الصوفية الوجه الآخر

تقليص

عن الكاتب

تقليص

المهندس زهدي جمال الدين مسلم اكتشف المزيد حول المهندس زهدي جمال الدين
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 7 (0 أعضاء و 7 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • المهندس زهدي جمال الدين
    12- عضو معطاء

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 3 ديس, 2006
    • 2169
    • مسلم

    #16
    النموذج الأول
    فكر ابن عربي
    ما وراء إحياء أفكار ابن عربي:قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: " وفي هذه الأيام يوجد تعاون بين قسم الدراسات الإسلامية في السوربون وبين المسئولين عن العلوم والآداب والفنون عندنا على إخراج كتاب الفتوحات المكية في بضعة وثلاثين سفرًا، في نسخ أنيقة فاخرة لتيسير تداولها بين الناس، ولنشر فكر ابن عربي الذي تحتاج إليه أوروبا في هذه الأيام... والسعي لإحياء أفكار ابن عربي جزء من تضليل أمتنا وتعتيم الرؤية أمامها, أو هو عرض لدين مائع يسوي بين المتناقضات؛ إذ قلب ابن عربي – كما وصف نفسه - دير لرهبان وبيت لنيران وكعبة أوثان، إنه تثليث وتوحيد ونفي وإثبات.. هذا الكلام الغث هو قرة عين الصليبين وأمثالهم, وهو ما يراد الآن نشره على أوسع نطاق... إن علماء الأزهر في العصر الأيوبي أنكروا تفكير هذا الرجل وحكموا بكفره وأودع السجن ليلقى جزاءه, لكن أصدقاءه نجحوا في تهريبه'. [تراثنا الفكري 72: 74].ولد الشيخ ابن عربي سنة 560 هجرية 1165 ميلادية في مدينة مرسية علي الساحل الشرقي في الأندلس، وتوفي في دمشق عن عمر يناهز الثمانين، واللافت بحق أن ضريحه غدا مزاراً لا بوصفه مفكراً، بل بوصفه ولياً ذا كرامات، يُتوسل به في نقل احتياجات العامة إلي البارئ العظيم.ويرجع فضل انتشار فكر ابن عربي على نطاق واسع إلى كتابين "روضة السر" للشبستري ت 1311م (بالفارسية) و"الإنسان الكامل " للجيلي ت 1408م (ب*********، لكنها ترى أن على المرء ألا يستخلص نتائج بعيدة المدى من استخدام وحدة الوجود في الشعر حيث استخدمت لدى الشعراء الأكثر التزاماً بمبادئ الشرع، ولا غنى عن أن يميز الإنسان بعناية بين اللغة الشعرية والأنظمة الخارجة عن نطاق المادة. وكتاب الفتوحات المكيةمن أعظم كتبه في علم التصوف التي تحتوي أكثر من 4000 صفحة قال فيها الشيخ كنت نويت الحج والعمرة فلما وصلت أم القرى أقام الله سبحانه وتعالى في خاطري ان اعرف الولي يفنون من المعارف حصلتها في غيبتي وكان الأغلب هذه منها ما فتح الله سبحانه وتعالى على ثم طوافي بيته المكرم. وقال في الباب الثامن والأربعين واعلم ان ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن عن اختيار ولا عن نظر المذوق وإنما الحق تعالى يملى لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره وقد نذكر كلاما بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بما بعده وذلك شبيه بقوله سبحانه وتعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بين آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة وقال واعلم ان جميع ما أتكلم فيه في مجالسي وتصانيفي إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه فإني أعطيت مفاتيح الفهم فيه والإمداد منه. اختصار الفتوحات المكيةوقد اختصرها الشيخ عبد الوهاب بن احمد الشعراني المتوفى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة وسماه لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية وفرغ في ذي الحجة سنة ستين وتسعمائة ثم لخص ذلك التلخيص ثانيا وسماه الكبريت الأحمر من علوم ذكر فيه ان جماعة من مشايخ عصر بمصر سألوه اختصاره بمعنى انه حذف لهم منه كل ما لا نعم تمس الحاجة إليه من المسائل لا بمعنى تقليل اللفظ وتكثير المعنى فأجاب ولم يخرج عن ترتيب الشيخ على خمسمائة وستين بابا.ويعتبر هذا الكتاب من أهم نصوص التصوف الإسلامي، كما يعد مؤلفه الشيخ محيى الدين ابن عربي (ت 638 ﻫ.) من أكبر شخصياته، بل يمكن عده من أكبر شخصيات التصوف بصفة عامة.ـ بدأ ابن عربي تأليف الكتاب لأول مرة بمكة وهو يحج سنة 598 ﻫ. ، وأكمله بدمشق سنة 629 ﻫ. ، ثم أعاد كتابته مرة أخرى في الفترة بين سنة 632 ﻫ. إلى 636 ﻫ. ، مضيفا تارة، ومختصرا أخرى، ومحيلا ثالثة على النسخة الأولى.ـ وللكتاب العديد من المخطوطات بمكتبات العالم ، أهمها مخطوطة قونية التي بخط ابن عربي ، وتمثل الإبرازة الثانية للكتاب والتي فرغ منها سنة 636 ﻫ. ، وقد قسمها المؤلف إلى (37) سفرا ، وهى محفوظة حاليا بمكتبة إيفكاف موسيى بتركيا (أرقام : 1845- 1881) . كما توجد نسخ تمثل الإبرازة الأولى التي فرغ منها سنة 629 ﻫ. ، ومنها نسخة محفوظة بمكتبة با يزيد بتركيا (أرقام : 3441 - 3443) .ـ طبع الكتاب عدة مرات ، أولها طبعة بولاق بمصر سنة 1274 ﻫ. ، ثم أعيد طبعه سنة 1293 ﻫ. ، بتصحيح الشيخ محمد قطة العدوى . ثم قامت دار الكتب العربية الكبرى بمصر (مصطفى الحلبي وأخويه) بطباعته سنة 1329 ﻫ. ، على نفقة الحاج فدا محمد الكشميري وشركاه بمكة ، وتم فيها تدارك ما وقع في طبعتي بولاق من أخطاء ، وذكر الشيخ محمد الزهري الغمراوي رئيس لجنة التصحيح بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى أنه فات طبعتي بولاق الوقوفُ على نسخة المؤلف ، وأنه من العناية الإلهية أن سيقت لهم نسخة تمت مقابلتها على نسخة قونية التي بخط المؤلف ، قابلها جماعة من العلماء بأمر الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله تعالى . ـ كما قدم الدكتور عثمان يحيى تحقيقا للكتاب وصل فيه إلى السفر (14) بحسب تقسيم مخطوطة قونية (37 سفرا) ، وتوفى دون أن يكمله .

    تعليق

    • المهندس زهدي جمال الدين
      12- عضو معطاء

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 3 ديس, 2006
      • 2169
      • مسلم

      #17
      المادة الداخلية للفتوحات :ـ قسم المؤلف الكتاب إلى ستة فصول ، تحتوى على (560) بابا :ـ الفصل الأول في المعارف (الأبواب من 1 – 73) .ـ الفصل الثاني في المعاملات (الأبواب 74 – 188) . ـ الفصل الثالث في الأحوال (الأبواب 189 – 269) . ـ الفصل الرابع في المنازل (الأبواب 270 – 383) .ـ الفصل الخامس في المنازلات (الأبواب 384 – 461) . ـ الفصل السادس في المقامات (الأبواب 462 – 560) .ـ وقدم المؤلف للكتاب بخطبة وفهرست لفصول الكتاب وأبوابه، ومقدمة في تمهيد ما يتضمنه الكتاب من العلوم الإلهية، كما تشتمل على بيان لطريق التصوف. ـ وتندرج تحت أبواب الكتاب الخمسمائة والستين (560) مئات العناوين الجانبية ، حيث تنوع أسلوب الشيخ ابن العربي في إبراز ما يريد من مادة الكتاب فتارة يجعله متوسطا في سطر مستقل بخط عريض عن الخط المعتاد ، وتارة يترك قبله فراغا كبيرا وبعده فراغا كبيرا ، وتارة يجعل العناوين في حاشية الصفحة ، وتارة ينهى الكلام السابق بدارة (دائرة صغيرة) ثم يترك فراغا ليبدأ موضوعا جديدا أو تقسيما أو نحو ذلك مما يفيد الانتقال إلى عنوان آخر ، إلى غير ذلك من الصور الأخرى التي راوح المؤلف بينها تقسيما للمادة العلمية الطويلة للكتاب ، وهو في كل ذلك يحرص على استهلال كلامه بما يدل على الموضوع الذي يشرع فيه ، ويصلح أن يكون عنوانا له . وهو رائد الصوفية المتفلسفة بلا منازع.ومصطلح الصوفية المتفلسفة هو مصطلح الغزالي في كتابه " رسالة معراج السالكين", والغزالي نفسه كان منهم وله " تهافت الفلاسفة", و" فضائح الباطنية" , و" المنقذ من الضلال " .وكذلك فخر الدين الرازي، ونصير الدين الطوسي, وامتزج التصوف بالفلسفة الواردة على الفكر العربي الديني، وكان البيروني قد ذكر في أصل التصوف أنه ليس عربياً وأن اللفظة أصلها الإيتيمولوچي هو (صوفيا اليونانية)، وصوفيا هي الحكمة أو الفلسفة، فمن باب التواضع لا يسمى الحكيم فيلسوفاً ولكنه محب للحكمة، أو الفلسفة، حيث أن كلمة فيلسوف من مقطعين: فيلا أي محبة، وصوفيا أي الفلسفة، وتلك فوارق و تخريجات لم يعرفها العرب، والأصوب أن العرب اعتبروا الصوفي هو الحكيم نفسه.غير أن نسبة التصوف في الصوفي المتفلسف قد تزيد وقد تنقص ويزيد عليها التفلسف في هذه الحالة، فالسهر وردي المقتول يُظهر من التفلسف أكثر من التصوف، وكذلك الحلاج وكذلك البسطامي.والسهروردي والحلاج كلاهما قُتل لأنه متفلسف أكثر منه متصوف.ويُذكر ابن عربي كفيلسوف وليس كصوفي، بسبب نظريته في وحدة الوجود، وهذه النظرية هي ما بقي منه، أي أن الصوفي المتفلسف الذي يذكرونه بالشيخ الأكبر لم يعد الناس يذكرون له سوى ما قاله كفلسفة وليس كتصوف.وربما كانت فلسفة ابن عربي أصولها مسيحية يستقيها من الحلول والتحاد ووحدة الوجود في النصرانية، وورث ذلك عن طريق الأندلس، وربما كانت مدرسته في وحدة الوجود هي رسائل إخوان الصفا، وهي حافلة بالفلسفة اليونانية أو الأفلاطونية المحدثة، وظهر ذلك جلياً في أقوال الجنيد الذي يقال أنه مؤسس التصوف، ومنها:قوله: " فأين ما لا أين لأينه.. إذ مؤين الأينات مبيد لما أينه ".وقوله: " فكان حيث لم يكن، ولم يكن حيث كان، ثم كان من بعد ما لم يكن حيث كان".وهم يفرقون بين الصوفي والمتصوف، كالفرق بين الفيلسوف والمتفلسف، وعن الحلاج قال: من أشار إليه فهو متصوف، ومن أشار عنه فهو صوفي، والأول يفرّق بين الرب والعبد، والثاني صار الربّ والعبد واحداً، حتى ليتكلم العبد باسم الرب.

      تعليق

      • المهندس زهدي جمال الدين
        12- عضو معطاء

        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 3 ديس, 2006
        • 2169
        • مسلم

        #18
        النموذج الثاني
        عبد الكريم الجيلي وكتابه الإنسان الكامل:
        هذا عبد الكريم الجيلي يكتب كتابه (الإنسان الكامل) زاعماً أيضاً أنه من الله أخذه، وأن الله أمره بإخراج هذا الكتاب للناس وأنه ليس فيه شيء إلا وهو مؤيد بالكتاب والسنة يقول:".. ثم ألتمس من الناظر في هذا الكتاب بعد أن أعلمه أني ما وضعت شيئاً في هذا الكتاب إلا وهو مؤيد بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه إذا لاح له شيء في كلامي بخلاف الكتاب والسنة فليعلم أن ذلك من حيث مفهومه لا من حيث مرادي الذي وضعت الكلام لأجله فليتوقف عن العمل به مع التسليم إلى أن يفتح الله تعالى عليه بمعرفته، ويحصل له شاهد ذلك من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه.وفائدة التسليم هنا وترك الإنكار أن لا يحرم الوصول إلى معرفة ذلك، فإن من أنكر شيئاً من علمنا هذا حرم الوصول إليه ما دام منكراً، ولا سبيل إلى غير ذلك، بل ويخشى عليه حرمان الوصول إلى ذلك مطلقاً بالإنكار أول وهلة، ولا طريق له إلا الإيمان والتسليم.واعلم أن كل علم لا يؤيده الكتاب والسنة فهو ضلالة، لا لأجل ما لا تجد أنت له ما يؤيده، فقد يكون العلم في نفسه مؤيداً بالكتاب والسنة، ولكن قلة استعدادك منعتك من فهمه فلن تستطيع أن تتناوله له بهمتك من محله فتظن أنه غير مؤيد بالكتاب والسنة، فالطريق في هذا التسليم وعدم العمل به من غير إنكار إلى أن يأخذ الله بيدك إليه" (الإنسان الكامل ص8).علماً بأنه لم يضع فيه شيئاً مطلقاً وافق الكتاب والسنة، بل جمع فيه من الكفر والزندقة أعظم من كل كفر الأولين والآخرين كيف لا وقد جعل كل من عبد شيئاً في الأرض فما عبد إلا الله. بل زعم أنه ليس في الوجود إلا الله، الذي خلق الوجود من نفسه لنفسه فليس هناك إلا هو فهو الرب والعبد، والشيطان والراهب،والسماء والأرض، والظلمات والنور، والحمل الوديع والذئب الكاسر..تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً واستغفر الله من تسطير ذلك وكتابته.. اللهم رحماك رحماك.. لقد قلت سبحانك في كتابك الكريم عن الذين ادعوا الإلوهية في عيسى عليه السلام وهو نبي كريم ونفس طيبة [مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ](الكهف : 5 ). وقلت سبحانك أيضاً [تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)](مريم 90ـ 93).. وهذا الزنديق يا ربي وأمثاله جعلوا كل كلب وخنزير في الأرض، وكل شيطان وإبليس وكل كافر وفاجر جزءاً منك، ومظهراً لك (ومجلى) ـ حسب عبارتهم ـ من مجاليك وتجلياتك ثم أنت ترزقهم وتعافيهم وتحلم عليهم سبحانك ما أحلمك وأجلك وأعظمك. لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.نعود إلى الجيلي وكتابه الذي يقول فيه بالنص:"وكنت قد أسميت الكتاب على الكشف الصريح وأيدت مسائله بالخبر الصحيح (..انظر) وسميته بالإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل". ثم يقول: "فأمرني الحق الآن بإبرازه بين تصريحه وإلغازه، ووعدني بعموم الانتفاع فقلت طوعاً للأمر المطاع، وابتدأت في تأليفه متكلاً على الحق في تعريفه، فها أنا ذا أكرع من دنه (الدن: هو وعاء الخمر الذي يخمر فيه) القديم، بكأس الاسم العليم، في قوابل أهل الإيمان والتسليم خمرة مرضعة من الحي الكريم، مسكرة الموجود بالقديم) أ.ﻫ(ص6).ما الذي يتكلم عليه الجيلي في هذا الكتاب:إن كتابه من أوله وآخره يدور حول معنى واحد وهو وصف الله بصفات مخلوقاته، وبيان أن المخلوق هو عين الخالق.. هذا كل ما يريد الجيلي أن يصل إليه وهذا هو ما شرحه شرحاً كاملاً في كتابه، وأضاف أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل والإله الكامل الذي اتصف بكل صفات الله بعلوها وسفلها، بحلوها ومرها؛ فقل هو الله أحد معناها كما يفسرها الجيلي: قل يا محمد الإنسان هو الله أحد. فهاء الإشارة في (هو) راجع إلى فاعل قل وهو أنت.. فيكون المعني يا محمد هو أي أنت الله أحد.. هذا هو الكشف الذي كشفه لنا الجيلي من الغيب وهذا هو الكتاب الذي ليس فيه شيء يخالف الكتاب والسنة.وهذا نص عبارة الجيلي في ذلك:.."الحرف الخامس من هذا الاسم: هو الهاء، فهو إشارة إلى هوية الحق الذي هو عين الإنسان قال الله تعالى (قل) يا محمد (هو) أي الإنسان (الله أحد) فهاء الإشارة في هو راجع إلى فاعل قل وهو أنت، وإلا فلا يجوز إعادة الضمير إلى غير مذكور أقيم المخاطب هنا مقام الغائب التفاتاً بيانياً إشارة إلى أن المخاطب بهذا ليس نفس الحاضر وحده، بل الغائب والحاضر في هذا على السواء.قال الله تعالى [وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ](الأنعام : 27 ). ليس المراد به محمداً وحده بل كل راء، فاستدارة رأس الهاء إشارة إلى دوران رحى الوجود الحقي والخلقي على الإنسان، فهو في عالم المثال كالدائرة التي أشارت الهاء إليها، فقل ما شئت إن شئت قلت الدائرة حق وجوفها خلق، وإن شئت قلت الدائرة خلق وجوفها حق فهو حق وهو خلق، وإن شئت قلب الأمر فيه بالإلهام، فالأمر في الإنسان دوري بين أنه مخلوق له ذل العبودية والعجز وبين أنه على صورة الرحمن، فله الكمال والعز.قال الله تعالى (والله هو الولي) يعني الإنسان الكامل الذي قال فيه[أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ](يونس : 62 ). لأنه يستحيل الخوف والحزن وأمثال ذلك على الله لأن الله هو الولي الحميد ([فاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (الشورى : 9 ). أي الولي، فهو حق منصور في صورة خلقية، أو خلق متحقق بمعاني الإلهية، فعلى كل حال وتقدير وفي كل مقال وتقرير هو الجامع لوصفي النقص والكمال، والساطع في أرض كونه بنور شمس المتعال، فهو السماء والأرض، وهو الطول والعرض، وفي هذا المعنى قلت:
        لي الملك في الدارين لم أرى فيهما

        سواي فأرجو فضله أو فأخشاه

        ولا قبل من قبلي فالحق شأنه

        ولا بعد من بعدي فأسبق معناه
        وقد حزت أنواع الكمال وإنني

        جمال جلال الكل ما أنا إلا هو
        فمهما ترى من معدن ونباته

        وحيوانه مع أنه وسجاياه
        ومهما ترى من عنصر وطبيعة

        ومن هباء الأصل طيب هيولاه
        ومهما ترى من أبحر وقفاره

        ومن شجر أو شاهق طال أعلاه
        ومهما ترى من صورة معنوية

        ومن شهد للعين طال محياه
        إلى أن يقول: (ص31)فإني ذلك الكل والكل مشهدي أنا المتجلي في حقيقته لا هوويشرح الجيلي هذا المعنى المجمل تفصيلياً في الباب الستين من كتابه فيقول بالنص:الباب الستين: في الإنسان الكامل وأنه محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مقابل للحق والخلق."اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوع في ملابس ويظهر في كنائس ********* مكان العبادة عند النصارى. والمعنى المشار إليه هنا أنه يوصف بالشيء ونقيضه كما قال فريد الدين العطار:
        وما الكلب والخنزير إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة)
        فيسمى به باعتبار لباس، ولا يسمى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبد الله، ولقبه شمس الدين، ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام، وله في كل زمان اسم ما يليق بلباسه في ذلك الزمان، فقد اجتمعت به صلى الله عليه وسلم وهو في صورة شيخي الشيخ شرف الدين إسماعيل الجبرتي، ولست أعلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أعلم أنه الشيخ، وهذا من جملة مشاهد شاهدته فيها بزبيد سنة ست وتسعين وسبعمائة وسر هذا الأمر تمكنه صلى الله عليه وسلم من التصور بكل صورة، فالأديب إذا رآه في الصورة المحمدية التي كان عليها في حياته فإنه يسميه باسمه، وإذا رآه في صورة ما من الصور وعلم أنه محمد فلا يسميه إلا باسم تلك الصورة، ثم لا يوقع ذلك الاسم الأعلى الحقيقة المحمدية.

        تعليق

        • المهندس زهدي جمال الدين
          12- عضو معطاء

          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 3 ديس, 2006
          • 2169
          • مسلم

          #19
          الفصل السادس

          مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ


          إن أمر التصوف كله مختلف فيه , فكما أختلف في أصله واشتقاقه , وحده وتعريفه , بدئه وظهوره , وفي أول من تسمى به وتلقب به , كذلك اختلف في منبعه ومأخذه , ومصدره ومرجعه , فتشعبت الآراء وتنوعت الأقوال , وتعددت الأفكار , فقال قائل : إنه إسلامي بحت في أشكاله وصوره , ومبادئه ومناهجه , وأصوله وقواعده , وأغراضه ومقاصده , حتى في ألفاظه وعباراته , وفلسفته وتعاليمه , ومواجيده وأناشيده , ومصطلحاته ومدلولاته , وهذا هو إدعاء الصوفية ومن والاهم , وناصرهم , ودافع عنهم .

          وقال قوم : لا علاقة له بالإسلام إطلاقا , قريبة ولا بعيدة في اليوم الذي نشأ فيه , ولابعد ماتطور , وهو أجنبي عنه كاسمه , فلذلك لا يفتش عن مصادره ومآخذه في القرآن والسنة وإرشاداتهما , بل يبحث عنها في الفكر الأجنبي , وهو رأي أكثر السلفيين ومن نهج منهجهم وسلك مسلكهم وكذلك الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة من المتقدمين , والأكثرية الساحقة من المستشرقين , والكثير من الباحثين والمفكرين المتحررين من الجمود وعصبية التقليد , من المتأخرين .

          وقالت طائفة : إنه اسم للزهد المتطور بعد القرون المشهود لها بالخير كردّ فعل لزخرفة المدينة وزينتها التي انفتحت أبوابها على المسلمين بعد الغزوات والفتوحات وانغماسهم في ترف الدنيا ونعيمها , ثم حصلت فيه التطورات , ودخلت أفكار أجنبية والفلسفات غير الإسلامية وذهب إلى هذا الرأي ابن تيمية والشوكاني من السلفيين وغيرهم من بعض أعلام أهل السنة , حتى الصوفية أنفسهم وبعض المستشرقين .

          وقال الآخرون : إن التصوف وليد الأفكار المختلطة من الإسلام واليهودية والمسيحية ومن المانوية والمجوسية والمزدكية , وكذلك الهندوكية والبوذية , وقبل كل ذلك من الفلسفة اليونانية وآراء الأفلاطونية الحديثية , وتمسك بهذا الرأي بعض الكتّاب في الصوفية من المسلمين وغير المسلمين .

          فهذه هي خلاصة الاختلاف والآراء المختلفة في أصل التصوف ومأخذه , ننقاشها في هذا الباب , وندعم رأينا الذي نراه من بين هذه الآراء المتعددة , بالأدلة والشواهد , الخارجية منها والداخلية.
          فنقول : إن أفضل طريق للحكم على طائفة معينة وفئة خاصة من الناس هو الحكم المبني على آرائه وأفكاره التي نقلوها في كتبهم المتعمدة والرسائل الموثوق بها لديهم بذكر النصوص والعبارات التي يبني عليها الحكم , ويؤسس عليها الرأي ولا يعتمد على أقوال الآخرين ونقول الناقلين , اللهم إلا للاستشهاد على صحة استنباط الحكم وإستنتاج النتيجة .

          وهذه الطريقة ولو أنها طريقة وعرة شائكة , صعبة مستعصبة , وقل من يختارها ويسلكها , ولكنها هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيها العدل والإنصاف .
          وعلى ذلك عندما نتعمق في تعاليم الصوفية الأوائل والأواخر , وأقاويلهم المنقولة منهم , والمأثورة في كتب الصوفية , القديمة والحديثة نفسها , نرى بونا شاسعا بينهما وبين تعاليم القرآن والسنة , وكذلك لا نرى جذورها وبذورها في سيرة سيد الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه الكرام البررة خيار خلق الله وصفوة الكون , بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقتبسة من الرهبنة المسيحية , والبرهمة الهندوكية , وتنسك اليهودية , وزهد البوذية , والفكر الشعوبي الإيراني المجوسي عند الأوائل , والغنوصية اليونانية والأفلاطونية الحديثة لدى الذين جاءوا من بعدهم , وتدل على ذلك تعريفات القوم للتصوف , التي نقلناها عن كبارهم فيما سبق .
          وكما تنطق وتشهد تعاليمهم التي هي بمثابة الأسس للتصوف , والضوابط لمن يدخل في طريقتهم .

          فنبدأ أولا بإبراهيم بن أدهم , وهو من الطبقة الأولى وأئمة التصوف الأوائل , وكثيراً ما تبدأ كتب طبقات الصوفية بذكره واسمه , ولا يخلوا كتاب من كتب التصوف وسيرته .
          ومما يذكر بيانا لشأنه الرفيع ومكانته السامية أنه كان من أبناء الملوك وملكا لبلخ , وتزوج من امرأته جميلة , وله ولد , ولكنه ترك الملك والزوجة والأولاد , وكل من كان يملكه , للنداء الغيبي , أو للقاء الخضر الذي لقنه ذلك , مثل ما ترك بوذا ملكه وزوجته , وأبنه وملاذ الدنيا وزخارفها طبقا بطبق , وحذو القذة بالقذة , خلافا لتعاليم الإسلام وأسوة الرسول وسيرة الصحابة , ولا يوجد له أي مثال في الكتاب ولا في السنة , ولا من السلف الصالح ومع ذلك يبجّل الصوفية ذكره , ولذلك يجعلونه قدوة يقتدى , ومثالا يحتذى , ويفتخرون بذكره وأحواله , مع أن أحواله تلك ليست إلا ناطقة بالبوذية المنسوخة الممسوخة التي لم ينزل الله بها من سلطان .

          فنود أن نورد تلك الحكاية الصوفية الباطلة , من التصوف القديم الأصيل , ومن الصوفي الذي يعدّ من الأعلام والأقطاب مقارنة بقصة بوذا , المنقولة من الكتب البوذية , ولبيان أنها تشتمل على ترهات وأكاذيب فاحشة مكشوفة تنطق بكونها مختلفة موضوعة مكذوبة.

          وننقل هذه القصة من تذكرة صوفية قديمة ( تذكرة الأولياء ) لفريد اليدن العطار , مقتبسين ترجمتها العربية من صادق نشأت :
          ( إن إبراهيم بن أدهم كان ملكا لبلخ , وتحت إمرته عالم , وكانوا يحملون أربعين سيفا من الذهب وأربعين عمودا من الذهب من أمامه ومن خلفه , وكان نائما ذات ليلة على السرير , فتحرك سقف البيت ليلا , كأنما يمشي أحد على السطح , فنادى : من هذا .. ؟ فقال : صديق فقدت بعيرا أبحث عنه على هذا السقف , فقال : أيها الجاهل , أتبحث عن البعير فوق السطح ...؟ فقال له : وأنت أيها الغافل تطلب الوصول إلى الله في ثياب حريرية وأنت نائم على سرير من ذهب ...؟ فوقعت الهيبة في نفسه من هذا الكلام , واندلعت في قلبه نار , فلم يستطع النوم حتى الصباح , وعندما أشرق الصبح ذهب إلى الإيوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزينا , ووقف أركان الدولة كل في مكانه واصطف الغلمان وأذنوا إذنا عاما , فدخل رجل مهيب من الباب بحيث لم يكن لأي أحد من الخدم أو الحشم الجرأة على أن يقول له من أنت , ولم ينبسوا ببنت شفه , وتقدم الرجل حتى واجه سرير إبراهيم , فقال له : ماذا تريد ..؟ قال : أنزل في هذا الرباط , قال : ليس هذا برباط , إنما هو قصري , وإنك لمجنون , فقال : لمن كان هذا القصر قبل هذا ؟ قال : كان لأبي , قال وقبل ذلك , قال : كان ملكا لجدي ... وقبل ذلك ؟ قال : ملكا لفلان , قال : أو ليس الرباط هو ما يحل به أحد و يغادره الآخر .. ؟ قال هذا و اختفى , وكان هو الخضر عليه السلام , فازدادت حرقة روح إبراهيم ولوعته , وازداد ألمه حدة نتيجة لهذه الحال , وازدادت هذه الحال من واحد إلى مائة ضعف , إذ أنه رأى أنه قد اجتمع ما شاهده نهارا مع ما وقع ليلا ولم يعرف مما سمع , ولم يعلم ماذا رأى اليوم , فقال : أسرجوا الجواد لأني أريد الذهاب للصيد , فقد حدث لي اليوم شيء لست أدري ما هو , فيا إلهي إلى أين تنتهي هذه الحال ... ؟ فأسرجوا له جوادا , وتوجه للصيد , فكان يتجول في البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل , فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من الدهش , فسمع صوتا في الطريق يقول له : انتبه , فانتبه , ولم يصغ إليه , وذهب وجاءه هذا النداء للمرة ثانية , فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك النداء , فأبعد نفسه عنه , وسمع للمرة الرابعة من يقول : ( انتبه قبل أن تنبه ) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها , فأخذت الغزالة تخاطبه قائلة : إنهم بعثوني لصيدك , وإنك لن تستطيع صيدي , ألهذا خلقت ؟ أو بهذا أمرت ؟ إنك خلقت للذي تعمله وليس لك عمل آخر , فقال إبراهيم : ترى ما هذه الحال ....؟ وأشاح بوجهه عن الغزالة , فأرتفع نفس ذلك الصوت الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج , فوقر في نفسه الخوف والفزع وأزداد كشفا , وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث مرات أخر من حلقة جيبه , وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال , وأنفتح عليه الملكوت ونزل , وحصل له اليقين , فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه , وتاب توبة نصوحا , وانتحى ناحية من الطريق , فرأى راعيا يرتدي لبادا , وقد وضع قلنسوة من اللباد على رأسه , وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على وجهه ينوح من ذنوبه , ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور , فأخذ يبحث عن زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة أعوام .
          ومن ذا الذي يعلم ما كان يفعله هناك في الليل والنهار , إنه ينبغي أن يكون رجلا عظيما ذا مادة واسعة حتى يستطيع الإقامة في مثل ذلك المكان , وصعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاهر الغار وجمع حزمة حطب واتجه في الصباح إلى نيسابور حيث باعها , وصلى الجمعة واشترى بثمن الحطب خبزا , وأعطى نصفه لفقير وتناول النصف الآخر , وأتخذ منه إفطاره وداوم صيامه حتى الأسبوع التالي , وبعد أن وقف الناس على شأنه هرب من الغار وتوجه إلى مكة , وقيل أنه بقي أربعة عشر عاما يطوي البادية حيث كان يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على مكة , وروي أنه كان له طفل رضيع عند مغادرته بلخ , ولما أيفع طلب من أمه أباه , فقصت له الأم الحال قائلة : إن أباك قد تاه , ونقل عنه أنه قال : عندما كنت أسير في البادية متوكلا , ولم أتناول شيئا مدة ثلاثة أيام جاءني إبليس وقال : أنت ملك , وتركت هذه النعمة لتذهب جائعا إلى الحج ...؟ لقد كان بمقدورك الحج بعز وجلال حتى لا يصيبك كل هذا الأذى, قال: عندما سمعت هذا الكلام منه رفعت صوتي وقلت : إلهي ‍‍!! سلطت العدو على الصديق حتى يحرقني فأغثني حتى أستطيع قطع هذه البادية بعونك, فسمعت صوتا يقول: يا إبراهيم ‍! ألق ما في جيبك حتى تكشف ما هو في الغيب فمددت يدي
          إلى جيبي فوجدت أربعة دوانيق فضية كانت قد بقيت منسية , ولما رميتها جفل إبليس مني وظهرت قوة من الغيب ) [انظر ( تذكرة الأولياء ) لفريد الدين العطار ص 53 وما بعد ط باكستان ]..

          وورد ذكره وحكايته أيضا في ( طبقات الصوفية ) للسلمي [طبقات السلمي ص 12 مطابع الشعب القاهرة 1380 .] .
          وفي ( حلية الأولياء ) للأصبهاني[ حلية الأولياء للأصبهاني ج7 ص 367 وما بعد ط دار الكتاب العربي لبنان .].
          وفي ( الرسالة ) للقشيري [ الرسالة القشيرية ج1 ص54 وما بعد ط دار الكتب الحديثة – القاهرة بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ]..
          وفي ( جمهرة الأولياء ) للمنوفي الحسيني [ جمهرة الأولياء ج2 ص 125 ط مؤسسة الحلبي - القاهرة 1967م .].
          وفي ( نفحات الأنس ) للجامي [ نفحات الأنس للجامي ص41 الطبعة الفارسية إيران .].
          وفي ( طبقات الأولياء ) لابن الملقن المتوفى 804 ﻫ [ طبقات الأولياء لابن ملقن ص 5 نشر مكتبة الخانجي – القاهرة الطبعة الأولى 1393 ]..
          وفي ( الطبقات الكبرى ) للشعراني [ الطبقات الكبرى للشعراني ج1 ص 69 .] .

          فهذه هي قصة إبراهيم بن أدهم , وفيها ما فيها من ترك الأهل والزوج والولد بدون جريمة ارتكبوها , وإثم اقترفوه , خلافا لأوامر القرآن وإرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم , المشهورة المعروفة شبها ببوذا , وهاهي خلاصة قصته :

          ( وكانت قبيلة ساكياس تقطن في شمال بنارس , وهي التي ولد فيها أواسط القرن السادس قبل الميلاد , وقد مات في سنة 478 قبل الميلاد بعد أن عمر ثمانين عاما . وتزوج بوذا في سن التاسعة عشرة ابنة عمه , وكان في رغد وسعادة . وبينما كان يسير يوما إلى الصيد وهو في التاسعة والعشرين شاهد رجلا قد بلغ من كبر سنه منتهى الضعف والعجز , ورأى في وقت آخر شخصا مبتلى بمرض استعصى علاجه ويحتمل الآلام وبعد مدة أخرى تأثر واشمأز لرؤية منظرا كريها لجثة في حالة من الفساد , وكان خادمه وصاحبه الوفي المسمى ( جانا ) يذكره وينبهه في كل هذه الحالات ويقول له : ( هذا هو مصير حياة البشر ) وشاهد بوذا أحد النساك يمر عليه وهو في منتهى الراحة والأبهة والكرامة فسأل جانا ما حال هذا الرجل .. ؟ فحكي له جانا تفصيلا عن أخلاق الزهاد الذين أعرضوا عن كل شيء وعن أحوالهم, وقال له
          : إن هؤلاء الجماعة في سير وارتحال دائم وهم يعلمون الناس أثناء سياحتهم ورحلاتهم تعاليم هامة بالقول والعمل.
          والخلاصة أنه برغم اختلاف الروايات لا شك في أن ذهن هذا الأمير الشاب قد أخذ يضطرب تدريجيا وينفر من الحياة وضوضائها .
          ووفد عليه رسول يوما في أثناء أزماعه العودة من النزهة وبشره بميلاد ولد هو أول مولود له , فقال بوذا لنفسه في تلك الحالة النفسية المضطربة دون أن يشعر : ( ها هي ذي رابطة جديدة تربطني بالدنيا ) . والخلاصة أنه عاد إلى المدينة بينما كان المطربون يلتفون حوله . فطرب ورقص في تلك الليلة أقاربه وذوو رحمه فرحا بالمولود الجديد . لكن بوذا كان من الامتعاض والاضطراب بحيث لم يكترث بتلك الأوضاع أبدا . وأخيرا نهض من فراشه في آخر الليل كمن التهمت النار داره وأوعز إلى جانا أن يحضر له الفرس ومد رأسه في هذه الأثناء إلى غرفة زوجته وولده الوحيد من غير أن يوقظهما وعلى العتبة أخذ على نفسه عهدا ألا يعود إلى داره ما لم يصبح ( بوذا ) أي ( حكيما مستنيرا ) وقال :
          ( أذهب لأعود إليكم معلما وهاديا لا زوجا ووالدا ) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري , وفي هذه اللحظة ظهر في السماء ( مارا ) أي الوسواس الكبير ( إبليس أو النفس الأمارة ) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه لكنه لم يقع في شرك الوسوسة . فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ النهر ثم وهب لجانا جوهره وملابسه الفاخره وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها في غابة ثم التحق بخدمة برهمي يدعى ( الارا ) كان في تلك البقعة وأختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى ( أودراكا ) وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلها , ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد الجبال , وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية , فاعتزم لهذا أن يهجر ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه وعجزه , وغاب عن وعيه بحيث ظن تلاميذه أنه فارق الحياة , ولكنه عاد إلى رشده فترك الرياضات الشاقة منذ ذلك الحين وأخذ يأكل طعامه بانتظام , ولما رأى التلاميذ الخمسة الذين كانوا في صحبته أنه مل من الرياضة نفضوا أيديهم من إحترامه وتركوه وذهبوا بنارس .
          أما بوذا فإنه ترك ملذات الدنيا وثروتها والمقام فيها حتى ينال الضمير والطمأنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الآخرين فلم يستطع أن ينال بتلك الرياضة والتوبة طمأنينة القلب التي كان يصبوا إليها والحاصل أنه بقي حيران في أمره ذاهلا وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيه عن تلامذته مكث بوذا تحت شجرة يتأمل ويفكر في نفسه , ماذا يعمل ... ؟ وأي طريق يتبع .. ؟ وهاجمته وساوس كثيرة وتاقت نفسه إلى الزوجة والولد والجاه والثروة والترف والنعيم , واستمر هذا الكفاح والجهاد مع النفس حتى غروب الشمس . ونتيجة لهذا الكفاح اتصل ( بنير فانا ) وتأكد لديه أنه أصبح ( بوذا) أي أنه نال الإشراق واستنار , وحينئذ نال بوذا ما كان يصبو إليه من الراحة والطمأنينة . لذلك عزم أن يمارس الإرشاد . وأن يعرض رغبته على الآخرين , وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ الأمر أستاذيه ( الارا ) و ( أودراكا ) ولكنه علم بعد , بأنهما قد توفيا , فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه , وآمن به أبوه وأمه وزوجته كذلك , ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس ) [ انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات 125 , 126 , 127 , 131 , أيضا دائرة المعارف البريطانية نقلا عن تاريخ التصوف في الإسلام للدكتور قاسم غني ترجمة عربية ص 223 وما بعد , أيضا جستجودر تصوف إيران ( فارسي ) للدكتور عبد الحسين زرين كوب ص 6 , 7 ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران 1363 .].
          فهذه هي خلاصة قصة بوذا , وهي عين ما ذكره الصوفية عن إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش , وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة , وتلك صورة طبق لأصل لما كانوا قد سمعوه عن حياة بوذا [ نفس المصدر السابق أيضا .].
          ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث الإيراني بقوله :
          ( وحدس ( جولدزيهر ) يمكن أن يكون صحيحا وهو من الأحتمالات القريبة من الواقع , وقد شوهدت لها نظائر كثيرة – إلى أن قال - : وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري , الواردة في كتب تراجم العارفين مثل ( حلية الأولياء ) للأصفهاني , و ( تذكرة الأولياء ) للشيخ العطار وجد شبها عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة )[ انظر تاريخ التصوف في الإسلام للدكتور قاسم غني عربية ص 223 ].
          هذا وهناك أقوال لإبراهيم بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن مواردها ومنابعها , فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية :
          ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال :
          ( إذا تزوج الفقير فمثله مثل رجل قد ركب السفينة , فإذا ولد له ولد قد غرق ) [ كتاب اللمع للطوسي ص 265 باب آداب المتأهلين ومن ولد بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور , وتذكرة الأولياء للعطار ص 57 ط باكستان ].
          ونقل السهروردي عنه أنه قال : ( من تعود أفخاذ النساء لا يفلح ) [عوارف المعارف للسهروردي ص 166 , أيضا غيث المواهب العلمية للنفزي الرندي ج1 ص 208 .].
          ونقل أبو طالب المكي ـ وهو من أعلام الصوفية البارزين وأئمتهم المتوفى سنة 386 ﻫ ـ عن قطب من أقطاب الصوفية الأوائل عن أبي سليمان الداراني المتوفى سنة 215 ﻫ :
          ( من تزوج فقد ركن إلى الدنيا ) [ قوت القلوب لأبي طالب المكي ج1 ص 252 ط دار صادر بيروت , غيث المواهب العلية ج1 ص 208 ]..
          ونقل السهروردي في ( عوارفه ) الذي هو أشهر كتاب في التصوف عن أبي سليمان الداراني أيضا أنه قال : ( ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته )[ عوارف المعارف للسهروردي الباب الحادي والعشرون ص 165 ط دار الكتاب العربي بيروت 1983 م .].

          ونقل المكي عن سيد الطائفة الجنيد البغدادي أنه قال : ( أحب للمريد المبتدي أن لا يشغل قلبه بالتزوج ) [ انظر قوت القلوب في معاملة المحبوب لأبي طالب المكي ج1 ص 267 .].

          كما نقل عن بشر بن الحارث أنه قيل له : ( إن الناس يتكلمون فيك , فقال : وما عسى يقولون ؟ قيل : يقولون : إنك تارك السنة يعنون النكاح .
          فقال : قل لهم : إني مشغول بالفرض عن السنة , وقال مرة : ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب الله تعالى قوله : { ولهن مثل الذي عليهن } , و لعسى أن لا أقوم بذلك , وكان يقول : لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أكون جلاداً على الجسر هذا . يقوله في سنة عشرين ومائتين والحلال والنساء أحمد عاقبة , فكيف بوقتنا هذا ؟
          فالأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج ) [قوت القلوب ج2 ص 238 , أيضا عوارف المعارف ص 165 , أيضا الطبقات الكبرى للشعراني ج1 ص 73 ط دار العلم للجميع - القاهرة 1954 م .]
          ويقول السهروردي :
          ( التزوج انحطاط من العزيمة إلى الرخص , وجوع من الترمح إلى النقص , وتقيدا بالأولاد والأزواج , ودوران حول مظان الاعوجاج , والتفاف إلى الدينا بعد الزهادة , وانعطاف على الهوى بمقتضى الطبيعة والعادة ) [ انظر عوارف المعارف ص 164 , 165 .].

          تعليق

          • المهندس زهدي جمال الدين
            12- عضو معطاء

            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 3 ديس, 2006
            • 2169
            • مسلم

            #20


            الفصل السابع


            المصطلحات والغموض


            إن أي انحراف عن السنة ولو كان قليلاً فإنه يزداد مع الأيام , وتأتي الروافد من هنا وهناك باجتهادات خاطئة أو تصورات باطلة فيتسع الخرق ويقوى الباطل , وقد وقع المتصوفة منذ نهاية القرن الثالث الهجري بمشكله المصطلحات الغامضة المبهمة التي يستطيع كل متصوف تفسيرها حسب ما يشاء فالمبتدئ يفسرها تفسيراً بريئاً والمتعمق منهم يفسرها حسب غلوه وضاله , وهذه المشكلة ( المصطلحات ) وعدم وضوحها هي من أسباب ضلال الأمم قبلنا , فالكلمات التي تحتمل الصواب والخطأ هي من بعض أسباب وقوع النصارى في القول بإلوهية المسيح عليه السلام, فعندما يقول سبحانه عن عيسى ( وروح منه ) فهذا لا يعني أنه جزء منه بل هذه إضافة تشريف , كما يقول تعالى ( ناقة الله ) أو كما يوصف أحد الصحابة بأنه ( أسد الله ) أو ( سيف الله ) أو قوله تعالى ( سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ) ولذلك حذر القرآن الكريم في إتباع المتشابه وأنه يجب رد المتشابه إلى المحكم , والمحكم : ( قل هو الله أحد , الله الصمد , لم يلد ولم يولد ..) قال الإمام أحمد: بكلمة ( كن) كان عيسى عليه السلام وليس هو الكلمة نفسها , وقال تعالى في حق بني إسرائيل ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) .

            تكلم المتصوفة في مصطلحاتهم عن الفناء والبقاء والصحو والمحو , والتجريد والتفريد و وهي ألفاظ تحتمل الحق والباطل , بل هي أقرب إلى الباطل , وقد اعترف مؤلفوهم باستحداث مصطلحات خاصة بهم .

            قال أبو بكر الكلاباذي " إن للقوم عبارات تفردوا بها , واصطلاحات فيما بينهم لا يكاد يستعملها غيرهم " ومن أوائل من تكلم بهذه المصطلحات أبو حمزة الصوفي البغدادي ( ت 296ﻫ) والبسطاني وأبو سعيد الخراز ( ت277 ﻫ) .

            وهذه أمثلة لبعض مصطلحاتهم وتعريفهم لها ثم نتكلم عن الآثار المترتبة عليها :

            الفناء:هذه كلمة مبهمة مجملة قد تعني وجهاً باطلاً بل كفراً وهو ما يسمونه ( الفناء عن وجود السوّي ) أي ليس موجوداً إلا الله سبحانه وكل ما عداه ليس له وجود حقيقي , وهذه هي وحدة الوجود. وقد تعني هذه الكلمة ( الفناء ) أن يغيب عن الناس والخلق ولا يشهد سوى الله ويقع في ( الغيبوبة ) ويغيب حتى عن العبادة , وقد يتوهم أنه صار هو والإله شيئاً واحداً " ويظن أنه تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته " [ البقاعي : تنبيه الغبي / 81 . وقد يسمونه: الجمع أو السُكر وهذا إذا عاد إليه عقله يعلم أنه كان غالطاً في ذلك وأن الرب رب والعبد عبد] .وقد تعني هذه الكلمة ما يسمونه ( الفناء عن إرادة السوى ) أي لا يحب إلا الله ولا يوالي إلا فيه ولا بيغض إلا فيه , فهذا صحيح وإن كان لا يسلم لهم بالتعبير بـ ( الفناء ) لأن فيه كما قلنا غموض واشتباه , وأما الفناء الذي يسمونه فناء النفس عن التشاغل بما سوى الله فلا يسلم لهم أيضاً " بل أمرنا الله بالتشاغل بالمخلوقات ورؤيتها والإقبال عليها "[ الذهبي : سير أعلام النبلاء 15/393.].

            الجمع والفرق:قالوا عن الجمع أنه إشارة إلى حق بلا خلق, والفرق إشارة إلى خلق بلا حق. ويقصدون أن الفرق هو ما يكون كسباً للعبد من إقامة العبودية لله , والجمع هو مشاهدة الربوبية , والجمع قريب من الفناء بالمعنى الأول الذي هو وحدة الوجود .

            السكر والصحو:قالوا عن السكر : حال تبدو للعبد لا يمكنه معها ملاحظة السبب ولا مراعاة الأدب[ الكلاباذي : العرف / 114 .], والصحو هو رجوع العارف إلى الإحساس بعد غيبته وزوال إحساسه[ الجرجاني : التعريفات /132 .],

            العشق :واستحدثوا هذه الكلمة وهذا لا يوصف به الرب تبارك وتعالى ولا العبد في محبته ربه. هذه نماذج من مصطلحاتهم وهي كثيرة جداً و كلها رموز وألغاز فتكلموا عن الحال والمقام والعطش والدهش , وجمع الجمع ... الخ , وإذا أخذنا واحدة من هذه المصطلحات لنرى هل هي صحيحة من ناحية شرعية ؟ هل الفناء عن المخلوقات وعدم التشاغل بها من الإسلام ؟ والجواب بالنفي لأن الله يقول : " قل انظروا ماذا في السماوات والأرض " وقال عليه السلام " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب " وكان يحب عائشة وأباها ويحب أولاد ابنته الحسن والحسين , ويجب العسل , ويحب وطنه , ويحب الأنصار ... "[ الذهبي : سير إعلام النبلاء 15/394 .].وأما محاولتهم للفناء في الله فهذا مستحيل , لأن الله سبحانه هو الخالق وهم مخلوقون , فكيف يتحد المخلوق بالخالق ؟ وقد يحاولون التمويه فيقولون ( بالصحو بعد المحو ) ( أو الفرق في الجمع ) أي أن يرجع الإنسان إلى حال العبودية وقد يتكلمون هذا باللسان فقط أي أنه رجع إلى العبودية .

            والحقيقة أن كل هذا أوهام , والإسلام يحث على حفظ العقل , فكيف يسعى مسلم لزوال عقله , والصوفي عندما يتحدث عن أسرار الربوبية يحاول شيئاً لا يطيقه الإنسان , لذلك سيصل إلى كارثة ( وحدة الوجود ) التي هي كفر , ويفقد فيها الاتزان النفسي , وهي نزعة خفية عند الإنسان الذي لا يخضع للوحي وهي نزعة التكبر والتأله , ويحاول أن يأت بها عن طريق ( وحدة الوجود ) وهي نزعة فرعونية عندما قال " أنا ربكم الأعلى " . إن فكرة ( الفناء ) موجودة في الديانة البوذية وتسمى عندهم ( نرفانا) وربما أخذها الصوفية عنهم .

            النتائج المترتبة على مثل هذا الخلط : إن الدخول في هذه المتاهات يبعد المسلم عن العلم النافع والعبادة والعمل فيتكلم في أشياء ليس لها وجود ولا تعني في عالم الواقع شيئاً , والمسلم مأمور بإعمار الدنيا لتكون جسراً إلى الآخرة وهذه المصطلحات تسيطر على الجاهل وتربك العاقل إذا لم يكن دينه قوياً .

            ليس في الإسلام أسرار , فالقرآن واضح , والسنة واضحة , وهذه الألغاز تجعل الدين وكأنه بحاجة إلى (هيئة) لحل هذه الأسرار , ويتحول الأمر إلى باطنية تفسر كل شيء حسب أهوائها فكل شيء نسبي , وذاتي " ولذلك يمنعون من قراءة كتبهم لكل أحد "[ حقائق التصوف /527 .].

            إن الاسترسال في هذه المصطلحات سيؤدي حتماً إلى عقيدة ( وحدة الوجود ) وهذا انسلاخ من الدين , فالمسلمون يرجعون إلى الكتاب والسنة , والصوفية يرجعون إلى الذوق والكشف والخيالات وكلام مشايخهم, وهذا أمر مشكل لأن لكل إنسان ذوق فالنصراني يتذوق التثليث , والمشرك يتذوق الشرك ... الخ .

            كما تتميز هذه المرحلة عند الصوفية بما يسمونه ( المقامات ) كالتوكل والرضا.. وانحرفوا فيه أيضاً عن الفهم الإسلامي الصحيح , فالتوكل عندهم هو عد الأخذ بالأسباب , قال الهروي : " التوكل في طريق الخاصة عمىً عن التوحيد ورجوع إلى الأسباب " ويقول أبو سعيد الخراز " كنت في البادية فنالني جوع شديد فطالبتني نفسي إن أسأل الله طعاماً , فقلت : ليس هذا من فعل المتوكلين "[ الكلاباذي التعرف / 150 .].فهذا الشيخ خالف السنة في الخروج إلى البادية دون زاد , وفهم التوكل فهماً خاطئاً , والله سبحانه وتعالى خلق الأسباب وطلب من العباد الأخذ بها والمسلم لا يعتمد على الأسباب وحدها ولكن يفعلها ويتوكل على الله ويطلب النتائج من الله .

            وقالوا عن مقام ( الرضا ) أنه الاسترسال مع القدر , فيكون مستسلماً لما يأتي من عند الله , وهذا الكلام تنقصه الدقة , فالمسلم لا يعترض على قدر الله كالمرض والفقر ولكن يدفع قدر الله بقدر الله , فهو يدفع المرض بالدواء ويدفع الفقر بالعمل والكسب . أما إذا كان هناك أمر ديني مثل الصلاة والصوم فلا يقول: أنا لا أصلي لأن الله لم يقدر لي الصلاة فهذا من الحيل الشيطانية, ويشبه كلام المشركين فالأوامر الشرعية يجب أن تنفذ والمصائب تدفع بقدر الله ويصبر عليها. والخلاصة أن هذه الألفاظ المستحدثة عند الصوفية هي كما وصفها ابن القيم " تسمع جعجعة ولا ترى طحناً " [ مدارج السالكين 3/437 .].

            تعليق

            • المهندس زهدي جمال الدين
              12- عضو معطاء

              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 3 ديس, 2006
              • 2169
              • مسلم

              #21
              الفصل الثامن
              الصوفية الوجودية
              تعتبر هذه المرحلة من أخطر مراحل الصوفية , حيث تسربت إليها الفلسفة اليونانية فابتعدت بها عما سبقها من مراحل التصوف بل جعلتها من الصوفية الخارجة عن الإسلام فكانت شبيهة بالنصرانية عندما دخلها الروم ومزجوها بالتثليث والفلسفة ولذلك فيل إن النصرانية ترومت ولم يتنصر الروم , بل نستطيع أن نجزم من خلال استقراء ما طرأ على الرسالات السماوية التي بدلت وحرفت كاليهودية والنصرانية أن للفلسفة دوراً كبيراً في هذا التبديل ؛ فبسبب نقد الفلاسفة للنصوص التوراتية واتهامها بأنها ساذجة أو أساطير , تحت هذا الضغط راح علماء اليهود يؤولن النصوص تأويلات رمزية كما فعل (فيلون) اليهودي , فأولوا إبراهيم عليه السلام بأنه النور , وزوجته سارة بأنها الفضيلة وهكذا فعلوا بقصة آدم وحواء وقصة بني آدم وقصة يوسف عليه السلام . ومن ( فيلون انتقلت طريقة التأويل الرمزي إلى النصرانية خصوصاً عندما هاجمها رجال الأفلاطونية المحدثة وممثلو الثقافة اليونانية , وأقر رجال اللاهوت النصراني على أنه ورد في الأناجيل أشياء غير معقول فأولوها تأويلاً يرضى عنه الفلاسفة [ انظر البحث الذي كتبه د . عبد الرحمن بدوي عن التأويل بالباطل وأثره في التوراة والإنجيل في كتابه مذاهب الإسلاميين الجزء الثاني]. وفي الإسلام جاء الفلاسفة بعد ترجمة الكتب اليونانية ككتاب " التاسوعات" لأفلاطين الإسكندري , نقله إلى العربية عبد المسيح بن ناعمة الحمصي بعنوان " الأثولوچيا" أي الربوبية [ أحمد أمين : ظهور الإسلام 4/156.]. كما ترجم كتاب " أثولكوچيا " للأرسطوطاليس وفيه نظرية الفيض والإشراق التي ستلعب دوراً خطيراً في التصوف خصوصاً عند السهروردي [ يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي من مؤيدي فلسفة الإشراق التي من زعمائها أفلوطين , ثبت عليه الانحلال من الدين وادعاء النبوة فأفتى علماء حلب بكفره وقتل سنة 587هـ . انظر الذهبي : سير أعلام النبلاء 21/201 وبدوي : شخصيات قلقة /95. ابن تيمية : درء تعارض العقل والنقل 5/82 .].وابن عربي [ هو أبو بكر محي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي ولد ( بمرسية ) سنة 560هـ ونشأ بها ثم ارتحل وطاف البلدان فجاء بلاد الشام والروم والمشرق ودخل بغداد , كان يكتب الإنشاء لبعض ملوك المغرب , اختلف الناس في شأنه فذهب طائفة إلى أنه زنديق وقال آخرون إنه ولي ولكن يحرم النظر في كتبه , والصحيح أنه اتحادي خبيث , ولم يشتهر أمره وكتبه إلا بعد موته لأنه كان منقطعاً عن الناس إنما يجتمع به آحاد الاتحادية ولهذا تمادى في أمره ثم فضح وهتك , توفي سنة 637هـ . انظر : شذرات الذهب لابن عماد 5/190 والبقاعي / 178 , وبدوي : تاريخ التصوف / 41 . ابن تيمية : درء تعارض العقل والنقل 5/82 .]وتحت ضغط الفلسفة قام المعتزلة بحذف أو تأويل كل نص يناقض العقل – بزعمهم – كما غرقوا في الجدل العميق الذي يدور حول ألفاظ ( الجوهر – والجزء الذي لا يتجزأ – والجسم – والمتحيز و .... الخ ) , ومثلوا دور الترف الفكري أحسن تمثيل , فانحرفوا بذلك عن الإسلام العملي الإيجابي . وأما الصوفية فقد دخلت عليهم الفلسفة من باب ( التشبه بالإله على قدر الطاقة ) فحاولوا إثبات تشبه العبد بالرب في الذات والصفات والأفعال , كما فعل الغزالي ومن تبعه في كتابه : ( المضنون به على غير أهله )[ ابن تيمية : درء تعارض العقل والنقل 5/82 .].ثم جاء ابن عربي وتلامذته فقالوا بالوحدة المطلقة , لأن الفلاسفة يقولون: الوجود الحقيقي هو للعلة الأولي ( الله ) لاستغنائه بذاته , فكل ما هو مفتقر إليه فوجوده كالخيال . ومن هنا نشأت نظرية " وحدة الوجود " عند ابن عربي وقد انطلقت ابتداء مما يردده الصوفية بشكل عام من أن الموجود الحق هو الله سبحانه , ويعنون بذلك أن الموجودات والكائنات إنما هي صور زائفة ومجرد أوهام وليست ذاتاً منفصلة قائمة بنفسها , فمثلها لا يستحق أن يطلق عليه الوجود الحقيقي[ بعض المفكرين في هذا العصر ـ وهم من أهل السنة ـ من أطلق عبارة : أن الموجود والحق هو الله سبحانه وإنما قصد بذلك معنى لا يصادم الشرع وهو أن الله سبحانه وهو الباقي السرمدي بخلاف الموجودات الغائبة التي لا تستطيع القيام بنفسها بل هي مستندة إلى وجود الله سبحانه و وهو معنى وإن لم يصادم الشرع إلا أنه مدخل لكثير من التصورات التي قد تؤدي للوقوع في البدعة , والالتزام بالألفاظ الشرعية أولى وأهل السنة يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى حق قيوم على مخلوقاته , وأنه خلق الكائنات وجعل لها ذواتاً منفصلة لا علاقة لها بذاته , وهي موجودة حقيقة وليست صوراً أو أوهاما وأنها تفني في هذه الحياة الدنيا , وأن وجودها مستقل عن الخالق المعبود .]. ولكنها حرفت عند ابن عربي عن مفهومها لدى الصوفية بحيث انتهى إلى القول بوحدة الوجود فقال أن الوجود الحقيقي هو الله سبحانه , ولكننا نرى هذه الكثرة والتعدد قائمة أمام أعيننا فلا يمكن إنكارها ومن ثم فهذه الموجودات كلها ليست سوى الله ذاته ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ـ وكلها مظهر من مظاهره وتجل من تجلياته , وليست آية من آياته كما مفهوم أهل السنة فحقيقة الرب إذن أنه وجود مطلق لا اسم له ولا صفة ولا يرى في الآخرة , وليس له كلام ولا علم ولا غير ذلك ولكن يُرى في الكائنات [ انظر البقاعي في كتابه : تنبيه الغبي 19/40 وابن تيمية في الإيمان الأوسط /132 والشوكاني في قطر الولي /190 .].فكل كائن هو الله والله هو كل كائن, فاتحد بذلك الوجود مع الخالق المعبود, وتم له ما أراد من هدم صرح التوحيد وكان هذا القول أشد شركاً من قول النصارى, إذ أن الكل في هذا التصور المريض إله يعبد. ويحاول ابن خلدون شرح فكرة ابن عربي , إذ أن هذه التصورات الباطلة عادة ما تكون غامضة ومتناقضة حتى على أصحابها , يقول ابن خلدون : يعنون بهذه الوحدة أن الوجود له قوى ذاتية فالقوة الحيوانية فيها قوة المعدن وزيادة , والقوة الإنسانية فيها قوة الحيوان وزيادة , والفلك يتضمن الإنسانية وزيادة , وكذلك الذوات الروحانية (الملائكة ) ثم القوة الجامعة التي انبثت في جميع الموجودات , فالكل واحد هو نفس الذات الإلهية " [ المقدمة /471 .].وحين يرد السؤال: كيف يقال بوحدة الوجود ؟ وهناك خالق ومخلوق ومؤمنون وكفار والكفار يعذبون في النار فمن الذي يعذبهم ؟ ... حتى لا يرد هذا السؤال راح ابن عربي يحرف كل آيات القرآن الكريم ويطبق باطنيته وكفره في كتاب ( فصوص الحكم ) فموسى عليه السلام لم يعاقب هارون عليه السلام إلا لأن هارون أنكر على بني إسرائيل عبادة العجل , وهم ما عبدوا إلا الله لأن الله قضى ألا نعبد إلا إياه , ولذلك كان موسى أعلم من هارون[ البقاعي / 120 نقلاً عن فصوص الحكم – فص 192 .].والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة[ المصدر السابق / 95 – فص رقم 109.].ويحكم ابن عربي بإيمان فرعون بقوله تعالى : " قرة عين لي ولك " فكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق[ المصدر السابق 128 وفي هذا المقام لا بد من القول بأن اعتذار البعض عن ابن عربي بأنه يقصد كذا أو كذا ويؤولون كلامه , هذا غير مقبول . قال العراقي " لا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ولا يؤول كلامه ولا كرامة " . ].وهكذا راح يعيث فساداً في بقية قصص الأنبياء ومن شاء فليرجع إلى كتبه ففي كل سطر سيجد رائحة ( وحدة الوجود) . وكلامه هذا في الحقيقة هو إبطال للدين من أصله لأن وعيد الله للكفار لا يقع منه شيء فهو وتلامذته يتسترون بإظهار شعائر الإسلام وإقامة الصلاة والتزي بزي النسك والتقشف وتزويق الزندقة باسم التصوف [ انظر تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للشيخ برهان الدين البقاعي .]. فالفلاسفة لم يقولوا بوحدة الوجود على طريقة ابن عربي ولكنهم هم الذين مهدوا الطريق لهذه النظرية الباطنية بقولهم على الله مالا يعلمون ووصفهم إياه بصفات من نسج خيالهم , وهذا كله بسبب بعدهم عن الشرائع السماوية والأخذ من نور الأنبياء , ولذلك تخيلوا الإله ذاتاً بسيطة منزهة عن أي شائبة من شوائب التركيب , والصفات مثل العليم القدير السميع البصير هي عندهم تركيب , فقالوا أن من أحق صفاته ( الوجود ) وإذا قيل لهم وجود أي شيء ؟ فالجواب ليس بوجود شيء , فهو هكذا وجود بلا أية صفة فليس هذا الوجود هو الله سبحانه الذي نعرفه نحن المسلمين والذي أرسل الأنبياء ونزل الكتب وإنما هو عندهم وجود مطلق بلا أية صفة وطبعاً هذا لا يكون إلا تصورات باطلة في أذهانهم وهو غير الواقع . وبما أن هذه الصفة ( الوجود ) هي أخص وصف لله , تركب في عقولهم أن كل وجود هو واجب مثل وجود لله , وبما أن العالم موجود فهو الله , تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً[ انظر تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للشيخ برهان الدين البقاعي .]. هذا الكلام من الفلاسفة كان الإرهاص الذي أدى بابن عربي إلى القول بوحدة الوجود , وإن كان مذهبه أكثر شراً من مذهب الفلاسفة , خاصة وأنه آيات القرآن لتنسجم مع نظريته الباطلة وخاصة أن كثيراً من المسلمين المغفلين من يعظمه ويسميه " الشيخ الأكبر " . طبعاً هناك روافد أخرى أوصلت هؤلاء الناس إلى هذا القول الشنيع الذي يعتبر من أشد المخالفات للإسلام وعقيدة التوحيد , و من هذه الروافد الفناء الذي تحدثنا عنه في المبحث السابق , كما أن نفي صفات الله التي قالت بها الجهمية وانتشر شيء من أثرها في صفوف المسلمين , يمكن أن يساعد على نظرية الوحدة , إن نفي صفة العلو مثلاً يؤدي إلى القول بأنه سبحانه في كل مكان , ثم وزعوه في الموجودات كلها , مع ذلك فسيبقى للفلسفة الدور الأكبر في محاولة تخريب العقيدة الإسلامية الصافية السهلة , بل بتخريب المجتمعات الإنسانية , لأنها تقوم على نظريات في الذهن وليست في الواقع , وهذا مما حدا بعالم كبير كابن تيمية أن يقول محذراً منها بعد أن نفذ إلى أعماقها : " ولا شك أن كل من كان أقرب إلى الشرائع السماوية كان اقرب إلى العقل ومعرفة الحقيقة . وهل رأيت فيلسوفاً أقام مصلحة قرية من القرى " [ درء تعارض العقل والنقل 5/65 وابن تيمية هنا يقصد الفيلسوف الذي يعيش بنظريات بعيدة جداً عن الواقع ويعيش بعيداً عن واقع الناس , ومشكلة الفلاسفة أنهم يعالجون أموراً ليست من اختصاصهم , وقد جاء الأنبياء والرسل بحلها بأقرب السبل وأيسرها .]. وهو هنا يلتقي مع مفكر غربي هو الدكتور ألكسس كاريل الذي يرى أن الفلسفة أساءت كثيراً للمجتمعات الغربية حين كانت تنظر في الكتب فقط دون معرفة الواقع العملي , ويقول: " ليس هناك مذهب فلسفي قد استطاع أن يحظى بقبول جميع الناس , وكل استنباطات الفلاسفة ما هي إلا فروض " [ تأملات في سلوك الإنسان 1/47 .].و يتابع نقده للفلسفة : " كان من الممكن للعلم أن يكفل لنا نجاح حياتنا الفردية والاجتماعية ولكننا فضلنا نتائج التفكير الفلسفي فارتضينا أن نأسن وسط المعاني المجردة .ولا شك أن فلاسفة عصر النور هم الذين مكنوا لعبادة الحرية بصورة عمياء في أوروبا وأمريكا "[ المصدر السابق 1/7 .] . إذا المشكلة واحدة في القديم والحديث , فعندما يبتعد الناس عن الشرائع السماوية التي جاءت لخير الإنسان في الدنيا والآخرة , تأتيهم الأزمات تلو الأزمات , أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية , نتيجة هذا الفصام النكد بين ما فطر الإنسان عليه من التوجه إلى بارئه وبين شياطين الإنس وما يوحون به ويبدو أن النفس الإنسانية يصعب عليها الاستمرار في طريق الاعتدال فهي إما أن تميل إلى التشدد والغلو أو إلى التساهل والترخص والخروج عن التكاليف وقد يسول الشيطان لمن أحس من نفسه زيادة فهم أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهر السنة كان مثل العامة ولذلك لا بد من التنطع والتبدع والإتيان بالغرائب وهذه شهوات خفية لا يدركها ولا يبتعد عنها إلا العلماء الربانيون . ولعله من المناسب قبل أن ننهي هذا المبحث أن نذكر رأي بعض العلماء في ابن عربي وتلامذته باعتباره زعيم هذه المدرسة الوجودية .قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام في ابن عربي هو شيخ سوء مقبوح كذاب , يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجاً " [ الفتاوى لا بن تيمية 2/240 .]. ويروي ابن تيمية عن الشيخ إبراهيم الجعيري أنه كان يقول : " رأيت ابن عربي هو شيخ نجس يكذب بكل كتاب أنزله الله, وبكل نبي أرسله الله " [ نفس المصدر 2/240 .].وقال ابن تيمية[الفتاوى 2/242 .]. : ورأيت بخطه في كتابه ( الفتوحات المكية ) هذين البيتين : الرب حق , والعبد حق ياليت شعري من المكلفإن قلــت عـبد, فــذاك رب أو قـلـت رب أنـي يكلـــفولما كان الله في نظر (ابن عربي) هو المخلوقات والمخلوقات هي الله فحينئذ تكون العبادة عنده متبادلة.. ويعبر عن ذلك بقوله:" فيحمدني وأحمده ....ويعبدني وأعبده " ...ثم يذهب شيخ الصوفية الأكبر بعد هذا إلى القول بوحدة الأديان، لا فرق لديه بين سماويها، وغير سماويها فيقول في ذلك:وقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبيإذا لم يكن ديني إلى دينه دانيفأصبح قلبي قابلاً كل حالةفمرعى لغزلان ودير لرهبانوبيت لأوثان وكعبة طائفوألواح توراة ومصحف قرآنوفي كتاب "الفتوحات المكية).. هاهو يعبر عن اعتقاده بوحدة الوجود بقوله: "سبحان من خلق الأشياء وهو عينها".ثم ماذا يقول الحلاج وهو يشرح لنا عقيدة الحلول: "من هذب نفسه في الطاعة لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصفاة حتى يصفو عن البشرية فإذا لم يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح الإله الذي حل في عيسى ابن مريم وكان جميع فعله فعل الله تعالى"، وفي كتاب (النفحات القدسية) يقول محمد بهاء الدين البيطار أحد مشايخ الصوفية:وما الكلب والخنـزير إلا إلهناوما الله إلا راهب في كنيسةويقول البقاعي قاطعاً الطريق على من يؤول لابن عربي : " قال الأصوليون : لو نطق بكلمة الردة وزعم أنه أضمر تورية , كفر ظاهراً وباطناً "[ تنبيه الغبي /23 .].ومن تلامذة ابن عربي : ابن الفارض الذي يؤكد وحدة الوجود دون خجل أو مواربة , وفي قصيدته المشهور ( بالتائية ) يعيد هذه الفكرة ويكررها حتى لا يبقى شك عند القارئ أو السامع مثل قوله : لها صلاتي بالمقام أقيمهـا وأشهـد أنها لي صلـتكلانا مصل عابد ســاجد إلــى حقيـقة الجمـع في كـل ســجدةوما كـان صلي سواي فـلم تكـن صلاتي لغيري في أداء كل ركعـة ومـازلت إيـاها وإيـاي لـم تزل ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحــبتفهل بعد هذا من تصريح , صلاته لنفسه لأنها هي الله والعياذ بالله , وحتى لا يظن أحد أن هذا ( سكر) الصوفية , يؤكد أنه في حالة صحو:ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلتولا يزال الصوفية إلى الآن يعجبون بهذه التائية ويسمون صاحبها ( سلطان العاشقين ) رغم ما فيها من كفر , ورغم ما يقولون عنه أنه كان يحب الجمال , وأنه كان يذهب إلى قرية ( البهنسا) فيرقص على الدف مع النساء وهكذا يدجلون على الناس ويقولون بأن هذا الرقص من الدين والحقيقة أنها مواخير يخجل منها أي مسلم استروح رائحة الإسلام , لقد ابتلي المسلمون بمن فسد من هؤلاء الصوفية فبثوا فيهم أوهاماً قد تملك الجاهل وتربك العاقل إذا لم يغلبها بالتمسك بمنهج أهل السنة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم . إن "الجيلي" وهو من كبار مشايخ الصوفية – يعلن في صراحة أو وقاحة – أنه إله الكون الأعظم فيقول في كتاب "الإنسان الكامل 1/22":لي الملك في الدارين لم أر فيهماسواي فأرجو فضله أو فأخشاهوقد حزت أنواع الكمال، وأننجمال جلال الكل، ما أنا إلا هوإلى أن يقول:وإني رب للأنام وسيدجميع الورى اسم، وذاتي مسماهأما "الحلاج" – وهو إمام من أئمة الصوفية – فإنه يقول في كتاب (الطواسين/34) :أنا من أهوى ومن أهوى أنانحن روحان حللنا بدنافإذا أبصرتني أبصرتهوإذا أبصرته أبصرتنا

              تعليق

              • المهندس زهدي جمال الدين
                12- عضو معطاء

                حارس من حراس العقيدة
                عضو شرف المنتدى
                • 3 ديس, 2006
                • 2169
                • مسلم

                #22
                الفصل التاسع
                الأولياء والكرامات
                من أكثر الأشياء التي يدندن حولها الصوفية قديماً وحديثاً موضوع الأولياء والكرامات التي تحصل لهم , وقبل إن نتكلم عن مدى مطابقة ما يذهبون إليه للكتاب والسنة , قبل هذا لا بد من تعريف الولي وكيف تطورت هذه اللفظة لتصبح مصطلحاً خاصاً علماً على فئة معينة ثم نتكلم عن الكرامات وما هو مقبول منها وما هو مردود . جاء في كتاب ( قَطْر الولي على حديث الولي ) [ هذا الجزء من المبحث عن الولي مختصر من هذا الكتاب للإمام الشوكاني مع مقدمة وتحقيق الدكتور إبراهيم هلال .].الولي في اللغة : القريب والولاية ضد العداوة , وأصل الولاية المحبة والتقريب , والمراد بأولياء الله خلص المؤمنين , وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء قوله : " الذين آمنوا وكانوا يتقون " [يونس /63.]أي يؤمنون بما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من المعاصي. قال ابن تيمية : الولي سمي ولياً من موالاته للطاعات أي متابعته لها , وهذا المعنى الذي يدور بين الحب والقرب والنصرة هو الذي أراده القرآن الكريم من كلمة ولي مشتقاتها في كل موضع أتى بها فيه , سواء في جانب أولياء الله أو في جانب أعداء الله. ومن ثم فليس لنا أن نخرج هذا المصطلح عن المعنى الذي حدده القرآن بلسان عربي مبين . يقول ابن حجر العسقلاني : " المراد بولي الله : العالم بالله تعالى , المواظب على طاعته . " هكذا كان استعمالها وظلت النظرة إليها بهذا المعنى إلى أن دخلت أوساط الشيعة ثم في دائرة الصوفية فأطلقوها على أئمتهم ومشايخهم مراعين فيه اعتبارات أخرى , غير هذه الاعتبارات الإسلامية فأصبحت محصورة في طائفة خاصة بعد أن كانت صفة محتملة لي إنسان يقوم بنصرة دين الله من عباده المسلمين , وأول من صرف هذا المعنى إلى معنى خاص هم الشيعة فأطلقوها على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه على اعتبار أنه هو وذريته ( بشراً نورانين من طينة مكنونة تحت العرش ) ثم أضاف لها الشيعة والصوفية ( العلم اللدني لأن الشيعة يعتقدون أن علي ابن أبي طالب أخذ علماً خاصاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم. والقشيري من الصوفية يرى : " بأن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء العصمة من المعاصي والمخالفات " وهذه قلدوا فيها الشيعة الذين يعتقدون العصمة لأئمتهم , وربما تلطف الصوفية فسموها ( الحفظ ) كما يقول الكلاباذي " ولطائف الله في عصمة أنبيائه وحفظ أوليائه.... " وأكبر مقامات الولي عند الصوفية هو ( الفناء ) وهو باب الولاية ومقامها أما عند ابن عربي فهي مراتب ومنها مرتبة الولاية الخاصة وهو الورثة لأنهم أخذوا علمهم عن الله مباشرة !!؟ , وهم عن ابن عربي أفضل من الأنبياء نظراً لما هم عليه من ذوق أدركوا به علم الوجود ووقفوا على سر القدر . هذا هو التحديد التعسفي لمفهوم الولاية عند الصوفية , أما شخصية الولي في القرآن الكريم فهي شخصية إيجابية يترسم خطى الدين في كل ما أمر أو نهي , والصحابة ومن تبع أثرهم من العلماء العاملين هم أولي الناس بهذا اللفظ ويصدق عليهم حديث : " من عادى لي ولياً .... " وطريق الوصول إلى الولاية عند الصوفية طريق معكوس لأن الغاية من مجاهداتهم هي معرف الله أو الفناء و والمفروض أن معرفة الله سبحانه هي خطوة أولى للإيمان وهذه المعرفة فطرية كما يحدثنا القرآن , والعمل الصالح هو الذي يوصل إلى أن يحب الله عبدَه , وأما فناؤهم فهو يوصلهم إلى كفر الإتحاد والحلول فطريق الولاية عند أهل السنة سهل ميسر ومن أول هذا الطريق تبدأ المحبة بين الله سبحانه وعبده بينما طريق الصوفية طريق شكلي آلي , لا بد أن يمر المريد بكذا وكذا ثم يصل إلى شطحات يظن فيها أنه شاهد الحق . وأفضل الأولياء عند أهل السنة الأنبياء والرسل بينما عند الصوفية النبي يقصر عن الفلاسفة المتألهين في البحث والحكمة كما يقول السهروردي المقتول على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله .فالولي عند أهل السنة هو ذاك المسلم الإيجابي الذي يقوم بالطاعات , والولي عند الصوفية هو المستغرق في الفناء[ انتهى ما نقلناه مختصراً وبتصرف عن كتاب ( قطر الولي ) .]. بعد هذا البيان والإيضاح لكلمة الولي وكيف تطورت , والمعنى السني لها , لا بد من توضيح المقصود بـ ( الكرامات ) وما هو رأي أهل السنة فيها وهل التزم الصوفي بهذا الرأي ؟ وهل هناك ارتباط بين الولاية والكرامة فنقول : خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وسيره على سنن محكمة مطردة لا تتعارض ولا تتخلف , وربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها وأودع في الأشياء خواصها , فالنار للإحراق , والماء للإرواء والطعام للجائع , ثم هذا النظام الكوني البديع المتناسق الشمس والقمر والنجوم , وتعاقب الليل والنهار .. كل بنظام محكم , فإذا لم ترتبط الأسباب بنتائجها وخرقت هذه العادة المألوفة بإذن الله لمصلحة دينية أو دعاء رجل صالح , فهذا الخرق إذا كان لنبي فهو معجزة ,وإذا كان لأناس صالحين فهو كرامة وهذه الكرامة إن حصلت لولي حقاً فهي الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وتحصل ببركة إتباعه. وهذه الخوارق إما أن تكون من جهة العلم بأن يسمع النبي ما لا يسمع غيره أو يرى ما لا يراه غيره يقظة ومناماً أو يعلم مالا يعلم غيره حياً وإلهاماً و أو فراسة صادقة لعبد صالح , وإما أن تكون من باب القدرة والتأثير مثل دعوة مستجابة أو تكثير الطعام وعدم إحراق النار , وقد حصل للصحابة رضوان الله عليهم كرامات من هذا النوع وكانت إما لحاجة أو حجة في الدين , كما أكرم الله سبحانه أم أيمن عندما هاجرت وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش وكانت صائمة , فلما كان وقت الفطر سمعت حساً على رأسها فإذا دلو معلق فشربت منه , وكان البراء بن مالك إذا أقسم على الله أبّر قسمه , وكان سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة , مشى أمير الجيوش الإسلامية في البحرين العلاء بن الحضرمي وجنوده فوق الماء لما أعترضهم البحر ولم يكن معهم سفن تحملهم وأُلقي أبو مسلم الخولاني في النار فلم تحرقه[ ابن تيمية : الفتاوى 11/279 وفي هذا الجزء بحث قيم حول المعجزات والكرامات .]. هذه حوادث صحيحة وقعت للصحابة رضوان الله عليهم, وأكثر منها وقع في عصر ما بعد التابعين. فأهل السنة لا ينكرون الكرامات كما ينكرها المبتدعة , وهم يعلمون أن الله الذي وضع الأسباب ومسبباتها قادر على خرق هذه السنن لعبد من عباده , ولكن الصوفية جعلوا مجرد وقوعها دليلاً على فضل صاحبها حتى ولو وقعت من فاجر قالوا هذه كرامة لشيخ الطريقة ولذلك لا بد من ملاحظات وتحفظات حول هذا الموضوع . أولاً: هذه الخوارق كانت تقع للصحابة دون تكلف منهم أو تطلب لها أو رياضات روحية يستجلبون بها هذه الخوارق , بل تقع إكراماً من الله لهم أو دعاء يرون فيه مصلحة دينية إما لحجة أو لحاجة للمسلمين كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم , أما المتأخرون فيطلبونها ويتكلفون لها الرياضات الروحية وربما أفسد جسمه ونفسيته بسبب هذا مع أن " طلب الكرامات ليس عليه دليل , بل الدليل خلاف ذلك فإنما غيب عن الإنسان ولا هو من التكاليف لا يطالب به "[ الشاطبي : الموافقات 2/283 .].وهذا من التأثير بالفلاسفة حيث يقررون رياضات معينة للوصول إلى هذه الخوارق . ثانياً : إن كرامات أولياء الله لا بد أن يكن سببها الإيمان والتقوى والولي لله هو المحافظ على الفرائض والسنن والنوافل , عالماً بأمر الله عاملاً بما يعلم فمن صفت عقيدته وصح عمله كان ولياً لله يستحق إكرام الله له إن شاء , فهذا إذا خرقت له العادة لا تضر ولا يغتر بذلك ولا تصيبه رعونه , وقد لا تحصل لمن هو أفضل منه فليست هي بحد ذاتها دليلاً على الأفضلية , فالصديق رضي الله عنه لم يحتج إليها , وحصلت لغيره من الصحابة , كما أنه ليس كل من خرقت له العادة يكون ولياً لله كما أنه ليس كل من حصل له نِعَمٌ دنيوية تعد كرامة له , بل قد تخرق العادة لمن يكون تاركاً للفرائض مباشراً للفواحش فهذه لا تعدوا أن تكون إما مساعدة من شياطين الجن ليضلوا الناس عن سبيل الله , أو استدراج من الله ومكر به أو رياضة مثل الرياضات التي يمارسها الهنود والبوذيون الكفرة ثم يضربون أنفسهم بآلات حادة ولا تؤثر فيهم أو يتركون الطعام أياماً عديدة إلى غير ذلك ويظن الفسقة أن هذه كرامة لهم . ثالثاً : هناك سؤال مهم في هذا الصدد وهو لماذا كانت هذه الحوادث من خرق العادات قليلة في زمن الصحابة والتابعين ثم كثرت بعدئذ ؟ يجيب ابن تيمية : " أنها بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها ضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه فيها ما يقوي إيمانه ويكون من هو أكمل ولاية منه مستغنياً عن ذلك لعلو درجته[ هذا فيما ثبت صحة نقله من الكرامات إلا أننا لا نغفل أنه بعد هذا العصر بدأ أهل الأهواء والبدع في نشر مذاهبهم ولا نرى مانعاً من أن يكون هؤلاء قد استظهروا على صحة مذاهبهم باختلاف كرامات لا أساس لها من الصحة تناقلتها الألسن فكثرت فيها الكرامات فيما تلى ذلك من العصور .] , كما أن عدم وجودها لا يضر المسلم ولا ينقص ذلك في مرتبته والصحابة مع علو مرتبتهم جاءتهم هذه الخوارق إكراماً لهم أو لحاجة في الدين , وكثرتها في المتأخرين دليل على ما قاله ابن تيمية أو لتطلبهم إياها بالرياضة الروحية [ الفتاوى : 11/323.].رابعاً : إن معجزة هذا الدين الكبرى هو القرآن الكريم الذي أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم , وعندما طلب منه صلى الله عليه وسلم معجزات مادية رفض ذلك لأن هذا ليس هو منهج هذا الدين وقد ذكر القرآن الكريم هذا الطلب , قال تعالى : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً , أو تكون لك جنة من نخيل فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً , أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه , قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً "[ الإسراء : 90/93 .].كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى الغنى والقدرة وعلم الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى : [قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ] [ الأنعام / 50.] ولذلك كانت حياته وسيرته تجري كبقية عادات البشر ومألوفاتهم مع ما أعطي من شرف المنزلة [الشاطبي : الموافقات 2/248.].وعندما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يطر في الهواء ولم تطو له الأرض وإنما سار كما يسير أي راكب ويقطع المسافة في تسعة أيام, لماذا ؟ لأن هذا هو الأصل , الأصل أن يسير الناس على السنن الكونية التي أودعها الله في الخلق , ولكن كثرة الناس يؤذيها أن يكون الكون سائراً على قانون محكم ويسعدها أن يكون هذا القانون بيد المجاذيب والدراويش يتصرفون به [انظر : زكي نجيب محمود في كتابه : ثقافتنا / 72 .].وتبقى الحقيقة أن الاستقامة على طريق الهدى , طريق السنة والإتباع , طريق الصحابة ومن تبعهم بإحسان , هذه الاستقامة هي عين الكرامة , فإن حصل بعدئذ خرق العادة إكراماً من الله سبحانه وتعالى لمؤمن صادق فهذه يجب أن يخفيها ولا يذيعها ويشكر الله سبحانه على ما منّ به عليه .

                تعليق

                • المهندس زهدي جمال الدين
                  12- عضو معطاء

                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 3 ديس, 2006
                  • 2169
                  • مسلم

                  #23
                  الأقطاب و الأوتاد
                  بعد أن حرف كلمة ولي عن معناها الذي أراده القرآن الكريم اخترعوا ما يسمونه بالأقطاب والأوتاد والأبدال . تسميات ما أنزل الله بها من سلطان , يرتبون بها أوليائهم ترتيباً فيه مضاهاة للنصارى الذين يرتبون رجال الدين عندهم بدأ بالشماس وانتهاء بالبابا كما أنه فيه تشبه بالشيعة في ترتيب الأئمة وكذلك ترتيب النصيرية والإسماعيلية في أئمتهم كالسابق والتالي والناطق والأساس[ انظر الفتاوى لابن تيمية 11/439.]. وقد رتبوا أوليائهم حسب أهميتهم على الشكل التالي: 1ـ القطب . 2ـ الأوتاد الأربعة . 3ـ الأبدال وعددهم أربعون وهم بالشام ... ؟ !4ـ النجباء وهم الذين يحملون عن الخلق أثقالهم . 5ـ النقباء . وما هي حقيقة القطب عندهم؟.. يجيب مؤسس الطريقة التيجانية : " إن حقيقة القطبانية هي الخلافة عن الحق مطلقاً , فلا يصل إلى الخلق شيء من الحق ( الله ) إلا بحكم القطب "[ هذه هي الصوفية / 125 .].ثم قسموا القطب إلى نوعين : نوع هو من البشر مخلوق موجود على هذه الأرض , يتخلف بدلاً عنه حال موته أقرب الأبدال له ( التشبه بالنصارى ).. وقطب لا يقوم مقامه أحد وهو الروح المصطفوي وهو يسري في الكون سريان الروح في الجسد [ المصدر السابق /125 وانظر هامش كتاب تنبيه الغبي / 32 .]. أما الرفاعي فقد تعدى هذه الأطوار فيقول أحد تلامذته : " نزه شيخك عن القطبية " [ طبقات الشعراني 1/144.]. وعند أبي العباس المرسى مقام القطبية فوقه مقام الصديقية [ لطائف المنن / 109.].وعند الشاذلي " يكشف له عن حقيقة الذات "[ نفس المصدر / 12.].وأما الأوتاد فهم أربع رجال منازلهم على منازل الأركان الأربعة من العالم شرق وغرب وشمال وجنوب[ الجرحاني : التعريفات / 39.]. والأبدال سبعة رجال من سافر من موضع ترك جسداً على صورته حياً بحياته [ المصدر السابق / 23.].إن المسلم ليمتلكه العجب عندما يقرا أو يسمع ما يقوله هؤلاء من أمثال الجرجاني وغيره الذين يدعون العلم والمعرفة , إن هذه أمور خطيرة تمس جوهر العقيدة الإسلامية , إن الاعتقاد بأن أحداً غير الله سبحانه يتصرف في هذه الكون هو شرك أكبر مع أن الله سبحانه وصف أكابر أوليائه بالصديقين كأبي بكر والسيدة مريم والدة السيد المسيح عليه السلام فيأتي هؤلاء ليحادوا الله ورسوله ويقولوا : القطبية هي مرتبه فوق الصديقية.. وأما مصادمة كلامهم للعقل من البديهيات الأولية و لأن الخرافة لا يمكن أن يصدق بها عقل . أوتاد وأقطاب يتحكمون في العالم وهؤلاء سبعة وأولئك أربعة من أين جاءوا بهذا التحديد وهذا العدد ؟ ومن أين جاءوا بهذا القطب الذي جعلوه نائباً لله ؟ كأن الله سبحانه ملك من الملوك يحتاج إلى نواب سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين.. [ جاء في ( الفتاوى البزازية ) :" من قال أن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر " انظر كتاب ( غاية الأماني ) لشكري الآلوسي 3/66 وما نقله عن الشيخ صنع الله الحنفي في موضوع الأولياء والأقطاب والأوتاد 2/66 من نفس الكتاب أيضاً .]. وهذا الكلام وكلامهم عن الحقيقة المحمدية ووحدة الأديان لا نستطيع أن نصنفه بأنه هلوسة وتخبطات مصروع لا غير , لأننا نكون عندئذ غافلين عن حقيقة هذه المذاهب , وإنما هي غنوصية لهدم الإسلام.. [ الغنوصية : فرقة دينية فلسفية متعددة الصور مبدؤها أن المعرفة الحقة هو الكشف عن طريق الحدس الحاصل عن اتحاد العارف بالمعروف وليس عن طريق العلم والإستدلال , فهي نوع من التصوف يزعم أنه المثل الأعلى للمعرفة , ويعتقد أنه ليس هناك حواجز أو فروق بين الأديان , ومن هنا كان خطرها , وهي مأخوذة من اللفظ اليوناني ( غنوسيس ) يعني ( معرفة ) وقد نشأت في القرن الأول الميلادي بتأثير اختلاط الثقافة اليوناينة بثقافة الشرق ومن زعمائها ( أفلوطين ) فيلسوف القرن الثالث الميلادي , انظر إبراهيم هلال في مقدمة الولاية والطريق إليها /77.]..

                  تعليق

                  • المهندس زهدي جمال الدين
                    12- عضو معطاء

                    حارس من حراس العقيدة
                    عضو شرف المنتدى
                    • 3 ديس, 2006
                    • 2169
                    • مسلم

                    #24
                    الفصل العاشر
                    الشطح الصوفي واللامعقول
                    فسر أبو نصر السراج الطوسي الشطح الصوفي بأنه (عبارة مستغرقة في وصف وجد فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته) (اللمع ص453)، وقد لجأ المتصوفة إلى هذا التعريف لتبرير الكفر والزندقة الذي فاضت به كتب القوم وتواتر عنهم معتذرين أن ما قالوه قد قالوه في حالة سكر بما تجلى لهم من حقائق وبما عاينوا من علوم وزعموا أنها أسكرتهم وأطارت صوابهم، وجعلتهم يتكلمون بمثل هذه العبارات وهذا التبرير السمج الذي لجأ إليه الصوفية لا يغير من الحقائق شيئاً وهو أن ما قالوه كفر واضح ظاهر وافتراء على الشريعة.وقبل أن نبدأ في تفنيد مزاعمهم نستعرض طائفة يسيرة من عباراتهم التي اعتذروا عنها بأنها من الشطح وأن قائليها معذورون فيما قالوه لأنهم بزعمهم كانوا سكارى غائبين عن وعيهم عند ذكرهم لهذه العبارات. فقد تواتر ونقل الناس عن أبي يزيد البسطامي أنه قال "رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك!! فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا" (اللمع ص461) أ.ﻫ.وذكر عنه كذلك أنه قال "أول ما صرت إلى وحدانيته فصرت طيراً جسمه من الأحدية، وجناحاه من الديمومة فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية، فرأيت فيها شجرة الأحدية" (اللمع الطوسي ص461)، ونقل عنه أيضاً أنه قال: "سبحاني سبحاني" وقال أيضاً "ضربت خيمتي بإزاء العرش" (اللمع ص464)، ومر يوماً بمقبرة للمسلمين فقال "مغرورون" و.. لليهود فقال "معذورون"!! (اللمع ص463).وأما الشبلي فهو أحد مقدميهم وقادتهم واسمه دلف بن جحدر فقد قيل له يوماً: يا أبا بكر أخبرنا عن التوحيد فقال: للسائل: "ويحك! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن هم أنه واصل فليس له حاصل، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل ومن ظن أنه قريب فهو بعيد ومن تواجد فهو فاقد، وكلما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف مردود إليكم محدث مصنوع مثلكم" أ. ﻫ.وعندما سئل الشبلي عن أبي يزيد البسطامي وعرض عليه بعض ما قاله البسطامي مما نقلناه آنفاً قال الشبلي:"لو كان أبو يزيد ها هنا لأسلم على يد بعض صبياننا وقال: لو أن أحداً يفهم ما أقول لشددت الزنانير" (اللمع ص50).وكان هذا الشبلي أيضاً يقول: "لو خطر ببالي أن الجحيم نيرانها وسعيرها تحرق مني شعرة لكنت مشركاً" (اللمع ص479 ومعنى شددت الزنانير جمع زنار وهو ما كان يضعه أهل الذمة على وسطهم تميزاً لهم عن المسلمين).وذكر عنه أيضاً أنه سمع قارئاً يقرأ هذه الآية [اخسئوا فيها ولا تكلمون] فقال الشبلي ليتني كنت واحداً منهم (اللمع ص490).وذكر عنه كذلك أنه قال: "إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفئوها" (اللمع ص490) وثبت عن أبي الحسين ألنوري أنه قال (أنا أعشق الله وهو يعشقني"!!).(اللمع ص491).وشهدوا عليه أيضاً أنه سمع المؤذن فقال: طعنه وشم الموت!! وسمع نباح كلب فقال: "لبيك وسعديك"!! (اللمع ص492)، وكذلك كان أبو حمزة الصوفي إذا سمع صوت هبوب الريح وخرير الماء، وصياح الطيور يصيح ويقول: لبيك!!.ودخل دار الحارث المحاسبي فسمع شاه مرغياً: فقال: "لبيك يا سيدي"!!.هذه عبارات قليلة جداً مما نقل عن هؤلاء وتواتر عنهم، ومهما حاول المرء أن يعتذر عن أصحابها بأي وجه من الوجوه فإنه لا يجد مفراً من الحكم بكفر معتقديها وقائليها..فأما قولهم إن هذا شطح، وغلبة حال وغلبة سكر، ونحو هذا من الأقوال فالرد عليها ما يأتي:1ـ لا نسلم أن قائلي هذه العبارات قد قالوها كما زعموا وهم في حالة هذيان وغيبة عقل، وذلك أن هذه العبارات لها لمعان محدودة، وهي نسيج مؤلف مركب قصد بها صاحبها أن يدل على عقيدة عنده، ولم يقلها كلاماً غير منضبط ككلام السكران والغائب عن الوعي.2ـ إن هذه العبارات قد تلقاها تلاميذ التصوف بالقبول واعتقدوا ما فيها بل وشرحوا العقيدة التي تشير هذه العبارات إليها في كتب كاملة.. والعقيدة هذه هي أن الأديان جميعاً دين واحد، وأن الخلق جميعاً هم عين الخالق وأنه لا موجود إلا الله!! وأن هذا الخنزير الذي كان يمر به أحدهم فيقول له عم صباحاً!! هم مظهر من مظاهر الخالق ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ ونستغفر الله من كتابة أقوالهم وإعادتها وكذلك هذه الشاة التي ترغي فيقول لها أحدهم لبيك يا سيدي، ما قال ذلك في غلبة السكر، وفي رؤيته للنار أو النعيم، ولا لتذكره لآية من كتاب الله وإنما قال ذلك لأنه سمع ثغاء شاة، أو نباح كلب، ومثل هذه الأصوات لا تخلق في المسلم (حالة) ولا تجعل عنده وجداً يحمله على الغياب عن الوعي حتى يقول مجيباً له "لبيك يا سيدي"!!وكذلك نقول أيضاً ما الذي يبعثه نداء المؤذن في قلب الصوفي حتى يرد عليه قائلاً.. ضربه وشم الموت!!، هل سماع المؤذن يؤدي إلى حالة وجد وغياب عن الوعي حتى يقول سامع المؤذن: ضربك أيها المؤذن وشم الموت!! وأنا أقول نعم هي حالة حقيقية للزنديق عند سماع المؤذن لأنه لا يريد لصوت الداعي إلى الله أن يعلو.. لأنه يكفر بالإسلام والصلاة ويريد لأصوات الكلاب والخنازير أن يقبلها المسلم بقولهم (لبيك يا سيدي"!!.. إقرأ في كتاب اللمع للطوسي قوله "وأخذوا عليه (يعني أبا الحسن النووي) أنه سمع أذان المؤذن فقال: طعنه وشم الموت، وسمع نباح الكلب فقال: لبيك وسعديك". ومثله تماماً ما نقلناه آنفاً عن أبي يزيد أنه اجتاز بمقبرة لليهود: فقال: معذورون. وبمقبرة للمسلمين فقال: مغرورون!! فأي غلبة حال وسكر، وهذيان غلبت على هؤلاء حتى قالوا ما قالوا.. وأليست هذه عقيدة زنديقية واحدة.. ثم ما هذا (المربي) ـ زعموا ـ الذي رأى مريده يقتل قملة فقال له: قاتلك الله شفيت غيظك بقتل قملة!! وهذا الشيخ نفسه يمر على الخنزير فيقول له: عم صباحاً!!وكان يبدأ الكلاب والخنازير بالسلام.. المهم أن هذه العبارات التي يسمونها شطحاً لم تكن شطحاً كما زعموا وقد قالها قائلوها في حالة صحو وليس في حالة سكر، وإنها تنبئ عن عقيدة وليست كلاماً فارغاً من المعنى وهذياناً كما زعموا.3ـ ثم إننا نسأل إذا كان مثل هذه العبارات يسميها الصوفية شطحاً وهذياناً، فلماذا يعمدون إلى تأويلها وتفسيرها، وإخراج درر معانيها، بل وجعلها من مناقب قائليها ووصولهم إلى الحقيقة؟! فقد فسروا كلام من أجاب الشاة بقوله: لبيك يا سيدي بأنه علم أن كل شيء يسبح بحمد الله، وأن ثغاء الشاة تسبيح ولذلك أجابها.. فإذا كان كلامهم هذا شطحاً فلماذا فسروه وأخرجوا معانيه الغالية!! ودرره الثمينة.. وتقول لهم جعل الشاة في موضوع السيادة ليس تعظيماً للخالق!! والسلام ليس موضوعاً ليلقي على الخنازير والكلاب بل ولا على غير المسلم أيضاً لأن السلام تحية خاصة بالمسلمين فقط فإلقاؤها على الكلاب والخنازير مروق من الدين، وخروج عن حقيقة الشريعة المطهرة وظاهرها. وأما تفسيرهم لقول النوري الذي دعا على المؤذن بالموت عندما سمع نداءه، بأنه خشي أن يكون هذا المؤذن مرائياً أو يأخذ أجراً على أذانه كما زعموا فليس هذا طريق الإنكار على المؤذن وإنما النوري أنكر على الأذان وليس على المؤذن. وكان يجب لو كان يؤمن بالإسلام حقاً، وبالأذان صدقاً أن يقول كما يقول وأن يصلي بعد ذلك على الرسول ويطلب له الوسيلة والفضيلة ثم يسارع إلى المسجد ويشهد الصلاة مع المسلمين ثم ينكر على المؤذن أخذه للأجرة لو شاء.. ولكن هؤلاء كما أسلفنا ينشرون عقيدة معلومة لديهم تلقوها عن الزنادقة والملاحدة، وهذا الذي يسمونه شطحاً ما هو إلا تأسيس لهذه العقيدة.4ـ والأمر الرابع نسألهم: هذا السكران بحب الله كما زعمتم.. وبرؤية الجلال الإلهي أو الجمال -كما تزعمون- هل يجلس ليؤلف كتباً كاملة في هذا الهذيان والسكر وغلبة الحال كما تقولون.. أو يكفيه عبارة أو عبارتان، جملة أو جملتان.. أعني لو كانوا صادقين أن هذا الكلام الخارج عن موازين الشريعة هذيان وشطح حقاً لكان شيئاً قليلاً ولكن الحاصل والموجود أن هناك عشرات بل مئات بل آلاف الكتب قد شحنت بهذا الكفر والزندقة فكتاب يزعم صاحبه أنه تلقاه من الغيب بالوحي الإلهي ولا يترك كفراً إلا ويضعه فيه كالحكم ببراءة قوم نوح من الشرك، وجهل نوح لأنه دعاهم إلى التوحيد، والحكم بإيمان فرعون، وجهل هارون لأنه نهى قومه عن عبادة العجل، والعجل هذا في زعم مؤلف كتاب (الفصوص) هو مظهر من مظاهر الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وكذلك تبرئة إبليس والحكم بنجاته، بل والحكم بأن أهل النار منعمون فهم في عذوبة لا عذاب وأنه وأنه..بعضهم يسمي كل هذا شطحاً. وآخر وهو عبد الكريم الجيلي يكتب كتاباً يقع في أكثر من مائتي صفحة من القطع المتوسط يسميه (الإنسان الكامل) لا يترك كفراً في الأرض إلا ويجعله فيه؛ من ذلك أنه يصف رحلة مزعومة له من الأرض إلى السماء الدنيا، حيث يصف ما فيها وأنه قابل فيها فلاناً وفلاناً من الأنبياء وناقشهم واستفاد منهم، ثم السماء الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة والسادسة والسابعة وإلى الكرسي والعرش والحجب السبعين!! ويصف ما رآه هناك ثم يعود ليهبط إلى الأرض الأولى فالثانية فالثالثة، فالرابعة وحتى السابعة ويقابل فيها أولياء وروحانيين وفلاسفة وحكماء و.. ويدعي أن من لم يصدق هذا فهو كافر!!. ويأتي كاتب صوفي آخر ينسج على منوال هؤلاء فيكتب كتاباً يسميه (مشارق شموس الأنوار ومقارب حسها في معنى عيون العلوم والأسرار) والكاتب هذا هو إسماعيل بن عبد الله السوداني ألف كتابه سنة 1262 ﻫ فيصف كذلك مشاهداته الحسية ـ في زعمه ـ للسماوات السبع العلى، وللأرضين السبع.والمهم هنا أن نرد على دعواهم أن مثل هذا من الشطح، فيقول كيف يكتب كاتب كتاباً يقسم أبوابه ويضع فصوله ويقول للناس هذا من عند الله وتدعون أنتم أنه شطح وهذيان وأن قائله معذور لأنه قاله في غلبة حال وضياع عقل!! أليس قولكم هذا تلبيساً على الناس، واستهزاء بعقولهم!! الشطح لا يكون كتباً كاملة مؤلفة منسقة منفصلة!! وإنما هذه عقيدة ودين باطني يريد أربابه به صرف المسلمين عن عقيدة الكتاب والسنة إلى الكفر والإلحاد والزندقة.5ـ ثم نقول لهؤلاء إثباتكم أن الصوفية يشطحون ويقولون ما لا يريدونه ولا يقصدونه في أقل أحواله إثبات لأحوال غريبة وبدعة منكرة ما كان عليها أحد من سلف الأمة الصادقين كالصحابة والأئمة فهل سمعتم أن أبا بكر وعمر والخلفاء والصحابة شطحوا!! وهل وجد في التابعين لهم بإحسان من عرف عنه شيء من ذلك، وهل كان الأئمة الأربعة من أهل الشطح أليس الشطح الصوفي دليلاً على الابتداع والخروج عن الدين القويم..؟أليس الإمام الشافعي قد قال وقد صدق والله فيما قال: "لا أرى شخصاً يتصوف في أول النهار، إلا وأصبح أحمق في آخره!!" أليست هذه كلمات من نور الإمام الشافعي الذي رأى بعينه بدايات التصوف وأخبر أن يوماً واحداً في التصوف يكفي لجعل الشخص أحمق. فأنتم باعترافكم أن هذا شطح إنما تسجلون على أنفسكم الحماقة والبدعة والخروج عن نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ورضي الله عن الشافعي الذي يقول أيضاً "ما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد عقله إليه أبداً" (تلبيس إبليس).6ـ ولكن بعض الصوفية وقد أحرجوا في حكاية الشطح هذه أرادوا أن يستخرجوا دليلاً من الكتاب والسنة على شطحهم وأن أحوالهم هذه وهذيانهم مؤيد أيضاً بالكتاب والسنة فقال: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً] فدل هذا على جواز الشطح وأن الرسول فعله أو مثله.. ونحن نقول: نسبة النبي إلى الشطح كفر وزندقة.. فالنبي صلى الله عليه وسلم عاين ما عاين من أمر الله وكان في كل ذلك هو الإنسان الكامل والرسول الصادق والعبد الكامل صلى الله عليه وسلم ولم يكن له حال أو مقال يخالف عقيدته التي نشرها وبينها والتي جاء بها كتاب الله وسنة رسوله. ومن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالف بعض كلامه بعضاً لحال أو مشاهدة فقد كفر وافترى وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما استدلالكم بالحديث على أن من رأى ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنقول: من هذا الذي رأى ما رآه الرسول في الغيب: الحلاج والبسطامي، والشبلي، والنوري وأشكالهم سبحان الله أجاء هؤلاء ليطلعوا على ما لم يطلع عليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والمبشرون بالجنة. أكان الحلاج يزعق بالشوارع، والشبلي يصرخ بالمجالس لأن الله أطلعه على الجنة والنار!! ألا تستحون من إيراد مثل هذه السخافات!!.. ونتنزل معكم درجة: هبو صدقناكم أن هؤلاء اطلعوا على الجنة والنار وشاهدوها رأي العين ألم يكن الواجب أن يحصل فيهم ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فيبكون كثيراً ويضحكون قليلاً وهذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم:[لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً]. ما قال لشطحتم ونصحتم وافتريتم وكذبتم وقلتم "سبحاني" وما في الجبة إلا الله، ويا خنزير عم صباحاً، ويا كلب عم مساءً.وفي ختام هذه الدراسة نقول من سمع آيات الله وكان من أهل الإيمان والتقوى خشع قلبه وقد تدمع عينه، ويقشعر جلده، ثم يلين لذكر الله كما قاله سبحانه وتعالى: [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ]. (الزمر:23).وقال أيضاً سبحانه وتعالى في وصف حال الأنبياء والرسل والمؤمنين عند سماع آيات الله بعد أن قص في سورة مريم أخبار طائفة من رسله وأنبيائه وأوليائه وهم زكريا ويحيى وعيسى ومريم وإبراهيم وموسى وهارون، وإسحاق ويعقوب، وإسماعيل وإدريس..[ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا] (مريم: 58).فليس عندهم عند سماع الآيات إلا السجود والبكي، وليس الشطح فهل هؤلاء الصوفية حقاً متأسون بالأنبياء والأولياء الصالحين أو أنهم صارخون مستصرخون من وخز الشياطين ولترويج عقائد الملحدين؟!يروى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : " لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق " [ تلبيس إبليس / 370 ].وسواء صحت هذه الرواية عن الشافعي أم لم تصح فإن الاتجاه العام لدى الصوفية هو الابتعاد عن العقل والعقلانية , وذلك لأنهم يرون أنه لا يمكن الوصول إلى الأحوال والمقامات العالية إلا بإلغاء العقل , ولذلك يذكرون حوادث لمشايخهم ويقررون أموراً يأباها العقل بل يكذبها , ومع أن العقل شرط في معرفة العلوم وهو بمنزلة البصر في العين فإذا اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل بنور الشمس وإن إبعاد العقل وعزله تماماً هو رجوع إلى الأحوال الحيوانية[ انظر ما كتبه ابن تيمية في الفتاوى 3/338 كما أ،ه كتب عشر مجلدات في بيان أنه لا تعارض بين الشريعة المنقولة والحقيقة المعقولة] .ومن المعلوم أن مناط التكليف في الإسلام هو العقل ولكن الصوفية كل شيء عندهم ممكن , وكل شيء يصدق مهما كانت غرابته , لأنه لا شيء يؤد على مشايخهم , وإذا رددت فأنت محجوب لا تفهم في مثل هذه الأمور , ولذلك أصبحت قصصهم أضحوكة لأهل الأديان المنسوخة كما يقول الآلوسي[ محاكمة الأحمدين / 490.]. ولأن الناس عجزوا بعد سقوط بغداد عن ربط الأسباب بالمسببات فربما كان التصوف هو الوحيد الذي نجا من تلك الكارثة فهرع الناس إلى المتصوفة يمنحونهم البركة فامتلأت البلاد بأرباب الطرق [ انظر أحمد أمين : ظهور الإسلام 4/219.] . وحتى لا يظن أننا نظلم ونتهم فهذه صور من اللامعقول عند الصوفية منتزعة من كتابهم الكبير ( الطبقات الكبرى ) للشعراني . هو يترجم لهؤلاء ولا يعلق بشيء لاعتقاده بصحتها , بل ينقل قصص المجاذيب ويترضى عنهم, وقد يقال بأنها مكذوبة عليهم ولكن الشعراني نقلها ولم ينكرها والذين يقرؤون للشعراني من عصره وحتى هذا الوقت لا يقولون : نحن ننكر مثل هذه الأمور ويجب أن تحذف من كتبنا , فالمشكلة في هؤلاء الذين يبررونها ويصدقونها فعلاً وهذه النماذج مأخوذة من عصور مختلفة إلى عصر المؤلف في القرن العاشر الهجري . ذكر في ترجمة الشيخ أحمد الرفاعي أنه : " إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء , ثم يتداركه اللطف فيصير يجمد شيئاً فشيئاً حتى يعود إلى جسمه المعتاد ويقول : لولا لطف الله ربي ما رجعت إليكم " [ الطبقات 1/143.].الشيخ أبو عمرو بن مرزوق القرشي :" كان الرجل العربي إذا اشتهى أن يتكلم بالأعجمية أو العجمي يريد أن يتكلم العربية يتفل الشيخ في فمه فيصير يعرف تلك اللغة كأنها لغته الأصلية "[ الطبقات 1/154.]. مساكين الطلبة الذين يدرسون اللغات الأجنبية في هذا العصر فلو أن الشيخ يعيش معهم لاستراحوا وأراحوا ...قال تقي الدين السبكي : " حضرت سماعاً فيه الشيخ رسلان فكان يثب في الهواء ويدور دورات ثم ينزل إلى الأرض يسيراً يسيراً , فلما استقر سند ظهره إلى شجرة تين قد يبست فأورقت واخضرت وأينعت وحملت التين في تلك السنة "[ الطبقات 1/152.].والعجب هنا ليس من الشيخ رسلان ولكن من عالم مثل السبكي كيف يقبل بأن يذكر الله بالرقص في الهواء وكيف يقبل مثل هذا الهراء , هذا إذا صحت رواية الشعراني عن السبكي. أبو العباس أحمد الملثم : يقول الشعراني عنه : " وكان الناس مختلفين في عمره , فمنهم من يقول : هذا من قوم يونس , ومنهم من يقول : إنه رأى الإمام الشافعي , فسئل عن ذلك , فقال عمري الآن نحو أربعمائة سنة وكان أهل مصر لا يمنعون حريمهم منه في الرؤية والخلوة[ نفس المصدر 1/157.]. الشيخ إبراهيم الجعبري : كان له مريدة تسمع وعظه وهو بمصر وهي بأرض السودان من أقصى الصعيد[ الطبقات 1/203.].حسين أبو علي : " من كمّل العارفين , كان كثير التطورات , تدخل عليه فتجده جندياً , ثم تدخل عليه فتجده سبعاً , ثم تدخل فتجده فيلاً ( يا ألطاف الله ) "[ الطبقات 2/87.]. تخيل هذا الذي من كمّل العارفين يتحول إلى سبع وإلى فيل .... ؟!إبراهيم بن عصيفير : " كان يغلب عليه الحال وكان يمشي أمام الجنازة ويقول زلابيه و هريسة وأحواله غريبة , وكان يحبني وأنا في بركته وتحت نظره "[نفس المصدر 2/140.]. قد يكون هذا مجنون لا تكليف عليه , أما أن يقول الشعراني : سيدي إبراهيم , وكنت في بركته وتحت نظره , فهذا مما لا ينقضي من العجب , وما رأي صوفية اليوم هل ينكرون على الشعراني هذا الكلام ؟ لا أعتقد , بل يبدوا أن هؤلاء وأمثالهم هم أقرب إلى الظن بأن الحقيقة إنما ينطق بها البلهاء قبل أن ينطق بها العلماء . 7ـ ومن أثر الصوفية وكتب الشعراني وغيره أن أساتذة في جامعات مصر , أساتذة في الطب والفيزياء والكيمياء و تكون عقولهم سليمة عند البحث العلمي وتمسخ عند الحديث عن الولي الفلاني كيف طار في الهواء أو غاص في الماء [ لاحظ هذا الانفصام الدكتور زكي نجيب محمود وطبعاً الدكتور هنا لا يدافع عن الإسلام الحقيقي وإنما يدافع عن العقل وتأثره بالمذهب الوضعي المنطقي العلماني الاتجاه ]. لا شك أنها ازدواجية تحتاج إلى تحليل نفسي لمعرفة أسبابها ودوافعها , وقد رأينا طلاب جامعات في بلاد الشام ومصر والعالم الإسلامي كيف يتبعون دجالاً مخرفاً , ظاهر الكذب والاحتيال , إن هؤلاء المشايخ يقومون بعملية غسل دماغ للمريد بطريقة شيطانية خبيثة تجعل طلاب الجامعات بل وأساتذتهم يسيرون وراء الشيخ كالقطيع , وتبقى أجواء الصوفية غير العقلانية هي العامل الأهم . إن قمة إلغاء العقل عند الصوفية هو ما يسمونه ( بالشطح ) وهي أن يتكلم أحد مشاهيرهم بكلمات غير معقولة أو تتضمن كفراً وزندقة في الظاهر ويقولون : إنه قالها في حالة جذب وسكر أما في حالة الصحو فيتراجع عنها وقيل في تعريف ( الشطح ) :" كلمة عليها رائحة الرعونة والدعوى تصدر عن أهل المعرفة باضطرار وإضراب "[ بدوي : شطحات الصوفية 1/22.].8 ـ قال أبو يزيد البسطامي " إن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق , وما النار والله لئن رأيتها لأطفأنها بطرف مرقعتي " [ انظر : تاريخ التصوف لعبد الرحمن بدوي .]. والدسوقي يعلن أن أبواب الجنة بيديه ومن زاره أسكنه جنة الفردوس 2 2 هذه هي الصوفية / 121. وأبو الحسن الشاذلي يعوم في عشرة أبحر : خمسة من الآدميين : محمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي , وخمسة من الروحانيين : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح[ لطائف المنن / 57.].وأحمد بن سليمان الزاهد شفعه الله في جميع أهل عصره [طبقات الشعراني 2/82.] . شطحاتهم لا تنتهي ونكتفي بما أوردنا كنموذج للرعونة والدعوى وأقوالهم هذه مرفوضة جملة وتفصيلاً ولا تستحق بذل الجهد لتبريرها فقاعدة الإسلام الركينة أننا نحكم بالظاهر كما دلت جملة الأحكام الشرعية, فلا مجال لمدع أن يقول بأن باطن أقوالهم مخالف لظاهرها , ويجب أن يصان الإسلام عن مثل هذا الشطح واللامعقول , بل الشرك لأن ممن يتصرف في الجنة والنار فقد اتخذ نفسه نداً لله وشركاً و قال ابن عقيل " ومن قال هذا كائناً من كان فهو زنديق يجب قتله " وإذا كانت الجنة بيد الدسوقي فلينم البطالون وليستريحوا من عناء الجهد والتعب والأمر لا يحتاج إلى علم أو عبادة أو جهاد بل مجرد زيارة الشيخ تفتح له أبواب الجنة أليست هذه نسخة أخرى عن صكوك الغفران , وأما نحن فنستغفر الله حتى من إيراد أقوالهم[ تلبيس إبليس / 343.].

                    تعليق

                    • المهندس زهدي جمال الدين
                      12- عضو معطاء

                      حارس من حراس العقيدة
                      عضو شرف المنتدى
                      • 3 ديس, 2006
                      • 2169
                      • مسلم

                      #25
                      الفصل الحادي عشر
                      المعراج الصوفي
                      هذا الفصل منقول بتمامه من كتاب الصوفية نشأتها وتطورها لمحمد العبْده وطارق عبد الحليم بنفس العنوان:كثيرون من رجال التصوف ادعوا أنهم قد عرج بهم إلى السماوات العلى. فمنهم عبد الكريم الجيلي وقد سبق الجيلي من زعم مثل هذا، ويبدو أن أول من افترى ذلك هو أبو يزيد البسطامي الذي جعل لنفسه معراجاً كمعراج الرسول صلى الله عليه وسلم وراح يحدثنا كيف أنه عرج بروحه إلى السماوات سماءً سماءً وأن بغيته كانت في الفناء في الله، أو على حد قوله البقاء مع الله إلى الأبد.وهذه هي الفكرة البرهمية الوثنية نفسها في الفناء في الذات الإلهية حسب زعمهم.ولكن البسطامي أول من افتري له أو عليه ذلك. يدعي أنه عرج به إلى السماء السابعة فالكرسي، فالعرش، وأن الله قال له: إلي إلي، وأجلسه على بساط قدسه وقال له: (يا صفي ادن مني واشرف على مشارف بهائي، وميادين ضيائي واجلس على بساط قدسي.. الخ)، وهذا هو نص المعراج الكاذب المنسوب إلى أبي يزيد البسطامي.
                      "في رؤيا أبي يزيد: في القصد إلى الله تعالى وبيان قصته:
                      قال أبو القاسم العارف، رضي الله عنه: اعلموا معاشر القاصدين إلى الله سبحانه وتعالى أن لأبي يزيد حالات ومقامات لا تحتملها قلوب أهل الغفلة وعامة الناس، وله مع الله أسرار لو اطلع عليها أهل الغرة لبهتوا فيها، وإني نظرت في كتاب فيه مناقب أبي يزيد، فإذا فيه أشياء من حالاته وأوقاته وكلامه، ما كلت الألسن عن نعته وصفته، فكل من أراد أن يعرف كماله ومنزلته فلينظر إلى نومه ورؤياه التي هي أصح في المعنى، وأقرب في التحقيق من يقظة غيره، فهذا ما حكي أن خادم أبي يزيد رضي الله عنه قال: سمعت أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه يقول: إني رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات قاصداً إلى الله، طالباً مواصلة الله سبحانه وتعالى، على أن أقيم معه إلى الأبد. فامتحنت بامتحان لا تقوم له السماوات والأرض ومن فيهما، لأنه بسط لي بساط العطايا نوعاً بعد نوع، وعرض علي ملك كل سماء، ففي ذلك كنت أغض بصري عنها، لما علمت أنه بها يجربني، فكنت لا ألتفت إليها إجلالاً لحرمة ربي، وكنت أقول في ذلك: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي. قال فقلت له: رحمك الله صف لي مما عرض عليك من ملك كل سماء قال: رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات. فلما أتيت إلى السماء الدنيا فإذا أنا بطير أخضر، فنشر جناحاً من أجنحته، فحملني عليه وطار بي حتى انتهى بي انتهائي إلى صفوف الملائكة، وهم قيام متحرقة أقدامهم في النجوم يسبحون الله بكرة وعشياً، فسلمت عليهم، فردوا علي السلام، فوضعني الطير بينهم ثم مضى فلم أزل أسبح الله تعالى بينهم، وأحمد الله تعالى بلسانهم وهم يقولون: هذا آدمي لا نوري إذ لجأ إلينا وتكلم معنا، قال: فألهمت كلمات، وقلت: باسم القادر على أن يغنيني عنكم، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن من نعته وصفته، فعلمت أن ربها يجربني، ففي ذلك كنت أقول: مرادي غير ما تعرض علي، فلم ألتفت إليها إجلالاً لحرمته. ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثانية فإذا جاءني فوج من الملائكة ينظرون إلي كما ينظر أهل المدينة إلى أمير يدخلها، ثم جاءني رأس الملائكة اسمه لاويد (اسم فارسي جعله اسماً من أسماء الملائكة)، وقال: يا أبا يزيد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول: أحببتني فأحببتك. فانتهى بي إلى روضة خضرة فيها نهر، يجري حولها ملائكة طيارة، يطيرون كل يوم إلى الأرض مائة ألف مرة، ينظرون إلى أولياء الله، وجوههم كضياء الشمس، وقد عرفوني معرفة الأرض، أي في الأرض، فجاءوني وحيوني، وأنزلوني على شط ذلك النهر، وإذا على حافيته أشجار من نور، ولها أغصان كثيرة متدلية في الهواء، وإذا على كل غصن منها وكر طير، أي من الملائكة، وإذا في كل وكر ملك ساجد، ففي كل ذلك أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، كن لي يا عزيزي جاراً من جميع المستجيرين وجليساً من المجالسين، ثم هاج من سري شيء من عطش نارياق، حتى إن الملائكة مع هذه الأشجار، صارت كالبعوضة في جنب همتي، وكلهم ينظرون إلي متعجبين مدهوشين من عظم ما يرون مني.ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالاً لحرمة ربي، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى من صدق الإرادة في القصد إليه، وتجردي عما سواه، فإذا أنا بملك قد مد يده فجذبني. ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثالثة، فإذا جميع ملائكة الله تعالى بصفاتهم ونعوتهم قد جاءوني يسلمون علي، فإذا ملك منهم له أربعة أوجه: وجه يلي السماء، وهو يبكي لا تسكن دموعه أصلاً ، ووجه يلي الأرض ينادي: يا عباد الله اعلموا يوم الفراغ (لعلها الفزع)، يوم الأخذ والحساب، ووجه يلي يمينه إلى الملائكة يسبح بلسانه، ووجه يلي يساره يبعث جنوده في أقطار السماوات يسبحون الله تعالى فيها، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: من أنت؟ إذ فضلت علينا، فقلت: عبد قد منّ الله تعالى عليه من فضله، قال: تريد أن تنظر إلى عجائب الله؟ قلت: بلى، فنشر جناحاً من أجنحته، فإذا على كل ريشة من ريشه قنديل أظلم ضياء الشمس من ضيائها، ثم قال: تعال يا أبا يزيد، واستظل في جناحي، حتى نسبح الله تعالى ونهلله إلى الموت، فقلت له: الله قادر على أن يغنيني عنك، ثم هاج من سري نور من ضياء معرفتي أظلم ضوءها: أي ضوء القناديل من ضوئي، فصار الملك كالبعوضة في جنب كمالي، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إلى ذلك إجلالاً لحرمته، وكنت أقول في ذلك: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني ثم رأيت: كأني عرجت إلى السماء الرابعة، فإذا جميع الملائكة بصفاتهم وهيئاتهم ونعوتهم قد جاءوني يسلمون علي، وينظرون إلي كما ينظر أهل البلد إلى أمير لهم في وقت الدخول، يرفعون أصواتهم بالتسبيح والتهليل من عظم ما يرون من انقطاعي إليه، وقلة التفاتي إليهم، ثم استقبلني ملك يقال له: نيائيل، فمد يده وأقعدني على كرسي له موضوع على شاطئ بحر عجاج، لا ترى أوائله ولا أواخره، فألهمت تسبيحه وانطلقت بلسانه، ولم ألتفت إليه، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالاً لحرمته، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي: فلما علم الله تعالى مني صدق الانفراد به في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه. ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بملائكة قيام في السماء رؤوسهم في عنان السماء السادسة يقطر منهم نور تبرق منه السماوات، فسلموا كلهم علي بأنواع اللغات، فرددت عليهم السلام بكل لغة سلموا علي، فتعجبوا من ذلك، ثم قالوا: يا أبا يزيد: تعال حتى تسبح الله تعالى وتهلله ونعينك على ما تريد، فلم ألتفت إليهم من إجلال ربي، فعند ذلك هاج من سري عيون من الشوق، فصار نور الملائكة فيما التمع مني كسراج يوضع في الشمس، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه. ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بالملائكة المشتاقين جاءوني يسلمون علي ويتفاخرون بشوقهم إلي، فافتخرت عليهم بشيء من طيران سري، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي. فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني. ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السابعة، فإذا بمائة ألف صف من الملائكة استقبلني. كل صف مثل الثقلين ألف ألف مرة، مع كل ملك لواء من نور، تحت كل لواء ألف ألف ملك، طول كل ملك مسيرة خمسمائة عام، وكل على مقدمتهم ملك اسمه بريائيل، فسلموا علي بلسانهم ولغتهم، فرددت عليهم السلام بلسانهم فتعجبوا من ذلك، فإذا مناد ينادي:يا أبا يزيد: قف قف؛ فإنك قد وصلت إلى المنتهى، فلم ألتفت إلى قوله ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في مقصدي إليه صيرني طيراً، كأن كل ريشة من جناحي أبعد من الشرق إلى الغرب ألف ألف مرة، فلم أزل أطير في الملكوت، وأجول في الجبروت، وأقطع مملكة بعد مملكة، وحجباً بعد حجب، وميداناً بعد ميدان، وبحاراً بعد بحار، وأستاراً بعد أستار، حتى إذا أنا بملك المرسى استقبلني، ومعه عمود من نور، فسلم علي ثم قال: خذ هذا العمود، فأخذته فإذا السماوات بكل ما فيها قد استظل بظل معرفتي، واستضاء بضياء شوقي، والملائكة كلهم صارت كالبعوضة عند كمال همتي في القصد إليه، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليها إجلالاً لحرمة ربي الله تعالى.ثم لم أزل أطير وأجول مملكة بعد مملكة، وحجباً بعد حجب، وميداناً بعد ميدان، وبحاراً بعد بحار، وأستاراً بعد أستار، حتى انتهيت إلى الكرسي، فإذا قد استقبلني ملائكة لهم عيون بعدد نجوم السماوات، يبرق من كل عين نور تلمع منه، فتصير تلك الأنوار قناديل، أسمع من جوف كل قنديل تسبيحاً وتهليلاً، ثم لم أزل أطير كذلك حتى انتهيت إلى بحر من نور تلاطم أمواجه يظلم في جنبه ضياء الشمس، فإذا على البحر سفن من نور، يظلم في جنب نورها أنوار تلك الأبحر، فلم أزل أعبر بحاراً بعد بحار حتى انتهيت إلى البحر الأعظم الذي عليه عرش الرحمن، فلم أزل أسبح فيه حتى رأيت ما من العرش إلا الثرى من الملائكة الكروبيين وحملة العرش، وغيرهم ممن خلق الله سبحانه وتعالى في السماوات والأرض، أصغر من حيث طيران سري في القصد إليه، من خردلة بين السماء والأرض، ثم لم يزل يعرض علي من لطائف بره وكمال قدرته وعظم مملكته ما كلت الألسن عن نعته وصفته، ففي كل ذلك كنت أقول: يا عزيزي مرادي في غير ما تعرض لي، فلم ألتفت إليه إجلالاً لحرمته فلما علم الله سبحانه وتعالى من صدق الإرادة في القصد إليه فنادى: إلي إلي، وقال: يا صفي ادن مني، وأشرف على مشرفات بهائي، وميادين ضيائي، واجلس على بساط قدسي حتى ترى لطائف صنعي في آنائي، أنت صفيي وحبيبي، وخيرتي من خلقي، فكنت أذوب عند ذلك كما يذوب الرصاص، ثم سقاني شربة من عين اللطف بكأس الأنس، ثم صيرني إلى حال لم أقدر على وصفه، ثم قربني منه، وقربني حتى صرت أقرب منه من الروح إلى الجسد، ثم استقبلني روح كل نبي يسلمون علي ويعظمون أمري ويكلمونني وأكلمهم، ثم استقبلني روح محمد صلى الله عليه وسلم، ثم سلم علي، فقال: يا أبا يزيد: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فقد فضلك الله على كثير من خلقه تفضيلاً، إذا رجعت إلى الأرض اقرأ لأمتي مني السلام، وانصحهم ما استطعت، وادعهم إلى الله عز وجل، ثم لم أزل مثل ذلك حتى صرت كما كان من حيث لم يكن التكوين، وبقي الحق بلا كون ولا بين ولا أين ولا حيث ولا كيف، جل جلاله وتقدست أسماؤه.قال أبو القاسم العارف رضي الله عنه: معاشر إخواني عرضت هذه الرؤيا على أجلاء أهل المعرفة فكلهم يصدقونها ولا ينكرونها، بل يستقبلونها عند مراتب أهل الانفراد في القصد إليه، ثم يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد لا يزال من الله والله منه ما لم يجزع فإذا جزع وجب عليه العتاب والحساب). وروي أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم (أن من العلم كهيئة المخزون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله ولا ينكره إلا أهل الغرة بالله) أ.ﻫ منه بلفظه (ملحق رقم (2) لكتاب المعراج منقول من مخطوطة حيدر آباد بعنوان القصد إلى الله).معراج إسماعيل بن عبد الله السوداني:ذكرنا في الحديث عن الكشف الصوفي ما افتراه عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل فيما زعمه أنه عرج به إلى السماوات ورأى هنالك الملائكة والأنبياء وكلمهم واستفاد منهم فوائد، وأفادهم كذلك فوائد فيما زعمه، وقد نقلنا نقولاً مستفيضة مما كذبه، وقد جاء من نسج على منوال الجيلي تماماً وكتب كتاباً يكاد يكون نسخة منه وهو إسماعيل بن عبد الله السوداني والذي ألفه سنة 1261 ﻫ أي منذ مائة وسبع وستين سنة تقريباً ـ نحن الآن في 1428 ﻫ ـ وسماه (مشارق شمس الأنوار ومقارب حسها في معنى العلوم والأسرار).وقد سلك إسماعيل بن عبد الله السوداني هذا مسلك الجيلي نفسه حيث زعم أنه عرج به إلى السماء سماء سماء. والعجيب أنه جعل هذه السماوات هي الكواكب السبعة التي كانت معروفة في ذلك الوقت (القمر، والزهرة، والمشتري، والمريخ، وعطارد، وزحل). والتي كان يظن قديماً أنها هي السماوات السبع فجعل لكل سماء من هذه (روحانية) كما يعتقده الصابئة عبدة النجوم، وشوه معراج الرسول صلى الله عليه وسلم فنقل منه أسماء الأنبياء والرسل الذين التقى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم في معراجه، فزعم إسماعيل هذا أنه التقى بهم أيضاً وأفادوه وباركوه واحتفلوا بمجيئه إليهم، وأنه شاهد بعد ذلك العرش والكرسي وسدرة المنتهى، والملائكة الذين لم يسجدوا لآدم تماماً كما زعم الجيلي من قبله مكذباً بذلك القرآن حيث يقول سبحانه وتعالى: [ ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين] ويبدو أنه لم يقرأ هذه الآية قط واكتفى بقراءة كتاب الجيلي ونقل عنه مشاهداته وزعمها لنفسه وجعلها كشفاً خاصاً به هو..وهذا هو شأن مشايخ التصوف ينقل بعضهم عن بعض نفس الدعاوي التي يدعيها من قبله فإذا قال أحدهم أنا خاتم الأولياء قال من بعده بل أنا خاتم الأولياء، وإذا قال أحدهم رفعني الله وأجلسني عنده وأعطاني وقربني جاء من يدعي هذه الدعاوي ويزيد على ذلك وهكذا.

                      تعليق

                      • المهندس زهدي جمال الدين
                        12- عضو معطاء

                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 3 ديس, 2006
                        • 2169
                        • مسلم

                        #26
                        الفصل الثاني عشر
                        ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة؟!
                        وقد يسأل سائل: وما الذي يريده هؤلاء من تأليف هذه الكتب، ونشر هذا الجنون والهذيان؟! ولست أنا الذي سأجيب عن هذا السؤال، وإنما سأثبت الجواب من كلام الجيلي نفسه.إنه يقول بالنص:"اعلم أن الله تعالى إنما خلق جميع الموجودات لعبادته، فهم مجبولون على ذلك مفطورون عليه من حيث الأصالة، فما في الوجود شيء إلا هو يعبد الله بحاله ومقاله وفعاله، بل بذاته وصفاته، فكل شيء في الوجود مطيع لله تعالى، لقوله تعالى للسماوات والأرض:[ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ]. فصلت : 11 .وليس المراد بالسماوات إلا أهلها، ولا بالأرض إلا سكانه. وقال تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ] الذاريات : 56 . ثم شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعبدونه بقوله [كل ميسر لما خلق له] لأن الجن والإنس مخلوقون لعبادته وهم ميسرون لما خلقوا له، فهم عباد الله بالضرورة، ولكن تختلف العبادات لاختلاف مقتضيات الأسماء والصفات، لأن الله تعالى متجل باسمه المضل، كما هو متجل باسمه الهادي، فكما يجب ظهور أثر اسمه المنعم، كذلك يجب ظهور أثر اسمه المنتقم. واختلاف الناس في أحوالهم لاختلاف أرباب الأسماء والصفات، قال تعالى[كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة : 213 )] فقوله[ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ] يعني عباد الله مجبولون على طاعته من حيث الفطرة الأصلية، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ليعبده من اتبع الرسل من حيث اسمه المضل، فاختلف الناس وافترقت الملل وظهرت النحل، وذهبت كل طائفة إلى ما علمته أنه صواب.ولو كان ذلك العلم عند غيرها خطأ ولكن حسنه الله عندها ليعبدوه من الجهة التي تقتضيها تلك الصفة المؤثرة في ذلك الأمر، وهذا معنى قوله [إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (هود : 56 ) ] فهو الفاعل بهم على حسب ما يريد مريده، وهو عين ما اقتضته صفاته، فهو سبحانه وتعالى يجزيهم على حسب مقتضى أسمائه وصفاته، فلا ينفعه إقرار أحد بربوبيته ولا يضره جحود أحد بذلك، بل هو سبحانه وتعالى يتصرف فيهم على ما هو مستحق لذلك من تنوع عباداته التي تنبغي لكماله، فكل من في الوجود عابد لله تعالى، مطيع لقوله تعالى [تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (الإسراء : 44 ) ]، لأن من تسبيحهم ما يسمى مخالفة ومعصية وجحوداً وغير ذلك، فلا يفقهه كل أحد، ثم إن النفي إنما وقع على الجملة، فصح أن يفقهه البعض؛ فقوله [ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ] يعني من حيث الجملة، فيجوز أن يفقهه بعضهم" (ص120).وبعد أن يذكر الجيلي طوائف الناس ومللهم يقول : "فكل هذه الطوائف عابدون لله تعالى كما ينبغي أن يعبد لأنه خلقهم لنفسه لا لهم فهم له كما يستحق ثم إنه سبحانه وتعالى أظهر في هذه الملل حقائق أسمائه وصفاته فتجلى في جميعها بذاته فعبدته جميع الطوائف" (ص122).ويشرح هذا المعنى تفصيلياً فيقول:"فأما الكفار فإنهم عبدوه بالذات، لأنه لما كان الحق سبحانه وتعالى حقيقة الوجود بأسره والكفار من جملة الوجود وهو حقيقتهم فكفروا أن يكون لهم رب لأنه تعالى حقيقتهم ولا رب له بل هو الرب المطلق، فعبدوه من حيث ما تقتضيه ذواتهم التي هو عينها (وما دام أنهم في زعمه وكفره هم عين الله فهم ينفذون لثبته وأمره بل هم الله فلا حاجة بهم إلى أن يعلموا ذلك أو لا يعلموه. وبالتالي فكفرهم بإله غيرهم وخارج عن طبيعتهم هو عين الإيمان وعين الحق في نظر الجيلي الزنديق ومن على شاكلته من هؤلاء الملاحدة الذين لم تعرف الأرض أفجر ولا أكفر منهم).ـ ما بين الأقواس تعليق من عندنا ـ .ثم من عبد منهم الوثن فلسر وجوده سبحانه بكماله بلا حلول ولا مزج في كل فرد من أفراد ذوات الوجود، فكان تعالى حقيقة تلك الأوثان التي يعبدونها فما عبدوا إلا الله" (ص122).وأظن أنه ليس هناك عبارة أصرح وأوضح من هذه العبارات تبين المقصود والمآل الذي يرمي المتصوفة والوصول إليه.ويستطرد الجيلي مبيناً عقائد الناس وأنهم جميعاً على حق. فيقول عن اليهود : "وأما اليهود فإنهم يتعبدون بتوحيد الله تعالى ثم بالصلاة في كل يوم مرتين.. ويتعبدون بالاعتكاف يوم السبت، وشرط الاعتكاف عندهم أن لا يدخل في بيته شيئاً مما يتمول به، ولا مما يؤكل، ولا يخرج منه شيئاً، ولا يحدث فيه نكاحاً ولا بيعاً ولا عقداً، وأن يتفرغ لعبادة الله تعالى لقوله تعالى في التوراة:(أنت وعبدك وأمتك لله تعالى في يوم السبت)، فلأجل هذا حرم عليهم أن يحدثوا في يوم السبت شيئاً مما يتعلق بأمر دنياهم، ويكون مأكوله مما جمعه يوم الجمعة، وأول عندهم إذا غربت الشمس من يوم الجمعة، وآخره الاصفرار من يوم السبت.وهذه حكمة جليلة؛ فإن الحق تعالى خلق السماوات والأرضين في ستة أيام، وابتدأها في يوم الأحد ثم استوى على العرش في اليوم السابع وهو يوم السبت، فهو يوم الفراغ، فلأجل هذا عبد الله اليهود بهذه العبادة في هذا اليوم إشارة إلى الاستواء الرحماني وحصوله في هذا اليوم فافهم" (ص127).ثم يقول مادحاً النصارى كذلك فيقول:"وأما النصارى فإنهم أقرب من جميع الأمم الماضية إلى الحق تعالى، فهم دون المحمديين، سببه أنهم طلبوا الله تعالى فعبدوه في عيسى ومريم وروح القدس، ثم قالوا بعدم التجزئة، ثم قالوا بمقدمه على وجوده في محدث عيسى وكل هذا تنزيه في تشبيه لائق بالجناب الإلهي".ا.ﻫ.أي أن فعل النصارى هذا من تشبيه الله بخلقه ومن عبادة الثلاث ومن اتخاذ أرباب مع الله كل ذلك لائق في عقيدة عبد الكريم الجيلي ولكنه يراهم أيضاً مقصرون لأنهم حصروا الله في ثلاث نقط، والله عنده لا ينحصر في ثلاثة لأن كل موجود هو الله.هذه هي الغاية التي يسعى هؤلاء الزنادقة سعياً حثيثاً إليها. إنها التسوية بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والكفر والإيمان، وإبليس وجبريل، ومحمد صلى الله عليه وسلم وأبو جهل، والخمر والماء، والأخت والأجنبية، والزواج والزنا واللواط، والقتل ظلماً والرحمة، والتوحيد والشرك، فلا ضلال في الأرض إلا في نظر القاصرين فقط، وأما العارفون فكل هذه الموجودات شيء واحد بل ذات واحدة تعددت وجوداتها، وتعددت أشكالها وألوانها وهي حقيقة واحدة ـ وبهذا الدين الذي لم تعرف البشرية أظلم ولا أفجر ولا أكفر منه ـ اعتقد هؤلاء الزنادقة وألبسوا هذا الدين الفاجر آيات القرآن وأحاديث النبي الكريم، ووصفوا أنفسهم بأنهم خير الناس وأعلمهم وأتقاهم، وهذه هي حالهم في الظلم والكفر والفجور، وهدم دين الإسلام وإحلال شرائع الشيطان مكان شريعة الرحمن، وطمس صفات الله ونوره سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وأستغفر الله من نقل هذا الكفر وتسطيره. فإنه كفر لم تقله اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا الصابئة.. ورحم الله الإمام عبد الله بن المبارك الذي كان يقول: إنا لنحكي كفر اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي كفر الجهمية.. فكيف لو رأى كفر هؤلاء الصوفية الملاحدة ماذا كان يقول في ذلك؟!.حقاً إن هذا لشيء عظيم ولكننا مضطرون أن نذكر كفرهم لندحضه ولنبينه للناس ليحذرون بعد أن عم شرهم البلاد والعباد، وبعد أن اغتر بهم جمع غفير من المسلمين، فظنوا أن الحق مع هؤلاء فاتبعوهم حتى صرفوهم عن دين الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصلوهم إلى هذه النهاية المزرية التي يستحيل على الإنسان إذا وصلها أن يميز بين خير وشر، وهدى وضلالة، لأن كل هذه الأضداد ستكون عنده شيئاً واحداً.ومع ذلك فإن الجيلي يستطرد في هذا الباب شارحاً مراده تماماً فيقول:"ولم يفتقر في ذلك إلى علمهم، ولا يحتاج إلى نياتهم، لأن الحقائق ولو طال إخفاؤها لا أن تظهر" أ. ﻫ. يعني أن الله لا يحتاج أن يعلم الكافر به ما دام أن وجود هذا الكافر هو وجود الله، وأن هذه الحقيقة لا بد وأن تظهر للعيان يوماً ما..ويمضي الجيلي شارحاً معتقده فيقول.."وأما الطباعية فإنهم عبدوه من حيث صفاته الأربع..، لأن أربعة الأوصاف الإلهية.. التي هي الحياة والعلم والقدرة والإرادة أصل بناء الوجود فالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة مظاهرها في عالم الأكوان، فالرطوبة مظهر الحياة، والبرودة مظهر العلم، والحرارة مظهر الإرادة، واليبوسة مظهر القدرة. وحقيقة هذه المظاهر ذات الموصوف بها سبحانه وتعالى.. فعبدت هذه الطبائع لهذا السر فمنهم من علم ومنهم من جهل العالم سابق، والجاهل لاحق فهم عابدون للحق من حيث الصفات، ويؤول أمرهم إلى السعادة كما آل أمر من قبلهم إليها بظهور الحقائق التي بني أمرهم عليها" (ص123-124).وهكذا يقرر الجيلي أن الفلاسفة الطبائعيين الذين قالوا برجوع الطبيعة إلى العناصر الأربعة هم عابدون لله شاءوا أم أبوا، علموا أم جهلوا، وأن أمرهم إلى السعادة الأبدية. ويستدل لهذا الكفر الشنيع أيضاً بالقرآن فيقول: "والدليل من القرآن أن الله قال في الأحزاب المختلفين [فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (المؤمنون : 53 ) ] فيقول: "إن فرحهم هذا في الدنيا والآخرة، فكل حزب يفرح بما عنده في الدنيا، ويفرح به أيضاً في الآخرة عندما يطلع الجميع أنه لا ثمة إلا الله وأنهم جميعاً مظاهر للذات الإلهية، وليسوا شيئاً خارجاً عنها".وهكذا يستخدم القرآن أيضاً في هذا الكفر والباطل الذي لم تعرف البشرية له مثيلاً في كل تاريخها فقد ارتكز في الفطرة أن هناك حقاً وباطلاً، هدى وضلالاً، نوراً وظلاماً، كذباً وصدقاً، وإيماناً..، ولكن عند هؤلاء الصوفية كل هذا شيء واحد وحق واحد اختلفت مظاهره ولم تختلف حقيقته فالجنة والنار كلاهما نعيم، وإبليس وجبريل كلاهما عابد، بل معبود، بل شيء تعددت صفاته بتعدد موجوداته..ويستطرد الجيلي في شرح كفره وفجوره فيقول:"وأما الثنوية فإنهم عبدوه من حيث نفسه تعالى، لأنه تعالى جمع الأضداد بنفسه، فشمل المراتب الحقية والمراتب الخلقية، وظهر في الوصفين بالحكمين، وظهر في الدارين بالنعتين، فما كان منسوباً إلى الحقيقة الحقية فهو الظاهر في الأنوار وما كان منسوباً إلى الحقيقة الخلقية فهو عبارة عن الظلمة، فعبدوا النور والظلمة لهذا السر الإلهي الجامع للوصفين والضدين والاعتبارين والحكمين كيف شئت من أي حكم شئت، فإنه سبحانه يجمعه وضده بنفسه.فالثنوية عبدوه من حيث هذه اللطيفة الإلهية مما يقتضيه في نفسه سبحانه وتعالى، فهو المسمى بالحق، وهو المسمى بالخلق، فهو النور والظلمة" (ص125) أ. ﻫ.بهذا الوضوح شرح الجيلي مذهب الفلاسفة الصوفية الزنادقة الملاحدة، وبهذا التفصيل والبيان يستطرد أيضاً قائلاً:"وأما المجوس فإنهم عبدوه من حيث الأحدية، فكما أن الأحدية مفنية لجميع المراتب والأسماء والأوصاف، كذلك النار فإنها أقوى الاستقصاءات وأرفعها، فإنها مفنية لجميع الطبائع بمحاذاتها، لا تقاربها طبيعة إلا تستحيل إلى النارية لغلبة قوتها، فكذلك الأحدية لا يقابلها اسم ولا وصف إلا يندرج فيها ويضمحل، فلهذه اللطيفة عبدوا النار وحقيقتها ذاتها وتعالى".فيجعل المجوس قسماً غير الثنوية والمعلوم أنهم قسم واحد فالثنوية القائلون بالنور والظلمة وإله للخير وإله للشر هم أيضاً المجوس عبدة النار التي يجعلونها ستاراً وعلامة لإلهم إله الخير في زعمهم ولكن الجيلي الملحد يجعل هؤلاء أيضاً عبدة النيران من أهل الحق والتوحيد وأن عبادتهم للنار حق أقوى العناصر وأرفعها ويقول والنار حقيقتها ذات الله تعالى. فأي كفر يا قوم في الأرض أعظم من هذا وأكبر.. ويمدح الجيلي المجوس فيقول:"فلما انتشقت مشام أرواح المجوس لعطر هذا المسك زكمت عن شمه سواه فعبدوا النار وما عبدوا إلا الواحد القهار" أ. ﻫ (ص126).فأي تصريح عن عقائد القوم أبلغ من هذا..ثم يقول: "وأما الدهرية (أي الاسم) فإنهم عبدوه من حيث الهوية (الدهرية: هم القائلون بأنه لا إله والحياة مادة فما هي أرحام تدفع وأرض يبلع واسمهم هذا مأخوذ من قوله تعالىوَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (الجاثية : 24 ] فقال عليه السلام: [لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر]". أ. ﻫهذا إبليس والزنادقة لم يصل إلى هذا الحد في الكفر فالمقصود بقول رسول الله [إن الله هو الدهر] هو أنه سبحانه وتعالى مقدر المقادير؛ فسب الأيام سب لله لأنه هو مقدر المقادير سبحانه وتعالى والزمان لا دخل له في ذلك. فنهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب الزمان لأن هذا من ثم يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى. وليس مقصود الرسول حتماً أن الله هو الزمان لأن الله جل وعلا هو خالق الزمان والمكان والخالق غير المخلوق. وأما الدهرية فإنهم لا يؤمنون بإله أصلاً والجيلي يجعل هؤلاء الملاحدة عباداً لله.. انظر..
                        الغزالي - وطريق الكشف:
                        لعل من العجائب والغرائب أن يسقط رجل في طريق التصوف كالغزالي رحمه الله وعفا عنه. وعلى ما كان منه فقد كان من علماء الشريعة. ولكن لقصر باعه ـ رحمه الله ـ في علم السنة ومعرفة صحيح الحديث من ضعيفه فقد اغتر بما عليه الصوفية من ظاهرهم، وما يبدونه ويعلقونه من الورع والتقوى، ولما كان عنده من الفلسفة الأولى التي دخل في بطنها ولم يستطع الخروج منها على حد قول تلميذه الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله فإنه قد دون للمتصوفة ما دون في كتابه إحياء علوم الدين. ومن ذلك ما نقله عنهم في زعمهم بالكشف حيث يقول:"فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر، وفاض على صدورهم النور، لا بالتعليم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. فمن كان لله، كان الله له ـ وزعموا أن الطريق في ذلك، أولاً بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها، وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن، وعن العالم والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود الشيء وعدمه. ثم يخلوا بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب، ولا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا يكتب حديثاً ولا غيره. بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى. فلا يزال، بعد جلوسه في الخلوة، قائلاً بلسانه: الله.. الله.. على الدوام، مع حضور القلب، حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه. ثم يصير عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة، ويبقي معنى الكلمة مجرداً في قلبه حاضراً فيه، كأنه لازم له، لا يفارقه، وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هذا الحد، واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس. وليس له اختيار في استجلاب رحمة الله تعالى. بل هو بما فعله صار متعرضاً لنفحات رحمة الله، فلا يبقى إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة، كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريق.وعند ذلك إذا صدقت إرادته، وصفت همته، وحسنت مواظبته، فلم تجاذبه شهواته، ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا ـ تلمع لوامع الحق في قلبه، ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف ثم يلبث ثم يعود وقد يتأخر. وإن عاد فقد يثبت، وقد يكون مختطفاً. وإن ثبت قد يطول ثباته وقد لا يطول، وقد يتظاهر أمثاله على التلاحق وقد يقتصر على فن واحد.ومنازل الأولياء الله تعالى فيه لا تحصر، كما لا يحصى تفاوت خلقهم وأخلاقهم - وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك، وتصفية وتجليات، ثم استعداد وانتظار فقط" أ. ﻫفانظر قول الغزالي عن الصوفي الذي يريد الوصول إلى الكشف (ويجلس فارغ القلب، مجموع الهم، ولا يفرق فكره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا يكتب حديثاً ولا غيره.. بل يقول.. الله الله على الدوام..) فهل وجد مثل هذا الأمر في كتاب أو سنة أو أنه عمل مبتدع يريد به صاحبه غاية لا تحصل له، وهي رؤية الله أو أنوار الله، أو الملائكة أو رسول الله؟!وهل يرى الصوفي من وراء هذا الذكر المبتدع غير طوالع نار الشياطين، وبوارق كيدهم، ولوائح طلوعهم على من جعل له غاية غير غايات الدين وطريقاً غير طريق المؤمنين الذي سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسن لنا الرسول أن يجلس أحدنا في زاوية مظلمة ولا يجعل على خاطره شيئاً غير الله وينتظر أن ينزل عليه الوحي والكشف.. وبالطبع من جعل له غاية غير غايات الكتاب والسنة تلاعبت به الشياطين وظن أن ما تنزل عليه إنما هو من الله وما هو من الله.. والغزالي الذي قرر هذا الكلام للصوفية وساعد في نشر زندقتهم وكفرهم لم يتقدم فيما أعلمه خطوة أخرى وجعل من تنزل الملائكة على الصوفية وذلك فيما أظن وأعلم أن الرجل يعلم أن من قال بنزول الوحي عليه بعد النبي فقد كفر ولذلك أنكر الغزالي أن تكون الملائكة تنزل على الأولياء والصوفية كما تنزل على الأنبياء، واكتفى بما ذكرناه عنه آنفاً أن الأولياء والصوفية تشرق على قلوبهم هذه العلوم التي يقولونها إشراقاً من الغيب فضلاً من الله لهم ورحمة ـ في زعمه ـ بهم. لقد اكتفى الغزالي في تقريره الكشف الصوفي بإشراق العلوم في القلب وسماع الصوت أيضاً كما قال: "الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم فإن لم يكن له مكان مظلم فليلق رأسه بجيبه، أو يتدثر بكساء أو إبراز ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال - الحضرة البوبية) (إحياء علوم الدين ج2 ص66).وعلى الرغم من أن الغزالي جارى الصوفية في مزاعمهم هذه، وقرر ما ابتدعوه من الخلوة والظلام ولف الرأس وانتظار العلوم إلا أن إنكاره نزول الملك على الصوفي لم يعجب كبار الصوفية، وأهل الحقيقة منهم، ولذلك عنفوه وجهلوه وجعلوا هذا منه لقلة الذوق وعدم التحقق بنفسه وعدم مقابلته لمن هو أعلى منه مقاماً، وأحسن منه حالاً، وأنه لو التقى بمن هو أعظم منه وأكبر منه في هذا الطريق لعلم أن الملائكة ينزلون على أولياء الصوفية تماماً كما ينزلون على الأنبياء وأنه لا فرق إلا في نوع العلوم فقط لا في كيفية النزول ولذلك كتب عبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر اعتراض الغزالي وإنكاره لنزول الملك على الصوفي وأتى بالجواب من ابن عربي الذي خطأ الغزالي ورد عليه في عدم جواز نزول الملك على الصوفي فقال:"(فإن قلت) قد ذكر الغزالي في بعض كتبه أن من الفرق بين تنزل الوحي على قلب الأنبياء وتنزله على قلوب الأولياء نزول الملك فإن الولي يلهم ولا ينزل عليه قط، والنبي لا بد له من الوحي من نزول الملك به فهل ذلك صحيح؟.(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع والستين وثلاثمائة أن ذلك غلط والحق أن الكلام في الفرق بينهما إنما هو في كيفية ما ينزل به الملك لا في نزول الملك إذ الذي ينزل به الملك على الرسول أو النبي خلاف ما ينزل به الملك على الولي التابع فإن الملك لا ينزل على الولي التابع إلا بالإتباع لنبيه وبإفهام ما جاء به بما لم يتحقق له علمه كحديث قال العلماء بضعفه مثلاً فيخبره ملك الإلهام بأنه صحيح فللولي العمل به في حق نفسه بشروط يعرفها أهل الله عز وجل لا مطلقاً. وقد ينزل الملك على الولي ببشرى من الله بأنه من أهل السعادة كما قال تعالى في الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا؛ وهذا وإن كان إنما يقع عند الموت فقد يعجل الله تعالى به لمن يشاء من عباده *قال الشيخ: وسبب غلط الغزالي وغيره في منع تنزل الملك على الولي عدم الذوق وظنوا بأنهم قد علموا بسلوكهم جميع المقامات فلما ظنوا ذلك بأنفسهم ولم يروا ملك الإلهام نزل عليهم أنكروه وقالوا ذلك خاص بالأنبياء فذوقهم صحيح وحكمهم باطل مع أن هؤلاء الذين منعوا قائلون بأن زيادة الثقة مقبولة وأهل الله كلهم ثقات. قال ولو أن أبا حامد وغيره اجتمعوا في زمانهم بكامل من أهل الله وأخبرهم بتنزل الملك على الولي لقبلوا ذلك ولم ينكروه. قال وقد نزل علينا ملك الإلهام بما لا يحصى من العلوم وأخبرنا بذلك جماعات كثيرة ممن كان لا يقول بقولنا فرجعوا إلينا فيه ولله الحمد".وهكذا يقرر ابن عربي، الفيلسوف الصوفي والذي يسمونه الشيخ الأكبر، جواز، بل وقوع نزول الملائكة على شيوخ الصوفية وأن هذا قد وقع له ومد لمشايخ كثيرين ممن هم على شاكلته من أهل الكذب والزيغ. وإليك طائفة من كلام ابن عربي في هذا الصدد:

                        تعليق

                        • المهندس زهدي جمال الدين
                          12- عضو معطاء

                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 3 ديس, 2006
                          • 2169
                          • مسلم

                          #27
                          الفصل الثالث عشر
                          ابن عربي والكشف الصوفي:
                          لم أطلع فيما اطلعت على كاتب صوفي أكثر تبجحاً فيما زعمه من العلم الباطني أكثر من ابن عربي الأندلسي الأصل، المغربي، ثم الشامي، سكناً ووفاة.لقد ملأ هذا الكاتب كتبه مدحاً لنفسه، وأنه لا يستطيع أحد مجاراته قط، فقد زعم لنفسه الإطلاع على كل ما سطره الفلاسفة قديماً وما كتبه اليهود والنصارى.. والمطالع لكتبه يجد هذا واضحاً جداً في مؤلفاته فقد ادعى لنفسه ختم الولاية الكبرى الخاصة وأنه خاتم الأولياء كما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء.. وادعى لنفسه العلم الكامل المحيط بالقرآن والسنة، وأن تآليفه كلها معصومة من الخطأ، وأنه لا يكتب شيئاً إلا عن وحي يوحى، بل زعم أن أبواب كتابه الفتوحات المكية توقيفي يتبع فيه ما يوحى إليه وليس له يد في ترتيب فصوله وأبوابه..وأنه أحياناً يتكلم بشيء بعد شيء لا رابط بينهما كما نزل في القرآن [حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ] (البقرة : 238 . بعد آيات الطلاق ولا رابط بينهما.. وأن علومه كلها محفوظة من الخطأ. ولد ابن عربي سنة 560 هجرية 1165 ميلادية في مدينة مرسية علي الساحل الشرقي في الأندلس، وتوفي في دمشق عن عمر يناهز الثمانين، واللافت بحق أن ضريحه غدا مزاراً لا بوصفه مفكراً، بل بوصفه ولياً ذا كرامات، يُتوسل به في نقل احتياجات العامة إلي البارئ العظيم.وإليك نصوص عباراته في ذلك كما جمعها الصوفي الكبير عبد الوهاب الشعراني من ثنايا كتاب (الفتوحات المكية) وضمنها عبد الوهاب في كتاب أسماه (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الكبائر):"قال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات المكية جميع ما أتكلم به في مجالسي وتآليفي إنما هو من حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيح العلم فلا أستمد قط في علم من العلوم إلا منه كل ذلك حتى لا أخرج من مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أو بما تضمنه كلامه *وقال في الكلام على الآذان من الفتوحات: اعلم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قط أمراً غير مشروع، وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي *وقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة: جميع ما أكتبه في تصانيفي ليس هو عن فكر ولا روية وإنما هو عن نفث في روعي من ملك الإلهام *وقال في الباب السابع والستين وثلاثمائة ليس عندي بحمد الله تقليد لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلومنا كلها محفوظة من الخطأ *وقال في الباب العاشر من الفتوحات: نحن بحمد الله لا نعتمد في جميع ما نقوله إلا على ما يلقيه الله تعالى في قلوبنا لا على ما تحتمله الألفاظ *وقال في الباب الثالث والسبعين وثلاثمائة: جميع ما كتبته وأكتبه إنما هو عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني كل ذلك لي بحكم الإرث لا بحكم الاستقلال فإن النفث في الروع منحط عن رتبة وحي الكلام ووحي الإشارة والعبارة ففرق يا أخي بين وحي الكلام ووحي الإلهام تكن من العلماء الأعلام *وقال في الباب السابع والأربعين من الفتوحات: اعلم أن علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر وإنما هي من الفيض الإلهي *وقال في الباب السادس والأربعين ومائتين: منها جميع علومنا من علوم الذوق لا من علم بلا ذوق فإن علوم الذوق لا تكون إلا عن تجل إلهي والعلم قد يحصل لنا بنقل المخبر الصادق وبالنظر الصحيح *وقال في الباب التاسع والثمانين منها والباب الثامن والأربعين وثلاثمائة: اعلم أن ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن عن اختيار مني ولا عن نظر فكري وإنما الحق تعالى يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره وقد نذكر كلاماً بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بعده كما في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بين آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة تتقدمها وتتأخر عنها انتهى وأطال في ذلك *وقال في الباب الثامن من الفتوحات: اعلم أن العارفين رضي الله تعالى عنهم لا يتقيدون في تصانيفهم بالكلام فيما بوبوا عليه فقط وذلك لأن قلوبهم عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما يبرز لهم منها فمهما برز لهم كلام بادروا إلى إلقائه على حسب ما حد لهم فقد يلقون الشيء إلى ما ليس في جنسه امتثالاً لأمر ربهم وهو تعالى يعلم حكمة ذلك. انتهى. فهذه النقول تدل على أن كلام الكمل لا يقبل الخطأ من حيث هو والله أعلم"ا.ﻫ. (اليواقيت والجواهر ص24،25 ج2).وفي نص آخر، يقرر الشعراني ما زعمه شيخه ابن عربي في أنه لا فرق بين وحي الأولياء ووحي الأنبياء إلا أن وحي الأنبياء تشريع جديد، وأما الأولياء فإن وجهتهم كشف وعلم وإتباع لمشرع الأنبياء..قال الشعراني:"وقال في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة: اعلم أنه لم يجيء لنا خبر إلهي أن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي تشريع أبداً إنما لنا وحي الإلهام. قال تعالى ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ولم يذكر أن بعده وحياً أبداً. وقد جاء الخبر الصحيح في عيسى عليه السلام وكان ممن أوحي إليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل آخر الزمان لا يؤمنا إلا بنا أي بشريعتنا وسنتنا مع أن له الكشف التام إذا نزل زيادة على الإلهام الذي يكون له كما الخواص من هذه الأمة.(فإن قلت) فإذن الإلهام خبر إلهي (فالجواب) نعم وهو كذلك إذ هو إخبار من الله تعالى للعبد على يد ملك مغيب عن الملهم.(فإن قلت) فهل يكون إلهام بلا وساطة أحد (فالجواب) نعم قد يلهم العبد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان وربه عز وجل فلا يعلم به ملك الإلهام لكن علم هذا الوجه يتسارع إلى إنكاره ومنه إنكار موسى على الخضر عليهما الصلاة والسلام وعذر موسى في إنكاره أن الأنبياء ما تعودوا أخذ أحكام شرعهم إلا على يد ملك لا يعرف شرعاً من غير هذا الطريق فعلم أن الرسول والنبي يشهدان الملك ويريانه رؤية بصر عندما يوحي إليهما وغير الرسول يحس بأثره ولا يراه فيلهمه الله تعالى بوساطته ما شاء أن يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهو أجل الإلقاء، وأشرفه إذا حصل الحفظ لصاحبه ويجتمع في هذا الرسول والولي أيضاً" ا.ﻫ. (اليواقيت والجواهر ص84 ج2).وقول ابن عربي هنا "أو يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط (أي بين الولي والله) وهو أي هذا الإلقاء بهذه الطريقة أجل الإلقاء وأشرفه ـ إذا حصل الحفظ لصاحبه ـ ويجتمع في هذا الرسول والولي أيضاً.." ا.ﻫ...فانظر كيف جعل الولي كالنبي في تلقي الإلقاء الخاص من الله بلا وساطة ولم يكتف ابن عربي بتقرير هذا أيضاً بل راح يزعم أن هناك صورة أخرى للوحي للأولياء وهي انطباع صورة ما يريده الله في ذهن الولي.قال الشعراني:"(فإن قلت) فما حقيقة الوحي (فالجواب) كما قال الشيخ في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات أن حقيقته هو ما تقع به الإشارة القائمة مقام العبارة في غير عبارة إذ العبارة يتوصل منها إلى المعنى المقصود منها ولهذا سميت عبارة بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنها ذات المشار إليه والوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول ولا عجب من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه فإن لم يحصل لك يا أخي معرفة هذه النكتة فليس لك نصيب من معرفة علم الإلهام الذي يكون للأولياء. ألا ترى أن الوحي هو السرعة ولا أسرع مما ذكرناه انتهى.(فإن قلت) فما صورة تنزل وحي الإلهام على قلوب الأولياء (فالجواب) صورته أن الحق تعالى إذا أراد أن يوحي إلى ولي من أوليائه بأمر ما تجلى إلى قلب ذلك الولي في صورة ذلك الأمر فيفهم من ذلك الولي التجلي بمجرد مشاهدته ما يريد الحق تعالى أن يعلم ذلك الولي به من تفهيم معاني كلامه أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم علم في الضر به باليد الإلهية، كما يليق بجلاله تعالى وكما وجد العلم في شربة اللبن ليلة الإسراء. ثم إن من الأولياء من يشعر بذلك ومنهم من لا يشعر بل يقول وجدت كذا وكذا في خاطري ولا يعلم من أتاه به ولكن من عرفه فهو أتم لحفظه حينئذ من الشيطان وأطال في ذلك في الباب الثاني عشر وثلاثمائة*" ا.ﻫ. (اليواقيت والجواهر ص84 ج2).ويعني بالقربة الإلهية حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في مسند أحمد: رأيت ربي الليلة في أحسن صورة فقال لي يا محمد: [فيم يختصم الملأ الأعلى] فقلت: [الله أعلم] فوضع رب العزة يده على ظهري حتى وجدت بردها في صدري فرأيت السماوات فقلت: [يا ربي في الكفارات والدرجات..] الحديث. ويعني ابن عربي بذلك أنه كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتفع عنه الحجاب عندما وضع يده سبحانه على الكيفية التي شاءها سبحانه ـ على ظهر النبي فرأى النبي لذلك الملأ الأعلى وهم الملائكة ـ يختصمون أي يتناقشون في الكفارات والدرجات أي ما يكفر الذنوب لبني آدم، وما يعلي درجاتهم فقال الله سبحانه وتعالى مجيباً بعد رؤيته للملائكة وسماعه لحديثهم أما الكفارات فهي إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة.. وأما الدرجات فهي إطعام الطعام وإلانة في الكلام والصلاة بالليل والناس نيام..وهكذا أراد ابن عربي أن يجعل للصوفية ما خص الله به الأنبياء من الرؤيا الصادقة في النوم والاطلاع على ما في السماوات من الملأ الأعلى والملائكة فزعم أنه يكون للولي الصوفي كذلك ما كان للنبي من كشف قناع قلبه ورؤيته للملأ الأعلى.ولم يكتف ابن عربي بهذا أيضاً بل زعم لنفسه وجماعته الصوفية ما لم يعلمه رسل الله أنفسهم وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد زعم أن الصوفية أحياناً ينزل عليهم الوحي مكتوباً من السماء.وأنه أعني ابن عربي يعلم الفرق بين ما في اللوح المحفوظ من كتابه وما يكتبه المخلوقون وبذلك يستطيع أن يفرق بين المكتوب النازل من السماء والمكتوب في الأرض.. ولم يقل نبي قط ولا أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن هناك بشراً اطلع على ما في اللوح المحفوظ ولكن العجيب أن هؤلاء يزعمون العلم والإحاطة به. بل نقل الشعراني في كتابه الطبقات الكبرى عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما يكتب في اللوح المحفوظ ساعة بساعة.. وزعم أحمد بن المبارك أن شيخه الأمي عبد العزيز الدباغ يعلم اللوح المحفوظ ويعلم كتابته وأنه بالسريانية!. والمهم هنا أن ابن عربي يقرر في فتوحاته أن وحي الأولياء كثيراً ما ينزل مكتوباً كما نزلت التوراة مكتوبة..يقول الشعراني عن شيخه:"وقد يكون ذلك كتابة ويقع هذا كثيراً للأولياء وبه كان يوحى لأبي عبد الله قضيب البان، وغيره، كبقي بن مخلد تلميذ الإمام أحمد رضي الله عنه لكنه أضعف الجماعة في ذلك فكان لا يجده إلا بعد القيام من النوم مكتوباً في ورقة. انتهى. (فإن قلت) فما علامة كون تلك الكتابة التي في الورقة من عند الله عز وجل حتى يجوز للولي العمل بها (فالجواب) أن علامتها كما قال الشيخ في الباب الخامس عشر وثلاثمائة أن تلك الكتابة تقرأ من كل ناحية على السواء لا تتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها. قال الشيخ: وقد رأيت ورقة نزلت على فقير في المطاف يعتقه من النار على هذه الصفة فلما رآها الناس علموا أنها ليست من كتابة المخلوقين فإن وجدت تلك العلامة فتلك الورقة من الله عز وجل لكن لا يعمل بها إلا إن وافقت الشريعة التي بين أظهرنا.قال: وكذلك وقع لفقيرة من تلامذتنا أنها رأت في المنام أن الحق تعالى أعطاها ورقة فانطبقت كفها حين استيقظت فلم يقدر أحد على فتحها فألهمني الله تعالى أني قلت لها إنوِ بقلبك أنه إذا فتح الله كفك أن تبتلعيها فنوت وقربت يدها إلى فمها فدخلت الورقة في فيها قهراً عليها فقال الولي بم عرفت ذلك فقلت ألهمت أن الله تعالى لم يرد منها أن يطلع أحد عليها وقد أطلعني الله تعالى على الفرق بين كتابة الله تعالى في اللوح المحفوظ وغيره وبين كتابة المخلوقين وهو علم عجيب رأيناه وشاهدناه ا.ﻫ. انتهى (اليواقيت والجواهر ص83،84 ج2).. فانظر هذا الوحي الإلهي لهذه المريدة العزيزة الذي نزل في يدها وانطبقت عليه ثم ابتلعته.. وإن العالم النحرير والشيخ الكبير عرف بالكشف مراد الله فقال ابتلعيها.. الخ.. سبحانك يا رب لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك..ولم يكتف ابن عربي بكل ما قرره في هذا الكشف الشيطاني للصوفية من أنه تنزل عليهم الملائكة، ويشاهدون الله ويسمعون الصوت ويأتيهم الوحي مكتوباً بل قرر أيضاً أن قلوب الأولياء تنكشف عنها الحجب فيشاهدون الجنة وما فيها، والنار وما فيها تماماً كما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم.قال الشعراني:"(فإن قلت) فما صورة وصول الأولياء إلى العلم بأحوال السماوات؟. (فالجواب) يصل الأولياء إلى ذلك بانجلاء مرآة قلوبهم كما يكشفون عن أحوال أهل الجنة وأهل النار بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف ورأى في النار عمرو بن لحي الذي سيب السوائب وصاحب المحجن، وصاحبة الهرة التي حبستها حتى ماتت. وفي بعض طرق الحديث رأيت الجنة والنار في عرض هذا الحائط انتهى والله أعلم.." ا.ﻫ. (اليواقيت والجواهر ص88).باختصار لم يترك ابن عربي صورة من صور الوحي الإلهي الذي يوحي به للرسل إلا أثبت مثيله ونظيره بل وأكمل منه للصوفية، وبالطبع كان لا بد للمتصوفة من أن يجيبوا عن تكفير علماء الأمة لهم ونسبتهم إلى الزندقة والمروق من الدين وذلك لادعائهم ما هو من خصوصيات الرسل رضوان الله عليهم، إذ لا فرق بين الرسول وغيره إلا الوحي، ولو كان واحد من الأمة يوحى إليه ويطلع على الغيب، ويكون وارثاً للرسول في هذا الإطلاع والتحقق لما كان للرسالة معنى، ولا للنبوة منزلة وفائدة، ما دام كل إنسان يستطيع بنفسه أن يصل إلى الله ويطلع على الغيب، وأن يعلم مراد الله على الحقيقة. ما مزية الرسول صلى الله عليه وسلم هنا وما منزلته، ما دام كل أحد إذا فعل بعض المجاهدات يكون مثله وينزل عليه الوحي ويرى الملائكة ويطلع على الملأ الأعلى، ويشاهد الله ويجلس في حضرته ويطبع الله مراده في ذهنه، ويكتب له ما شاء من الرسائل كما ادعى الحلاج أنه نزلت عليه رسائل كثيرة بخط الله، وادعى هذا ابن عربي كما مر سابقاً، لماذا يكون مسيلمة إذاً كذاباً والقرآن الذي افتراه أحسن حالاً في جوانب كثيرة من حكايات كثيرة من الصوفية التي زعموا أنهم تلقوها من الله وملائكته.. لقد كان مسيلمة أقوى حجة وأكثر تابعاً، وأعز جيشاً من كل مشايخ التصوف الكاذبين..وإذا قال هؤلاء بأننا علمنا أن مسيلمة كاذب بتكذيب النبي له قلنا لهم وكذلك يجب أن تحكموا على كل مشايخ التصوف الذين يزعمون نزول الوحي عليهم بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لهم، إنه صلى الله عليه وسلم هو القائل لا تقوم الساعة حتى يقوم كذابون كثيرون يزعم كل منهم أنه نبي.. وأن لا نبي بعدي. و أليس كل من زعم أنه يوحى إليه قد ادعى النبوة فكيف إذا زعم أيضاً أنه يرى الله؟ ويلتقي بالملائكة ويسمع أصواتهم، ويلتقي بالخضر، وينزل عليه الكتب مكتوبة من السماء، ويطلع بقلبه على الملأ الأعلى والملأ الأسفل، أليس مسيلمة كان أقل كذباً من هؤلاء بل وأحكم منطقاً وأعظم عقلاً؟.ولما علم ابن عربي ومن على شاكلته أن دعاواهم هذه لن تنطلي إلا على جاهل من أهل القبلة، وأن علماء المسلمين لا بد أن يكفروهم ويزندقوهم فإنه احتاط لذلك وأجاب عما رماه به علماء الأمة الصالحون، ورموا به أيضاً من هم على شاكلته في ادعاء العلم الغيبي والكشف الصوفي. أجاب على ذلك بأنهم على شريعة خاصة، وأن علماء الشريعة يمكن أن يحملوا كلام الصوفية على خلاف في الرأي كما هو حادث بين الشافعي والحنفي أو ينزلوا كلام المتصوفة كأنه كلام أهل الكتاب فلا يصدقونهم ولا يكذبونهم..قال الشعراني:"(فإن قلت) قد رأينا في كلام بعضهم تكفير الأولياء المحدّثين بفتح الدال المهملة لكونهم يصححون الأحاديث التي قال الحفاظ بضعفها. (فالجواب) تكفير الناس للمحدثين المذكورين عدم إنصاف منهم لأن حكم المحدثين حكم المجتهدين فكما يحرم على كل واحد من المجتهدين أن يخالف ما ثبت عنده فكذلك المحدثون بفتح الدال وكلاهما أشرع بتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الجواب السابع والخمسين: وقد وقع لنا التكفير مع علماء عصرنا لما صححنا بعض أحاديث قالوا بضعفها قال ونحن نعذرهم في ذلك لأنه ما قام عندهم على صدق كل واحد من هذه الطائفة وهم مخاطبون بغلبة الظن ولو أنهم وفوا النظر معهم حقه لسلموا لهم حالهم كما يسلم الشافعي للحنفي حكمه ولا ينقض حكم من حكم به من الحكام، ومما اعتذروا به قولهم لو صدقت القوم في كل ما يدعونه من نحو ذلل لدخل الخلل في الشريعة لعدم العصمة فيهم فلذلك سددنا الباب وقلنا: إن الصادق من هؤلاء لا يضره سدنا هذا الباب، قال الشيخ محيي الدين ونعم ما فعلوه ونحن نسلم لهم ذلك ونصوبهم فيه ونحكم لهم بالأجر التام على ذلك ولكن إذا لم يقطعوا بأن ذلك الولي مخطئ في مخالفتهم فإن قطعوا بخطئه فلا عذر لهم فإن أقل الأحوال أن ينزلوا الأولياء المذكورين منزلة أهل الكتاب لا يصدقونهم ولا يكذبونهم" ا.ﻫ.(اليواقيت والجواهر ص90 ج2)..وهذا الاعتذار والجواب عن تكفير أهل السنة لهؤلاء في غاية الجهالة أيضاً لأن ما أتى به المتصوفة مما يسمونه كشفاً ليس من الخلاف في الرأي، ولا الخلاف الفرعي، بل هو مصادم لأحكام الإسلام ومبادئ الإيمان.فالتصديق أصلاً بأنهم يعلمون من طريق الوحي كفر لأنه يناقض ما جاء به القرآن والحديث، من أن الوحي قاصر على الأنبياء فقط وأن لا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من النبوة الرؤيا الصادقة فقط.. وأما سماع صوت الملك وانقشاع حجاب القلب ونزول الأوراق المكتوبة من السماء كل هذا من خصائص النبوة التي انتهت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم..ثم ما جاء به الصوفية مما جعلوه ونسبوه إلى الكشف هو في عامته وحي إبليسي شيطاني لم يترك كفراً في الأرض إلا نسبه إلى الدين كتبرئة إبليس من الكفر والقول بنجاة فرعون ودخوله الجنة وأن فلاناً من أهل الجنة ومن الصديقين والحال أنّ شارب الخمر زنديق، وأن فلاناً يطلع على اللوح المحفوظ، وأن فلاناً الذي يأتي (الحمارة) في الشارع ولي لله تعالى، وفلاناً القذر الذي لا يمس الماء ولا يتطهر من حدث أو جنابة ولي صالح، وفلان الذي يقول أنا الله وما في الجبة إلا الله وسبحانه ولي صالح.. الخ.هذا الكفر كيف يكون هذا من جنس الخلاف بين الشافعي والحنفي في قراءة الفاتحة وراء الإمام وفي نقض الوضوء من مس المرأة.. ومثل هذه الفرعيات التي كان فيها خلاف حول فهم النصوص القرآنية الحديثية..وأما قياس ابن عربي ما جاء به المتصوفة أيضاً على كلام أهل الكتاب الذين قال الرسول فيهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم.. فإنه قياس بعيد أيضاً لأن هذا فيما قاله أهل الكتاب مما لا يناقض عقيدة الإسلام، وإلا كيف لا نكذب أهل الكتاب في قولهم إن الله استراح في اليوم السابع وإنه تصارع مع يعقوب (إسرائيل) وصرعه إسرائيل وإن لوطاً زنى بابنتيه وإبراهيم قدم زوجته لحاكم مصر ليحصل على إبل وغنم، وإن المسيح ابن الله وغير ذلك من الخرافات والخزعبلات وصنوف الكذب على الله والأنبياء.لا شك أن المسلم يكذب اليهود في كل ما زعموه مما هو مناقض لعقيدة الإسلام وما قرر الله سبحانه وتعالى غيره تماماً وضده في القرآن. كيف نؤمن بكلام الصوفية وكشوفاتها وهو لا يقل في عمومه خبثاً ونجاسة عما افتراه اليهود والنصارى على الله.. كيف نصدق الصوفية في كشفهم أن الخنزير والكلب هو الله، وأن المخلوق والخالق شيء واحد، وأن القائلين بخالق فوق العرش مباين للعالم جاهلون بعقيدة التوحيد.. كيف يكون الكشف الصوفي هذا الذي يزعم أصحابه أنهم أخذوه عن الله ونقلوه بحرفيته هو الحق وأنه يجب على علماء الشريعة والإسلام أن يعاملوا الصوفية كما يعاملون اليهود والنصارى في أن لا يصدقوهم ولا يكذبوهم.. بل يجب تكذيبهم في كل ما افتروه على الله وعلى رسوله مما يخالف كلام الله وكلام رسوله. ومما هو كفر صراح بواح لا يشك ولا يماري فيه من له أدنى علم بالكتاب والسنة عنده بصر وبصيرة يستطيع أن يميز فيه بين كلام الله وكلام الشياطين وبين وحي الله سبحانه الذي ينزل به جبريل الأمين محفوظاً أن يناله الشياطين أو أن يدخلوا معه ما ليس منه وبين وحي إبليس اللعين الذي يلقبه هو وأولاده وأفراخه على أوليائه من هؤلاء الكذابين والأفاكين..فيدعون لأنفسهم ما ادعوه من كل كذب وزور وفجور..والعجيب أيضاً أن ابن عربي الذي نحن بصدد بيان افتراءاته في الكشوف والعلوم التي له كان يعلم أن هناك وحياً شيطانياً يتنزل على بعض الصوفية، وأن هناك من يحفظ منهم من تلبيس الشيطان ومنهم من لا يحفظ.

                          تعليق

                          • المهندس زهدي جمال الدين
                            12- عضو معطاء

                            حارس من حراس العقيدة
                            عضو شرف المنتدى
                            • 3 ديس, 2006
                            • 2169
                            • مسلم

                            #28
                            وإليك هذه النماذج من الكشف الصوفي اللعين.
                            1ـ ملك ينزل إلى الأرض على شكل خواجة:كتب أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي كتاباً سماه (الإبريز) زعم أنه ينقل ما فيه عن شيخه عبد العزيز الدباغ المغربي أيضاً، وهذا الشيخ أمي جاهل لم يكن يحفظ حزباً واحداً من القرآن بشهادة تلميذه أحمد بن مبارك، ولكنه مع ذلك كان يستطيع التفريق بين القرآن والحديث بمجرد السماع، بل كان يستطيع أيضاً أن يفرق بين القرآن والحديث النبوي والحديث القدسي وكل ذلك بالكشف من غير علم ولا تعليم، وليس كذلك فقط بل كان يستطيع أيضاً أن يفرق ويعلم صحيح الحديث من موضوعه وضعيفه فإذا ألقي إليه الحديث علم هل قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لا. ويقول أحمد بن مبارك اختبرته في ذلك فكنت ألقي عليه الحديث من الجامع الصغير للسيوطي فما قال فيه السيوطي صحيح كان يقول الشيخ عنه صحيح وما قال فيه موضوع يقول موضوع دون أن يتلقى هذا بالعلم وإنما بالكشف فقط بل كان يعرف إن كان الحديث في البخاري أو مسلم أو فيهما أو انفرد فيه أحدهما.. الخ.. ولم يكن هذا هو كل علم عبد العزيز الدباغ بل كان يعرف معاني القرآن كلها وتفسيره الباطني وعلم الحروف المقطعة في القرآن. بل وكان يعلم جميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء ويعلم تفاسيرها ومعانيها, ولم يكن هذا فقط هو علم الدباغ أستاذ أحمد بن مبارك المزعوم بل كان يعلم ما في اللوح المحفوظ كله من المقادير. بل كان كل هذا الذي لا يحفظ حزباً من القرآن بشهادة تلميذه لا تغيب عنه ذرة في الأرض ولا في السماء، وأنه هو الغوث الأكبر المتحكم في العالم العلوي والسفلي والوارث للحقيقة المحمدية.والحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي هو الله المستوي على العرش كما قال ابن عربي: "الحقيقة المحمدية هي الموصوفة بالاستواء على العرش" (أهل التصرف في الفكر الصوفي هم أهل الديوان الذين يتحكمون في المقادير وهو الغوث والأقطاب الأربعة)، المهم أن أحمد بن مبارك يزعم فيما يزعم أن شيخه الأكبر وهو رئيس الديوان الصوفي وأنه استفاد منه علوماً جمة من بعضها كتابه الإبريز. والمهم هنا أن ننقل بعض كشوفات الدباغ..قال أحمد بن مبارك: "وسمعته رضي الله عنه يقول:إن في كل مدينة من المدن عدداً كبيراً من الملائكة مثل السبعين ملكاً أو أقل أو أكثر يكونون عوناً لأهل التصوف من الأولياء فيما لا تطيقه ذات الولي؛ قال رضي الله عنه وهؤلاء الملائكة الذين يكونون موجودين في المدن يكونون على هيئة بني آدم فمنهم من يلقاك في صورة خواجة، ومنهم من يلقاك في صورة فقير(أي صوفي أو شحاذ)، ومنهم من يلقاك في صورة طفل صغير وهم منغمسون في الناس ولكنهم لا يشعرون" ا.ﻫ. (الإبريز ص164،165).فانظر هذا الكشف العجيب؛ الملائكة تنزل إلى الأرض تأتمر بأمر الصوفية وهو على أشكال الخواجات والشحاذين والأطفال..فإذا رأيت خواجة فلا تزعجه في الطريق ولا تنظر إليه شذراً فربما كان ملكاً من ملائكة الله نزل لتنفيذ أوامر مشايخ الصوفية..2ـ تاريخ بناء الأهرام عن طريق الكشف:الكشف الصوفي لم يترك شيئاً إلا حاول الدخول فيه وإليه؛ من ذلك تاريخ بناء الأهرام التي بناها خوفو الفرعون قبل ميلاد المسيح عليه السلام بنحو أربعة آلاف سنة ولكن بالكشف الصوفي يقول ابن عربي: "بلغنا أنه وجد مكتوباً بالقلم الأول على الأهرام أنها بنيت والنسر الطائر في الأسد، وهو الآن في الجدي"..قال عبد الوهاب الشعراني تعليقاً على كلام ابن عربي "ومعلوم أن النسر الطائر لا ينتقل من برج إلى غيره إلا بعد مضي ثلاثين ألف سنة قال الشيخ عبد الكريم الجيلي، وهو اليوم في الدلو فقد قطع نحو عشرة أبراج ولا يتأتى ذلك إلا بعد ثلاثمائة ألف سنة" ا.ﻫ. (الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص9).هل يمكن لأحد من العقلاء أن يعلق على هذا الهذيان؟.3ـ الدباغ يكتشف نبياً جديداً اسمه هويد..قال أحمد بن مبارك في كتابه الإبريز:"ومما قاله رضي الله عنه في نسب هود محصلة كشف وعيان فإنه أمي لا يعرف تاريخاً، ولا غيره فلا ينبغي لأحد أن يعارضه بما قال أهل التاريخ في نسب هود لأنه مبني على خبر الواحد، ومع ذلك فقد اضطرب في خبر الواحد في نسب هود فقيل نسبه هود بن عبد الله بن رباح بن الجارود بن عماد بن عوض بن آدم بن سام بن نوح، وقيل هو هود بن شارخ بدار فخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. فهو على هذا ابن عم أبي عماد دائماً جعل من عاد وإن لم يكن منهم لأنهم أفهم لقوله وأعرف لحاله وأرغب في اقتفائه.. قال رضي الله عنه: وأما عاداً الأولى فكانوا قبل نوح عليه السلام وأرسل الله لهم نبياً يسمى (هويد) وهو رسول مستقل بشرعه بخلاف (هود) الذي أرسل إلى عاد الثانية فإنه مجدد لشرع من قبله من المرسلين. قال: وكل رسول مستقل فلا بد أن يكون له كتاب. قال: ولسيدنا (هويد) المذكور كتاب وأنا أحفظه كما أحفظ جميع كتب المرسلين. فقلت له وتعدها، قال أحفظها ولا أعدها اسمعوا مني، ثم جعل يعدها كتاباً كتاباً، قال: (أي الدباغ) ولا يكون الولي ولياً حتى يؤمن بجميع هذه الكتب تفصيلاً ولا يكفيه الإجمال. فقلت هذا لسائر الأولياء المفتوح عليهم؟.فقال: بل لواحد فقط وهو الغوث فاستفدت منه في ذلك الوقت أنه رضي الله عنه هو الغوث وعلومه دالة على ذلك فإني لو قيدت جميع ما سمعت منه لملأت أسفاراً، وكم من مرة يقول جميع كلامي معكم على قدر ما تطيقه العقول" ا.ﻫ. (الإبريز ص103-104).وليس هناك من تعليق على مثل هذا الهراء إلا أن يقول المسلم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك..وانظر بعد ذلك تتمة هذه الفتوح الدباغية كيف أنه اكتشف أيضاً بطريقة الكشف أن بين نوح وآدم سبعين رسولاً لم يقص الله تعالى في القرآن شيئاً من قصصهم ولكن عبد العزيز الدباغ عرفهم بطريق الكشف.. قال أحمد بن مبارك تلميذ الدباغ: (وسمعته) رضي الله عنه يقول كان قبل نوح سبعمائة رسول من الأنبياء وفي قصصهم من العجائب الكثيرة وإنما لم يقصص علينا في كتابه العزيز منها شيئاً لعدم اشتهار أهلها في أزمنة الوحي فقلت فما معنى قوله في حديث الشفاعة في صفة نوح وأنه أول الرسل فقال رضي الله عنه المراد أنه أول الرسل إلى قوم كافرين ومن قبله من المرسلين أرسلوا إلى قوم عقيدتهم صحيحة فقلت فلم عوقب قوم هويد بالحجارة والنار إذا كانوا مؤمنين فقال رضي الله عنه كانت عادته تعالى مع القوم الذين قبل نوح أن يهلكهم على ترك أكثر القواعد وإن كانوا على العقائد" ا.ﻫ. (الإبريز ص104).فانظر كيف اكتشف الدباغ سبعين رسولاً قبل نوح وكيف أن الله أهلكهم ليس على الشرك والكفر ومعاندة الرسل بل على المعاصي فقط..4ـ الأولياء أكثرهم أميون.الدباغ يفضل نفسه على إبراهيم الدسوقي:ولا عجب بعد ذلك إذا علمنا أن أهل هذه الكشوف المزعومة في غالبهم أميون كعبد العزيز الدباغ الذي روى عنه أو افترى عليه أحمد بن مبارك كان رجلاً أمياً، وشيخ عبد الوهاب الشعراني وهو الخواص كان أمياً كذلك. واسمع ما يقول أحمد بن مبارك عن شيخه الأمي الدباغ."وسمعته رضي الله عنه يقول مرة أخرى السماوات والأرضون بالنسبة إلى كالموزونة (الموزونة: عملة مغربية) في فلاة من الأرض.. يصدر هذا الكلام منه رضي الله عنه وما أشبهه إذا شهدنا منه زيادة بل هو في زيادة دائماً رضي الله عنه، وقد كنت معه ذات يوم خارج باب الفتوح فجعل يذكر لي أكابر الصالحين مع كونه أمياً، فقلت فمن أين تعرفهم فقال رضي الله عنه أهل الفتح الكبير مسكن أرواحهم قبة البرزخ فمن رأيناه فيها علمنا أنه من الأكابر. ثم جرى بيننا ذكر الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي فقلت هو من الأكابر فجعلت أذكر مناقبه والغرائب التي نقلت من كراماته فقال رضي الله عنه لو عاش سيدي إبراهيم الدسوقي من زمنه إلى زماننا ما أدرك من المقامات ولا ترقى مثل ما ترقى أخوك عبد العزيز يعني نفسه من أمس إلى اليوم والله ما قاله أخوك افتخاراً وإنما قاله تعريفاً وتحدثاً معكم بالنعمة" ا.ﻫ. (الإبريز ص168)..ونسأل ما فيه البرزخ هذه التي تجتمع فيها أرواح الصوفية..ولماذا لا يختار الله لولايته ـ في زعمهم ـ إلا أميين علماً بأنه سبحانه وتعالى فضل أهل العلم والعلماء وما كان اختياره للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمياً إلا ليقيم به الحجة على عباده وحتى لا يتهم بأنه أتى بالقرآن من عند نفسه كما قال تعالى: [وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ] (العنكبوت:48).وأما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد فضل الله علماء هذه الأمة على أهل الجهالة منها، وجعل تعلم العلم بالكتابة والقراءة والسماع والأسباب الأخرى البشرية المؤدية لذلك.. وليس بطريقة الغيب لأن هذا الطريق خاص بالأنبياء رضوان الله عليهم وما سوى النبي الصادق فمتنبئ كاذب وهذا هو حال هؤلاء المساكين الذين استحوذ عليهم الشيطان فراحوا يهيمون في أودية الضلال على هذا النحو المهين.5ـ الدباغ يكتشف سر ليلة القدر:ولم يكتف الدباغ بكشوفاته في الأرض فراح يكتشف السماء أيضاً وأتى لنا بهذه الحكاية العجيبة عن سرّ ليلة القدر.قال تلميذه أحمد بن مبارك.."ثم ذكر لنا رضي الله عنه سبب ليلة القدر فقال: إن العالم قبل خلق النور في حرم الشمس كان مظلماً والملائكة عامرون له أرضاً وسماء وفي الكهوف والسهول والجبال والأودية، فلما خلق الله تعالى النور في الشمس وأضاء العالم بها أصبحت ملائكة السماء وملائكة الأرض وخافوا من خراب العالم ومن أمر عظيم ينزل بهم، فنزل ملائكة السماء إلى الأرض وجعل ملائكة الأرض يفرون من الضوء إلى الظل أي من ضوء النهار إلى ظل الليل فراراً من الضوء الذي لم يعرفوه إلى الظل الذي يعرفونه خائفين متضرعين مجتمعين على الابتهال إلى الله تعالى والتضرع له والخوف منه يطلبون منه الرضا ويلجئون إليه في أن لا يسخط عليهم، ولم يكن في ظنهم إلا أنه تعالى أراد أن يطوي هذا العالم فاجتمعوا على التضرع والابتهال على الصفة السابقة مقدرين في كل لحظة وقوع ما خافوه.فإذا زاد إليهم الضوء فروا عنه إلى الظل ولم يزالوا على تلك الحالة والضوء ينسخ الظل وهم يفرون إلى أن طافوا الأرض كلها ورجعوا إلى الموضع الذي بدءوا منه فلما لم يروا شيئاً وقع حصل لهم الأمن ورجعوا إلى مراكزهم يجتمعون من كل عام فهذا هو سبب ليلة القدر" ا.ﻫ. (الإبريز ص165). فهل علمتم ما سر ليلة القدر يا مسلمون..6ـ طبال ومغفل من أهل الكشف.وبعض الناس قد يظنون أن هذا الكشف لا يأتي إلا لأناس عقلاء من أهل التقوى والاتزان ولكن الصوفية يقررون غير ذلك فهذا أحمد بن مبارك يحكي عن شيخه الدباغ بأن الفتح جاء إلى رجل وهو طبال، يقول:"وأعرف رجلاً بالرملة من أرض الشام فتح الله عليه وهو بحالة يتضاحك الناس عليه، كحالة الرجل المشهور بمدينة فاس (بمعيزو) ـ مدينة في المغرب ـ، فبقي على حاله بعد الفتح ولم ينتقل عنها. قلت: وكانت حالة المتقدم أن الصبيان وغيرهم من ضعفة العقول يتبعونه طول النهار يضحكون عليه. وقال (رضي الله عنه) وأعرف رجلاً آخر فتح الله عليه وكان قبل ذلك طبالاً فبقي على حالته قبل الفتح ولم ينتقل عنها" ا.ﻫ. (الإبريز ص198). أي ظل طبالاً كما هو وظل الفتح الصوفي ينزل عليه ولا عجب عند الصوفية في ذلك فالولاية عندهم ليست مسألة كسبية ينالها المسلم بتقوى الله ومخافته ومحبته والسعي إلى مرضاته، بل هي مسألة يقولون ـ وهبية ـ تنال الشخص هبة له من الله وإن لم يكن هناك من الأسباب والدواعي ما يستند عليها ففضل الله عندهم وحسب زعمهم لا حرج عليه فقد يصيب الطبالين أو الزمارين، وقد يكون الولي سكيراً أو زنديقاً، أو طفلاً صغيراً، أو مجذوباً شاهد الأنوار العلوية فضاع عقله أو متخلفاً عقلياً يتضاحك الصبيان منه ولكنه يكون ولياً ربانياً ويحدث الناس بأمور الغيب، ويشاهد ويطالع الحضرة الإلهية والرسولية، والخضرية (نسبة إلى الخضر) وهكذا قلبوا كل موازين العلم، وكل قوانين الشريعة، فالولاية لا شك أنها منحة إلهية وتفضيل وفضل رباني ولكنها لا تنال إلا محلها ممن كان عنده الاستعداد لذلك ومن سعى لنيل درجات القرب من الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: [من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء إلي أحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه].. فجعل الله للولاية طريقاً وهو أداء الفرائض أولاً ثم الإكثار من النوافل حتى يصل المسلم إلى مرحلة القرب من الله سبحانه وتعالى، فيحمي الله سمعه وبصره ويده ورجله، ويجعل ذلك كله في طاعته ومحبته ومرضاته.ولكن الولاية والفتح والكشف الصوفي بغير ذلك ينال كل هؤلاء..7ـ الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضراً:ومما يدلك يقيناً على أن هذا الكشف الصوفي ما هو إلا إلقاء شيطاني هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن مبارك أيضاً عن شيخه الدباغ وأنه كان إذا حضر رجل من أهل التوحيد والإيمان الصحيح ممن لا يؤمن بهذه الخرافات كان وحي الشيخ ينقطع ويعود جاهلاً كما كان لا يتكلم الكلمة."(قال رضي الله عنه) وما مثلت الولي مع القاصدين إلا كحجر بني إسرائيل، فإذا كان بين يدي أولياء الله تعالى انفجرت منه اثنتا عشر عيناً وإذا كان بين أعدائه تعالى لا تخرج منه ولا قطرة واحدة. (قلت) وقد شاهدت هذا المعنى في الشيخ رضي الله عنه مراراً فإذا حضر بين يديه بعض من لا يعتقده لا تخرج منه ولا فائدة واحدة ولا يقدر على التكلم بشيء من العلوم اللدنية والمعارف الربانية حتى يقوم ذلك الشخص. ويوصينا ويقول إذا حضر مثل هذا الرجل فلا تسألوني عن شيء حتى يقوم وكنا قبل الوصية جاهلين بهذا الأمر فنسأل الشيخ ونريد أن نستخرج منه النفائس والأسرار الربانية كي يسمعها الرجل الحاضر فيتوب فإذا سألناه رضي الله عنه حينئذ وجدناه كأنه رجل آخر لا نعرفه ولا يعرفنا فكأن العلوم التي تبدو منه لم تكن له على بال أبداً حتى ذكرنا له السبب ففهمنا السر والحمد لله رب العالمين" ا.ﻫ. (الإبريز ص169).وليس ذلك بالطبع إلا لأن الشيطان يهرب إذا رأى من يؤمن بالله حقاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: [والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك]. وهؤلاء الصوفية لا يأتيهم في مكانهم موحد إلا انتهت أحوالهم واضمحلت أنوارهم المزعومة وانفض سامرهم الشيطاني.

                            تعليق

                            • المهندس زهدي جمال الدين
                              12- عضو معطاء

                              حارس من حراس العقيدة
                              عضو شرف المنتدى
                              • 3 ديس, 2006
                              • 2169
                              • مسلم

                              #29
                              8 ـ تقديم مذهب أبي حنيفة على سائر مذاهب الفقهاء بطريق الكشف: ولعل من أطرف ما تدخل فيه الكشف الصوفي أيضاً تفضيل مذهب فقهي على مذهب آخر كما فعل أحمد الفاروقي السرهندي النقشبندي الحنفي، كما في النص الآتي الذي يفسر فيه أيضاً قول محمد بارسا أن المسيح عليه السلام إذا نزل يحكم بالمذهب الحنفي يقول:"ومثل أرواح الله (يعني المسيح عليه السلام) مثل الإمام الأعظم الكوفي (أبو حنيفة رحمه الله) فإنه ببركة الورع والتقوى وبدولة متابعة السنة نال في الاجتهاد والاستنباط درجة عليا بحيث يعجز الآخرون عن فهمه ويزعمون مجتهداته بوساطة دقة المعاني مخالفة للكتاب والسنة ويسمون أصحابه أصحاب الرأي كل ذلك لعدم الوصول إلى حقيقة علمه ودرايته وعدم الإطلاع على فهمه وفراسته إلا أن الإمام الشافعي وجد نبذة من دقة فقاهته عليهما الرضوان حيث قال الناس كلهم عيال في الفقه لأبي حنيفة فويل لقاصري النظر على جراءتهم حيث ينسبون قصورهم إلى الغير (المنتخبات من المكتوبات لأحمد الفاروقي طبع استانبول ص149،150):
                              لو عابهم قاصر طعناً بهم صفها برأت ساحتهم عن أفحش الكلم
                              هل يقطع الثعلب المحتال سلسلة قيدت بها أسد الدنيا بأسرها
                              ويمكن أن يكون ما قاله الخواجة محمد بارسا قدس عمره في الفصول الستة من أن عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعمل بعد النزول بمذهب الإمام أبي حنيفة بوساطة هذه المناسبة التي له رضي الله عنه بحضرة روح الله عليه السلام يعني أن اجتهاد روح الله يكون موافقاً لاجتهاد الإمام الأعظم لا أنه يقلد مذهبه فإن شأنه عليه السلام أعلى وأجل من أن يقلد علماء الأمة. ونقول من غير شائبة تكلف وتعصب: إن نورانية المذهب الحنفي ترى وتظهر في النظر الكشفي كالبحر العظيم وسائر المذاهب تظهر مثل الحياض والجداول" ا.ﻫ. منه بلفظه (الإبريز ص150).يقول عبد الوهاب الشعراني أيضاً في كتابه اليواقيت فيما ينقله عن ابن عربي:"(فإن قلت) فمتى يحفظ الولي من التلبيس عليه فيما يأتيه من وحي الإلهام (فالجواب) يعرف ذلك بالعلامات؛ فمن كان له في ذلك علامة بينه وبين الله عرف الوحي الحق الإلهامي الملكي من الوحي الباطل الشيطاني حفظ من التلبيس ولكن أهل هذا المقام قليل. قال الشيخ في الباب الثالث والثمانين ومائتين: مما غلط فيه جماعة من أهل الله عز وجل كأبي حامد الغزالي وابن سيد لون (رجل بوادي اشت) قولهم إذا ارتقى الولي عن عالم العناصر وفتح لقلبه أبواب السماء حفظ من التلبيس قالوا وذلك لأنه حينئذ في عالم الحفظ من المردة والشياطين فكل ما يراه هناك حق. قال الشيخ محيي الدين وهذا الذي قالوه ليس بصحيح وإنما يصح ذلك أن لو كان المعراج بأجسامهم مع أرواحهم إن صح أن أحداً يرث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعراج وأما من عرج به بخاطريته وروحانيته بغير انفصال موت وجسده في بيته مثلاً فقد لا يحفظ من التلبيس إلا أن يكون له علامة في ذلك كما مر وأطال في ذلك ثم قال واعلم أن الشيطان لا يزال مراقباً لقلوب أهل الكشف سواء كان أحدهم من أهل العلامات أو لم يكن لأن له حرصاً على الإغواء والتلبيس لعلمه بأن الله تعالى قد يخذل عبده فلا يحفظه فيعيش إبليس بالترجي ويقول لعل وعسى فإن رأى إبليس باطن العبد محفوظاً وأنوار الملائكة قد حفت به انتقل إلى جسد ذلك العبد فيظهر له في صورة الحس أموراً عسى أن يأخذ بها فإذا حفظ الله تعالى قلب ذلك العبد ولم ير له على باطنه سبيلاً جلس تجاه قلبه فينتظر غفلة تطرأ عليه فإذا عجز أن يوقعه في شيء يقبله منه بلا وساطة نظر في حال ذلك الولي فإن رأى أن من عادته الأخذ للمعارف من الأرض أقام له أرضاً متخيلة ليأخذ منها فإن أيد الله تعالى ذلك العبد رده خاسئاً لاطلاعه حينئذ على الفرق بين الأرضين المتخيلة والمحسوسة وقد يأخذ الكامل من إبليس ما ألقاه إليه من الله لا من إبليس فيرده أيضاً خاسئاً وكذلك إن رأى إبليس أن حال ذلك الولي الأخذ من السماء أقام له سماء متخيلة مثل السماء التي يأخذ منها ويدرج له فيها من السموم القاتلة ما يقدر عليه فيعامله العارف بما قلناه في شأن الأرض المتخيلة والأصلية وإن رأى أن حال ذلك الولي الأخذ من سدرة المنتهى أو من ملك من الملائكة خيل له سدرة مثلها أو صورة ملك مثل ذلك الملك وتسمى له باسمه وألقى إليه ما عرف أن ذلك الملك يلقيه إليه من ذلك المقام فإن كان ذلك الشخص من أهل التلبيس فقد ظفر به عدوه وإن كان محفوظاً حفظ منه فيطرد عنه إبليس ويرمي ما جاء به أو يأخذ ذلك عن الله تعالى لا عن إبليس كما مر ويشكر الله تعالى على ذلك وإن رأى الشيطان أن حال ذلك الولي الأخذ من العرش أو من العماء أو الأسماء الإلهية ألقى إليه الشيطان بحسب حاله ميزاناً بميزان وأطال الشيخ في ذلك في الباب الثالث والثمانين ومائتين" أ. ﻫ (اليواقيت والجواهر ص87 ج2).والعجيب من الغزالي أيضاً كيف ظن أن ما يزعم الصوفي نقله من السماوات لا يكون فيه شيء شيطاني لأن الله حفظ السماء من الشياطين، وكأنه قد غاب عنه أن الصوفي الذي يزعم الوصول إلى السماوات هو جالس هنا في الأرض تستهويه الشياطين وتحف به من كل جانب.ولم أر ابن عربي صدق في هذا الصدد إلا فيما نقلناه عنه آنفاً من بيان تلبيس الشياطين على الصوفية في تصويره لهم سماء متخيلة، أو سدرة المنتهى أو الملائكة.. الخ. حتى يظن الصوفي أنه قد رأى ذلك فعلاً وأنه ينقل علمه من هناك والحال أنه ينقل عن الشياطين الذين يزخرفون له ذلك ويحيلون له ما يشاهده مما ليس هنالك هو تماماً ما وقع لهؤلاء الصوفية ومنهم بل أولهم في ذلك هو ابن عربي هذا الذي لم يترك كفراً في الأرض إلا سطره في كتبه وبخاصة كتابه الفصوص (فصوص الحكم) وكتابه (الفتوحات المكية).لقد عرف ابن عربي حقاً الطريق الذي استقى منه هو والصوفية وأنه الشياطين الذين يخيلون لهم هذه الخيالات ويوحون إليهم بهذه الكلمات.وسيجد القارئ في ثنايا هذه الدراسة نقولاً مستفيضة عن ابن عربي تبين ما هي حقيقة كشوفاته ووحيه الذي أوحي به إليه ولكني أحب أن أختم هذا الكلام في بيان موقف ابن عربي من الكشف بحقيقة موقفه من إبليس لنبين للقارئ بما لا يدع مجالاً للشك أي دين يدين به هؤلاء وأي علم يزعمون الوصول إليه وأي كشف اكتشفوه..فمن المعلوم يقيناً عند كل مسلم أن إبليس هو رأس الشر والبلاء وأنه عدو لآدم وذريته منذ امتنع عن السجود لآدم وطرده الله بسبب ذلك من رحمته وجعل الله عليه اللعنة إلى يوم يبعثون وأنه يكون في الآخرة في جهنم كما قال تعالى: [وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)] (إبراهيم:22).والشيطان في هذه الآية هو إبليس بإجماع المفسرين وكذلك قوله تعالى: [فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)] (الشعراء:94-101).ولا شك أن جنود إبليس يستحيل أن يدخلوا النار ولا يدخل هو معهم إذ كيف يدخل الجنود ويبقى رأس الجند من الناجين. ولعل قائلاً يقول ولماذا هذا التطويل في بيان أن إبليس من أهل الجحيم، إن هذا أمر بديهي معلوم عند جميع أبناء الإسلام وأقول: إن هذا الأمر البديهي المعلوم من الدين بالضرورة الذي يعتبر جاحداً وناكراً وكافراً مرتداً من نفاه هو ما أثبت ابن عربي تبعاً في زعمه لسهل بن عبد الله التستري ضده، وهو أن إبليس من الناجين وأنه لن يدخل النار أبداً وأنه أعني إبليس التقى في زعم ابن عربي بسهل بن عبد الله التستري الصوفي كان من كبار مشايخهم في القرن الثالث فناقشه في هذه المسألة وبين له أنه من الناجين، وأنه لن يدخل النار وأن الله سبحانه وتعالى سيغير ما أثبته في القرآن لأن الله لا يجب عليه شيء وما دام أنه لا يجب عليه شيء ولا يقيده قيد، فإنه قد قضى بنجاة إبليس يوم القيامة، وتبرئته من جميع التهم المنسوبة إليه والعفو التام عنه....انظروا يا مسلمين هذا الكشف الصوفي ما أعظمه وأطرفه بل ما أفجره وأكفره.. إن ما أتعب النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فيه نفسه طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من بيان قصة إبليس وآدم، ومن لعن إبليس دائماً، واستفتاح صلاته بالاستعاذة منه، وقوله صلى الله عليه وسلم له عندما خنقه [ألعنك بلعنة الله.. ألعنك بلعنة الله.. ألعنك بلعنة الله..] وذلك عندما جاء إبليس اللعين هذا بشهاب من نار ووضعه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي..هذا الذي أتعب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ومن بعده سائر الصحابة والمسلمين؛.. جاء ابن عربي اليوم ليبين لنا عن شيخه المزعوم التستري أنه كان خطأً في خطأ، وأنه يوم القيامة يكون في الجنة مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. وأن هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة.. ويعني ابن عربي بذلك الأشاعرة لأنهم يقولون (لا يجب على الله شيء) وما دام لا يجب عليه شيء فيجوز أن يدخل إبليس الجنة..وهذا الجائز العقلي عن الأشاعرة جعله ابن عربي ممكناً وواقعاً لأن شيخه القشيري التقى بإبليس وناقشه في هذه المسألة وتحقق منه أنه سيكون يوم القيامة من الفائزين الفالحين.. وهذا نص الحكاية المزعومة وتعقيب ابن عربي عليها بنصها من كتاب اليواقيت والجواهر.."وذكر الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والتسعين ومائتين أيضاً ما يؤيد اعتقاد أهل السنة والجماعة من أن الحق تعالى لا يجب عليه شيء وهو أن سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه قال لقيت إبليس مرة فعرفته وعرف مني أنني عرفته فوقع بيني وبينه مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إنه وقف ووقفت حائراً وحرت فكان آخر ما قال لي يا سهل إن الله تعالى قال ورحمتي وسعت كل شيء نعم ولا يخفى عليك أنني شيء ولفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم إلا ما خص وشيء أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته أنا وجميع العصاة فبأي دليل تقولون إن رحمة الله لا تنالنا. قال سهل فو الله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهمه منها ما لم أكن أفهمه وعلمه من دلالتها ما لم أكن أعلمه فبقيت حائراً متفكراً وأخذت أردد الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى آخر النسق فسررت بها وظننت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره. فقلت له: تعال يا ملعون، إن الله تعالى قد قيدها بنعوت مخصوصة تخرجك عن ذلك العموم فقال سأكتبها للذين يتقون إلى آخر النسق. فتبسم إبليس وقال: يا سهل، التقييد صفتك لا صفته تعالى. ثم قال: يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل بالله ما رأيت وما ظننت أنك ههنا ليتك سكت. قال سهل فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي وما وجدت له جواباً ولا سددت وجهه باباً وعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت. ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله تعالى ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه بذلك إلا بما حكم به على نفسه من حيث وجود الإيمان به. انتهى كلام سهل. قال الشيخ محيي الدين: وكنت قديماً أقول ما رأيت أقصر حجة من إبليس ولا أجهل منه فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكاها عنه سهل رضي الله عنه تعجبت وعلمت أن إبليس قد علم علماً لا جهل فيه فله رتبة الإفادة لسهل في هذه المسألة. انتهى. فقد بان لك أن الله تعالى خلق العالم كله من غير حاجة إليه لا موجب أوجب ذلك عليه" أ. ﻫ (اليواقيت والجواهر ص60 ج1).وأظن الآن أنه قد وضح للقارئ تماماً ما هو الكشف الصوفي، وأنه عملية هدم منتظمة للدين الحنيف الذي جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فما دام إبليس من الناجين فليس هناك شيء ثابت في هذا الدين. ولا عجب فيما رووا عن إبليس، فإن أستاذهم الحلاج وأحد كبرائهم قال في إبليس ما لم يقله أحد منهم في جبريل؛ إذ جعله سيد الملائكة أجمعين ذلك لأنه أبى أن يسجد إلا لله.. لأن عبادته لله خاصة فقط وذلك كان أعظم الموحدين.

                              تعليق

                              • المهندس زهدي جمال الدين
                                12- عضو معطاء

                                حارس من حراس العقيدة
                                عضو شرف المنتدى
                                • 3 ديس, 2006
                                • 2169
                                • مسلم

                                #30
                                الفصل الرابع عشر

                                الفرق بين الصورة والكشف

                                نتحدث هنا عن عبد الكريم الجيلي الذي كتب كتاباً يقع في أكثر من مائتي صفحة من القطع المتوسط أسماه (الإنسان الكامل) وفيه لا يترك كفراً في الأرض إلا ويجعله فيه؛ من ذلك أنه يصف رحلة مزعومة له من الأرض إلى السماء الدنيا، حيث يصف ما فيها وأنه قابل فيها فلاناً وفلاناً من الأنبياء وناقشهم واستفاد منهم، ثم السماء الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة والسادسة والسابعة وإلى الكرسي والعرش والحجب السبعين!! ويصف ما رآه هناك ثم يعود ليهبط إلى الأرض الأولى فالثانية فالثالثة، فالرابعة وحتى السابعة ويقابل فيها أولياء وروحانيين وفلاسفة وحكماء و.. ويدعي أن من لم يصدق هذا فهو كافر!!.

                                يقول عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل:
                                "الصورة في اليقظة، بخلاف الكشف فإنه إذا كشف لك عن الحقيقة المحمدية أنها متجلية في صورة من صور الآدميين، فيلزمك إيقاع اسم تلك الصورة على الحقيقة المحمدية، ويجب عليك أن تتأدب مع صاحب تلك الصورة تأدبك مع محمد صلى الله عليه وسلم، لما أعطاك الكشف أن محمداً صلى الله عليه وسلم متصور بتلك الصورة، فلا يجوز لك بعد شهود محمد صلى الله عليه وسلم فيها أن تعاملها بما كنت تعاملها به من قبل، ثم إياك أن تتوهم شيئاً في قولي من مذهب التناسخ، حاشا لله وحاشا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك مرادي، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم له من التمكين في التصور بكل صورة حتى يتجلى في هذه الصورة، وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملها ليعلي شأنهم ويقيم ميلانهم، فهم خلفاؤه في الظاهر وهو في الباطن حقيقتهم" أ.ﻫ.الإنسان الكامل ص 65.
                                ثم يستطرد الجيلي حسب اعتقاده مبيناً كيف يكون محمد صلى الله عليه وسلم إنساناً كاملاً، وإلهاً تحققت فيه كل مظاهر الربوبية والألوهية وتجلت فيه كل أسماء الله وصفاته..
                                ولما كان الله عند الجيلي ومن على طريقته من هؤلاء الزنادقة الملحدين هو هذه المخلوقات لا غير.. استطرد الجيلي مبيناً أن الكون الوجود في كل شيء منه مقابل للذات المحمدية.
                                ففي ذات الرسول شبيه العرش والكرسي، والسماوات والأرض والملائكة والحيوان والنبات والجماد.. وسائر الموجودات التي هي في حقيقتها عند الجيلي هي الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً..
                                يقول الجيلي شارحاً ذلك:
                                "واعلم أن الإنسان الكامل مقابل لجميع الحقائق الوجودية بنفسه.
                                فيقابل الحقائق العلوية بلطافته، ويقابل الحقائق السفلية بكثافته، فأول ما يبدو في مقابلته للحقائق الخلقية يقابل العرش بقلبه، قال صلى الله عليه وسلم (قلب المؤمن من عرش الرحمن)، ويقابل الكرسي بآنيته، ويقابل سدرة المنتهى بمقامه، ويقابل القلم الأعلى بعقله، ويقابل اللوح المحفوظ بنفسه، ويقابل العناصر بطبعه، ويقابل الهيولي بقابليته، ويقابل الهباء بحيز هيكله، ويقابل الفلك الأطلس برأيه، ويقابل الفلك المكوكب بمدركته، ويقابل السماء الخامسة بهمته، ويقابل السماء الرابعة بفهمه، ويقابل السماء الثالثة بخياله، ويقابل السماء الثانية بفكره، ويقابل السماء الأولى بحافظته، ثم يقابل زحل بالقوى اللامسة، ويقابل المشتري بالقوى الدافعة، ويقابل المريخ بالقوى المحركة، ويقابل الشمس بالقوى الناظرة، ويقابل الزهرة بالقوى المتلذذة، ويقابل عطارد بالقوى الشامة، ويقابل القمر بالقوى السامعة، ثم يقابل فلك النار بحرارته، ويقابل فلك الماء ببرودته، ويقابل فلك الهواء برطوبته، ويقابل فلك التراب بيبوسته، ثم يقابل الملائكة بخواطره، ويقابل الجن والشياطين بوسواسه، ويقابل البهائم بحيوانيته، ويقابل الأسد بالقوى الباطشة، ويقابل الثعلب بالقوى الماكرة، ويقابل الذئب بالقوى الخادعة، ويقابل القرد بالقوى الحاسدة، ويقابل الفأر بالقوى الحريصة، وقس على ذلك باقي قواه.
                                ثم إنه يقابل النار بالمادة الصفراوية، ويقابل الماء بالمادة البلغمية، ويقابل الريح بالمادة الدموية، ويقابل التراب بالمادة السوداوية.
                                ثم يقابل السبعة أبحر بريقه ومخاطه وعرقه ونقاء أذنه ودمعه وبوله والسامع المحيط، وهو المادة الجارية بين الدم والعرق والجلد، منها تتفرع تلك الستة، ولكل واحد طعم، فحلو وحامض، ومر وممزوج، ومالح ونتن وطيب.
                                ثم يقابل الجوهر بهويته وهي ذاته، ويقابل العرض بوصفه، ثم يقابل الجمادات بأنيابه، فإن الناب إذا بلغ وأخذ حده في البلوغ بقي شبه الجمادات لا يزيد ولا ينقص وإذا كسرته لا يلتحم بشيء.
                                ثم يقابل النبات بشعره وظفره، ويقابل الحيوان بشهوانيته، ويقابل مثله من الآدميين ببشريته وصورته، ثم يقابل أجناس الناس، فيقابل الملك بروحه، ويقابل الوزير بنظره الفكري، ويقابل القاضي بعلمه المسموع، ورأيه المطبوع، ويقابل الشرطي بظنه، ويقابل الأعوان بعروقه وقواه جميعها.
                                ويقابل المؤمنين بيقينه، ويقابل المشركين بشكه وريبه، فلا يزال يقابل كل حقيقة من حقائق الوجود برقيقة من رقائقه، فقد بينا فيما مضى من الأبواب خلق كل ملك مقرب من كل قوى من الإنسان الكامل، وبقي أن نتكلم عن مقابلة الأسماء والصفات.
                                اعلم أن نسخة الحق تعالى كما أخبر صلى الله عليه وسلم حيث قال: (خلق الله آدم على صورة الرحمن) وفي حديث آخر (خلق الله آدم على صورته) وذلك أن الله تعالى حي عليم قادر مريد سميع بصير متكلم، وكذلك الإنسان حي عليم..الخ.
                                ثم يقابل الهوية بالهوية، والإنية بالإنية، والذات بالذات، والكل بالكل، والشمول بالشمول، والخصوص بالخصوص، وله مقابلة أخرى يقابل الحق بحقائقه الذاتية، وقد نبهنا عليها في هذا الكتاب في غير ما موضع، وأما هنا فلا يجوز لنا أن نترجم عنها، فيكفي هذا القدر من التنبيه عليها.
                                ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية، والصفات الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضي الذاتي، فإنه المعبر عن حقيقته بتلك العبارات والمشار إلى لطيفته بتلك الإشارات ليس لها مستند في الوجود إلا الإنسان الكامل، فمثاله للحق مثال المرآة التي لا يرى الشخص صورته إلا فيها، وإلا فلا يمكنه أن يرى صورة نفسه لا بمرآة الاسم الله فهو مرآته، والإنسان الكامل أيضاً مرآة الحق، فإن الحق تعالى أوجب على نفسه أن لا ترى أسماؤه ولا صفاته إلا في الإنسان الكامل، وهذا معنى قوله تعالى [إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً]. (الأحزاب: 72 ). يعني قد ظلم نفسه بأن أنزلها عن تلك الدرجة، جهولاً بمقداره لأنه محل الأمانة الإلهية وهو لا يدري" أ.ﻫ. (المصدر السابق ص76،77).

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 15 يون, 2024, 04:22 م
                                ردود 0
                                24 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وداد رجائي
                                بواسطة وداد رجائي
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 ينا, 2021, 05:31 ص
                                ردود 2
                                170 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة د. نيو, 27 نوف, 2020, 06:25 م
                                ردود 4
                                103 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د. نيو
                                بواسطة د. نيو
                                ابتدأ بواسطة أحمد محمد أحمد السبر, 23 يول, 2020, 06:53 م
                                ردود 0
                                65 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة أحمد محمد أحمد السبر
                                ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 20 ديس, 2019, 11:46 م
                                ردود 3
                                92 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                يعمل...