د. إبراهيم عوض
لدى مناقشتنا للموضوع الخاص بإحراق مكتبة الإسكندرية ينبغى أن نتناوله أولاً من ناحية الرواية التى نقلته لنا حتى ندرك مدى معقولية مثل هذا الخبر أساسا، ثم ننظر فى نص الرواية ذاته لنرى مبلغ ما فيه من تماسك ومنطقية، ثم نتناول الأمر من الناحية النظرية لمعرفة موقف الإسلام من إحراق الكتب، وبخاصة الكتب الموجودة فى المكتبات العامة، ثم رابعا نناقش الأمر فى ضوء ما نعرفه عن شخصية كل من ابن الخطاب وابن العاص، ثم خامسا نعالج المسألة من الزاوية التاريخية. والآن نشرع بالنظر فى النص من ناحية الرواية. وأول ما يلفت النظر فيها أنها لم تظهر إلا بعد فتح مصر بأكثر من خمسة قرون، لم يذكرها ذاكر لا من المسلمين ولا من أعداء المسلمين طوال تلك الفترة المتطاولة. فأين كانت تلك الرواية كل هذه المدة؟ هل يعقل أن يقع أمر جلل كهذا دون أن يكتب عنه أحد شيئا على مدار تلك القرون إلى أن يأتى عبد اللطيف البغدادى والقفطى وأبو الفرج العبرى (ق6- 7هـ) فيشيروا إلى حكاية الحرق هذه؟ هل يمكن أن يختفى كل هاتيك القرون مثل هذا الخبر التاريخى الذى لو كان وقع لعرفت به الدنيا كلها وسجلته وتناقلته واستغربته وأنكرته، لكن مع ذلك كله لا تعرف الدنيا عنه شيئا ولاتسجله ولا تتناقله ولا تستغربه ولا تنكره، ثم فجأة يكتب عنه البغدادى والقفطى وابن العبرى بعد ما يزيد على خمسة قرون؟ فما مصدرهم فى هذه الحكاية؟ هل يا ترى يصح أن نقبل مثل ذلك الخبر كما هو بعوراته وسوآته دون أن نقف إزاءه لنتساءل من أين أتى، ومن أتى به، وفى أية ظروف أتى به، وكيف وصل للبغدادى والقفطى وابن العبرى دون الناس جميعا... إلخ؟ بكل يقين لم ينزل عليهم به وحى من السماء، فمن إذن أخبرهم به؟ ولماذا سكتوا فلم يحاول أى منهم أن يناقش هذه النقطة، وهو يعرف أنه أول من تناول الأمر؟ إن مثل ذلك الخبر لم يكن ليصح أن يمر على هؤلاء الكتاب دون أن يقلّبوه على كل وجوهه فيذكروا لنا مصدره وقائله والظروف التى سمعوا به فيها؟ كذلك فمثل ذلك الخبر ليس مما يصح تسجيله بهذه الخفة واللامبالاة التى سجله بها هؤلاء الثلاثة. إنه اتهام خطير لا يُقْبَل من أى إنسان إلقاؤه هكذا دون التثبت من صحة مصدره والظروف التى سمعه فيها. لقد كان هناك كتاب نصارى مثل ثيوفانس (البيزنطى) ويحيى بن عَدِىّ (العربى) ويوحنا النقيوسى وابن البطريق (المصريين) مثلا قبل هؤلاء الثلاثة بزمن طويل، وكلهم كان يهمه تشويه صورة الإسلام والمسلمين ورجالاتهم الكبار بكل سبيل، أفلو كان ذلك الخبر صحيحا أكان هؤلاء جميعا، وأشباههم كثيرون، يسكتون عنه فلا يشيروا إليه من قريب أو من بعيد؟
ومن هنا فلا معنى لما قاله جرجى زيدان، الذى يفترض أن المصادر الإسلامية المبكرة تكلمت عن هذا الموضوع، لكن المسلمين بعد تمدنهم حذفوا هذا الكلام تصورا منهم أنه يسىء إلى دينهم وكبار رجالهم[1]. إنها حجة غير مقبولة البتة لأن السكوت عن هذا الموضوع لا يقتصر على المصادر الإسلامية وحدها كما رأينا، فضلا عن أن المسلمين، على العكس مما يقول، كانوا لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلوها وأفاضوا فيها القول مهما كان من إساءتها إليهم حتى إننا لنشكو مُرَّ الشكوى من هذا الأمر الذى يستغله خصوم الإسلام الآن، وأرى أن المسلمين المتقدمين ما كانوا ليبالوا به أدنى بالة، إذ كانوا من القوة والعافية والثقة بأنفسهم وبدولتهم وتاريخهم ورجالهم بحيث ما كانوا ليفكروا فى هذه الاعتبارات. ولو افترضنا أنهم فعلا قد تصوروا فيما بعد أنها مسيئة إليهم لقد كان فى مناقشتهم لها وردهم على ما جاء فيها مندوحة واسعة بدلا من حذفها. ومعروف أن مناقشة الفكرة بفكرة مثلها كانت سُنَّة المسلمين، وإلا فكيف وصلت إلينا كتب الملاحدة والشكّاكين من المنتسبين إلى الإسلام، وكذلك كتب الفرق المختلفة التى يكذب بعضها بعضا وتتصور كل فرقة أنها هى وحدها الصواب؟ بل كيف وصلت إلينا كتب اليهود والنصارى التى هاجموا فيها الإسلام؟ وحتى لو غضضنا النظر عن ذلك وقلنا إن الحذف قد حصل فهو خاص بالنسخ الجديدة، أما القديمة فبقيت على حالها، اللهم إلا إذا زعمنا كذبا وبهتانا أن متولى رقابة المخطوطات داروا على أصحاب النسخ الجديدة واحدا واحدا فأعطوه نسخة جديدة وأخذوا منه القديمة ودمروها بحيث لا يتبقى منها أى أثر. ولنفترض أننا غضضنا البصر عن هذا أيضا أمن الممكن أن يتواطأ على ذلك المسلمون والمنتسبون إلى الإسلام جميعا سُنّةً وخوارجَ ومعتزلةً ومتصوفةً وملاحدةً ومنافقين، ودعنا من اليهود والنصارى والصابئة والمجوس الذين كانوا يستظلون بظل الدولة الإسلامية آنذاك. ولا تنس الشيعة وكتابهم ومؤرخيهم، فما كانوا ليفلتوا مثل تلك الفرصة الخطيرة دون أن ينتهزوها ليشوهوا صورة عمر بن الخطاب، الذى لم يتركوا مثلبة إلا وألصقوها به وافْتَرَوْا عليه المفتريات التى لا تدخل العقل كما يعرف ذلك كل أحد، وكذلك عمرو بن العاص، الذى اتخذ جانب معاوية ضد على بن أبى طالب، لكننا ننظر فلا نلفى أحدا منهم ينبس ببنت شفة واحدة فى هذ الموضوع! ولو كان عمرو وعمر قد أحرقا مكتبة الإسكندرية لَطَنْطَنُوا بالزِّرَايَة عليهما والمقارنة بين هذين الكارِهَيْن للكتب والمكتبات وبين عَلِىّ بن أبى طالب باب مدينة العلم كما يصفونه، ولكن الشيعة لم يفعلوا، فما معناه؟ ثم فلنفترض أننا غضضنا النظر أيضا عن كل ما قلناه، فلم يا ترى ترك المسلمون ما كتبه عبد اللطيف البغدادى والقفطى فلم يحذفوه ما دام الحذف عندهم سهلا إلى هذا المدى؟
ثم بعد الانتهاء من خطوتنا الأولى نُثَنِّى بتحليل النص ذاته. وسوف أنقل ما كتبه كل واحد من الثلاثة اذين أوردوا فى كتبهم هذه الحكاية: فأما البغدادى فعبارته شديدة الإيجاز وتجرى على النحو التالى: "وفيها (أى فى دار العلم التى أنشأها الإسكندر الأكبر بمدينة الإسكندرية) كانت خزانة الكتب التى أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضى الله عنه"[2]. ولا ينبغى أن يفوتنا أن البغدادى كان مارا بمصر، إذ كان رحالة يجوب البلاد، ولم يكن من أهلها.
وأما ما كتبه القفطى فهو متاح فى المادة المخصصة ليحيى النحوى من كتابه: "تاريخ الحكماء"، وهو يجرى هكذا: "يحيى النحوى المصرى الإسكندرانى تلميذ شاوارى. كان أسقفا فى كنيسة الإسكندرية بمصر، ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية، ثم رجع عما يعتقده النصسارى فى التثليث لما قرأ كتب الحكمة واستحال عنده جًعْل الواحد ثلاثة، والثلاثة واحدا. ولما تحققت الأساقفة بمصر رجوعه عزَّ عليهم ذلك، فاجتمعوا إليه وناظروه، فغُلِب وزُيِّف طريقُه، فعَزَّ عليهم جهله واستعطفوه وآنسوه وسألوه الرجوع عما هو عليه وترك إظهار ما تحققه وناظرهم عليه، فلم يرجع، فأسقطوه من المنزلة التى هو فيها بعد خطوب جرت. وعاش إلى أنْ فتح عمرو مصر والإسكندرية، ودخل على عمرو، ورأى له موضعا، وسمع كلامه أيضا فى انقضاء البدهر، ففُتِن به وشاهد من حججه المنطقية، وسمع من ألفاظه الفلسفية التى لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر، فلازمه. وكان لا يكاد يفارقه، ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت حواصل الإسكندرية وختمتَ على كل الأصناف الموجودة بها: فأما ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع لكم به فنحن أولى به، فَأْمٌرْ بالإفراج عنه. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التى فى الخزائن الملوكية". ثم مضى يصف ما فيها من الكتب، ذاكرا من أنشأها ومن اعتنى بها... فـ"قال (عمرو): لا يمكننى أن آمر فيها إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قولَ يحيى الذى ذكرناه واستأذنه ماذا يصنع فيها. فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التى ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففى كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فى تفرقتها على حمامات الإسكندرية وإحراقها فى مواقدها. وذُكِرَت عِدّة الحمامات يومئذ، وأُنْسيتُها، فذكروا أنها استُنْفِدَتْ فى مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب!"[3].
ويبقى ابن العبرى، الذى كان يضع كلام القفطى أمام عينيه وهو يسطر ما كتبه، والذى لا يوجد فى النسخة السريانية من كتابه النص التالى الذى يتناول الموضوع ذاته: "وفى هذا الزمان (أى فى خلافة عمر بن الخطاب) اشتهر بين الإسلاميين يحيى المعروف عندنا بـ"غرماطيقوس"، أى النحوى. وكان إسكندريا يعتقد اعتقاد النصارى اليعقوبية ويشيد عقيدة ساورى. ثم رجع عما يعتقده النصارى فى التثليث، فاجتمع إليه الأساقفة بمصر وسألوه الرجوع عما هو عليه، فلم يرجع، فأسقطوه عن منزلته. وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية. ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التى لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ ففُتِنَ به. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه، وكان لا يفارقه. ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطتَ بحواصل الإسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها: فما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع به فنحن أولى به. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التى فى الخزائن الملوكية. فقال له عمرو: لا يمكننى أن آمر فيها إلا بعد استئذان عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قَوْلَ يحيى، فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التى ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففى كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فى تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها فى مواقدها، فاستُوقِدَتْ فى مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب"[4].
وبعدما أوردنا ما قاله كل من الثلاثة نشرع على بركة الله فى التحليل، فنقول: من المعروف أن يوحنا النحوى لم يكن عربيا، فلم يكن يعرف العربية من ثم، مثلما لم يكن ابن العاص مصريا، وعليه لم يكن يعرف اللغة المصرية، كما لم يكن يعرف أية لغة أخرى غير العربية يمكنه التخاطب من خلالها مع يوحنا النحوى، فكيف إذن كانا يتفاهمان؟ الحق أن أقصى ما يمكن أن نتخيله هو أن يكون يوحنا النحوى قد التقط بعض الكلمات والعبارات الأولية العربية فى تلك الأشهر القليلة جدا التى انقضت ما بين دخول العرب مصر وفتحهم الإسكندرية يستطيع بها أن يتبادل مع العرب التحية وما إلى ذلك من الموضوعات البسيطة التى لا تحوج صاحبها ولا مستمعها أبدا إلى التبحر فى اللغة كما يحدث للواحد منا حين يذهب إلى بريطانيا مثلا أو فرنسا، ولا يكون قد ألم بشىء ذى قيمة من لغة ذلك البلد، اللهم إلا بضع كلمات وعبارات تساعده على طلب الطعام أو السؤال عن الطريق مثلا. وقد جعلتُ يوحنا هو الذى يتعلم لغة العرب لأنهم هم الفاتحون، فمن الطبيعى أن يتعلم هو المصرىَّ لغةَ عمرو لا العكس. أما الكلام فى الفلسفة والعلوم الطبيعية والمفاهيم الفلسفية والعلمية الدقيقة فهذا هو المستحيل بعينه. فلو زدتَ على ذلك أن ابن العاص لم يكن مؤهلا بطبيعة ظروفه الثقافية أن يتابع مثل تلك المناقشات، كما لم تكن العربية قد تأهلت بعد لتسع الفلسفات والعلوم بمصطلحاتها الكثيرة المعقدة ونظرياتها ومفاهيمها العالية التى لم يكن للعرب بها أى عهد، وبالتالى لا يمكن المترجم، لو كان هناك مترجم، أن ينقل هذه المصطلحات والمفاهيم إلى العربية، لتبين لنا أن جريان مناقشة بين ابن العاص ويوحنا النحوى فى الموضوعات التى ذكر ابن العبرى أنهما كانا يتناقشان فيها أمر لا يتصوره من كان فى رأسه مُسْكَةٌ من عقل. ثم هل كان وقت ابن العاص، فى تلك الأيام المضطربة المملوءة بالقتال والمعاهدات والمؤامرات والترقب والقلق والتوجس ويُصْنَع فيها التاريخ صناعة، ليسمح بمثل تلك الجلسات والمناقشات التَّرَفِيّة، إن كان أمثاله فى ذلك الحين يميلون إليها؟
كذلك كان يوحنا، كما يُفْهَم من كلام القفطى وابن العبرى، قريبا جدا من دين المسلمين، إذ هو لا يؤمن بالتثليث ولا بالصليب، فمن المستبعد أن يرفض عمرو له طلبا كهذا كان يستطيع على الأقل أن يحققه له جزئيا فيتركه يأخذ من كتب المكتبة الإسكندرانية ما يكفى استعماله الشخصى مثلا دون أن يضر المسلمين ولا شخصه هو فى شىء بدلا من أن يعقّد المسألة كل هذا التعقيد الذى تصوره الرواية، وفى نفس الوقت يتألف قلبه ولا يخزيه أمام الآخرين ممن يدينون بالصليب والثالوث. على أن الطريف لى المسألة هو أن يوحنا إنما تحدث عن حاجته هو وأمثاله إلى تلك الكتب، لنفاجأ بابن الخطاب يتحدث كما لو كان العرض المقترح هو أن يستعملها المسلمون. ولكن ما دام لن يستعملها المسلمون، بل المصريون، فما معنى أن يقول إنها إن كانت توافق القرآن ففى القرآن غُنْيَةٌ عنها، وإن كانت تخالفه فلا يصحّ للمسلم قراءتها؟ إن ابن العاص يسأله عن شىء، فيجيبه هو عن شىء آخر لم يُسْتَفْتَ فيه ولا كان مطروحا أصلا للبحث. وفى أمثال العرب: "أُرِيها السُّهَا، وتُرِينى القمر"! ليس ذلك فحسب، إذ كان العرب لا يقدرون أصلا على استعمال المكتبة لأنهم لم يكونوا فى ذلك الطور من تاريخهم الثقافى مؤهَّلين للنظر فى كتبها ولا حتى لقراءتها مجرد قراءة لجهلهم اللغة المصرية أو اليونانية التى كُتِبَتْ بها. أى أنها، لو أبقى ابن العاص عليها، لن تشكّل لهم أى ضرر على الإطلاق. كما يلفت النظر فى كلام يوحنا قوله لعمرو: "ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع به فنحن أولى به"، فهل من المتصور أن يجرؤ يوحنا، مهما كان قربه من عمرو، على مخاطبة الفاتح المنتصر بهذه اللهجة، وكأنه كان قادرا على أن يعارض العرب فى شىء؟ وهل كان يوحنا من أهل السياسة حتى يفكر فى مفاوضة ابن العاص على هذا النحو؟ فمن فوّضه يا ترى فى الحديث عن أهل الإسكندرية؟ ودعنا من مصر كلها. بل هل كان هناك مجال للمفاوضة، وقد استسلمت الإسكندرية وتم الصلح وأُقِرَّت شروطه واتُّفِق فيه على كل شىء يتعلق بها؟ثم لماذا يتكلف عمرو مشقة متابعة نقل الكتب من المكتبة إلى حمامات المدينة بدلا من الأمر بحرقها فى مكان واحد؟ ولقد قام رفيق العظم بحساب الكتب التى تلزم لإيقاد النار فى حمامات الإسكندرية الأربعة الآلاف على أساس أن كل حمام يلزمه فى اليوم مائة مجلد، فوجد أن عدد الكتب فى مكتبة الإسكندرية ينبغى أن يكون اثنين وسبعين مليون مجلد. وأى مكتبة فى العالم تحتوى على هذا القدر من الكتب كما يقول بحق؟[5] ثم لماذا يتكلف عمرو مشقة متابعة نقل الكتب من المكتبة إلى حمامات المدينة بدلا من الأمر بحرقها فى مكان واحد؟ فإذا علمنا أن الرقوق، التى كانت تكتب عليها الكتب فى الغالب أوانذاك، لا تقبل الاشتعال كما يقول ألفرد بتلر فى الفصل الذى خصصه من كتابه عن فتح مصر لهذا الموضوع تبين لنا أن المسألة كلها لا تعدو أن تكون زوبعة فى كستبان لا فى فنجان إن كان للزوابع أن تهيج فى الفناجين والكستبانات!
وهذا كله إن كان عمرو بن العاص ويوحنا النحوى قد تقابلا أو حتى تعاصرا، اللهم إلا ثلاث سنوات تبدأ من ولادة عمرو وتنتهى بوفاة يوحنا، وكان بينهما من المسافة ما بين مصر والحجاز، ومن الثقافة ما بين فيلسوف ورجل دين مصرى فى القرن السادس الميلادى وبين رجل عربى كل ما يقدر عليه فى ميدان الثقافة هو القراءة والكتابة. أما والنحوى قد مات، وعمرو حديث عهد بالولادة[6]، فلا ريب أنه من المضحك القول بأنه كان بينهما بعد ذلك بعشرات السنين أى كلام بشأن المكتبة أو بشأن أى شىء آخر. ذلك أن الموتى لا يتكلمون، فضلا عن أن يتناقشوا فى الفلسفة والعقائد والمذاهب الدينية. أم هناك من يجادل فى تلك الحقيقة؟ ولقد تركت هذه المعلومة لآخر لحظة حتى يشعر القارئ بتفاهة الاتهام شعورا قويا لا ينساه مدى الدهر. أما لو كنت ألقيتها له منذ الوهلة الأولى لما أدرك قيمتها كما ينبغى، إذ إن ما نحصل عليه م بعد تعب وصعوبة أقوى فى الرسوخ فى الذاكرة وأبلغ فى البرهنة على ما نريد مما لو كنا حصلنا عليه بسهولة.
ومع ذلك كله فلسوف نمضى مع الاتهام نناقشه وكأننا لم نقم الدليل على سخفه ونسفناه نفسا. ولم لا؟ إنها لفرصة لعرض عظمة الإسلام ورجاله. وكم من نِقْمَةٍ حَوَتْ فى طَيِّها نعمةً بل نِعَمًا! أما بالنسبة إلى شخصية ابن العاص وابن الخطاب فقد كان كل منهما من القارئين الكاتبين القلائل قى مكة قبل الإسلام، فلم يكن أى منهما بالذى يجهل قيمة القراءة والكتابة والكتب. ولم يُعْرَف عن أى منهما تنطع ولا تنطس دينى من أى نوع. لقد كانا من رجال الدول الكبار الواسعى الأفق بحيث لا يمكن أن يتصورهما الإنسان واقفين ولو للحظة واحدة أمام موضوع المكتبة بوصفه يمثل أية مشكلة على الإطلاق: فأما ابن الخطاب فكان حاكم دولة عبقريا قوى الشخصية يغوص إلى أعماق الإسلام فى بصيرة نادرة وعقل متفتح وقلب شجاع مقدام لا يعرف سُخْف الصِّغَار من ضيقى الأفق الذين ينظرون إلى الدنيا والناس والدين من ثَقْب إبرة، بل كانت له آراؤه واجتهاداته اللوذعية العجيبة[7]. وكان طُلَعَةً يحب معرفة ما عند الآخرين، فكان يذهب على أيام النبى إلى اليهود ويخالطهم وينظر فى كتبهم، وإن كان التبى صلى الله عليه وسلم قد نهاه عن ذلك، لكن لا بد مع ذلك من مراعاة أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بحرق مثل تلك الكتب فى يوم من الأيام. كما ظل رضى الله عنه يروى شعر الجاهلية ويسمعه بعد الإسلام دون أى تحرج. والمعروف أنه كان عليما بتاريخ العرب وأيامها ومفاخر أنسابها وسائر أمثالها. أليس معنى ذلك إدراكه أن الثقافة غير محصورة بين دفتى المصحف رغم أن فى القرآن تبيانا لكل شىء؟ نعم فى القرآن تبيان لكل شىء، لكن من ناحية الخطوط العامة فلا يحتوى هو من ثم على التفصيلات إلا قليلا. ولو كان عمر بهذا الضيق فى التفكير لانتهز الفرصة التى واتته على طبق من ذهب من تلقاء نفسها ولصَلَّى فى كنيسة القيامة وصَيَّرها، أو أَوْعَز لرجاله أن يصيِّروها، مسجدا حين عرض عليه صفرنيوس بَطْريقُ القدس أن يؤدى فيها الصلاة لَدُنْ دخول وقتها، لكنه رضى الله عنه رفض وأصر على الصلاة خارجها رهبةَ أنْ يأتى المسلمون من بعده فيستولوا عليها ويجعلوها مسجدا بحجة أن عمر صلى فيها. فهل من يصل فى نبله وتجرده وكرمه وسعة أفقه وشفقته على عقائد المخالفين واحترامه لدور عبادتهم إلى هذا المدى البعيد يمكن أن يتدهدى إلى حضيض الغُشْم الذى تدّعيه تلك الرواية الفاشلة فيأمر بحرق مكتبة لا تضره ولا تضر المسلمين فى شىء؟ ثم إن المكتبات لم تكن بالنسبة لعُمَرَ وعَمْرٍو شيئا جديدا، إذ كان عند بعض الصحابة كتب، كسعد بن عُبَادة مثلا، الذى كانت له مكتبة خاصة صغيرة تحتوى، ضمن ما تحتوى، على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[8].
ومن هنا فلا معنى لما قاله جرجى زيدان، الذى يفترض أن المصادر الإسلامية المبكرة تكلمت عن هذا الموضوع، لكن المسلمين بعد تمدنهم حذفوا هذا الكلام تصورا منهم أنه يسىء إلى دينهم وكبار رجالهم[1]. إنها حجة غير مقبولة البتة لأن السكوت عن هذا الموضوع لا يقتصر على المصادر الإسلامية وحدها كما رأينا، فضلا عن أن المسلمين، على العكس مما يقول، كانوا لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلوها وأفاضوا فيها القول مهما كان من إساءتها إليهم حتى إننا لنشكو مُرَّ الشكوى من هذا الأمر الذى يستغله خصوم الإسلام الآن، وأرى أن المسلمين المتقدمين ما كانوا ليبالوا به أدنى بالة، إذ كانوا من القوة والعافية والثقة بأنفسهم وبدولتهم وتاريخهم ورجالهم بحيث ما كانوا ليفكروا فى هذه الاعتبارات. ولو افترضنا أنهم فعلا قد تصوروا فيما بعد أنها مسيئة إليهم لقد كان فى مناقشتهم لها وردهم على ما جاء فيها مندوحة واسعة بدلا من حذفها. ومعروف أن مناقشة الفكرة بفكرة مثلها كانت سُنَّة المسلمين، وإلا فكيف وصلت إلينا كتب الملاحدة والشكّاكين من المنتسبين إلى الإسلام، وكذلك كتب الفرق المختلفة التى يكذب بعضها بعضا وتتصور كل فرقة أنها هى وحدها الصواب؟ بل كيف وصلت إلينا كتب اليهود والنصارى التى هاجموا فيها الإسلام؟ وحتى لو غضضنا النظر عن ذلك وقلنا إن الحذف قد حصل فهو خاص بالنسخ الجديدة، أما القديمة فبقيت على حالها، اللهم إلا إذا زعمنا كذبا وبهتانا أن متولى رقابة المخطوطات داروا على أصحاب النسخ الجديدة واحدا واحدا فأعطوه نسخة جديدة وأخذوا منه القديمة ودمروها بحيث لا يتبقى منها أى أثر. ولنفترض أننا غضضنا البصر عن هذا أيضا أمن الممكن أن يتواطأ على ذلك المسلمون والمنتسبون إلى الإسلام جميعا سُنّةً وخوارجَ ومعتزلةً ومتصوفةً وملاحدةً ومنافقين، ودعنا من اليهود والنصارى والصابئة والمجوس الذين كانوا يستظلون بظل الدولة الإسلامية آنذاك. ولا تنس الشيعة وكتابهم ومؤرخيهم، فما كانوا ليفلتوا مثل تلك الفرصة الخطيرة دون أن ينتهزوها ليشوهوا صورة عمر بن الخطاب، الذى لم يتركوا مثلبة إلا وألصقوها به وافْتَرَوْا عليه المفتريات التى لا تدخل العقل كما يعرف ذلك كل أحد، وكذلك عمرو بن العاص، الذى اتخذ جانب معاوية ضد على بن أبى طالب، لكننا ننظر فلا نلفى أحدا منهم ينبس ببنت شفة واحدة فى هذ الموضوع! ولو كان عمرو وعمر قد أحرقا مكتبة الإسكندرية لَطَنْطَنُوا بالزِّرَايَة عليهما والمقارنة بين هذين الكارِهَيْن للكتب والمكتبات وبين عَلِىّ بن أبى طالب باب مدينة العلم كما يصفونه، ولكن الشيعة لم يفعلوا، فما معناه؟ ثم فلنفترض أننا غضضنا النظر أيضا عن كل ما قلناه، فلم يا ترى ترك المسلمون ما كتبه عبد اللطيف البغدادى والقفطى فلم يحذفوه ما دام الحذف عندهم سهلا إلى هذا المدى؟
ثم بعد الانتهاء من خطوتنا الأولى نُثَنِّى بتحليل النص ذاته. وسوف أنقل ما كتبه كل واحد من الثلاثة اذين أوردوا فى كتبهم هذه الحكاية: فأما البغدادى فعبارته شديدة الإيجاز وتجرى على النحو التالى: "وفيها (أى فى دار العلم التى أنشأها الإسكندر الأكبر بمدينة الإسكندرية) كانت خزانة الكتب التى أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضى الله عنه"[2]. ولا ينبغى أن يفوتنا أن البغدادى كان مارا بمصر، إذ كان رحالة يجوب البلاد، ولم يكن من أهلها.
وأما ما كتبه القفطى فهو متاح فى المادة المخصصة ليحيى النحوى من كتابه: "تاريخ الحكماء"، وهو يجرى هكذا: "يحيى النحوى المصرى الإسكندرانى تلميذ شاوارى. كان أسقفا فى كنيسة الإسكندرية بمصر، ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية، ثم رجع عما يعتقده النصسارى فى التثليث لما قرأ كتب الحكمة واستحال عنده جًعْل الواحد ثلاثة، والثلاثة واحدا. ولما تحققت الأساقفة بمصر رجوعه عزَّ عليهم ذلك، فاجتمعوا إليه وناظروه، فغُلِب وزُيِّف طريقُه، فعَزَّ عليهم جهله واستعطفوه وآنسوه وسألوه الرجوع عما هو عليه وترك إظهار ما تحققه وناظرهم عليه، فلم يرجع، فأسقطوه من المنزلة التى هو فيها بعد خطوب جرت. وعاش إلى أنْ فتح عمرو مصر والإسكندرية، ودخل على عمرو، ورأى له موضعا، وسمع كلامه أيضا فى انقضاء البدهر، ففُتِن به وشاهد من حججه المنطقية، وسمع من ألفاظه الفلسفية التى لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر، فلازمه. وكان لا يكاد يفارقه، ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت حواصل الإسكندرية وختمتَ على كل الأصناف الموجودة بها: فأما ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع لكم به فنحن أولى به، فَأْمٌرْ بالإفراج عنه. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التى فى الخزائن الملوكية". ثم مضى يصف ما فيها من الكتب، ذاكرا من أنشأها ومن اعتنى بها... فـ"قال (عمرو): لا يمكننى أن آمر فيها إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قولَ يحيى الذى ذكرناه واستأذنه ماذا يصنع فيها. فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التى ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففى كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فى تفرقتها على حمامات الإسكندرية وإحراقها فى مواقدها. وذُكِرَت عِدّة الحمامات يومئذ، وأُنْسيتُها، فذكروا أنها استُنْفِدَتْ فى مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب!"[3].
ويبقى ابن العبرى، الذى كان يضع كلام القفطى أمام عينيه وهو يسطر ما كتبه، والذى لا يوجد فى النسخة السريانية من كتابه النص التالى الذى يتناول الموضوع ذاته: "وفى هذا الزمان (أى فى خلافة عمر بن الخطاب) اشتهر بين الإسلاميين يحيى المعروف عندنا بـ"غرماطيقوس"، أى النحوى. وكان إسكندريا يعتقد اعتقاد النصارى اليعقوبية ويشيد عقيدة ساورى. ثم رجع عما يعتقده النصارى فى التثليث، فاجتمع إليه الأساقفة بمصر وسألوه الرجوع عما هو عليه، فلم يرجع، فأسقطوه عن منزلته. وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية. ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التى لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ ففُتِنَ به. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه، وكان لا يفارقه. ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطتَ بحواصل الإسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها: فما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع به فنحن أولى به. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التى فى الخزائن الملوكية. فقال له عمرو: لا يمكننى أن آمر فيها إلا بعد استئذان عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قَوْلَ يحيى، فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التى ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففى كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص فى تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها فى مواقدها، فاستُوقِدَتْ فى مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب"[4].
وبعدما أوردنا ما قاله كل من الثلاثة نشرع على بركة الله فى التحليل، فنقول: من المعروف أن يوحنا النحوى لم يكن عربيا، فلم يكن يعرف العربية من ثم، مثلما لم يكن ابن العاص مصريا، وعليه لم يكن يعرف اللغة المصرية، كما لم يكن يعرف أية لغة أخرى غير العربية يمكنه التخاطب من خلالها مع يوحنا النحوى، فكيف إذن كانا يتفاهمان؟ الحق أن أقصى ما يمكن أن نتخيله هو أن يكون يوحنا النحوى قد التقط بعض الكلمات والعبارات الأولية العربية فى تلك الأشهر القليلة جدا التى انقضت ما بين دخول العرب مصر وفتحهم الإسكندرية يستطيع بها أن يتبادل مع العرب التحية وما إلى ذلك من الموضوعات البسيطة التى لا تحوج صاحبها ولا مستمعها أبدا إلى التبحر فى اللغة كما يحدث للواحد منا حين يذهب إلى بريطانيا مثلا أو فرنسا، ولا يكون قد ألم بشىء ذى قيمة من لغة ذلك البلد، اللهم إلا بضع كلمات وعبارات تساعده على طلب الطعام أو السؤال عن الطريق مثلا. وقد جعلتُ يوحنا هو الذى يتعلم لغة العرب لأنهم هم الفاتحون، فمن الطبيعى أن يتعلم هو المصرىَّ لغةَ عمرو لا العكس. أما الكلام فى الفلسفة والعلوم الطبيعية والمفاهيم الفلسفية والعلمية الدقيقة فهذا هو المستحيل بعينه. فلو زدتَ على ذلك أن ابن العاص لم يكن مؤهلا بطبيعة ظروفه الثقافية أن يتابع مثل تلك المناقشات، كما لم تكن العربية قد تأهلت بعد لتسع الفلسفات والعلوم بمصطلحاتها الكثيرة المعقدة ونظرياتها ومفاهيمها العالية التى لم يكن للعرب بها أى عهد، وبالتالى لا يمكن المترجم، لو كان هناك مترجم، أن ينقل هذه المصطلحات والمفاهيم إلى العربية، لتبين لنا أن جريان مناقشة بين ابن العاص ويوحنا النحوى فى الموضوعات التى ذكر ابن العبرى أنهما كانا يتناقشان فيها أمر لا يتصوره من كان فى رأسه مُسْكَةٌ من عقل. ثم هل كان وقت ابن العاص، فى تلك الأيام المضطربة المملوءة بالقتال والمعاهدات والمؤامرات والترقب والقلق والتوجس ويُصْنَع فيها التاريخ صناعة، ليسمح بمثل تلك الجلسات والمناقشات التَّرَفِيّة، إن كان أمثاله فى ذلك الحين يميلون إليها؟
كذلك كان يوحنا، كما يُفْهَم من كلام القفطى وابن العبرى، قريبا جدا من دين المسلمين، إذ هو لا يؤمن بالتثليث ولا بالصليب، فمن المستبعد أن يرفض عمرو له طلبا كهذا كان يستطيع على الأقل أن يحققه له جزئيا فيتركه يأخذ من كتب المكتبة الإسكندرانية ما يكفى استعماله الشخصى مثلا دون أن يضر المسلمين ولا شخصه هو فى شىء بدلا من أن يعقّد المسألة كل هذا التعقيد الذى تصوره الرواية، وفى نفس الوقت يتألف قلبه ولا يخزيه أمام الآخرين ممن يدينون بالصليب والثالوث. على أن الطريف لى المسألة هو أن يوحنا إنما تحدث عن حاجته هو وأمثاله إلى تلك الكتب، لنفاجأ بابن الخطاب يتحدث كما لو كان العرض المقترح هو أن يستعملها المسلمون. ولكن ما دام لن يستعملها المسلمون، بل المصريون، فما معنى أن يقول إنها إن كانت توافق القرآن ففى القرآن غُنْيَةٌ عنها، وإن كانت تخالفه فلا يصحّ للمسلم قراءتها؟ إن ابن العاص يسأله عن شىء، فيجيبه هو عن شىء آخر لم يُسْتَفْتَ فيه ولا كان مطروحا أصلا للبحث. وفى أمثال العرب: "أُرِيها السُّهَا، وتُرِينى القمر"! ليس ذلك فحسب، إذ كان العرب لا يقدرون أصلا على استعمال المكتبة لأنهم لم يكونوا فى ذلك الطور من تاريخهم الثقافى مؤهَّلين للنظر فى كتبها ولا حتى لقراءتها مجرد قراءة لجهلهم اللغة المصرية أو اليونانية التى كُتِبَتْ بها. أى أنها، لو أبقى ابن العاص عليها، لن تشكّل لهم أى ضرر على الإطلاق. كما يلفت النظر فى كلام يوحنا قوله لعمرو: "ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع به فنحن أولى به"، فهل من المتصور أن يجرؤ يوحنا، مهما كان قربه من عمرو، على مخاطبة الفاتح المنتصر بهذه اللهجة، وكأنه كان قادرا على أن يعارض العرب فى شىء؟ وهل كان يوحنا من أهل السياسة حتى يفكر فى مفاوضة ابن العاص على هذا النحو؟ فمن فوّضه يا ترى فى الحديث عن أهل الإسكندرية؟ ودعنا من مصر كلها. بل هل كان هناك مجال للمفاوضة، وقد استسلمت الإسكندرية وتم الصلح وأُقِرَّت شروطه واتُّفِق فيه على كل شىء يتعلق بها؟ثم لماذا يتكلف عمرو مشقة متابعة نقل الكتب من المكتبة إلى حمامات المدينة بدلا من الأمر بحرقها فى مكان واحد؟ ولقد قام رفيق العظم بحساب الكتب التى تلزم لإيقاد النار فى حمامات الإسكندرية الأربعة الآلاف على أساس أن كل حمام يلزمه فى اليوم مائة مجلد، فوجد أن عدد الكتب فى مكتبة الإسكندرية ينبغى أن يكون اثنين وسبعين مليون مجلد. وأى مكتبة فى العالم تحتوى على هذا القدر من الكتب كما يقول بحق؟[5] ثم لماذا يتكلف عمرو مشقة متابعة نقل الكتب من المكتبة إلى حمامات المدينة بدلا من الأمر بحرقها فى مكان واحد؟ فإذا علمنا أن الرقوق، التى كانت تكتب عليها الكتب فى الغالب أوانذاك، لا تقبل الاشتعال كما يقول ألفرد بتلر فى الفصل الذى خصصه من كتابه عن فتح مصر لهذا الموضوع تبين لنا أن المسألة كلها لا تعدو أن تكون زوبعة فى كستبان لا فى فنجان إن كان للزوابع أن تهيج فى الفناجين والكستبانات!
وهذا كله إن كان عمرو بن العاص ويوحنا النحوى قد تقابلا أو حتى تعاصرا، اللهم إلا ثلاث سنوات تبدأ من ولادة عمرو وتنتهى بوفاة يوحنا، وكان بينهما من المسافة ما بين مصر والحجاز، ومن الثقافة ما بين فيلسوف ورجل دين مصرى فى القرن السادس الميلادى وبين رجل عربى كل ما يقدر عليه فى ميدان الثقافة هو القراءة والكتابة. أما والنحوى قد مات، وعمرو حديث عهد بالولادة[6]، فلا ريب أنه من المضحك القول بأنه كان بينهما بعد ذلك بعشرات السنين أى كلام بشأن المكتبة أو بشأن أى شىء آخر. ذلك أن الموتى لا يتكلمون، فضلا عن أن يتناقشوا فى الفلسفة والعقائد والمذاهب الدينية. أم هناك من يجادل فى تلك الحقيقة؟ ولقد تركت هذه المعلومة لآخر لحظة حتى يشعر القارئ بتفاهة الاتهام شعورا قويا لا ينساه مدى الدهر. أما لو كنت ألقيتها له منذ الوهلة الأولى لما أدرك قيمتها كما ينبغى، إذ إن ما نحصل عليه م بعد تعب وصعوبة أقوى فى الرسوخ فى الذاكرة وأبلغ فى البرهنة على ما نريد مما لو كنا حصلنا عليه بسهولة.
ومع ذلك كله فلسوف نمضى مع الاتهام نناقشه وكأننا لم نقم الدليل على سخفه ونسفناه نفسا. ولم لا؟ إنها لفرصة لعرض عظمة الإسلام ورجاله. وكم من نِقْمَةٍ حَوَتْ فى طَيِّها نعمةً بل نِعَمًا! أما بالنسبة إلى شخصية ابن العاص وابن الخطاب فقد كان كل منهما من القارئين الكاتبين القلائل قى مكة قبل الإسلام، فلم يكن أى منهما بالذى يجهل قيمة القراءة والكتابة والكتب. ولم يُعْرَف عن أى منهما تنطع ولا تنطس دينى من أى نوع. لقد كانا من رجال الدول الكبار الواسعى الأفق بحيث لا يمكن أن يتصورهما الإنسان واقفين ولو للحظة واحدة أمام موضوع المكتبة بوصفه يمثل أية مشكلة على الإطلاق: فأما ابن الخطاب فكان حاكم دولة عبقريا قوى الشخصية يغوص إلى أعماق الإسلام فى بصيرة نادرة وعقل متفتح وقلب شجاع مقدام لا يعرف سُخْف الصِّغَار من ضيقى الأفق الذين ينظرون إلى الدنيا والناس والدين من ثَقْب إبرة، بل كانت له آراؤه واجتهاداته اللوذعية العجيبة[7]. وكان طُلَعَةً يحب معرفة ما عند الآخرين، فكان يذهب على أيام النبى إلى اليهود ويخالطهم وينظر فى كتبهم، وإن كان التبى صلى الله عليه وسلم قد نهاه عن ذلك، لكن لا بد مع ذلك من مراعاة أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بحرق مثل تلك الكتب فى يوم من الأيام. كما ظل رضى الله عنه يروى شعر الجاهلية ويسمعه بعد الإسلام دون أى تحرج. والمعروف أنه كان عليما بتاريخ العرب وأيامها ومفاخر أنسابها وسائر أمثالها. أليس معنى ذلك إدراكه أن الثقافة غير محصورة بين دفتى المصحف رغم أن فى القرآن تبيانا لكل شىء؟ نعم فى القرآن تبيان لكل شىء، لكن من ناحية الخطوط العامة فلا يحتوى هو من ثم على التفصيلات إلا قليلا. ولو كان عمر بهذا الضيق فى التفكير لانتهز الفرصة التى واتته على طبق من ذهب من تلقاء نفسها ولصَلَّى فى كنيسة القيامة وصَيَّرها، أو أَوْعَز لرجاله أن يصيِّروها، مسجدا حين عرض عليه صفرنيوس بَطْريقُ القدس أن يؤدى فيها الصلاة لَدُنْ دخول وقتها، لكنه رضى الله عنه رفض وأصر على الصلاة خارجها رهبةَ أنْ يأتى المسلمون من بعده فيستولوا عليها ويجعلوها مسجدا بحجة أن عمر صلى فيها. فهل من يصل فى نبله وتجرده وكرمه وسعة أفقه وشفقته على عقائد المخالفين واحترامه لدور عبادتهم إلى هذا المدى البعيد يمكن أن يتدهدى إلى حضيض الغُشْم الذى تدّعيه تلك الرواية الفاشلة فيأمر بحرق مكتبة لا تضره ولا تضر المسلمين فى شىء؟ ثم إن المكتبات لم تكن بالنسبة لعُمَرَ وعَمْرٍو شيئا جديدا، إذ كان عند بعض الصحابة كتب، كسعد بن عُبَادة مثلا، الذى كانت له مكتبة خاصة صغيرة تحتوى، ضمن ما تحتوى، على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[8].
[1] انظر جرجى زيدان/ تاريخ التمدن الإسلامى/ 3/ 49.
1 عبد اللطيف البغدادى/ رحلة عبد اللطيف البغدادى فى مصر أو كتاب "الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهَدة والحوادث المعايَنة بأرض مصر"/ ط2/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1998م/ 98.
[3]جمال الدين القفطى/ تاريخ الحكماء/ كتب خانه آصفية سركار/ حيدر أباد دكن/ 354- 356.
[4] غوريغوريوس بن أهرون المعروف بـ"ابن العبرى"/ مختصر تاريخ الدول/ تحقيق أنطون صالحانى اليسوعى/ ط2/ دار الرائد اللبنانى/ بيروت/ 1415هـ / 1994م / 175- 176.
[5] انظر رفيق العظم/ أشهر مشاهير الإسلام فى الحروب والسياسة/ ط2/ دار ا لفكر العربى/ 1972- 1973م/ 572.
[6] ولد ابن العاص عام 573م (انظر المادة الخاصة به فى "الويكيبيديا" العربية والإنجليزية، وكذلك "الموسوعة العربية العالمية"، التى أخرت ولادته عاما آخر)، ومات يوحنا النحوى فى عام 570م (انظر مادة "John Philoponus" فى "Stanford Encyclopaedia of Philosophy"، و"الويكيبيديا" فى طبعتها الإنجليزية مثلا). وقد تنبه ألفرد بتلر إلى هذه الحجة المزلزلة قبل ذلك بوقت طويل فى كتابه: "Arab Conquest of Egypt". لكنه لم يسق تواريخ وفاة يوحنا وميلاد عمرو بن العاص كما فعلت أنا هنا، بل اعتمد شيئا من التقريب والتخمين.
[7] من ذلك مثلا أنه كان يرى قتل محاربى بدر بدلا من اتخاذهم أسرى والحصول على فدية منهم، على خلاف أبى بكر، ونزل القرآن يعضد موقفه. وكان من رأيه ألا يصلى النبى عليه السلام على زعيم المنافقين بالمدينة حين مات، على حين كان الرسول يميل إلى الصلاة عليه، لعل وعسى، إذ لم يكن القرآن قد حسم النهى عن الصلاة على الرجل. ثم نزل القرآن بكلام شديد فى حق كبيير المنافقين ناهيا النبى بصورة قاطعة عن أن يصلى عليه. كما أوقف رضى الله عنه حد السرقة فى عام المجاعة. بل إنه هدد سيد الغلامين اللذين سرقا الناقة وذبحاها وأكلاها فى تلك الظروف بأنهما إذا عادا لمثل ذلك فسيكون العقاب من نصيبه هو بدلا منهما لأنه يجوّعهما، فهو إذن المتسبب فى السرقة، أما هما فمضطران، وليس على المضطر عقوبة. ومن ذلك أيضا أنه رأى ذات يوم شيخا يهوديا يسأل الناس، فأعطاه من الصدقات كفقراء المسلمين، قائلا إنه ممن يستتحقون الصدقة لأنه من المساكين، أى فقراء أهل الكتاب. ثم زاد فأسقط عن أمثاله الجزية. كما فرض عطاءً لكل مولودٍ لقيطٍ كالابن الشرعى سواء بسواء. وحين عزم على القدوم إلى الشام سمع بأن بها طاعونا، فاتخذ قراره بعدم الذهاب، مما أثار استغراب بعض الصحابة فسألوه: أتفر من قضاء الله؟ فكان جوابه العبقرى: نعم أفر من قضائه إلى قضائه. وقطع الشجرة التى تمت عندها بيعة الرضوان بين النبى وصحابته عندما رأى بعض الناس يتبركون بها، مخافة من توثينها...
[8] انظر مقالا منشورا بموقع "جمعية آل البيت الخيرية" عنوانه:"تاريخ المكتبات عند المسلمين- خزانة الخلفاء العباسين ببغداد (بيت الحكمة) أنموذجا".وقد يتنطع متنطع فيقول مثلا إن عمر إنما كان فى ذهنه، حين أمر بحرق المكتبة، قوله تعالى: "ونزّلنا عليك الكتاب تِبْيَانًا لكل شىء"، لكن هل يعقل أن يكون عمر أقل فهما لتلك الآية ممن سئل فى مصر فى العصر الحديث من قِبَل بعض المشككين: أين نجد فى القرآن الجواب عن السؤال الخاص بعدد الأرغفة التى تنتجها أفران القاهرة؟ إذ رد المسؤول على الفور: الجواب موجود فى قوله تعالى: "واسألوا أهل الذِّكْر إن كنتم لا تعلمون". فالقرآن لم يغفل الجواب عن مثل هذا السؤال، إذ بين لنا أين نجده. وكل ما هو مطلوب منا فى هذه الحالة أن نذهب إلى المتخصصين المسؤولين عن أفران القاهرة ونسألهم عن ذلك، وسوف يمدوننا بالجواب المطلوب لأنهم أهل الذِّكْر فى هذه النقطة.
1 عبد اللطيف البغدادى/ رحلة عبد اللطيف البغدادى فى مصر أو كتاب "الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهَدة والحوادث المعايَنة بأرض مصر"/ ط2/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1998م/ 98.
[3]جمال الدين القفطى/ تاريخ الحكماء/ كتب خانه آصفية سركار/ حيدر أباد دكن/ 354- 356.
[4] غوريغوريوس بن أهرون المعروف بـ"ابن العبرى"/ مختصر تاريخ الدول/ تحقيق أنطون صالحانى اليسوعى/ ط2/ دار الرائد اللبنانى/ بيروت/ 1415هـ / 1994م / 175- 176.
[5] انظر رفيق العظم/ أشهر مشاهير الإسلام فى الحروب والسياسة/ ط2/ دار ا لفكر العربى/ 1972- 1973م/ 572.
[6] ولد ابن العاص عام 573م (انظر المادة الخاصة به فى "الويكيبيديا" العربية والإنجليزية، وكذلك "الموسوعة العربية العالمية"، التى أخرت ولادته عاما آخر)، ومات يوحنا النحوى فى عام 570م (انظر مادة "John Philoponus" فى "Stanford Encyclopaedia of Philosophy"، و"الويكيبيديا" فى طبعتها الإنجليزية مثلا). وقد تنبه ألفرد بتلر إلى هذه الحجة المزلزلة قبل ذلك بوقت طويل فى كتابه: "Arab Conquest of Egypt". لكنه لم يسق تواريخ وفاة يوحنا وميلاد عمرو بن العاص كما فعلت أنا هنا، بل اعتمد شيئا من التقريب والتخمين.
[7] من ذلك مثلا أنه كان يرى قتل محاربى بدر بدلا من اتخاذهم أسرى والحصول على فدية منهم، على خلاف أبى بكر، ونزل القرآن يعضد موقفه. وكان من رأيه ألا يصلى النبى عليه السلام على زعيم المنافقين بالمدينة حين مات، على حين كان الرسول يميل إلى الصلاة عليه، لعل وعسى، إذ لم يكن القرآن قد حسم النهى عن الصلاة على الرجل. ثم نزل القرآن بكلام شديد فى حق كبيير المنافقين ناهيا النبى بصورة قاطعة عن أن يصلى عليه. كما أوقف رضى الله عنه حد السرقة فى عام المجاعة. بل إنه هدد سيد الغلامين اللذين سرقا الناقة وذبحاها وأكلاها فى تلك الظروف بأنهما إذا عادا لمثل ذلك فسيكون العقاب من نصيبه هو بدلا منهما لأنه يجوّعهما، فهو إذن المتسبب فى السرقة، أما هما فمضطران، وليس على المضطر عقوبة. ومن ذلك أيضا أنه رأى ذات يوم شيخا يهوديا يسأل الناس، فأعطاه من الصدقات كفقراء المسلمين، قائلا إنه ممن يستتحقون الصدقة لأنه من المساكين، أى فقراء أهل الكتاب. ثم زاد فأسقط عن أمثاله الجزية. كما فرض عطاءً لكل مولودٍ لقيطٍ كالابن الشرعى سواء بسواء. وحين عزم على القدوم إلى الشام سمع بأن بها طاعونا، فاتخذ قراره بعدم الذهاب، مما أثار استغراب بعض الصحابة فسألوه: أتفر من قضاء الله؟ فكان جوابه العبقرى: نعم أفر من قضائه إلى قضائه. وقطع الشجرة التى تمت عندها بيعة الرضوان بين النبى وصحابته عندما رأى بعض الناس يتبركون بها، مخافة من توثينها...
[8] انظر مقالا منشورا بموقع "جمعية آل البيت الخيرية" عنوانه:"تاريخ المكتبات عند المسلمين- خزانة الخلفاء العباسين ببغداد (بيت الحكمة) أنموذجا".وقد يتنطع متنطع فيقول مثلا إن عمر إنما كان فى ذهنه، حين أمر بحرق المكتبة، قوله تعالى: "ونزّلنا عليك الكتاب تِبْيَانًا لكل شىء"، لكن هل يعقل أن يكون عمر أقل فهما لتلك الآية ممن سئل فى مصر فى العصر الحديث من قِبَل بعض المشككين: أين نجد فى القرآن الجواب عن السؤال الخاص بعدد الأرغفة التى تنتجها أفران القاهرة؟ إذ رد المسؤول على الفور: الجواب موجود فى قوله تعالى: "واسألوا أهل الذِّكْر إن كنتم لا تعلمون". فالقرآن لم يغفل الجواب عن مثل هذا السؤال، إذ بين لنا أين نجده. وكل ما هو مطلوب منا فى هذه الحالة أن نذهب إلى المتخصصين المسؤولين عن أفران القاهرة ونسألهم عن ذلك، وسوف يمدوننا بالجواب المطلوب لأنهم أهل الذِّكْر فى هذه النقطة.
تعليق