أساليب الطرح العلماني
محمد المصري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
المقصود بطرق وأساليب الطرح العلماني، بأنّها الطرق والأساليب التي يقوم بها تعساء العلمانية للدعوة إلى باطلهم وإفكهم، ويرى المتابع لأساليب الطرح العلماني بأنّها ليست أساليب واحدة (بل هي متغيرة بحسب الزمان والمكان، وهذه التغيرات قد تشمل أساليب الخطاب وقد تمتد إلى أساليب عرض المبدأ العلماني نفسه، فبينما تطرح العلمانية في قطر معين على أنّها مضادة للدين "طرح كلاسيكي" نجد أنّها تطرح في قطر آخر على أنّها موافقة للدين "طرح مُمَّوه"، وفى بلد ثالث تُطرح فيه العلمانية ببطء وحذر شديدين حتى لا تلفت الأنظار إليها إلاّ بعد كونها واقع لا مناص منه) [1].
إذن فهناك عدة صور للطرح العلماني يميزّها نموذجين وهما:
أ- الطرح الكلاسيكي التصادمي "العلمانية الأتاتوركية".
ب- الطرح المموه الخادع.
ج- صورة قد تجمع بين الطرحين ويتوقف الطرح على قوة أو ضعف الفئة المسلمة في هذا القطر من حيث الوعي بأسلوب الطرح العلماني واستراتيجة الرد عليه وتطويقه، وأبسط صورة على ذلك هي "أرض الكنانة"، ففي فترة من الفترات انتشر وساد الطرح الكلاسيكي وانتشرت الكتب والمقالات والمنابر التي تدعو إلى ذلك، ومع انتشار المد الإسلامي وزيادة الوعي آنذاك، التف دعاة العلمانية حول الدين وحاولوا تقديم العلمانية من خلال الدين ومن خلال المنابر الدينية سواء كانت هذه المنابر صحف أو مجلات أو لجان دينية في بعض الأحزاب أو من خلال بعض الدعاة ممن من يطلقون عليهم الدعاة المستنيرين أمثال "ياسين رشدي" في تلك الفترة.
والآن إلى استعراض لبعض طرق الطرح العلماني:
أولاً: الطرح الكلاسيكي الأتاتوركي:
وهذا الأسلوب هو أسلوب العلمانيين الأقحاح "غلاة العلمانية"، الذي يستطيع المرء بأن يصفهم بالغلو العلماني بلا تردد وذلك لصراحتهم حول هذا المبدأ وهؤلاء أمنوا العقوبة، لأنّهم في بلد تحكمه العلمانية والشرائع الجاهلية التي تسمح لهؤلاء بالانتقاص من قدر الدين والتعدي عليه في حين تكمم أفواه الدعاة الذين يريدون الدفاع عن دينهم [2].
ويلاحظ تسمية هذا الطرح "بالأتاتوركي" نسبة إلى "الصنم الطاغوت" كمال أتاتورك الذي كان أول من بدّل شريعة رب العالمين بشريعة إبليس اللعين، وحارب القرآن واللغة العربية وكل ما ينتمي إلى الإسلام بصلة، وعلى نفس الدرب سار أتاتورك الثاني "عبد الناصر" فقاتل الدعاة إلى الله وعلقهم على أعواد المشانق أمثال "عبد القادرة عودة"، و"محمد فرغلي"، و"محمد يوسف هواش"، والحبيب قرة العين "سيد قطب" رحمهم الله رحمة واسعة هم ومن سار على دربهم إلى يوم الدين، ومن الشخصيات الأخرى التي انتهجت الطرح الأتاتوركي "الحبيب بورقييه" طاغوت تونس الهالك، الذي أراد أن يجعل من تونس نموذج من فرنسا النصرانية العلمانية، فحارب الإسلام عقيدة وشريعة وحارب كل مظهر من مظاهر الإسلام، وعمل على نشر الدعارة والفجور، حتى جزآه الله بانقلاب من أحد تلامذته وهو "زين العابدين بن علي" والذي سار على نفس سياسة سلفه بل وأشد غلوًا وتنكيلاً وما تدنيس المصحف في السجون التونسية عنا ببعيد، وما التنكيل بالدعاة عنا ببعيد.
الذي نخلص إليه أنّ أبرز الحكام الذين تبنوا المنهج العلماني السافر واضح العداوة للإسلام هم: "أتاتورك - عبد الناصر - بورقيية".
أمّا على مستوى المنظّرين لهذا الطرح فيلاحظ أنّ كافة رجال هذا التيار مثل "شبلي الشميل" و"فرح انطوان"، و"طه حسين"، "سلامة موسى" كانوا ممن تتلمذوا على يدْ باحثين أوروبيين متخصصين بالدراسات الإسلامية "مستشرقين" وأنّ عامتهم قد قضوا زهرة شبابهم أو جزءًا من المراهقة الفكرية ـ إن صح التعبير ـ في البلاد الأوروبية ولا سيما "فرنسا" وهي ملاحظة لا غنى عن دلالتها من الناحية النفسية [3]، هذا عن نشأة المنظرين لهذا الطرح، أمّا عن أهم المرتكزات التي يرتكز إليها هذا الطرح فهي:
1- مدح الغرب وإطرائه، ودعوة الأمة إلى اللحاق بركبه والتأسي بتجربته في رمي الدين جانبًا وعزله عن الحياة:
يقول أحدهم وهو "فؤاد زكريا" في كتابه (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل) ص34-40: يقول تحت عنوان (درس النهضة الأوربية)..... "وهكذا نستخلص من استيعاب درس النهضة وموقفها من التراث حقيقتين على أعظم جانب من الأهمية وهي:
أ- هي أنّ من الممكن أن تقوم نهضة علمية فكرية رفيعة المستوى في مراحلها الأولي على أساس الرفض الحاسم للتراث، وذلك حين يكون انقطاع في التراث يمنع من استمراره في خط متصل حتى الحاضر وعندئذ لابد أن ترفع النهضة شعار "البدء من جديد" كعلامة على تحدّث التراث.
ب- هي أنّ التطور والتقدم المستمر في المعرفة يساعدان على الوصول إلى نظرة تاريخية إلى التراث يختفي فيها التناقض بين تمجيده والاعتراف بتخلفه" [4].
2- إدعاء علمانية الإسلام:
وأنّه لا تناقض بين الإسلام والعلمانية، لأنّ الإسلام دين فرد لا دين دولة!،ويستدل هؤلاء بكتاب (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرازق، وكتاب (الديمقراطية أبداً) لخالد محمد خالد، وخير مثال لهذا الإدعاء كتاب (العلمانية والدولة الدينية) لشبلي العسيمي [5].
3- إدعاء عدم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان:
وأنّ الشريعة نزلت في وقت معين وظروف معينة، وأنّها لابد أن تتطور لتوافق النمط الاجتماعي الجديد ولوكان في هذا تجاوز لإحكام ثابتة غير اجتهادية لأنّ المصلحة مقدمة على النص عندهم، وهؤلاء يدّعون أنّهم يؤمنون فرديًا بالدين وشعائره، وإن كان معظهم لا يؤديها، ويستدلون بأقوال هي إمّا لمنحرفين كـ "محمد أحمد خلف الله"، و"علي عبد الرازق"، أو أقوال شاذة لبعض القدماء كـ "نجم الدين الطوفي" في قوله: "إنّ المصلحة مقدمة على النص". فتجد أنّ هذا النص متكرر في كتاباتهم ونسوا أو تناسوا القاعدة المشهورة "لا اجتهاد مع النص" ولم ينقل أحدهم قول أئمِة الإسلام فيمن يحدد المصلحة.
4- التركيز على قضية المرأة:
بدعوى أنّها مظلومة في ظل الشريعة الإسلامية وها هو "فؤاد زكريا" يدّعي أنّ الشريعة الإسلامية تلعب على المرأة فيقول: "لو لم تكن المسألة في حقيقتها لعبة بارعة أتقنها الرجل لكي يخدر المرأة، ويحقق بها مصالحه لاتجهت دعوته إلى أن يتحمل هو جزءًا من العبء على الأقل.......إلخ".
وكأنّ الشريعة رجل وليست شرعًا إلهيًا [6]، وعلى ضوء هذا نفهم كثرة المؤتمرات التي تؤيد المرأة وتزعم أنّ حقوقها مهضومة وخاصة في ظل الشريعة الإسلامية، وهكذا قامت عدّة مؤتمرات للمرأة مثل "مؤتمر السكان في مصر" إذ كان من أهم أهدافه إباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، و"مؤتمر بكين للمرأة" الذي ظهرت فيه هو و"مؤتمر القاهرة" دعوة نسائية علمانية تسمى "الفمنزم"feminism وهي نظرية المساواة بين الجنسين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا [7]، وما تركيز الغرب في إعلان أهم أهدافه في الحرب على حركة طالبان في أفغانستان هو تحرير المرأة من ظلم رجال طالبان، ومنحها الحرية من نظرهم وهو حرية الإباحية والفجور.
5- جعل ثورة الرافضة في إيران نموذج لكل حكم إسلامي وعمل إسلامي:
بل إنّهم يرددون بين الحين والآخر أنّهم يريدون طهران أخرى، ولا يخفى بالفعل أنّ للرافضة أهداف في الدعوة إلى باطلهم والتوسع في حدودهم كما يحدث في العراق ولبنان حاليا، ولكن الذي لا ينبغي أن يخفى هو موقف أهل السنة والجماعة من الرافضة والذي يتمثل في الرفض التام لهم والبراءة التامة منهم ومن شركهم.
6- زعم أنّ التيار الإسلامي يريد بدعوته الوصول إلى كرسي الحكم فقط وليس الدعوة إلى الإسلام والتعبد لله بتطبيق شرعه، وأنّ حقيقة الإسلام هي: "قبول شرع الله ورفض ماسواه"، وتركيز العلمانية على هذه الدعوى هو بهدف صرف الجماهير عن الدعوة الإسلامية التي تستجيب لها الفطر السليمة، وجعل الجماهير في موقع المتفرج على من يفوز في معركة الكراسي دون أن يكون لهذه الجماهير دور في تغيير الواقع العلماني والعمل لتطبيق الإسلام، وينبغي على الفئة الإسلامية رفع الالتباس حول هذه القضية، وذلك بتوضيح أنّ دورها كمثل دور الغلام في قصة أصحاب الأخدود والذي قتل الدابة التي سدت على النّاس طريقهم ليتسع الطريق للنّاس وليتبعوا الحق دون إكراه.
7- السخرية من الفئة المسلمة ونقدها:
ويتم ذلك عن طريق الرسوم الكاريكترية التي تهزأ من المنتقبات والملتحين، وكذلك الكتابات الساخرة، والأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي تسخر من مظاهر الإسلام وتفسير الالتزام بالدين تفسير نفسي منحرف هو أنّ الالتزام بالدين جاء نتيجة ظروف نفسية قاسية وضغوط اجتماعية قاهرة، وأنّ معظم الذين يلتزمون بالدين هم من أبناء الفقراء "أراذلنا"، وأنّ العامل الاقتصادي له دور في الالتزام بالدين.
هذه هي أهم المرتكزات التي يرتكز إليها المنظرين من أصحاب الفكر العلماني الأتاتوركي.
أمّا عن الطرح المُمَّوه ورموزه من الحكام والمنظرين فيستكمل في المرة القادمة بإذن الله.
--------------------------------
المراجع:
[1] د. عمر المديفر (طرق الطرح العلماني) مجلة البيان عدد 63.
[2] السابق.
[3] أ/ جمال سلطان (تجديد الفكر الديني بين الصحوة الإسلامية والمؤامرة العلمانية) طبعة المختار الإسلامي.
[4] فؤاد زكريا (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل).
[5] انظر (طرق الطرح العلماني) د.عمر المديفر.
[6] السابق بتصرف.
[7] انظر كتاب (الجندر..المنشأ،المدلول،الأثر ص67 البيان عدد209).
تعليق