السؤال الثاني : هل يعيب أو ينتقِصُ شيئًا من قدْر من يقول أنه جاء مبينًا وموضحًا لما ذكره الآخر , فما فيه من صدقٍ أقر به , وما فيه من كذب وغلط بينه وجلّاه ؟.. هل يعيبه أو ينتقِص منه إن فعل ذلِك واتبع منهجه كما زعم .. الجواب : لا , لن يعيبه شيء .. أليس كذلِك؟!
الجواب عند أهل الارض قاطبة : لا لن يعيبه شيء إن اتبع منهجه الذي وضّحه وبينه...
بل إن وجدناه اتبع منهجه هذا ولم يُخالفه , فإنه بالضرورة سنجِد أن في ما حكاه عن الآخر منه ماهو اتفاق وفيه ما هو اختلاف وفيه التبيان , وفيه التصديق لما يراه صدق, وفيه تكذيب لما يراه كذب .. وفيه تبيان وتوضيح وتطابق واختلاف .. وهذا شاهد على صدقه.
إن اجاب المعترض بالجواب المنطقي الوحيد على هذا السؤال وهو : لا .. يكون قد أقام الحجة على نفسه وأثبت صدْق القرآن الكريم, كيْف؟
لأن الله عزّ وجلّ وضع تأصيلًا لما يقصه عن أهل الكتاب, وهو أنه سيسرِد ما فيه العظة والعبرة والهدى وكان حقًا وصدقًا , وإن كان فيه باطلًا يبينه أو يُجليه إن كان في تبيانِه علم وفائِدة.
ففي خاتمة سورة يوسف , آية 111, ذكر الله أن هذه القصة التي قصّها على نبيه ليْست مفتراة, بل تصديقًا لما عند اليهود مع التفصيل فيها وتبيانها بالهيمنة القرآنية , فقال تعالى "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " , وحين ذهب الكاتِب إلى ما عند اليهود .. وجد هذه القصة .. ووجدها متشابهة في مجملها , مع اختلاف في التفاصيل ذكرها الله عز وجل..
وسواءًا كان هذا السفر دُوِّن قبل الميلاد أو بعد الميلاد .. فقد أقر به اليهود وضموه وأقروا أنه من تعاليمِهم الشفهية .. فيكون القرآن الكريم قد صدق في ما أصله من منهجٍ في التعامل مع قصص أهل الكتاب .. بأن يُصدق ما هو صدق , ويُفصل ويُبين ما فيه من باطل أو بهتان.. وتأكيدًا على أن القرآن يسير على نفس المنهج الذي رسمه وهو سرد ما فيه العبرة والعظة من قصص أهل الكتاب فيبين الصدق فيه, ويبين ما فيه من خلل أو غلط إن وُجِد .. ويعفو عن كثيرٍ مما لا يُفيد العلم به .. فيقول تعالى "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ "
وقد أجاب أهل العقول .. أن الذي يحدد منهجًا واضِحًا ولا يُخالفه .. ويسير عليْه فقد بيّن وأفلج في اتباع منهجِه.
اقامة الحجة:
لكن لديْنا مفاجأتان كلاهما تُقام به الحجة على المعترِض ..فالمعترِض ليْس له بخصوص سفر ياشر إلا احتماليْن:
1- الإحتمال الاول: إما أن يقر بأن سفر ياشر هذا الذي نقل منه هو ذلِك السفر المفقود من كتابه المقدس لأكثر من ألفين عام ثم ظهر أخيرًا منذ قرون قليلة.
فيكون هذا حجة عليْهِ وتأكيدًا على صدق الله عز وجل في القرآن الكريم .. لأن هذا يُثبت أن القرآن الكريم صدق حين قال أنه لم يفتري هذه القصة .. كما ذكرناه أعلاه في الآية الأخيرة من سورة يوسف .. ويكون فقدان هذا الكتاب لأكثر من ألفين عام ثم لا يظهر إلا بعد الإسْلام بقرون .. دليل على أنه نبأ من عند الله بالغيب , وليْس مفترى .. وإن قال المعترض بلغة أهل التخبط " لعل وربما" أن هذا الكتاب كان مفقودًا من الدنيا كلها لكن كان عند نبي الإسْلام .. فهنا نقول له " لعل وربما " ساقطة ويلزمك الدليل , ودونك وذلِك خرط القتاد.. بل يُرد عليْك بما حاجّ به الله أمثالُك ممن سبقوك بهذه الشبهة وزعموا أن محمدًا ينقل عن أساطير الأولين .. فحاجهم الله وسألهم كيف لأمي لا يقرأ ولا يكتب , ولم تعرفوا عنه أن لديه أيًا من هذه الكتب , وعاش بين ظهرانيكم أن يذكرها ويعرفها وتخفى عنكم ؟! ..
أول ظهور حقيقي لهذا الكتاب الوحيد الذي زعموا أن هذه القصة مدونة فيه كان في القرن الثالث عشر .. فنستفيد بِذلِك صدق القرآن الكريم بإقراره المعترضِ, مع عجز المعترِض على اثبات النقل.
2- والإحتمال الثاني: أن يقر بأن هذا السفر مُزوّر ومختلق , وأنه كُتِبَ كما أثبته علماؤه في القرن الثالث عشر الميلادي أي بعد رسول الله بستة قرون !! .. وهنا نسأله قبل أن ندمغ باطِله: كيف عرفت إذًا أن رسول الله نقل عن ياشر وليْس العكس؟!
بل العكس هو الصحيح ..وتكون قد قامت عليك الحجة وأقمتها على نفسِك .. بل ويسقط موضوعك بالكلية .. لأن القرآن ذكر هذه القصة في القرن السابع الميلادي بينما كتاب ياشر هذا كُتِب في القرن الثالث عشر الميلادي !!
مما يعني بالضرورة أن كاتبه تأثر بالقرآن الكريم ونقل عنه وليْس العكس !!
أخيرًا إليْك ما يُنهي هذا الموضوع .. هدية متواضعة من أهل الحق لمن نرجو لهم الهدى .. تقول الموسوعة اليهودية المجلد 14 , صفحة 1099 " من المحتمل أن يكون سفر ياشر قد كُتِب في القرن الثالث عشر الميلادي , ومع ذلِك فبعض العلماء يقترحون تأريخًا له ما بين القرن التاسع والسادس عشر الميلادي"
, Jasher was probably written in the 13th century
AD." However, some scholars have proposed various dates between the 9th century and 16th century AD.
ملاحظة: سواءًا كان سفر ياشر كُتب قبل أو بعد الميلاد .. فتظل الحقيقة التي لا خلاف عليها أن اليهود قد قبلوا هذه القصة القرآنية كتعليم شفهي وصلهم عن موسى عليه السلام .. ذكره حاخاماتهم في تفسيرهم للتوراة , فلا يعنيناإذًا تأريخُ هذا المصدر في شيء.
ولله الحمد والمنة ويتبع
ملاحظة: سواءًا كان سفر ياشر كُتب قبل أو بعد الميلاد .. فتظل الحقيقة التي لا خلاف عليها أن اليهود قد قبلوا هذه القصة القرآنية كتعليم شفهي وصلهم عن موسى عليه السلام .. ذكره حاخاماتهم في تفسيرهم للتوراة , فلا يعنيناإذًا تأريخُ هذا المصدر في شيء.
تعليق