الليبراليون العرب رسل هولاكو الجدد / يحيي البوليني
التاريخ: 12/7/1432 الموافق 14-06-2011 |
التاريخ: 12/7/1432 الموافق 14-06-2011 |
المختصر/ لا يجد المتابع البسيط لتحركات ومواقف وأفكار ما يسمون بالليبراليين العرب أدنى صعوبة في فهم المغزى الحقيقي لتلك الأفكار التي تدعو صراحة لتنحية الدين جانبا وتهميشه عن الواقع الاجتماعي للناس , وإلى نفي تدخل الدين نهائيا في الواقع العملي , ليعيش الناس بلا دين يحكمهم ويضع حدودا واضحة لتعاملاتهم .
ويتشابه الليبراليون في الوطن العربي والإسلامي في سمات كثيرة أولها النرجسية الفكرية والتعالي على كل ما هو عربي أو إسلامي, ورفض كل تشريع أو قانون أو ثقافة تمت إلى العرب وإلى المسلمين بصلة , فما بين ليبرالي مسلم في مصر لا يمانع في زواج مسلمة من نصراني إلى غيره لا يجد حرجا في تسليم قيادة الدولة للنصارى أو المطالبة بقانون يلزم أن يكون رئيس الوزراء نصرانيا إلى ليبراليين لا يلتفتون لآراء العلماء في موضوعات عدة ومنها الموضوع الذي أثار جدلا في السعودية وهو قيادة المرأة للسيارة بل ويهاجمون العلماء ويستهينون بهم ويحضون على عدم التقيد أو الالتفات لأرائهم التي يعتبرونها من التراث الذي يجب التخلي عنه كشرط أساسي للتقدم الحضاري , وصولا لتونس حيث أُجلت الانتخابات أكثر من مرة خوفا من وصول الإسلاميين والإطاحة بالعلمانيين .
إن ما نراه من تصرفات الليبراليين العرب لا نجده إلا بنوة غير شرعية لواحد ممن عادوا كل ما هو عربي أو إسلامي , والذي حض وحرض رؤساء بلاده على محاربة العرب والمسلمين واحتلالهم مرة أخرى بصورة لابد وأن تختلف عن الاحتلال السابق .
ولهذا لا نعتبر دور الليبراليين في الدول العربية والإسلامية بكل ما ينفق عليهم بمنتهى السخاء تحت مسميات منظمات المجتمع المدني وغيرها , لا نعتبر دورهم إلا كمثل دور رسل هولاكو الذين كانوا يُرسلون كمقدمة لإحداث الاضطرابات وإشاعة الفوضى وتخذيل الجموع قبل أن ينقض جيش هولاكو عليهم ليبيدهم .
وهولاكو هذه المرة هو الجانب الذي يظن نفسه أن له حق البقاء وحده , وأن كل جنس سواه لا يستحق الحياة وأن وجود الجنس العربي والمسلم فقط مرتبط بنفع الرجل الغربي وخدمته , كأن يكون سوقا لتصريف منتجاته وأرضا لنفاياته وحقلا لتجاربه ومشبعا لرغباته ونزواته .
ويساعد هولاكو هذه المرة مجموعة من المنظرين الذين يعاونونه حتى لا يُظهر وجهه القبيح مرة واحدة , بل يجملون صورته تحت عدة من المفاهيم الملتوية الغامضة التي يستترون خلفها ويزينون بها حملاتهم للقضاء على الأمة العربية والإسلامية , ولكي يجتذبوا رسلا جددا من المجتمعات العربية والإسلامية يضمونهم للقطيع , ليقوموا بنفس المهمة التخريبية التي كان يقوم بها رسل هولاكو السابقين .
ولكنهم رغم تحفظهم الشديد في إظهار حقيقة نواياهم , إلا أنهم في بعض المرات يتحدثون دون مواربة مستغلين عدم قراءة العربي والمسلم لما ينشر وعدم اكتراثهم بما يقرئون ثم نسيانهم السريع لما قرءوا , وأيضا لاطمئنان هؤلاء المنظرين الغربيين لوجود ذلك الطابور الخامس الذي يحتكر كلمة النخب المثقفة ويحتكر الرأي في الوسائل الإعلامية , والذين يقفون دوما على أهبة الاستعداد للدفاع عن السيد الغربي ولي نعمتهم لتزداد حينها مكافئاتهم ولتكتنز خزائنهم .
وممن أعلنوا مخططاتهم بكل وضوح ليبين للجميع - ومنهم بالطبع رسل هولاكو المنتشرين في كل الدول العربية والإسلامية - دورهم المنوط بهم فعله في بلادهم , إنه ذلك الرجل البالغ من العمر 95 عاما , والذي يوصف بأنه أحد أكبر العلماء في مسألة الشرق الأوسط وهو برنارد لويس الأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون الامريكية والمتخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب .
فقد أعلن في مقابلة مع إحدى وكالات الإعلام بتاريخ 20 مايو عام 2005 عن النوايا الحقيقية والنصائح التي يجب على رؤسائه أن يتعاملوا بها مع المسلمين , والتي لم تختلف أفعال السياسيين بعدها عن ما نصحهم به , فقال في المقابلة ما نصه:
"إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون, لا يمكن تحضرهم, وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسيفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات, وتقوِّض المجتمعات, ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم, وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية, وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية, ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم, ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك, إما أن نضعهم تحت سيادتنا, وإما ندعهم ليدمروا حضارتنا, ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية, وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة, لذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها, واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها, قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها".
هذا هو ما يفعله رسل هولاكو الليبراليون العرب في كل قطر عربي ومسلم يتحدثون ويتشدقون عن الخدعة الوهمية التي طالما كرروها ونشروها واتخذوها منهجا وهي " تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية " , وهذه هي مقدمة الاحتلال الجديد الذي ربما يتغير عن النمط السابق من الاحتلال باستغلال الثورات العربية الحديثة لإحلال أنظمة أخرى بدلا من الأنظمة الشمولية المستبدة التي انتهت مرحلتها بأنظمة أخرى يكون للنخب المثقفة - رسل هولاكو - النصيب الأكبر في إدارتها مستغلين العبارات البراقة والكلمات المعسولة والمفاهيم المغلوطة وإشعال قضايا صغيرة وتكبيرها والنفخ فيها لاستعداء جموع الناس على كل القيم والمفاهيم المستقاة من الشرع ومن العرف إلى مفاهيم غربية غريبة كقضية قيادة المرأة للسيارة التي أخذت أبعادا أكبر من حجمها, ونظر إليها العلماء والمتخصصون نظرة اختلفت عن نظرة الناس لها فرأوها حصان طروادة , كمقدمة لاحتلال فكري وهذا ما لم يفهمه كثير ممن نظروا للأمر على أنه تعنت ضد المرأة فحسب .
تعليق