معابر انتقال العلمانية إلى بلاد المسلمين /د. محمد علي دبور
التاريخ: 29/8/1432 الموافق 31-07-2011 |
المختصر/ أشرنا في مقال سابق إلى الجذور التاريخية للعلمانية في بلاد المسلمين، وتحدثنا عن أهم أهدافها الخبيثة التي ترمي إلى إقصاء الإسلام وإبعاده عن التأثير في حياة المسلمين وتوجيه سلوكهم وتصرفاتهم، ورأينا ضرورة كتابة هذا المقال لإكمال الصورة عن هذا الشر المستطير الذي ابتلي به العالم الإسلامي، حيث صارت له السيطرة الكاملة على معظم مؤسسات الدول الإسلامية؛ لعلنا نفهم ونعي مقاصد العلمانية والعلمانيين في بلادنا، وندرك خطورة هذا الاتجاه على مستقبل أمة الإسلام.
إن للعلمانية صورتين، كل صورة منهما أقبح من الأخرى:
الصورة الأولى:العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كليةً، وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا تعترف بشيء من ذلك، بل تحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين، فلا ينطلي- بحمد الله- أمرها على المسلمين، ولا يُقْبِل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفارق دينه، (وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف)، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب، أو السجن أو القتل.
الصورة الثانية:العلمانية غير الملحدة: وهي علمانية لا تنكر وجود الله، وتؤمن به إيمانًا نظريًّا، لكنها تنكر تدخل الدين في شئون الدنيا، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، (وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين)، فعدم إنكارها لوجود الله، وعدم ظهور محاربتها للتدين، يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك.
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم تحارب الدين حقيقةً، وتحارب الدعاة إلى الله، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين.
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى، أو ذكر رسوله- صلى الله عليه وسلم- أو ذكر الإسلام، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور.
كيف انتقلت العلمانية إلى العالم الإسلامي؟
كان من قدرنا أن الفترة التي بزغ فيها نجم العلمانية في الغرب قد صاحبها وتزامن معها فترة انحطاط وتخلف وهزائم في الشرق، مما أتاح للغرب أن يتسلم زمام قيادة ركب الحضارة البشرية بما أبدعه من علم وحضارة، فكان طبيعيًّا أن يسعى لفرض نموذجه الحضاري الذي يعيشه بين أمم الأرض؛ ليضمن قيادة تلك الأمم وتبعيته له، وإذا كان المهزوم – غالبًا – ما يقتدي بالمنتصر ويتأثر به، فلم يكن من الصعب أن يتلقف المسلمون من الغرب ما ظنوه تقدمًا وحضارة ومدنية، خاصة أنهم تلقفوه دون تمحيص أو تدقيق، وتلقفوه في فترة انهزام وتراجع، كما أن الغرب قد أحسن استغلال ظروف الانكسار والضعف التي كان يعيشها الشرقيون عمومًا لبث ما يريده من أفكار ونظريات بين أمم الشرق، ونقلها إليهم من خلال معابر متعددة.
ونتيجة لسيطرة العلمانيين في بلادنا على أكثر مؤسسات الدولة أهمية وحساسية (وأقصد المؤسسات الإعلامية والثقافية) فقد عشنا فترة طويلة من الزمن مخدوعين بأفكار ورموز كان لها أبعد الأثر في تزييف وعينا، وتشويه أفكارنا، وتشكيكنا في ديننا، بل وتنفيرنا من لغتنا، وقد آن الأوان لنُفِيق من هذا السبات، وننفض عن أنفسنا غبار الغفلة؛ لندرك – عن يقين – ما يدور من حولنا، وما يُحاك بنا وبأمتنا.
لهذا كله كان من الأهمية بمكان أن نعرف كيف تمكنت العلمانية من غزو بلادنا والتربع على رأس مؤسساتها؟ وما هي أهم المعابر التي عبرت من خلالها لتحتل هذه المكانة في بلاد المسلمين؟ ولذكر هذه المعابر وتلك الوسائل أهمية كبيرة، فمن خلالها يتعرف المسلمون على القنوات والطرائق التي تم استغلالها لنقل هذا الشر المستطير إلى بلاد المسلمين، ليصبح الجيل الحالي من المثقفين المسلمين على دراية كاملة بتفاصيل هذه المرحلة من تاريخ أمتهم، فيتجنبوا وُيجنِّبوا مَن بعدهم الانزلاق إلى مثل هذه الهاوية مستقبلاً.
معابر انتقال العلمانية إلى بلاد المسلمين:
تنوعت وتعددت المعابر التي انتقلت من خلالها العلمانية إلى بلاد المسلمين، ولم يترك الغرب ومن سار على دربه من أبناء المسلمين وسيلةً ولا ميدانًا من ميادين الحياة إلا استغله للنفاذ إلى حياة المسلمين لتحقيق أهدافه، ونشر أفكاره، وتنفيذ مخططاته، فكان من أهم هذه المعابر:
1- من خلال الاحتلال العسكري الاستعماري:
فقد وفدت العلمانية إلى الشرق في ظلال الحرب العسكرية وعبر فوهات مدافع البوارج البحرية، ولئن كانت العلمانية قد ظهرت في الغرب نتيجة ظروف ومعطيات محلية متدرجة عبر أزمنة متطاولة، فقد ظهرت في الشرق وافدًا أجنبيًّا متكامل الرؤى والأيديولوجيات والبرامج، يُطَبَّق تحت تهديد السلاح وبالقسر والإكراه، كمن يصرّ على استنبات نباتات القطب الجليدي في المناطق الاستوائية، وفي هذا من المصادمة لسنن الله في الحياة ما يقطع بفشل التجربة قبل تطبيقها، لأن الظروف التي نشأت فيها العلمانية وتكامل مفهومها عبر السنين تختلف اختلافًا جذريًّا عن ظروف البلدان التي جلبت إليها جاهزة متكاملة في الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والحضارية، فالشرط الحضاري الاجتماعي التاريخي الذي أدى إلى نجاح العلمانية في الغرب مفقود في الشرق، بل في الشرق نقيضه تمامًا - وأعني بالشرق هنا الشرق الإسلامي - ولذلك فلا عجب إن كانت النتائج مختلفة تمامًا كما سنرى.
وحين نشأت الدولة العربية الحديثة كانت عالة على الغربيين الذين كانوا حاضرين خلال الهيمنة الغربية في المنطقة ومن خلال المستشارين الغربيين أو من درسوا في الغرب واعتنقوا العلمانية، فكانت العلمانية في أحسن الأحوال أحد المكونات الرئيسة للإدارة في مرحلة تأسيسها، وهكذا بُذرت بذور العلمانية على المستوى الرسمي قبل جلاء جيوش الاستعمار عن البلاد التي ابتليت بها، وعندما رحل الاستعمار عن بلادنا، فلا نَظُنَّنَّ أنه رحل لأنه سئمنا، أو لأننا أكرهناه على الرحيل، وإنما رحل لأنه أيقن أنه ترك فينا من العلمانيين من بني جلدتنا مَن يقوم بدوره وأكثر.
2- من خلال البعثات التي ذهبت من الشرق إلى الغرب لطلب العلم والتقدم:
فأغلب من خرجوا في تلك البعثات لطلب العلم والحضارة، عاد الكثير منهم بالعلمانية لا بالعلم، ذهبوا لدراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات فعادوا بالأدب واللغات والاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية والنفسية، بل وبدراسة الأديان، وبالذات الدين الإسلامي في الجامعات الغربية، ولك أن تتصور حال شاب مراهق ذهب يحمل الشهادة الثانوية ويُلْقَى به بين أساطين الفكر العلماني الغربي على اختلاف مدارسه، بعد أن يكون قد سقط إلى شحمة أذنيه في حمأة الإباحية والتحلل الأخلاقي وما أوجد كل ذلك لديه من صدمة نفسية واضطراب فكري، ليعود بعد عقد من السنين بأعلى الألقاب الأكاديمية، وفي أهم المراكز العلمية، بل والقيادية، في وسط أمة أصبح ينظر إليها بازدراء، وإلى تاريخها بريبة واحتقار، وإلى قيمها ومعتقداتها وأخلاقها - في أحسن الأحوال - بشفقة ورثاء.
إنه لن يكون بالضرورة إلا وكيلاً تجاريًّا لمن علّموه وثقّفوه ومدّنوه، وهو لا يملك غير ذلك، ولئن كان هذا التوصيف للبعثات الدراسية ليس عامًّا، فإنه الأغلب – كما ذكرنا -وبالذات في أوائل عصر البعثات.
3- من خلال البعثات التبشيرية:
فالمنظمات التبشيرية النصرانية التي جابت العالم الإسلامي شرقًا وغربًا من شتى الفرق والمذاهب النصرانية جعلت هدفها الأول زعزعة ثقة المسلمين في دينهم وإخراجهم منه وتشكيكهم فيه، حتى وإن لم يعتنقوا النصرانية، وليس أجدى من العلمانية وسيلة لهذا الغرض، والأمر ليس من باب التخمين والافتراض، بل نطقت بهذا أفواههم وخطته أقلامهم، وإن شئت فارجع إلى كتاب "الغارة على العالم الإسلامي"- مثلاً - ليبين لك ذلك.
وهؤلاء المبشرون كانوا إما من الغربيين مثل: "زويمر"، و"دنلوب", وإما من نصارى العرب، ومنهم من كان يعلن هويته التبشيرية ويمارس علمنة أبناء المسلمين "كزويمر"، ومنهم من كان يعلن علمانيته فقط، ويبذل قصارى جهده لتحويل أكبر عدد من العرب والمسلمين إلى مثل فكره ومنهجه.
4- من خلال المدارس والجامعات الأجنبية:
ففي أواخر الدولة العثمانية وحين سيطر الماسونيون العلمانيون على مقاليد الأمور سُمح للبعثات التبشيرية والسفارات الغربية بإنشاء المدارس والكليات، وانتشرت في بلاد الشام والأناضول انتشار النار في الهشيم، وخرجت أجيال من أبناء وبنات المسلمين أصبحوا بعد ذلك قادة الفكر والثقافة، ودعاة التحرير والانحلال، ومن الأمثلة على ذلك الجامعة الأمريكية في بيروت، والتي في أحضانها نشأت العديد من الحركات والجمعيات العلمانية، وقد سرت العدوى بعد ذلك إلى الكثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية الرسمية في العديد من البلاد العربية والإسلامية، وقد قام خريجو هذه المدارس والجامعات بممارسة الدور نفسه حين عادوا لبلدانهم أو ابتعثوا للتدريس في بعض البلدان الأخرى، وإن المتابع لما ينشر من مذكرات بعض العلمانيين في البلاد التي لم تُبْتَلَ بهذه المدارس ليتبين له بجلاء ووضوح الدور الكبير الذي قام به العلمانيون العرب من الذين استُقْدِموا للتدريس في تربية طلابهم وإقناعهم بالعلمانية، سواء من خلال التنظيمات الحزبية أو من خلال البناء الفكري الثقافي لأولئك الطلاب.
5- من خلال الجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية:
هذه الجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية التي انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية، ما بين يسارية وليبرالية وقومية وأممية وسياسية واجتماعية وثقافية وأدبية، بجميع الألوان والأطياف، وفي جميع البلدان, حيث إن النخب الثقافية في غالب الأحيان كانوا إما من خريجي الجامعات الغربية أو الجامعات السائرة على النهج ذاته في الشرق، وبعد أن تكاثروا في المجتمع عمدوا إلى إنشاء الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الليبرالية، وجميعها تتفق في الطرح العلماني، وكذلك أقاموا الجمعيات الأدبية والمنظمات الإقليمية أو المهنية، وقد تختلف هذه التجمعات في أي شيء إلا في تبني العلمانية, والسعي لعلمنة الأمة، كُلٌّ من زاوية اهتمامه والجانب الذي يعمل من خلاله.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن أشهر الأحزاب العلمانية القومية العربية إنما أسسها نصارى بعضهم ليسوا من أصول عربية، أمثال: "ميشيل عفلق"، و"جورج حبش"، والكثرة الساحقة من الأحزاب الشيوعية العلمانية إنما أسسها يهود مليونيرات أمثال: "كوريل".
6- من خلال البعثات الدبلوماسية:
سواء كانت بعثات للدول الغربية في الشرق، أو للدول الشرقية في الغرب، فقد أصبحت في الأعم الأغلب جسورًا تمر خلالها علمانية الغرب الأقوى إلى الشرق الأضعف من خلال الإيفاد، ومن خلال المنح الدراسية وحلقات البحث العلمي، والتواصل الاجتماعي، والمناسبات والحفلات، ومن خلال الضغوط الدبلوماسية، والابتزاز الاقتصادي، وليس بِسِرٍّ أن بعض الدول الكبرى أكثر أهمية وسلطة من القصر الرئاسي أو مجلس الوزراء في تلك الدول الضعيفة التابعة.
7- من خلال وسائل الإعلام المختلفة:
من مسموعة أو مرئية أو مقروءة، لأن هذه الوسائل كانت من الناحية الشكلية من منتجات الحضارة الغربية- صحافة أو إذاعة أو تلفزة - فاستقبلها الشرق واستقبل معها فلسفتها ومضمون رسالتها، وكان الرواد في تسويق هذه الرسائل وتشغيلها والاستفادة منها إما من النصارى أو من العلمانيين من أبناء المسلمين, فكان لها الدور الأكبر في الوصول إلى جميع طبقات الأمة، ونشر مبادئ وأفكار وقيم العلمانية، وبالذات من خلال الفن، وفي الجانب الاجتماعي بصورة أكبر.
8- من خلال التأليف والنشر في فنون شتى من العلوم وبالأخص في الفكر والأدب:
فقد جاءت العلمانية وافدة في كثير من الأحيان تحت شعارات المدارس الأدبية المختلفة، متدثرة بدعوى رداء التجديد والحداثة، معلنة الإقصاء والإلغاء والنبذ والإبعاد لكل قديم في الشكل والمضمون، وفي الأسلوب والمحتوى, ومثل ذلك في الدراسات الفكرية المختلفة في علوم الاجتماع والنفس والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث قدمت لنا نتائج كبار ملاحدة الغرب وعلمانييه على أنه الحق المطلق، بل العلم الأوحد ولا علم سواه في هذه الفنون، وتجاوز الأمر التأليف والنشر إلى الكثير من الكليات والجامعات والأقسام العلمية التي تنتسب لأمتنا اسمًا ولغيرها حقيقةً، وإن كان الأمر في أقسام العلوم الأخرى من طب وهندسة ورياضيات وفيزياء وكيمياء وأمثالها يختلف كثيرًا ولله الحمد، وهي الأقسام التي وجهها أبناء الأمة الأصلاء ممن لم يتلوثوا بلوثات العلمانية، فحاولوا أن ينقلوا للأمة ما يمكن أن تستفيد منه من منجزات التقدم الغربي مع الحفاظ على هويتها وأصالتها وقيمها.
9- من خلال الشركات الغربية الكبرى التي وفدت إلى بلاد المسلمين مستثمرة في الجانب الاقتصادي:
هذه الشركات رغم نشاطها الاقتصادي إلا أنها لم تستطع أن تتخلى عن توجهاتها الفكرية، وقيمها وأنماط حياتها الاجتماعية، وهذا أمر طبيعي، فكانت من خلال ما جلبته من قيادات إدارية وعمالة فنية احتكت بالشعوب الإسلامية سببًا مهمًّا في نشر الفكر العلماني وقيمه الاجتماعية وانعكاساته الأخلاقية والسلوكية، ولعل من المفارقات الجديرة بالتأمل أن بعض البلدان التي كانت تعمل فيها بعض الشركات الغربية الكبرى من أمريكية وبريطانية لم تُبْتَلَ بالتنظيمات اليسارية، ولم تنشأ إلا في هذه الشركات في أوج اشتعال الصراع بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الغربي.
وهكذا سرت العلمانية في كيان الأمة من خلال هذه المعابر وغيرها، ووصلت إلى جميع طبقات الأمة قبل أن يصلها الدواء والغذاء والتعليم في كثير من الأحيان، فكانت كما يقول المثل: "ضغث على إبالة"، ولو كانت الأمة حين تلقت هذا المنهج العصري تعيش في مرحلة قوة وشموخ وأصالة لوظفت هذه الوسائل الإعلامية توظيفًا آخر يتفق مع رسالتها وقيمها وحضارتها وتاريخها وأصالتها.
المصدر: المصريون
المختصر/ أشرنا في مقال سابق إلى الجذور التاريخية للعلمانية في بلاد المسلمين، وتحدثنا عن أهم أهدافها الخبيثة التي ترمي إلى إقصاء الإسلام وإبعاده عن التأثير في حياة المسلمين وتوجيه سلوكهم وتصرفاتهم، ورأينا ضرورة كتابة هذا المقال لإكمال الصورة عن هذا الشر المستطير الذي ابتلي به العالم الإسلامي، حيث صارت له السيطرة الكاملة على معظم مؤسسات الدول الإسلامية؛ لعلنا نفهم ونعي مقاصد العلمانية والعلمانيين في بلادنا، وندرك خطورة هذا الاتجاه على مستقبل أمة الإسلام.
إن للعلمانية صورتين، كل صورة منهما أقبح من الأخرى:
الصورة الأولى:العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كليةً، وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا تعترف بشيء من ذلك، بل تحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين، فلا ينطلي- بحمد الله- أمرها على المسلمين، ولا يُقْبِل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفارق دينه، (وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف)، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب، أو السجن أو القتل.
الصورة الثانية:العلمانية غير الملحدة: وهي علمانية لا تنكر وجود الله، وتؤمن به إيمانًا نظريًّا، لكنها تنكر تدخل الدين في شئون الدنيا، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، (وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين)، فعدم إنكارها لوجود الله، وعدم ظهور محاربتها للتدين، يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك.
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم تحارب الدين حقيقةً، وتحارب الدعاة إلى الله، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين.
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى، أو ذكر رسوله- صلى الله عليه وسلم- أو ذكر الإسلام، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور.
كيف انتقلت العلمانية إلى العالم الإسلامي؟
كان من قدرنا أن الفترة التي بزغ فيها نجم العلمانية في الغرب قد صاحبها وتزامن معها فترة انحطاط وتخلف وهزائم في الشرق، مما أتاح للغرب أن يتسلم زمام قيادة ركب الحضارة البشرية بما أبدعه من علم وحضارة، فكان طبيعيًّا أن يسعى لفرض نموذجه الحضاري الذي يعيشه بين أمم الأرض؛ ليضمن قيادة تلك الأمم وتبعيته له، وإذا كان المهزوم – غالبًا – ما يقتدي بالمنتصر ويتأثر به، فلم يكن من الصعب أن يتلقف المسلمون من الغرب ما ظنوه تقدمًا وحضارة ومدنية، خاصة أنهم تلقفوه دون تمحيص أو تدقيق، وتلقفوه في فترة انهزام وتراجع، كما أن الغرب قد أحسن استغلال ظروف الانكسار والضعف التي كان يعيشها الشرقيون عمومًا لبث ما يريده من أفكار ونظريات بين أمم الشرق، ونقلها إليهم من خلال معابر متعددة.
ونتيجة لسيطرة العلمانيين في بلادنا على أكثر مؤسسات الدولة أهمية وحساسية (وأقصد المؤسسات الإعلامية والثقافية) فقد عشنا فترة طويلة من الزمن مخدوعين بأفكار ورموز كان لها أبعد الأثر في تزييف وعينا، وتشويه أفكارنا، وتشكيكنا في ديننا، بل وتنفيرنا من لغتنا، وقد آن الأوان لنُفِيق من هذا السبات، وننفض عن أنفسنا غبار الغفلة؛ لندرك – عن يقين – ما يدور من حولنا، وما يُحاك بنا وبأمتنا.
لهذا كله كان من الأهمية بمكان أن نعرف كيف تمكنت العلمانية من غزو بلادنا والتربع على رأس مؤسساتها؟ وما هي أهم المعابر التي عبرت من خلالها لتحتل هذه المكانة في بلاد المسلمين؟ ولذكر هذه المعابر وتلك الوسائل أهمية كبيرة، فمن خلالها يتعرف المسلمون على القنوات والطرائق التي تم استغلالها لنقل هذا الشر المستطير إلى بلاد المسلمين، ليصبح الجيل الحالي من المثقفين المسلمين على دراية كاملة بتفاصيل هذه المرحلة من تاريخ أمتهم، فيتجنبوا وُيجنِّبوا مَن بعدهم الانزلاق إلى مثل هذه الهاوية مستقبلاً.
معابر انتقال العلمانية إلى بلاد المسلمين:
تنوعت وتعددت المعابر التي انتقلت من خلالها العلمانية إلى بلاد المسلمين، ولم يترك الغرب ومن سار على دربه من أبناء المسلمين وسيلةً ولا ميدانًا من ميادين الحياة إلا استغله للنفاذ إلى حياة المسلمين لتحقيق أهدافه، ونشر أفكاره، وتنفيذ مخططاته، فكان من أهم هذه المعابر:
1- من خلال الاحتلال العسكري الاستعماري:
فقد وفدت العلمانية إلى الشرق في ظلال الحرب العسكرية وعبر فوهات مدافع البوارج البحرية، ولئن كانت العلمانية قد ظهرت في الغرب نتيجة ظروف ومعطيات محلية متدرجة عبر أزمنة متطاولة، فقد ظهرت في الشرق وافدًا أجنبيًّا متكامل الرؤى والأيديولوجيات والبرامج، يُطَبَّق تحت تهديد السلاح وبالقسر والإكراه، كمن يصرّ على استنبات نباتات القطب الجليدي في المناطق الاستوائية، وفي هذا من المصادمة لسنن الله في الحياة ما يقطع بفشل التجربة قبل تطبيقها، لأن الظروف التي نشأت فيها العلمانية وتكامل مفهومها عبر السنين تختلف اختلافًا جذريًّا عن ظروف البلدان التي جلبت إليها جاهزة متكاملة في الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والحضارية، فالشرط الحضاري الاجتماعي التاريخي الذي أدى إلى نجاح العلمانية في الغرب مفقود في الشرق، بل في الشرق نقيضه تمامًا - وأعني بالشرق هنا الشرق الإسلامي - ولذلك فلا عجب إن كانت النتائج مختلفة تمامًا كما سنرى.
وحين نشأت الدولة العربية الحديثة كانت عالة على الغربيين الذين كانوا حاضرين خلال الهيمنة الغربية في المنطقة ومن خلال المستشارين الغربيين أو من درسوا في الغرب واعتنقوا العلمانية، فكانت العلمانية في أحسن الأحوال أحد المكونات الرئيسة للإدارة في مرحلة تأسيسها، وهكذا بُذرت بذور العلمانية على المستوى الرسمي قبل جلاء جيوش الاستعمار عن البلاد التي ابتليت بها، وعندما رحل الاستعمار عن بلادنا، فلا نَظُنَّنَّ أنه رحل لأنه سئمنا، أو لأننا أكرهناه على الرحيل، وإنما رحل لأنه أيقن أنه ترك فينا من العلمانيين من بني جلدتنا مَن يقوم بدوره وأكثر.
2- من خلال البعثات التي ذهبت من الشرق إلى الغرب لطلب العلم والتقدم:
فأغلب من خرجوا في تلك البعثات لطلب العلم والحضارة، عاد الكثير منهم بالعلمانية لا بالعلم، ذهبوا لدراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات فعادوا بالأدب واللغات والاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية والنفسية، بل وبدراسة الأديان، وبالذات الدين الإسلامي في الجامعات الغربية، ولك أن تتصور حال شاب مراهق ذهب يحمل الشهادة الثانوية ويُلْقَى به بين أساطين الفكر العلماني الغربي على اختلاف مدارسه، بعد أن يكون قد سقط إلى شحمة أذنيه في حمأة الإباحية والتحلل الأخلاقي وما أوجد كل ذلك لديه من صدمة نفسية واضطراب فكري، ليعود بعد عقد من السنين بأعلى الألقاب الأكاديمية، وفي أهم المراكز العلمية، بل والقيادية، في وسط أمة أصبح ينظر إليها بازدراء، وإلى تاريخها بريبة واحتقار، وإلى قيمها ومعتقداتها وأخلاقها - في أحسن الأحوال - بشفقة ورثاء.
إنه لن يكون بالضرورة إلا وكيلاً تجاريًّا لمن علّموه وثقّفوه ومدّنوه، وهو لا يملك غير ذلك، ولئن كان هذا التوصيف للبعثات الدراسية ليس عامًّا، فإنه الأغلب – كما ذكرنا -وبالذات في أوائل عصر البعثات.
3- من خلال البعثات التبشيرية:
فالمنظمات التبشيرية النصرانية التي جابت العالم الإسلامي شرقًا وغربًا من شتى الفرق والمذاهب النصرانية جعلت هدفها الأول زعزعة ثقة المسلمين في دينهم وإخراجهم منه وتشكيكهم فيه، حتى وإن لم يعتنقوا النصرانية، وليس أجدى من العلمانية وسيلة لهذا الغرض، والأمر ليس من باب التخمين والافتراض، بل نطقت بهذا أفواههم وخطته أقلامهم، وإن شئت فارجع إلى كتاب "الغارة على العالم الإسلامي"- مثلاً - ليبين لك ذلك.
وهؤلاء المبشرون كانوا إما من الغربيين مثل: "زويمر"، و"دنلوب", وإما من نصارى العرب، ومنهم من كان يعلن هويته التبشيرية ويمارس علمنة أبناء المسلمين "كزويمر"، ومنهم من كان يعلن علمانيته فقط، ويبذل قصارى جهده لتحويل أكبر عدد من العرب والمسلمين إلى مثل فكره ومنهجه.
4- من خلال المدارس والجامعات الأجنبية:
ففي أواخر الدولة العثمانية وحين سيطر الماسونيون العلمانيون على مقاليد الأمور سُمح للبعثات التبشيرية والسفارات الغربية بإنشاء المدارس والكليات، وانتشرت في بلاد الشام والأناضول انتشار النار في الهشيم، وخرجت أجيال من أبناء وبنات المسلمين أصبحوا بعد ذلك قادة الفكر والثقافة، ودعاة التحرير والانحلال، ومن الأمثلة على ذلك الجامعة الأمريكية في بيروت، والتي في أحضانها نشأت العديد من الحركات والجمعيات العلمانية، وقد سرت العدوى بعد ذلك إلى الكثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية الرسمية في العديد من البلاد العربية والإسلامية، وقد قام خريجو هذه المدارس والجامعات بممارسة الدور نفسه حين عادوا لبلدانهم أو ابتعثوا للتدريس في بعض البلدان الأخرى، وإن المتابع لما ينشر من مذكرات بعض العلمانيين في البلاد التي لم تُبْتَلَ بهذه المدارس ليتبين له بجلاء ووضوح الدور الكبير الذي قام به العلمانيون العرب من الذين استُقْدِموا للتدريس في تربية طلابهم وإقناعهم بالعلمانية، سواء من خلال التنظيمات الحزبية أو من خلال البناء الفكري الثقافي لأولئك الطلاب.
5- من خلال الجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية:
هذه الجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية التي انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية، ما بين يسارية وليبرالية وقومية وأممية وسياسية واجتماعية وثقافية وأدبية، بجميع الألوان والأطياف، وفي جميع البلدان, حيث إن النخب الثقافية في غالب الأحيان كانوا إما من خريجي الجامعات الغربية أو الجامعات السائرة على النهج ذاته في الشرق، وبعد أن تكاثروا في المجتمع عمدوا إلى إنشاء الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الليبرالية، وجميعها تتفق في الطرح العلماني، وكذلك أقاموا الجمعيات الأدبية والمنظمات الإقليمية أو المهنية، وقد تختلف هذه التجمعات في أي شيء إلا في تبني العلمانية, والسعي لعلمنة الأمة، كُلٌّ من زاوية اهتمامه والجانب الذي يعمل من خلاله.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن أشهر الأحزاب العلمانية القومية العربية إنما أسسها نصارى بعضهم ليسوا من أصول عربية، أمثال: "ميشيل عفلق"، و"جورج حبش"، والكثرة الساحقة من الأحزاب الشيوعية العلمانية إنما أسسها يهود مليونيرات أمثال: "كوريل".
6- من خلال البعثات الدبلوماسية:
سواء كانت بعثات للدول الغربية في الشرق، أو للدول الشرقية في الغرب، فقد أصبحت في الأعم الأغلب جسورًا تمر خلالها علمانية الغرب الأقوى إلى الشرق الأضعف من خلال الإيفاد، ومن خلال المنح الدراسية وحلقات البحث العلمي، والتواصل الاجتماعي، والمناسبات والحفلات، ومن خلال الضغوط الدبلوماسية، والابتزاز الاقتصادي، وليس بِسِرٍّ أن بعض الدول الكبرى أكثر أهمية وسلطة من القصر الرئاسي أو مجلس الوزراء في تلك الدول الضعيفة التابعة.
7- من خلال وسائل الإعلام المختلفة:
من مسموعة أو مرئية أو مقروءة، لأن هذه الوسائل كانت من الناحية الشكلية من منتجات الحضارة الغربية- صحافة أو إذاعة أو تلفزة - فاستقبلها الشرق واستقبل معها فلسفتها ومضمون رسالتها، وكان الرواد في تسويق هذه الرسائل وتشغيلها والاستفادة منها إما من النصارى أو من العلمانيين من أبناء المسلمين, فكان لها الدور الأكبر في الوصول إلى جميع طبقات الأمة، ونشر مبادئ وأفكار وقيم العلمانية، وبالذات من خلال الفن، وفي الجانب الاجتماعي بصورة أكبر.
8- من خلال التأليف والنشر في فنون شتى من العلوم وبالأخص في الفكر والأدب:
فقد جاءت العلمانية وافدة في كثير من الأحيان تحت شعارات المدارس الأدبية المختلفة، متدثرة بدعوى رداء التجديد والحداثة، معلنة الإقصاء والإلغاء والنبذ والإبعاد لكل قديم في الشكل والمضمون، وفي الأسلوب والمحتوى, ومثل ذلك في الدراسات الفكرية المختلفة في علوم الاجتماع والنفس والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث قدمت لنا نتائج كبار ملاحدة الغرب وعلمانييه على أنه الحق المطلق، بل العلم الأوحد ولا علم سواه في هذه الفنون، وتجاوز الأمر التأليف والنشر إلى الكثير من الكليات والجامعات والأقسام العلمية التي تنتسب لأمتنا اسمًا ولغيرها حقيقةً، وإن كان الأمر في أقسام العلوم الأخرى من طب وهندسة ورياضيات وفيزياء وكيمياء وأمثالها يختلف كثيرًا ولله الحمد، وهي الأقسام التي وجهها أبناء الأمة الأصلاء ممن لم يتلوثوا بلوثات العلمانية، فحاولوا أن ينقلوا للأمة ما يمكن أن تستفيد منه من منجزات التقدم الغربي مع الحفاظ على هويتها وأصالتها وقيمها.
9- من خلال الشركات الغربية الكبرى التي وفدت إلى بلاد المسلمين مستثمرة في الجانب الاقتصادي:
هذه الشركات رغم نشاطها الاقتصادي إلا أنها لم تستطع أن تتخلى عن توجهاتها الفكرية، وقيمها وأنماط حياتها الاجتماعية، وهذا أمر طبيعي، فكانت من خلال ما جلبته من قيادات إدارية وعمالة فنية احتكت بالشعوب الإسلامية سببًا مهمًّا في نشر الفكر العلماني وقيمه الاجتماعية وانعكاساته الأخلاقية والسلوكية، ولعل من المفارقات الجديرة بالتأمل أن بعض البلدان التي كانت تعمل فيها بعض الشركات الغربية الكبرى من أمريكية وبريطانية لم تُبْتَلَ بالتنظيمات اليسارية، ولم تنشأ إلا في هذه الشركات في أوج اشتعال الصراع بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الغربي.
وهكذا سرت العلمانية في كيان الأمة من خلال هذه المعابر وغيرها، ووصلت إلى جميع طبقات الأمة قبل أن يصلها الدواء والغذاء والتعليم في كثير من الأحيان، فكانت كما يقول المثل: "ضغث على إبالة"، ولو كانت الأمة حين تلقت هذا المنهج العصري تعيش في مرحلة قوة وشموخ وأصالة لوظفت هذه الوسائل الإعلامية توظيفًا آخر يتفق مع رسالتها وقيمها وحضارتها وتاريخها وأصالتها.
المصدر: المصريون