أسباب نشأة وتطور العلمانية ( و الإلحاد ) في أوروبا

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ستعود فلسطين مسلم اكتشف المزيد حول ستعود فلسطين
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ستعود فلسطين
    1- عضو جديد

    • 14 أكت, 2011
    • 81
    • غير ذلك
    • مسلم

    أسباب نشأة وتطور العلمانية ( و الإلحاد ) في أوروبا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده نحمده و نشكره و نستعينه و نستغفره و نعود بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا .
    .. من يهده الله فلا مظل له و من يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا ..
    .. و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و سلم ..
    .. و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
    .. ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الخبير ..

    أسباب نشأة وتطور العلمانية والإلحاد في أوروبا

    المصدر / من كتاب : العلمانية .. نشأتها وتطورها و آثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة للدكتور : سفر الحوالي
    لتحميل الكتاب

    http://www.stqou.com/books/view-717.html

    في البداية وقبل الدخول في الموضوع لو عقدنا مقارنة بين حال المسلمين عند تمسكهم بدينهم وحالهم عندما يبتعدوا عن تعاليم الإسلام العظيم
    سنجد في الاولى كما في زمن الخلافة الإسلامية كانوا سادت العالم وأوائل الشعوب في التقدم والعلم ، أما في الثانية كما حالنا اليوم التأخر في كل شئ وما سبب ذلك إلا بعدنا عن ديننا العظيم .

    الأمر في أوروبا عكس ذلك تماما فعندما سيطرة المسيحية والكنيسة بظلمها وخرافاتها وطغيانها على أوروبا ( التي أدعت زورا وبهتانا أنها دين سماوي ) غرقت في التأخر والجهل مما سبب ثورة الأوروبيين عليها فكانت العلمانية والإلحاد .



    لقد ساد وهيمن على أوروبا في العصور الوسطى نظامين ألعن من بعضيهما وهما نظام الإقطاع ، وسيطرة الكنيسة على كل شيء ، وقد سبب النظامين السابقين بتأخر وجهل أوروبا إلى أبعد الحدود ، في المقابل وفي نفس الوقت نجد أن الإسلام أدى لتقدم المسلمين بشكل كبير لما يدعوا إليه من علم وعمل وتسامح ومساواة وعدل .


    ما هو نظام الإقطاع ؟
    " هو نظام اجتماعي اقتصادي سياسي حربي قائم على حيازة الأرض بشروط مخصوصة تحدد الروابط بين ملاك الأرض والقائمين بزراعتها أنتشر في أوروبا في العصور الوسطى "

    وربما كان أبشع وأظلم النظم الاجتماعية في التاريخ ، ففي الفترة التي كان فیھا الشرق المسلم ينعم بالحیاة في ظل أفضل وأعدل مجتمع عرفه التاريخ كان الغرب المسیحي يرزح تحت نیر ھذا النظام البغیض .


    بدأ نظام الإقطاع باقتطاع الملوك والأمراء مساحات من الأراضي إلى من يدينون لهم بالولاء، وذلك مدى حياتهم، ثم أصبح ذلك أمرًا وراثيًا، فأمير الإقطاعية هو الحاكم المطلق في إقطاعيته، هو المالك لكل شيء والباقون عبيد.
    ولم يكن مساوئ النظام الإقطاعي في الجانب المالي فحسب، بل كان للإقطاعي سلطات أخرى حصل عليها، والمدهش حقاً هو تلك القائمة الطويلة من الواجبات التي يؤديها الرقيق للمالك، عدا خضوعه المطلق لسلطته وارتباطه المحكم بإقطاعيته:

    1- ثلاث ضرائب نقدية في العام.

    2- جزء من محصوله وماشيته.

    3- العمل سخرة كثيراً من أيام السنة.

    4- أجر على استعمال أدوات المالك في طعامه وشرابه.

    5- أجر للسماح بصيد السمك أو الحيوان البري.

    6- رسم إذا رفع قضية أمام محاكم المالك.

    7- ينضم إلى فيلق المالك إذا نشبت حرب.

    8- يفتدي سيده إذا أسر.

    9- يقدم الهدايا لابن المالك إذا رقي لمرتبة الفرسان.

    10- ضريبة على كل سلعة يبيعها في السوق.

    11- لا يبيع سلعة إلا بعد بيع سلعة المالك نفسها بأسبوعين.

    12- يشتري بعض بضائع سيده وجوباً.

    13- غرامة إذا أرسل ابنه ليتعلم أو وهبه للكنيسة.

    14- ضريبة مع أذن المالك إذا تزوج هو أو أحد أبنائه من خارج الضيعة.

    15- حق الليلة الأولى! وهي أن يقضي السيد مع عروس رقيقه الليلة الأولى، وكان يسمح له أحياناً أن يفتديها بأجر، وقد بقي بصورته هذه في بافاريا إلى القرن الثامن عشر.

    16- وراثة تركته بعد موته.

    17- ضريبة سنوية للكنيسة، وضريبة تركات للقائد الذي يدافع عن المقاطعة .


    وقد أدى النظام الإقطاعي إلى تحول أغلب أوروبا إلى مجتمعات ريفية فقيرة، واندثرت المدنية في الكثير من الأقطار الأوروبية، كما انحصر المجتمع إلى عدة طبقات:[/ SIZE]


    1- السيد المالك: هو المسيطر الفعلي وصاحب النفوذ القوي في هذا النظام، وقد كان يملك حقوقاً لا حصر لها في حين ليس عليه أي واجبات حيث ( كان من حقه أن يضرب رقيق أرضه أو يقتله في بعض الأماكن أو الأحوال دون أن يخشى عقاباً، وكانت له في أملاكه كل السلطات القضائية والعسكرية، وكان يستفيد فوق ما يجب من الغرامات التي تفرضها محاكم الضيعة... وكان في وسع السيد الإقطاعي أن يمتلك أكثر من ضيعة واحدة... وقد يكون له قصر حصين في كل واحدة منها، وكان قصره يهدف إلى حماية سكانه أكثر مما يهدف إلى راحتهم... يحيط به خندق عميق عريض وسور متصل عال وأبواب حديدية؛ وفي وسطه برج حجري دائري يسكن فيه السيد وأسرته، وكانت جدرانه الحجرية المنيعة عماد قوة الملاك ضد مستأجريهم وضد الملك.

    وكان الرجل الذي يمنعه كبرياؤه من أن يكون رقيق أرض، ولكنه أضعف من أن يعد لنفسه وسائل الدفاع العسكرية، يؤدي مراسم الولاء لشريف إقطاعي، يركع أمامه وهو أعزل عاري الرأس، ويضع يديه في يدي الشريف، ويعلن أنه رجل ذلك الشريف، ثم يقسم على بعض المخلفات المقدسة... أن يظل وفياً للسيد إلى آخر أيام حياته، ثم يرفعه السيد ويقبل ) .

    2- رجل الدين: كان رجل الدين بسلطته الروحية سيداً إقطاعياً إلى حد ما، وكان يملك الإقطاعيات، ويتحلى بالألقاب الإقطاعية ، ويورث مرتبته لذريته.

    يقول ديورانت: ( أصبحت الكنيسة أكبر ملاَّك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعيين في أوروبا، فقد كان "دير فلدا" مثلاً، يمتلك (15000) قصر صغير، وكان دير "سانت جول" يملك ألفين من رقيق الأرض، وكان الكوين فيتور -أحد رجال الدين- سيداً لعشرين ألفاً من أرقاء الأرض، وكان الملك هو الذي يعين رؤساء الأساقفة والأديرة، وكانوا يقسمون يمين الولاء كغيرهم من الملاك الإقطاعيين، ويلقبون بالدوق والكونت وغيرها من الألقاب الإقطاعية... وهكذا أصبحت الكنيسة جزءاً من النظام الإقطاعي ) .

    35]- []العبد
    [/COLOR]: أباحت الكنيسة استرقاق المسلمين والأوروبيين الذين لم يعتنقوا الدين المسيحي، وكان آلاف من الأسرى الصقالبة أو المسلمين يوزعون عبيداً على الأديرة، وكان القانون الكنسي يقدر ثروة أراضي الكنيسة في بعض الأحيان بعدد من فيها من العبيد لا بقدر ما تساوي من المال، فقد كان العبد يعد سلعة من السلع كما يعده القانون الزمني سواء بسواء، وحرم على عبيد الكنائس أن يوصوا لأحد بأملاكهم، وحرم البابا جريجوري الأول على العبيد أن يكونوا قساوسة، أو أن يتزوجوا من المسيحيات الحرائر ) .
    4- رقيق الأرض: لم يكن رقيق الأرض عبداً بمعنى الكلمة، لكن حاله لا يختلف عن العبد في شيء، والفارق بينهما أن العبد -في الأصل- إما أسير مغلوب وإما مخالف للسيد في الدين أو الجنس أو المذهب، بعكس الرقيق الذي هو أصيل في الإقطاعية، وينتمي إلى الدين والجنس اللذين ينتمي إليهما سيده.

    والأصل في رقيق الأرض أنه رجل يفلح مساحة من الأرض يمتلكها سيد أو بارون، وكان في وسع المالك أن يطرده متى شاء، وكان من حقه في فرنسا أن يبيع الرقيق مستقلاً عن الأرض، أما في إنجلترا فقد حرم من مغادرة الأرض، وكان الذين يفرون من أرقاء الأرض يعاد القبض عليهم بنفس الصرامة التي يعاد بها القبض على العبيد، وهذا الصنف هو الصنف الغالب في الإقطاعيات، بل هو في الحقيقة يمثل مجموع سكان أوروبا تقريباً ( الأكثرية الساحقة من مجموع السكان ) باستثناء النبلاء ورجال الدين.

    وقد كان انقسام المجتمع إلى هذه الطبقات سبب رئيسي وهو الحروب الصليبية، التي أثقلت أوروبا بالكثير من الأموال، ففرض الملوك الكثير من الضرائب على الإقطاعيين، وبدورهم لم يجد الإقطاعيين موردًا لتحصيل الضرائب إلا فرض الضرائب كذلك على ما يملكون من عبيد تحت أيديهم.

    وأدى هذا إلى مزيد من الاستغلال للأرقاء من قبل أسيادهم، كي يعوض الأسياد عن الضرائب التي فرضتها الحكومة المركزية على إقطاعياتهم، ولم يَدُر ببال الملوك أن يفكروا في شأن الأرقاء، بل كان كل همهم أن تأتي الضريبة كاملة من أي طريق.

    يتبع ...
    التعديل الأخير تم بواسطة ستعود فلسطين; 27 نوف, 2011, 11:26 م.
  • ستعود فلسطين
    1- عضو جديد

    • 14 أكت, 2011
    • 81
    • غير ذلك
    • مسلم

    #2
    ولقد بدأت أوروبا تتململ من رقدتها بسبب تلك الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها في الإقطاع، وكان احتكاكها بالعالم الإسلامي عن طريق الأندلس والحروب الصليبية أكبر الأثر في ذلك، ولكن كان من العوائق الكبرى التي خيبت جهود الثائرين أن الكنيسة وقفت ضدهم وأجهضت محاولاتهم.

    حيث أقرت الكنيسة النظام الإقطاعي السائد، بل أصبحت مؤسسة من مؤسساته الثابتة، وأقرت الاضطهاد الفظيع الذي كان يتعرض له أرقاء المجتمع ، ووقفت تتهدد الثائرين على الظلم المتمردين على الطواغيت بأنهم مارقون من الدين، وأنهم ملعونون عند الله.

    وحاولت تخدير الثائرين على الظلم بأن الرضا بالظلم في الحياة الدنيا هو مفتاح الرضوان في الآخرة، فأما العبيد الثائرون فقالت لهم: إن السيد المسيح يقول: (( من خدم سيدين في الدنيا خير ممن خدم سيدًا واحدًا ))، وأما المظلومون عامة فقالت لهم: إن من احتمل عذاب الدنيا؛ فسيعوضه الله بالجنة في الآخرة.
    بل سلكت الكنيسة مسلكا آخر غير التهديد والترغيب بالآخرة، سلكت مسلك التبرير المسيحي لنظام الاسترقاق الإقطاعي على يد القديس توما الأكويني ، الذي فسره بأنه ( نتيجة لخطيئة آدم ) وكأن رجال الكنيسة والبارونات ليسوا من بني آدم.

    ومن هنا قال ماركس قولته الشهيرة: ( الدين أفيون الشعوب )، وهي قولة صادقة كل الصدق على دين الكنيسة المحرف، ولكنها كاذبة كل الكذب حين تطلق على الدين المنزل من عند الله.
    وقد كان لهذا النظام الاجتماعي الظالم ومساندة الكنيسة له أثرًا خطيرًا في الحياة والفكر الغربي، فقد تم الربط بين الإقطاع والدين، حيث كان النظام الإقطاعي في عنفوان شبابه، في الفترة نفسها التي كانت المسيحية فيها في أوج عظمتها، ثم كان انهيار النظام موازياً لانهيار الكنيسة، واستنتجت أوروبا في عصر النهضة من ذلك معادلة خاطئة، وهي أن المجتمع الإقطاعي طبقي ظالم لأنه متدين، وإذًا فزوال الظلم من المجتمع يستلزم نبذ الدين كلية، أو على الأقل عزله عن التأثير في مجريات الأحداث؛ وتلك كانت نظرية الكتاب الطبيعيين الذين وضعوا نواة الفكر الرأسمالي الحديث.

    لنتحدث الآن عن سيطرة الكنيسة بشكل مختصر :
    السبب الثاني من أسباب العلمانية والإلحاد بعد نظام الإقطاع هو سيطرة الكنيسة والذي يعتبر السبب الرئيسي
    ، ولنبدأ أولا : أولا : الطغيان الكنسي
    أسباب طغيان رجال الكنيسة : الطغیان في ذاته مرض خطیر يدمر النفس الإنسانیة ويمسخ سماتھا ويحیل الكائن البشري إلى روح شیطانیة ماردة ، فالطغیان يبدأ وسیلة خاطئة وينتھي مرضاً مدمراً لا شفاء له إلا الموت القاصم .
    وحین يصدر الطغیان من حاكم وثني أو زعیم دنیوي فإنه يكون معقولاً إلى حد ما ، وإن كانت فظاعته لا يسوغھا عقل ولا ضمیر ، أما حین يصدر الطغیان عن رجال يراھم الناس "قديسین" ورسل سلام وطلاب آخرة ، فذلك مما يشق على النفس احتماله ويبعد عن الذھن قبوله إذا كانوا رجال دين يجعل المحبة شعاره والتسامح میزته ويقول لأتباعه :" من يلطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر أيضاً ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً ، ومن سخرك میلاً واحداً فاذھب معه اثنین" متى 5 : 40-42 .

    1- الطغيان الديني :
    منذ أن ظھر إلى الوجود ما يسمى المسیحیة الرسمیة في مجمع نیقیة ٣٢٥ م ، والكنیسة تمارس الطغیان الديني والإرھاب في أبشع صورة ، ففرضت بطغیانھا ھذا عقیدة التثلیت قھراً وحرمت ولعنت مخالفیھا ، بل سفكت دماء من ظفرت به من الموحدين وأذاقتھم صنوف التعذيب وألوان النكال ونصبت نفسھا عن طريق المجامع المقدسة " إلھاً " يحل ويحرم ، ينسخ ويضیف ، ولیس لأحد حق الاعتراض ، أو على الأقل حق إبداء الرأي ، كائناً من كان وإلا فالحرمان مصیره واللعنة عقوبته لأنه كافر "مھرطق" .
    كان الختان واجباً فأصبح حراماً ، وكانت المیتة محرمة فأصبحت مباحة ، وكانت التماثیل شركاً ووثنیة فأصبحت تعبیراً عن التقوى ، وكان زواج رجال الدين حلالاً فأصبح محظوراً ، وكان أخذ الأموال من الأتباع منكراً فأصبحت الضرائب الكنسیة فرضاً لازماً ، وأمور كثیرة نقلتھا المجامع من الحل إلى الحرمة أو العكس دون أن يكون لديھا من الله سلطاناً أو ترى في ذلك حرجاً ، وأضافت الكنیسة إلى لغز "الثالوث" المعمى عقائد وآراء أخرى تحكم البديھة باستحالتھا

    ولكن لا مناص من الإيمان بھا والإقرار بشرعیتھا على الصورة التي توافق ھوى الكنیسة كقضیة الاستحالة في العشاء الرباني وعقیدة الخطیئة الموروثة وعقیدة الصلب والعذراء والطقوس السبعة ، كل ھذه فرضتھا على الأتباع بحجة واحدة ھي أنھا أسرار علیا لا يجوز الخوض فیھا أو الشك في صحتھا ، وكان العامل المساعد على إنجاح محاولاتھا الذي يتمثل فیه صورة الطغیان الديني جلیة واضحة ما ذكرناه من احتكارھا للمصادر الدينیة ذلك الذي جعلھا حاجباً ، لا يستطیع أحد دخول الملكوت إلا بواسطته ولا يمكنه الاتصال بالله إلا من طريقه وھي حق لا مرية فیه ما دامت الكنیسة ھي التي أقررته إذ ھي معصومة عن الخطأ منزھة عن الزلل .

    وعززت الكنیسة سلطتھا الدينیة الطاغیة بادعاء حقوق لا يملكھا إلا الله ، مثل حق الغفران وحق الحرمان وحق التّحلة ، ولم تتردد في استعمال ھذه الحقوق واستغلالھا ، فحق الغفران أدى إلى المھزلة التاريخیة ، "صكوك الغفران" ، وحق الحرمان سواء الفردي أو الجماعي عقوبة معنوية بالغة كانت شبحا" مخیفا" للأفراد والشعوب في آن واحد .

    حق التّحلة فھو حق خاص يبیح للكنیسة أن تخرج عن تعالیم الدين وتتخلى عن الالتزام بھا متى اقتضت المصلحة – مصلحتھا ھي – ذلك .

    لقد حشدت الكنيسة الجيوش الجرارة لمحاربة من سولت له نفسه مخالفة آرائها وعقيدتها ولا نعني بذلك المسلمین أو الیھود بل الطوائف النصرانیة التي اختلفت مع الكنیسة في قضیة من قضايا العقیدة أو الشريعة ،
    والتاريخ ممتلئ بمثل هذه الحروب التي تحكي لنا ما أوقعه القساوسة من تعذيب وقتل ونكال ما يتضاءل إزاء بشاعته قصص الوثنيين في قتل الموحدين .

    ولم يقف الأمر عند ھذا الحد لا سیما بعد أن اتضح للكنیسة الأثر الإسلامي الظاھر في الآراء المخالفة لھا فأنشأت ذلك الغول البشع والشبح المرعب الذي أطلق علیه اسم "محاكم التفتیش" التي تقشعر لهول ما أرتكبته الأبدان ، و يكاد المؤرخون الغربیون يتعرضون للحديث عنھا,وعن المحكمة المقدسة في روما إلا ويصیبھم الاضطراب وتتفجر كلماتھم رعبا" فما بالك بالضحايا الذين أزھقت أرواحھم والسجناء الذين أذاقتھم ألوان المر والنكال .


    وبفضل ھذا الإرھاب البالغ والطغیان العاتي ، عاش الناس تلك الأحقاب ترتعد قلوبھم وترتجف أوصالھم عند ذكر الكنیسة ، ووقف كبار الفلاسفة والنقاد مبھوتین مطرقین ، لا يجرؤ أحدھم على التصريح بأنه لا يؤمن بالمسیحیة مھما كانت آراؤه مخالفة لتعالیمھا
    ، ولم يداخل العلماء الأفذاذ آنذاك مثل "نیوتن وكانت وبیكون وديكارت " أن يعترضوا على عقائد الكنیسة الفجة ، لا سیما التثليث والخطیئة والاستحالة ، أو على الأقل يجاھروا بمخالفتھا ، بل يخیل إلى الباحث أنھم كانوا يعیشون فترة من فقدان الوعي تجاه ھذه العقائد رغم نبوغھم في مجالات أخرى .

    يقول برنتن :

    " وقد كان الكفار الذين يجاھرون بكفرھم قلة نادرة في الألف سنة التي استغرقتھا القرون الوسطى . ولما كان الناس جمیعا مسیحیین فلم يكن ھناك مفر من أن تكون المسیحیة ھي كل شئ لكل الناس " .


    يتبع ...

    تعليق

    • ستعود فلسطين
      1- عضو جديد

      • 14 أكت, 2011
      • 81
      • غير ذلك
      • مسلم

      #3
      2- الطغيان السياسي :

      طبیعي جداً أن يكون لرجال الدين سلطة سیاسیة في الأمة التي تدين بدينھم ، بل الافتراض الذي لا يصح سواه ھو أن تكون أزمة الأمور كلھا – والسیاسة خاصة – في يد فئة مؤمنة متدينة تطبق شريعة الله وتقیمھا في واقع الحیاة . لكن الذي لا يصح على الإطلاق ھو أن يتحول رجال الدين إلى طواغیت ومحترفین سیاسیین ، مع نبذ شريعة الله وإسقاطھا من الحساب لیحل محلھا شھوة عارمة للتسلط ورغبة شرھة في الاستبداد .

      فقد كانت الكنيسة ترى أن خضوع الملوك لھا لیس تطوعاً منھم بل واجباً يقتضیه مركزھا الديني وسلطانھا الروحي جاء في البیان الذي أعلنه البابا "نقولا الأول" قوله : " إن ابن الله أنشأ الكنیسة : بأن جعل الرسول بطرس أول رئیس لھا ، وأن أساقفة روما ورثوا بطرس في تسلسل مستمر متصل ولذلك فإن البابا ممثل الله على ظھر الأرض يجب أن تكون له السیادة العلیا والسلطان الأعظم على جمیع المسیحیین ، حكاماً كانوا أو محكومین"
      أما البابا الطاغیة "جريجوري السابع" ، فقد أعلن أن الكنیسة ، بوصفھا نظاماً إلھیاً ، خلیقة بأن تكون صاحبة السلطة العالمیة ، ومن حق البابا وواجبه ، بصفته خلیقة الله في أرضه ، أن يخلع الملوك غیر الصالحین وأن يؤيد أو يرفض اختیار البشر للحكام أو تنصیبھم ، حسب مقتضیات الأحوال" .

      ولیس ثمة شك في أن النصر ظل حلیف الكنیسة طیلة القرون الوسطى بسبب سلطتھا الروحیة البالغة وھیكلھا التنظیمي الدقیق واستبدادھا المطلق .
      ولذلك فقد كان الباباوات ھم الذين يتولون تتويج الملوك والأباطرة ، كما كان في إمكانھم خلع الملوك وعزلھم بإرادتھم المحضة ، ولم يكن باستطاعة أحد الانفلات من ذلك ، ومن رفض الرضوخ فإن حكمه غیر شرعي ومن حق البابوية أن تعلن الحرب الصلیبیة علیه وتحرم أمته .

      ولا يعوزنا الاستشھاد على ذلك من التاريخ الأوروبي فالأمثلة فیه كثیرة . ولعل خیر مثال لذلك حادثة الإمبراطور الألماني "ھنري الرابع" المشھورة مع البابا جريجوري السابع وذلك أن خلافا" نشب بینھما حول مسألة "التعیینات " فحاول الإمبراطور أن يخلع البابا ورد البابا بخلع الإمبراطور وحرمه وأحل أتباعه والأمراء من ولائھم له وألبھم علیه فعقد الأمراء مجمعاً قرروا فیه أنه إذا لم يحصل الإمبراطور على المغفرة لدى وصول البابا إلى ألمانیا فإنه سیفقد عرشه إلى الأبد ، فوجد الإمبراطور نفسه كالأجرب بین رعیته ،، ولم يكن في وسعه أن ينتظر وصول البابا فضرب بكبريائه عرض الحائط ، واستجمع شجاعته وسافر مجتازا جبال الألب والشتاء على أشده ، يبتغي المثول بین يدي البابا بمرتفعات كانوسا في تسكانیا وظل واقفا" في الثلج في فناء القلعة ثلاثة أيام وھو في لباس الرھبان متدثرا" بالخیش حافي القدمین اعري الرأس يحمل عكازه مظھراً كل علامات الندم وإمارات التوبة حتى تمكن من الظفر بالمغفرة والحصول على رضا البابا العظیم .
      وفي بريطانیا حدثت قصة أخرى مماثلة فقد حصل نزاع بین الملك ھنري الثاني وبین "تومس بكت" رئیس أساقفة كنتربري ، بسبب دستور رسمه الملك يقضى على الكثیر من الحصانات التي يتمتع بھا رجال الدين ، ثم أن رئیس الأساقفة اغتیل فروعت المسیحیة وثار تأثرھا على ھنري ودمغته بطابع الحرمان العام .
      فاعتزل الملك في حجرته ثلاثة أيام لا يذوق فیھا الطعام ، ثم أصدر أمره بالقبض على القتلة وأعلن للبابا براءته من الجريمة ووعد بأن يكفر بالطريقة التي يرتضیھا ، وألغى الدستور ورد إلى الكنیسة كل حقوقھا وأملاكھا ، وبالرغم من ذلك لم يحصل على المغفرة حتى جاء إلى كنتوبري حاجاً نادماً ومشى الثلاثة أمیال الأخیرة من الطريق على الحجارة الصوان ، حافي القدمین ينزف الدم منھما ، ثم استلقى على الأرض أمام قبر عدوه المیت وطلب من الرھبان أن يضربوه بالسیاط وتقبل ضرباتھم وتحمل كل الإھانات في سبیل استرضاء البابا وأتباعه .


      3- الطغیان المالي :

      ونستطیع أن نلخص مظاھر الطغیان الكنسي في ھذا المجال بما يلي :-
      ١-الأملاك الإقطاعیة :
      يقول ديورانت : " أصبحت الكنیسة أكبر ملاك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعیین في أوروبا ، فقد كان دير "فلدا" مثلا" ،يمتلك ١٥٠٠٠ قصر صغیر ، وكان "الكوين فیتور" ( أحد رجال الدين ) سیدا" لعشرين ألف من أرقاء الأرض " والأمثلة تطول في هذا المجال .

      ٢-الأوقاف :
      يكفي ما قاله المصلح الكنسي "ويكلف" وھو أوائل المصلحین : "إن الكنیسة تملك ثلث أراضي إنجلترا وتأخذ الضرائب الباھظة من الباقي ، وطالب بإلغاء ھذه الأوقاف واتبع رجال الدين بأنھم "أتباع قیاصرة لا أتباع الله" .

      ٣-العشور :
      فرضت الكنیسة على كل أبتاعھا ضريبة "العشور" وبفضلھا كانت الكنیسة تضمن الحصول على عشر ما تغله الأراضي الزراعیة والإقطاعیات ، وعشر ما يحصل علیه المھنیون وأرباب الحرف غیر الفلاحین .

      ٤-ضريبة السنة الأولى :
      لم تشبع الأوقاف والعشور نھم الكنیسة الجائع وجشعھا البالغ بل فرضت الرسوم والضرائب الأخرى ، وظلت ترھق بھا كاھل رعاياھا ، ولما تولى البابا حنا الثاني والعشرين جاء ببدعة جديدة ھي "ضريبة السنة الأولي" وھى مجموعة الدخل السنوي الأول لوظیفة من الوظائف الدينیة أو الإقطاعیة ، تُدفع للكنیسة بصفة إجبارية ، وبذلك ضمنت الكنیسة موردا" مالیا" جديدا" .


      ٥-الھبات والعطايا :
      كانت الكنیسة تحظى بالكثیر من الھبات يقدمھا الأثرياء الإقطاعیون للتملق والرياء أو يھبھا البعض بدافع الإحسان والصدقة أو خوفا من غضب الكنيسة بحرمانھم من المغفرة عند الاحتضار على الأقل . وقد قويت ھذه الدوافع بعد مھزلة صكوك الغفران .
      ھذا ولا ننسى المواسم المقدسة والمھرجانات الكنسیة التي كانت تدر الأموال الطائلة على رجال الكنیسة . فمثلا" "في سنة ١٣٠٠ م عقد مھرجان للیوبیل واجتمع له جمھور حاشد من الحجاج في روما بلغ من انھیال المال إلى خزائن البابوية أن ظل موظفان يجمعان بالمجاريف الھبات التي وضعت عند قبر القديس بطرس" .

      ٦-العمل المجاني "السخرة" :
      سبق القول بأن الكنیسة تملك الإقطاعیات برقیقھا وأن بعض رجال الدين كان يملك الآلاف من الأرقاء ، غیر أن ذلك لم يقنع الكنیسة بل أرغمت أتباعھا على العمل المجاني في حقولھا وفي مشروعاتھا ، وكان على الناس أن يرضخوا لأوامرھا ويعملون بالمجان لمصلحتھا مدة محددة ھي في الغالب يوما" واحدا" في الأسبوع ولا ينالون مقابل ذلك" جزاء ولا شكورا" . ، وھكذا كانت الجماھیر ترزح تحت أُثقال الكنیسة وأعبائھا المالیة المرھقة .


      يتبع ...

      تعليق

      • ستعود فلسطين
        1- عضو جديد

        • 14 أكت, 2011
        • 81
        • غير ذلك
        • مسلم

        #4
        ثانيا : الصراع بین الكنیسة والعلم

        إن الكنسیة ارتكبت خطأين فادحین في آن واحد :
        أحدھما : تحريف حقائق الوحي الإلھي وخلطھا بكلام البشر .
        والآخر: فرض الوصاية الطاغیة على ما لیس داخلاً في دائرة اختصاصھا .

        والخطأ الأول مسؤول عن تسرب الخرافات الوثنیة والمعلومات البشرية إلى كثیر من تعالیم المسیحیة ، إذ جعلتھا الكنیسة عقائد إلھیة تدخل في صلب الدين وصمیمه ، وعدت الكفر بھا كفراً بالوحي والدين .

        والخطأ الثاني نشأ عن ضیق صدر الكنیسة بما يخالف تعالیمھا الممزوجة وإصرارھا الأعمى على التشبث بھا ، فكان الامتداد الطبیعي للطغیان الديني طغیاناً فكرياً عاماً ، وحاسبت الناس ، لا على معتقدات قلوبھم فحسب ، بل على نتائج قرائحھم وبنات أفكارھم ، وتوھمت أن في قدرتھا أن تملك ما لا تستطیع أية قوة طاغیة أن تحتكره ، وھو الحقیقة العلمیة فیما يتعلق بالتجربة المحسوسة أو النظر العقلي السلیم . وبذلك أقحمت نفسھا في متاھات كانت غنیة كل الغنى عن عبورھا وأثارت على نفسھا حربا ضروساً لا ھوادة فیھا ولا تمییز .

        ومشكلة صراع الكنيسة مع العلم من أعمق وأعقد المشكلات في التاريخ الفكري الأوربي إن لم تكن أعمقھا قاطبة ، فالصراع بين الكنيسة والعلم وليس بين الدين والعلم لأن الدين بصبغته الإلھیة النقیة لم يدخل المعركة .

        فالصراع بين الكنيسة و ( العلم ) بما ارتكبته الكنيسة من أخطاء فادحة من : تحريف حقائق الوحي الإلھي وخلطھا بكلام البشرو فرض الوصاية الطاغیة على ما لیس داخلاً في دائرة اختصاصھا من علوم عقلية وتجريبية ، حتى أنها حاسبت الناس على نتائج تجاربهم المحسوسة والحقائق العلمية التي توصلوا إليها ، و احتكارھا للعلم وھیمنتھا على الفكر البشري بأجمعه .

        ولم يبدأ عصر النھضة الأوروبیة في الظھور حتى كانت آراء أرسطو في الفلسفة والطب ونظرية العناصر الأربعة ونظرية بطلیموس في أن الأرض مركز الكون ، ( والكثير من الخرافات والأساطير ) وما أضاف إلى ذلك القديس أوغسطین وكلیمان الإسكندري ونوما التكويني ، أصولاً من أصول الدين المسیحي وعقائد مقدسة لا يصح أن يتطرق إلیھا الشك .

        وكانت الفلسفة المسیحیة ھذه تشتمل على معلومات تفصیلیة عن الكون تقول " : أن الله خلق العالم ابتداء سنة ٤٠٠٤ ق.م. ، وتوج ذلك بخلق الإنسان في جنة عدن على مسیرة يومین من البصرة بالضبط ، والعجیب أنھا ظلت مصرة على ھذا الرأي حتى مطلع القرن التاسع عشر ، فقد طبع كتاب الأسقف "آشر " الذي يحمل ھذه النظرية سنة ١٧٧٩ م .

        أما معلوماتھا الطبیة ، فقد كانت أفضل وأنجح الوسائل العلاجیة في نظرھا إقامة الطقوس لطرد الشیاطین التي تجلب المرض ورسم إشارة لصلیب ووضع صور العذراء والقديسین تحت رأس المريض لیشفي .

        وعرفت أوروبا الطريق إلى النھضة بفضل مراكز الحضارة الإسلامیة في الأندلس وصقلیة وجنوب إيطالیة التي كانت تشع نور العلم والمعرفة على القارة المستغرقة في دياجیر الخرافة والجھل ، وثارت ثائرة رجال الكنیسة على الذين يتلقون علوم الكفار ( المسلمین ) ، ويعرضون عن التعالیم المقدسة فأعلنت حالة الطوارئ ضدھم وشكلت محاكم التفتیش في كل مكان تتصیدھم وتذيقھم صنوف النكال وبذلك قامت المعركة على قدم وساق وأخذت تزداد سعاراً بمرور الأيام .

        أمثلة على الصراع :

        بدأ الصراع منذ أن صاغ كوبرنيكوس نظريته
        - نظرية كوبرنيكوس 1543م يُعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها، في كتابه "حركات الأجرام السماوية "وعارض في ذلك نظرية بطلیموس التي تعتنقها الكنيسة والتي تجعل الأرض مركز الكون وتقول أن الأجرام السماوية كافة تدور حولھا ، حيث وقع في قبضة محكمة التفتیش ، وحرمت الكنيسة كتابه وقالت أن ما فيه هو وساوس شيطانية مغايرة لروح الإنجيل .

        - جردانو برونو الذي بعث نظرية كوبرنيكوس من جديد حيث أحرق عام ( 1600م ) وذرت رماده في الهواء وجعلته عبرة لمن اعتبر .

        - جاليلو الذي صنع التلسكوب فأيد ما نادى به أسلافه فقبض عليه فخشي أن يكون مصيره مثل جردانو و أعلن ارتداده عن رأيه وھو راكع على قدمیه أمام رئیس المحكمة قائلاً : "أنا جالیلو وقد بلغت السبعین من عمري سجین راكع أمام فخامتك ، والكتاب المقدس أمامي ألمسه بیدي ، أرفض وألعن وأحتقر القول الإلحادي الخاطئ بدوران الأرض " ، وتعھد مع ھذا بتبلیغ المحكمة عن كل ملحد يوسوس له الشیطان بتأيید ھذا الزعم المضلل .



        يتبع ...

        تعليق

        • ستعود فلسطين
          1- عضو جديد

          • 14 أكت, 2011
          • 81
          • غير ذلك
          • مسلم

          #5
          ھؤلاء ھم زعماء النظرية وھذا ھو موقف الكنیسة منھم ولیس غريباً أن تضطھدھم وتحارب أفكارھم ، فعن أفكارھا لا تعیش إلا في الظلام ، وھي لن تستعبد الناس بالحق ، بل الخرافة .. ولكن الغريب ھو أدلتھا الدينیة التي ساقتھا لتكذيب النظرية – وما كان لیضیر الدين في شيء أن تصدق أو تكذب .

          قالت الكنیسة : إن الأرض يجب أن تكون مركز الكون الثابت لأن الأقنوم الثاني – المسیح – تجسد فیھا ، وعلیھا تمت عملیة الخلاص والفداء ، وفوقھا يتناول العشاء الرباني ، كما أن التوراة تقول : " الأرض قائمة إلى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعھا حیث تشرق " ، أما كروية الأرض وسكنى جانبھا الآخر فنفتھا الكنیسة بحجة أن " من خطأ الرأي أن يعتقد الإنسان بوجود أناس تعلو مواطئ أقدامھم على رؤوسھم وبوجود نباتات وأشجار تنمو ضاربة إلى أسفل ( عندما رسمت الكرة الأرضية كدائرة أستغربوا الأشياء الموجودة أسفل هذه الدائرة ) ، وقالت أنه لو صح ھذا الزعم لوجب أن يمضي المسیح إلى سكان الوجه الآخر من الأرض ويموت مصلوباً ھناك من أجل خلاصھم "


          رغم ذلك فقد كانت لهذه النظريات أثار واسعة أفقدت الكثیرين ثقتھم في الكنیسة التشكیك في سلامة معلوماتھا ، وھو أثر له أھمیته القصوى ، كما أنھا أعطت الأولوية للتجربة والبحث العقلي في الوصول إلى الحقائق .

          وبعد ذلك أتخذ الصراع شكلا جديدا فقد أصبح النزاع بین مرقب جالیلو وحجج الكنیسة الواھیة نزاعاً بین النص الذي تعتمد علیه أدلتھا وبین العقل والنظر الذي استند إلیه أصحاب النظريات الجديدة ، وثار العلماء ودعاة التجديد مطالبین بتقديس العقل واستقلاله بالمعرفة بعیدا عن الوحي وقد كانت هذه الثورة تدريجية ولم يجرؤ دعاة المذھب العقلي أول الأمر على إنكار الوحي بالكلیة ( أبرزهم ديكارت ) ، بل جعلوا لكل من الطرفین دائرة خاصة يعمل فیھا مستقلاً عن الآخر _ وقد تتطوت بعد ذلك على الإنكار الكامل للوحي والدين _
          ، فقد وجد فلاسفة آخرون معاصرون لھؤلاء لم ترق لھم ھذه الفلسفة ، بل أغرتھم تفاھة آراء الكنیسة وحقدھم علیھا أن يھاجموا التعالیم الدينیة ھجوماً مباشراً وكان "سبینوزا" الذي كان بحكم يهوديته أعنف ھؤلاء ، فقد طبق المنھج العقلي على الكتاب المقدس نفسه ووضع الأسس التي قامت علیھا "مدرسة النقد التاريخي " التي ترى أنه يجب أن تدرس الكتب الدينیة على النمط نفسه الذي تدرس به الأسانید التاريخیة أي على أساس أنھا تراث بشري ولیست وحیاً إلھیا .


          كما استطاع "باسكال " أن يوجه نقده إلى عقیدة الخطیئة قائلاً :" لا شيء يزحم العقل الإنساني بالألم كعقیدة الخطیئة الأصلیة وأنه لیبدو أبعد ما يكون عن العقل أن يعاقب إنسان من أجل خطیئة اقترفھا أحد أسلافه منذ أربعة آلاف سنة ".

          ثم جاء ( جون لوك ) طالب بإخضاع الوحي للعقل ، كما دعا إلى تطبیق مبدأ جديد على الحیاة الأوربیة آنذاك ، وھو مبدأ التسامح الديني وإعطاء الحق لكل إنسان في أن يعتنق ما يشاء ويكفر بما يشاء من الأديان والمذاھب .
          على أن نقد ھؤلاء الرواد لم يصل إلى إنكار الوحي والرسالات السماوية بصراحة كما أنه ظل خافتاً أمام بطش محاكم التفتیش .

          وقد تعرضت كتب ديكارت وسبینوزا ولوك وأضرابھا للحرق والمصادرة كما تعرضوا شخصیاً للإيذاء والمضايقة من قبل الكنیسة . إلا أن تفجر البركان العلمي في كل مكان والخلافات الداخلیة بین الطوائف المسیحیة شغلتھا عن إعطائھم ما يستحقون من الاھتمام .

          كما أن النظريات الجديدة عن الكون في ھذا القرن قد غمرت الأفكار الفلسفیة واستأثرت بالاھتمام البالغ من قبل الأوساط الدينیة والعلمیة على السواء ، وأعظم ھذه النظريات " نظرية الجاذبیة " لإسحق نیوتن .

          ولد إسحاق نیوتن في السنة التي توفي فیھا جالیلو ١٦٤٢ م ، ويعد عمله تتمیماً لما بدأه جالیلو ، فقد مھد اكتشاف جالیلو لقانون البندول سنة ١٦٠٤ م الطريق أمام النظرية القائلة " أنه من الممكن تفسیر ظواھر الطبیعة بربط بعضھا ببعض دون حاجة إلى تدخل قوى خارجیة عنھا " ، وبذلك كان ھذا الاكتشاف الضئیل بمثابة النواة للمذھب "الطبیعي "والنظرية المیكانیكیة اللذين كان لھما صدى واسع فیما بعد .
          وقد حاربت الكنیسة ھذه النظرية وشنعت على معتنقیھا قائلة : إن الأشیاء لا تعمل بذاتھا ولكن عناية الله ھي التي تسیرھا ، ولم تكن الكنیسة من سعة الأفق عل جانب يسمح لھا بتفھم عدم المنافاة بین نسبة الأفعال إلى الله تعالى باعتباره الفاعل الحقیقي وبین نسبتھا إلى الأسباب باعتبارھا وسائط مباشرة ، بل كان حنقھا على كل جديد صارفاً لھا عن ذلك ، كما أن أصحاب النظرية اندفعوا وراء رد الفعل الأھوج فأنكروا عمل العناية الإلھیة وربط الأسباب بالمسببات معتقدين أن كل ما عرفت علته المباشرة فلا داعي لافتراض تدخل الله فیه – حسب تعبیرھم - .

          فلما جاء نیوتن بنظرية الجاذبیة مؤيدة بقانون رياضي مطرد انبھرت عقول الفئات المثقفة واتخذھا أعداء الدين سلاحاً قوياً حتى لقد سمیت "الثورة النیوتونیة " وأحس ھؤلاء بنشوة انتصار عظیمة ، فقد أمكن تفسیر الكون كله بھذا القانون الخارق ، كما تأكدت صحة نظريات كوبرنیكوس وبرونو وجالیلو . وفي الوقت نفسه اھتز موقف الكنیسة وتداعت حججھا الواھیة أكثر من ذي قبل ، ولجأت إلى التعسف والعنف وھاجم رجالھا نیوتن الذي كان مؤمناً بوجود الله ، بحجة أنھا تفضي إلى إنكار وجود اله ، بنفي العناية الإلھیة من الكون . وقد ثبت أنھم كانوا على حق في توقعھم ھذا ، لكنھم كانوا مخطئین في موقفھم من النظرية ، فقد ساعد ھذا الموقف الخاطئ على الوصول إلى تلك النتیجة الباطلة .

          ولا شك أن نظرية نیوتن من أعظم النظريات العلمیة أثراً في الحیاة الأوروبیة فھي التي وضعت الفكر المادي الغربي وإلیھا يعزى الفضل الأكبر في نجاح كل من المذھب العقلي والمذھب الطبیعي . كما أن مذھب الإيمان بإله مع إنكار الوحي ، والإلحاد ذاته مدينان لھذه النظرية من قريب أو بعید ، على أن ھذه الآثار لم تظھر إلا فیما بعد .


          يتبع ...
          التعديل الأخير تم بواسطة ستعود فلسطين; 30 نوف, 2011, 01:06 ص.

          تعليق

          • ستعود فلسطين
            1- عضو جديد

            • 14 أكت, 2011
            • 81
            • غير ذلك
            • مسلم

            #6

            يتبع إن شاء الله ...

            تعليق

            • ستعود فلسطين
              1- عضو جديد

              • 14 أكت, 2011
              • 81
              • غير ذلك
              • مسلم

              #7
              أما في القرن السابع عشر فإن النتائج الإيجابیة التي أمكن للعلماء أن يكونوا منھا النظرية العلمیة المعادية لتعالیم الكنیسة والتي اشتقت من نظريتي كوبرنیكوس ونیوتن – ھي كما لخصھا "برتراندرسل " ثلاث نتائج :

              ١- أن تقرير الحقائق يجب أن يبنى على الملاحظة لا على الرواية غیر المؤيدة (أي النصوص ) .
              ٢- أن العالم غیر الحیواني نظام متفاعل في نفسه مستبق لنفسه وتنطبق كل التغیرات فیه مع قوانین الطبیعة.
              ٣- أن الأرض لیست مركز الكون وأن الإنسان ربما يكون الھدف من وجودھا ، إذا كان لوجودھا أي ھدف ، وفوق ذلك أن فكرة الھدف فكرة لا فائدة منھا من الناحیة العلمیة .

              وإذا كان القرن السابع عشر ھو قرن الإنتفاضة العارمة على الكنیسة ومبادئھا فإنه كذلك القرن الذھبي لمحاكم التفتیش فقد قاسى العلماء أنواع الإضطھاد ، واستخدمت ضدھم أسالیب القمع الوحشیة وظھرت الفھارس أو "القوائم البابوية " التي تحتوى على أسماء الكتب المحرمة وكان وجود شيء من ھذه الكتب في حوزة إنسان ذريعة لسوقه إلى محكمة التفتیش وتعريضه لألیم عقابھا .

              قاومت الكنیسة كل محاولة للتجديد وإن كانت نافعة خیرة فقد كفرت رئیس بلدية في ألمانیا لأنه اخترع غاز الاستصباح بحجة أن الله خلق اللیل لیلاً والنھار نھاراً وھو بمخترعه يريد تغییر مشیئة الخالق فیجعل اللیل نھاراً .

              وأضطرب حبل الكنیسة بظھور الروح الجديدة إضطراباً واضحاً وألقت بكل ثقلھا في معركة كانت في غنى عن دخولھا أمام الناس – لا سیما المثقفون – فقد اھتبلوا الفرصة وخیل إلیھم أن الأقدار قد لاقت إليهم مفتاحاً سحرياً يخلصھم من سجن الكنیسة وأغلالھا ذلك ھو مفتاح "العلم والتجربة " .
              كان إيمان ھؤلاء بالمسیحیة متغلغلاً إلى درجة يصعب معھا فراقه ولكن كفرھم برجال الدين – أولئك الطغاة المتغطرسین – كان كفراً صريحاً لا ھوادة فیه .

              ونستطیع أن نقول : أن ما قام به علماء وفلاسفة القرن السابع فعل غیر موجه ھدفه الإنفكاك من رقبة الكنیسة والتحرر من عبوديتھا فلم يكن ھمھم " إلى أين نتجه ؟ " بقدر ما كان "كیف نھرب ؟ " .

              ولكن التأثیرات والإيحاءات الفلسفیة لنظرية نیوتن أسھمت في إيجاد فكر لا ديني منظم ينتھج طرائق محددة ، وإن كان قد ظل مشوباً بالتعصب والسلبیة ، مندفعاً في مھاجمة الكنیسة ومعتقداتھا .

              ولعل من الصواب أن نقول : أن نظرية نیوتن لم تمھد فكرياً للثورة الفرنسیة فحسب ، بل أنھا قطعت نصف الطريق إلى داروين أيضاً.

              والكلام عن آثار النیوتنیة ينقلنا إلى القرن الثامن عشر الذي كان دخوله إيذاناً بأفول نجم الكنیسة وولادة آلھة جديدة لا كنائس لھا .

              ثانیاً – القرن الثامن عشر :
              يتمیز القرن الثامن عشر بظھور روح الشك العام في كل شيء تقريباً ، ومع ذلك فقد ظھرت فلسفات إيجابیة متنوعة يدور محورھا حول كلمتین ھما في الواقع صنمان استحدثھما الھاربون من نیران الكنیسة لیحلا محل إلھھا المخیف وھما "العقل والطبیعة " .

              أما العقل فلم يعد مقیداً بأغلال الثنائیة الديكارتیة بل بدأ يبحث عن ذاته ويسلك طريقه لكي يتصرف كما لو كان "إلھا" بالفعل ، وتعالت أصوات الباحثین والفلاسفة منادية بان العقل ھو الحكم الوحید والعقل ھو كل شيء وما عداه فوھم وخرافة ، الوحي يخالف العقل فھو أسطورة كاذبة ، والمعجزات لا تتفق ومألوف العقل فھي خرافات بالیة .
              والفداء والصلب والرھبانیة ..الخ ، كلھا أباطیل مضللة وعقائد مرذولة لأنھا لا تتسق مع العقل .

              والصنم الثاني كان "الطبیعة " .

              يقول "سول " : " صار لزاماً على الذين نبذوا الإيمان بالله كلیة أن يبحثوا عن بديل لذلك ووجدوه في الطبیعة ".

              وكتب الفكر الغربي تسمي ذلك العصر عصر "تألیه الطبیعة " أو عبادة الطبیعة ، ولیست ھذه العبارات مجازاً ، بل ھي مستعملة على الحقیقة تماماً ، فكل صفات الله التي عرفھا الناس عن المسیحیة نقلھا فلاسفة الطبیعة إلى إلھھم الجديد ، مع فارق كبیر بین الإلھین في نظرھم .

              فإله الكنیسة بطاش حقود يعذب السلالة البشرية ويقتل ابنه لان الإنسان الأول أكل فاكھة من حديقته .
              وھو إله متعنت يضع القیود الإعتباطیة على حرية الإنسان ويقیده بالإلتزامات ويفرض علیه الرھبانیة والخضوع المذل لممثلیه على الأرض.

              أما الطبیعة فإله "جذاب " رحب الصدر لیس له كنیس ولا إلتزامات ولا يستدعي طقوساً ولا صلوات وكل ما يطالب به الإنسان أن يكون إنساناً طبیعیاً يلبي مطالبه الطبیعیة في وضوح وصراحة .
              والإله الجديد لیس له رجال دين يستعبدون الناس لأنفسھم ولا كتاب مقدس متناقض ولا أسرار علیاً مقدسة ، بل له دعاة من أمثال "روسو" وفولتیر وديدرو " وله كتب علمیة ھي "دائرة المعارف " أو "العقد الاجتماعي " أو " روح القوانین " .

              والقانون الطبیعي "الجاذبیة "يجعل الكون مترابطاً متناسقاً لا اضطراب فیه ولا خلل وبالمقابل جعلت الطبیعة للإنسان قانوناً يكفل له السعادة التامة ولكن النظم الإنسانیة والأديان طمست ھذا القانون فشقي الإنسان وتعذب .

              تلك ھي المبادئ الأولى للمذھب الطبیعي الذي تبلور لیصبح ديناً إنسانیاً عند "كومت " في القرن التاسع عشر ، وعنه انبثقت الماديات المتعددة التي تفسر الكون تفسیراً آلیاً حسب القوانین التي سمیت "قوانین الطبیعة " .

              يتبع ..
              التعديل الأخير تم بواسطة ستعود فلسطين; 3 ديس, 2011, 01:05 ص.

              تعليق

              مواضيع ذات صلة

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
              ردود 0
              212 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Islam soldier
              بواسطة Islam soldier
              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
              ردود 0
              42 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Islam soldier
              بواسطة Islam soldier
              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
              ردود 0
              61 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Islam soldier
              بواسطة Islam soldier
              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
              ردود 0
              98 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة عادل خراط
              بواسطة عادل خراط
              ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
              ردود 3
              114 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
              بواسطة Ibrahim Balkhair
              يعمل...