بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الفاضل أخي الحبيب يا من تغلب الشك في قلبه على اليقين أرجو أن تقرأ رسالتي إليك بصفاء ذهن
وقلب عاقل وابتغاء حق لا كبر ولا معاندة وأسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك للهدى والحق المبين
أولا : هذه بعض القواعد العلمية في مذهب أهل السنة والجماعة :
- مصادر التشريع : القرآن الكريم – السنة النبوية الصحيحة – الإجماع – القياس .
- لايؤخذ بأي حديث أو أثر إلا بسند صحيح ليس فيه شذوذ ولا علة .
- الكتب التالية هي أصول الإسلام وهي :البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والموطأ لمالك والمسند لأحمد
واعتبرت هذه الكتب هي الأصول لما لقيته من الأمة من القبول والإهتمام فقد تلقاها العلماء بالحفظ والنسخ جيلا
بعد جيل .
بعد جيل .
أما الصحيحان البخاري ومسلم فقد أولاهما العلماء إهتماما خاصا جدا فقاموا بعمل المستخرجات عليهما أي جمعوا
أحاديثها بطرق
أحاديثها بطرق
أخرى غير طرق أصحابها مما يزيد اليقين بثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاموا بشرحها وتنوعت شروحها من كثير
من العلماء وألفوا في غريب ألفاظها . ولا تكاد تجد عالما إلا وهو يحفظهما وسافر في سبيل روايتها بطرق متعددة وانتشرت نسخها
في أنحاء العالم الإسلامي شرقا وغربا وقرئت على أصحابها ونسخت من كتبهم الأصلية مئات النسخ فقد قال الإمام مسلم عن
صحيحه : لم أدخل فيه إلا ما أجمعوا على صحته ، وكذلك فعل البخاري .
فالبخاري ومسلم رحمهما الله تعالى لم يخترعا هذه الأحاديث وإنما جمعا ما رواه العلماء عن التابعين عن الصحابة عن رسول الله
عليه الصلاة والسلام بل لم يضعوا في صحيحيهما إلا ما أجمع علماء الحديث على صحته ولم يخالفهما في صحته أحد .
فمثل هذا النقل والإهتمام يستحيل معه الدس والتزوير وإلا لفضح من أول يوم فهذه الكتب قد انتشرت في بلاد الإسلام
منذ وقت مبكر جدا والنسخة في كل بلد هي نفسها في بلد آخر والعلماء يحفظونهما ويسافرون لتلقيها وحفظها بأسانيد متعددة
فلو وجدوا نسخة في مكان ما مختلفة عما بأيديهم لفضح أمرها ولفشى سرها ولكن هذا لم يحدث أبدا .
والذي يدعي أن كتب الحديث المشهورة قد حدث فيها دس وتزوير فعليه الدليل والبرهان وليخبرنا في أي نسخة بدأ الدس ؟
ومتى بالضبط ؟ ومن هو الشخص الذي دس وزور ؟ وما هي الأحاديث المدسوسة ؟
وإلا كان كلامه بهتانا ورجما بالغيب وظنا والظن أكذب الحديث ، ولايؤخذ العلم بالظن وليس هذا من باب البحث العلمي في شيء .
أما القول بأن هناك احتمال بالدس والتزوير فهذا الإحتمال يقابله احتمال آخر بأنه لم يحدث دس ولا تزوير
ولا يوجد احتمال عقلي إلا ويقابله احتمال عقلي ضده تماما ولا يرجح أحد الإحتمالين إلا بدليل حسي .
فوجود الإحتمالات لا يغير الحقائق الثابتة لأن الإحتمالات هي من باب الظنون لا الحقائق اليقينية .
وما تقبلته الأمة وأجمعت عليه فليس لمؤمن أن يخالف إجماع الأمة قال تعالى :
( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَنُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)النساء 115
- إذا عارض حديث أو أثر أصلا من أصول الإسلام أو عارض دليلا قاطعا ( الدليل القاطع هو آيات القرآن أو ما تواتر من حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما أجمعت عليه الأمة ) فإنه لا يحتج به ولو صح سنده ، ويطلق عليه الشاذ .
وهذا الشاذ لا تجده إلا في أحاديث الأفراد وهو ما انفرد به راو ولم يروه أحد غيره وهذا من أخطاء الرواة ووهمهم .
والشاذ هو ما خالف به راو ثقة من هو أوثق منه أو خالف فيه المشهور عند أهل العلم .
- في مذهب أهل السنة لا يوجد أحد معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله عليه الصلاة
والسلام .
يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله : إذا وجدتم قولي يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارموا بقولي عرض الحائط
ويقول الإمام مالك رحمه الله : كلا يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر .
ويقول الشافعي رحمه الله للإمام أحمد : يا أبا عبدالله أنتم أعلم مني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا صح عندكم الخبر
فبلغوني آخذ به .
والعلماء هم بشر يخطئون ويصيبون وبعضهم أعلم من بعض ولا ينقص ذلك من قدرهم ومنزلتهم إذا لم يتعمدوا الخطأ .
والخلاف بين العلماء مقبول ما دام في دائرة الشرع والأخذ بالبراهين والأدلة ، أما الخلاف المذموم فهو الذي لا يستند على دليل
أوالتقول بغير علم .
وهذا الخلاف القائم على الأدلة والبراهين ليس عيبا في صريح العقول وذلك لأن أفهام الناس تختلف وطباعهم متفاوتة وذكاءهم
كذلك يتفاوت فمن الطبيعي أن يختلف البشر ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة .
وقد اختلف الصحابة أمام الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يعنف واحدا منهم ، لأن الخلاف منه ما هو مذموم ومنه ما هو جائز .
ثانيا :المحكم والمتشابه :
يقول الله عز وجل في سورة آل عمران آية رقم : 7( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب ِوَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
المحكمات هي الآيات الواضحات الدلالة البينات الثابتات الأحكام المفصلات .
المتشابهات هي الآيات التي فيها نظر وتحتاج إلى تأويل ويظهر فيها ببادئ النظر تعارض مع غيرها أو مع العقل ، وهي مما ابتلى الله به العباد .
وهذا الشبه المذكور إنما هو بين المعنى الصحيح للآية المتشابهة والمعنى الفاسد الذي يظهر عند الزائغ أوعند من لم يمعن النظر فالآية
يكون لها معنى صحيح في نفسها فتشتبه بمعنى آخر فاسدا على من لم يكن من الراسخين في العلم أو الزائغ الذي انقدح هذا المعنى
الفاسد في ذهنه فيريد أن يعارض كتاب الله بهذا المعنى الفاسد .
والمعنى الصحيح لا يعلمه إلا الله أو الراسخون في العلم إذا كان المتشابه من النوع الثاني .
فالمتشابهات نوعان : النوع الأول لا يعلمه إلا الله وذلك كعلم المغيبات ومعنى الروح .
النوع الثاني من المتشابه هو ما يحتمل عدة معاني وله أوجه في لغة العرب يمكن حمل المعنى عليها ويحتاج
إلى رسوخ في العلم ولا يصل إلى معناه إلا من عرف الخاص من العام والمقيد من المطلق والناسخ من المنسوخ وعرف كلام العرب
ومقاصد اللغة وآدابها وفنونها البلاغية ومعاني ألفاظها والمشترك من غيره وعرف أصول الفقه وقواعده وأصول الحديث وقواعده
وعرف أصول المذاهب والعقائد والأديان وأقوال أهلها وإختلافات العلماء وأسباب الخلاف وعرف القراءات وعرف المتواتر منها والآحاد
منها وعرف شواذها ومكذوبها وعلم التفسير وأصوله وأنواعه وغير ذلك من أنواع العلوم اللازمة ليكون مؤهلا للخوض في مثل هذه
الأمور .
وهذا النوع الثاني من المتشابه يعلمه الراسخون في العلم كل حسب علمه ، وكل ما زادت معرفة العالم بالمتشابه من هذا النوع الثاني
زاد رسوخه في العلم .
فأهل الزيغ يتبعون المتشابه بنوعيه ابتغاء الفتنة أي ابتغاء الفرقة بين المسلمين وصدهم عن دينهم ويريدون أن يضربوا كتاب الله
بعضه ببعض ليثبتوا أنه ليس من عند الله وأنه متعارض متضارب .
ووصف الله عز وجل المحكمات بأنها أم الكتاب أي أكثره ومعظمه وإليها يرد ما اختلف فيه وهي المنتهى في توضيح المشكلات .
وقوله : ( وَأُخَر ) أي أقله فهي قليلة بالنسبة إلى المحكمات .
والواجب على المؤمن أن يرد المتشابه إلى المحكم ولا يجتزئ الآية من السياق العام للقرآن العظيم فيفهمها بعيدا عن بقية الآيات
فهو بهذا الفعل سيسلك طريق الضلال وسيصل إلى معنى غير مراد لله عز وجل يتعارض مع محكمات القرآن .
مثل ذلك كمن يجتزئ الآيات التي مدحت أهل الكتاب ومدحت التوراة والإنجيل وأمرت أهل الكتاب أن يقيموا التوراة والإنجيل وأن يحكموها
بينهم وأن فيهما هدى ونور والآيات التي أخبرت بأن من آمن بالله منهم وعمل صالحا فإنه من الناجين ، فيستدل بمثل هذه الآيات على أن
اليهود والنصارى والصابئة بوضعهم الحالي وكتبهم الموجودة بين أيديهم الأن هم ناجون وغير مطالبين بالإيمان بالقرآن ورسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم ويظن بأن القرآن قصد هذا المعنى .
ويغفل عن عموم ما جاء به القرآن من وجوب الإيمان بالإسلام والقرآن والأنبياء أجمعين بلا تفرقة بينهم ووجوب الإيمان بكل كتاب
أنزله الله عز وجل وأن القرآن أنزله الله عز وجل ناسخا لكل كتاب قبله ومهيمنا عليها كلها ، وأن الله لايقبل غير الإسلام دينا
ويغفل عن وصف الله عز وجل من لم يؤمن بآياته المنزلة على رسوله بالكفر ووصفه من يفرق بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض
ونكفر ببعض بالكفر أيضا ، ويغفل عن مطالبة الله عز وجل لليهود والنصارى وكافة الكفار بالإيمان بالقرآن والإيمان برسوله محمد
صلى الله عليه وسلم ، وتوعدهم بالعذاب والخلود في النار إن لم يؤمنوا .
ويغفل عن وصف الله عز وجل للتوراة والإنجيل بأنها محرفة وأن أهل الكتاب قد بدلوا الكلام عن مواضعه وأنهم يخفون كثيرا مما أنزله
الله عليهم .
فتجد النصارى يتمسكون بقوله : ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) وقال نصارى نجران لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أليس قد جاء في كتابك : وروح منه ، قال : نعم ، قالوا : يكفينا إذا .
فهؤلاء ممن اجتزء الجملة من بقية السياق القرآني فوهموا وظنوا أن القرآن يؤيد مذهبهم الفاسد في عيسى عليه الصلاة والسلام .
ولا يفعل هذا إلا أهل الأهواء وممن يريد أن يستدل بالقرآن على مذهبه الفاسد المخالف لبقية النصوص القرآنية وتغافل هؤلاء عن
بقية الآية التي استدلوا بكلمة منها فتأمل الآية كلها تجدها أبعد ما تكون عما ذهبوا إليه قال تعالى :
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)(172)النساء .
فالكلمة التي تمسكوا بها وحملوها على معنى هم يريدونه قد تحتمل معنيان معنى يوافق القرآن والعقيدة التي جاء بها في عيسى عليه
السلام ومعنى آخر قد يوافق ما في ذهنهم عن عيسى عليه السلام ، فأيهما أولى حمل الكلمة على المعنى الموافق لبقية آيات القرآن
والمنسجم مع عقيدة القرآن عن عيسى عليه السلام ؟أم حمل الكلمة على معنى مخالف لعقيدة القرآن وما جاء به عن عيسى عليه السلام؟
وتأمل أول الآية وآخرها تجدها تنقض عقيدتهم في عيسى عليه السلام تماما ، ولا متمسك لهم إلا معنى فاسد غير مراد .
وكذلك ما ذكرته أولا من مدح القرآن لأهل الكتاب وكتبهم فالذي أنزل الكتب هو الله عز وجل وإنما مدح ما أنزله لا ما في أيديهم
وهذا هو المتفق والمنسجم مع باقي الآيات التي بينت أنهم حرفوا وأخفوا كثيرا مما أنزل إليهم فكيف لعاقل أن يقول إن الله قد مدح
هذين الكتابين اللذين هما بأيدي أهل الكتاب الآن ، ويحمل آيات المدح عليهما مع أن الله عز وجل قد بين أنهما كتابين محرفين وأن
كثيرا مما أنزله قد أخفي ، بلا شك إنما يريد الله كتابين آخرين غير الموجودين الآن بأيديهم وهذا ما يتوافق مع العقول السليمة .
أما قوله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)البقرة : 62
وآية سورة المائدة كذلك ، فلا يمكن فهم مثل هذه الآيات باجتزاءها من كتاب الله عز وجل فهذه الآية تحتمل معنى موافق للقرآن وعموم
آياته وتحتمل معنى آخر مخالف للمحكم من آياته ، فهذا المعنى الآخر ذهب إليه أهل الكتاب ومن تأثر بهم من المسلمين وهو أن أهل
الكتاب لا يلزمهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا بالقرآن العظيم ، واستدلوا بمثل هذه الآية المتشابهة .
والحق الموافق للعقول السليمة أن يحمل النص الذي يحتمل معنيان على المعنى الموافق والمنسجم مع باقي النصوص والآيات ولا يجتزء
بهذه الطريقة المخالفة لبدهيات العقول .
فتحمل هذه الآية على المعنى التالي : وهو أن المقصود بالذين هادوا والنصارى والصابئة هنا هم الذين ماتوا قبل بعثته صلى الله عليه
وسلم وكانوا محققين شروط الإيمان بالله تعالى من وجوب الإيمان برسل الله أجمعين وبكتبه كلها وباقي شروط الإيمان المعروفة في
كتاب الله تعالى من غير شرك به سبحانه ، فاليهود الذين أدركوا زمن عيسى عليه الصلاة والسلام لزمهم الإيمان به وبالإنجيل الذي جاء
به ، ومن كفر منهم بعيسى عليه السلام وبالإنجيل فهؤلاء كفار وهم من الهالكين ولا يدخلون في هذه الآية .
ومن أدرك محمدا صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب لزمه الإيمان به وبالقرآن وإلا كان من الهالكين المخلدين في النار .
فيجب حمل هذه الآية على هذا المعنى المتوافق مع بقية الآيات المحكمة والكثيرة المبينة كفر كل من لم يؤمن برسل الله وكتبه بلا تفريق
بينها .
ومن الآيات المحكمة المبينة لمثل هذه الآيات المتشابهة آيات سورة الأعراف فقد فصلت وبينت المقصود بمعنى الإيمان في مثل آية سورة
البقرة قال تعالى في سورة الأعراف : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
فتأمل هذه الآيات تعرف ما هو الإيمان المنجي صاحبه وما المقصود بقوله : ( من آمن بالله ) في آية البقرة والمائدة .
فللإيمان بالله شروط ومعاني يجب الإتيان بها حتى يسمى الإنسان مؤمنا بالله .
يقول الله تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 137)البقرة .
فتأمل مثل هذه الآيات المحكمات الفاصلات المبينات يتضح لديك المعنى المراد في الآيات المتشابهات .
فحمل المتشابه على المحكم ورده إليه هو فعل الراسخين في العلم وهو الطريق الصحيح في صريح العقول لفهم النصوص المتشابهة
أما إجتزاء الآيات المتشابهة من السياق العام للقرآن والمحكم من آياته ومحاولة فهمها بعيدا عن بقية النصوص المحكمة فهذا هو مسلك
الزائغين ومبتغي الفتنة ، وهو مسلك لا يتفق مع العقول السليمة ولا مع التفكير المنطقي الصحيح .
أما لماذا أنزل الله هذه الآيات المتشابهات ولماذا لم يجعل القرآن كله محكم؟
فمن سنته سبحانه وتعالى الإبتلاء والإختبار ليقيم الحجة على عباده ليتضح صادق الإيمان ممن في قلبه شك وريب فمثل هذه الآيات
والأحداث كحادثة الإسراء والمعراج تخلص صف المؤمنين من المرتابين والشاكين في صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)التوبة .
وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) الحج .
وقال تعالى :
( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) المدثر .
وقال تعالى :
( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)الإسراء
وقال تعالى :
( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)الإسراء .
وقال تعالى :
( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)الإسراء .
فإذا علم المؤمن هذا الأمر اتجه إلى الله عز وجل وسأله الهداية والرشاد فالله عز وجل يقول في الحديث القدسي :
( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم..) .
وكان عليه الصلاة والسلام يعلم كل من دخل في الإسلام هذا الدعاء :
( اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني) ويقول : فإنه يجمع لك أمر دنياك وآخرتك .
فالأولى بالمؤمن أن يربأ بنفسه عن مواطن الشبه إذا كان على يقين من دينه ونبيه وكتابه ، أما إذا كان في شك وريب من أمره
فهو على خطر عظيم فعليه باللجوء إلى الله وكثرة الإستغفار وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وليحرص أشد الحرص
على صلاة الجماعة وخاصة صلاتي الفجر والعشاء وليكثر من الدعاء .
وليعلم أن هذه الحياة قائمة على الإبتلاء والإمتحان والمصائب ليهلك من هلك عن بينة ويحي من يحي عن بينة
وليثق بربه عز وجل : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)الروم .
ولا يكن كمن قال الله فيه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)الحج .
أي يدخل في الإسلام على شك وريب فإن أصابه خير من مال وصحة وغيرها من الخيرات قال هذا دين جيد وإن أصابه إبتلاء ونقص
في الأموال ومصائب وأمراض انقلب على وجهه أي سخط على الإسلام وعلى ربه .
فليؤمل المؤمن بربه خيرا وليعلم أن من جاهد نفسه وهواه والشيطان فإن الله لن يضيعه وسيهديه سبل السلام .
ثالثا : إن الدين الصحيح المنزل من عند الله عز وجل لا يمكن أن يتعارض مع العلوم الحديثة.
وذلك لأن الذي أنزل القرآن هو الذي خلق الكون وهو الله عز وجل فهو الذي خلق السنن الكونية التي تسمى بالقوانين العلمية
مثل قوانين الفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها من قوانين العلوم التطبيقية .
وكل الذي فعله البشر منذ قرون طويلة هو إكتشاف هذه القوانين الربانية واستفادوا منها في الصناعة والطب والإتصالات .
ولولا أن الله عز وجل قد أنعم على الإنسان بنعمة العقل لما استطاع أن يتقدم في هذه المجالات العلمية أبدا .
ومهما اكتشف الإنسان من علوم وقوانين ربانية أودعها الله في كونه فإن علمه يبقى قليلا يقول الله تعالى :
(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)الإسراء .
فلا يغتر الإنسان بما فتح الله عليه فالفضل لله وحده .
ويقول الله عز وجل : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)الأعراف .
فلا يمكن أن يتعارض ما خلقه الله سبحانه وتعالى من قوانين كونية علمية مع أمره وهو شرعه ودينه الذي ارتضاه .