من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني
من سيرة الحبيب اخترت للاخوة هذه القطعة الناصعة -وسيرته كلها ناصعة ناصحة- تحكي طلب الحبيب المصطفى من الأصحاب المحبين أن من كانت له قبله مظلمة فليقتص منه، وقيام صحابي جليل بين يدي الحبيب يطلب القصاص من النبي المجتبى ويطلب منه أن يكشف عن بطنه الشريف حتى يقتص منه، والصحابة يبكون، ويقوم الأكابر منهم يعرضون أنفسهم للقصاص بدلا من الحبيب صلى الله عليه وسلم، في جو كله تعلق بالجناب النبوي ونشوة كبيرة في محبة المحبوب وإليكم القصة كاملة.
عن جابر بن عبد الله وابن عباس قالا: لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة قال محمد صلى الله عليه وسلم: يا جبريل نفسي قد نعيت. قال جبريل: الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة.
فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس, ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت منها العيون. ثم قال: أيها الناس أي نبي كنت لكم؟ قالوا: جزاك الله من نبي خيرا، فلقد كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح المشفق. أديت رسالات الله وأبلغتنا وحيه, ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
فقال لهم: معاشر المسلمين أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم، من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة. فلم يقم إليه أحد. فناشدهم الثانية فلم يقم إليه أحد فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في يوم القيامة. فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فداك أبي وأمي لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي أتقدم على شيء منك. كنت معك في غزاة، فلما فتح الله علينا ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم. وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك فنزلت عن الناقة، ودنوت منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، فلا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة أعيذك بجلال الله أن يتعمدك رسول الله بالضرب. يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق.
فخرج بلال من المسجد ويده على أم رأسه. وهو ينادي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القصاص من نفسه. فقرع الباب على فاطمة. فقال: يا ابنة رسول الله ناوليني القضيب الممشوق. فقالت فاطمة: يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب، وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟. فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع الدين، ويفارق الدنيا، ويعطي القصاص من نفسه. فقالت فاطمة: يا بلال ومن الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله. يا بلال إذا فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما، ولا يدعانه يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودفع الرسول صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة فلما نظر أبو بكر وعمر إلى ذلك قاما فقالا:
يا عكاشة ها نحن بين يديك فاقتص منا ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: امض يا أبا بكر وأنت يا عمر فامض فقد عرف الله تعالى مكانكما ومقامكما.
فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مائة ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي أقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك.
وقام الحسن والحسين فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرة عيني لا نسي الله لكما هذا المقام.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا. فقال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني. فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم. وصاح المسلمون بالبكاء وقالوا: أترى عكاشة ضاربا بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي لم يملك أن أكب عليه فقبل بطنه، وهو يقول: فداك أبي وأمي ومن تطيق نفسه أن يقتص منك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن تضرب وإما أن تعفو. فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في يوم القيامة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ. فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عينيه ويقولون: طوباك طوباك نلت درجات العلى ومرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني[/b]
من سيرة الحبيب اخترت للاخوة هذه القطعة الناصعة -وسيرته كلها ناصعة ناصحة- تحكي طلب الحبيب المصطفى من الأصحاب المحبين أن من كانت له قبله مظلمة فليقتص منه، وقيام صحابي جليل بين يدي الحبيب يطلب القصاص من النبي المجتبى ويطلب منه أن يكشف عن بطنه الشريف حتى يقتص منه، والصحابة يبكون، ويقوم الأكابر منهم يعرضون أنفسهم للقصاص بدلا من الحبيب صلى الله عليه وسلم، في جو كله تعلق بالجناب النبوي ونشوة كبيرة في محبة المحبوب وإليكم القصة كاملة.
عن جابر بن عبد الله وابن عباس قالا: لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة قال محمد صلى الله عليه وسلم: يا جبريل نفسي قد نعيت. قال جبريل: الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة.
فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس, ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت منها العيون. ثم قال: أيها الناس أي نبي كنت لكم؟ قالوا: جزاك الله من نبي خيرا، فلقد كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح المشفق. أديت رسالات الله وأبلغتنا وحيه, ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
فقال لهم: معاشر المسلمين أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم، من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة. فلم يقم إليه أحد. فناشدهم الثانية فلم يقم إليه أحد فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في يوم القيامة. فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فداك أبي وأمي لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي أتقدم على شيء منك. كنت معك في غزاة، فلما فتح الله علينا ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم. وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك فنزلت عن الناقة، ودنوت منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، فلا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة أعيذك بجلال الله أن يتعمدك رسول الله بالضرب. يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق.
فخرج بلال من المسجد ويده على أم رأسه. وهو ينادي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القصاص من نفسه. فقرع الباب على فاطمة. فقال: يا ابنة رسول الله ناوليني القضيب الممشوق. فقالت فاطمة: يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب، وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟. فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع الدين، ويفارق الدنيا، ويعطي القصاص من نفسه. فقالت فاطمة: يا بلال ومن الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله. يا بلال إذا فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما، ولا يدعانه يقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودفع الرسول صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة فلما نظر أبو بكر وعمر إلى ذلك قاما فقالا:
يا عكاشة ها نحن بين يديك فاقتص منا ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: امض يا أبا بكر وأنت يا عمر فامض فقد عرف الله تعالى مكانكما ومقامكما.
فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مائة ولا تقتص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي أقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك.
وقام الحسن والحسين فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرة عيني لا نسي الله لكما هذا المقام.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا. فقال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني. فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم. وصاح المسلمون بالبكاء وقالوا: أترى عكاشة ضاربا بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي لم يملك أن أكب عليه فقبل بطنه، وهو يقول: فداك أبي وأمي ومن تطيق نفسه أن يقتص منك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن تضرب وإما أن تعفو. فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في يوم القيامة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ. فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عينيه ويقولون: طوباك طوباك نلت درجات العلى ومرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني[/b]
تعليق