أبدأ بالاعتذار منكم إخوانى على الإطالة فى هذا الموضوع ولكنى والله حسيبى لا أطيل إلا لاعتقادى بأهمية الإطالة
بسم الله الرحمن الرحيم
( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) [ الكهف 61 - 63 ]
أقول والله تعالى أعلم
لو عدنا آية واحدة الى الخلف لقرأنا قول الله تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) )
يجب أن نعلم أولا أن هذه الآيات جاءت بعد سياق متصل من ذكر أفعال الله تعالى التى يجادل فيها الإنسان ولا يؤمن بها فهما حكمة الله تعالى وعلمه أمام جهل الإنسان ومِراءه وليس فى ذلك أجمل من قول الله تعالى قبل بضعة آيات ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) ) ثم تأتى هذه القصة فى سياقها القرآنى العظيم معبرة بمنتهى الدقة عن علم الله تعالى المحيط وحكمته الواسعة فى كل أمر من أمور الحياة الدنيا فالإنسان - أكثر شئ جدلا - الذى يطالب كل حين بالفهم ويُوقف خضوعه لخالقه على موافقة عقله لا يقدر بعقله وحده أن يفهم أفعال الله الخالق لما فيها من حكمة إلهية تقصر عن إدراكها محدودية عقله البشرى حتى أن موسى عليه السلام لم يقدر أن يفهم أيا من أفعال الخضر عليه السلام وهو إنسان مثله لما بدا فيها من غرابة ولا معقولية ثم اكتشف بعد ذلك كيف احتوى كل فعل فيها على حكمة عظيمة وعلم واسع فكيف بالإنسان إذا تعامل مع رب الإنسان جلَّ فى علاه ؟
يبدأ الله تعالى بحكاية ما قاله موسى لفتاه ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا ) تلكم اللهفة والإصرار على التعلم هى أول ما يُعلمنا الله تعالى إياه فى هذه القصة ولكن .. كان على موسى عليه السلام أن يتعلم درسا أولا .. فلا يا موسى لا تسير الأشياء فى الدنيا بإصرارك ولا بمثابرتك وحدهما .. بل بحكمة الحكيم العليم يا موسى ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتها ) هذا القَرْعُ المباشر من الله تعالى ردا على اصرار موسى على الوصول الى بغيته مذهل بكل مقياس ( لا أبرح حتى أبلغ ... فلما بلغا نسيا ) هكذا كادت رحلته بأكملها تفشل لخطأ يسير جدا يقع فيه كل إنسان ( النسيان والغفلة ) هذا الإنسان الأكثر شئ جدلا .. لو فطن الى خطورة ما فيه من عيوب لظل طوال عمره صامتا مغلقا فاه عن المجادلة فى آيات رب العالمين ولكن .... كان أكثر شئ جدلا
هناك أشياء فى الدنيا لا تعلمها يا موسى فهل علمت مثلا عندما قلت ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا ) أنك قد تصل إلى مجمع البحرين ولا تعرفه لمجرد خطأ يسير تقع فيه ؟ يا الله على عظمة هذا الدرس فى هذا السياق سبحانك يا منزل الكتاب
ثم يخبرنا سبحانه بحالهما أنهما نسيا حوتهما ولكن الله تعالى لم ينس .. هما غفلا لكن الله تعالى لم يغفل فهو سبحانه لا تاخذه سنة ولا نوم .. هكذا كان ( وإذ قال موسى .... فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ..... فاتخذ سبيله ) ها هو الحوت يعود الى الحياة بقدرة واهب الحياة فى اللحظة التى حددها لموسى ولكن من رحمة الله تعالى بموسى أن صنع له شيئين
* أنه سبحانه جعل الحوت يسير فى مسار ألهمه به ربه سبحانه "فاتخذ سبيله" بطريقة تجعل هذا المسار علامة من بعده يستطيع موسى أن يتبعها "سربا" وما ذاك الا لحسن نيتة عليه السلام وطيب مقصده وغايته ولولا ذلك لما جعل الله له تلك العلامة
* أن يجعل سبحانه فتى موسى يلاحظ هذا المسار العجيب حتى ينقله الى موسى فيما بعد ليكون دافعا له على العودة فإنه لو علم موسى أن الحوت استيقظ وقفز فى البحر دون أن يعلم بالعلامة التى تركها وراءه لظن أن المكان قد ضاع منه الى الأبد فى هذا البحر الواسع اللطيم ولقفل على إثره خائبا فانظروا بالله عليكم كيف يفعل الله
هكذا مضيا فى طريقهما حتى بدأ موسى عليه السلام فى التذمر من طول الرحلة فقال لفتاه ( آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) فانظروا كيف يعلمنا ربنا أن صبر الإنسان وحده دون عون الله تعالى لا يوصله لشئ .. فهذا موسى الذى قال ( أو أمضى حقبا ) بدأ صبره ينفذ سريعا فهو لم يقل "لقد جعنا" أو "لقد تعبنا" بل "لقد لقينا من سفـرنا هـذا نصـبا"
هنا يستعيد فتاه مشهد الحوت ويأخذه العجب والذهول مما رآه حتى أنه لا يستطيع أن يفسر لموسى عليه السلام ما حدث إلا بأنه شئ عجيب فقال ( أرأيت إذ أوينا الى الصخرة ) وتعجب كيف يمكن أن ينسى شيئا كهذا .. لا .. هذا بالتأكيد من فعل الشيطان ( فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) ويا للعجب مما حدث ( واتخذ سبيله فى البحر .... عجــبا )
هنا يأخذ موسى الشوق للعودة أكثر مما كان عليه فقد أضيف إلى شوقه للقاء الخضر خوفه من فوت المكان واشتياقه الى رؤية تلك العلامة الإلهية فاستعجل غلامه ولسان حاله .. هلمَّ أسرع ( ذلك ما كنا نبغ )
هنا نرى جليا علم الله تعالى وحكمته .. كيف علم أن موسى سيرجع بعد أن يعرف بما حدث .. وكيف هيئ له ما يستطيع به أن يصل إلى مبتغاه .. وكيف علَّمَه الفارق بين ألوهيته تعالى وبشريته عليه السلام .. وكيف جعل سبحانه ذلك مقدمة للقاء موسى بالرجل الذى وصفه ربنا بقوله ( عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ) فكان ذلك أدعى بموسى عليه السلام الى فهم ما يُلقَى اليه وقبول ما يُعرَض عليه ولكن كان ذلك صعبا أيَّما صعوبة فما عُرض عليه كان من تعليم الله تعالى المشبع بعلمه وحكمته كيف يستطيع عقل باستقلاله أن يفهمه أو يتصوره فالحقيقة أن الله تعالى كان هو الذى علم موسى فى هذه الرحلة وليس الخضر فجاء ذلك ملائما لآخر كلمة قيلت فى هذه القصة ( وما فعلته عن أمرى ) ... ألا فلتعرفوا أيها البشر أهمية ما يأتيكم به نبيكم عن ربه ويقول لكم قال الله تعالى وأمر الله تعالى .. ألا أيها الإنسان فلا تكن مع ربك أكثر شئ جدلا ...
اللهم ما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان وما كان من صواب فمنك وحدك لا شريك لك وأنت يا الله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) [ الكهف 61 - 63 ]
أقول والله تعالى أعلم
لو عدنا آية واحدة الى الخلف لقرأنا قول الله تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) )
يجب أن نعلم أولا أن هذه الآيات جاءت بعد سياق متصل من ذكر أفعال الله تعالى التى يجادل فيها الإنسان ولا يؤمن بها فهما حكمة الله تعالى وعلمه أمام جهل الإنسان ومِراءه وليس فى ذلك أجمل من قول الله تعالى قبل بضعة آيات ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) ) ثم تأتى هذه القصة فى سياقها القرآنى العظيم معبرة بمنتهى الدقة عن علم الله تعالى المحيط وحكمته الواسعة فى كل أمر من أمور الحياة الدنيا فالإنسان - أكثر شئ جدلا - الذى يطالب كل حين بالفهم ويُوقف خضوعه لخالقه على موافقة عقله لا يقدر بعقله وحده أن يفهم أفعال الله الخالق لما فيها من حكمة إلهية تقصر عن إدراكها محدودية عقله البشرى حتى أن موسى عليه السلام لم يقدر أن يفهم أيا من أفعال الخضر عليه السلام وهو إنسان مثله لما بدا فيها من غرابة ولا معقولية ثم اكتشف بعد ذلك كيف احتوى كل فعل فيها على حكمة عظيمة وعلم واسع فكيف بالإنسان إذا تعامل مع رب الإنسان جلَّ فى علاه ؟
يبدأ الله تعالى بحكاية ما قاله موسى لفتاه ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا ) تلكم اللهفة والإصرار على التعلم هى أول ما يُعلمنا الله تعالى إياه فى هذه القصة ولكن .. كان على موسى عليه السلام أن يتعلم درسا أولا .. فلا يا موسى لا تسير الأشياء فى الدنيا بإصرارك ولا بمثابرتك وحدهما .. بل بحكمة الحكيم العليم يا موسى ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتها ) هذا القَرْعُ المباشر من الله تعالى ردا على اصرار موسى على الوصول الى بغيته مذهل بكل مقياس ( لا أبرح حتى أبلغ ... فلما بلغا نسيا ) هكذا كادت رحلته بأكملها تفشل لخطأ يسير جدا يقع فيه كل إنسان ( النسيان والغفلة ) هذا الإنسان الأكثر شئ جدلا .. لو فطن الى خطورة ما فيه من عيوب لظل طوال عمره صامتا مغلقا فاه عن المجادلة فى آيات رب العالمين ولكن .... كان أكثر شئ جدلا
هناك أشياء فى الدنيا لا تعلمها يا موسى فهل علمت مثلا عندما قلت ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا ) أنك قد تصل إلى مجمع البحرين ولا تعرفه لمجرد خطأ يسير تقع فيه ؟ يا الله على عظمة هذا الدرس فى هذا السياق سبحانك يا منزل الكتاب
ثم يخبرنا سبحانه بحالهما أنهما نسيا حوتهما ولكن الله تعالى لم ينس .. هما غفلا لكن الله تعالى لم يغفل فهو سبحانه لا تاخذه سنة ولا نوم .. هكذا كان ( وإذ قال موسى .... فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ..... فاتخذ سبيله ) ها هو الحوت يعود الى الحياة بقدرة واهب الحياة فى اللحظة التى حددها لموسى ولكن من رحمة الله تعالى بموسى أن صنع له شيئين
* أنه سبحانه جعل الحوت يسير فى مسار ألهمه به ربه سبحانه "فاتخذ سبيله" بطريقة تجعل هذا المسار علامة من بعده يستطيع موسى أن يتبعها "سربا" وما ذاك الا لحسن نيتة عليه السلام وطيب مقصده وغايته ولولا ذلك لما جعل الله له تلك العلامة
* أن يجعل سبحانه فتى موسى يلاحظ هذا المسار العجيب حتى ينقله الى موسى فيما بعد ليكون دافعا له على العودة فإنه لو علم موسى أن الحوت استيقظ وقفز فى البحر دون أن يعلم بالعلامة التى تركها وراءه لظن أن المكان قد ضاع منه الى الأبد فى هذا البحر الواسع اللطيم ولقفل على إثره خائبا فانظروا بالله عليكم كيف يفعل الله
هكذا مضيا فى طريقهما حتى بدأ موسى عليه السلام فى التذمر من طول الرحلة فقال لفتاه ( آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) فانظروا كيف يعلمنا ربنا أن صبر الإنسان وحده دون عون الله تعالى لا يوصله لشئ .. فهذا موسى الذى قال ( أو أمضى حقبا ) بدأ صبره ينفذ سريعا فهو لم يقل "لقد جعنا" أو "لقد تعبنا" بل "لقد لقينا من سفـرنا هـذا نصـبا"
هنا يستعيد فتاه مشهد الحوت ويأخذه العجب والذهول مما رآه حتى أنه لا يستطيع أن يفسر لموسى عليه السلام ما حدث إلا بأنه شئ عجيب فقال ( أرأيت إذ أوينا الى الصخرة ) وتعجب كيف يمكن أن ينسى شيئا كهذا .. لا .. هذا بالتأكيد من فعل الشيطان ( فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) ويا للعجب مما حدث ( واتخذ سبيله فى البحر .... عجــبا )
هنا يأخذ موسى الشوق للعودة أكثر مما كان عليه فقد أضيف إلى شوقه للقاء الخضر خوفه من فوت المكان واشتياقه الى رؤية تلك العلامة الإلهية فاستعجل غلامه ولسان حاله .. هلمَّ أسرع ( ذلك ما كنا نبغ )
هنا نرى جليا علم الله تعالى وحكمته .. كيف علم أن موسى سيرجع بعد أن يعرف بما حدث .. وكيف هيئ له ما يستطيع به أن يصل إلى مبتغاه .. وكيف علَّمَه الفارق بين ألوهيته تعالى وبشريته عليه السلام .. وكيف جعل سبحانه ذلك مقدمة للقاء موسى بالرجل الذى وصفه ربنا بقوله ( عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ) فكان ذلك أدعى بموسى عليه السلام الى فهم ما يُلقَى اليه وقبول ما يُعرَض عليه ولكن كان ذلك صعبا أيَّما صعوبة فما عُرض عليه كان من تعليم الله تعالى المشبع بعلمه وحكمته كيف يستطيع عقل باستقلاله أن يفهمه أو يتصوره فالحقيقة أن الله تعالى كان هو الذى علم موسى فى هذه الرحلة وليس الخضر فجاء ذلك ملائما لآخر كلمة قيلت فى هذه القصة ( وما فعلته عن أمرى ) ... ألا فلتعرفوا أيها البشر أهمية ما يأتيكم به نبيكم عن ربه ويقول لكم قال الله تعالى وأمر الله تعالى .. ألا أيها الإنسان فلا تكن مع ربك أكثر شئ جدلا ...
اللهم ما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان وما كان من صواب فمنك وحدك لا شريك لك وأنت يا الله أعلم
تعليق