بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
- أمَّا بعد -
أحبائي في الله..
هل جربت مرة في لحظة صفاء وبمنتهى الصدق أن تقول: "أحبك ربي" تنطقها من أعماق قلبك؟ قد تستهين بالأمر أو تقول: "وما في ذلك؟ كلنا يحب الله"، ومن اليسير أن نقولها، لكن لا أظن إنْ عايشت هذه التجربة عن قرب أنَّك ستقول مثل هذا الكلام، فأيسر شيء أن ندعي ولكن تُرى هل هذا الكلام يخرجُ من قلبك حقيقة؟ هل أنت تحبُ الله بكل ما فيك؟ هل أنت تحب الله حتى يشغلك حبه عن حب من سواه؟
لقد قمت بهذه التجربة مع بعض الإخوة في الله، وطلبت منهم على مدى أسبوع أن يدونوا ملاحظاتهم، وهم يحاولون جمع قلوبهم لتنطق بها دون كذب أو خداع، حتى لا يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وكان ما توقعت، غالبهم عجز عن النطق بها، وكتب يقول: كلَّما حاولت أن أنطق بها شعرت أني كاذب، ولم أستطع التلفظ بها اللهم إلا مرة واحدة.
نعم فإنَّ الأمر يحتاج إلى صدق وإخلاص وشفافية، وأن يدل حال المرء وعمله على هذه المحبة، قال عباد بن منصور: إنَّ أقوامًا على عهد النبي زعموا أنهم يحبون الله فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وادَّعى اليهود والنصارى أنَّهم أبناء الله وأحباؤه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، فقال لهم الله: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} [المائدة: 18]، فأشار إلى أنَّ للمحبة علامات منها أنَّ المحب لا يعذب حبيبه، فإذا لم تتحقق تلك العلامات كان ادعاءً كاذبًا وافتراءً.
إن كنت محبًا صادقًا فهات البرهان على ذلك، أين الدليل على صدق محبتك لله تعالى؟
فكيف بالله ندعي أننا نحبه ونحن نعصاه؟!! نسأل الله أنْ يغفر لنا خطايانا ويتجاوز عن سيئاتنا.
قد تقول: وهل المحب لا يعصي؟
والجواب: لا، فليس الإنسان معصومًا عن الوقوع في المعاصي، فلسنا أنبياء ولا ملائكة، ولكنَّ محبة الله تعالى تجعل العبد سريع التوبة والإنابة إلى الله، فتراه وكأنَّه لا ذنب له.
قال الشعبي: "إذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنبه".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "إنَّ الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه إذا أحبه أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك".
أي أنَّ الله يوفقه للتوبة كلما وقع منه الذنب، وإلى مكفرات الخطايا من الأعمال الصالحة بحيث تمحو أثر المعصية، ولو لم يكن للمحبة ثمرة إلا هذه لكفى.
حبيبي في الله..
هل تريد – حقًا – أن تحب الله وأن يحبك الله؟
هل أنت متعطش لأن يسكن قلبك هذا الحب الأسمى فلا تظمأ بعده أبدًا؟
هل أنت على استعداد لبذل كل ما تستطيع لتنال هذا الشرف العظيم؟
هل تريد علاجًا لكفي قلبك؟ع في المعاصي والمنكرات؟
هل وقعت في تجربة حب فاشلة فتركت من بعدها آثارًا نفسية سيئة لا تعرف كيف تتخلص منها؟
هل تعاني من شرور الدنيا وآفاتها وتأمل في أن يحفظك الله ويرعاك منها؟
هل تحب أن تدخل الجنة في الأرض فتذوق طعم السعادة الحقيقية حين تجد حلاوة الإيمان في قلبك؟
إذا كان هذا حالك فتعال بنا إلى هذه الرحلة الإيمانية في رحاب "حب الله " لعلنا نستطيع أن نغرس هذا المعنى الجليل في القلوب.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا لحبك، اللهم نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا، ورضِّنا ربنا بما قسمت لنا.
كيف لا نحب ربنا؟!!
حبيبي في الله..
دائمًا أبدًا إذا رأيت نفسك مقبلة على المعاصي ولا تألف الطاعة، تحب طريق الغواية وتأبى طريق الهدى والرشاد، تهوى ما تعلم أنَّه يغضب الله، وتتكاسل وربَّما تكره ما يُحب الله، فاعلم أنَّ هذه البلية سببها الأساسي: الجهل بالله.
فإنك لو عرفت الله حق المعرفة لأحببته من كل قلبك، واتقيته حق تقاته، فلو عرف العبد ربه بصفاته العلا وأسمائه الحسنى لخعظمته،ه؛ فإنَّه شديد العقاب، ولرجي رحمته فإنه البر الرحيم، ولا استقام حال قلبه بذكره، ولكننا لم نعظم ربنا كما يليق بجلاله، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحـج:74 ] فهوت الأقدام في المعاصي، وابتعدت عن صراط الله المستقيم.
فالجهل بالله وراء كل معصية، فإنَّ كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من أطاعه فهو عالم، فإنَّ من كان عالما بالله تعالى و عظمته ، وكبريائه وجلاله، فإنه يهابه و يخشاه، فلا يعصاه.
وقد قيل: "لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه، فكفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا".
فأي لذة في معصية تورث أعظم الخسران والحرمان، فمن لك -أيها المسكين- إذا خسرت ربك؟ من لك إذا حُرمت عطاء من وسعت رحمته كل شيء؟!!
يا من عرفت طريق الله ثمَّ أعرضت عن، أي بلاء أعظم من بلائك؟!! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].
قال أبو الأشهب السائح: "بينا أنا في الطواف إذا بجويرية قد تعلقت بأستار الكعبة وهي تقول: يا وحشتي بعد الأنس، ويا ذلي بعد العز، ويا فقري بعد الغنى.
فقلت لها: مالك؟ أذهب لك مال أو أصبت بمصيبة.
قالت: لا، ولكن كان لي قلب ففقدته.
قلت: هذه مصيبتك!! قالت: وأي مصيبة أعظم من فقد القلوب وانقطاعها عن المحبوب.
فقلت لها: إن حسن صوتك قد عطل على من سمع الكلام الطواف.
فقالت: يا شيخ البيت بيتك أم بيته؟
قلت: بل بيته.
قالت: فالحرم حرمك أم حرمه؟
فقلت: بل حرمه.
قالت: فدعنا نتدلل عليه على قدر ما استزارنا إليه.
ثم قالت: بحبك لي إلا رددت على قلبي.
قال: فقلت: من أين تعلمين أنه يحبك؟
فقالت: جيش من أجلي الجيوش، وأنفق الأموال وأخرجني من دار الشرك، وأدخلني في التوحيد، وعرفني نفسه بعد جهلي إياه، فهل هذا إلا لعناية؟" (صفة الصفوة (4/418-419))
حبيبي في الله..
تفكر.. لا تغفل.. لا تركن إلى لذة عاجلة ودنيا فانية ونعيم منغص مشوب بالهموم والأحزان، فهل من المعقول أن إذا كنت جائعًا أن تتناول طعاما مسموما، ثمَّ ترجو أن تتخلص من ضرره بشرب الدواء بعده؟
لا ريب أنها مخاطرة غير محسوبة العواقب، فقد يأتي الموت فجأة فمن الذي أعطاك صكوك الأمان بأن هذا لن يحدث، لماذا لا يحدث؟ سل رجال المرور عن حوادث السيارات، سل الأطباء والمشيعين للجنائز عن أعمار الموتى اليوم، شباب في سن الزهور، يتخطفهم الموت كل يوم، فلماذا لا يكون هذا مصيرك القريب؟ لا سيما وأنت مدرك أنك في عكس الاتجاه، وتعرف جيدًا أنَّك بعيد عن الله.
حبيبي في الله..
دعني أحدثك عن ربي وربك قليلاً، عسى أن تصل هذه الكلمات إلى قلبك، فتحبه حبًا حقيقيًا، تعالوا نتعرف إلى الله ولكن بلغة تختلف عن جميع اللغات... إنها لغة الحب.
فمن العجب العجاب: كيف لا يمتلئ القلب بمحبة الله سبحانه وهذا إبداعه المذهل في كل مكان؟!!
هذا إحسانه العظيم مع كل نَفَس نتنفسه؟
هذا حلمه العجيب علينا وهو يرانا على ما يسخطه ثم هو لا يعاقب؟
هذا كرمه الهائل الذي يدير الرأس، ونحن نقبل عليه متلطخين فلا يتردد في قبولنا بل هو يفرح بعودتنا إليه ويبدل سيئات من عصاه حسنات إذا تاب إليه وأناب.
بالله عليك تصور هذه الصورة -ولله المثل الأعلى- فلو أنَّ إنسانًا مدَّ إليك يده ليساعدك أو يصافحك، فإذا أنت معرضٌ عنه، ملتفت في الاتجاه الآخر، وهو رغم هذه الإساءة الظاهرة ما زال مادًا يديه تجاهك، بالله لو رأيت هذا يحدث مع شخص ما، أما تزجر هذا المُعرِض، أما تنهاه عن قبح فعله، فماذا أنت صانع إذا علمت أنَّ الله جل في علاه: «يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» [رواه مسلم].
واستحضر معي صورة أخرى لرجل محسن عنده أحد العاملين الفقراء، فالرجل لإحسانه لا يتركه دون أن يعطيه نفقته من طعام وشراب، ويسد عنه احتياجاته، وفي المقابل يطالبه ببعض الأعمال اليسيرة، فإذا بهذا العامل الفقير يتطاول على سيده ويخالف أوامره ويتكاسل عن أداء الأعمال التي كلفه بها، وإذا أدى هذه الأعمال فإنَّما يؤديها وفق هواه ومزاجه الشخصي، بالله أما يحق لهذا السيد أن يطرده، فإذا بك تراه لا يعاجله بالعقوبة بل يتركه ويعتذر له، فأي إحسان أعظم من هذا، ألا يكون هذا الرجل المحسن محل احترامك وثنائك، أظنك فهمت المعنى، ولله المثل الأعلى.
وانظر إلى رب "ودود" يتودد إلى عباده الصالحين... نعم يتودد، وتسبق محبته لهم محبته له، {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] وقد سبق نعيمه شكرهم، وهو من هو في الجلال والعظمة، فتصور أنَّ ملكًا عظيمًا له سلطانه وهيبته، ينزل إلى رعيته، فيتودد إليهم، ولا حاجة له منهم، يسألهم: هل من حاجة؟ هل تريد أي شيء؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يُعطي؟ هل من داع يُستجاب له؟ هل من مستغفر يُغفر له حتى ينفجر الصبح» [رواه مسلم].
يحبك وأنت لا تبادله حبًا بحب كما يليق به سبحانه!! نعم أحبك حين اصطفاك بالإسلام، فماذا صنعت لشكر هذه النعمة العظيمة.
عن عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة قال: "كانت عندي جارية أعجمية وضيئة، فكنت بها معجبا، فكانت ذات ليلة نائمة إلى جنبي، فانتبهت فلم أجدها فلمستها، فلم أجدها، وقلت: شر. فلما وجدتالله.تها ساجدة وهي تقول: بحبك لي اغفر لي. قال: قلت لها: لا تقولي هكذا قولي بحبي لك. فقالت: يا بطال حبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وحبه لي أيقظ عيني وأنام عينك.
قال: قلت: فاذهبي فأنت حرة لوجه الله، قالت: يا مولاي أسأت إليَّ كان لي أجران، وصار لي أجر واحد". (اعتقاد أهل السنة (4/654))
وكانت امرأة من العابدات تقول: بحبك لي إلا غفرت لي. فقيل: أما يكفيك أن تقولي بحبي لك؟ قالت : أما سمعت قوله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] فقدم محبته على محبتهم له. (فيض القدير (3/532))
فيا لرحمة الله!! كم يحتقر الإنسان نفسه كلما تخيل هذا العطاء الرباني، ويرى ما هو فيه من عصيان وتنكر للجميل، غفرانك ربنا غفرانك.
حبيبي في الله ..
ما بالك تبتعد عنه وهو منك قريب، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وانظر إلى عظيم إحسانه، فمن تقرب إليه خطوة تقرب إليه ضعفها، من قاله مشىشى إليه، من أتاه يمشي أتاه هرولة.
أليس هذا عجيبًا لو أنَّ الأمر يُحسب بمعايير أهل الأرض، فلماذا يقبل السيد هكذا على عبد أعرض عنه وأخطأ في حقه، إنَّ عليه أن يسعى لتصحيح أخطائه، ويذهب إلى سيده ويقطع المسافات التي ابتعد بها عنه، دون أن يتحرك له سيده، حتى يتعلم الدرس جيدًا، لكن ترى السيد أول ما رأى عبده يتحرك له بادره فسعى تجاهه أكثر، أما يستحي هذا العبد بعد كل هذا؟!!
حبيبي في الله..
انظر لعظيم صفة ربك، هل تعرف أنَّ ربك "حيي " تدرى من أي شيء؟ إنَّه يستحي أن يرد يد الطالبين من فضله صفرًا، وقد يكون منهم مذنب ومقصر، فمن ذا الذي ذل له فما عرف العز؟ من الذي لجأ إليه فما أعانه، يا هذا إن لم يحدث لك هذا فاتهم نفسك لا تتهمه، فهو أهل الجود والفضل والإنعام والإكرام.
انظر إليه وهو يراك تتعصاه وتزعم وتفعل المنكرات، فيسترك ولا يفضحك، فإنَّه "ستير يحب الستر"، تخيل لو أنَّ والدًا محسنًا على ولده، يعطيه من كل ما يريد، فإذا بالولد يسرق أباه سرًا، وإذا به يُفاجأ بوالده أمامه يراه وهو يأخذ المال من خزانته، لا شك سترتعد فرائصه، وربَّما يظن أنها القيامة من هول الصدمة، فما كان في حسبانه أبدًا أن يكون والده أمامه في هذا الموقف، فإذا به يتلعثم أمامه، وتتخبط قدماه انتظارًا لرد فعله، فإذا به لم يزجره ولم يعنف عليه، بل رأيته لا يشعره بأنَّه رآه، ولسان حاله يقول: "أرجو أن لا تعود إلى مثل هذا"... فلو أنَّ لهذا الولد شعورًا وإحساسًا ماذا تُراه يفعل؟!!
حبيبي في الله..
ما بالك برب "شكور" من أطاعه شكره على طاعته له، الله جل وعلا ملك الملوك يشكرك أنت على طاعتك له، هل تتصور؟! بل يضاعف الجزاء وإن قلَّ العمل، يعطي على الحسنة عشر أمثالها وربَّما بلا حد، يأخذ منك اللقمة أو التمرة فيجعلها كالجبل، وينقذك من النَّار بشق تمرة، فأي رب عظيم مثل ربنا؟!
أما تحرك قلبك له، أما دمعت عيناك وأنت تقرأ جميل صفاته، وتعاين بديع صنعه، وأنت تقابل الإحسان بالإساءة، وإقباله عليك بالإعراض عنه، ماذا صنع لك من شر حتى لا تحبه؟ إنَّ كل خير أنت فيه فمنه، هو الذي أرسله إليك صحتك، مالك، عملك، زوجتك، أولادك، كل هذا فضله عليك، وقد اختصك منه بما يصلحك، وادخر لك عنده يوم القيامة -إن أطعته- ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا يخطر على قلوب البشر.
فقل لي: كيف بعد هذا تعصاه وتزعم حبه؟
تعصي الله وأنت تظهر حبه*** هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته***إنَّ المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة***منه وأنت لشكر ذاك مضيع
اعلم أنَّ الله يحبك
حبيبي في الله..
إن أعطاك الله المشقّات والمصاعب والمشاكل فاعلم أنَّ الله يحبك ويريد سماع صوتك في الدعاء
وإن أعطاك الله القليل فاعلم أنَّ الله يحبك وأنه سيعطيك الأكثر في الآخرة.
وإن أعطاك الله الرضا فاعلم أن الله يحبك وأنه أعطاك أجمل نعمة.
وإن أعطاك الله الصبر فاعلم أن الله يحبك وأنك من الفائزين.
وإن أعطاك الله الإخلاص فاعلم أنَّ الله يحبك فكن مخلصاً له.
وإن أعطاك الله الهمّ فاعلم أنَّ الله يحبك وينتظر منك الحمد والشكر.
وإن أعطاك الله الحزن فاعلم أنَّ الله يحبك وأنه يخـتبر إيمانك.
وإن أعطاك الله المال فاعلم أنَّ الله يحبك فلا تبخل على الفقير.
وإن أعطاك الله الفقر فاعلم أن الله يحبك وأعطاك ما هو أغلى من المال.
وإن أعطاك الله لسان وقلب فاعلم أن الله يحبك فاستخدمهم في الخير والإخلاص.
وإن أعطاك الله الصلاة والصوم والقرآن والقيام فاعلم أن الله يحبك فكن له شاكرًا.
قد أعطاك الله الإسلام فاعلم أن الله يحبك.
إنَّ الله يحبك, فكيف لا تحبه؟؟؟
إن الله أعطاك الكثير... فكيف لا تعطيه حبك؟؟؟
ماذا لو أحبك الله؟
حبيبي في الله..
تدري ماذا سيكون حالك لو أحبك الله؟!! آهٍ... لو عرفت، والله الذي لا إله غيره لو كنت صادقًا، لو كنت عاقلاً لما طاب لك عيش حتى تصل إلى هذه المرتبة العظمى التي لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، ولا فاز بها إلا المصطفون الأخيار، الذين صدقوا الله فصدقهم، وأخلصوا له دينهم فشكر لهم فأعطاهم أعظم المنح، فرزقهم حبه.
يقول ابن القيم: "وإذا أحب الله عبدا انشأ في قلبه محبته". (مدارج السالكين (3/39))
فإذا أحبهم جعلهم من خاصته، فدفع عنهم كل شر، وأحاطهم برحماته، وأسدى لهم الخيرات، وشرح قلوبهم، وسلَّم لهم قلوبهم، واطمأنت نفوسهم.
آهٍ... لو ندرك تلك المراتب!! ماذا تريد بعدها؟
إنَّها درجة الولاية، فوالله لا نريد بعدها حياة، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة: 6].
فاللهم نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، وإن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
حبيبي في الله.. لو أحبك الله...
(1) وهبك الإيمان فأعلى درجتك عنده.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الله يؤتي المال من يحبُّ ومن لا يحب، ولا يؤتى الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان، فمنْ ضنَّ بالمال أن ينفقه، وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن يكابده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله" (رواه الطبراني وصححه الألباني (1571) في صحيح الترغيب).
ولو رزقت الإيمان لم تقع في الشبهات والشكوك والريب، وأنت في أمس الحاجة لهذا في هذا الزمان الذي تموج فيه الفتن كموج البحر، وتختلط فيه الأوراق، ولا يهتدي فيه إلى السبيل إلا من رحم الله.
ولو صار اسمك عند الله "مؤمنًا" فأبشر بكل نعيم، فالله معهم يختصهم بفضل منه ورضوان، وينجيهم من المحن، بل أوجب الله على نفسه نصرتهم {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [ الأحزاب: 47].
(2) حفظك وشملك برحمته وردَّ عنك أذى أعدائك فلا يصلون إليك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» [رواه البخاري].
قال الحارث المحاسبي: "إنَّ علامة محبة الله للعبد أنْ يتولى الله سياسة همومه فيكون في جميع أموره هو المختار لها." (الحلية (10/99))
فيدبر لك أمرك، فلا تمر بك مشكلة إلا بعث لك حلها، يحفظ سمعك فلا تسمع إلا ما يرضيه، يحفظ بصرك فلا ترى إلا ما يحب، يحفظ عليك جوارحك فلا تصرفها إلا في طاعته، يا له من فضلٍ أن تعيش محفوفًا بحفظ الله تعالى، اللهم دبر لنا فإنَّا لا نحسن التدبير، وخذ بأيدينا ونواصينا إليك أخذ الكرام عليك.
(3) أعتق رقبتك من النَّار فلا تدخلها.
عن أنس رضي الله عنه قال: «مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من أصحابه وصبي بين ظهراني الطريق فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ فسعت والهة فقالت: ابني! ابني! فاحتملت ابنها فقال القوم: يا نبي الله! ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا والله، لا يلقي الله حبيبه في النار» [رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني (7095) في صحيح الجامع].
وإلي هذا المعنى الإشارة في قول الله تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} [المائدة : 18] فإنَّ الحبيب لا يعذب حبيبه.
(4) أحبك أهل السماء وكتب لك القبول في الأرض:
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» [رواه الألباني في صحيح الجامع].
وفي رواية: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في الأرض فذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم: 96] و إذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني أبغضت فلانا فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض» [رواه الترمذي وصححه الألباني (284) في صحيح الجامع].
قال الفضيل: "عاملوا الله عز وجل بالصدق في السر، فإنَّ الرفيع من رفعه الله ، وإذا أحب الله عبدا أسكن محبته في قلوب العباد". (الحلية (8/88))
فيحبك أهل السماء، فيشفعون لك، ويدعون لك، وينصرونك، وإذا متَّ احتفوا بك، وبشروك برضوان الله {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30-31].
(5) حفظك من شرور الدنيا.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء» [رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وصححه الألباني (282) في صحيح الجامع].
قال ابن مسعود: "إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد". (الحلية (1/25)).
قال الفضيل بن عياض: "إذا أحب الله عبدا أكثر غمه، وإذا أبغض الله عبدا أوسع عليه دنياه". (الحلية (8/88))
فيجعل بالدنيا مغمومًا، فينصرف بقلبه عنها، فلا يكون في قلبه تعلق بحطام الدنيا الفاني، ليس مشغولاً بولد ولا زوجة، ولا مال ولا تجارة، بل هو مشغول بالله تعالى، هو أنيسه، هو حبيبه، هو قرة عينه، اللهم لا إله غيرك ولا رب سواك.
(6) وفقك للعمل الصالح والتوبة بعد الذنوب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدًا عسله، قال: يا رسول الله و ما عسله؟ قال: يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله» [رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الألباني (3358) في صحيح الترغيب].
قال الفضيل: "وإذا أحب الله عبدًا وفقه لعمل صالح، فتقربوا إلى الله بحب المساكين" (اعتقاد أهل السنة (1/141)).
قال الشعبي: "كان يقال التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إنَّ الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، فإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب، وذنب لا يضر كذنب لم يعمل". (الحلية (4/318))
فهذه من دلائل القبول عند الله، أنَّ العبد يكون موفقًا لفعل الطاعات، بعيدًا عن الوقوع في المحظورات والمنكرات، فالله إذا أحب عبدًا فتح له من العمل الصالح ما يقربه إليه، ودفع عنه كل شر وسوء. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحـج: 38].
(7) يستعملك فيجعلك من خدامه.
قال الغزالي: "وإذا أحب الله عبدًا أكثر حوائج الخلق إليه" (المقصد الأسنى ص (85)).
قال ابن القيم: "إذا أحب الله عبدًا اصطنعه لنفسه، واجتباه لمحبته، واستخلصه لعبادته، فشغل همه به، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته" (الفوائد ص (98)).
فما أعظمها من منزلة، أن تكون خادمًا عند الله تعالى، يستعملك في إيصال الخير إلى النَّاس، فيثقل ميزانك بأعظم أعمال البر، فيجعل النَّاس لك في حاجة، ويكفيك حاجتك، فيقضيها عنك، فمن استعمله الله واستخدمه، جعل النَّاس له خدمًا، واصطفاه لنفسه، نسأل الله أن نكون منهم.
(8) حسَّن أخلاقك ووهبك الرفق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا» [رواه الطبراني وحسنه الألباني (2666)].
وفي بعض الآثار: إنَّ محاسن الأخلاق مخزونة عند الله فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا حسنا.
فإنَّ الله إذا أحب عبدًا جعل في قلبه الرأفة والشفقة لسائر المخلوقات، وعود كفه السخاء، وقلبه الرأفة، ونفسه السماحة، وبصَّره بعيوب نفسه حتى يستصغرها، ولا يراها شيئا.
وهذا مشاهد في واقع النَّاس، أنَّ كثيرًا ممن كانوا معروفين بسوء الأخلاق قبل الالتزام بشريعة الرحمن قد تغيرت طباعهم، فهدأت نفوسهم، وحسنت أخلاقهم، حتى عادوا وكأنهم ولدوا ولادة جديدة، وذلك فضل الله يؤتيه من يصطفيه ويحبه.
(9) رزقك رزقًا حلالاً.
قال الفضيل: "وإذا أحب الله عبدا طيب له مطعمه" (اعتقاد أهل السنة (1/138)).
وهذه الآن صارت نعمة عظيمة، فقلَّ من يتحري الحلال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» [رواه البخاري].
والبلية أنَّ النبي أخبرنا «أنَّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به» [رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني (501) في صحيح الترمذي].
وأكل الحلال يورث البصيرة والفراسة وصلاح القلوب، فطيَّب الله قلبه، وكان على مظنة القبول، فإنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
(10) ابتلاك ليهذبك وامتحنك ليصطفيك.
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع» [رواه الإمام أحمد في مسنده وجوَّد إسناده الأرنؤوط].
وهذا من عظيم رحمة الله بعبده، فإنَّ في ذلك تمحيصًا لهم من الذنوب، وتفريغًا لقلوبهم من الشغل بالدنيا، غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة، وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة، وكدر الدنيا وتسليط أهلها؛ ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة. قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].
كيف نحب ربنا؟
الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى:
إذا كنت متعطشًا حقًا لأن تَروي قلبك بمحبة الله تعالى، فهذه أسباب إذا قمت بها رُزقت هذه المنحة الربانية العظيمة، لو كنت صادقًا فلن تترك سببًا إلا وحاولت بكل عزم واجتهاد أن تقوم به على أفضل وجه، ولن تملَّ من طرق الأبواب عسى أن يُحبك، ووالله بعدها لا تسل عن أي شيء فكفاك هذا الشرف الذي لا يدانيه شرف.
من هذه الأسباب:
(1) معرفة الله تعالى ومطالعة أسمائه وصفاته:
فالله يحب أن يتعرف إليه عباده في كل حال، بل يشكر لهم ذلك ويجازيهم عليه، أن ينزل محبته في قلوبهم.
قال صلى الله عليه وسلم: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» [رواه أبو القاسم بن بشران وصححه الألباني في صحيح الجامع (2961)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعجب من العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربا يغفر و يعاقب» [رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني (1821) في صحيح الجامع].
والشاهد أنَّ الله يحب أن يتعرف عليه عبده، ويتحبب ويتقرب إليه بطاعته، ويشكره على سابغ نعمته.
قال عتبة الغلام: "من عرف الله تعالى أحبه، ومن أحب الله أطاعه، ومن أطاع الله أكرمه، ومن أكرمه أسكنه في جواره، ومن أسكنه في جواره فطوباه، وطوباه، وطوباه، فلم يزل يقول وطوباه حتى خرَّ ساقطًا مغشيًا عليه" (حلية الأولياء (6/236)).
ومما يعين على هذه المعرفة:
التفكر في ملكوت السموات والأرض.
فو الله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق لهم ربهم، حتى أيقنت قلوبهم، وحتى كأنَّما عبدوا الله عن رؤية، وقد كان سلفنا الصالح يفضلون التفكر على النوافل، فكان أكثر عمل أبي الدرداء رضي الله عنه الاعتبار والتفكر.
قال عبد الله التيمي: "أفضل النوافل طول الفكرة".
ولا شك أن التفكر في أسماء الله وصفاته من أعظم الأسباب التي تؤدي على المحبة، فهل يحب الإنسان أحدًا إلا لجميل صفاته عنده، ولذلك عليك أن تتفكر في صفات ربك، في رحمته وبره، في جوده وكرمه وإنعامه، في حلمه وستره، انظر كما تقدم معنا قريبًا إلى عظيم صفته، واعلم أنَّ من عرف ربه حق المعرفة ادخله الله الجنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى تسعة و تسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة» [متفق عليه].
(2) استشعار نعم الله على عباده.
يقول الطاهر بن عاشور: "وربَّما كان تعداد النعم مغنيا عن الأمر بالطاعة والامتثال؛ لأن من طبع النفوس الكريمة امتثال أمر المنعم لأن النعمة تورث المحبة" (التحرير والتنوير (1/275)).
فإنَّ النفوس جُبلت على حب من أحسن إليها، ولذلك ندبنا الله إلى التحدث بنعمه، فإنَّه يورث المحبة. قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [ الضحى: 11].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي» [رواه الترمذي، وقال: حسن غريب].
قال الفضيل: أوحى الله إلى نبي الله داود عليه السلام: أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا ربُ، هذا أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك، تذكرني، ولا تذكر مني إلا حسنا".
وقال عمر بن عبد العزيز: "الفكر في نعم الله أفضل العبادة".
قال ذو النون: "تنال المعرفة بثلاث: بالنظر في الأمور كيف دبرها، وفي المقادير كيف قدرها، وفي الخلائق خلقها".
فانظر في حالك: مم خلقت؟ كيف صرت هكذا بشرًا سويًا؟ ثمَّ انظر من الذي أنشأك؟ من الذي يسَّر لك ما أنت فيه من نعيم؟ وانظر في خاصة أمرك، أليس قد أعطاك أشياء وحرم منها غيرك ألا يستوجب هذا أن تشكره فلا تعصاه؟ أليس قد منع عنك أشياء – والله – ما منعها عنك إلا لخوفه عليك أن يكون فيها هلاكك، ولكننا نريد الدنيا والله يريد الآخرة.
اسمع لهذه الآيات ومرر على قلبك تلك المواقف التي مازالت عالقة بذهنك، فتقول: والله لولا الله ما كانت، الحمد لله الذي فضلني على كثير من عباده بهذه النعم.
يقول الله مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: 6-8].
تصور كيف نزلت هذه الآيات على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتصور حالك أنت، وقل لنفسك: ألم يجدك... ألم يجدك... ألم ...؟
ثمَّ ماذا صنعت معه؟
عصيته، خالفت أمره، ابتعدت عن طريقه، أي إساءة أشد من هذا؟
ما زلت مترددًا في الالتزام، مازلت لا تريدين الحجاب، مازلت تقطع في الصلاة، مازلت لا تنفك عن المشي مع البنات وشرب المخدرات والسهر في أماكن اللهو الحرام، مازلت لا تريده!!!
وهو الذي أعطاك كل نعيم فصرفته في طريق الجحيم، ربنا اغفر لنا وتب علينا.
(3) كثرة ذكر الله تعالى.
قال ذو النون:"من شغل قلبه ولسانه بالذكر، قذف الله في قلبه الاشتياق إليه".
قال إبراهيم بن الجنيد: "كان يُقال: من علامة المحبة لله: دوام الذكر بالقلب واللسان، وقلَّ ما ولع المرء بذكر الله عز وجلَّ إلا أفاد منه حب الله جل جلاله".
يقول ابن القيم: "وقد جعل الله لكل شيء سببًا، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجلَّ فليلهج بذكره، فإنَّه الدرس والمذاكرة، كما أنَّخ باب العلم، فالذكر باب المحبة، وشارعها الأعظم، وصراطها الأقوم" (الوابل الصيب ص (50)).
فلا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله، لا تغفل عن أذكار الصباح والمساء فإنَّها زادك الإيماني.
أكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فإنَّها حرز من الشيطان وسبب للعتق من النيران، ورافعة للحسنات، ماحية للسيئات، وهي من أفضل الأعمال إلى الله تعالى.
أكثر من قول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فكما تعلم فإنّها تثقل الميزان، ومدعاة لمحبة الرحمن.
أكثر من الاستغفار: فإنَّه يطهر القلب والجنان، ومدعاة لتكفير الذنوب والآثام.
أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فإنها من أعظم أسباب تنزل الرحمات، وبها تستجلب محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وشفاعته يوم المعاد، وترفع بها الدرجات، وتقضى الحاجات.
اصنع هذا ولسان حالك كأنه يقول:
وكيف أشغل قلبي عن محبتكم***بغير ذكركم يا كل أشغالي
(4) تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر.
عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص]، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟»، فسألوه فقال: "لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله يحبه» [متفق عليه].
فلمَّا أحب تلك السورة لما فيها من صفات الله جل وعلا، أحبه الله من أجل ذلك، وهذه هي القراءة المطلوبة، قراءة بتمعن وتفكر في كلام من تحب.
يقول ابن القيم: "فتبارك الذي جعل كلامه حياة للقلوب، وشفاء لما في الصدور، وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل، والرضا والتفويض، والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكمال، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة، والتي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مرَّ بآية وهو محتاجًا إليها في شفاء قلبه كررها، ولو مائة مرة ولو في ليلة".
فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وقوله:لى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله : {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب (مفتاح دار السعادة 1/186-187)).
(5) الانكسار والذل بين يديه سبحانه.
ذكره ابن القيم في الأسباب الجالبة للمحبة فقال: "وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات (مدارج السالكين (3/17)).
فإذا أراد أن يعز عبده وينصره ويرفعه كسره أولا ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، فتفيض منن الله على أهل الانكسار {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5-6]، فالعبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه ورحمة ربه عندئذ قريبة منه.
وفي بعض الإسرائيليات قال موسى عليه السلام: "يا رب أين أبغيك؟" قال: "أبغني عند المنكسرة قلوبهم" (الحلية (2/364)).
ولذلك قد يبتليك الله ليسمع تضرعك، وتضرعك حبيب إليه، يحب أنينك لما فيه من انكسارك وافتقارك له وذلك بين يديه، وهذا مقام العبودية الأعظم الذي خلقك من أجله، فهل فهمت عنه مراده؟
اللهم اجعلنا لك أواهين منيبين مخبتين، واجعلنا ممن لا يذل إلا إليك، يا من خضعت لك رقبتي، وذلَّ لك جسده، ارحم حنين الحان إليك، وأنين الآن بين يديك.
(6) المحافظة على صلاة الجماعة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقولوا: آمين، يجبكم الله» [رواه مسلم].
فصلاة الجماعة من أعظم القربات إلى الله تعالى، فهي أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، ومن خرج لأدائها في المسجد كتب الله له أجر حجة، وشمله برحمته، وغفرت ذنوبه، ومن حافظ عليها شاهدًا تكبيرة الإحرام أربعين يومًا فإنَّه يسلم من النفاق، وتعتق رقبته من النار.
وفي صلاة الجماعة تجسيد لمعاني الترابط والتآلف بين المسلمين، لما فيها من اجتماع القلوب على طاعة ربهم، والله يحب أن يكون أهل الإيمان كالجسد الواحد والبنيان المرصوص؛ ولذلك كلما كان عدد المصلين أكثر كان هذا أحب إلى الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإنَّ صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكل ما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه الألباني (411) في صحيح الترغيب].
فاحرص عليها، فإنَّها سبب عظيم لمرضاة الله تعالى، وتركها يوجب غضبه وسخطه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق» [رواه مسلم].
قال أبو سليمان الداراني: "لا تفوت أحدًا صلاة الجماعة إلا بذنب" (الإحياء (1/356)).
(7) كثرة النوافل.
قال تعالى في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه» [رواه البخاري].
وذلك لأنَّه قد جرت العادة أنَّ التقرب يكون غالبًا بغير ما وجب على المتقرب، لأنَّ في ذلك دليلاً على حرصه على رضا ربه، فهو مازال يصنع من أعمال البر، وكأنه يطرق باب ربه عسى أن يفتح له.
فحافظ -حبيبي في الله– على أداء نوافل الصلوات:
فتصلي ركعتين قبل الفجر هما خير عند الله من الدنيا وما فيها.
وتصلي الضحى أربعًا يكفك الله من كل بلاء وشر، وكنت عنده من صفوة عباده فكتبت عنده من الأوابين.
وتصلي قبل الظهر أربعًا وبعده أربعًا فإن فعلت حرَّم الله جسدك على النار.
وتصلي قبل العصر أربعًا فيختصك الله برحمات من عنده.
وتصلي بعد المغرب اثنتين إحياءً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وتصلي بعد العشاء ركعتين.
وتقوم الليل بإحدى عشر ركعة، وقيام الليل دأب الصالحين وشعارهم، وعبادتهم التي لا ينفكون عنها، وهو شرف المؤمن، ومن أعظم الأسباب لتكفير الذنوب والخطايا.
وأقل ذلك أن تصلي في اليوم والليلة (12 ركعة) فتدالقيم[/color]-:ا في الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة» [رواه مسلم].
(8) الخلوة للمناجاة.
من أسباب المحبة -كما يقول ابن القيم- : "الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثمَّ ختم ذلك بالاستغفار والتوبة".
وهذا من فضل قيام الليل في وقت السحر، في جوف الليل المظلم، حين ينزل الرب سبحانه، يسأل عباده عن حوائجهم ليقضيها لهم، فاللهم لا حاجة لنا إلا أنت فارزقنا حبك.
قيل للحسن: "ما بال القائمين أحسن الناس وجوها؟"، فقال: "إنهم خلوا بالله في السحر فألبسهم من نوره".
فلو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار، ورفعوا قص[يوسف:ذار مضمونها: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88].
لبرز لهم التوقيع عليها: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92].
(9) معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى.
قال أبو حازم: "خصلتان من تكفل بهما تكفلت له بالجنة تركك ما تحب، واحتمالك ما تكره إذا أحبه الله عز وجل" (الحلية (3/241)).
قال فتح الموصلي: "من أدام النظر بقلبه ورثه ذلك الفرح بالمحبوب، ومن آثره على هواه ورثه ذلك حبه إياه، ومن اشتاق إليه وزهد فيما سواه ورعى حقه وخافه بالغيب ورثه ذلك النظر إلى وجهه الكريم" (مجموع رسائل ابن رجب (3/319)).
الله... ما أعظمها من بشارات!!
فلو أدام المرء التفكر في أسماء الله وصفاته شرح الله صدره، وأدخل على قلبه السرور، فلا يشعر بشقاء ولا عناء، ومن آثر الله على هوى نفسه، ففضل الله وطاعته على شهواته ورغباته، فالله لابد أن يجازيه خيرًا، فإنَّ الرب شكور، فيمنحه حبه الذي هو أعظم العطايا.
جرب أن تغض بصرك وتقول في نفسك كما قال يوسف عليه السلام: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33].
وأدم ذلك، والله ستجد لذلك لذة ونعيمًا، فإنَّ من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منها، وهل هناك عوض يداني أن يحبك الله؟!
جربي أن تتركي التبرج والملابس الضيقة لا تصنعي هذا إلا لله، وأنت تحبين أن تشعري بأنك مرغوبة وتتخطفك الأعين المسعورة، جربي أن تفعليها لله، فقط قولي كما قال موسى صلى الله عليه وسلم: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
والله سيشملك بحفظه، ويشكر لك هذا، ويجازيك عنه خير الجزاء...
فماذا تنتظرين؟!!
هل لا تريدين أن يحبك الله؟!!
(10) تذكر نعيم أهل الجنة ورؤيتهم لربهم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
- أمَّا بعد -
أحبائي في الله..
هل جربت مرة في لحظة صفاء وبمنتهى الصدق أن تقول: "أحبك ربي" تنطقها من أعماق قلبك؟ قد تستهين بالأمر أو تقول: "وما في ذلك؟ كلنا يحب الله"، ومن اليسير أن نقولها، لكن لا أظن إنْ عايشت هذه التجربة عن قرب أنَّك ستقول مثل هذا الكلام، فأيسر شيء أن ندعي ولكن تُرى هل هذا الكلام يخرجُ من قلبك حقيقة؟ هل أنت تحبُ الله بكل ما فيك؟ هل أنت تحب الله حتى يشغلك حبه عن حب من سواه؟
لقد قمت بهذه التجربة مع بعض الإخوة في الله، وطلبت منهم على مدى أسبوع أن يدونوا ملاحظاتهم، وهم يحاولون جمع قلوبهم لتنطق بها دون كذب أو خداع، حتى لا يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وكان ما توقعت، غالبهم عجز عن النطق بها، وكتب يقول: كلَّما حاولت أن أنطق بها شعرت أني كاذب، ولم أستطع التلفظ بها اللهم إلا مرة واحدة.
نعم فإنَّ الأمر يحتاج إلى صدق وإخلاص وشفافية، وأن يدل حال المرء وعمله على هذه المحبة، قال عباد بن منصور: إنَّ أقوامًا على عهد النبي زعموا أنهم يحبون الله فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وادَّعى اليهود والنصارى أنَّهم أبناء الله وأحباؤه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، فقال لهم الله: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} [المائدة: 18]، فأشار إلى أنَّ للمحبة علامات منها أنَّ المحب لا يعذب حبيبه، فإذا لم تتحقق تلك العلامات كان ادعاءً كاذبًا وافتراءً.
إن كنت محبًا صادقًا فهات البرهان على ذلك، أين الدليل على صدق محبتك لله تعالى؟
فكيف بالله ندعي أننا نحبه ونحن نعصاه؟!! نسأل الله أنْ يغفر لنا خطايانا ويتجاوز عن سيئاتنا.
قد تقول: وهل المحب لا يعصي؟
والجواب: لا، فليس الإنسان معصومًا عن الوقوع في المعاصي، فلسنا أنبياء ولا ملائكة، ولكنَّ محبة الله تعالى تجعل العبد سريع التوبة والإنابة إلى الله، فتراه وكأنَّه لا ذنب له.
قال الشعبي: "إذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنبه".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "إنَّ الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه إذا أحبه أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك".
أي أنَّ الله يوفقه للتوبة كلما وقع منه الذنب، وإلى مكفرات الخطايا من الأعمال الصالحة بحيث تمحو أثر المعصية، ولو لم يكن للمحبة ثمرة إلا هذه لكفى.
حبيبي في الله..
هل تريد – حقًا – أن تحب الله وأن يحبك الله؟
هل أنت متعطش لأن يسكن قلبك هذا الحب الأسمى فلا تظمأ بعده أبدًا؟
هل أنت على استعداد لبذل كل ما تستطيع لتنال هذا الشرف العظيم؟
هل تريد علاجًا لكفي قلبك؟ع في المعاصي والمنكرات؟
هل وقعت في تجربة حب فاشلة فتركت من بعدها آثارًا نفسية سيئة لا تعرف كيف تتخلص منها؟
هل تعاني من شرور الدنيا وآفاتها وتأمل في أن يحفظك الله ويرعاك منها؟
هل تحب أن تدخل الجنة في الأرض فتذوق طعم السعادة الحقيقية حين تجد حلاوة الإيمان في قلبك؟
إذا كان هذا حالك فتعال بنا إلى هذه الرحلة الإيمانية في رحاب "حب الله " لعلنا نستطيع أن نغرس هذا المعنى الجليل في القلوب.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا لحبك، اللهم نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا، ورضِّنا ربنا بما قسمت لنا.
كيف لا نحب ربنا؟!!
حبيبي في الله..
دائمًا أبدًا إذا رأيت نفسك مقبلة على المعاصي ولا تألف الطاعة، تحب طريق الغواية وتأبى طريق الهدى والرشاد، تهوى ما تعلم أنَّه يغضب الله، وتتكاسل وربَّما تكره ما يُحب الله، فاعلم أنَّ هذه البلية سببها الأساسي: الجهل بالله.
فإنك لو عرفت الله حق المعرفة لأحببته من كل قلبك، واتقيته حق تقاته، فلو عرف العبد ربه بصفاته العلا وأسمائه الحسنى لخعظمته،ه؛ فإنَّه شديد العقاب، ولرجي رحمته فإنه البر الرحيم، ولا استقام حال قلبه بذكره، ولكننا لم نعظم ربنا كما يليق بجلاله، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحـج:74 ] فهوت الأقدام في المعاصي، وابتعدت عن صراط الله المستقيم.
فالجهل بالله وراء كل معصية، فإنَّ كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من أطاعه فهو عالم، فإنَّ من كان عالما بالله تعالى و عظمته ، وكبريائه وجلاله، فإنه يهابه و يخشاه، فلا يعصاه.
وقد قيل: "لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه، فكفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا".
فأي لذة في معصية تورث أعظم الخسران والحرمان، فمن لك -أيها المسكين- إذا خسرت ربك؟ من لك إذا حُرمت عطاء من وسعت رحمته كل شيء؟!!
يا من عرفت طريق الله ثمَّ أعرضت عن، أي بلاء أعظم من بلائك؟!! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].
قال أبو الأشهب السائح: "بينا أنا في الطواف إذا بجويرية قد تعلقت بأستار الكعبة وهي تقول: يا وحشتي بعد الأنس، ويا ذلي بعد العز، ويا فقري بعد الغنى.
فقلت لها: مالك؟ أذهب لك مال أو أصبت بمصيبة.
قالت: لا، ولكن كان لي قلب ففقدته.
قلت: هذه مصيبتك!! قالت: وأي مصيبة أعظم من فقد القلوب وانقطاعها عن المحبوب.
فقلت لها: إن حسن صوتك قد عطل على من سمع الكلام الطواف.
فقالت: يا شيخ البيت بيتك أم بيته؟
قلت: بل بيته.
قالت: فالحرم حرمك أم حرمه؟
فقلت: بل حرمه.
قالت: فدعنا نتدلل عليه على قدر ما استزارنا إليه.
ثم قالت: بحبك لي إلا رددت على قلبي.
قال: فقلت: من أين تعلمين أنه يحبك؟
فقالت: جيش من أجلي الجيوش، وأنفق الأموال وأخرجني من دار الشرك، وأدخلني في التوحيد، وعرفني نفسه بعد جهلي إياه، فهل هذا إلا لعناية؟" (صفة الصفوة (4/418-419))
حبيبي في الله..
تفكر.. لا تغفل.. لا تركن إلى لذة عاجلة ودنيا فانية ونعيم منغص مشوب بالهموم والأحزان، فهل من المعقول أن إذا كنت جائعًا أن تتناول طعاما مسموما، ثمَّ ترجو أن تتخلص من ضرره بشرب الدواء بعده؟
لا ريب أنها مخاطرة غير محسوبة العواقب، فقد يأتي الموت فجأة فمن الذي أعطاك صكوك الأمان بأن هذا لن يحدث، لماذا لا يحدث؟ سل رجال المرور عن حوادث السيارات، سل الأطباء والمشيعين للجنائز عن أعمار الموتى اليوم، شباب في سن الزهور، يتخطفهم الموت كل يوم، فلماذا لا يكون هذا مصيرك القريب؟ لا سيما وأنت مدرك أنك في عكس الاتجاه، وتعرف جيدًا أنَّك بعيد عن الله.
حبيبي في الله..
دعني أحدثك عن ربي وربك قليلاً، عسى أن تصل هذه الكلمات إلى قلبك، فتحبه حبًا حقيقيًا، تعالوا نتعرف إلى الله ولكن بلغة تختلف عن جميع اللغات... إنها لغة الحب.
فمن العجب العجاب: كيف لا يمتلئ القلب بمحبة الله سبحانه وهذا إبداعه المذهل في كل مكان؟!!
هذا إحسانه العظيم مع كل نَفَس نتنفسه؟
هذا حلمه العجيب علينا وهو يرانا على ما يسخطه ثم هو لا يعاقب؟
هذا كرمه الهائل الذي يدير الرأس، ونحن نقبل عليه متلطخين فلا يتردد في قبولنا بل هو يفرح بعودتنا إليه ويبدل سيئات من عصاه حسنات إذا تاب إليه وأناب.
بالله عليك تصور هذه الصورة -ولله المثل الأعلى- فلو أنَّ إنسانًا مدَّ إليك يده ليساعدك أو يصافحك، فإذا أنت معرضٌ عنه، ملتفت في الاتجاه الآخر، وهو رغم هذه الإساءة الظاهرة ما زال مادًا يديه تجاهك، بالله لو رأيت هذا يحدث مع شخص ما، أما تزجر هذا المُعرِض، أما تنهاه عن قبح فعله، فماذا أنت صانع إذا علمت أنَّ الله جل في علاه: «يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» [رواه مسلم].
واستحضر معي صورة أخرى لرجل محسن عنده أحد العاملين الفقراء، فالرجل لإحسانه لا يتركه دون أن يعطيه نفقته من طعام وشراب، ويسد عنه احتياجاته، وفي المقابل يطالبه ببعض الأعمال اليسيرة، فإذا بهذا العامل الفقير يتطاول على سيده ويخالف أوامره ويتكاسل عن أداء الأعمال التي كلفه بها، وإذا أدى هذه الأعمال فإنَّما يؤديها وفق هواه ومزاجه الشخصي، بالله أما يحق لهذا السيد أن يطرده، فإذا بك تراه لا يعاجله بالعقوبة بل يتركه ويعتذر له، فأي إحسان أعظم من هذا، ألا يكون هذا الرجل المحسن محل احترامك وثنائك، أظنك فهمت المعنى، ولله المثل الأعلى.
وانظر إلى رب "ودود" يتودد إلى عباده الصالحين... نعم يتودد، وتسبق محبته لهم محبته له، {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] وقد سبق نعيمه شكرهم، وهو من هو في الجلال والعظمة، فتصور أنَّ ملكًا عظيمًا له سلطانه وهيبته، ينزل إلى رعيته، فيتودد إليهم، ولا حاجة له منهم، يسألهم: هل من حاجة؟ هل تريد أي شيء؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يُعطي؟ هل من داع يُستجاب له؟ هل من مستغفر يُغفر له حتى ينفجر الصبح» [رواه مسلم].
يحبك وأنت لا تبادله حبًا بحب كما يليق به سبحانه!! نعم أحبك حين اصطفاك بالإسلام، فماذا صنعت لشكر هذه النعمة العظيمة.
عن عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة قال: "كانت عندي جارية أعجمية وضيئة، فكنت بها معجبا، فكانت ذات ليلة نائمة إلى جنبي، فانتبهت فلم أجدها فلمستها، فلم أجدها، وقلت: شر. فلما وجدتالله.تها ساجدة وهي تقول: بحبك لي اغفر لي. قال: قلت لها: لا تقولي هكذا قولي بحبي لك. فقالت: يا بطال حبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وحبه لي أيقظ عيني وأنام عينك.
قال: قلت: فاذهبي فأنت حرة لوجه الله، قالت: يا مولاي أسأت إليَّ كان لي أجران، وصار لي أجر واحد". (اعتقاد أهل السنة (4/654))
وكانت امرأة من العابدات تقول: بحبك لي إلا غفرت لي. فقيل: أما يكفيك أن تقولي بحبي لك؟ قالت : أما سمعت قوله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] فقدم محبته على محبتهم له. (فيض القدير (3/532))
فيا لرحمة الله!! كم يحتقر الإنسان نفسه كلما تخيل هذا العطاء الرباني، ويرى ما هو فيه من عصيان وتنكر للجميل، غفرانك ربنا غفرانك.
حبيبي في الله ..
ما بالك تبتعد عنه وهو منك قريب، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وانظر إلى عظيم إحسانه، فمن تقرب إليه خطوة تقرب إليه ضعفها، من قاله مشىشى إليه، من أتاه يمشي أتاه هرولة.
أليس هذا عجيبًا لو أنَّ الأمر يُحسب بمعايير أهل الأرض، فلماذا يقبل السيد هكذا على عبد أعرض عنه وأخطأ في حقه، إنَّ عليه أن يسعى لتصحيح أخطائه، ويذهب إلى سيده ويقطع المسافات التي ابتعد بها عنه، دون أن يتحرك له سيده، حتى يتعلم الدرس جيدًا، لكن ترى السيد أول ما رأى عبده يتحرك له بادره فسعى تجاهه أكثر، أما يستحي هذا العبد بعد كل هذا؟!!
حبيبي في الله..
انظر لعظيم صفة ربك، هل تعرف أنَّ ربك "حيي " تدرى من أي شيء؟ إنَّه يستحي أن يرد يد الطالبين من فضله صفرًا، وقد يكون منهم مذنب ومقصر، فمن ذا الذي ذل له فما عرف العز؟ من الذي لجأ إليه فما أعانه، يا هذا إن لم يحدث لك هذا فاتهم نفسك لا تتهمه، فهو أهل الجود والفضل والإنعام والإكرام.
انظر إليه وهو يراك تتعصاه وتزعم وتفعل المنكرات، فيسترك ولا يفضحك، فإنَّه "ستير يحب الستر"، تخيل لو أنَّ والدًا محسنًا على ولده، يعطيه من كل ما يريد، فإذا بالولد يسرق أباه سرًا، وإذا به يُفاجأ بوالده أمامه يراه وهو يأخذ المال من خزانته، لا شك سترتعد فرائصه، وربَّما يظن أنها القيامة من هول الصدمة، فما كان في حسبانه أبدًا أن يكون والده أمامه في هذا الموقف، فإذا به يتلعثم أمامه، وتتخبط قدماه انتظارًا لرد فعله، فإذا به لم يزجره ولم يعنف عليه، بل رأيته لا يشعره بأنَّه رآه، ولسان حاله يقول: "أرجو أن لا تعود إلى مثل هذا"... فلو أنَّ لهذا الولد شعورًا وإحساسًا ماذا تُراه يفعل؟!!
حبيبي في الله..
ما بالك برب "شكور" من أطاعه شكره على طاعته له، الله جل وعلا ملك الملوك يشكرك أنت على طاعتك له، هل تتصور؟! بل يضاعف الجزاء وإن قلَّ العمل، يعطي على الحسنة عشر أمثالها وربَّما بلا حد، يأخذ منك اللقمة أو التمرة فيجعلها كالجبل، وينقذك من النَّار بشق تمرة، فأي رب عظيم مثل ربنا؟!
أما تحرك قلبك له، أما دمعت عيناك وأنت تقرأ جميل صفاته، وتعاين بديع صنعه، وأنت تقابل الإحسان بالإساءة، وإقباله عليك بالإعراض عنه، ماذا صنع لك من شر حتى لا تحبه؟ إنَّ كل خير أنت فيه فمنه، هو الذي أرسله إليك صحتك، مالك، عملك، زوجتك، أولادك، كل هذا فضله عليك، وقد اختصك منه بما يصلحك، وادخر لك عنده يوم القيامة -إن أطعته- ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا يخطر على قلوب البشر.
فقل لي: كيف بعد هذا تعصاه وتزعم حبه؟
تعصي الله وأنت تظهر حبه*** هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته***إنَّ المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة***منه وأنت لشكر ذاك مضيع
اعلم أنَّ الله يحبك
حبيبي في الله..
إن أعطاك الله المشقّات والمصاعب والمشاكل فاعلم أنَّ الله يحبك ويريد سماع صوتك في الدعاء
وإن أعطاك الله القليل فاعلم أنَّ الله يحبك وأنه سيعطيك الأكثر في الآخرة.
وإن أعطاك الله الرضا فاعلم أن الله يحبك وأنه أعطاك أجمل نعمة.
وإن أعطاك الله الصبر فاعلم أن الله يحبك وأنك من الفائزين.
وإن أعطاك الله الإخلاص فاعلم أنَّ الله يحبك فكن مخلصاً له.
وإن أعطاك الله الهمّ فاعلم أنَّ الله يحبك وينتظر منك الحمد والشكر.
وإن أعطاك الله الحزن فاعلم أنَّ الله يحبك وأنه يخـتبر إيمانك.
وإن أعطاك الله المال فاعلم أنَّ الله يحبك فلا تبخل على الفقير.
وإن أعطاك الله الفقر فاعلم أن الله يحبك وأعطاك ما هو أغلى من المال.
وإن أعطاك الله لسان وقلب فاعلم أن الله يحبك فاستخدمهم في الخير والإخلاص.
وإن أعطاك الله الصلاة والصوم والقرآن والقيام فاعلم أن الله يحبك فكن له شاكرًا.
قد أعطاك الله الإسلام فاعلم أن الله يحبك.
إنَّ الله يحبك, فكيف لا تحبه؟؟؟
إن الله أعطاك الكثير... فكيف لا تعطيه حبك؟؟؟
ماذا لو أحبك الله؟
حبيبي في الله..
تدري ماذا سيكون حالك لو أحبك الله؟!! آهٍ... لو عرفت، والله الذي لا إله غيره لو كنت صادقًا، لو كنت عاقلاً لما طاب لك عيش حتى تصل إلى هذه المرتبة العظمى التي لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، ولا فاز بها إلا المصطفون الأخيار، الذين صدقوا الله فصدقهم، وأخلصوا له دينهم فشكر لهم فأعطاهم أعظم المنح، فرزقهم حبه.
يقول ابن القيم: "وإذا أحب الله عبدا انشأ في قلبه محبته". (مدارج السالكين (3/39))
فإذا أحبهم جعلهم من خاصته، فدفع عنهم كل شر، وأحاطهم برحماته، وأسدى لهم الخيرات، وشرح قلوبهم، وسلَّم لهم قلوبهم، واطمأنت نفوسهم.
آهٍ... لو ندرك تلك المراتب!! ماذا تريد بعدها؟
إنَّها درجة الولاية، فوالله لا نريد بعدها حياة، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة: 6].
فاللهم نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، وإن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
حبيبي في الله.. لو أحبك الله...
(1) وهبك الإيمان فأعلى درجتك عنده.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الله يؤتي المال من يحبُّ ومن لا يحب، ولا يؤتى الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان، فمنْ ضنَّ بالمال أن ينفقه، وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن يكابده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله" (رواه الطبراني وصححه الألباني (1571) في صحيح الترغيب).
ولو رزقت الإيمان لم تقع في الشبهات والشكوك والريب، وأنت في أمس الحاجة لهذا في هذا الزمان الذي تموج فيه الفتن كموج البحر، وتختلط فيه الأوراق، ولا يهتدي فيه إلى السبيل إلا من رحم الله.
ولو صار اسمك عند الله "مؤمنًا" فأبشر بكل نعيم، فالله معهم يختصهم بفضل منه ورضوان، وينجيهم من المحن، بل أوجب الله على نفسه نصرتهم {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [ الأحزاب: 47].
(2) حفظك وشملك برحمته وردَّ عنك أذى أعدائك فلا يصلون إليك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» [رواه البخاري].
قال الحارث المحاسبي: "إنَّ علامة محبة الله للعبد أنْ يتولى الله سياسة همومه فيكون في جميع أموره هو المختار لها." (الحلية (10/99))
فيدبر لك أمرك، فلا تمر بك مشكلة إلا بعث لك حلها، يحفظ سمعك فلا تسمع إلا ما يرضيه، يحفظ بصرك فلا ترى إلا ما يحب، يحفظ عليك جوارحك فلا تصرفها إلا في طاعته، يا له من فضلٍ أن تعيش محفوفًا بحفظ الله تعالى، اللهم دبر لنا فإنَّا لا نحسن التدبير، وخذ بأيدينا ونواصينا إليك أخذ الكرام عليك.
(3) أعتق رقبتك من النَّار فلا تدخلها.
عن أنس رضي الله عنه قال: «مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من أصحابه وصبي بين ظهراني الطريق فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ فسعت والهة فقالت: ابني! ابني! فاحتملت ابنها فقال القوم: يا نبي الله! ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا والله، لا يلقي الله حبيبه في النار» [رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني (7095) في صحيح الجامع].
وإلي هذا المعنى الإشارة في قول الله تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} [المائدة : 18] فإنَّ الحبيب لا يعذب حبيبه.
(4) أحبك أهل السماء وكتب لك القبول في الأرض:
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» [رواه الألباني في صحيح الجامع].
وفي رواية: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في الأرض فذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم: 96] و إذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني أبغضت فلانا فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض» [رواه الترمذي وصححه الألباني (284) في صحيح الجامع].
قال الفضيل: "عاملوا الله عز وجل بالصدق في السر، فإنَّ الرفيع من رفعه الله ، وإذا أحب الله عبدا أسكن محبته في قلوب العباد". (الحلية (8/88))
فيحبك أهل السماء، فيشفعون لك، ويدعون لك، وينصرونك، وإذا متَّ احتفوا بك، وبشروك برضوان الله {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30-31].
(5) حفظك من شرور الدنيا.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء» [رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وصححه الألباني (282) في صحيح الجامع].
قال ابن مسعود: "إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد". (الحلية (1/25)).
قال الفضيل بن عياض: "إذا أحب الله عبدا أكثر غمه، وإذا أبغض الله عبدا أوسع عليه دنياه". (الحلية (8/88))
فيجعل بالدنيا مغمومًا، فينصرف بقلبه عنها، فلا يكون في قلبه تعلق بحطام الدنيا الفاني، ليس مشغولاً بولد ولا زوجة، ولا مال ولا تجارة، بل هو مشغول بالله تعالى، هو أنيسه، هو حبيبه، هو قرة عينه، اللهم لا إله غيرك ولا رب سواك.
(6) وفقك للعمل الصالح والتوبة بعد الذنوب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدًا عسله، قال: يا رسول الله و ما عسله؟ قال: يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله» [رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الألباني (3358) في صحيح الترغيب].
قال الفضيل: "وإذا أحب الله عبدًا وفقه لعمل صالح، فتقربوا إلى الله بحب المساكين" (اعتقاد أهل السنة (1/141)).
قال الشعبي: "كان يقال التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إنَّ الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، فإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب، وذنب لا يضر كذنب لم يعمل". (الحلية (4/318))
فهذه من دلائل القبول عند الله، أنَّ العبد يكون موفقًا لفعل الطاعات، بعيدًا عن الوقوع في المحظورات والمنكرات، فالله إذا أحب عبدًا فتح له من العمل الصالح ما يقربه إليه، ودفع عنه كل شر وسوء. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحـج: 38].
(7) يستعملك فيجعلك من خدامه.
قال الغزالي: "وإذا أحب الله عبدًا أكثر حوائج الخلق إليه" (المقصد الأسنى ص (85)).
قال ابن القيم: "إذا أحب الله عبدًا اصطنعه لنفسه، واجتباه لمحبته، واستخلصه لعبادته، فشغل همه به، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته" (الفوائد ص (98)).
فما أعظمها من منزلة، أن تكون خادمًا عند الله تعالى، يستعملك في إيصال الخير إلى النَّاس، فيثقل ميزانك بأعظم أعمال البر، فيجعل النَّاس لك في حاجة، ويكفيك حاجتك، فيقضيها عنك، فمن استعمله الله واستخدمه، جعل النَّاس له خدمًا، واصطفاه لنفسه، نسأل الله أن نكون منهم.
(8) حسَّن أخلاقك ووهبك الرفق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا» [رواه الطبراني وحسنه الألباني (2666)].
وفي بعض الآثار: إنَّ محاسن الأخلاق مخزونة عند الله فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا حسنا.
فإنَّ الله إذا أحب عبدًا جعل في قلبه الرأفة والشفقة لسائر المخلوقات، وعود كفه السخاء، وقلبه الرأفة، ونفسه السماحة، وبصَّره بعيوب نفسه حتى يستصغرها، ولا يراها شيئا.
وهذا مشاهد في واقع النَّاس، أنَّ كثيرًا ممن كانوا معروفين بسوء الأخلاق قبل الالتزام بشريعة الرحمن قد تغيرت طباعهم، فهدأت نفوسهم، وحسنت أخلاقهم، حتى عادوا وكأنهم ولدوا ولادة جديدة، وذلك فضل الله يؤتيه من يصطفيه ويحبه.
(9) رزقك رزقًا حلالاً.
قال الفضيل: "وإذا أحب الله عبدا طيب له مطعمه" (اعتقاد أهل السنة (1/138)).
وهذه الآن صارت نعمة عظيمة، فقلَّ من يتحري الحلال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» [رواه البخاري].
والبلية أنَّ النبي أخبرنا «أنَّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به» [رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني (501) في صحيح الترمذي].
وأكل الحلال يورث البصيرة والفراسة وصلاح القلوب، فطيَّب الله قلبه، وكان على مظنة القبول، فإنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
(10) ابتلاك ليهذبك وامتحنك ليصطفيك.
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع» [رواه الإمام أحمد في مسنده وجوَّد إسناده الأرنؤوط].
وهذا من عظيم رحمة الله بعبده، فإنَّ في ذلك تمحيصًا لهم من الذنوب، وتفريغًا لقلوبهم من الشغل بالدنيا، غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة، وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة، وكدر الدنيا وتسليط أهلها؛ ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة. قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].
كيف نحب ربنا؟
الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى:
إذا كنت متعطشًا حقًا لأن تَروي قلبك بمحبة الله تعالى، فهذه أسباب إذا قمت بها رُزقت هذه المنحة الربانية العظيمة، لو كنت صادقًا فلن تترك سببًا إلا وحاولت بكل عزم واجتهاد أن تقوم به على أفضل وجه، ولن تملَّ من طرق الأبواب عسى أن يُحبك، ووالله بعدها لا تسل عن أي شيء فكفاك هذا الشرف الذي لا يدانيه شرف.
من هذه الأسباب:
(1) معرفة الله تعالى ومطالعة أسمائه وصفاته:
فالله يحب أن يتعرف إليه عباده في كل حال، بل يشكر لهم ذلك ويجازيهم عليه، أن ينزل محبته في قلوبهم.
قال صلى الله عليه وسلم: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» [رواه أبو القاسم بن بشران وصححه الألباني في صحيح الجامع (2961)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعجب من العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربا يغفر و يعاقب» [رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني (1821) في صحيح الجامع].
والشاهد أنَّ الله يحب أن يتعرف عليه عبده، ويتحبب ويتقرب إليه بطاعته، ويشكره على سابغ نعمته.
قال عتبة الغلام: "من عرف الله تعالى أحبه، ومن أحب الله أطاعه، ومن أطاع الله أكرمه، ومن أكرمه أسكنه في جواره، ومن أسكنه في جواره فطوباه، وطوباه، وطوباه، فلم يزل يقول وطوباه حتى خرَّ ساقطًا مغشيًا عليه" (حلية الأولياء (6/236)).
ومما يعين على هذه المعرفة:
التفكر في ملكوت السموات والأرض.
فو الله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق لهم ربهم، حتى أيقنت قلوبهم، وحتى كأنَّما عبدوا الله عن رؤية، وقد كان سلفنا الصالح يفضلون التفكر على النوافل، فكان أكثر عمل أبي الدرداء رضي الله عنه الاعتبار والتفكر.
قال عبد الله التيمي: "أفضل النوافل طول الفكرة".
ولا شك أن التفكر في أسماء الله وصفاته من أعظم الأسباب التي تؤدي على المحبة، فهل يحب الإنسان أحدًا إلا لجميل صفاته عنده، ولذلك عليك أن تتفكر في صفات ربك، في رحمته وبره، في جوده وكرمه وإنعامه، في حلمه وستره، انظر كما تقدم معنا قريبًا إلى عظيم صفته، واعلم أنَّ من عرف ربه حق المعرفة ادخله الله الجنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى تسعة و تسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة» [متفق عليه].
(2) استشعار نعم الله على عباده.
يقول الطاهر بن عاشور: "وربَّما كان تعداد النعم مغنيا عن الأمر بالطاعة والامتثال؛ لأن من طبع النفوس الكريمة امتثال أمر المنعم لأن النعمة تورث المحبة" (التحرير والتنوير (1/275)).
فإنَّ النفوس جُبلت على حب من أحسن إليها، ولذلك ندبنا الله إلى التحدث بنعمه، فإنَّه يورث المحبة. قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [ الضحى: 11].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي» [رواه الترمذي، وقال: حسن غريب].
قال الفضيل: أوحى الله إلى نبي الله داود عليه السلام: أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا ربُ، هذا أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك، تذكرني، ولا تذكر مني إلا حسنا".
وقال عمر بن عبد العزيز: "الفكر في نعم الله أفضل العبادة".
قال ذو النون: "تنال المعرفة بثلاث: بالنظر في الأمور كيف دبرها، وفي المقادير كيف قدرها، وفي الخلائق خلقها".
فانظر في حالك: مم خلقت؟ كيف صرت هكذا بشرًا سويًا؟ ثمَّ انظر من الذي أنشأك؟ من الذي يسَّر لك ما أنت فيه من نعيم؟ وانظر في خاصة أمرك، أليس قد أعطاك أشياء وحرم منها غيرك ألا يستوجب هذا أن تشكره فلا تعصاه؟ أليس قد منع عنك أشياء – والله – ما منعها عنك إلا لخوفه عليك أن يكون فيها هلاكك، ولكننا نريد الدنيا والله يريد الآخرة.
اسمع لهذه الآيات ومرر على قلبك تلك المواقف التي مازالت عالقة بذهنك، فتقول: والله لولا الله ما كانت، الحمد لله الذي فضلني على كثير من عباده بهذه النعم.
يقول الله مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: 6-8].
تصور كيف نزلت هذه الآيات على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتصور حالك أنت، وقل لنفسك: ألم يجدك... ألم يجدك... ألم ...؟
ثمَّ ماذا صنعت معه؟
عصيته، خالفت أمره، ابتعدت عن طريقه، أي إساءة أشد من هذا؟
ما زلت مترددًا في الالتزام، مازلت لا تريدين الحجاب، مازلت تقطع في الصلاة، مازلت لا تنفك عن المشي مع البنات وشرب المخدرات والسهر في أماكن اللهو الحرام، مازلت لا تريده!!!
وهو الذي أعطاك كل نعيم فصرفته في طريق الجحيم، ربنا اغفر لنا وتب علينا.
(3) كثرة ذكر الله تعالى.
قال ذو النون:"من شغل قلبه ولسانه بالذكر، قذف الله في قلبه الاشتياق إليه".
قال إبراهيم بن الجنيد: "كان يُقال: من علامة المحبة لله: دوام الذكر بالقلب واللسان، وقلَّ ما ولع المرء بذكر الله عز وجلَّ إلا أفاد منه حب الله جل جلاله".
يقول ابن القيم: "وقد جعل الله لكل شيء سببًا، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجلَّ فليلهج بذكره، فإنَّه الدرس والمذاكرة، كما أنَّخ باب العلم، فالذكر باب المحبة، وشارعها الأعظم، وصراطها الأقوم" (الوابل الصيب ص (50)).
فلا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله، لا تغفل عن أذكار الصباح والمساء فإنَّها زادك الإيماني.
أكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فإنَّها حرز من الشيطان وسبب للعتق من النيران، ورافعة للحسنات، ماحية للسيئات، وهي من أفضل الأعمال إلى الله تعالى.
أكثر من قول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فكما تعلم فإنّها تثقل الميزان، ومدعاة لمحبة الرحمن.
أكثر من الاستغفار: فإنَّه يطهر القلب والجنان، ومدعاة لتكفير الذنوب والآثام.
أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فإنها من أعظم أسباب تنزل الرحمات، وبها تستجلب محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وشفاعته يوم المعاد، وترفع بها الدرجات، وتقضى الحاجات.
اصنع هذا ولسان حالك كأنه يقول:
وكيف أشغل قلبي عن محبتكم***بغير ذكركم يا كل أشغالي
(4) تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر.
عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص]، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟»، فسألوه فقال: "لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله يحبه» [متفق عليه].
فلمَّا أحب تلك السورة لما فيها من صفات الله جل وعلا، أحبه الله من أجل ذلك، وهذه هي القراءة المطلوبة، قراءة بتمعن وتفكر في كلام من تحب.
يقول ابن القيم: "فتبارك الذي جعل كلامه حياة للقلوب، وشفاء لما في الصدور، وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل، والرضا والتفويض، والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكمال، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة، والتي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مرَّ بآية وهو محتاجًا إليها في شفاء قلبه كررها، ولو مائة مرة ولو في ليلة".
فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وقوله:لى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله : {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب (مفتاح دار السعادة 1/186-187)).
(5) الانكسار والذل بين يديه سبحانه.
ذكره ابن القيم في الأسباب الجالبة للمحبة فقال: "وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات (مدارج السالكين (3/17)).
فإذا أراد أن يعز عبده وينصره ويرفعه كسره أولا ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، فتفيض منن الله على أهل الانكسار {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5-6]، فالعبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه ورحمة ربه عندئذ قريبة منه.
وفي بعض الإسرائيليات قال موسى عليه السلام: "يا رب أين أبغيك؟" قال: "أبغني عند المنكسرة قلوبهم" (الحلية (2/364)).
ولذلك قد يبتليك الله ليسمع تضرعك، وتضرعك حبيب إليه، يحب أنينك لما فيه من انكسارك وافتقارك له وذلك بين يديه، وهذا مقام العبودية الأعظم الذي خلقك من أجله، فهل فهمت عنه مراده؟
اللهم اجعلنا لك أواهين منيبين مخبتين، واجعلنا ممن لا يذل إلا إليك، يا من خضعت لك رقبتي، وذلَّ لك جسده، ارحم حنين الحان إليك، وأنين الآن بين يديك.
(6) المحافظة على صلاة الجماعة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقولوا: آمين، يجبكم الله» [رواه مسلم].
فصلاة الجماعة من أعظم القربات إلى الله تعالى، فهي أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، ومن خرج لأدائها في المسجد كتب الله له أجر حجة، وشمله برحمته، وغفرت ذنوبه، ومن حافظ عليها شاهدًا تكبيرة الإحرام أربعين يومًا فإنَّه يسلم من النفاق، وتعتق رقبته من النار.
وفي صلاة الجماعة تجسيد لمعاني الترابط والتآلف بين المسلمين، لما فيها من اجتماع القلوب على طاعة ربهم، والله يحب أن يكون أهل الإيمان كالجسد الواحد والبنيان المرصوص؛ ولذلك كلما كان عدد المصلين أكثر كان هذا أحب إلى الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإنَّ صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكل ما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه الألباني (411) في صحيح الترغيب].
فاحرص عليها، فإنَّها سبب عظيم لمرضاة الله تعالى، وتركها يوجب غضبه وسخطه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق» [رواه مسلم].
قال أبو سليمان الداراني: "لا تفوت أحدًا صلاة الجماعة إلا بذنب" (الإحياء (1/356)).
(7) كثرة النوافل.
قال تعالى في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه» [رواه البخاري].
وذلك لأنَّه قد جرت العادة أنَّ التقرب يكون غالبًا بغير ما وجب على المتقرب، لأنَّ في ذلك دليلاً على حرصه على رضا ربه، فهو مازال يصنع من أعمال البر، وكأنه يطرق باب ربه عسى أن يفتح له.
فحافظ -حبيبي في الله– على أداء نوافل الصلوات:
فتصلي ركعتين قبل الفجر هما خير عند الله من الدنيا وما فيها.
وتصلي الضحى أربعًا يكفك الله من كل بلاء وشر، وكنت عنده من صفوة عباده فكتبت عنده من الأوابين.
وتصلي قبل الظهر أربعًا وبعده أربعًا فإن فعلت حرَّم الله جسدك على النار.
وتصلي قبل العصر أربعًا فيختصك الله برحمات من عنده.
وتصلي بعد المغرب اثنتين إحياءً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وتصلي بعد العشاء ركعتين.
وتقوم الليل بإحدى عشر ركعة، وقيام الليل دأب الصالحين وشعارهم، وعبادتهم التي لا ينفكون عنها، وهو شرف المؤمن، ومن أعظم الأسباب لتكفير الذنوب والخطايا.
وأقل ذلك أن تصلي في اليوم والليلة (12 ركعة) فتدالقيم[/color]-:ا في الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة» [رواه مسلم].
(8) الخلوة للمناجاة.
من أسباب المحبة -كما يقول ابن القيم- : "الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثمَّ ختم ذلك بالاستغفار والتوبة".
وهذا من فضل قيام الليل في وقت السحر، في جوف الليل المظلم، حين ينزل الرب سبحانه، يسأل عباده عن حوائجهم ليقضيها لهم، فاللهم لا حاجة لنا إلا أنت فارزقنا حبك.
قيل للحسن: "ما بال القائمين أحسن الناس وجوها؟"، فقال: "إنهم خلوا بالله في السحر فألبسهم من نوره".
فلو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار، ورفعوا قص[يوسف:ذار مضمونها: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88].
لبرز لهم التوقيع عليها: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92].
(9) معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى.
قال أبو حازم: "خصلتان من تكفل بهما تكفلت له بالجنة تركك ما تحب، واحتمالك ما تكره إذا أحبه الله عز وجل" (الحلية (3/241)).
قال فتح الموصلي: "من أدام النظر بقلبه ورثه ذلك الفرح بالمحبوب، ومن آثره على هواه ورثه ذلك حبه إياه، ومن اشتاق إليه وزهد فيما سواه ورعى حقه وخافه بالغيب ورثه ذلك النظر إلى وجهه الكريم" (مجموع رسائل ابن رجب (3/319)).
الله... ما أعظمها من بشارات!!
فلو أدام المرء التفكر في أسماء الله وصفاته شرح الله صدره، وأدخل على قلبه السرور، فلا يشعر بشقاء ولا عناء، ومن آثر الله على هوى نفسه، ففضل الله وطاعته على شهواته ورغباته، فالله لابد أن يجازيه خيرًا، فإنَّ الرب شكور، فيمنحه حبه الذي هو أعظم العطايا.
جرب أن تغض بصرك وتقول في نفسك كما قال يوسف عليه السلام: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33].
وأدم ذلك، والله ستجد لذلك لذة ونعيمًا، فإنَّ من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منها، وهل هناك عوض يداني أن يحبك الله؟!
جربي أن تتركي التبرج والملابس الضيقة لا تصنعي هذا إلا لله، وأنت تحبين أن تشعري بأنك مرغوبة وتتخطفك الأعين المسعورة، جربي أن تفعليها لله، فقط قولي كما قال موسى صلى الله عليه وسلم: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
والله سيشملك بحفظه، ويشكر لك هذا، ويجازيك عنه خير الجزاء...
فماذا تنتظرين؟!!
هل لا تريدين أن يحبك الله؟!!
(10) تذكر نعيم أهل الجنة ورؤيتهم لربهم