هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم مما ذبح على النصب

تقليص

عن الكاتب

تقليص

وليد المسلم مسلم اكتشف المزيد حول وليد المسلم
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد المسلم
    مشرف عام

    • 11 يون, 2006
    • 762
    • مسلم

    هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم مما ذبح على النصب

    ابن مريم
    أحاطت العناية الربانية بالنبي صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره ، فنشأ على سلامة الفطرة ، ونقاء القلب ، حنيفاً مائلاً عن الشرك ، وتكفي إطلالة سريعة على سيرته الكريمة قبل البعثة وبعدها ، لتعرف كيف حماه ربّه من الوقوع في براثن الشرك ، وكيف صانه من هيمنة المنهج الجاهلي المنحرف .



    ويأتي في مقدم ذلك ، استنكافه صلى الله عليه وسلم عن وثنيات قومه ، وتعظيمهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها ، ويتوجّهون إليها بالدعاء ، ويجعلون لها النذور ، ويقدّمون لها القرابين المختلفة ، ويذبحون لها الأنعام .



    ومن الروايات التي تؤكّد هذه العصمة ، ما جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل " بلدح " ، وذلك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فقُدِّمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ثم قال : ( إني لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه ) .



    وفي هذا الصدد ، لجأ أعداء الإسلام إلى روايات تعارض الحادثة السابقة ، فاتخذوها سلّما للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقض ما تقرّر من هذه العصمة الإلهية .



    وكان مستندهم في ذلك ، روايات توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكل مما ذُبح على تلك الأنصاب ، وأخرى نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم الأمر بالذبح لغير الله تعالى .



    ومن المعلوم أن روايات التاريخ فيها الصحيح والضعيف ، وفيها الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخرى وقع فيها الوهم أو الخلط من راويها ، الأمر الذي جعل علماء الحديث يفنون أعمارهم في تمييز الحق وإثباته ، والكشف عن الباطل والتحذير منه ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالنظر في أسانيد الروايات ومراجعة متونها .



    فأما ما يتعلّق بأكله مما ذُبح على النصب ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده و الطبراني في معجمه ، و البزار في مسنده ، وذكر الرواية الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ، كل ذلك من طريق المسعودي حيث قال : حدثنا نفيل بن هشام عن أبيه ، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: " مر زيد بن عمرو بن نفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة ، فدعواه إلى سفرة لهما فقال : يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب ، قال : فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم أكل مما ذبح على النصب .



    إن الزيادة الموهمة في الرواية السابقة : " فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم أكل مما ذبح على النصب " معلولة لا تصحّ عند أهل الحديث ، وآفتها المسعودي ، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، فهذا الراوي قد اختلط في آخر حياته ، حتى إن الإمام أبو حاتم البستي قال عنه في كتاب " المجروحين " : " وكان المسعودي صدوقاً ، إلا أنه اختلط في آخر عمره اختلاطا شديدا حتى ذهب عقله ، وكان يحدث بما يجيئه فحمل ، فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير ولم يتميز ، فاستحق الترك " .



    ثم إن الحديث عن المسعودي قد رُوي بلفظين مختلفين ، فقد جاء في رواية أبي قطن بلفظ : " وما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلا مما ذبح على النصب " ، فهذه الرواية تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مطلقا ، سواء أكان قبل لقائه ب زيد أم بعدها ، يقول الإمام الذهبي : " فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله ،وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده " .



    ولئن سلمنا من هذه العلّة ، فلن نسلم من العلة التي تليها ، وهي جهالة حال نفيل بن هشام بن سعيد وأبيه ، : قال صاحب " تعجيل المنفعة " : نفيل بن هشام : روى عنه وكيع ، وقال يحي بن معين : لا أعرفه ) ، وأبوه لم يوثّقه غير ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل ، والحاصل أن هاتين العلتين مما توجبان ردّ هذه الرواية وعدم قبولها .



    وننتقل إلى الكلام عن الرواية الثانية ، وهي التي رواها البزار في مسنده ، و النسائي في سننه الكبرى ، وذكرها الإمام الذهبي في السير ، من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ، فذبحنا له شاة ثم صنعناها له ، حتى إذا نضجت جعلناها في سفرتنا .....- إلى أن قال - وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم البعير الذي تحته ، ثم قدمنا إليه – يعني إلى زيد بن عمرو بن نفيل - السفرة التي كان فيه الشواء ، فقال : ما هذا ؟ ، قلنا : هذه الشاة ذبحناها لنصب كذا وكذا ، فقال زيد بن عمرو : إني لا آكل شيئا ذُبح لغير الله . ثم تفرقنا ، وكان صنمان من نحاس يقال لهما "إساف ونائلة " ، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه ، فلما مررت مسحت به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تمسه ) - وفي مسند أبي يعلى : ( لا تمسحهما فإنهما رجس ) - وطفنا ، فقلت في نفسي : لأمسنه أنظر ما يقول ، فمسحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمسه ؛ ألم تنه ؟ ) . قال : فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ، ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب " .



    ونلحظ في الرواية السابقة ما يلي :

    أولا : أن في سند هذه الرواية محمد بن عمرو بن واقصة الليثي ،وقد قال فيه الحافظ : " صدوق له أوهام " ، وقال الجوزجاني وغيره :" ليس بقوي " ، بل قال الإمام الذهبي عنه في معرض كلامه عن هذه الرواية بعينها : " لا يحتج به " .



    ثانياً : أن الزيادات التي وردت في هذا الحديث هي زيادات منكرة ، ويدلّ على ذلك الأوجه التالية :



    الوجه الأول : كيف يصحّ أن يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم الأمر بالذبح لهذا النصب ، وفي الحديث ذاته ينهى مولاه زيد عن فعل أدنى درجات التعظيم للنصب ، وهو مسّ النصب ، ثم تعليله لذلك بأنها رجس ؟ ، ولذلك يقول الإمام الذهبي : " وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيدا أن يمس صنماً ؟ ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ؟ ، هذا محال " .



    الوجه الثاني : جاء في مسند الإمام أحمد عن جار ل خديجة ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ل خديجة : ( أي خديجة ، والله لا أعبد اللات أبدا ، والله لا أعبد العزى أبدا ) ، قال : فتقول خديجة : " خلّ العزى " ، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما عُرف من حاله ولا مقاله تعظيمه للنصب على أي وجهٍ كان .



    الوجه الثالث : هذه الزيادات التي وردت في هذه الرواية تخالف سرد القصة عند الإمام البخاري ، فقد جاءت رواية الإمام البخاري لتفيد أن النبي صلى الله عليه وسلّم هو الذي أبى أن يأكل مما ذُبح على النصب ، كما تقدّم في بداية البحث ، وهذه الرواية هي التي ينبغي أن نعوّل عليها ؛ لأننا نعلم أن الأمة قد أجمعت على تلقّي هذا الكتاب بالقبول ، كما ذكر ذلك غير واحد من الأئمة ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري و مسلم بعد القرآن " ، ولأننا نعلم مدى عناية الإمام البخاري في اختياره لأحاديث كتابه ، فقد انتقى تلك الأحاديث من حوالي ستمائة ألف حديث يحفظها ، وكان يصلّي ركعتين عند كتابة كل حديث ، حتى أتم كتابه خلال ستة عشر سنة ، يقول الإمام البخاري في ذلك : " صنفت الصحيح في ست عشرة سنة ، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى " ، ولم يكتف بذلك ، بل عرض كتابه على كبار الأئمة في زمانه ، فاستحسنوه وأشادوا به ، والكلام في البخاري وكتابه يطول ، وحسبنا أن نشير إلى بحث تم بسط المقال فيه عن ذلك بعنوان : " الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام " ،



    والمقصود أن وجود مثل هذا الاختلاف مع اتحاد القصة يفيد نكارة مثل هذه الزيادات .



    فالثابت قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذبح لصنم قط ، وما أكل مما ذُبح تعظيماً لآلهة باطلة ، وبذلك تكون هذه الحادثة شاهداً جديداً على الكمال الذي وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، والعصمة التي جعلته بمعزل عن كل ما يُستقبح ، والله الموفق .

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, منذ 2 أسابيع
ردود 0
116 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أحمد الشامي1
بواسطة أحمد الشامي1
ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, منذ 3 أسابيع
ردود 0
24 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أحمد الشامي1
بواسطة أحمد الشامي1
ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 14 أكت, 2024, 04:41 ص
ردود 0
240 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أحمد الشامي1
بواسطة أحمد الشامي1
ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 27 سبت, 2024, 09:29 م
ردود 0
116 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أحمد الشامي1
بواسطة أحمد الشامي1
ابتدأ بواسطة الشهاب_الثاقب, 13 أغس, 2024, 06:03 ص
ردود 3
118 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة الشهاب_الثاقب
يعمل...