حطم قيودك واخرج من أقسى سجن في الدنيا
موقع صيد الفوائد
هل تعلم أنّ في هذه الدنيا سجن دون سجان وقضبان ولا حكم قضاة، إنّه "سجن الأفكار السلبية".. وهو أقسى سجون الدنيا، حيث أنّ المتهم متوهم أنّه مجرم فسجن نفسه ظلماً فكان متهماً وقاضياً في الوقت نفسه!.
ماذا نعني بسجين الافكار السلبية؟
هو ذلك الشخص الذي نحتت في ذهنه فكرة سلبية فأثرت على مناحي حياته، كأن يعتقد أنّه "ضعيف الشخصية"، أو أن "الناس تكرهه"، أو أنه "فاشل في الحياة" أو أن "شكله غير جذاب"، أو أنه "لا يستطيع التحدث أمام الناس".. إلخ.
وهذه مشاكل تعالج بسهولة بإذن الله.. إلا أنّ الخطورة تكمن حين تتعدى هذه الفكرة حدودها، فتُعطى أكثر مما تستحق، وتُحمل أكثر مما تحتمل، وهذا ما يسمى: "التعميم السلبي".
مثال..
كان لي زميل في الدراسة الجامعية.. مشكلته تكمن في أنّه لا يستطيع أن يقرأ أمام زملائه، وأحسب أن هذه المشكلة قد أثرت سلباً عليه.. حيث يمضي جلّ وقته وحيداً، حزيناً، ويوم ترى أسنانه تحسبه عيداً!
إن أخذ الأمور بجدية في بعض الأحيان يكون ذا ضرر كبير، فنحتاج أن نأخذ الأمور ببساطة، فكان بإمكان زميلي أن يعرض مشكلته على أهل الاختصاص، ولا يجعل تلك الحصة تؤرقه سائر الدوام.. بل سائر سنوات الدراسة.. وأبشركم أنه تخلص من مشكلته تلك بهذا الأسلوب.
قال ادونيس: أقسى السجون تلك التي لا جدران لها.
ومضة..
من أجمل شعر التفاؤل والبشر ما ذكره التائه عن درب الهداية إيليا أبو ماضي:
قال: الليالي جرّعتني علقمـــــاً --- قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقمـــا
فلعلّ غيرك إن رآك مرنمـــــا --- طرح الكآبة جانباً وترنمـــــــا
أتراك تغنم بالتبرم درهمــــــا --- أم أنت تخسر بالبشاشة مغنمــــا؟
ياصاح! لا خطرعلى شفتيــك أن --- تتثلما والوجهِ أن يتحطمـــــــا
فاضحك فإنّ الشّهب تضحك والدّجى --- متلاطم ولذا نحب الأنجمـــــــا!
قال: البشاشة ليس تُسعد كائنــــاً --- يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغمــــا
قلت: ابتسم مادام بينـــك والردى --- شبر فإنك بعدُ لن تتبسمـــــــا
* لن..
لن تصل إلى الحياة السعيدة المنشودة، طالما أن الأفكار السلبية تعشعش في ذهنك تصول وتجول، واعلم أن الأمر يسير، إن استعنت بالعزيز القدير، فالإنسان بطبعه ضعيف فقير، إن استغنى بالغني أغناه، وإن استقوى بالقوي قوّاه، وإن سأل الكريم أعطاه.. قال الله جل جلاله: ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا).
وفي الحديث القدسي: أن الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى ينزل كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: منْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.
أتهزأ بالدعاءِ وتزدَريـــــــهِ --- وما تدري بما صنع الدعـــــاءُ!
ولك أيها المبارك وأيتها الكريمة حين ترد على الخاطر أي فكرة سلبية أحد أمرين:
أن تشغل نفسك بأشياء أخرى إيجابية، تصرفك عن التفكير بذاك الأمر السلبي الذي تكره، وهذا يُخرج على قول الشافعي رحمه الله: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.. وكذاك الأمر هنا إن لم تشغل نفسك بأمور ايجابية وعشت بفراغ ذهني، فستثقل كاهلك الخواطر السلبية التي ستتحول لا محالة إلى سلوك.. وما أجمل أن تجعل الآخرة همك.
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت الدنيا همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه ضيعته ولم يأته منها إلا ما كتب له منها ومن كانت الآخرة همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي جعل الله عز وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة
ألاّ تجعل لها مكاناً في خاطرك أصلاً، ففي اليوم الواحد تغزو الذهن مئات الأفكار، منها السلبي، وهو الغالب، ومنها الإيجابي، فإذا كان في خاطرك مائة فكرة سلبية في اليوم، فهذا يعني مائة سلوك سيئ، فلا بد أن تقمعها، وتعلن حظر التجول، وتضع على باب عقلك لوحة تكتب عليها:
يمنع منعا باتا دخول الأفكار السلبية..
كتب فرانك أوتلو: راقب أفكارك، لأنها ستصبح أفعالا، راقب أفعالك، لأنها ستصبح عادات، راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك.
من هنا يعلم أنّ الاشتغال بالباطن أولى من الظاهر، فمتى صلح الباطن صلح الظاهر، ومدار أعمال الباطن على القلب الذي تعقل به، قال حبينا النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ"، فاملئ القلب حباً وتفاؤلاً وأفكار إيجابية، وأحسن الظن بالله وقال الله عز وجل: "أن عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء".
* قاعدة:
( الشيء الذي تفكر فيه تحصل عليه )، (أفكار الأمس هي حقائق اليوم، وأفكار اليوم هي حقائق الغد)، فتنبه!
يقول واين داير: ما يفكر فيه الناس، ويتحدثون عنه يتزايد ويصبح أفعالاً.
فكرة سلبية + تعميم سلبي = سلوكاً سلبياً
فكرة سلبية + قمع + نظرة إيجابية = سلوكاً إيجابياً
* حياتك لحظة.. حياتك قرار
لا بد أن تضع تفتت أفكارك السلبية بديناميت التفاؤل والأمل قبل تفتك بك، فأنت عبارة عن أفكار، وفكرك هو سلوكك، فحين تقرر في داخلك أن تكون لطيفا لينا فستكون، وإن قررت أن تكون فظا غليظ القلب فستكون، وحين تقرر أن تصبح ناجحا ستصبح وكما قيل: بداية طريق النجاح حين تقرر أن تكون ناجحاً.
يقول د. هلمستتر: "إن ما تضعه في ذهنك سواء كان سلبيا أو إيجابيا ستجنيه في النهاية".
إذاً حياتك كلها عبارة عن لحظة، أو قرار تتخذه في لحظة
ومن هنا نجد أنّ الصحابة تحولوا من الضيق إلى السعة، ومن الكفر إلى الإيمان وتحولت حياتهم رأساً على عقب بلحظة، بقرار، يسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فينطلق داعياً، فيكون سبباً في إسلام عدد من كبار الصحابة.
مثال توضيح آخر عمر الفاروق رضي الله عنه، بلحظة يغير معتقداً وسلوكاً، فعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك.
فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر).
فائدة..
قد يتبادر إلى الذهن كيف استطاع عمر رضي الله عنه أن يجعل حب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حبه لنفسه.. وهذا أمر ليس بالهين فحب المرء نفسه فطرة، ليس باللفظ يأتي ويذهب!
يقول الخطابي رحمه الله.. في تعليق بديع، وفهم جليل دقيق لهذا الحديث: حبّ الإنسان لنفسه طبع، يعني: كل واحد جبل على أن يحب نفسه، وحب الإنسان لغيره اختيار بتوسط الأسباب.
وإنما طلب النبي من عمر رضي الله عنه حب الاختيار، فلمّا نظر عمر في توسط الأسباب، أي: في حب الاختيار، علم أن النبي كان سبب نجاته من النار؛ وحينئذٍ قال: (لأنت أحب إلي من نفسي).
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام لـــه --- وأنت أحييت أجيالاً من الرمــــــم
* الدنيا ليست جنّة.. انظر الى الجميل
أراد رجل أن يبيع بيته وينتقل إلى بيت أفضل، فذهب إلى أحد أصدقائه وهو رجل أعمال وخبير أعمال التسويق، وطلب منه أن يساعده، في كتابة إعلان لبيع البيت، وكان الخبير يعرف البيت جيداً، فكتب وصفاً مفصلاً له، أشاد فيه بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة، ووصف التصمييم الهندسي الرائع ثم تحدث عن الحديقة الغناء، وحمام السباحة.. إلخ.
وقرأ كلمات الاعلان على صاحب المنزل الذي أصغى إليه في اهتمام شديد، وقال: أرجوك أعد قراءة الاعلان!
وحين أعاد الكاتب القراءة صاح الرجل يا له من بيت رائع، ثم ابتسم قائلاً من فضلك لا تنشر الاعلان فبيتي غير معروض للبيع!
فلا بد لك أيها الحبيب أن تنظر إلى الأجمل، وإن كان ليس كل ما في الدنيا جميلا.
كن جميلا ترى الوجود جميلا
أيها المبتلى أيتها الممتحنة، الدنيا ليست جنة، والناس ليسوا ملائكة، وفيها التعب والكدّ، قال الله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، والانسان يشمل المؤمن والكافر، وكما أنّ المؤمن يبتلى ويمتحن، فالكافر كذلك يصيبه الضيق والنكد، قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى). والمسلم صاحب الذنوب، يتألم ويضيق صدره، فالذنوب جراحات ورب جرح أصاب في مقتل، ولله در ابن المبارك إذ يقول:
رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانهـــــا
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانهــــــا
ثم اعلم أن أهل الطاعة والاستقامة يتألمون في طريقهم إلى الله، فهو طريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى، وأُلْقِي في النار إبراهيم، وقتل زكريا، وشُجَّ فيه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وطُعن عمر، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي ، وجلدت ظهور الأئمة..
حكم المنية في البرية جاري --- ما هذه الدنيا بدار قـــرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبراً --- ألفيته خبراً من الأخبـــار
طبعت على كدر وأنت تريدها --- صفواً من الأقذار والأكـدار!
ثم اعلم أن المؤمن المستقيم في خير عظيم وطمأنينة ونعيم، وحياة طيبة سعيدة، قال الله جل جلاله:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).
وقال الله عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
ذاق طعمها إبراهيم بن أدهمَ فقال: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليه بالسيوف". وتلذّذ بها شيخ الإسلام بن تيمية ولله درّه حين يقول: "والله، إنه لتمرّ بالقلب ساعات يرقص فيها طربًا فأقول: لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش رغيد".
ختاماً..
بطبيعة الإنسان أن تغزوه الأفكار السلبية، قال الله جل جلاله: (إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)،أي: إنه لنعم ربه لجحود كفور، يعدد المصائب وينسى نعم ربه.
وقد أجرت إحدى الجامعات في كاليفورنا دراسة على التحديث مع الذات عام 1983، وتوصلت إلى أن أكثر من 80% من الذي نقوله لأنفسنا يكون سلبيا، ويعمل ضد مصلحتنا.
فجاهد نفسكك، واستمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واعلم أن التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك.. والخذلان كل الخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك.
والسائر الى الله له جناحين لا يمكن أن يسير بدونهما:
1- مشاهدة المنة
2- مطالعة عيب النفس والعمل
وهذا معنى قوله صلى الله عليه و سلم: سيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
فجمع في قوله صلي الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي: مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل
فكن إيجابياً وتفكر في نعم الله، واشكرها، بثلاثة:
- أن تحدث بها نفسك
- أن تشكر بلسانك وجوارحك
- أن لا تعصي الله عز وجل.
هل تعلم أنّ في هذه الدنيا سجن دون سجان وقضبان ولا حكم قضاة، إنّه "سجن الأفكار السلبية".. وهو أقسى سجون الدنيا، حيث أنّ المتهم متوهم أنّه مجرم فسجن نفسه ظلماً فكان متهماً وقاضياً في الوقت نفسه!.
ماذا نعني بسجين الافكار السلبية؟
هو ذلك الشخص الذي نحتت في ذهنه فكرة سلبية فأثرت على مناحي حياته، كأن يعتقد أنّه "ضعيف الشخصية"، أو أن "الناس تكرهه"، أو أنه "فاشل في الحياة" أو أن "شكله غير جذاب"، أو أنه "لا يستطيع التحدث أمام الناس".. إلخ.
وهذه مشاكل تعالج بسهولة بإذن الله.. إلا أنّ الخطورة تكمن حين تتعدى هذه الفكرة حدودها، فتُعطى أكثر مما تستحق، وتُحمل أكثر مما تحتمل، وهذا ما يسمى: "التعميم السلبي".
مثال..
كان لي زميل في الدراسة الجامعية.. مشكلته تكمن في أنّه لا يستطيع أن يقرأ أمام زملائه، وأحسب أن هذه المشكلة قد أثرت سلباً عليه.. حيث يمضي جلّ وقته وحيداً، حزيناً، ويوم ترى أسنانه تحسبه عيداً!
إن أخذ الأمور بجدية في بعض الأحيان يكون ذا ضرر كبير، فنحتاج أن نأخذ الأمور ببساطة، فكان بإمكان زميلي أن يعرض مشكلته على أهل الاختصاص، ولا يجعل تلك الحصة تؤرقه سائر الدوام.. بل سائر سنوات الدراسة.. وأبشركم أنه تخلص من مشكلته تلك بهذا الأسلوب.
قال ادونيس: أقسى السجون تلك التي لا جدران لها.
ومضة..
من أجمل شعر التفاؤل والبشر ما ذكره التائه عن درب الهداية إيليا أبو ماضي:
قال: الليالي جرّعتني علقمـــــاً --- قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقمـــا
فلعلّ غيرك إن رآك مرنمـــــا --- طرح الكآبة جانباً وترنمـــــــا
أتراك تغنم بالتبرم درهمــــــا --- أم أنت تخسر بالبشاشة مغنمــــا؟
ياصاح! لا خطرعلى شفتيــك أن --- تتثلما والوجهِ أن يتحطمـــــــا
فاضحك فإنّ الشّهب تضحك والدّجى --- متلاطم ولذا نحب الأنجمـــــــا!
قال: البشاشة ليس تُسعد كائنــــاً --- يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغمــــا
قلت: ابتسم مادام بينـــك والردى --- شبر فإنك بعدُ لن تتبسمـــــــا
* لن..
لن تصل إلى الحياة السعيدة المنشودة، طالما أن الأفكار السلبية تعشعش في ذهنك تصول وتجول، واعلم أن الأمر يسير، إن استعنت بالعزيز القدير، فالإنسان بطبعه ضعيف فقير، إن استغنى بالغني أغناه، وإن استقوى بالقوي قوّاه، وإن سأل الكريم أعطاه.. قال الله جل جلاله: ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا).
وفي الحديث القدسي: أن الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى ينزل كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: منْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.
أتهزأ بالدعاءِ وتزدَريـــــــهِ --- وما تدري بما صنع الدعـــــاءُ!
ولك أيها المبارك وأيتها الكريمة حين ترد على الخاطر أي فكرة سلبية أحد أمرين:
أن تشغل نفسك بأشياء أخرى إيجابية، تصرفك عن التفكير بذاك الأمر السلبي الذي تكره، وهذا يُخرج على قول الشافعي رحمه الله: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.. وكذاك الأمر هنا إن لم تشغل نفسك بأمور ايجابية وعشت بفراغ ذهني، فستثقل كاهلك الخواطر السلبية التي ستتحول لا محالة إلى سلوك.. وما أجمل أن تجعل الآخرة همك.
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت الدنيا همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه ضيعته ولم يأته منها إلا ما كتب له منها ومن كانت الآخرة همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي جعل الله عز وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة
ألاّ تجعل لها مكاناً في خاطرك أصلاً، ففي اليوم الواحد تغزو الذهن مئات الأفكار، منها السلبي، وهو الغالب، ومنها الإيجابي، فإذا كان في خاطرك مائة فكرة سلبية في اليوم، فهذا يعني مائة سلوك سيئ، فلا بد أن تقمعها، وتعلن حظر التجول، وتضع على باب عقلك لوحة تكتب عليها:
يمنع منعا باتا دخول الأفكار السلبية..
كتب فرانك أوتلو: راقب أفكارك، لأنها ستصبح أفعالا، راقب أفعالك، لأنها ستصبح عادات، راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك.
من هنا يعلم أنّ الاشتغال بالباطن أولى من الظاهر، فمتى صلح الباطن صلح الظاهر، ومدار أعمال الباطن على القلب الذي تعقل به، قال حبينا النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ"، فاملئ القلب حباً وتفاؤلاً وأفكار إيجابية، وأحسن الظن بالله وقال الله عز وجل: "أن عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء".
* قاعدة:
( الشيء الذي تفكر فيه تحصل عليه )، (أفكار الأمس هي حقائق اليوم، وأفكار اليوم هي حقائق الغد)، فتنبه!
يقول واين داير: ما يفكر فيه الناس، ويتحدثون عنه يتزايد ويصبح أفعالاً.
فكرة سلبية + تعميم سلبي = سلوكاً سلبياً
فكرة سلبية + قمع + نظرة إيجابية = سلوكاً إيجابياً
* حياتك لحظة.. حياتك قرار
لا بد أن تضع تفتت أفكارك السلبية بديناميت التفاؤل والأمل قبل تفتك بك، فأنت عبارة عن أفكار، وفكرك هو سلوكك، فحين تقرر في داخلك أن تكون لطيفا لينا فستكون، وإن قررت أن تكون فظا غليظ القلب فستكون، وحين تقرر أن تصبح ناجحا ستصبح وكما قيل: بداية طريق النجاح حين تقرر أن تكون ناجحاً.
يقول د. هلمستتر: "إن ما تضعه في ذهنك سواء كان سلبيا أو إيجابيا ستجنيه في النهاية".
إذاً حياتك كلها عبارة عن لحظة، أو قرار تتخذه في لحظة
ومن هنا نجد أنّ الصحابة تحولوا من الضيق إلى السعة، ومن الكفر إلى الإيمان وتحولت حياتهم رأساً على عقب بلحظة، بقرار، يسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فينطلق داعياً، فيكون سبباً في إسلام عدد من كبار الصحابة.
مثال توضيح آخر عمر الفاروق رضي الله عنه، بلحظة يغير معتقداً وسلوكاً، فعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك.
فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر).
فائدة..
قد يتبادر إلى الذهن كيف استطاع عمر رضي الله عنه أن يجعل حب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حبه لنفسه.. وهذا أمر ليس بالهين فحب المرء نفسه فطرة، ليس باللفظ يأتي ويذهب!
يقول الخطابي رحمه الله.. في تعليق بديع، وفهم جليل دقيق لهذا الحديث: حبّ الإنسان لنفسه طبع، يعني: كل واحد جبل على أن يحب نفسه، وحب الإنسان لغيره اختيار بتوسط الأسباب.
وإنما طلب النبي من عمر رضي الله عنه حب الاختيار، فلمّا نظر عمر في توسط الأسباب، أي: في حب الاختيار، علم أن النبي كان سبب نجاته من النار؛ وحينئذٍ قال: (لأنت أحب إلي من نفسي).
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام لـــه --- وأنت أحييت أجيالاً من الرمــــــم
* الدنيا ليست جنّة.. انظر الى الجميل
أراد رجل أن يبيع بيته وينتقل إلى بيت أفضل، فذهب إلى أحد أصدقائه وهو رجل أعمال وخبير أعمال التسويق، وطلب منه أن يساعده، في كتابة إعلان لبيع البيت، وكان الخبير يعرف البيت جيداً، فكتب وصفاً مفصلاً له، أشاد فيه بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة، ووصف التصمييم الهندسي الرائع ثم تحدث عن الحديقة الغناء، وحمام السباحة.. إلخ.
وقرأ كلمات الاعلان على صاحب المنزل الذي أصغى إليه في اهتمام شديد، وقال: أرجوك أعد قراءة الاعلان!
وحين أعاد الكاتب القراءة صاح الرجل يا له من بيت رائع، ثم ابتسم قائلاً من فضلك لا تنشر الاعلان فبيتي غير معروض للبيع!
فلا بد لك أيها الحبيب أن تنظر إلى الأجمل، وإن كان ليس كل ما في الدنيا جميلا.
كن جميلا ترى الوجود جميلا
أيها المبتلى أيتها الممتحنة، الدنيا ليست جنة، والناس ليسوا ملائكة، وفيها التعب والكدّ، قال الله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، والانسان يشمل المؤمن والكافر، وكما أنّ المؤمن يبتلى ويمتحن، فالكافر كذلك يصيبه الضيق والنكد، قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى). والمسلم صاحب الذنوب، يتألم ويضيق صدره، فالذنوب جراحات ورب جرح أصاب في مقتل، ولله در ابن المبارك إذ يقول:
رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانهـــــا
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانهــــــا
ثم اعلم أن أهل الطاعة والاستقامة يتألمون في طريقهم إلى الله، فهو طريق شاق طويل، ناح فيه نوح، وذبح يحيى، وأُلْقِي في النار إبراهيم، وقتل زكريا، وشُجَّ فيه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وطُعن عمر، وضرج عثمان بدمائه، وقُتل علي ، وجلدت ظهور الأئمة..
حكم المنية في البرية جاري --- ما هذه الدنيا بدار قـــرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبراً --- ألفيته خبراً من الأخبـــار
طبعت على كدر وأنت تريدها --- صفواً من الأقذار والأكـدار!
ثم اعلم أن المؤمن المستقيم في خير عظيم وطمأنينة ونعيم، وحياة طيبة سعيدة، قال الله جل جلاله:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).
وقال الله عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
ذاق طعمها إبراهيم بن أدهمَ فقال: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليه بالسيوف". وتلذّذ بها شيخ الإسلام بن تيمية ولله درّه حين يقول: "والله، إنه لتمرّ بالقلب ساعات يرقص فيها طربًا فأقول: لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش رغيد".
ختاماً..
بطبيعة الإنسان أن تغزوه الأفكار السلبية، قال الله جل جلاله: (إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)،أي: إنه لنعم ربه لجحود كفور، يعدد المصائب وينسى نعم ربه.
وقد أجرت إحدى الجامعات في كاليفورنا دراسة على التحديث مع الذات عام 1983، وتوصلت إلى أن أكثر من 80% من الذي نقوله لأنفسنا يكون سلبيا، ويعمل ضد مصلحتنا.
فجاهد نفسكك، واستمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واعلم أن التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك.. والخذلان كل الخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك.
والسائر الى الله له جناحين لا يمكن أن يسير بدونهما:
1- مشاهدة المنة
2- مطالعة عيب النفس والعمل
وهذا معنى قوله صلى الله عليه و سلم: سيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
فجمع في قوله صلي الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي: مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل
فكن إيجابياً وتفكر في نعم الله، واشكرها، بثلاثة:
- أن تحدث بها نفسك
- أن تشكر بلسانك وجوارحك
- أن لا تعصي الله عز وجل.
تعليق