الليبرالية وألوهية العقل

تقليص
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فارس التوحيد
    2- عضو مشارك
    • 23 مار, 2011
    • 190
    • محاسب
    • مسلم

    #1

    الليبرالية وألوهية العقل

    الليبرالية وألوهية العقل

    د. خالد صقر | 19-06-2011 01:26

    يتساءل العديد من الكتاب والإعلاميين عن السر وراء ذلك العداء الشديد بين تيارات الصحوة الإسلامية والليبرالية ، وكثيراً ما يطرح هؤلاء المتسائلون بعضاً من مبادئ الشريعة الإسلامية التي نصت عليها نصوص الوحي بزعم أنها تتماشي مع بعض مبادئ الليبرالية ، ويرسمون بذلك علامات التعجب الزائفة خلف هؤلاء الإسلاميون "المتشددون" الذين يصرون علي معاداة الليرالية التي تعتبر من أهم أعمدة النسق الفلسفي الحداثي ، فأصبح من الواجب علي الإسلاميين المهتمين بحقيقة هذا العداء وذلك الصراع أن يطرحوا الأسباب والدوافع والمسوغات التي من أجلها يرفضون الليبرالية رفضاً كاملاً ، كما يرفضون فلسفة الحداثة وما بعدها بشكل عام. هذا المقال يسعي لطرح أحد الفوارق الأصيلة بين الليبرالية والشريعة الإسلامية ، ألا وهو دور العقل في الاستدلال علي الحقيقة.

    الليبرالية يمكن ترجمتها من مرادفها الإنكليزيّ إلي "التحررية" ، أما معناها الإصطلاحي فيصعب في حقيقة الأمر تعريفه بالنسبة إلي أطر سياسية واجتماعية مختلفة في آنٍ واحد ، إذن أنها تتغير بتغير الأنظمة السياسة والاجتماعية التي تتواجد فيها ، لكن يظل من الممكن تعريف الليبرالية بشكل مجرد كأحد أعمدة النسق الفلسفي الحداثي وكرابطة رئيسية بين عناصره المختلفة ؛ يقول البروفيسور أكسل هادينيس Axel Hadenius الأستاذ بجامعة لوند السويدية في كتاب "نصر الديمقراطية وأزمتها": (إن تحرر المجتمع Liberalization of society ماهو إلا ناتج من نواتج تطور العقل البشري وثقافته السياسية ، ولهذا فإن ذلك التحرر يستمر في التطور والتغير بلانهاية) أ.هــ ، بينما يقدم لنا البروفيسور أورين والدمان Oren Waldman أستاذ العلوم السياسية بجامعة تمبل بالولايات المتحدة تعريفاً أكثر وضوحاً لفلسفة الليبرالية ، يقول في كتاب "إعادة فهم الليبرالية : الأزمة المعاصرة للسياسة الليبرالية العامة" : (الليبرالية هي فلسفة سياسية تهدف إلي تحقيق التزاوج بين الحق المطلق للأفراد في اختيار الصواب والخطأ بشكل مطلق وتمكنهم من الحياة طبقاً لتلك الاختيارات الفردية الخاصة) أ.هــ ، ويسوق العديد من المفكرين تعريفات مشابهة ومتقاربة ، مثل ريتشارد بيترسون وروبرت هولينجر وغيرهم ، ومن خلال تلك التعريفات كلها يمكن تقديم تعريف جامع لفلسفة الليبرالية ، ينص علي أن :
    (الليبرالية هي فلسفة تهدف إلي إعطاء العقل البشري السلطة المطلقة في الاستدلال علي الحقيقة ، وإيجاد السبل المناسبة لتطبيق الحقائق بما يضمن تمكن كل فرد من أفراد المجتمع من الحياة طبقاً لنتاج عقله الشخصي).

    ربما كان مصطلح "الاستدلال علي الحقيقة" غريباً علي بعض من القراء ، فالاستدلال علي الحقيقة ووسائله كان الشغل الشاغل لكل فروع المعرفة منذ بدء الخليقة إلي يومنا هذا ، والمقصود بكلمة "الحقيقة" هنا هي "الحقائق العليا" ، مثل الهدف من الوجود ، وحقيقته ، وماهية العالم ، وما إذا كانت هناك عوالم أخري ، إلي آخر هذه القائمة الطويلة التي تعرف بالحقائق العليا. الإسلام جعل مناط معرفة تلك الحقائق موكلاً بالوحي المعصوم ، والعلوم التجريبية الحداثية كالفيزياء والعلوم الحيوية وغيرها جعلت وسائل الاستدلال علي تلك الحقائق مقيدة بالتطور العلمي وحواس الإنسان الخمسة ، إذ أن العلوم التجريبية الحداثية قصرت – بدايةً – الوجود علي الوجود المادي فقط ، ونفت أي حقيقة للوجود (الإلهي) أو ما يطلق عليه اصطلاحاً Intelligent Design ، أو التصميم العاقل للكون ، ومن هذا العمق يأتي الصراع الحاد بين الإسلام - باعترافه بالوحي المعصوم كوسيلة للإستدلال علي حقائق الوجود التي لا يمكن إدراكها بالحواس الخمسة – والليبرالية ، التي تتصل بشكل وثيق العلم التجريبي في إطار فلسفة الحداثة ، باعتمادها للعقل والحواس الخمسة التابعة له كوسيلة وحيدة للإستدلال علي حقائق الوجود ، ومن ثم تحديد مقاييس الخير والشر والقبح والجمال وما إلي ذلك.

    إذن نحن عندنا الآن منظومتان ؛ أولاهما الإسلام ، وهو يعترف بوجود مقاييس مطلقة للخير والشر والقيم العليا ، هذه المنظومة المطلقة – وما يترتب عليها من نظام خلقي واجتماعي وإنساني – فرضها الله علي البشر من خلال الوحي المعصوم الذي قام (بتعريف) البشر بالحقائق المطلقة وأجاب عن الأسئلة الأكثر صعوبة عن الهدف من الوجود وماهية الخلق والكون ، وثانيهما الليبرالية التي لا تعترف بوجود مقاييس مطلقة للقيم العليا ، لأن الجذور الفلسفية لليبرالية ترقد في تربة النسق الفلسفي الحداثي الذي لا يعترف سوي بالعقل وسيلة للإستدلال علي الحقائق المطلقة ، ومن ثم فإن الإسلام يدعو إلي (الاستسلام) إلي الأطرالخلقية والسلوكية التي نص عليها الوحي المعصوم ،
    بينما تدعو الليبرالية إلي (مقاومة) هذه الأطر وهدمها بحجة أنها ليست (حقيقية) لأنه لم يتم الاستدلال عليها بالعقل البشري وأدواته – العلم التجريبي – والحواس التابعة له.

    نستطيع الآن أن نقرر أن أهم سبب للخلاف بين الإسلاميين والليبراليين هو نظرة كل فريق للعقل ، فالإسلاميين يتبنون النظرة التي سادت الإسلام خلال الأربعة عشر قرناً الماضية ، ألا وهي أن العقل هو (وسيلة) الإستدلال علي الحقائق الجزئية وأنه (غير مختص) بالاستدلال علي الحقائق المطلقة التي يدل عليها الوحي المعصوم ذلك لأنها مستقلة عن الوجود الإنساني ، أما الليبرليين فيرون أن العقل هو (الوسيلة الوحيدة) للإستدلال علي كل الحقائق ومن ضمنها الحقائق المطلقة ، إذ أن جذور الليبرالية الفلسفية والنسقية لا تعترف في حقيقة الأمر بقدسية الوحي المعصوم وسلطته في إدارة حياة المجتمعات من خلال (مقاييس مطلقة) للقيم العليا والمنظومات الخلقية والسلوكية. الليبرالية تضع العقل – عندما تفوض له سلطة تحديد الحدود الفاصلة بين الصواب والخطأ ، والمرجعية الأخلاقية والسلوكية للفرد والمجتمع – في مكان (إلهي) بالنسبة إلي نظرة الإسلام إلي (حكم) الله تبارك وتعالي للبشر من خلال الوحي المعصوم الذي وضع القوانين والتشريعات التي تحدد الخير والشر بشكل مطلق ، وبالتالي تفرض نظاماً أخلاقياً وسلوكياً موحداً علي المجتمع الذي يدين بالإسلام.


    باحث زائر – جامعة ماليزيا التكنولوجية
    [email protected]

عن الكاتب

تقليص

فارس التوحيد مسلم اكتشف المزيد حول فارس التوحيد

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 1 يون, 2007, 04:56 م
رد 1
5,538 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة solema
بواسطة solema
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 ماي, 2007, 04:04 ص
ردود 2
2,330 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مسلم للأبد
بواسطة مسلم للأبد
ابتدأ بواسطة دال على الخير, 15 أبر, 2014, 09:59 ص
ردود 2
3,722 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 ماي, 2007, 03:54 ص
ردود 3
1,824 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة المهندس المؤمن
ابتدأ بواسطة Shebl Al Saqar, 8 ديس, 2021, 09:31 م
ردود 0
51 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة Shebl Al Saqar
بواسطة Shebl Al Saqar
ابتدأ بواسطة حسام الدين حامد, 20 يون, 2011, 01:37 ص
ردود 2
2,643 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة حسام الدين حامد
ابتدأ بواسطة فارس التوحيد, 4 يول, 2011, 11:15 ص
ردود 0
1,176 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة فارس التوحيد
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 1 يون, 2007, 05:44 م
ردود 0
1,385 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سيف الكلمة
بواسطة سيف الكلمة
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 1 يون, 2007, 05:24 م
ردود 0
1,813 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سيف الكلمة
بواسطة سيف الكلمة
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 9 يون, 2007, 02:40 ص
ردود 0
1,712 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سيف الكلمة
بواسطة سيف الكلمة
ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 11 أكت, 2012, 04:48 م
ردود 0
1,170 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مسلم للأبد
بواسطة مسلم للأبد
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 1 يول, 2006, 12:28 ص
ردود 3
3,447 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة فارس الميـدان
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 21 فبر, 2007, 04:00 م
ردود 10
4,791 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سيف الكلمة
بواسطة سيف الكلمة
ابتدأ بواسطة مهدي بن زياد, 15 ينا, 2011, 06:19 ص
رد 1
1,301 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سمير ساهر
بواسطة سمير ساهر
ابتدأ بواسطة ظل ظليل, 30 نوف, 2011, 09:01 م
رد 1
1,817 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة أبلة حكمت
بواسطة أبلة حكمت

مواضيع من نفس المنتدى الحالي

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة الأندلسى, 1 أكت, 2006, 12:33 م
ردود 31
10,220 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة مسلم لا يريد الشهرة, 15 أكت, 2009, 02:54 ص
ردود 23
8,638 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله
ابتدأ بواسطة الفضة, 30 سبت, 2016, 06:14 ص
ردود 22
9,833 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة الفضة
بواسطة الفضة
ابتدأ بواسطة حسام الدين حامد, 30 يول, 2011, 03:44 ص
ردود 10
4,716 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 9 أكت, 2010, 11:54 ص
ردود 6
8,144 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب الاسلام العظيم
يعمل...