بسم الله الرحمن الرحيم
لا تخف
لا تخف، فالروح لخالقها، والرزق في السماء، والأرض في نهاية المدي يرثها الشجعان المخلصون، والأنام جميعهم إلي ذهاب، والدود لا يفرّق بين من مات من فرط الشبع، ومن قتله الجوع.
لا تخف...
لأن السلامة في المواجهة، ولأن الجبان يموت ألف مرة، والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيرا من عاقبة الرفض، وأدركوا أن الذين قالوا «لا» هم من عبّدوا للبشرية طريقها إلي التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلي النور.
لا تخف
من سجان، لأنه هو الذي يخاف منك ، ولا تخف من سلطان، لأن نفيك سياحة، وسجنك خلوة، وتعذيبك جهاد، وقتلك شهادة.
وقل في نفسك بثقة متناهية: لو لم يكن السلطان أو السجان خائفا فلِمَ الحرس والأسوار والعربات المصفحة، ولو لم يكن مرعوبا فلِمَ يخفي عنّا خط سيره ومعالم سيرته، ويضع علي صندوق أسراره ألف ترباس، ولِمَ يخطف كل شيء منا بليل، ولم يكره النهار، ويمقت الصدق، ويخشي المنافسة؟!.
لا تخف...
فالبحر ابتلع فرعون، والأرض التهمت قارون وماله، والبعوضة أذلت النمرود، وفئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
وإذا قلت لنفسك إن زمن المعجزات قد ولي، فاعلم أنك أنت المعجزة، عقلك المتوقد ومشاعرك الفياضة وطاقتك التي لا تنفد، وتذكر الهنود الذين كانوا ينامون أمام قطارات الإنجليز لا يهابون الموت، ملبين نداء زعيمهم العظيم المهاتما غاندي، حتي حرروا بلادهم.
وتذكروا أن أربعين رجلا تحت قيادة كاسترو وجيفارا أسقطوا نظام حكم كاملاً في كوبا، وأن رجلا واحدا هو مارتن لوثر كينج حرر سود أمريكا من العبودية، وأن صرخته الشهيرة «أنا أحلم» تحولت إلي حقيقة، باقتراب باراك أوباما الأسمر من أن يصير رئيسا للولايات المتحدة.
وتذكر أيضا أن رجلا أسمر آخر، هو نيلسون مانديلا، قد صمد في سجنه نحو ثلاثين عاما، لم ينكسر ولم يخن، حتي انهار جدار العنصرية في جنوب أفريقيا تحت ضربات عزمه الذي لم يلن، وإرادته التي لم تتراخ.
لا تخف...
«كن فيلسوفا يري العالم ألعوبة، ولا تكن صبيا هلوعا»، هكذا قال جمال الدين الأفغاني لتلميذه النجيب محمد عبده.. قول كان يؤمن به، ويدرك أنه السبيل الوسيع لإيقاظ الهمم، وإلهاب المشاعر، وإزاحة أنظمة الحكم المستبدة. ومثل هذا القول وذلك الإيمان هو الذي خلد صاحبه فينا، وجعله أحد صناع نهضتنا الحديثة، التي أقعدها مستعمرون من بني جلدتنا، وزعموا أننا في زمن الاستقلال والحرية.
كن فيلسوفا، وكن واحدا من الذين قال فيهم عبد الرحمن الكواكبي: »ما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، يفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتي ينالوا ما يقصدون«.
لا تخف...
ولا تنس أن قصيدة شعر أسقطت نظام الطاغية الروماني شاوشيسكو، وأن رواية واحدة، هي «كوخ العم توم»، قد أطلقت شرارة تحرر سود أمريكا من العبودية، وقل دائما: في البدء كانت الكلمة، وتذكر دوما أن أول كلمة في القرآن هي «اقرأ»، ثم تدبر أمر السلاطين الذين تسولوا المجد علي أبواب الكلمات، فحاول صدام أن يكون روائيا، والقذافي أن يكون قاصا وفيلسوفا، ولم يكفهم الجاه والثروة والأمر والنهي.
ولهذا لا تعتقد أن الرصاصة أقوي من الكلمة، فارفع حرفك في وجه أصحاب السطوة والسوط، وارفع صوتك عاليا في وجه الجبارين، نافضا عن نفسك كل أسباب الخمول والخمود والركوع والخضوع، وارفع فأسك التي تشق بها الأرض العفية، وشُج بها رأسك ظالمك.
لا تخف ...
ولا تأس علي ما فاتك، فالمستقبل لك، والأيام يداولها الله بين الناس، والمناصب تزول، والتاريخ مليء بسجانين سيقوا إلي غياهب الزنازين، وطوتهم القبور، ولفهم النسيان، فلم يعد لهم بين الناس ذكر إلا حين يستحضرونهم ليلعنوهم.
والتاريخ مليء أيضا بمتغطرسين هدهم المرض، ودهستهم أقدام الثائرين، وأكلهم الندم علي ما فرطوا من واجبات في أعناقهم، وما اغتصبوا من حقوق ليست لهم. ولا تفرح بما آتاك، فلا يزال أمامك الكثير الذي يجب عليك فعله من أجل أن يولد الغد عفيا علي أكف الحاضر، وتشرق شمس الحرية، وتغمر بلادنا بنورها الفياض.
لا تخف ...
بل أغمض عينيك، وأطلق العنان لخيالك، فيمكنك أن تصير ما تريد، إن أدركت أن بين جوانحك طاقة جبارة، وأيقنت أنك خليفة الله في الأرض، وأنك المكرم من بين كل المخلوقات، المسخر لك كل شيء من أجل خدمتك، وأن المجد لله في الأعالي، والعبودية له في كل مكان، وليست لأي فرد مهما أوتي من جبروت، وأن أمهاتنا ولدتنا أحرارا، ولسنا عقارا ولا تراثا، نستبعد، ونباع ونشتري.
لا تخف ...
فالذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، وحزمة من حطب هش أقوي من عود خيزران واحد، وقطرات ماء تدوم بوسعها أن تفلق الصخر، ودفقة نور واحدة من شمس الصباح تبدد الكثير من الغيوم.
د. عمار علي حسن
تعليق