سلامة عبدالهادي
تاريخ الإضافة: 12/10/2010 ميلادي - 4/11/1431 هجري
سؤالُك عن موعِدِ نزول آيات في القرآن، وعمَّا إذا كانتْ قد نزلتْ في حياة النبي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو أنَّها أُضيفت في عهْد عثمان، يدلُّ على قصورٍ شديد في فَهْمك - كرجل دِين - للدِّين الحقِّ الذي بعثَه الله خاتمًا ومكمِّلاً لجميع الرسالات، وعلى نقْص في الاطلاع، لا يتَّفق مع منصبك كسكرتير للمَجْمع المقدَّس، بحيث تدرك الفرْقَ بين كتابةِ القرآن وكتابة الأناجيل المقدَّسة، ثم كتابة رسائلِ بولس التي تعتمدون عليها أكثرَ ممَّا تعتمدون على الأناجيل والتوراة، أو العهد القديم، بالرغمِ مِن أنَّ بولس لم يكن تلميذًا للمسيح، أو ممَّن اتبعوه في حياته، بل كان ممَّن يُعذِّب أتباع المسيح، كما هو ثابتٌ في رسائله، وبالرغم من أنَّ بولس قد نادَى بعدم تنفيذ تعاليم الأناجيل والتوراة، وهو الكتاب المُقدَّس أو الوصية، التي نادَى المسيح في الأناجيل بطاعتها دون تغييرٍ أو تبديل، ولكنَّكم تُصرُّون على عدم اتِّباع الكثير من تعاليمِ الكتاب المقدَّس؛ طاعةً لبولس ومعصيةً للمسيح، وأوَّلها التوحيدُ الخالص لله، ثم عدم العَمَل يومَ السبت، ثم تُصدِّقونه في تفسيره لحادثةِ الصَّلْب التي جاءتْ في رسائله، ولم يأتِ بها أيٌّ من الأناجيل، على أنَّها فداءٌ وخلاص بدماء الله، أو دماء ابنه على صليبٍ مِن خشب.
لهذا القُصور؛ دعوني أوضِّح لكم النِّقاطَ التالية:
أولاً: كتابة القرآن قد تمَّتْ في عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحُفِظ القرآنُ كلُّه في قلوب الصحابة، وترتيله كاملاً قد تمَّ في حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولهذا فإنَّ المصدر الأول لهذا القرآن هو التواتُر؛ أي: ما تلاه رسولُ الله عن جبريل، ثم ما تلاه الصحابةُ عن رسولِ الله، ثم ما تلاه التابعون وأتباعُ التابعين عن رسولِ الله، وهكذا حتى ما يتْلوه القُرَّاءُ المعتمدون، والذي تصدر لهم إجازاتٌ في القراءات من المجمعات الدِّينيَّة حتى يومنا هذا، نقلاً مباشرًا عن رسولِ الله، وهؤلاء بالملايين.
ثم المصدر الثاني هو ما كتَبَه كَتَبةُ الوحي في عهِد الرسول، وحَفِظه أوَّل الخلفاء الراشدين في بيْت النبوة، فكان توثيقًا لما في صدور الصحابة والتابعين عندَ كتابةِ النُّسَخ التي بعَث بها الخليفةُ الثالث إلى الأمْصار التي فتَحها المسلمون؛ لهذا فإنَّ ادِّعاءَ الإضافة والتبديل لا مجالَ له، وهذا لاتِّفاق ما جاءنا بالتلاوةِ مع ما جاءنا بالكتابة.
ثانيًا: لو كانتْ هناك فرصةٌ للإضافة لعَظَّم عثمان شأنَ نفْسَه، ولجنب نفسه الفِتنَ الشديدة التي تعرَّض لها أثناءَ خِلافته، ولكنَّها الأمانة في النقْل والكتابة، وهذا ما نَعهده في صحابةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكيف ننسب هذا الضلالَ إلى مَن قال فيه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الملائكة تستحيي مِن عثمان))؟! وكيف يجرؤ عثمانُ على مخالفة الآية التالية التي جاءتْ في أقوامٍ سابقين يُبدِّلون في كتبه، لمصلحةِ فئاتٍ عن فئات، فتجد لكلِّ مذهب وكلِّ عصر كتابًا، يختلف باختلاف مذهبه: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].
ثالثًا: أنَّ الآيةَ التي لا تَقبلونها في القرآنِ الكريم تتَّفق مع آياتٍ جاءتْ في أناجيلكم المعترَف بهـا، أذكُر منها:
• "وتَعرِفون الحق، والحقُّيُحرِّركم" [يوحنا 8/32].
• فهلم إلى وقفة قصيرة، مع هذه الحقيقة: "هذه هي الحياةُ الأبدية؛ لا بدَّ أن يعرفوك:أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلتَه" [يوحنا 17/3].
• "سأله رئيس قائلاً: أيُّها المعلِّم الصالح، ماذا أعمل لِأَرثَ الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا؛ليس أحدصالحًا إلا واحد؛ هو الله!" [لوقا 18/18- 19].
• "وأصْعدَه إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه فيلحظةٍ مِن الزمن جميعَ ممالك العالَم، وقال له: أعطيك هذا السلطان كلَّه، ومجدَ هذهالممالك؛ لأنَّه مِن نصيبي، وأنا أُعطيه لمَن أشاء! فإنْ سجدت لي يكون كله لك،فأجابه يسوع: ابتعدْ عني يا شيطان، يقول الكتاب: للربِّ إلهك تسجد، وإيَّاه وحدهتعبد" [لوقا 4/5-8].
• "وكان أحد معلِّمي الشريعة هناك، فسَمِعهميتجادلون، ورأى أنَّ يسوع أحسن الردَّ على الصدوقيِّين، فدَنا منه وسأله: ما هي أوَّلالوصايا كلِّها؟
فأجاب يسوع: الوصية الأُولى هي: اسمع ياإسرائيل، الرب إلهنا هو الربُّ الأحد؛ فأحبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك، وكلِّ نفسك، وكلِّفِكرك، وكل قدرتك. والوصية الثانية مثلها؛ أحبَّ قريبك مثلَماتحب نفسك.
وما مِن وصية أعظم من هاتين الوصيتين.
فقال له معلِّمُ الشريعة: أحسنتَ يا معلِّم؛ فأنتَ على حقٍّ في قولك: إنَّ الله واحِد، ولا إله إلا هو، وأن يُحبَّه الإنسان بكلِّ قُدرته، وأن يحبَّ قريبه بكلِّ قلْبه وكلِّ فِكْره وكلِّ قدرته، وأن يحبَّ قريبه مثلَما يحب نفسَه، أحسن من كلِّ الذبائح والقرابين.
ورأى يسوع أنَّ الرجل أجاب بحِكمة، فقال له:ما أنت بعيدٌ عن ملكوتِ الله.
وما تجرَّأ أحدٌ بعد ذلك أن يسألَه عن شيء" [مرقس 12/28-34].
ولا تظن أنَّ هاتين الوصيتين لإسرائيل، أولشعْبه فقط، بل هي أصلُ الشريعة وتعاليم جميعِ الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيلمتَّى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدَهما: "على هاتين الوصيتين تقوم الشريعةُ كلها، وتعاليم الأنبياء" [متى 22/39].
رابعًا: ليستْ هذه الآية فقط التي تُكفِّر كلَّ مَن ادَّعى أنَّ المسيح هو الله أو هو ابن الله، فهل تعتقد كلَّ الآيات التالية قد أُضيفتْ بعدَ رسول الله:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[المائدة: 116 - 120].
وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُاللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30].
وأول كلمة قالها عيسى - عليه السلام - لما أنطَقه الله وهو في المهد: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30].
ونؤمِن بأنَّ الله - تعالى - أيَّدهبالآيات الدالَّة على صِدْقه.
قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].
ونؤمِن بأنَّ عيسى - عليه السلام -وُلِد من مريم العذراء البتول بلا أبٍ، وليس ذلك ممتنعًا على قُدرةِ الله، الذي إذاأراد شيئًا فإنَّما يقول له كُن فيكون.
قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].
وقال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 45 - 47].
﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾[آل عمران: 50].
﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 156 - 158].
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].
خامسًا: استفسارُك عنِ الآية التي قال الحقُّ فيها: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آل عمران: 55].
إنَّ الله - سبحانه وتعالى - يُبلِّغ عيسى - عليه السلام -: إنني سآخُذك تامًّا غير مقدور عليك من البَشَر، ومتوفِّيك، بمعنى الاستيفاء؛ أي: تناول الشيء كاملاً دون نقْص، أو إتلاف بالقَتْل أو الصَّلْب، ومطهِّرك مِن خُبث هؤلاء الكافرين الذين كانوا يُحاولون قتلَك، وجاعِل الذين اتَّبعوك فوقَ الذين كفروا إلى يومِ القيامة، كلمة (اتبع) تدلُّ على أنَّ هناك (مُـتَّـبِـعًـا) يتلو مُـتَّبَعًا، أي: إنَّ المتـبِع هو الذي يأتي بعدُ، فمن الذي جاء بعدَ عيسى - عليه السلام - بمنهج من السماء؟ إنه سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن على أيِّ منهج يكون الذين اتبعوك؟ هل على المنهج الذي جاؤوا به، أم المنهج الذي بلغتَه أنت يا عيسى؟ إنَّ الذي يَتَّبعُك على غير المنهج الذي قلتَه لن يكون تبعًا لك، ولكن الذي يأتي ليصحِّحَ الوضعَ على المنهج الصحيح فهو الذي اتَّبعك، وقد جاء سيِّدُنا محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليُصحِّح الوضع، ويُبلِّغ المنهج كما أراده الله؛ ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 55].
سادسًا: لعلَّك تعلم أنَّه كان هناك ندوةٌ امتدَّت 6 سنوات، في الفترة من عام 1986 - عام 1992، وقد شارَك فيها 200 عالِم لاهوت، في معهد ويستار الإنجيلي بالولايات المتحدة، وقد أصْدر بيانًا عمَّا توصلت إليه الندوةُ مِن استنتاجات، وقد نشر هذا البيان على مجموعة مِن المواقع في شبكات (النت) منهـا موقع بعنوان: http://religion.rutgers.edu/jseminar/
وينصُّ هذا البيان أنَّه بعد مراجعة هؤلاء العلماء للنصوص التاريخيَّة الموثقة للسيِّد المسيح وحوارييه، خلالَ القرن الأول والثاني مِن بعثة المسيح، فقد أعْلنوا أنَّه لا يوجد للأربعة أناجيل المعتمدة في الكنيسة أيُّ سَنَد، وأنَّ كاتبي هذه الأناجيل ليسوا مِن حواريي المسيح، أو ممَّن شاهدوه على الإطلاق، وأنَّ نسبة الأقوال التي يُمكن أن يكون لهـا سندٌ يُعتدُّ به للسيِّد المسيح في هذه الأناجيل لا تتعدَّى 18 % مِن جملة ما جاء في هذه الأناجيل، وقد تطاول هؤلاء العلماءُ، وأنْكروا - بناءً على هذه الاستنتاجات المادية البحْتة - أنَّ عيسى - عليه السلام - هو المسيح، كما أنْكروا نُبوَّةَ المسيح وصِدْق رسالته، بل وشكَّكوا أن يكون المسيحُ قد أتى بأية معجزات، وأنكروا عُذريةَ السيِّدة مريم، حيث أرْجعوا أُبوَّة عيسى - عليه السلام - إلى يوسف النجَّار.
وباعتبار أنَّ الإسلامَ دِين يُقرُّ رسالةَ السيد المسيح، ويعترف بما أجْراه الله على يديه مِن مُعجزاتٍ، وبعذرية السيِّدة مريم، كما جاء في كتاب الله المنزَّل على رسوله؛ أي: القرآن الكريم، وأنَّ القرآن الكريم له سندُه الجلي حيث نُقِل بالتواتر من جبريل - عليه السلام - إلى محمَّد رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى صحابته - رضي الله عنهم - وحيث إنَّ نصوصَ وأصولَ القرآن موثَّقة وثابِتة، ولا يتطرَّق إليه شكٌّ في مصادرها، ولإعجازه البلاغي والتشريعي، والعلمي والبياني، والموضوعي والجمالي، والعددي ممَّا يعجز البشر عن الإتيانِ بمثله، لهذا دفَع المسلمون استنتاجات هذه الندوة اللاهوتية؛ لأنَّها تمس عقيدتَهم أيضًا في نبوَّة المسيح وصِدْق رسالته ومعجزاته التي أتَى بها، وأصْدروا بيانًا لتكذيبِ هذه الاستنتاجات.
كما دافع المسلمون ضدَّ ما يقوله الأستاذُ الدكتور بارت إيهرمان، وهو أستاذ نصراني في علوم اللاهوت بجامعة نُورث كارولينا بالولايات المتحدة، والذي شَكَّك في كلِّ أصول الأناجيل التي بيْن أيدينا، وعارَض ما تحتويه على العديدِ مِن مواقع (النت) هذه الأيام.
سابعًا: إصراركم على أنَّ المسيح قد صُلب طبقًا لما ليس له أصول، يُكذِّبه أصلٌ أُطلق عليه إنجيل يهوذا، الذي عُثِر عليه عام 1970 في المنيا، ويرجع تاريخه كما تؤكِّده التحليلاتُ الإشعاعية التي أُجريت عليه في معامل جامعة أريزونا إلى القرْن الثالث الميلادي؛ أي: قبل بعثة الرسول بثلاثة قرون على الأقل، ويُعدُّ أقدمَ إنجيل على وجهِ الأرض، حيث يرجع تاريخ كتابة الأناجيل التي بيْن أيديكم إلى القرن الرابع الميلادي، بحسب أقوال الكنائس جميعًا، حيث لا يُوجد لدَيْها ما هو قبل هذا التاريخ، وقد جاءَ في إنجيل يهوذا حسب مقال نُشر في جريدة الواشنطنج تايمز، قولُ المسيح ليهوذا: "إنَّك سيضحَّى بك بدلاً منِّي بعد أن تكون الرجل الذي يلبسني"، ويمكن قراءة هذا النص على موقع الجريدة المشار إليهـا، أو في الإنجيل نفسه، وبدأ يُباع في الأسواق تحتَ اسم: إنجيل يهوذا أو Gospel of Judas.
وهكذا نرى أنَّ المسيح لم يُصلَبْ؛ لأنَّ هذه ليستْ مهمَّة بعثته إلى بني إسرائيل، وهذا يتَّفق مع الوثيقة التي نحن بصدَدِها، حيث إنَّ الذي صُلِب هو يهوذا؛ عقوبةً له على خيانته، كما جاء في إنجيل يهوذا بنفْس النص الذي جاء في القرآن، ولكن ترجمة الكلمة مِن الأصول الهيروغليفيَّة حولت: "شُبِّه به" إلى "لبسه".
ثامنًا: ولتقرأ معي حادثَ الصلب الذي جاء في إنجيل مرقس - وهو من الأناجيل المعتمدة - في الفقرات: 35 – 36 / 15، حيث تنصُّ على الآتي:
وفي الساعة التاسعة صَرَخ يسوع بصوت عظيم، قائلاً: "إلوي، إلوي، لما شبقتني؟"، الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟، فقال قومٌ من الحاضرين لَمَّا سمعوا: "هوذا يُنادي إيليا".
وعندما نعود لنفْس الآيات كما جاءتْ في إنجيل الملك جورج بالإنجليزيَّة، نجدهـا تنصُّ على الآتي:
“Around three O’clock، Jesus cried with a loud voice “Eloi، Eloi، lema sabachtani” which means: “My God، My God، Why has you forsaken me” When some of the standers heard it، they said “Look، he is calling for Elijah”. Luke: 15/35-36
ومَن يقارن النصَّيْن يجدِ الخلافات التالية:
1- في النص الإنجليزي يذكر الحَدَث في الساعة الثالثة، وفي النص العربي في الساعة التاسعة.
2- في الإنجليزية أنَّ المسيح صرَخ بصوت عالٍ، وفي العربية أنه صَرَخ بصوت عظيم.
3- إنَّ كلاًّ مِن النصين لم يُفسِّر الكلمات التي جاءتْ على لسان مَن كان على الصليب بأمانة: فهل تعني كلمة "إلوي Eloi" إلهي؟ وكيف إذا مَن كان على الصليب هو الله أو اللاهوت المتحد بالناسوت، كما يَدَّعي بعضُ النصارى؟ كيف يُنادي على نفسه؟ وكيف يعاتبهـا صارخًا في نفسه بهذا الصراخ العالي؟!
4- إذا كانتْ كلمة "lema" تُقرأ فعلاً بنفس الحروف "لما" بالعربية أو العِبرية كما تفوَّه بها قائِلُهـا بهذه الحروف، وكما جاء في تفسيرها، فمِن المفترَض إذًا أنَّ قراءة كلمة sabachtani" تُقرأ أيضًا بنصِّها، وليس كما ترجمت إلى "شبقتني" في النص العربي، فالشين تحتاج إلى وجودِ حرْف h بجانب الحرْف s في أوَّل الكلمة، وإلا كُتبت أو نُطقت (س)، أو (ص)، كما أنَّ الحرفين ch في وسط الكلمة تُنطق "غ"، وليس "ق"؛ ولهذا فإنَّ النطق الصحيح أو النص الصحيح لهذه الكلمة الإنجليزيَّة باللغة العربية هو "صبغتني"، فيكون التفسير العبري أو العربي لهذه الجملة هو "إلهي إلهي، لِمَ صبغتني؟"؛ أي: يا ربِّ، لم غيَّرتَ هيكلي وشكلي ولوني، إنَّه صراخ تعجُّب مِن يهوذا يتعجَّب ويستغيث؛ كيف تغيَّرتْ هيئة هذا الواشي أو الخائن المصلوب، وصُبغت بهيئةِ المسيح، فيكون هذا التفسيرُ الذي جاء في النصِّ العربي "لماذا تركتني؟" تفسيرًا خاطئًا، فهل يَعقل أحدٌ أنَّ الله والرُّوح القُدس يتركان المسيح كما يدَّعي المصلوب هذه المرَّة، بعد أن أنقذاه العديدَ مِن المرات من قَبل هذا، ونقبل أن يُعاتب المسيحُ خالقَه وباعثَه بالحقِّ بهذه العبارة المتدنية "شبقتني"، وفي القاموس تعني هذه الكلمة الكثيرَ مِن التدني في مخاطبة الربِّ؟
5- هل يَقبل العقلُ أن تتغيَّر لغةُ المسيح الذي كان يُنادي ربَّه بكلمة: "أبانا الذي في السماء"؛ ليناديه هذا النداء الغريب: "إلوي، إلوي"؟ ليس هذا هو أسلوبَ المسيح، ولا هو خُلُقه الذي يسمح أن يرفع صوته عاليًا بهذا الخِطاب، ويُنادي ربَّه بهذه الكلمات، وبهذه النصوص التي تُخالِف ما اعتاد المسيح على قوله في جميعِ الأناجيل، ولكنَّه قول يهوذا الخائِن يدعو ربَّه بما اعتاد عليه.
6- إنَّ ما قاله الحاضرون لَمَّا سمعوا، فقالوا: "هوذا ينادي إليا"، ولو كان له احترامٌ عند الحاضرين، لقالوا: "المسيح"، ولكنَّهم ليقينهم أنه ليس هو المسيح، قالوا: "هوذا"، ثم مَن هو هذا الإيليا الذي يُناديه هذا المصلوب، وهل ينتظر المسيح مترجمًا ممَّن حَضَروا مِن أهله ليبين على مَن يُنادي، ولماذا لم يقولوا - إذا كان هو المسيح -: إنَّه يُنادي أباه كما اعتادَ المسيح طبقًا للأناجيل؟ ألاَ نرى أنَّ هناك شكًّا في هذا المصلوب أمامَهم، وفي شخصيته، وفي ندائه؟!
7- لقدْ أنكره بطرس ثلاثَ مرَّات - كما جاء في إنجيل مرقص (14 / 72) - فهل يمكن ألاَّ يَعرِفَه بطرس - وهو الملازِم له - إلا أنَّ بطرس وجَد شخصًا غير الذي يألفه؟
8- هناك مَن يَدَّعي أنَّ المسيح بهذا القول يُعاود ترديدَ ما جاء في أحد المزامير، هل يمكن لأيِّ عاقل أن يُصدِّق هذا؟ هل أثناء هذا التعذيب يتغنَّى المسيح بمزمور، ويُعاتب ربَّه، صارخًا بكلمات لم يعتَدِ المسيح ترديدَها؛ أيُّ خيال يقبل هذا؟!
9- إنَّ المسيح ظهَر لأصحابه بعدَ الصَّلْب مباشرةً ولم يكن في يديه ثقوبٌ من الصلب، وجعَل أصحابه يلمسونه، ثم رُفِع أمامَهم بعد هذا، فهل يعقل أحدٌ أنه مصلوبٌ في مكان، ويظهر في مكانٍ آخَرَ يحادث أصحابه، ويَسير على الماء - كما جاء في الأناجيل؟!
ثامنا: ادِّعاؤكم أنَّ النصارى هم أصحابُ مصر ادعاءٌ كاذِب، له ما يدحضه، حيث دخلَتِ النصرانية في مصر أثناءَ الاحتلال الرُّوماني، وقَبْل أن يدخُلَ الرومان في النصرانية؛ لهذا عانتِ النصرانية في بدايتها مِنَ اضطهاد الرُّومان، حيث كانوا على الوثنية، وهذا ممَّا بَطَّأ انتشارَ النصرانية في مصر، ثم تحوَّلتِ الدولة الرومانية إلى النصرانيَّة عام 313، عندما أصْدر الإمبراطور قسطنطين "إعلان ميلانو"، الذي ينصُّ فيه على أنَّ النصرانيَّة صارتِ الديانة الرَّسمية للإمبراطوريَّة الرومانية.
ومُنذُ ذلك التاريخ تأجَّج الصِّراع بيْن الرومان والمصريِّين؛ إذ أراد أساقفةُ روما انتزاعَ قيادة العالَم النصراني من أساقفة الإسكندرية؛ لكي تصبحَ روما هي العاصمةَ السياسيَّة والدِّينيَّة كذلك، وكانتِ العلاقة سيِّئة أيضًا بين أقباط مصر والرومان أثناءَ الحُكم البيزنطي (القسطنطينية) بعدَ عام 330 ميلادية، إلا أنَّها ازدادت سوءًا بعدَ انعقاد "مجمع نيقيا" الثاني لممثِّلي الكنائس عام 449؛ إذِ اختلف في هذا المؤتمر حولَ ما إذا كان للمسيح طبيعتانِ أو طبيعةٌ واحدة، وبعدَها قرَّر المَجْمع أنَّ له طبيعتين لاهوتية وناسوتية، واعتبر مَن يخالف القرارَ مِن الهراطقة.
ولَمَّا كانتِ الكنيسة القِبطيَّة المصريَّة لا توافق على الطبيعتَيْن، اتَّهمتها روما والقسطنطينية بالهَرْطقة؛ ولهذا قرَّر المصريون الانسحابَ كليًّا من مجامع الكنائس العالمية منذُ ذلك التاريخ، وفي محاولة منها لفَرْض عقيدة الرومان على المصريِّين، فرضتِ القسطنطينية سيطرتَها على كنيسة القدِّيس مرقص بالإسكندرية، وعَيَّنت أسقفًا من عندها للأشراف عليها، إلا أنَّ هذا لم يُفلحْ في إخضاع الأقباط ممَّن اعتنقوا النصرانية، الذين أسَّسوا كنيستَهم خارجَ الإسكندرية، واختاروا لها أسقفًا مصريًّا، فأصبح هناك فرعانِ للكَنيسة المصرية، وبدأتِ السلطات البيزنطيَّة سلسلةً من عمليات الاضطهاد ضدَّ نَصارَى مصر؛ بهدف إجبارِهم على قَبول العقيدة الرُّومانية، التي طالتْ حوالي قرنين من الزمان، حتى مجيء عمرو بن العاص إلى مصر، وكان الإمبراطور البيزنطيُّ قد عيَّن رجلاً واحدًا - هو بوليناريوس - حاكمًا على مصْر، وقائدًا للجيش، وأسقفًا للإسكندرية؛ حتى يمنحَه سلطاتٍ كاملةً لفرض عقيدة روما على شعْب مصر، ورَفَض نصارى مصر الحُكْم العسكري للكَنيسة، واختاروا أسقفًا لهم مِن بينهم، إلا أنَّه اضطر للتنقُّل سرًّا بين أديرة الصحراء؛ هربًا من البيزنطيين، وزاد الحاكمُ الجديد الضرائب على المصريِّين، الذين أساء ممثِّلو السلطة معاملتَهم في جميعِ المناسبات ما بيْن 451 -641، ولم تنتهِ مشاكلُ النصارى المصريِّين مع الرومان والبيزنطيين إلا بوصولِ جيوش الفتْح الإسلامي إلى مصر، ورحيل البيزنطيِّين عنها، وعلى الفَوْر أعْلن العَرَبُ المسلمون ضمانَهم حريةَ العقيدة لأهْل الكِتاب المصريِّين مِن النصارى واليهود، وبعدَ ذَهابِ البيزنطيِّين جاء النصارى بالأسقف بنيامين الأوَّل مِن مخبئه، وسلَّموه كنائس الإسكندرية.
وتَقول كتب التاريخ: إنَّه نظرًا للعَدْل الذي جاء به الفتحُ الإسلامي، تحوَّل معظمُ أهل مصر إلى الإسلام، وصار الإسلامُ دِينَ مُعْظَم الأقباط؛ أي: أهل مصر، وحارب أهلُ مصر مع العرَب؛ مِن أجْل نشْر الإسلام في ربوع العالَم، وكوَّنوا نسيجًا واحدًا شارَك العربَ في رِفعة هذا الدِّين، ثم أنشأ الأقباطُ جامعة الأزهر الشريف في القرْن الثالث الإسلامي؛ ليكونَ علامةً من علامات الإسلام، وتكون أقْدم جامعة استمرَّتْ لنشْر القِيَم الإسلاميَّة في العالَم أجمع.
وهكذا نرَى أنَّ مَن يقصر كلمة "الأقباط" على نصارَى مصر يَجْهَل التاريخ، فلا يعقل أن يكون أجدادُنا هم فقط بِضْعة آلاف من العرَب الذين جاؤوا مع الفتْح الإسلامي، ولم يُشكِّلوا في هذا التاريخ أكثرَ من 0.075 % من تَعْداد شعْب مصر، فكيف يُشكِّل الآن الإسلام أكثرَ مِن 94% من تعدادنا - نحن أقباطَ مصر - أي: سكَّانها؟!
إنَّ مَن يراجع كيف كان العدْل الإسلامي وعَظَمة الإسلام وعقلانيته، والذي جاء خاتمًا ومصححًا لما اختلفتْ فيه اليهودية والنصرانية وفرقهما المتعددة، وما أدخل البشرُ فيهما من شركٍ؛ حيث يقول الحق:﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، يجد ذلك هو سبب تحوُّل نَصارَى مصر من سكَّانها إلى الإسلام، ويُدرِك أنَّ معظم الأقباط - أي: المصريين - في مصْر صاروا مُسلِمين، وكل مَن يحاول أنْ يُطلِق هذه الكلمةَ على النصارَى فقط فهو جاهلٌ بالتاريخ، وجاهلٌ أنَّ الدِّين الإسلامي هو الدِّين الرسمي للدَّوْلة، فنحن الأغلبية - كما قال البابا شنودة - ونستضيف الأقلية، وهم النَّصارَى.
القس بيشوي:
إنَّ الحقَّ واضحٌ، وكل مَن يقرأ هذه النصوصَ على يقين أنَّ ما أذكُره هو الحق، ولكن العلو والظُّلم يمنعانِ الضالِّين من الالتزام بالحقِّ، والاعتراف بما يُمليه العقلُ والفِكر القويم، كما تنصُّ الآية الكريمة: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14].
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/10331/26111/#ixzz1atvW9BLo
تاريخ الإضافة: 12/10/2010 ميلادي - 4/11/1431 هجري
سؤالُك عن موعِدِ نزول آيات في القرآن، وعمَّا إذا كانتْ قد نزلتْ في حياة النبي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو أنَّها أُضيفت في عهْد عثمان، يدلُّ على قصورٍ شديد في فَهْمك - كرجل دِين - للدِّين الحقِّ الذي بعثَه الله خاتمًا ومكمِّلاً لجميع الرسالات، وعلى نقْص في الاطلاع، لا يتَّفق مع منصبك كسكرتير للمَجْمع المقدَّس، بحيث تدرك الفرْقَ بين كتابةِ القرآن وكتابة الأناجيل المقدَّسة، ثم كتابة رسائلِ بولس التي تعتمدون عليها أكثرَ ممَّا تعتمدون على الأناجيل والتوراة، أو العهد القديم، بالرغمِ مِن أنَّ بولس لم يكن تلميذًا للمسيح، أو ممَّن اتبعوه في حياته، بل كان ممَّن يُعذِّب أتباع المسيح، كما هو ثابتٌ في رسائله، وبالرغم من أنَّ بولس قد نادَى بعدم تنفيذ تعاليم الأناجيل والتوراة، وهو الكتاب المُقدَّس أو الوصية، التي نادَى المسيح في الأناجيل بطاعتها دون تغييرٍ أو تبديل، ولكنَّكم تُصرُّون على عدم اتِّباع الكثير من تعاليمِ الكتاب المقدَّس؛ طاعةً لبولس ومعصيةً للمسيح، وأوَّلها التوحيدُ الخالص لله، ثم عدم العَمَل يومَ السبت، ثم تُصدِّقونه في تفسيره لحادثةِ الصَّلْب التي جاءتْ في رسائله، ولم يأتِ بها أيٌّ من الأناجيل، على أنَّها فداءٌ وخلاص بدماء الله، أو دماء ابنه على صليبٍ مِن خشب.
لهذا القُصور؛ دعوني أوضِّح لكم النِّقاطَ التالية:
أولاً: كتابة القرآن قد تمَّتْ في عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحُفِظ القرآنُ كلُّه في قلوب الصحابة، وترتيله كاملاً قد تمَّ في حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولهذا فإنَّ المصدر الأول لهذا القرآن هو التواتُر؛ أي: ما تلاه رسولُ الله عن جبريل، ثم ما تلاه الصحابةُ عن رسولِ الله، ثم ما تلاه التابعون وأتباعُ التابعين عن رسولِ الله، وهكذا حتى ما يتْلوه القُرَّاءُ المعتمدون، والذي تصدر لهم إجازاتٌ في القراءات من المجمعات الدِّينيَّة حتى يومنا هذا، نقلاً مباشرًا عن رسولِ الله، وهؤلاء بالملايين.
ثم المصدر الثاني هو ما كتَبَه كَتَبةُ الوحي في عهِد الرسول، وحَفِظه أوَّل الخلفاء الراشدين في بيْت النبوة، فكان توثيقًا لما في صدور الصحابة والتابعين عندَ كتابةِ النُّسَخ التي بعَث بها الخليفةُ الثالث إلى الأمْصار التي فتَحها المسلمون؛ لهذا فإنَّ ادِّعاءَ الإضافة والتبديل لا مجالَ له، وهذا لاتِّفاق ما جاءنا بالتلاوةِ مع ما جاءنا بالكتابة.
ثانيًا: لو كانتْ هناك فرصةٌ للإضافة لعَظَّم عثمان شأنَ نفْسَه، ولجنب نفسه الفِتنَ الشديدة التي تعرَّض لها أثناءَ خِلافته، ولكنَّها الأمانة في النقْل والكتابة، وهذا ما نَعهده في صحابةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكيف ننسب هذا الضلالَ إلى مَن قال فيه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الملائكة تستحيي مِن عثمان))؟! وكيف يجرؤ عثمانُ على مخالفة الآية التالية التي جاءتْ في أقوامٍ سابقين يُبدِّلون في كتبه، لمصلحةِ فئاتٍ عن فئات، فتجد لكلِّ مذهب وكلِّ عصر كتابًا، يختلف باختلاف مذهبه: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].
ثالثًا: أنَّ الآيةَ التي لا تَقبلونها في القرآنِ الكريم تتَّفق مع آياتٍ جاءتْ في أناجيلكم المعترَف بهـا، أذكُر منها:
• "وتَعرِفون الحق، والحقُّيُحرِّركم" [يوحنا 8/32].
• فهلم إلى وقفة قصيرة، مع هذه الحقيقة: "هذه هي الحياةُ الأبدية؛ لا بدَّ أن يعرفوك:أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلتَه" [يوحنا 17/3].
• "سأله رئيس قائلاً: أيُّها المعلِّم الصالح، ماذا أعمل لِأَرثَ الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا؛ليس أحدصالحًا إلا واحد؛ هو الله!" [لوقا 18/18- 19].
• "وأصْعدَه إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه فيلحظةٍ مِن الزمن جميعَ ممالك العالَم، وقال له: أعطيك هذا السلطان كلَّه، ومجدَ هذهالممالك؛ لأنَّه مِن نصيبي، وأنا أُعطيه لمَن أشاء! فإنْ سجدت لي يكون كله لك،فأجابه يسوع: ابتعدْ عني يا شيطان، يقول الكتاب: للربِّ إلهك تسجد، وإيَّاه وحدهتعبد" [لوقا 4/5-8].
• "وكان أحد معلِّمي الشريعة هناك، فسَمِعهميتجادلون، ورأى أنَّ يسوع أحسن الردَّ على الصدوقيِّين، فدَنا منه وسأله: ما هي أوَّلالوصايا كلِّها؟
فأجاب يسوع: الوصية الأُولى هي: اسمع ياإسرائيل، الرب إلهنا هو الربُّ الأحد؛ فأحبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك، وكلِّ نفسك، وكلِّفِكرك، وكل قدرتك. والوصية الثانية مثلها؛ أحبَّ قريبك مثلَماتحب نفسك.
وما مِن وصية أعظم من هاتين الوصيتين.
فقال له معلِّمُ الشريعة: أحسنتَ يا معلِّم؛ فأنتَ على حقٍّ في قولك: إنَّ الله واحِد، ولا إله إلا هو، وأن يُحبَّه الإنسان بكلِّ قُدرته، وأن يحبَّ قريبه بكلِّ قلْبه وكلِّ فِكْره وكلِّ قدرته، وأن يحبَّ قريبه مثلَما يحب نفسَه، أحسن من كلِّ الذبائح والقرابين.
ورأى يسوع أنَّ الرجل أجاب بحِكمة، فقال له:ما أنت بعيدٌ عن ملكوتِ الله.
وما تجرَّأ أحدٌ بعد ذلك أن يسألَه عن شيء" [مرقس 12/28-34].
ولا تظن أنَّ هاتين الوصيتين لإسرائيل، أولشعْبه فقط، بل هي أصلُ الشريعة وتعاليم جميعِ الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيلمتَّى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدَهما: "على هاتين الوصيتين تقوم الشريعةُ كلها، وتعاليم الأنبياء" [متى 22/39].
رابعًا: ليستْ هذه الآية فقط التي تُكفِّر كلَّ مَن ادَّعى أنَّ المسيح هو الله أو هو ابن الله، فهل تعتقد كلَّ الآيات التالية قد أُضيفتْ بعدَ رسول الله:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[المائدة: 116 - 120].
﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُاللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30].
وأول كلمة قالها عيسى - عليه السلام - لما أنطَقه الله وهو في المهد: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30].
ونؤمِن بأنَّ الله - تعالى - أيَّدهبالآيات الدالَّة على صِدْقه.
قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].
ونؤمِن بأنَّ عيسى - عليه السلام -وُلِد من مريم العذراء البتول بلا أبٍ، وليس ذلك ممتنعًا على قُدرةِ الله، الذي إذاأراد شيئًا فإنَّما يقول له كُن فيكون.
قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].
وقال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 45 - 47].
﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾[آل عمران: 50].
﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 156 - 158].
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].
خامسًا: استفسارُك عنِ الآية التي قال الحقُّ فيها: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آل عمران: 55].
إنَّ الله - سبحانه وتعالى - يُبلِّغ عيسى - عليه السلام -: إنني سآخُذك تامًّا غير مقدور عليك من البَشَر، ومتوفِّيك، بمعنى الاستيفاء؛ أي: تناول الشيء كاملاً دون نقْص، أو إتلاف بالقَتْل أو الصَّلْب، ومطهِّرك مِن خُبث هؤلاء الكافرين الذين كانوا يُحاولون قتلَك، وجاعِل الذين اتَّبعوك فوقَ الذين كفروا إلى يومِ القيامة، كلمة (اتبع) تدلُّ على أنَّ هناك (مُـتَّـبِـعًـا) يتلو مُـتَّبَعًا، أي: إنَّ المتـبِع هو الذي يأتي بعدُ، فمن الذي جاء بعدَ عيسى - عليه السلام - بمنهج من السماء؟ إنه سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن على أيِّ منهج يكون الذين اتبعوك؟ هل على المنهج الذي جاؤوا به، أم المنهج الذي بلغتَه أنت يا عيسى؟ إنَّ الذي يَتَّبعُك على غير المنهج الذي قلتَه لن يكون تبعًا لك، ولكن الذي يأتي ليصحِّحَ الوضعَ على المنهج الصحيح فهو الذي اتَّبعك، وقد جاء سيِّدُنا محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليُصحِّح الوضع، ويُبلِّغ المنهج كما أراده الله؛ ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 55].
سادسًا: لعلَّك تعلم أنَّه كان هناك ندوةٌ امتدَّت 6 سنوات، في الفترة من عام 1986 - عام 1992، وقد شارَك فيها 200 عالِم لاهوت، في معهد ويستار الإنجيلي بالولايات المتحدة، وقد أصْدر بيانًا عمَّا توصلت إليه الندوةُ مِن استنتاجات، وقد نشر هذا البيان على مجموعة مِن المواقع في شبكات (النت) منهـا موقع بعنوان: http://religion.rutgers.edu/jseminar/
وينصُّ هذا البيان أنَّه بعد مراجعة هؤلاء العلماء للنصوص التاريخيَّة الموثقة للسيِّد المسيح وحوارييه، خلالَ القرن الأول والثاني مِن بعثة المسيح، فقد أعْلنوا أنَّه لا يوجد للأربعة أناجيل المعتمدة في الكنيسة أيُّ سَنَد، وأنَّ كاتبي هذه الأناجيل ليسوا مِن حواريي المسيح، أو ممَّن شاهدوه على الإطلاق، وأنَّ نسبة الأقوال التي يُمكن أن يكون لهـا سندٌ يُعتدُّ به للسيِّد المسيح في هذه الأناجيل لا تتعدَّى 18 % مِن جملة ما جاء في هذه الأناجيل، وقد تطاول هؤلاء العلماءُ، وأنْكروا - بناءً على هذه الاستنتاجات المادية البحْتة - أنَّ عيسى - عليه السلام - هو المسيح، كما أنْكروا نُبوَّةَ المسيح وصِدْق رسالته، بل وشكَّكوا أن يكون المسيحُ قد أتى بأية معجزات، وأنكروا عُذريةَ السيِّدة مريم، حيث أرْجعوا أُبوَّة عيسى - عليه السلام - إلى يوسف النجَّار.
وباعتبار أنَّ الإسلامَ دِين يُقرُّ رسالةَ السيد المسيح، ويعترف بما أجْراه الله على يديه مِن مُعجزاتٍ، وبعذرية السيِّدة مريم، كما جاء في كتاب الله المنزَّل على رسوله؛ أي: القرآن الكريم، وأنَّ القرآن الكريم له سندُه الجلي حيث نُقِل بالتواتر من جبريل - عليه السلام - إلى محمَّد رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى صحابته - رضي الله عنهم - وحيث إنَّ نصوصَ وأصولَ القرآن موثَّقة وثابِتة، ولا يتطرَّق إليه شكٌّ في مصادرها، ولإعجازه البلاغي والتشريعي، والعلمي والبياني، والموضوعي والجمالي، والعددي ممَّا يعجز البشر عن الإتيانِ بمثله، لهذا دفَع المسلمون استنتاجات هذه الندوة اللاهوتية؛ لأنَّها تمس عقيدتَهم أيضًا في نبوَّة المسيح وصِدْق رسالته ومعجزاته التي أتَى بها، وأصْدروا بيانًا لتكذيبِ هذه الاستنتاجات.
كما دافع المسلمون ضدَّ ما يقوله الأستاذُ الدكتور بارت إيهرمان، وهو أستاذ نصراني في علوم اللاهوت بجامعة نُورث كارولينا بالولايات المتحدة، والذي شَكَّك في كلِّ أصول الأناجيل التي بيْن أيدينا، وعارَض ما تحتويه على العديدِ مِن مواقع (النت) هذه الأيام.
سابعًا: إصراركم على أنَّ المسيح قد صُلب طبقًا لما ليس له أصول، يُكذِّبه أصلٌ أُطلق عليه إنجيل يهوذا، الذي عُثِر عليه عام 1970 في المنيا، ويرجع تاريخه كما تؤكِّده التحليلاتُ الإشعاعية التي أُجريت عليه في معامل جامعة أريزونا إلى القرْن الثالث الميلادي؛ أي: قبل بعثة الرسول بثلاثة قرون على الأقل، ويُعدُّ أقدمَ إنجيل على وجهِ الأرض، حيث يرجع تاريخ كتابة الأناجيل التي بيْن أيديكم إلى القرن الرابع الميلادي، بحسب أقوال الكنائس جميعًا، حيث لا يُوجد لدَيْها ما هو قبل هذا التاريخ، وقد جاءَ في إنجيل يهوذا حسب مقال نُشر في جريدة الواشنطنج تايمز، قولُ المسيح ليهوذا: "إنَّك سيضحَّى بك بدلاً منِّي بعد أن تكون الرجل الذي يلبسني"، ويمكن قراءة هذا النص على موقع الجريدة المشار إليهـا، أو في الإنجيل نفسه، وبدأ يُباع في الأسواق تحتَ اسم: إنجيل يهوذا أو Gospel of Judas.
وهكذا نرى أنَّ المسيح لم يُصلَبْ؛ لأنَّ هذه ليستْ مهمَّة بعثته إلى بني إسرائيل، وهذا يتَّفق مع الوثيقة التي نحن بصدَدِها، حيث إنَّ الذي صُلِب هو يهوذا؛ عقوبةً له على خيانته، كما جاء في إنجيل يهوذا بنفْس النص الذي جاء في القرآن، ولكن ترجمة الكلمة مِن الأصول الهيروغليفيَّة حولت: "شُبِّه به" إلى "لبسه".
ثامنًا: ولتقرأ معي حادثَ الصلب الذي جاء في إنجيل مرقس - وهو من الأناجيل المعتمدة - في الفقرات: 35 – 36 / 15، حيث تنصُّ على الآتي:
وفي الساعة التاسعة صَرَخ يسوع بصوت عظيم، قائلاً: "إلوي، إلوي، لما شبقتني؟"، الذي تفسيره: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟، فقال قومٌ من الحاضرين لَمَّا سمعوا: "هوذا يُنادي إيليا".
وعندما نعود لنفْس الآيات كما جاءتْ في إنجيل الملك جورج بالإنجليزيَّة، نجدهـا تنصُّ على الآتي:
“Around three O’clock، Jesus cried with a loud voice “Eloi، Eloi، lema sabachtani” which means: “My God، My God، Why has you forsaken me” When some of the standers heard it، they said “Look، he is calling for Elijah”. Luke: 15/35-36
ومَن يقارن النصَّيْن يجدِ الخلافات التالية:
1- في النص الإنجليزي يذكر الحَدَث في الساعة الثالثة، وفي النص العربي في الساعة التاسعة.
2- في الإنجليزية أنَّ المسيح صرَخ بصوت عالٍ، وفي العربية أنه صَرَخ بصوت عظيم.
3- إنَّ كلاًّ مِن النصين لم يُفسِّر الكلمات التي جاءتْ على لسان مَن كان على الصليب بأمانة: فهل تعني كلمة "إلوي Eloi" إلهي؟ وكيف إذا مَن كان على الصليب هو الله أو اللاهوت المتحد بالناسوت، كما يَدَّعي بعضُ النصارى؟ كيف يُنادي على نفسه؟ وكيف يعاتبهـا صارخًا في نفسه بهذا الصراخ العالي؟!
4- إذا كانتْ كلمة "lema" تُقرأ فعلاً بنفس الحروف "لما" بالعربية أو العِبرية كما تفوَّه بها قائِلُهـا بهذه الحروف، وكما جاء في تفسيرها، فمِن المفترَض إذًا أنَّ قراءة كلمة sabachtani" تُقرأ أيضًا بنصِّها، وليس كما ترجمت إلى "شبقتني" في النص العربي، فالشين تحتاج إلى وجودِ حرْف h بجانب الحرْف s في أوَّل الكلمة، وإلا كُتبت أو نُطقت (س)، أو (ص)، كما أنَّ الحرفين ch في وسط الكلمة تُنطق "غ"، وليس "ق"؛ ولهذا فإنَّ النطق الصحيح أو النص الصحيح لهذه الكلمة الإنجليزيَّة باللغة العربية هو "صبغتني"، فيكون التفسير العبري أو العربي لهذه الجملة هو "إلهي إلهي، لِمَ صبغتني؟"؛ أي: يا ربِّ، لم غيَّرتَ هيكلي وشكلي ولوني، إنَّه صراخ تعجُّب مِن يهوذا يتعجَّب ويستغيث؛ كيف تغيَّرتْ هيئة هذا الواشي أو الخائن المصلوب، وصُبغت بهيئةِ المسيح، فيكون هذا التفسيرُ الذي جاء في النصِّ العربي "لماذا تركتني؟" تفسيرًا خاطئًا، فهل يَعقل أحدٌ أنَّ الله والرُّوح القُدس يتركان المسيح كما يدَّعي المصلوب هذه المرَّة، بعد أن أنقذاه العديدَ مِن المرات من قَبل هذا، ونقبل أن يُعاتب المسيحُ خالقَه وباعثَه بالحقِّ بهذه العبارة المتدنية "شبقتني"، وفي القاموس تعني هذه الكلمة الكثيرَ مِن التدني في مخاطبة الربِّ؟
5- هل يَقبل العقلُ أن تتغيَّر لغةُ المسيح الذي كان يُنادي ربَّه بكلمة: "أبانا الذي في السماء"؛ ليناديه هذا النداء الغريب: "إلوي، إلوي"؟ ليس هذا هو أسلوبَ المسيح، ولا هو خُلُقه الذي يسمح أن يرفع صوته عاليًا بهذا الخِطاب، ويُنادي ربَّه بهذه الكلمات، وبهذه النصوص التي تُخالِف ما اعتاد المسيح على قوله في جميعِ الأناجيل، ولكنَّه قول يهوذا الخائِن يدعو ربَّه بما اعتاد عليه.
6- إنَّ ما قاله الحاضرون لَمَّا سمعوا، فقالوا: "هوذا ينادي إليا"، ولو كان له احترامٌ عند الحاضرين، لقالوا: "المسيح"، ولكنَّهم ليقينهم أنه ليس هو المسيح، قالوا: "هوذا"، ثم مَن هو هذا الإيليا الذي يُناديه هذا المصلوب، وهل ينتظر المسيح مترجمًا ممَّن حَضَروا مِن أهله ليبين على مَن يُنادي، ولماذا لم يقولوا - إذا كان هو المسيح -: إنَّه يُنادي أباه كما اعتادَ المسيح طبقًا للأناجيل؟ ألاَ نرى أنَّ هناك شكًّا في هذا المصلوب أمامَهم، وفي شخصيته، وفي ندائه؟!
7- لقدْ أنكره بطرس ثلاثَ مرَّات - كما جاء في إنجيل مرقص (14 / 72) - فهل يمكن ألاَّ يَعرِفَه بطرس - وهو الملازِم له - إلا أنَّ بطرس وجَد شخصًا غير الذي يألفه؟
8- هناك مَن يَدَّعي أنَّ المسيح بهذا القول يُعاود ترديدَ ما جاء في أحد المزامير، هل يمكن لأيِّ عاقل أن يُصدِّق هذا؟ هل أثناء هذا التعذيب يتغنَّى المسيح بمزمور، ويُعاتب ربَّه، صارخًا بكلمات لم يعتَدِ المسيح ترديدَها؛ أيُّ خيال يقبل هذا؟!
9- إنَّ المسيح ظهَر لأصحابه بعدَ الصَّلْب مباشرةً ولم يكن في يديه ثقوبٌ من الصلب، وجعَل أصحابه يلمسونه، ثم رُفِع أمامَهم بعد هذا، فهل يعقل أحدٌ أنه مصلوبٌ في مكان، ويظهر في مكانٍ آخَرَ يحادث أصحابه، ويَسير على الماء - كما جاء في الأناجيل؟!
ثامنا: ادِّعاؤكم أنَّ النصارى هم أصحابُ مصر ادعاءٌ كاذِب، له ما يدحضه، حيث دخلَتِ النصرانية في مصر أثناءَ الاحتلال الرُّوماني، وقَبْل أن يدخُلَ الرومان في النصرانية؛ لهذا عانتِ النصرانية في بدايتها مِنَ اضطهاد الرُّومان، حيث كانوا على الوثنية، وهذا ممَّا بَطَّأ انتشارَ النصرانية في مصر، ثم تحوَّلتِ الدولة الرومانية إلى النصرانيَّة عام 313، عندما أصْدر الإمبراطور قسطنطين "إعلان ميلانو"، الذي ينصُّ فيه على أنَّ النصرانيَّة صارتِ الديانة الرَّسمية للإمبراطوريَّة الرومانية.
ومُنذُ ذلك التاريخ تأجَّج الصِّراع بيْن الرومان والمصريِّين؛ إذ أراد أساقفةُ روما انتزاعَ قيادة العالَم النصراني من أساقفة الإسكندرية؛ لكي تصبحَ روما هي العاصمةَ السياسيَّة والدِّينيَّة كذلك، وكانتِ العلاقة سيِّئة أيضًا بين أقباط مصر والرومان أثناءَ الحُكم البيزنطي (القسطنطينية) بعدَ عام 330 ميلادية، إلا أنَّها ازدادت سوءًا بعدَ انعقاد "مجمع نيقيا" الثاني لممثِّلي الكنائس عام 449؛ إذِ اختلف في هذا المؤتمر حولَ ما إذا كان للمسيح طبيعتانِ أو طبيعةٌ واحدة، وبعدَها قرَّر المَجْمع أنَّ له طبيعتين لاهوتية وناسوتية، واعتبر مَن يخالف القرارَ مِن الهراطقة.
ولَمَّا كانتِ الكنيسة القِبطيَّة المصريَّة لا توافق على الطبيعتَيْن، اتَّهمتها روما والقسطنطينية بالهَرْطقة؛ ولهذا قرَّر المصريون الانسحابَ كليًّا من مجامع الكنائس العالمية منذُ ذلك التاريخ، وفي محاولة منها لفَرْض عقيدة الرومان على المصريِّين، فرضتِ القسطنطينية سيطرتَها على كنيسة القدِّيس مرقص بالإسكندرية، وعَيَّنت أسقفًا من عندها للأشراف عليها، إلا أنَّ هذا لم يُفلحْ في إخضاع الأقباط ممَّن اعتنقوا النصرانية، الذين أسَّسوا كنيستَهم خارجَ الإسكندرية، واختاروا لها أسقفًا مصريًّا، فأصبح هناك فرعانِ للكَنيسة المصرية، وبدأتِ السلطات البيزنطيَّة سلسلةً من عمليات الاضطهاد ضدَّ نَصارَى مصر؛ بهدف إجبارِهم على قَبول العقيدة الرُّومانية، التي طالتْ حوالي قرنين من الزمان، حتى مجيء عمرو بن العاص إلى مصر، وكان الإمبراطور البيزنطيُّ قد عيَّن رجلاً واحدًا - هو بوليناريوس - حاكمًا على مصْر، وقائدًا للجيش، وأسقفًا للإسكندرية؛ حتى يمنحَه سلطاتٍ كاملةً لفرض عقيدة روما على شعْب مصر، ورَفَض نصارى مصر الحُكْم العسكري للكَنيسة، واختاروا أسقفًا لهم مِن بينهم، إلا أنَّه اضطر للتنقُّل سرًّا بين أديرة الصحراء؛ هربًا من البيزنطيين، وزاد الحاكمُ الجديد الضرائب على المصريِّين، الذين أساء ممثِّلو السلطة معاملتَهم في جميعِ المناسبات ما بيْن 451 -641، ولم تنتهِ مشاكلُ النصارى المصريِّين مع الرومان والبيزنطيين إلا بوصولِ جيوش الفتْح الإسلامي إلى مصر، ورحيل البيزنطيِّين عنها، وعلى الفَوْر أعْلن العَرَبُ المسلمون ضمانَهم حريةَ العقيدة لأهْل الكِتاب المصريِّين مِن النصارى واليهود، وبعدَ ذَهابِ البيزنطيِّين جاء النصارى بالأسقف بنيامين الأوَّل مِن مخبئه، وسلَّموه كنائس الإسكندرية.
وتَقول كتب التاريخ: إنَّه نظرًا للعَدْل الذي جاء به الفتحُ الإسلامي، تحوَّل معظمُ أهل مصر إلى الإسلام، وصار الإسلامُ دِينَ مُعْظَم الأقباط؛ أي: أهل مصر، وحارب أهلُ مصر مع العرَب؛ مِن أجْل نشْر الإسلام في ربوع العالَم، وكوَّنوا نسيجًا واحدًا شارَك العربَ في رِفعة هذا الدِّين، ثم أنشأ الأقباطُ جامعة الأزهر الشريف في القرْن الثالث الإسلامي؛ ليكونَ علامةً من علامات الإسلام، وتكون أقْدم جامعة استمرَّتْ لنشْر القِيَم الإسلاميَّة في العالَم أجمع.
وهكذا نرَى أنَّ مَن يقصر كلمة "الأقباط" على نصارَى مصر يَجْهَل التاريخ، فلا يعقل أن يكون أجدادُنا هم فقط بِضْعة آلاف من العرَب الذين جاؤوا مع الفتْح الإسلامي، ولم يُشكِّلوا في هذا التاريخ أكثرَ من 0.075 % من تَعْداد شعْب مصر، فكيف يُشكِّل الآن الإسلام أكثرَ مِن 94% من تعدادنا - نحن أقباطَ مصر - أي: سكَّانها؟!
إنَّ مَن يراجع كيف كان العدْل الإسلامي وعَظَمة الإسلام وعقلانيته، والذي جاء خاتمًا ومصححًا لما اختلفتْ فيه اليهودية والنصرانية وفرقهما المتعددة، وما أدخل البشرُ فيهما من شركٍ؛ حيث يقول الحق:﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، يجد ذلك هو سبب تحوُّل نَصارَى مصر من سكَّانها إلى الإسلام، ويُدرِك أنَّ معظم الأقباط - أي: المصريين - في مصْر صاروا مُسلِمين، وكل مَن يحاول أنْ يُطلِق هذه الكلمةَ على النصارَى فقط فهو جاهلٌ بالتاريخ، وجاهلٌ أنَّ الدِّين الإسلامي هو الدِّين الرسمي للدَّوْلة، فنحن الأغلبية - كما قال البابا شنودة - ونستضيف الأقلية، وهم النَّصارَى.
القس بيشوي:
إنَّ الحقَّ واضحٌ، وكل مَن يقرأ هذه النصوصَ على يقين أنَّ ما أذكُره هو الحق، ولكن العلو والظُّلم يمنعانِ الضالِّين من الالتزام بالحقِّ، والاعتراف بما يُمليه العقلُ والفِكر القويم، كما تنصُّ الآية الكريمة: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14].
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/10331/26111/#ixzz1atvW9BLo