ماذا حدث للإسلاميين؟! ـ د. حمدي شعيب
د. حمدي شعيب | 23-06-2011 01:09
نال أحدهم من عائشة رضوان الله عليها بمحضر من عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال: "اسكت مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟. لقد سارت أمنا عائشة رضي الله عنها مسيرها وإنا لنعلم أنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها". [كنز العمال وحياة الصحابة]
قرأت هذه الحادثة المؤثرة، وأذهلني هذا الرد الراقي من هذا الصحابي الجليل!.
رغم أنها جاءت في سياق أحداث أخطر اختلاف في تاريخ الدعوة، وهو الخلاف بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وانقسام المجتمع الإسلامي إلى جبهتين عظيمتين؛ جبهة على رأسها عائشة، وطلحة والزبير رضوان الله عليهم من جهة، وجبهة أخرى على رأسها على وعمار بن ياسر من جهة أخرى.
ولكن ما ينقصنا تربوياً، أن نجهل أن هذا الخلاف كان يظلله أدب راقي؛ وهو أدب الاختلاف.
ميزان سورة الأحقاف:
وهذه الحادثة نفتح باباً في التربية؛ وهو إذا كان هؤلاء بشر يخطئون، ويتشاحنون، ويختلفون، ولكن كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة، نحن أحوج الناس إليها؛ وهي التي يضمها باب عظيم في المنهج مفتقد بيننا جميعاً؛ خاصة الإسلاميين قبل أن ينطمس أثره بين الناس عموماً؛ وهو أدب الاختلاف.
وهو باب عظيم في التربية، ومدخل يتوازى مع الخط الذي ينتهج دراسة الشخصيات المميزة، والقدوات من ناحية الفضائل، وننسى أنهم بشر بل يجب دراسة أدب السلوك عند النقائص.
ونحن نعلم أن الله سبحانه يزن المسلمين بميزان سورة الأحقاف: "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ". [الأحقاف16]
البعد التربوي للاختلاف وضوابطه:
وهذا الاختلاف له عدة أبعاد تربوية، وقواعد هامة، وضوابط أو شروط أساسية؛ فمنها:
1-إدراك أن الاختلاف بين البشر سنة ثابتة ومطردة، من سنن الله عز وجل الإلهية. "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ". [هود118و119]
2-الخلاف الظاهري خطورته أن ينقلب إلى خلاف قلبي محرم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم". [البخاري]
3-طريق الجنة يبدأ من عمل جماعي يحمل الخير: "من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة". [الترمذي وقال حسن صحيح]
4-وهذا التجمع البشري مسموح له بقدر من الخلاف؛ حتى ولو كان جيل الخيرية العظيم.
وتأمل صمت الحبيب صلى الله عليه وسلم وسكوته؛ فيقر هذا الحد من الخلافات البشرية: "ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمه: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه]
5-الخلافات لا تمنعنا من إظهار الحق وإرشاد العباد خاصة المختلفين معنا.
عن سعيد بن المسيب، عن أبي موسى الأشعري قال: عدت الحسن بن علي فوجدت عنده أباه علياً قال: ما جاء بك إلينا؟!. ما يولجك علينا؟!. قلت: ما إياك أتيت، ولكن أتيت ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوده. قال علي: أما إنه لا يمنعني غضبي عليك أن أُحدثك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عاد الرجل أخاه لم يزل يخوض في الرحمة حتى إذا جلس عنده غمرته. [تذكرة الحفاظ]
الظاهرة التباغضية تهدد ملح الأرض!:
وبعد فإنني أعرض هذه اللمسات وقد هالني هذا التلاسن والتشاتم والتدابر والتباغض الذي يمارسه البعض من فئات مصرنا المحروسة؛ خاصة شريحة الإسلاميين!؟.
وما آلمني أن أرى هذه الظاهرة التلاسنية التباغضية؛ قد امتدت بل واستفحلت بين أولئك الذين كان جيلي المسكين؛ ـ جيل الأحلام المسروقة ـ كنا ننظر إليهم كقدوات ورموز نتمنى مجرد رؤيتهم؛ لتقر أعيننا بهم، ونستشعر معنى الانتماء لجيل واعد؛ فنعيش معهم وبهم الأمل، وأن الدنيا لم تزل بخير!؟.
وكان مما آلمني أكثر؛ هو أن من ضمن الآداب التي داسوها تحت أقدامهم؛ هو أدب الاختلاف!؟.
وإذا كان المجتمع عموماً خاصة بعد الثورة يعاني من هذه التصدعات المجتمعية، وهذه الظاهرة التلاسنية؛ فإن الفئة التي ينظر إليها إنها الرمانة التي ستعدل ميزاننا المجتمعي المتلاسن، وهي الأمل أو القدوة لبناء مستقبل الأمة؛ قد أصابها رذاذ هذا التحول المجتمعي. وقلقنا يدعونا أن نتذكر هذا النداء الشهير: (يا ملح الأرض الذي يمنع فسادها؛ لاتفسدوا؛ لأنه إذا فسد الملح؛ فمن سيصلحه)؟!.
علامات الظاهرة التباغضية:
لقد آلمنا منذ فترة انتشار بعض العلامات المزعجة؛ والتي زادت وتيرتها مع تداعيات الثورة؛ مثل:
1-قرأنا لأحد الرموز البارزة منذ مدة؛ وهو يصرخ على صفحات الجرائد حتى المناوئة، والمنتديات والمواقع الألكترونية، ويستنجد برموز عامة من خارج مؤسسته؛ مثل د. محمد سليم العوا والمستشار محمود الخضيري والمستشار طارق البشري؛ فيستدعيهم ليتدخلوا ويطفئوا نار الخلافات الداخلية الساحقة الماحقة والشاذة في عرف احتواء كل المؤسسات الناجحة لخلافاتها!؟.
2-طريقة النقد العلني على الفضائيات والمواقع الألكترونية ووسائل الإعلام المختلفة من البعض ضد زملائهم ورفقاء الدرب ومؤسساتهم؛ وبطريقة توحي بالنقمة والضيق وعدم الانسجام مع الآخرين.
3-كثرة الخارجين والمنشقين على تيار المؤسسات والأحزاب والجماعات؛ خاصة الرموز المحترمة والمقبولة جماهيرياً والتي تتمتع بتأثيرها واستقطابها لقطاعات من الشارع.
4-هذا الأسلوب غير المقبول من بعض هؤلاء المنشقين في انتقاد زملاء الأمس، وبيان عورات مؤسسات طالما عاشوا فيها عقوداً وتربوا في أحضانها؛ فلِمَ صمتوا وتخارسوا بالأمس؟. ولِمَ نطقوا اليوم؟!.
5-الأسلوب الرخيص وغير النبيل في تطاول البعض على المنشقين، وبخسهم فضلهم، ومحو آثارهم الطيبة، وإهالة التراب عن نجاحات وإنجازات يشهد لها الغريب قبل القريب، والمصيبة أن تأتي هذه التطاولات من تلاميذهم وأحبابهم و...!؟.
6-هذا التخبط المعلوماتي والذي يبرز من خلال جهل القواعد في فهم ومعرفة بعض ما يدور داخل مؤسساتهم وأحزابهم؛ خاصة ما يجري بين أروقة المكاتب العليا بين الزعامات والرموز.
رسائل وتحذيرات خطيرة:
وهذه العلامات أخشى أن تعطي رسائل سلبية خطيرة للمتابعين أو الملاحظين المهتمين بالشأن المجتمعي والإسلامي؛ فتوحي إليهم بانطباعت ودلالات مؤسسية خطيرة، وتحذيرات خطيرة؛ ومنها:
1-أن الخلافات الداخلية أصبحت خارج السيطرة الداخلية.
2-أن الثقة الداخلية أصابها الضمور والتلاشي.
3-أن آليات انسيابية الحركة المعلوماتية الداخلية بين أجنحة المؤسسة معطلة.
4-أن احترام قرارات ورؤى القيادة قد بدأ ينزوي أمام الانتصار للشخص على حساب المبدأ.
5-أن الحسم للمشاكل والنتوءات الداخلية قد أصابه الوهن.
ترى ماذا يقول الشباب والقواعد المتحمسة حيال هذا التضارب؟!.
وأمام غبار الخلافات وعدم التقارب تضيع الحقيقة، ويهرب المخطئ، ويظلم البريء، ويطرد المبدعون، ويفرح العدو، ويترنح الشيطان من فرط نشوته؛ فقد نجحت عمليات التحريش الشيطانية بين النفوس؛ كما حذرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الشّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَلَكِنْ فِي التّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ". [صحيح مسلم]
ظاهرة الحراك الاجتماعي!:
فهل تلك الظاهرة هي من ضمن تأثيرات أو تداعيات تلك الظاهرة المجتمعية؛ وهي ظاهرة الحراك الاجتماعي؛ والتي تضخمت ضمن تداعيات الحالة الثورية التي تعيشها مصر وجيرانها.
فمنذ فترة تحدث د. جلال أمين في مؤلفه (ماذا حدث للمصريين؟)؛ والذي حلل فيه أحوالنا المصرية في نصف قرن في الفترة من 1945 إلى 1996م تحليلاً اجتماعياً وإنسانياً وفكرياً حضارياً.
فهل ظاهرة الحراك الاجتماعي قد تسارعت وتفشت وتغولت هذه الأيام؛ وذلك بسبب توسونامي الثورات، وكذلك لوثة مَكْلَمَات الفضائيات، وجنون (التوك شو Talk Show)، ومواقع الشبكة العنكبوتية الجهنمية؛ وأنها قد أصابت البعض؛ خاصة الإسلاميين بلوثة التصريحات النارية، والبحث عن دور في هذه الزفة الإعلامية، وحب التلميع، وحب الدخول في سباق النجومية؟!.
مما انعكس ذلك على عملية تأمين المعلومات الشخصية والداخلية، وكثرت معها الأخطاء المعلوماتية واللفظية والتنظيمية؟!.
فتحطمت قواعد، وتهدمت مُثُل، وتكسرت مبادئ، وديست مشاعر، وضاعت آمال، وتاهت أهداف!؟.
فأين مبادئنا المؤسسية التي عشنا لها وعليها؟!.
وأين الآداب التي تربينا عليها، ودعونا الآخرين لها؛ خاصة أدب الاختلاف؟!.
فماذا بقي لهم ولنا؟!.
فماذا حدث للإسلاميين؟!:
لهذا كما أوردت مجلة (الهلال) في عنوان ملفها الشامل في تسعينيات القرن الماضي، وكما كتب د. جلال أمين: (ماذا حدث للمصريين؟).
فنحن نتسائل بحرقة وبذهول وبخوف أقرب منه إلى الحزن الدفين: (ماذا حدث للإسلاميين؟!).
خبير تربوي وعلاقات أسرية
E-Mail: [email protected]
د. حمدي شعيب | 23-06-2011 01:09
نال أحدهم من عائشة رضوان الله عليها بمحضر من عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال: "اسكت مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟. لقد سارت أمنا عائشة رضي الله عنها مسيرها وإنا لنعلم أنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها". [كنز العمال وحياة الصحابة]
قرأت هذه الحادثة المؤثرة، وأذهلني هذا الرد الراقي من هذا الصحابي الجليل!.
رغم أنها جاءت في سياق أحداث أخطر اختلاف في تاريخ الدعوة، وهو الخلاف بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وانقسام المجتمع الإسلامي إلى جبهتين عظيمتين؛ جبهة على رأسها عائشة، وطلحة والزبير رضوان الله عليهم من جهة، وجبهة أخرى على رأسها على وعمار بن ياسر من جهة أخرى.
ولكن ما ينقصنا تربوياً، أن نجهل أن هذا الخلاف كان يظلله أدب راقي؛ وهو أدب الاختلاف.
ميزان سورة الأحقاف:
وهذه الحادثة نفتح باباً في التربية؛ وهو إذا كان هؤلاء بشر يخطئون، ويتشاحنون، ويختلفون، ولكن كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة، نحن أحوج الناس إليها؛ وهي التي يضمها باب عظيم في المنهج مفتقد بيننا جميعاً؛ خاصة الإسلاميين قبل أن ينطمس أثره بين الناس عموماً؛ وهو أدب الاختلاف.
وهو باب عظيم في التربية، ومدخل يتوازى مع الخط الذي ينتهج دراسة الشخصيات المميزة، والقدوات من ناحية الفضائل، وننسى أنهم بشر بل يجب دراسة أدب السلوك عند النقائص.
ونحن نعلم أن الله سبحانه يزن المسلمين بميزان سورة الأحقاف: "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ". [الأحقاف16]
البعد التربوي للاختلاف وضوابطه:
وهذا الاختلاف له عدة أبعاد تربوية، وقواعد هامة، وضوابط أو شروط أساسية؛ فمنها:
1-إدراك أن الاختلاف بين البشر سنة ثابتة ومطردة، من سنن الله عز وجل الإلهية. "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ". [هود118و119]
2-الخلاف الظاهري خطورته أن ينقلب إلى خلاف قلبي محرم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم". [البخاري]
3-طريق الجنة يبدأ من عمل جماعي يحمل الخير: "من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة". [الترمذي وقال حسن صحيح]
4-وهذا التجمع البشري مسموح له بقدر من الخلاف؛ حتى ولو كان جيل الخيرية العظيم.
وتأمل صمت الحبيب صلى الله عليه وسلم وسكوته؛ فيقر هذا الحد من الخلافات البشرية: "ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمه: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه]
5-الخلافات لا تمنعنا من إظهار الحق وإرشاد العباد خاصة المختلفين معنا.
عن سعيد بن المسيب، عن أبي موسى الأشعري قال: عدت الحسن بن علي فوجدت عنده أباه علياً قال: ما جاء بك إلينا؟!. ما يولجك علينا؟!. قلت: ما إياك أتيت، ولكن أتيت ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوده. قال علي: أما إنه لا يمنعني غضبي عليك أن أُحدثك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عاد الرجل أخاه لم يزل يخوض في الرحمة حتى إذا جلس عنده غمرته. [تذكرة الحفاظ]
الظاهرة التباغضية تهدد ملح الأرض!:
وبعد فإنني أعرض هذه اللمسات وقد هالني هذا التلاسن والتشاتم والتدابر والتباغض الذي يمارسه البعض من فئات مصرنا المحروسة؛ خاصة شريحة الإسلاميين!؟.
وما آلمني أن أرى هذه الظاهرة التلاسنية التباغضية؛ قد امتدت بل واستفحلت بين أولئك الذين كان جيلي المسكين؛ ـ جيل الأحلام المسروقة ـ كنا ننظر إليهم كقدوات ورموز نتمنى مجرد رؤيتهم؛ لتقر أعيننا بهم، ونستشعر معنى الانتماء لجيل واعد؛ فنعيش معهم وبهم الأمل، وأن الدنيا لم تزل بخير!؟.
وكان مما آلمني أكثر؛ هو أن من ضمن الآداب التي داسوها تحت أقدامهم؛ هو أدب الاختلاف!؟.
وإذا كان المجتمع عموماً خاصة بعد الثورة يعاني من هذه التصدعات المجتمعية، وهذه الظاهرة التلاسنية؛ فإن الفئة التي ينظر إليها إنها الرمانة التي ستعدل ميزاننا المجتمعي المتلاسن، وهي الأمل أو القدوة لبناء مستقبل الأمة؛ قد أصابها رذاذ هذا التحول المجتمعي. وقلقنا يدعونا أن نتذكر هذا النداء الشهير: (يا ملح الأرض الذي يمنع فسادها؛ لاتفسدوا؛ لأنه إذا فسد الملح؛ فمن سيصلحه)؟!.
علامات الظاهرة التباغضية:
لقد آلمنا منذ فترة انتشار بعض العلامات المزعجة؛ والتي زادت وتيرتها مع تداعيات الثورة؛ مثل:
1-قرأنا لأحد الرموز البارزة منذ مدة؛ وهو يصرخ على صفحات الجرائد حتى المناوئة، والمنتديات والمواقع الألكترونية، ويستنجد برموز عامة من خارج مؤسسته؛ مثل د. محمد سليم العوا والمستشار محمود الخضيري والمستشار طارق البشري؛ فيستدعيهم ليتدخلوا ويطفئوا نار الخلافات الداخلية الساحقة الماحقة والشاذة في عرف احتواء كل المؤسسات الناجحة لخلافاتها!؟.
2-طريقة النقد العلني على الفضائيات والمواقع الألكترونية ووسائل الإعلام المختلفة من البعض ضد زملائهم ورفقاء الدرب ومؤسساتهم؛ وبطريقة توحي بالنقمة والضيق وعدم الانسجام مع الآخرين.
3-كثرة الخارجين والمنشقين على تيار المؤسسات والأحزاب والجماعات؛ خاصة الرموز المحترمة والمقبولة جماهيرياً والتي تتمتع بتأثيرها واستقطابها لقطاعات من الشارع.
4-هذا الأسلوب غير المقبول من بعض هؤلاء المنشقين في انتقاد زملاء الأمس، وبيان عورات مؤسسات طالما عاشوا فيها عقوداً وتربوا في أحضانها؛ فلِمَ صمتوا وتخارسوا بالأمس؟. ولِمَ نطقوا اليوم؟!.
5-الأسلوب الرخيص وغير النبيل في تطاول البعض على المنشقين، وبخسهم فضلهم، ومحو آثارهم الطيبة، وإهالة التراب عن نجاحات وإنجازات يشهد لها الغريب قبل القريب، والمصيبة أن تأتي هذه التطاولات من تلاميذهم وأحبابهم و...!؟.
6-هذا التخبط المعلوماتي والذي يبرز من خلال جهل القواعد في فهم ومعرفة بعض ما يدور داخل مؤسساتهم وأحزابهم؛ خاصة ما يجري بين أروقة المكاتب العليا بين الزعامات والرموز.
رسائل وتحذيرات خطيرة:
وهذه العلامات أخشى أن تعطي رسائل سلبية خطيرة للمتابعين أو الملاحظين المهتمين بالشأن المجتمعي والإسلامي؛ فتوحي إليهم بانطباعت ودلالات مؤسسية خطيرة، وتحذيرات خطيرة؛ ومنها:
1-أن الخلافات الداخلية أصبحت خارج السيطرة الداخلية.
2-أن الثقة الداخلية أصابها الضمور والتلاشي.
3-أن آليات انسيابية الحركة المعلوماتية الداخلية بين أجنحة المؤسسة معطلة.
4-أن احترام قرارات ورؤى القيادة قد بدأ ينزوي أمام الانتصار للشخص على حساب المبدأ.
5-أن الحسم للمشاكل والنتوءات الداخلية قد أصابه الوهن.
ترى ماذا يقول الشباب والقواعد المتحمسة حيال هذا التضارب؟!.
وأمام غبار الخلافات وعدم التقارب تضيع الحقيقة، ويهرب المخطئ، ويظلم البريء، ويطرد المبدعون، ويفرح العدو، ويترنح الشيطان من فرط نشوته؛ فقد نجحت عمليات التحريش الشيطانية بين النفوس؛ كما حذرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الشّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَلَكِنْ فِي التّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ". [صحيح مسلم]
ظاهرة الحراك الاجتماعي!:
فهل تلك الظاهرة هي من ضمن تأثيرات أو تداعيات تلك الظاهرة المجتمعية؛ وهي ظاهرة الحراك الاجتماعي؛ والتي تضخمت ضمن تداعيات الحالة الثورية التي تعيشها مصر وجيرانها.
فمنذ فترة تحدث د. جلال أمين في مؤلفه (ماذا حدث للمصريين؟)؛ والذي حلل فيه أحوالنا المصرية في نصف قرن في الفترة من 1945 إلى 1996م تحليلاً اجتماعياً وإنسانياً وفكرياً حضارياً.
فهل ظاهرة الحراك الاجتماعي قد تسارعت وتفشت وتغولت هذه الأيام؛ وذلك بسبب توسونامي الثورات، وكذلك لوثة مَكْلَمَات الفضائيات، وجنون (التوك شو Talk Show)، ومواقع الشبكة العنكبوتية الجهنمية؛ وأنها قد أصابت البعض؛ خاصة الإسلاميين بلوثة التصريحات النارية، والبحث عن دور في هذه الزفة الإعلامية، وحب التلميع، وحب الدخول في سباق النجومية؟!.
مما انعكس ذلك على عملية تأمين المعلومات الشخصية والداخلية، وكثرت معها الأخطاء المعلوماتية واللفظية والتنظيمية؟!.
فتحطمت قواعد، وتهدمت مُثُل، وتكسرت مبادئ، وديست مشاعر، وضاعت آمال، وتاهت أهداف!؟.
فأين مبادئنا المؤسسية التي عشنا لها وعليها؟!.
وأين الآداب التي تربينا عليها، ودعونا الآخرين لها؛ خاصة أدب الاختلاف؟!.
فماذا بقي لهم ولنا؟!.
فماذا حدث للإسلاميين؟!:
لهذا كما أوردت مجلة (الهلال) في عنوان ملفها الشامل في تسعينيات القرن الماضي، وكما كتب د. جلال أمين: (ماذا حدث للمصريين؟).
فنحن نتسائل بحرقة وبذهول وبخوف أقرب منه إلى الحزن الدفين: (ماذا حدث للإسلاميين؟!).
خبير تربوي وعلاقات أسرية
E-Mail: [email protected]