن ألفاظها تأذن بالقتال . ولم يبدأ القتال الحقيقي بين المسلمين وغيرهم إلا بعد أن نزلت آية أخرى :
هي " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( 2 ) " ومع أن الإذن هنا صريح إلا أنه مشروط بحالة الدفاع ، وعدم الاعتداء ، فالاعتداء يسبب سخط الله . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الحج الآيتان 36 - 40 . ( 2 ) سورة البقرة الآية 190 . ( * ) وهكذا كان السبب الرئيسي للقتال هو الدفاع عن النفس والعرض والمال .
وهنا يبدو موضوع مهم يتصل بالحبشة تلك البلاد التي ليست بعيدة عن الجزيرة العربية والتي للمسلمين بها عهد منذ مطلع الإسلام ، حتى أنهم هاجروا إليها قبل هجرتهم للمدينة . والسؤال المهم هو أن المسلمين لم يهاجموا الحبشة ، لأن الحبشة لم تمسهم بسوء ، ولو كان المقصود نشر الإسلام بالقوة لهاجموها ، فهي أقل قوة من الفرس والروم .
قد يقال إن البحر يحميها منهم ، والجواب سهل ، فقد ملك المسلمين بحرية قوية هاجموا بها القسطنطينية وسيطروا بواسطتها على أهم جزر البحر الأبيض المتوسط ، ولكنهم لم يتجهوا للحبشة ، فما كانت أعمال المسلمين الحربية إلا دفاعا وردا لاعتداء . 2 - تأمين الدعوة وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها ، فقد كانت الدعوة الإسلامية مهددة ، وكانت قريش تسلك كل السبل للقضاء عليها ، ثم كان هناك كثير من العرب يميلون للإسلام ويريدون الدخول فيه ، ولكنهم كانوا يخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن سبقوهم إلى الإسلام من عذاب وإيذاء ، فأذن الله لرسوله وللمؤمنين أن يقاتلوا من قاتلهم ، وأن يردوا بقوة السيف الاعتداء الذي قد ينزل بأحد منهم ، قال تعالى : وما لكم لا تقاتلون في في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء ( 1 ) . 3 - المحافظة على الأمة الإسلامية من أن تدكها جيوش الفرس والروم ، فقبل الإسلام لم تكن هناك أمة عربية ، وإنما كانت هناك قبائل عربية متحاربة متنافرة ، ولذلك لم يكن الفرس والروم يقيمون حسابا للعرب ، إذ كان العرب داخل جزيرتهم يصطرعون صراعا يكاد يكون متصلا ، ولهذا غض الفرس والروم بصرهم عن الجزيرة العربية لأنها لم تكون وحدة يمكن أن تصبح خطرا على الدولتين المجاورتين في الشمال . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء الآية : 75 . ( * )
فلما جاء الإسلام آمن به بعض العرب وكفر به آخرون ، وقام نزاع عنيف في الجزيرة العربية بين المسلمين وغير المسلمين ( قريش واليهود ) ، وفي هذه المرحلة لم يهتم الفرس والروم أيضا بهذا الدين الجديد ، وقالوا إنها حركة قام بها عربي وسيقتلها العرب واليهود ، وظنوا إنها نوع من الصراع الداخلي لا يلبث أن يموت .
ولكن سرعان ما بدأ الإسلام ينتصر على أعدائه وينتشر بين العرب ، وسرعان ما تكونت في الجزيرة العربية دولة قوية متحدة ، وبالإضافة إلى قوتها واتحادها كانت لها مبادئ الدين الجديد ، الذي اجتمع العرب حوله ، والذي استلزم الدعوة له ، وقد فوجئ كسرى وقيصر بحقيقة خطيرة هي أن الرسول أرسل لهما يدعوهما للإسلام في العام السابع للهجرة ، ويدعو قومهما كذلك ، واعتقد السيدان أن محمدا لم يقنع بتأسيس دولة عربية ، وإنما أخذ يطمع في مد سلطانه إلى أرضهما . كل هذا أدخل الذعر والخوف في نفوس الفرس والروم ، فقد أصبحت الجزيرة العربية منافسا خطيرا ، قويا متحدا ، وأصبحت دولة لها دين ولها مبادئ ، تعمل على نشر هذا الدين وإذاعة أفكاره واكتساب الأنصار إليه ، ومن أجل هذا دخل الفرس والروم المعركة ، وقررتا ضرورة القضاء على الدولة الإسلامية الجديدة والقضاء على الوحدة التي تكونت عند العرب ، وقد بدأ ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد وقعت في عهده غزوة مؤتة بين الروم والمسلمين وقتل فيها مجموعة من خيرة القواد المسلمين ، كما خرج الرسول لمواجهة الروم في غزوة تبوك عندما بلغه أنهم تجمعوا لمهاجمة المسلمين . وكان المسلمون يتوقعون هجوم الروم عليهم كل لحظة ، ومما يدل على ذلك أن صحابيا في أثناء حياة الرسول دق باب عمر بن الخطاب في ليلة وعمر نائم .
فهب عمر من نومه مذعورا وهو يقول : ما هو ؟ أجاءت غسان ؟ وكما تحرش الروم بالمسلمين تحرش بهم الفرس أيضا ، فالتاريخ يروي لنا أن القبائل الموالية للفرس كانت توالي الإغارة على أرض المسلمين ، ولم تكن حرب المسلمين مع الفرس إلا امتدادا للدفاع الذي قام به المسلمون ليحموا أنفسهم وذويهم من هؤلاء المغيرين . والحرب - مع ذلك - لم تكن مع الشعوب ، وإنما كانت مع قيصر وكسرى وجيوشهما الباغية ، هؤلاء الجبابرة الطغاة الذين كانوا يسلبون الشعوب المغلوبة حرياتها وثرواتها ، وقد تعاونت هذه الشعوب مع المسلمين وقت الزحف وهذا مما سهل انتصار المسلمين ، وقد دخلت أكثر هذه الشعوب الإسلام ولكن بالدعوة التي ابتدأت بعد انتهاء الحروب ، ويقرر المؤرخون أن غالبية هذه الشعوب دخلت الإسلام لا وقت الفتح أو عقبه ، بل بعد الفتح بأكثر من قرنين ، وهذا يقطع بأن انتشار الإسلام لم يرتبط بالحروب وبخاصة إذا لاحظنا ارتباط انتشار الإسلام بفترات الضعف التي عرفها التاريخ الإسلامي كما أشرنا لذلك آنفا.
ومبادئ الإسلام واضحة في أن أي قتال إنما هو لرد عدوان كما سبق القول ، وينص القرآن على أن على المسلمين أن يلجئوا للسلم إذا أوقف أعداء الإسلام عدوانهم ، قال تعالى : " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ( 1 ) " وقال : " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( 2 ) " . وقد سار الرسول على هدى هاتين الآيتين الكريمتين ، فنراه يخرج لملاقاة الروم عندما بلغه أن جموعهم تجمعت على أطراف الجزيرة وأنها تريد الهجوم ، * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الأنفال الآية 61 . ( 2 ) سورة النساء الآية 90 . ( * ) فلما وصل إلى تبوك ووجد أن جيوش الروم تراجعت لم يفكر في مهاجمة الروم ، وإنما عاد أدراجه إلى المدينة . علاقة الحالة الاقتصادية بالحروب : بقي موضوع نحب أن نحققه بإنصاف وعمق ، وهو مكانة الناحية الاقتصادية في الفتوح ، وقد اهتم بهذه الناحية كثير من الباحثين ، وعدها بعضهم العامل الرئيسي في التوسع الذي قام به العرب ، يقول : ) 1 ( Thomas Arnold إن العرب شعب نشيط فعال ، دفعته يد الجوع والحاجة إلى ترك صحاريه القاحلة ، واجتياح الأراضي الغنية المجاورة المترفهة .
ويقول دوايت دونلدش : ونشك في الحقيقة فيما إذا كان الحماس الديني وحده كافيا لحملهم على القيام بهذه الغزوات الواسعة على البلاد المجاورة ، ويبدو أنهم واصلوا اندفاعهم بسبب الحاجة الاقتصادية الشديدة ( 2 ) . ويقول : Stanley - lane - Poole إننا لا نستطيع أن ننكر أن ثروة الأكاسرة والقياصرة ، والأراضي الخصبة ، والمدن العامرة ، في الممالك المجاورة كانت عاملا كبيرا في تحمس المسلمين لنشر الإسلام ( 3 ) .
ويقول الدكتور فيليب حتى ( 4 ) : إن الحاجة المادية هي التي دفعت بمعاشر البدو - وأكثر جيوش المسلمين منهم - إلى ما وراء تخوم البادية الفقراء ، إلى مواطن الخصب في بلدان الشمال ، ولئن كانت الآخرة أو شوق البعض إلى بلوغ جنة النعيم قد حبب لهم الوغى ، فإن ابتغاء الكثيرين حياة الهناء والبذخ في أحضان المدنية التي ازدهر بها الهلال الخصيب كان الدافع الذي حبب لهم القتال . * ( هامش ) * ( 1 ) . 46 . Prcaching of Islam p ( 2 ) عقيدة الشيعة ص 17 . ( 3 ) . 48 . Arabs in Spain p ( 4 ) . 199 - 195 . ) * ( History of The Arabs vol . l هل هذا الكلام صحيح ؟
وهل كان البدوي تواقا إلى حياة الهناء والبذخ ؟ وهل كان ذلك هو الدافع لهذا البدوي ليخرج قاصدا القضاء على أكبر إمبراطوريتين عرفهما تاريخ العالم في ذلك الوقت ؟ نحب أن نقرر أن فكرة ربط الدعوة الإسلامية بالرغبة في الحصول على المال قديمة جدا ، بدأت مع بدء الإسلام ، واتهم بها محمد نفسه قبل أن يتهم بها هؤلاء المستشرقون معاشر البدو بمدة طويلة ، ووجدت أدلة كثيرة تقوض هذه التهمة ، ولكنها مع ذلك لا تزال حية .
لقد اتهمت قريش محمدا بأنه طالب مال وعرضت عليه أعز ثرواتها ، ولكنه صاح فيهم : " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ( 1 ) " .
وافتقر محمد بعد غنى ، وافتقر أبو بكر بعد غنى ، وافتقر عمر الذي آل له السلطان على الإمبراطوريتين ، وظل يعيش في تقشف ظاهر ، وافتقر عثمان بعد غنى عظيم ، ومع هذا بقيت التهمة بأن المسلمين حاربوا لأنهم كانوا طلاب مال وثراء ! !
وعند البدء في غزو فارس برزت هذه التهمة في عقل رستم قائد الفرس ، وظن أنه يستطيع أن يرضي هؤلاء البدو بحفنات من ذهب الفرس وينجو من قتالهم ، فطلب من سعد بن أبي وقاص أن يوجه إليه بعض أصحابه ، فوجه إليه المغيرة بن شعبة .
فقال له رستم : لقد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم عليه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد ، ونحن نعطيكم ما تشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون ( 2 ) . والعجيب أن الدكتور حتى يذكر هذه القصة حجة لدعواه ، * ( هامش ) * ( 1 ) ابن هشام ج 1 ص 170 . ( 2 ) البلاذري : فتوح البلدان ص 264 . ( * ) وينسى أن رأي رستم لا يمكن أن يكون دليلا على المسلمين ، وينسى كذلك باقي الرواية حيث سخر المغيرة من رستم ومن ماله ، وحيث صاح به بألا مناص من واحدة من ثلاث : الإسلام أو الجزية أو القتال .
والذي ظنه رستم ظنه فيما بعد ملك الصين عندما زحف قتيبة بن مسلم على هذه الأصقاع ، وأناب عنه هبيرة الكلابي لمقابلة ذلك الملك بناء على طلبه ، فقال له الملك : قل لصاحبك ( يقصد قتيبة ) : إني عرفت حرصه وقلة أصحابه ، فلينصرف وإلا بعثت إليه من يهلكه .
فصاح هبيرة : كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون ؟ وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا قادرا عليها وغزاك ؟ أما تخويفك إيانا بالموت فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل ، فلسنا نكرهه أو نخافه . إذا فهذه التهمة قديمة ، وردها أيضا قديم كما ترى . . .
على أننا لا نحاول أن ننكر أن بين المحاربين العرب من كان يحب المال أو يسعى إليه ، ولكن الذي ننكره بقوة وإيمان هو أن يكون الدافع لهذه الحروب هو المال ، ومعنى الدافع هو القوة التي ترسم الخطط وتوجه ، وهو كذلك الاحساس الداخلي الذي يحث المحاربين على العمل لتحقيق الأهداف التي رسمت لهم ، هذا الدافع كان إسلاميا صرفا ، وإذ جاء المال فهو تابع له ولم يكن قط هدفا لذاته ، ونضع الأدلة لإبراز هذا الرأي :
أولا - صارع المسلمون الشرك في قلب الجزيرة العربية أكثر من عشرين عاما سقط خلالها آلاف من خيرة المسلمين في الغزوات وحروب المرتدين والمتنبئين ومانعي الزكاة ، وكانت كل هذه الحروب تدور في البادية القفراء كما سماها الدكتور حتى ، بعيدة عن الأطماع في الأرض التي سماها مواطن الخصب بالشمال.
فما الدافع لكل هذه الضحايا ؟ أضف إلى ذلك أن المسلمين طالما حاولوا الانتصار دون حرب ودون غنائم كل حصل في فتح مكة ، وطالما حصلوا على غنائم ثم ردوها لأصحابها بعد إسلامهم كما حصل في غزوة حنين والطائف .
ثانيا - أي مال كان يمكن أن يتطلع إليه المسلمون والوصول إليه محفوف بالمخاطر ؟
وقد سبق أن أوردنا أن عمر بن الخطاب حينما دق بابه أحد الصحابة وهو نائم ليلا هب عمر من نومه مذعورا وهو يقول : ما هو ؟ أجاءت غسان ؟
وقد عاش البدو آلاف السنين في هذه الجزيرة القاحلة وكانوا يعرفون الخيرات في الشمال ، ولكن أحلام أحدهم لم تصل إلى أن يطمع أن يدك عروش الملوك ، وأن يجعلها تخضع لسلطان البدو الذين لا سلاح لهم ولا دربة ولا عدد ، في حين كان للروم وللفرس جيوش جرارة وعتاد قوي ونظام كامل .
وقد كان العرب لذلك يخافون حرب الروم وقد وقعت بهم الهزيمة في غزوة مؤتة ، وترددوا طويلا عندما دعوا إلى غزوة تبوك ، وقد عبر عبد الرحمن بن عوف عن قوة الروم بقوله : إنها الروم وبنو الأصفر ، عزم حديد وبأس شديد .
ثالثا - لقد حافظ المسلمون قبل أن تكتسحهم الأطماع الدخيلة على حياة التقشف والزهد ، وعندما حاصروا حصن بابليون بعد أن فرغوا من الشام وفارس كانوا لا يزالون على بساطتهم وصفائهم ، وقد أرسل لهم المقوقس رسلا ليتعرفوا له أحوالهم ، فعاد الرسل إلى المقوقس وقالوا له : رأينا قوما الموت أحب إليهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، وليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة ، جلوسهم على التراب ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف كبيرهم من صغيرهم ولا السيد فيهم من العبد . . .
رابعا - طالت حرب المسلمين مع سكان شمالي إفريقية وامتدت ، وسقط فيها كثير من الضحايا ، وكانت الصحراء القاحلة بها آنذاك أبرز من مواطن الخصب ومن الغياض .
خامسا - لقد وقعت معارك عنيفة في داخل صفوف المسلمين ، بدأت بموقعة الجمل واستمرت بعد ذلك ، وسقط آلاف الضحايا في هذه المعارك ، وما كانت تضيف أرضا خصبة ولا هناء ولا بذخا . ما الدافع الحقيقي لهذه الحروب ؟
إنها العقيدة التي رخص من أجلها كل شئ ، إنها الرغبة في الحصول على إحدى الحسنيين ، وهانت من أجل هذا كل تضحية ، لقد كانت هناك أطماع مالية ، ولكن هذه بدأت متأخرة ، وكانت عند من لم يتعمق الإيمان في نفسه ، وكانت على العموم عاملا ثانويا ، ومن ذا الذي يحمل رأسه على يده ويقاتل أقوى جيوش الدمار والفتك لينال من بذخ العيش في أحضان الهلال الخصيب ؟
والتاريخ الإسلامي مملوء بقصص البطولة ، وبهؤلاء الذين نسميهم بالفدائيين الذين يلقون بأنفسهم في مراكز الخطر ليهلكوا وينجو الإسلام وترتفع راية هذا الدين أين المال والرخاء لهؤلاء الشهداء ؟ ويقول : ) 1 ( Stanley Lane - Poole إن تحمس العرب للفتوح كان يؤججه عنصر قوي من الرغبة في نشر الدين ، فقد حاربوا لأنهم يقاتلون أعداء الله ورسوله ، وحاربوا لأن مثوبة الشهداء وكئوس السعادة والنعيم كانت تنتظر من يقتلون في سبيل الله . وقد استمرت الحرب دائرة بين الفرس والروم أربعمائة سنة ، وكانت حروب أطماع ودنيا ، فلم يستطع هؤلاء أو هؤلاء أن يحرزوا نصرا مؤزرا ، لسبب واحد هو قلة العقيدة ، فلما هاجمهم البدو بسلاح العقيدة ، فل ذلك السلاح كل سلاح ، وتهاوت جيوش الفرس والروم تحت أقدام المهاجمين .
* ( هامش ) * ( 1 ) . 43 . ) * ( Arabs in Spain p )
و الحمد لله رب العالمين
محمد صلي الله علية و سلم
أخوتي في الله أحبتي في الله
السلام عليكم و رحمه الله وبركاتة
وجدت هذا البحث رائع فى موقع لجنة التعريف بالإسلام، فأردت أن انقله إليكم...
http://www.ipc-kw.com/vb/showthread.php?t=2742
هل انتشر الاسلام بالسيف والقوة ؟
انتشار الإسلام ( * )
بين الدعوة والقوة يعتقد بعض المستشرقين وبعض من لم تتح لهم الفرصة للتعمق في الدراسات الإسلامية ، أن القوة كانت عاملا مهما في انتشار الإسلام ، ويتخذون من الحروب التي حدثت في حياء الرسول وبعد وفاته دليلا على ذلك ، وردا لهذا الادعاء نأخذ في شرح هذا الموضوع ، ونبدأ بأن نسأل سؤالين هامين:
1 - هل انتشر الإسلام بالدعوة أو بالقوة ؟ وما الدليل على ذلك ؟
2 - وإذا كان قد انتشر بالدعوة فلماذا وقعت الحروب بين المسلمين وغيرهم ؟
للإجابة عن السؤال الأول نقول في قوة وإصرار إن الإسلام لم ينتشر بالسيف وإنما انتشر بالدعوة ، ونضع البراهين الواحد بعد الآخر في سلسة من آيات القرآن ، ثم في سلسلة من أحداث التاريخ بحيث لا يبقى للشك مجال :
فأما القرآن الكريم وهو دستور المسلمين الواجب الاتباع ، فقد وضح في عدة آيات أن الدعوة هي الطريق إلى الإسلام ، وأنه لا يجوز إجبار أحد على تغيير دينه ، قال تعالى : - لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) أنظر ما كتبناه عن هذا الموضوع في الجزء الأول من " موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية " . ( 1 ) سورة البقرة الآية 256 .
وقد أوردنا هذه الآيات الكريمة في الصفحات الماضية للتدليل على حرية العقيدة عند المسلمين . ( * )
- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
( 1 ) . - لكم دينكم ولي دين
( 2 ) . - فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب
( 3 ) . - فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر
( 4 ) . وأما سلسلة التاريخ فترينا بوضوح أن الإسلام سلك طريقه بالدعوة ، متبعا هذه الآيات البينات ، ومبتعدا كل البعد عن القسوة .
وإلى القارئ بيان ذلك :
1 - حينما كان الرسول في مكة ، وحينما بدأ دعوته وحيدا لا سلاح معه ولا مال ، دخلها مجموعة من عظماء الرجال من أمثال أبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ثم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب .
فهل يمكن أن نقول أن هؤلاء دخلوا بالقوة ؟ وأين القوة في ذلك الوقت ؟
2 - واضطهدت قريش المسلمين اضطهادا قاسيا ، وأنزلت بمحمد وأتباعه ألوانا من العذاب ، وفي وسط هذا العناء حينما كان محمد والمسلمون معه بمكة مغلوبين على أمرهم مستضعفين ، كان أهل المدينة يسعون للإسلام فيعتنقونه ويدعون له ذويهم وأهليهم ، فهل يمكن أن نقول أن الإسلام انتشر بالقوة بين سكان المدينة ؟
3 - جاء الصليبيون إلى الشرق إبان ضعف الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية لمحاولة القضاء على الإسلام ، وإذا بالاسلام يجذب جموعا منهم * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النحل الآية 125 . ( 2 ) سورة الكافرون الآية السادسة . ( 3 ) سورة الرعد الآية 42 . ( 4 ) سورة الغاشية الآيتان 21 - 22 . ( * ) فيدخلون ويحاربون في صفوف المسلمين .
ويقول أرنولد : لقد اجتذبت الدعوة المحمدية إلى أحضانها من الصليبيين عددا مذكورا حتى في العهد الأول أي في القرن الثاني عشر ، ولم يقتصر ذلك على عامة النصارى بل إن بعض أمرائهم وقادتهم انضموا أيضا إلى المسلمين في ساعات انتصارات المسيحيون .
ويروي توماس أرنولد عن بعض مؤرخي النصارى قوله : إن ستة من أمراء مملكة القدس استولى عليهم الشيطان ليلة معركة حطين ، فأسلموا وانضموا إلى صفوف الأعداء دون أن يقهروا من أحد على ذلك ، ويعلل توماس أرنولد لانتشار الإسلام بين الصليبيين بقوله : ويظهر أن أخلاق صلاح الدين وحياته التي انطوت على البطولة ، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا ، حتى أن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين ، وكذلك كانت الحال عندما طرح النصرانية ، مثلا ، فارس إنجليزي من فرسان المعبد ، يدعى روبرت أوف سانت أليانس سنة 1185 م واعتنق الإسلام ثم تزوج بإحدى حفيدات صلاح الدين ( 1 ) .
فهل يمكن أن نقول إن الإسلام انتشر بين الصليبيين بالقوة ؟ 4 - في القرن التاسع الهجري هجم المغول على العالم الإسلامي ، وكان هجومهم وحشيا قاسيا مدمرا ، سفكوا الدماء فسالت أنهارا ، وحطموا الحضارة الإسلامية ، وهدموا القصور والمساجد ، وأحرقوا الكتب ، وقتلوا العلماء ، وامتدت أيديهم إلى الخليفة فقتلوه وقتلوا معه أهله .
وأزالوا الخلافة العباسية سنة 656 ه ، وأصبحت للمغول اليد العليا ، وهوت أمامهم كل قوى المسلمين * ( هامش ) * ( 1 ) اقرأ ما كتبه توماس أرنولد عن " حالات التحول إلى الإسلام بين الصليبيين " في كتابه : الدعوة إلى الإسلام ص 7 . 1 وما بعدها . ( * )
في عاصمة الخلافة وما حولها ، ولكن سرعان ما جذب الإسلام إليه هؤلاء الفاتحين الغزاة ، وسرعان ما دخله المغول الذين هاجموه وعملوا على تقويضه .
فهل يمكن أن نقول إن الإسلام انتشر بين المغول بالقوة ؟
يقول سير توماس أرنولد في ذلك : لا يعرف الإسلام من بين ما نزل به من خطوب وويلات خطبا أعنف قسوة من غزوات المغول ، فلقد انسابت جيوش جنكيزخان ، واكتسحت في طريقها العواصم الإسلامية وقضت على ما كان بها من مدنية وحضارة . . .
على أن الإسلام لم يلبث أن نهض من رقدته وظهر من بين الأطلال ، واستطاع بواسطة دعاته أن يجذب أولئك الفاتحين البرابرة ويحملهم على اعتناقه ( 1 ) . 5 - وهل كانت غزوات الرسول ذات بال من الناحية الحربية ؟
إن التاريخ يحدثنا أن كثيرا من غزوات الرسول انتصر فيها أعداء المسلمين ، ولكن الإسلام كان ينتشر في حالتي انتصار المسلمين وانهزامهم ( 2 ) . 6 - يحدثنا التاريخ بصراحة ووضوح أن أهم فترة انتشر فيها الإسلام هي فترة السلم الذي تلا صلح الحديبية بين قريش والمسلمين ، وكانت فترة السلم سنتين ، ويقول المؤرخون إن من دخل الإسلام في خلال هاتين السنتين أكثر ممن دخلوه في المدة التي تقرب من عشرين عاما منذ بدء الإسلام حتى ذلك الصلح .
وهذا يدلنا على أن انتشار الإسلام تبع السلام ولم يتبع الحرب . 7 - وهناك فكرة مهمة يجدر بنا أن نوضحها تماما ، ويجدر بالقارئ أن يتفهمها ، تلك الفكرة هي أنه لا علاقة بين انتشار الإسلام وبين حروب المسلمين مع الفرس والروم وغيرهم فقد كانت الحروب تشتعل ، وكان المسلمون * ( هامش ) * ( 1 ) الدعوة إلى الإسلام ص 148 و 150 .
( 2 ) اقرأ المجتمع الإسلامي للمؤلف ص 128 - 133 . ( * ) ينتصرون ، ثم تتوقف الحروب وتتوارى السيوف ، وحينئذ يتقدم الدعاة والمعلمون فيشرحون نظم الإسلام ومبادئه وفلسفاته ، وكانت هذه الدعوة السمحة تجذب لها الناس وبخاصة عندما رأت الشعوب المغلوبة الفرق الكبير بين حكم قيصر وطغيانه ، وبين بساطة عمر بن الخطاب وسماحته وتواضعه ، وبالدعوة دخل الناس أفواجا في الدين الجديد ، فمنهم من أسرع في الدخول ومنهم من دخل بعد عام ، أو خمسة أعوام ، أو مائة . . . ويقول ) 1 ( Kirk إن غالبية أهل الشام ومصر السفلى في القرن التاسع الميلادي كانت لا تزال مسيحية على الرغم من أن الإسلام كان قد مضى عليه في هذه البقاع أكثر من قرنين . ومن هؤلاء المسيحيين من لم يدخل الإسلام حتى الآن ، وتستطيع أن ترى اليوم الآلاف أو الملايين من المسيحين في مصر والجمهورية العراقية وغيرهما من البلاد الإسلامية .
مرة أخرى لا علاقة بين انتشار الإسلام وبين الحروب . ومثل هذا ما ذكره J . Fage and Roland Oliver من أن الإسلام لم يتخذ طريقه وراء الصحراء بإفريقية إلا بعد انحلال دولته الكبرى في المغرب ، وكانت وسيلة الإسلام لهذه البقاع هي الثقافة والفكر والدعوة ، فانتشر الإسلام بين شعوب البربر وبين الزنوج ، وقامت خلف الصحراء دول إسلامية لعبت في التاريخ دورا كبيرا ( 2 ) . 8 - وانتشر الإسلام انتشار واسعا في الشرق الأقصى ( ماليزيا وإندونيسيا ) وانتشر كذلك في إفريقية كما أشرنا آنفا ، فأين القوة التي نشرته في هذه البلاد الفسيحة وجذبت له قلوب الملايين ؟ .
وكاتب هذه السطور عاش في إندونيسيا عدة سنين ، ورأى الإسلام بنفسه * ( هامش ) * ( 1 ) . 36 . A short history of the Middle Fast p ( 2 ) 77 . A Short History of Africa p وانظر الجرء السادس من موسوعة التاريخ الإسلامي " للمؤلف ( * ) وهو ينتشر بين الإندونيسيين بيسر وبساطة ، رآه وهو يهزم الديانات الأخرى والأفكار المتعددة ويتقدم إلى الطليعة لا تدفعه إلا مبادئه السمحة وتعاليمه المعقولة الهادئة لها البسيطة ، وقد رأيت في إندونيسيا صراعا بين الأديان والأفكار ، كل منها يريد أن يكون أسرع وصولا إلى قلوب الإندونيسيين ، ولكل منها وسائل وطرق تعمل على تحقيق هذه الغاية .
كانت المسيحية يساعدها أو قل يفرضها بطش المستعمر وماله وجاله ، والكونفوشية يساعدها ملايين الصينيين الذين يقيمون في إندونيسيا - وتدفعها الثروات الضخمة التي يملكها هؤلاء الصينيون ، والهندوكية والبوذية تساعدهما صلات الهند بإندونيسيا ، تلك الصلات الثقافية والحضارية التي تضرب في أعماق التاريخ ، ورأيت الإسلام تدفعه مبادئه ويرعاه الله ، يعلمه عرب هاجروا من البلاد العربية بثقافة محدودة وبدون مال ولا سلطان ، أو يعلمه إندونيسيون ينطبق عليهم وصف العرب في فقرهم وقلة سلطانهم ، فماذا كانت نتيجة هذا الصراع ؟
أما الكنفوشية فقد خرجت صفر اليدين ، ولم تجذب إليها فردا واحدا تقريبا من أبناء إندونيسيا . وقنعت الهندوكية والبوذية بنصيب ضئيل حصلت عليه غالبا قبل زحف الإسلام .
وجذبت مدارس المسيحيين ومستشفياتهم ووظائفهم عددا قليلا لا يتجاوز المليونين ، وأغلبهم سقطوا في المسيحية مخدوعين ، فالطفل يدخل مدرسة مسيحية ويتلقى تعاليم هذه الديانة ثم يخرج مسيحيا ولا يعرف غير المسيحية ، والمريض يشترك في الصلوات والأدعية التي تقام في المستشفيات وليس له إلا الاشتراك أو الطرد من المستشفى ، وهكذا دواليك .
أما الإسلام فقد اكتسح وتسرب في النور وبالدعوة السلمية إلى أكثر من تسعين في المائة من سكان إندونيسيا الذين يقربون من تسعين مليونا . أما انتشار الإسلام في إفريقية فندع الحديث عنه إلى شاهد عيان آخر ذلك هو الكاتب المسيحي الفرنسي هوبير ديشان حاكم المستعمرات الفرنسية بإفريقية حتى سنة 1950 وهو يقول ( 1 ) : إن انتشار دعوة الإسلام في أغلب الظروف لم تقم على القسر ، وإنما قامت على الاقناع الذي كان يقوم به دعاة متفرقون لا يملكون حولا ولا طولا إلا إيمانهم العميق بربهم ، وكثيرا ما انتشر الإسلام بالتسرب السلمي البطئ من قوم إلى قوم ، فكان إذا ما اعتنقته الارستقراطية وهي هدف الدعاة الأول تبعتها بقية القبيلة ، وقد يسر انتشار الإسلام أمر آخر هو أنه دين فطرة بطبيعته ، سهل التناول ، لا لبس ولا تعقيد في مبادئه ، سهل التكييف والتطبيق في مختلف الظروف ، ووسائل الانتساب إليه أيسر وأيسر ، إذ لا يطلب من الشخص لإعلان إسلامه سوى النطق بالشهادتين فيصبح بذلك في عداد المسلمين ، وقد حبب الإسلام إليهم مظاهره الخلابة كالثوب الفضفاض والمسبحة والكتابة العربية والوقار الديني وشعائر الصلاة ، مما يضفي على المسلم مكانة مرموقة وجاذبية ساحرة ، فالذي يدخل الإسلام ولو في الظاهر ، يشعر بأنه أصبح ذا شخصية محترمة ، وأنه ازداد من القوة والحيوية .
وتقول الباحثة الألمانية الدكتورة llse Lictens Eadter إن التخيير ببلاد الفرس والروم لم يكن بين الإسلام والسيف ، وإنما بين الإسلام والجزية ، وهي الخطة التي استحقت الثناء لاستنارتها حين اتبعت بعد ذلك في إنجلترا إبان حكم الملكة الياصابات ( 2 ) . ونجئ بعد ذلك إلى السؤال الثاني : لماذا حدثت الحروب بين المسلمين وغيرهم ؟ * ( هامش ) * ( 1 ) الديانات في إفريقية السوداء ص 128 - 129 . ( 2 ) . 57 . ) * ( lslam and the Modern Age . p
والإجابة عن هذا السؤال سهلة يسيرة أشرنا إلى بعضها فيما سبق وسنذكر فيما يلي موجزا شاملا لها . 1 - الدفاع عن النفس : يقرر التاريخ أن المسلمين قبل الهجرة لم يؤذن لهم بقتال ، وقد ضرب عمار وبلال وياسر وضرب محمد وأبو بكر ، ومات ياسر تحت العذاب ، ولم يرفع هؤلاء أيديهم لرد الاعتداء الذي وقع عليهم . ولكن المشركين أسرفوا في عدوانهم ، ووصلوا إلى حد اتخاذ قرار بقتل محمد .
ووضعوا خطتهم على أن ينفذوا قرارهم قبل أن يهاجر إلى المدينة حتى تتخلص الجزيرة العربية من الإسلام والمسلمين . فكان من الضروري أن يدافع المسلمون عن أنفسهم ، وقد أذن الله لهم بالدفاع بقوله : " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله " ( 1 ) . ويتضح من الآية للذي يمعن النظر أن الإسلام لا يحب القتال ، فالفعل ( أذن ) مبني للمجهول ، وفاعله عندما كان مبنيا للمعلوم هو الله سبحانه وتعالى ، وقد بني الفعل للمجهول لأن الله لم يرد - فيما أفهم - أن يذكر اسمه الكريم متصلا بالإذن بالقتال .
ثم إن نائب الفاعل محذوف تقديره : ( القتال ) أي أذن لهم القتال ، ولم يذكر نائب الفاعل أيضا لأنه كلمة ( القتال ) ، وبدل نائب الفاعل ذكر سبب الإذن وهو ( بأنهم ظلموا ) وقد دعا هذا بعض المسلمين أن يقولوا عندما نزلت هذه الآية : إنها لا تكفي لنقاتل المشركين ، لأن روحها تميل إلى السلم ولو أن ألفاظها تأذن بالقتال . ولم يبدأ القتال الحقيقي بين المسلمين وغيرهم إلا بعد أن نزلت آية أخرى :
هي " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( 2 ) " ومع أن الإذن هنا صريح إلا أنه مشروط بحالة الدفاع ، وعدم الاعتداء ، فالاعتداء يسبب سخط الله . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الحج الآيتان 36 - 40 . ( 2 ) سورة البقرة الآية 190 . ( * ) وهكذا كان السبب الرئيسي للقتال هو الدفاع عن النفس والعرض والمال .
وهنا يبدو موضوع مهم يتصل بالحبشة تلك البلاد التي ليست بعيدة عن الجزيرة العربية والتي للمسلمين بها عهد منذ مطلع الإسلام ، حتى أنهم هاجروا إليها قبل هجرتهم للمدينة . والسؤال المهم هو أن المسلمين لم يهاجموا الحبشة ، لأن الحبشة لم تمسهم بسوء ، ولو كان المقصود نشر الإسلام بالقوة لهاجموها ، فهي أقل قوة من الفرس والروم .
قد يقال إن البحر يحميها منهم ، والجواب سهل ، فقد ملك المسلمين بحرية قوية هاجموا بها القسطنطينية وسيطروا بواسطتها على أهم جزر البحر الأبيض المتوسط ، ولكنهم لم يتجهوا للحبشة ، فما كانت أعمال المسلمين الحربية إلا دفاعا وردا لاعتداء . 2 - تأمين الدعوة وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها ، فقد كانت الدعوة الإسلامية مهددة ، وكانت قريش تسلك كل السبل للقضاء عليها ، ثم كان هناك كثير من العرب يميلون للإسلام ويريدون الدخول فيه ، ولكنهم كانوا يخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن سبقوهم إلى الإسلام من عذاب وإيذاء ، فأذن الله لرسوله وللمؤمنين أن يقاتلوا من قاتلهم ، وأن يردوا بقوة السيف الاعتداء الذي قد ينزل بأحد منهم ، قال تعالى : وما لكم لا تقاتلون في في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء ( 1 ) . 3 - المحافظة على الأمة الإسلامية من أن تدكها جيوش الفرس والروم ، فقبل الإسلام لم تكن هناك أمة عربية ، وإنما كانت هناك قبائل عربية متحاربة متنافرة ، ولذلك لم يكن الفرس والروم يقيمون حسابا للعرب ، إذ كان العرب داخل جزيرتهم يصطرعون صراعا يكاد يكون متصلا ، ولهذا غض الفرس والروم بصرهم عن الجزيرة العربية لأنها لم تكون وحدة يمكن أن تصبح خطرا على الدولتين المجاورتين في الشمال . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء الآية : 75 . ( * )
فلما جاء الإسلام آمن به بعض العرب وكفر به آخرون ، وقام نزاع عنيف في الجزيرة العربية بين المسلمين وغير المسلمين ( قريش واليهود ) ، وفي هذه المرحلة لم يهتم الفرس والروم أيضا بهذا الدين الجديد ، وقالوا إنها حركة قام بها عربي وسيقتلها العرب واليهود ، وظنوا إنها نوع من الصراع الداخلي لا يلبث أن يموت .
ولكن سرعان ما بدأ الإسلام ينتصر على أعدائه وينتشر بين العرب ، وسرعان ما تكونت في الجزيرة العربية دولة قوية متحدة ، وبالإضافة إلى قوتها واتحادها كانت لها مبادئ الدين الجديد ، الذي اجتمع العرب حوله ، والذي استلزم الدعوة له ، وقد فوجئ كسرى وقيصر بحقيقة خطيرة هي أن الرسول أرسل لهما يدعوهما للإسلام في العام السابع للهجرة ، ويدعو قومهما كذلك ، واعتقد السيدان أن محمدا لم يقنع بتأسيس دولة عربية ، وإنما أخذ يطمع في مد سلطانه إلى أرضهما . كل هذا أدخل الذعر والخوف في نفوس الفرس والروم ، فقد أصبحت الجزيرة العربية منافسا خطيرا ، قويا متحدا ، وأصبحت دولة لها دين ولها مبادئ ، تعمل على نشر هذا الدين وإذاعة أفكاره واكتساب الأنصار إليه ، ومن أجل هذا دخل الفرس والروم المعركة ، وقررتا ضرورة القضاء على الدولة الإسلامية الجديدة والقضاء على الوحدة التي تكونت عند العرب ، وقد بدأ ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد وقعت في عهده غزوة مؤتة بين الروم والمسلمين وقتل فيها مجموعة من خيرة القواد المسلمين ، كما خرج الرسول لمواجهة الروم في غزوة تبوك عندما بلغه أنهم تجمعوا لمهاجمة المسلمين . وكان المسلمون يتوقعون هجوم الروم عليهم كل لحظة ، ومما يدل على ذلك أن صحابيا في أثناء حياة الرسول دق باب عمر بن الخطاب في ليلة وعمر نائم .
فهب عمر من نومه مذعورا وهو يقول : ما هو ؟ أجاءت غسان ؟ وكما تحرش الروم بالمسلمين تحرش بهم الفرس أيضا ، فالتاريخ يروي لنا أن القبائل الموالية للفرس كانت توالي الإغارة على أرض المسلمين ، ولم تكن حرب المسلمين مع الفرس إلا امتدادا للدفاع الذي قام به المسلمون ليحموا أنفسهم وذويهم من هؤلاء المغيرين . والحرب - مع ذلك - لم تكن مع الشعوب ، وإنما كانت مع قيصر وكسرى وجيوشهما الباغية ، هؤلاء الجبابرة الطغاة الذين كانوا يسلبون الشعوب المغلوبة حرياتها وثرواتها ، وقد تعاونت هذه الشعوب مع المسلمين وقت الزحف وهذا مما سهل انتصار المسلمين ، وقد دخلت أكثر هذه الشعوب الإسلام ولكن بالدعوة التي ابتدأت بعد انتهاء الحروب ، ويقرر المؤرخون أن غالبية هذه الشعوب دخلت الإسلام لا وقت الفتح أو عقبه ، بل بعد الفتح بأكثر من قرنين ، وهذا يقطع بأن انتشار الإسلام لم يرتبط بالحروب وبخاصة إذا لاحظنا ارتباط انتشار الإسلام بفترات الضعف التي عرفها التاريخ الإسلامي كما أشرنا لذلك آنفا.
ومبادئ الإسلام واضحة في أن أي قتال إنما هو لرد عدوان كما سبق القول ، وينص القرآن على أن على المسلمين أن يلجئوا للسلم إذا أوقف أعداء الإسلام عدوانهم ، قال تعالى : " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ( 1 ) " وقال : " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( 2 ) " . وقد سار الرسول على هدى هاتين الآيتين الكريمتين ، فنراه يخرج لملاقاة الروم عندما بلغه أن جموعهم تجمعت على أطراف الجزيرة وأنها تريد الهجوم ، * ( هامش ) * ( 1 ) سورة الأنفال الآية 61 . ( 2 ) سورة النساء الآية 90 . ( * ) فلما وصل إلى تبوك ووجد أن جيوش الروم تراجعت لم يفكر في مهاجمة الروم ، وإنما عاد أدراجه إلى المدينة . علاقة الحالة الاقتصادية بالحروب : بقي موضوع نحب أن نحققه بإنصاف وعمق ، وهو مكانة الناحية الاقتصادية في الفتوح ، وقد اهتم بهذه الناحية كثير من الباحثين ، وعدها بعضهم العامل الرئيسي في التوسع الذي قام به العرب ، يقول : ) 1 ( Thomas Arnold إن العرب شعب نشيط فعال ، دفعته يد الجوع والحاجة إلى ترك صحاريه القاحلة ، واجتياح الأراضي الغنية المجاورة المترفهة .
ويقول دوايت دونلدش : ونشك في الحقيقة فيما إذا كان الحماس الديني وحده كافيا لحملهم على القيام بهذه الغزوات الواسعة على البلاد المجاورة ، ويبدو أنهم واصلوا اندفاعهم بسبب الحاجة الاقتصادية الشديدة ( 2 ) . ويقول : Stanley - lane - Poole إننا لا نستطيع أن ننكر أن ثروة الأكاسرة والقياصرة ، والأراضي الخصبة ، والمدن العامرة ، في الممالك المجاورة كانت عاملا كبيرا في تحمس المسلمين لنشر الإسلام ( 3 ) .
ويقول الدكتور فيليب حتى ( 4 ) : إن الحاجة المادية هي التي دفعت بمعاشر البدو - وأكثر جيوش المسلمين منهم - إلى ما وراء تخوم البادية الفقراء ، إلى مواطن الخصب في بلدان الشمال ، ولئن كانت الآخرة أو شوق البعض إلى بلوغ جنة النعيم قد حبب لهم الوغى ، فإن ابتغاء الكثيرين حياة الهناء والبذخ في أحضان المدنية التي ازدهر بها الهلال الخصيب كان الدافع الذي حبب لهم القتال . * ( هامش ) * ( 1 ) . 46 . Prcaching of Islam p ( 2 ) عقيدة الشيعة ص 17 . ( 3 ) . 48 . Arabs in Spain p ( 4 ) . 199 - 195 . ) * ( History of The Arabs vol . l هل هذا الكلام صحيح ؟
وهل كان البدوي تواقا إلى حياة الهناء والبذخ ؟ وهل كان ذلك هو الدافع لهذا البدوي ليخرج قاصدا القضاء على أكبر إمبراطوريتين عرفهما تاريخ العالم في ذلك الوقت ؟ نحب أن نقرر أن فكرة ربط الدعوة الإسلامية بالرغبة في الحصول على المال قديمة جدا ، بدأت مع بدء الإسلام ، واتهم بها محمد نفسه قبل أن يتهم بها هؤلاء المستشرقون معاشر البدو بمدة طويلة ، ووجدت أدلة كثيرة تقوض هذه التهمة ، ولكنها مع ذلك لا تزال حية .
لقد اتهمت قريش محمدا بأنه طالب مال وعرضت عليه أعز ثرواتها ، ولكنه صاح فيهم : " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ( 1 ) " .
وافتقر محمد بعد غنى ، وافتقر أبو بكر بعد غنى ، وافتقر عمر الذي آل له السلطان على الإمبراطوريتين ، وظل يعيش في تقشف ظاهر ، وافتقر عثمان بعد غنى عظيم ، ومع هذا بقيت التهمة بأن المسلمين حاربوا لأنهم كانوا طلاب مال وثراء ! !
وعند البدء في غزو فارس برزت هذه التهمة في عقل رستم قائد الفرس ، وظن أنه يستطيع أن يرضي هؤلاء البدو بحفنات من ذهب الفرس وينجو من قتالهم ، فطلب من سعد بن أبي وقاص أن يوجه إليه بعض أصحابه ، فوجه إليه المغيرة بن شعبة .
فقال له رستم : لقد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم عليه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد ، ونحن نعطيكم ما تشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون ( 2 ) . والعجيب أن الدكتور حتى يذكر هذه القصة حجة لدعواه ، * ( هامش ) * ( 1 ) ابن هشام ج 1 ص 170 . ( 2 ) البلاذري : فتوح البلدان ص 264 . ( * ) وينسى أن رأي رستم لا يمكن أن يكون دليلا على المسلمين ، وينسى كذلك باقي الرواية حيث سخر المغيرة من رستم ومن ماله ، وحيث صاح به بألا مناص من واحدة من ثلاث : الإسلام أو الجزية أو القتال .
والذي ظنه رستم ظنه فيما بعد ملك الصين عندما زحف قتيبة بن مسلم على هذه الأصقاع ، وأناب عنه هبيرة الكلابي لمقابلة ذلك الملك بناء على طلبه ، فقال له الملك : قل لصاحبك ( يقصد قتيبة ) : إني عرفت حرصه وقلة أصحابه ، فلينصرف وإلا بعثت إليه من يهلكه .
فصاح هبيرة : كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون ؟ وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا قادرا عليها وغزاك ؟ أما تخويفك إيانا بالموت فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل ، فلسنا نكرهه أو نخافه . إذا فهذه التهمة قديمة ، وردها أيضا قديم كما ترى . . .
على أننا لا نحاول أن ننكر أن بين المحاربين العرب من كان يحب المال أو يسعى إليه ، ولكن الذي ننكره بقوة وإيمان هو أن يكون الدافع لهذه الحروب هو المال ، ومعنى الدافع هو القوة التي ترسم الخطط وتوجه ، وهو كذلك الاحساس الداخلي الذي يحث المحاربين على العمل لتحقيق الأهداف التي رسمت لهم ، هذا الدافع كان إسلاميا صرفا ، وإذ جاء المال فهو تابع له ولم يكن قط هدفا لذاته ، ونضع الأدلة لإبراز هذا الرأي :
أولا - صارع المسلمون الشرك في قلب الجزيرة العربية أكثر من عشرين عاما سقط خلالها آلاف من خيرة المسلمين في الغزوات وحروب المرتدين والمتنبئين ومانعي الزكاة ، وكانت كل هذه الحروب تدور في البادية القفراء كما سماها الدكتور حتى ، بعيدة عن الأطماع في الأرض التي سماها مواطن الخصب بالشمال.
فما الدافع لكل هذه الضحايا ؟ أضف إلى ذلك أن المسلمين طالما حاولوا الانتصار دون حرب ودون غنائم كل حصل في فتح مكة ، وطالما حصلوا على غنائم ثم ردوها لأصحابها بعد إسلامهم كما حصل في غزوة حنين والطائف .
ثانيا - أي مال كان يمكن أن يتطلع إليه المسلمون والوصول إليه محفوف بالمخاطر ؟
وقد سبق أن أوردنا أن عمر بن الخطاب حينما دق بابه أحد الصحابة وهو نائم ليلا هب عمر من نومه مذعورا وهو يقول : ما هو ؟ أجاءت غسان ؟
وقد عاش البدو آلاف السنين في هذه الجزيرة القاحلة وكانوا يعرفون الخيرات في الشمال ، ولكن أحلام أحدهم لم تصل إلى أن يطمع أن يدك عروش الملوك ، وأن يجعلها تخضع لسلطان البدو الذين لا سلاح لهم ولا دربة ولا عدد ، في حين كان للروم وللفرس جيوش جرارة وعتاد قوي ونظام كامل .
وقد كان العرب لذلك يخافون حرب الروم وقد وقعت بهم الهزيمة في غزوة مؤتة ، وترددوا طويلا عندما دعوا إلى غزوة تبوك ، وقد عبر عبد الرحمن بن عوف عن قوة الروم بقوله : إنها الروم وبنو الأصفر ، عزم حديد وبأس شديد .
ثالثا - لقد حافظ المسلمون قبل أن تكتسحهم الأطماع الدخيلة على حياة التقشف والزهد ، وعندما حاصروا حصن بابليون بعد أن فرغوا من الشام وفارس كانوا لا يزالون على بساطتهم وصفائهم ، وقد أرسل لهم المقوقس رسلا ليتعرفوا له أحوالهم ، فعاد الرسل إلى المقوقس وقالوا له : رأينا قوما الموت أحب إليهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، وليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة ، جلوسهم على التراب ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف كبيرهم من صغيرهم ولا السيد فيهم من العبد . . .
رابعا - طالت حرب المسلمين مع سكان شمالي إفريقية وامتدت ، وسقط فيها كثير من الضحايا ، وكانت الصحراء القاحلة بها آنذاك أبرز من مواطن الخصب ومن الغياض .
خامسا - لقد وقعت معارك عنيفة في داخل صفوف المسلمين ، بدأت بموقعة الجمل واستمرت بعد ذلك ، وسقط آلاف الضحايا في هذه المعارك ، وما كانت تضيف أرضا خصبة ولا هناء ولا بذخا . ما الدافع الحقيقي لهذه الحروب ؟
إنها العقيدة التي رخص من أجلها كل شئ ، إنها الرغبة في الحصول على إحدى الحسنيين ، وهانت من أجل هذا كل تضحية ، لقد كانت هناك أطماع مالية ، ولكن هذه بدأت متأخرة ، وكانت عند من لم يتعمق الإيمان في نفسه ، وكانت على العموم عاملا ثانويا ، ومن ذا الذي يحمل رأسه على يده ويقاتل أقوى جيوش الدمار والفتك لينال من بذخ العيش في أحضان الهلال الخصيب ؟
والتاريخ الإسلامي مملوء بقصص البطولة ، وبهؤلاء الذين نسميهم بالفدائيين الذين يلقون بأنفسهم في مراكز الخطر ليهلكوا وينجو الإسلام وترتفع راية هذا الدين أين المال والرخاء لهؤلاء الشهداء ؟ ويقول : ) 1 ( Stanley Lane - Poole إن تحمس العرب للفتوح كان يؤججه عنصر قوي من الرغبة في نشر الدين ، فقد حاربوا لأنهم يقاتلون أعداء الله ورسوله ، وحاربوا لأن مثوبة الشهداء وكئوس السعادة والنعيم كانت تنتظر من يقتلون في سبيل الله . وقد استمرت الحرب دائرة بين الفرس والروم أربعمائة سنة ، وكانت حروب أطماع ودنيا ، فلم يستطع هؤلاء أو هؤلاء أن يحرزوا نصرا مؤزرا ، لسبب واحد هو قلة العقيدة ، فلما هاجمهم البدو بسلاح العقيدة ، فل ذلك السلاح كل سلاح ، وتهاوت جيوش الفرس والروم تحت أقدام المهاجمين .
* ( هامش ) * ( 1 ) . 43 . ) * ( Arabs in Spain p )
و الحمد لله رب العالمين
تعليق