وجهة نظرك واضحة الآن أخي الحبيب أحمد ... هذا الهبوط الذي ندندن حوله بحثت في أمره وقلبت مئات الصفحات لأجد فيه ما يشفي صدري من (إختلاف) المفسرين حوله ! وعندما وجدت موضوع اُختي السائلة أجبت بما وصلت إليه وإقتنعت به ... هل يجب عليّ أن أذكر أن العلماء إختلفوا حول الأمر ؟!! لا يجب عليّ ذلك فلم أشر للخلاف أصلاً مما يجعل أسطري تنسب إلي شخصي الضعيف ... ومن يريد أن يعرف أقوال المفسرين فكتب التفسير مُتاحة للجميع بكبسة زر دون شد رحال ! نتجاوز هذه وأقوال العلماء عُرضت في الموضوع ... إن شاء الله تطيب بها الخواطر ولو أنها لم تحسم الأمر !
طيب سؤالك يا غالي :
(ماذا ترى فى أمر الله تعالى لإبليس عليه لعنته بالهبوط بعد معصية عدم السجود وبعد معصية آدم عليه السلام .. من أين كان الهبوط المقصود فى الحالتين وإلى أين) ؟ إجابتي باختصار جمعت الخلافات بتقسيم يراعي النص كاملاً دون إجتزاء : الهبوط الأول معنوي (هبوط عن مقام) والثاني مكاني (هبوط من مكان) ... نرتب الأحداث وهي تشرح نفسها بنفسها ...
- حاور الله عزّ وجل الملائكة في إستخلاف الإنسان علي الأرض _ولم يُخلق بعد_
- خلق الله آدم عليه السلام وعلمه الأسماء كلها
- أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلّا إبليس
- أخرج الله إبليس من زمرة الملائكة وأنظره إلي يوم الوقت المعلوم
- أسكن الله عز وجل آدم وحواء _عليهما السلام_ الجنة وحذرهما من إخراج إبليس لهما من الجنة
- وسوس لهما إبليس _في الجنة_ حتي اكلا من الشجرة
- أهبطهم الله عزّ وجل إلي الأرض _ثلاثتهم_
بالنسبة لسؤالك السابق عن الضمير ... الآيتين 12 و13 من سورة الأعراف: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ @ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) والآية تشير للهبوط الأول المعنوي ... والضمير يعود إلي (الخيرية) التي إدعاها إبليس علي آدم عليه السلام ! فقد قال حين سأله الله عز وجل عما منعه من السجود : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) فاهبطه الله من مقام الملائكة الكريم إلي مقام الذلة والصغار ...
وفي الآيات 75 و76 من سورة ص نفس سياق الحوار : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ @ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ @ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ). وأقول أن تكرار الحوار في السورة بصورة مختلفة يهدف لإخبار الله عز وجل لنا بتعدد العقوبات التي جوزي بها إبليس ولا تعارض مع الترتيب ههنا. أو نسلم بقول المفسرين بان الإخراج المقصود كان من الجنة وأيضاً كان إخراجاً نهائياً بالهبوط إلي الأرض !, وأضع هذه الآية التي تعارض هذه النسبة عقلاً : فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ [طه:117].
أقول ختاماً أخطأ إبليس خطأ مركباً فعوقب عقوبة مركبة وفهم هذه الحقيقة من ظاهر النصوص يغنينا عن إختلاف العلماء في أمر الهبوطين _ومنهم من عده هبوطاً واحداً_ ! وهذا لعدم التفريق بين (الإخراج) ويُقصد به من زمرة الملائكة ورحمة الله وبين (الهبوط) المعنوي في المقام والمنزلة وبين (الهبوط) المكاني من الجنة إلي الإرض ...
هذا والله اعلم ...
تعليق