هل يصِح القول أن الملائِكة ذكور؟ وما الأدلة على أنها لا تأكل ولا تشرب؟
بسمِ الله،أولا: نفى الله دعوى المشركين أن الملائِكة إناثا: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون" ، وقال جل شأنه : "أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ". ومن قال أنهم إناثٌ فقد كفر لتكذيبِه القرآن الكريم.
ثانيا: لم ينسِب الله عزّ وجل لهم كونهم ذكور، ويُحْتَج على من ينسِب هذا لهم، فيما سكت الله عنه بما قاله الله أنه لم يشْهَد خلْقَهُم، وإن لم يأتِ به نقلٌ، فهذا من الغيبيات، فلا سبيلَ لقولِ هذا.
ثالثًا: أجمعت الأمة على كل ما صحّ وثبُت في كتاب الله وحديثِ رسول الله أن الملائِكة خلقٌ من خلق الله، خلقهم من نور، وأنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ولا يفترون عن عبادته (يُسبحون الليل والنهار لا يفترون)، معصومون من المعاصي، مسخرون بإذن الله في شؤون الخلق، وتدبير الكون، وحفظ العباد، وكتابة أعمالهم، أمناء على الوحي في حفظه، وتبليغه، لا نصِفُهُم بالأنوثةِ أو الذكورة.. وهم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ويصعدون وينزلون - كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة - وهم مع ذلك لا تماثل صفاتهم وأفعالهم صفات الإنسان وفعله. وعقيدتنا ان نبجلهم ونوقرهم وان نستحي منهم، وأن يستقر تعظيمهم في القلوب كما نُعظم اركان الايمان الستة: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
رابعًا: ثبُت أن الملائِكة لا ينامون، والأدلة على انهم لا ينامون هو قوله تعالى ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) ، وقوله تعالى "فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ"، والملائكة يقومون بعبادة الله وطاعته وتنفيذ أوامره، بلا كلل ولا ملل، ولا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك، ومن لازم ذلك أنهم لا ينامون. وجاء في الحديث الذي رواه ابن عساكر عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الملائكة قالوا ربنا خلقتنا وخلقت بني آدم وجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويتزوجون النساء ويركبون الدواب ينامون ويستريحون ولم تجعل لنا من ذلك شيئا فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله عز وجل "لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان" .
خامسًا: الأدلة على انهم أنهم صُمْدٌ لا ياكلون ولا يشربون:
1) في الحديثِ عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر جهداً شديداً يكون بين يدي الدجال فقلت يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال يا عائشة العرب يومئذ قليل فقلت ما يجزي المؤمنين يومئذ من الطعام قال ما يجزي الملائكة التسبيح والتحميد والتهليل قلت فأي المال يومئذ خير قال غلام شديد يسقي أهله من الماء أما الطعام فلا طعام.. رواه أحمد وأبو يعلى.
2) من الأحاديث الواردة في المسألة ما ذكره ابن كثير: قال عبدالرزاق: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال: قالت الملائكة يا ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك فأعطنا الآخرة فقال الله تعالى "وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت فكان" وهذا الحديث مرسل من هذا الوجه وقد روي من وجه آخر متصلا.
3) ومن الأحاديث كذلِك، قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي حدثنا إبراهيم بن عبدالله بن خارجة المصيصي حدثنا حجاج بن محمد حدثنا محمد أبو غسان محمد بن مطرف عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الملائكة قالت يا ربنا أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة قال لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان".
4) وقد روى ابن عساكر من طريق محمد بن أيوب الرازي حدثنا الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني حدثنا سليمان بن عبدالرحمن حدثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن علاق سمعت عروة بن رويم اللخمي حدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الملائكة قالوا ربنا خلقتنا وخلقت بني آدم وجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويتزوجون النساء ويركبون الدواب ينامون ويستريحون ولم تجعل لنا من ذلك شيئا فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله عز وجل "لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان" .
5) أخبرنا حميد، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه أن ابن عباس سأل كعبا عن قوله: ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) و ( يسبحون الليل والنهار لا يسأمون) (2) فقال: هل يئودك طرفك؟ هل يَئُودك نَفَسُك؟ قال: لا قال: فإنهم ألهموا التسبيح كما ألهمتم الطَّرْف والنَّفَس. وحدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشيباني، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن الحارث، قال: قلت: لكعب الأحبار ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) أما يشغلهم رسالة أو عمل؟ قال: يا بن أخي إنهم جُعل لهم التسبيح، كما جُعل لكم النفس، ألست تأكل وتشرب وتقوم وتقعد وتجيء وتذهب وأنت تنفَّس؟ قلت: بلى قال: فكذلك جُعل لهم التسبيح.
6) وجاء في الحديث ما يدل على ان طعام الملائكة التسبيح والتهليل... "فكيف بالمؤمنين يومئذ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس" .... وفي رواية "فناداه رجل فقال يا رسول الله بم يعيش المؤمنون فقال بما يعيش به الملائكة".. وهذا تفصيله فيما جاء عن أسماء بنت يزيد الأنصارية - رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي فذكر الدجال فقال: إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا تبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت الحديث وفيه قالت أسماء يا رسول الله إنا والله لنعجن عجينتنا فما ننجزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس.. رواه أحمد وأبو داود والطبراني. وعنها - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذر أصحابه من الدجال فقال: أحذركم الدجال وإن كل نبي قد أنذر قومه وإنه فيكم أيتها الأمة وسأجلي لكم من نعته ما لم تجلي الأنبياء قبلي لقومهم يكون قبل خروجه سنين جدب حتى يهلك كل ذي حافر فناداه رجل فقال يا رسول الله بم يعيش المؤمنون فقال بما يعيش به الملائكة.. الحديث رواه أحمد.
7) وعن أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها لبعض حاجته ثم خرج فشكت إليه الحاجة فقال: كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها فمن اتبعه أطعمه وأكفره ومن عصاه حرمه ومنعه قلت يا رسول الله إن الجارية لتجلس عند التنور ساعة لخبزها فأكاد أُفتن في صلاتي فكيف بنا إذا كان ذلك، قال إن الله يعصم المؤمنين يومئذ بما عصم به الملائكة من التسبيح.. رواه الطبراني.
8) وعن ابن عمر - - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن طعام المؤمنين في زمن الدجال قال طعام الملائكة قالوا وما طعام الملائكة قال: طعامهم منطقهم التسبيح والتهليل والتقديس فمن كان منطقه يومئذ التسبيح والتقديس أذهب الله عنه الجوع فلم يخش جوعاً.. رواه الحاكم في مستدركه
9) وكذلِك عن ابن عمر أنه قال : "قالت الملائكة : يا ربنا قد جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون منها ويشربون ، فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا ، فقال : لا أفعل ، ثم أعادوا عليه ، فقال : لا أفعل ، ثم أعادوا عليه فقال : وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له : كن فكان "
10) وقد يُستفاد من قول الله تعالى "فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ".. وإن كان هذا المعنى ليس بقاطع.. فغاية ما يدل عليه أن الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط امتنعوا من طعام إبراهيم عليه السلام، إنما يعتضد به ويستأنس.. ومع ما سبق من الحديث أعلاه يجوز الفهم منه انهم لا ياكلون طعام بني البشر.. وقوله تعالى عن الملائكة : "وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا"، فسخروا منه كونه يمشي على الارض وياكل الطعام وكأن فيه اشارة الى ان الملك لا يمشي في الارض ولا ياكل .. وقد قال الله تعالى " قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا"..
11) وقد أجمعت الأمة على هذا، والإجماع في ذاتِه حُجَة.
والله تعالى أعلم.
تعليق