الناس في كل زمان تراهم مُغْرمين بالغريب من الحكايات، والعجيب من القصص والروايات، ولو كان فيها من الكذب على الفاضلين والفاضلات، أو الخدش في أعراض الصالحين والصالحات = ما يَنْدَى له جبين الزمان خَجَلا !
فإذا اتَّفق أنْ وقعتْ لبعض الأماثل هفوة، أو صدرتْ منه زلَّة، أو تقوَّل بعضهم عليه بعض الأباطيل ! أو سعى لترويج ما يحكيه عنه الدهماء من الأسمار والأفاعيل = فإنهم يضجُّون بها ويزْعَقُون ! ويستروحون بِتِرْدَاد المنكرات ويمرحون! غير ناظرين إلى أن الله سائلُ المفتري عما اقترفتْه يداه ؟! وناقمٌ على الجاني بما يُفْسِد عليه آخرتَه ودنياه !
وليست نقمةُ الجبار على المفتري والجاني، بأقل من غضبه على الـمُرَوِّج لأكاذيبهما فيما يُعاني، بل لكلٍ قِسْطٌٌ من الغضب، ونصيبٌ من معاينة الشقاء والعطَب.
فما أضلَّ سبيل ممن لم يهتدِ إلى الترويج لنفسه وبضاعته إلا بالتكذُّب وتوليد الحكايات الساقطات، وتركيبها على ألسنة الطاهرين والطاهرات ! بما يكون وصمة عارٍ في نواصي الـجُناة، وعلامة خُسْرانٍ في أنوف الطالبين للشُّهْرة والجاه في تلكم الحياة !
فيا بُؤْس حال من أراد شراء دنياه فلم يجد دون المقايضة عليها بِدِينِه ! ويا خيبة آمال من رام طلب الكمال بالنهوض على عِرْض ضحيَّته بعد الخوض في دمه وتمزيق سيرته وقطْعِه لِنِياطِ وتِينِه ! غافلا عن أن الله سوف يُحْصي عليه أعماله ويُعيد . وما ربك بظلام للعبيد.
ومن تلك الأساطير السائرة : تلك الأسطورة الشائعة بين الناس قديمًا وحديثًا، والتي تدور رحاها حول شغَف عبد الرحمن القَسِّ وتعلُّقِ قلْبه بـ: ( المغَنِّية سلامة ؟! ) وما سلامة ؟!
وما كانت سلامة إلا جارية تشدو بصوتها في أندية السَّكَارى من الحب والهوى! وتصدحُ بنشيج غنائها في سامر الغرْقَى من تباريح الشوق والجوَى !
أما عبد الرحمن هذا : فهو ابن عبد الله بن أبى عمار القرشى المكى الإمام الناسك العابد القانت الصالح القدوة، كان يُلقَّب بـ ( القَسِّ ) لكثرة تعبده وتألُّه آناء الليل وأطراف النهار، كما كان ذلك دَيْدنَ الرهبان والقساوسة في تلك الأزمان وما قبلها.
وقد كان عبد الرحمن هذا: تابعيا جليلا، سمع من جابر بن عبد الله الأنصاري، وذكروا له رواية عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى له الجماعة إلا البخاري وحده !
ولم يتكلم فيه أحد بشيء، بل وثقوه وأثنوا عليه خيرًا.
نعم: هناك كلمة طائشة لبعض النقاد المتأخرين بشأنه ! وقد رددنا عليها في مكان آخر.
إذا عرفتَ هذا: فاعلم أن جميع ما يذكرونه عنه في كتب التاريخ والأدب والأسمار كلها حكايات سمجة لا تثبت عنه، ولا يصح منها شيء قط !
وقد استقرأتُ تلك الحكايات وتتبعتها من بطون الكتب والدفاتر فإذا هي مدخولة الأسانيد كلها ! معلولة بالضعف والانقطاع والجهالة وصنوف العلل !
ومن أشهر تلك الحكايات:
تابع البقية: ....
تعليق