تجهيز الأرض لحياة الإنسان

تقليص

عن الكاتب

تقليص

مصطفى سيف مسلم اكتشف المزيد حول مصطفى سيف
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى سيف
    2- عضو مشارك

    • 30 ماي, 2010
    • 210
    • عبادة الرحمن
    • مسلم

    تجهيز الأرض لحياة الإنسان

    تجهيز الأرض لحياة الإنسان




    مصداقاً لقوله تعالي :{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ـ الأعراف10}

    1- جاء في تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب :

    من هنا تبدأ الرحلة الكبرى . . تبدأ بتمهيد عن تمكين الله للجنس البشري في الأرض , كحقيقة مطلقة , وذلك قبل أن تبدأ قصة البشرية تفصيلاً .
    (ولقد مكناكم في الأرض , وجعلنا لكم فيها معايش , قليلاً ما تشكرون):
    إن خالق الأرض وخالق الناس , هو الذي مكن لهذا الجنس البشري في الأرض . هو الذي أودع الأرض هذه الخصائص والموافقات الكثيرة التي تسمح بحياة هذا الجنس وتقوته وتعوله , بما فيها من أسباب الرزق والمعايش . .
    هو الذي جعلها مقراً صالحاً لنشأته بجوها وتركيبها وحجمها وبعدها عن الشمس والقمر , ودورتها حول الشمس , وميلها على محورها , وسرعة دورتها . . إلى آخر هذه الموافقات التي تسمح بحياة هذا الجنس عليها . وهو الذي أودع هذه الأرض من الأقوات والأرزاق ومن القوى والطاقات ما يسمح بنشأة هذا الجنس وحياته , وبنمو هذه الحياة ورقيها معا . . وهو الذي جعل هذا الجنس سيد مخلوقات هذه الأرض , قادراً على تطويعها واستخدامها ; بما أودعه الله من خصائص واستعدادات للتعرف إلى بعض نواميس هذا الكون وتسخيرها في حاجته . .
    ولولا تمكين الله للإنسان في الأرض بهذا وذلك , ما استطاع هذا المخلوق الضعيف القوة أن "يقهر الطبيعة " كما يعبر أهل الجاهلية قديماً وحديثاً ! ولا كان بقوته الذاتية قادراً على مواجهة القوى الكونية الهائلة الساحقة !
    إن التصورات الجاهلية الإغريقية والرومانية هي التي تطبع تصورات الجاهلية الحديثة . . هي التي تصور الكون عدواً للإنسان ; وتصور القوى الكونية مضادة لوجوده وحركته ; وتصور الإنسان في معركة مع هذه القوى - بجهده وحده - وتصور كل تعرف إلى النواميس الكونية , وكل تسخير لها "قهراً للطبيعة " في المعركة بينها وبين الجنس الإنساني ! إنها تصورات سخيفة , فوق أنها تصورات خبيثة !
    لو كانت النواميس الكونية مضادة للإنسان , عدوة له , تتربص به , وتعاكس اتجاهه , وليس وراءها إرادة مدبرة - كما يزعمون - ما نشأ هذا الإنسان أصلاً ! وإلا فكيف كان ينشأ ؟ كيف ينشأ في كون معاد بلا إرادة وراءه ? ولما استطاع المضي في الحياة على فرض أنه وجد ! وإلا فكيف يمضي والقوى الكونية الهائلة تعاكس اتجاهه ? وهي - بزعمهم - التي تصرف نفسها ولا سلطان وراء سلطانها ?
    إن التصور الإسلامي وحده هو الذي يمضي وراء هذه الجزئيات ليربطها كلها بأصل شامل متناسق . . إن الله هو الذي خلق الكون , وهو الذي خلق الإنسان . وقد اقتضت مشيئته وحكمته أن يجعل طبيعة هذا الكون بحيث تسمح بنشأة هذا الإنسان , وأودع الإنسان من الاستعدادات ما يسمح له بالتعرف إلى بعض نواميس الكون واستخدامها في حاجته . . وهذا التناسق الملحوظ هو الجدير بصنعة الله الذي أحسن كل شيء خلقه . ولم يجعل خلائقه متعاكسة متعادية متدابرة !
    وفي ظل هذا التصور يعيش "الإنسان" في كون مأنوس صديق ; وفي رعاية قوة حكيمة مدبرة . . يعيش مطمئن القلب , مستروح النفس , ثابت الخطو , ينهض بالخلافة عن الله في الأرض في اطمئنان الواثق بأنه معانٌ على الخلافة ; ويتعامل مع الكون بروح المودة والصداقة ; ويشكر الله كلما اهتدى إلى سر من أسرار الوجود ; وكلما تعرف إلى قانون من قوانينه التي تعينه في خلافته ; وتيسر له قدراً جديداً من الرقي والراحة والمتاع .
    إن هذا التصور لا يكفه عن الحركة لاستطلاع أسرار الوجود والتعرف إلى نواميسه . . على العكس , هو يشجعه ويملأ قلبه ثقة وطمأنينة . . إنه يتحرك في مواجهة كون صديق لا يبخل عليه بأسراره , ولا يمنع عنه مدده وعونه . . وليس في مواجهة كون عدو يتربص به ويعاكس اتجاهاته ويسحق أحلامه وآماله !
    إن مأساة "الوجودية " الكبرى هي هذا التصور النكد الخبيث . . تصور الوجود الكوني - بل الوجود الجماعي للبشرية ذاتها - معاكساً في طبيعته للوجود الفردي الإنساني , متجهاً بثقله الساحق إلى سحق هذا الوجود الإنساني ! إنه تصور بائس لا بد أن ينشىء حالة من الانزواء والانكماش والعدمية ! أو ينشىء حالة من الاستهتار والتمرد والفردية ! وفي كلتا الحالتين لا يكون إلا القلق المضني ! والبؤس النفسي والعقلي , والشرود في التيه:تيه التمرد , أو تيه العدم . . وهما سواء . .
    وهي ليست مأساة "الوجودية " وحدها من مذاهب الفكر الأوربي . إنها مأساة الفكر الأوربي كله - بكل مذاهبه واتجاهاته - بل مأساة الجاهلية كلها في جميع أزمانها وبيئاتها . المأساة التي يضع الإسلام حداً لها بعقيدته الشاملة , التي تنشىء في الإدراك البشري تصوراً صحيحاً لهذا الوجود , وما وراءه من قوة مدبرة .
    إن "الإنسان" هو ابن هذه الأرض ; وهو ابن هذا الكون . لقد أنشأه الله من هذه الأرض , ومكنه فيها , وجعل له فيها أرزاقا ومعايش , ويسر له المعرفة التي تسلمه مفاتيحها ; وجعل نواميسها موافقة لوجود هذا الإنسان , تساعده - حين يتعرف إليها على بصيرة - وتيسر حياته . . ولكن الناس قليلاً ما يشكرون . . ذلك أنهم في جاهليتهم لا يعلمون . . وحتى الذين يعلمون لا يملكون أن يوفوا نعمة الله عليهم حقها من الشكر , وأنى لهم الوفاء ? لولا أن الله يقبل منهم ما يطيقون:وهؤلاء وهؤلاء ينطبق عليهم بهذين الاعتبارين قوله تعالى:
    (قليلاً ما تشكرون).

    2- وجاء في تفسير القرطبي :

    أي جعلناها لكم قرارا ومهادا , وهيأنا لكم فيها أسباب المعيشة . والمعايش جمع معيشة , أي ما يتعيش به من المطعم والمشرب وما تكون به الحياة . يقال : عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة . وقال الزجاج : المعيشة ما يتوصل به إلى العيش . ومعيشة في قول الأخفش وكثير من النحويين مفعلة . وقرأ الأعرج : " معائش " بالهمز . وكذا روى خارجة بن مصعب عن نافع . قال النحاس : والهمز لحن لا يجوز ; لأن الواحدة معيشة , أصلها معيشة , فتزيدت ألف الوصل وهي ساكنة والياء ساكنة , فلا بد من تحريك إذ لا سبيل إلى الحذف , والألف لا تحرك فحركت الياء بما كان يجب لها في الواحد . ونظيره من الواو منارة ومناور , ومقام ومقاوم ; كما قال الشاعر : وإني لقوام مقاوم لم يكن جرير ولا مولى جرير يقومها وكذا مصيبة ومصاوب . هذا الجيد , ولغة شاذة مصائب . قال الأخفش : إنما جاز مصائب ; لأن الواحدة معتلة . قال الزجاج : هذا خطأ يلزمه عليه أن يقول مقائم . ولكن القول أنه مثل وسادة وإسادة . وقيل : لم يجز الهمز في معايش لأن المعيشة مفعلة ; فالياء أصلية , وإنما يهمز إذا كانت الياء زائدة مثل مدينة ومدائن , وصحيفة وصحائف , وكريمة وكرائم , ووظيفة ووظائف , وشبهه .

    3- وجاء في تفسير ابن كثير:

    يقول تعالى ممتنا على عبيده فيما مكن لهم من أنه جعل الأرض قرارا وجعل فيها رواسي وأنهارا وجعل لهم فيها منازل وبيوتا وأباح لهم منافعها وسخر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها وجعل لهم فيها معايش أي مكاسب وأسبابا يكسبون بها ويتجرون فيها ويتسببون أنواع الأسباب وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك كقوله " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار " وقد قرأ الجميع معايش بلا همز إلا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فإنه همزها والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز لأن معايش جمع معيشة من عاش يعيش عيشا ومعيشة أصلها معيشة فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى العين فصارت معيشة فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال فقيل معايش ووزنه مفاعل لأن الياء أصلية في الكلمة بخلاف مدائن وصحائف وبصائر جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من مدن وصحف وأبصر فإن الياء فيها زائدة ولهذا تجمع على فعائل وتهمز لذلك والله أعلم .

    4- ولقد إشتملت الآية الكريمة على :

    أ‌- تمكين الله الإنسان في الأرض : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ } و) المكان) عند أهل اللغة: الموضع الحاوي للشيء، وعند بعض المتكلمين أنه عرض، وهو اجتماع جسمين حاو ومحوي، وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا بالمحوي، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين. قال: (مكانا سوى( [طه/58]، (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا) [الفرقان/13] ويقال: مكنته ومكنت له فتمكن، قال: (ولقد مكناكم في الأرض) [الأعراف/ 10]، (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) [الأحقاف/26]، (أو لم نمكن لهم( [القصص/57]، (ونمكن لهم في الأرض) [القصص/6]، (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) [النور/55]، وقال: (في قرار مكين) [المؤمنون/13]. وأمكنت فلانا من فلان، ويقال: مكان ومكانة. قال تعالى: (اعملوا على مكانتكم) [هود/93] وقرئ: (على مكاناتكم) (وبها قرأ شعبة عن عاصم. انظر: الإتحاف ص 260)، وقوله: (ذي قوة عند ذي العرش مكين) [التكوير/ 20] أي: متمكن ذي قدر ومنزلة. ومكنات الطير ومكناتها: مقاره، والمكن: بيض الضب، و (بيض مكنون) [الصافات/49]. قال الخليل (العين 5/387) : المكان مفعل من الكون، ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال (وهذا النقل عن التهذيب 10/294.وقال ثعلب: يبطل أن يكون مكان فعالا؛ لأن العرب تقول: كن مكانك، وقم مكانك، واقعد مقعدك. فقد دل هذا على أنه مصدر من (كان) أو موضع منه. انظر: اللسان (مكن) )، فقيل: تمكن وتمسكن، نحو: تمنزل.
    ب‌- جعل الله للإنسان معيشة في الأرض : { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } ومفردها) العيش): الحياة المختصة بالحيوان، وهو أخص من الحياة؛ لأن الحياة تقال في الحيوان، وفي الباري تعالى، وفي الملك، ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه. قال تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) [الزخرف/32]، (معيشة ضنكا) [طه/124]، (لكم فيها معايش) [الأعراف/ 10]، (وجعلنا لكم فيها معايش) [الحجر/20]. وقال في أهل الجنة: (فهو في عيشة راضية) [القارعة/7]، وقال عليه السلام: (لا عيش إلا عيش الآخرة) (عن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار يوم الخندق:نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة) رواه البخاري 7/90 في فضائل الصحابة؛ ومسلم 1805؛ وأحمد 3/170).

    4- وهناك إشارات قرآنية للإنتفاع بالأرض :

    أ -عن طريق الإنتفاع بالثروات الطبيعية :
    فلقد عرف علماءُ الاقتصاد الإنتاجَ بأنه: "خلْقُ الثروة عن طريق استغلال الإنسان للمواردِ الطبيعية التي توجَدُ في البيئة التي يعيش فيها".
    والموارد الطبيعية هي هِباتُ اللهِ في الطبيعة التي يمكنُ أنْ تتحوَّل إلى ثروة، وتتمثل في الموارد النباتية والحيوانية والبحرية والتعدينية المتمثلة في صخورِ الأرض ومعادنِها المختلفة، وهناك مواردُ أخرى يمكن أن تتحولَ إلى ثروة مثل الموارد الشَّمسية والجاذبية،
    وإذا نظرْنَا إلى القرآن الكريم وجدناه يدفعُنا دفعًا إلى استغلالِ هذه الموارد، وينبِّه عقولَنا، ويلفتُ أنظارَنا بقوة إلى هذا الكون المحيط بنا: بمائِه وهوائه، وبحارِه وأنهاره، ونباتِه وحيوانه وجماده، وشمسِه وقمره، وليلِه ونهاره، كلُّ ذلك مسخرٌ لمنفعة الإنسان.
    وعلى الإنسان أنْ ينتفع بما سخَّر الله له، إنْ كان من أهل العلم والتفكُّر والتذكر، يقول تعالى:
    - ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32 – 34].
    - ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20].
    - ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13]. - ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾.
    و تسخيرِ ما في السموات والأرض للآدميين(قال الزجاج): أي الانتفاع بها، فمن مخلوقات السَّموات المسخَّرة لبني آدم - أي: التي ينتفعون بها - الشمسُ والقمرُ والنجومُ ونحو ذلك، ومن جملة ذلك: الملائكة؛ فإنهم حفظةٌ لبني آدم بأمر الله - سبحانه - ومن مخلوقات الأرض المسخرة لبني آدم: الأحجارُ والتراب، والزرعُ والشجر، والثمرُ والحيوانات التي ينتفعون بها، والعشبُ الذي يرعون فيه دوابَّهم، وغير ذلك مما لا يُحصى كثرةً.
    والمراد بالتسخير جعلُ المسخَّرِ بحيث ينتفعُ به المسخَّرُ له، سواء كان مُنقادًا له وداخلاً تحت تصرُّفه أم لا، ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾؛ أي: أتمَّ وأكمل عليكم نعمَه، يُقال: سبغت النعمة: إذا تمتْ وكملت، والنعم جمع نعمة .
    والنِّعم الظاهرة: هى ما تُدرك بالعقل أو الحسِّ ويعرفه من يتعرَّفه، وقيل هى: الصِّحة وكمال الخلق, وقيل هى: ما يُرى بالأبصار من المال والجاه والجمال وفعل الطاعات, وقيل هى نِعَم الدُّنيا وقيل هى: الإسلام والجمال.
    والنعم الباطنة: المعرفة والعقل، ما لا يُدرك للناس، ويَخْفى عليهم ، وقيل هى: ما يجده المرءُ في نفسه من العلم بالله وحسنِ اليقين، وما يدفعُه الله عن العبد من الآفات، ، وقيل هى: نِعم الآخرة، ، وقيل هى: ما ستره اللهُ على العبد من الأعمال السيئة ـ انظر: "فتح القدير" (ج 5 / ص 492) ـ.

    ب - ومن مصادر الثروات:
    • الثروة الحيوانية: كقوله تعالي:
    - ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ... ﴾ [النحل: 5].
    - ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ [النحل: 66].
    - ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [النحل: 80].

    • الثروة النباتية: كقوله تعالي:
    - ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 10، 11].
    - ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 67 – 69].

    • الثروة البحرية: كقوله تعالي:
    - ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 14].
    وهو إشارة قرآنية إلى نعمة البحرِ وأحيائِه التي تلبِّي ضرورياتِ الإنسان وحاجاتِه؛ فمنه اللحمُ الطري من السَّمك وغيره للطعام، إلى جوار الحِلْية من اللؤلؤ والمرْجان، وغيرهما من الأصدافِ والقواقع التي يتحلَّى بها النَّاسُ، وكذلك الفُلْك التي تُستعمل للركوب والانتقال.

    • الثروة المعدنية كقوله تعالي:
    - ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ
    شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].
    لا يخفى ما في الحديد من المنافع للناس، وقد أشار اللهُ إلى ذلك في قوله: ﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ
    ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ ﴾ [الرعد: 17]؛ لأنَّ مما يوقد عليه في النار ابتغاء المتاع - الحديدَ"، وهو قوةٌ
    في الحرب والسِّلم، بل إنَّ الحضارة البشرية في عصورها المختلفة تقوم على الحديد.
    - ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ
    قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 96، 97]،
    والقِطْر: هو النُّحاس المذاب .
    ـ ﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ﴾ [سبأ: 12].

    جـ - والانتفاع بالثروات الظاهرة والباطنة(الخافية):
    موقوفٌ على العلم والعمل؛ العلمِ القائمِ على التَّفكر واستخدامِ العقل الذي ميَّز اللهُ به الإنسان، ونعني بالعلمِ الخصصى في شؤون المعرفة ومجالات الحياة، ومن أوضحِ الآيات على ذلك:
    - ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 27-28].
    وهاتان الآيتان اشتملتا على علمِ النبات وما يتعلَّقُ به، علمِ الجيولوجيا وما يتصِلُ به، وعلمِ الحيوان
    بأقسامِه، وكذلك علم الإنسان، ثمَّ ختم الآيةَ بقوله: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
    غَفُورٌ ﴾ .
    - ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
    لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].

    5- وفقهاء المسلمين يقرِّرون :
    أ‌- أنَّ كل علم تحتاج إليه الأمة في أمر دينها ودنياها فرضُ كفاية؛ إذا قام به البعضُ سقطَ عن الباقين، وإنْ لم يقُم به أحدٌ، فإنَّ الأمةَ جميعها تبوء بالإثم، كلٌّ حسب مسؤوليتِه وقدرته، فنصيب ولي الأمر من الإثم أكبر من نصيب العامة، وكذلك نصيب أهل العلم أكبر من غيرِهم.
    ب‌- أمَّا العمل، فواجبٌ وحق حتى يحققَ الإنسان الكفاية لنفسِه وأهله ومجتمعه.
    فالعلم يتبعه عمل دائبٌ متواصل في مناكب الأرض؛ لاستخراج خباياها، والانتفاع بثرواتها، والأكلِ من رزق الله
    فيها، قال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾[الملك: 15]....
    كما أنَّ الله تعالى منذ خلقَ الأرضَ وضع فيها كلَّ ما يحتاجه الإنسان، فأرض الله لا تضيق بخلق الله، وقد تكفَّل الخالقُ برزقهم فيها، غير أنَّ هذا مرهونٌ بالسعي كما ذكرت الآيات: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 10]....
    ومن مشى في مناكب الأرض وانتشر فيها، وابتغى من فضلِ الله، كان جديرًا أنْ يأكل من رزق الله، ومن قعد وتواكَلَ - فردًا كان أو أمة - كان حريًّا أنْ يصيبَه الحرمان والفقر، فسنة الله لا تتبدَّل ولا تتغير، فلا يستوي عند الله القاعدون والعاملون:﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].

    ومما سبق يتضح أن الله الذي هو الذي مكن الإنسان في الأرض وجعل له فيها معايش لايمكن أن تنضب نعمه طالما هناك حياة للإنسان في الأرض مصداقا لقوله تعالي:
    - {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ـ الأعراف10}.
    - {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين ٍـ هود6}.
    - {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُوم ٍـ الحجر21}.
    - {وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ـ فصلت10}.
    وعلى ذلك فإن ندرة الموارد ـ أو كما يطلقون عليه"شح الطبيعة" ـ لا يرجع إلى نقص فيها على مستوى البشر ككل، وإنما إلى أسلوب استغلال الإنسان لها، سواء بتعطيلها وإهدارها أو لسوء استغلالها وعدم الاستفادة الكاملة منها، أو الصراع من أجل الاستيلاء عليها والاستئثار بها .
    وهذا معناه أن المصادر الغذائية لعباد الله على الأرض مقدرة ولن تنفد، فقد تكفل الله عز وجل برزق من لا يقدر على حمل الرزق وتخزينه من الحيوانات، وذلك بقوله:"وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(العنكبوت:60)، فكيف بمن يستطيع ذلك من بني البشر الذين كلفهم بحمل الأمانة، وقد تكفل لهم بالمتاع إلى يوم القيامة بقوله:"وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين"(البقرة:36)، والمتاع هو كل ما ينتفع به من موارد الطبيعة، إلا أنه يجب على الإنسان أن يتحقق من ذلك ويسعى في الأرض يسخر قوانين الله الكونية للحصول عليها.
    وهذه الرؤية الإسلامية تختلف تمام الاختلاف مع ما ذهب إليه علماء واقتصادي الغرب .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
  • sara94
    2- عضو مشارك
    • 9 سبت, 2011
    • 220
    • طالبة
    • مسلم

    #2
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

    تعليق

    • مصطفى سيف
      2- عضو مشارك

      • 30 ماي, 2010
      • 210
      • عبادة الرحمن
      • مسلم

      #3
      شكرا لك أخت سارة وجزاكي الله خير الجزاء

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 15 يون, 2024, 04:22 م
      ردود 0
      28 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة وداد رجائي
      بواسطة وداد رجائي
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 ينا, 2021, 05:31 ص
      ردود 2
      172 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة د. نيو, 27 نوف, 2020, 06:25 م
      ردود 4
      105 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د. نيو
      بواسطة د. نيو
      ابتدأ بواسطة أحمد محمد أحمد السبر, 23 يول, 2020, 06:53 م
      ردود 0
      65 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة أحمد محمد أحمد السبر
      ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 20 ديس, 2019, 11:46 م
      ردود 3
      93 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عاشق طيبة
      بواسطة عاشق طيبة
      يعمل...