قوانين حظر النقاب (قراءة في الخلفيات الفكرية والسياسية( / خباب الحمد
التاريخ: 28/6/1432 الموافق 01-06-2011 |
التاريخ: 28/6/1432 الموافق 01-06-2011 |
المختصر /
الحمد لله وحده، وسمع الله لمن حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أمَّا بعد:
يمثل المشهد الدولي في حربه على النقاب، سواء أكان ذلك في كثير من الدول الأوروبية، أو بعض الدول العربية، مسرحاً واضحاً تتبدى خيوطه ولأول وهلة في التضييق على النساء المنتقبات الصالحات، أو على أولياء أمورهنَّ، ومحاولة التحجيم من حريتهن الدينية، وراحتهنَّ الشخصيَّة، بل يهولون من منظر المنتقبات، ويسخرون منهنَّ، وكأن الذي تلبسه شبح من الأشباح المخيفة، أو عضو في نادي النينجا العالمي، فهنَّ كغرابيب سود يجب اجتثاثهنَّ حتَّى لا تتعرض الكرة الأرضيَّة لهزَّة إرهابيَّة بسبب النقاب!
وفي هذه الدراسة المختصرة أحاول أن أقف مع هذا الحدث الجلل، والحرب المكشوفة علناً وصراحة على مظاهر التدين ، خاصة حول قيام بعض الدول بـ:(حظر النقاب)، أو محاولة حظره، مفسراً بعض أسبابها، مناقشاً بعض الأفكار الغربية والتغريبيَّة الداعية لحظره، معالجاً لهذه المشكلة والظاهرة من خلال ثلاثة محاور أساسية :
المحور الأول: حقيقة حرب الغرب على المظاهر الإسلاميَّة، ويندرج تحتها:
أ ) تناقض الغربيين في أسباب حظر النقاب.
ب) دور المنظمات الصهيونية في إثارة الغربيين ضد المنتقبات.
ج) استغلال الغرب للوضع المتردي في العالم الإسلامي لإصدار قانون حظر النقاب.
د) أسئلة مشروعة حول قضية (المنتقبات) عند الغربيين.
المحور الثاني: تعامل الإسلاميين مع قضية النقاب، ويندرج تحتها:
أ ) مشكلة تعامل بعض الإسلاميين مع النقاب.
ب ) خطورة الاندفاع لتسويق مسوغات الغرب (الجائرة) في حظر النقاب.
المحور الثالث : واجب المسلمين تجاه هذه القضية.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الدراسة، وهي في نهاية الأمر مجرد رأي بين بحار المقالات، وآلاف الكلمات، التي تحدثت عن موضوع النقاب، فما هي إلاَّ كثَـغْبةٍ في دأْماء( )، وتُربةٍ في بهْماء( )، والله المستعان.
• المحور الأول: حقيقة حرب الغرب على المظاهر الإسلاميَّة :
حاولت الكثير من القيادات السياسيَّة الغربيَّة وكذا العربيَّة استثمار ضربة سبتمبر لمصلحتهم السياسيَّة، ومحاولة الإدلاء بالتصريحات العبثيَّة التي أرادوا من خلالها ترهيب الناس من أهل الالتزام والتدين من المسلمين، وساعدهم في ذلك فرض قوانين وأنظمة لمحاربة مظاهر التميز الإسلامي، وقد شهدنا شيئاً كبيراً من ذلك، وبات محفوراً في قاع الذاكرة الإسلامية من حربهم للكثير من المظاهر الإسلامية ما لا ينسى، فحربهم على المساجد وتنصتهم عليها، ومنع فرنسا للمسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وقوانين حظر المآذن في سويسرا، ومحاولة منع الطعام الحلال في بعض الدول، وأخيراً وليس آخراً بهذه الحالة البركانية المتشظية يميناً وشمالاً في جوقة الحرب على النقاب وسن القوانين لمنعه، مع إبراز العضلات العقليَّة في فنون السخرية( ) ممن يلبسنه، واتهامهنَّ ووصمهنَّ أنَّهن يتكلَّمن في زمن التخلف ويتحدثن في عصر الرجعية ويقرأن بعين الماضي، ولا يواكبن الوقت المعاصر بتجلياته ومشاهده وأحداثه.
هذه مشاهد تجعلنا ندرك حقيقة الحرب على مظاهر التميز الإسلامي وأنَّها ليست إلاَّ حرباً ضروساً على المسلمين في تلك الدول الغربية، الذين ينتشرون هنالك بفضل الله وينتشر الإسلام في تلك الدول انتشار النار في الهشيم( )، وفي قبالة ذلك نجد ضموراً في انتشار الأديان الأخرى، مع الاحترام ومنح الحرية لبقيَّة الطوائف والديانات في تلك الدول الغربية.
أ) تناقض الغربيين في أسباب حظر النقاب :
العجيب أنَّ أعداء النقاب ليس لهم وجهة واضحة في أسباب حربهم للنقاب، وحظرهم له، بل نجدهم مختلفين في ذكر التفسيرات والأسباب للمطالبة بحظره.
- فتارة يقولون: إنَّ هذه المظاهر تجلب التفرقة بين أطياف المجتمع!
- وتارة يقولون: إنَّ ذلك كبت لحريَّة المرأة وتقييد لحريتها، وانتقاص من كرامتها، وهضم لحقها!
- وتارة يقولون: إنَّ النقاب عبارة عن سجن محمول، ولابد من حظره لتعيش النساء بكرامة، كما قال ذلك أندريه جيران - وهو قانوني شيوعي يقف وراء مبادرة للتصدي لانتشار البرقع( )!
- وتارة يقولون: نخشى أن تكون هذه المنتقبة عامل إرهاب وتخويف للآخرين، وقد تكون من جماعات إرهابيَّة تريد أن تنفِّذ عمليَّة إرهابيَّة ضد المنشآت الغربيَّة!
- وتارة يقولون: إنَّ لباسه يثير الرعب والخوف وأنَّه يعتبر أمراً هجومياً ، حيث أشار لذلك صراحة فيليب هولوبون، وهو نائب عن حزب المحافظين المعارض، أمام البرلمان: "نحن لسنا دولة إسلامية، لذلك فإن تغطية الوجه في الأماكن العامة أمرٌ غريب، ويعتبره الكثير من الناس مخيفًا وهجوميًّا"، وزعم هولوبون: "أن ارتداء النقاب قمعي ورجعي، ويعرقل نهوض المرأة، وغير ملائم ومسيء للكثيرين في القرن الحادي والعشرين"( ) !
- وتارة يقولون: هو عبارة عن استعباد للمرأة، حيث صرَّح بذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي( ) !
- وتارة يقولون: هو انتهاك لمبدأ مساواة المرأة بالرجل!!
- وتارة يقولون: إنَّه بمثابة "انتهاك للحريات الفردية في وطننا"، كما أشارت وزيرة تكافؤ الفرص الإيطالية مارا كارفانيا: " البرقع والنقاب من رموز استعباد المرأة ويشكلان حاجزًا حقيقيًا أمام سياسة الاندماج، كما أنهما ليسا من الرموز الدينية من قبيل الحجاب على سبيل المثال، ولكنهما يخفيان وراءهما قصصاًً لنساء حرمن من حقوقهن الأساسية، مثل التعليم أو الاستفادة من فرص العمل"( )، على حد زعمها!!
إنَّ المنتقبات هنَّ اللواتي رضين أن يلبسن النقاب، فكيف ينتهكن حريتهن الفردية بمحض إرادتهنَّ؟
وإن كانت المرأة اختارت ذلك فما دخلكم بها؟
أليست حريتها الشخصية وراحتها النفسية في ذلك؟
لكن العكس هو الصحيح ففرض قانون حظر النقاب هو بحد ذاته انتهاك للحرية الفردية في تلك البلاد، ولكن كما قيل : (رمتني بدائها وانسلت!).
وكل ما ذكرناه عن أولئك الغربيين في حربهم أو سعيهم لحظر النقاب، يُفسر أنَّ الحرب عليه وعلى المنتقبات ما هي إلا محاولة للتضييق على الحريات الدينية لدى المسلمات، وانتقاص كرامتهنَّ، فلو كانت هنالك دولة تريد أن تسعى لشيء من هذا القبيل لكانت أمريكا، وهي التي تحاول أن تربط الإرهاب بالمسلمين، ومع ذلك فلم تفرض هذا القانون، بل خالفت تلك الدول التي سعت لفرضه، فإذا كانت راعية حروب الإرهاب في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، قد عارضت قرار فرنسا، حيث (أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ واشنطن تعتبر ارتداء "اللباس الديني" جزءً مما أسمته الحرية الدينية وحرية التعبير، ولهذا فإنَّها اعتبرت قرار حظره مناقضاً لحرية التعبير)( ).
وبعد هذا فلا أدري بمَ نصف المنهزمين نفسياً من بني جلدتنا ممن يحاولون سن قوانين حظر النقاب في دولنا الإسلاميَّة كذلك، وليتهم قلدوا أمريكا في إعطاء المنتقبات حقوقهنَّ في لبس النقاب، أو سكتوا وكفوا المسلمين شرَّ حديثهم!
ب) دور المنظمات الصهيونية في إثارة الغربيين ضد المنتقبات:
للمنظمات الصهيونية دور كبير في إثارة الغربيين واستفزازهم لمحاربة المنتقبات، ويمكننا الاستدلال على ما نقوله في وقوف المنظمات الصهيونية في الدول الغربيَّة بالدعوة لحظر النقاب، بالكثير من الوقائع والأخبار التي جاءت في هذا الصدد، فتنشر وكالات الأنباء، ومنها وكالة أنباء "أمريكا إن أرابيك" أنَّ منظمة "إسلاميست ووتش"( ) الأمريكية وهي منظمة صهيونية، قد انتقدت تراجع كلية جامعية بالولايات المتحدة الأمريكية عن فرضها حظرا على ارتداء النقاب، في حين أن بلدا إسلاميا وشرقيا مثل مصر لا يزال متمسكا بحظره( )!!
إنَّ مشكلة الغربيين أنَّهم ينقادون كثيراً للآراء الصهيونية والمنظمات اليهودية العاملة في دولهم، فصاروا أشبه بأمَّة من الغنم يقودها من يرعاها إلى حيث لا تعلم! خصوصاً وأنَّ هذه القيادة الصهيونية للأمم الغربية تكون تحت سيطرة الكثير من رؤوس الأموال، ووجود كبار الرأسماليين اليهود في تلك الدول الذين يحاولون في إعلامهم بشتَّى أنواعه إثارة (الإسلام فوبيا) في تلك الدول الغربيَّة وجعل الإسلاميين المتمسكين بدينهم فزاعة يمكن أن يأتي منهم كل حرب وإرهاب ضد المجتمعات الغربيَّة، ولربما يستغلون بعض أخطاء المسلمين الضئيلة التي إن وقعت فهي على مستوى أخطاء فردية تقع من المسلم وغير المسلم كذلك فيما يريدون تحقيقه من مصالحهم، فيحاول الغربيون استثمار هذه الأخطاء لصالحهم؛ لأنَّ بعض المسلمين قد يرتكب فعلاً خاطئاً ويعتقد أنه صحيح ولا يدري أنَّه يعمل من خلال خطَّة العدو، فيستغل العدو هذه الأخطاء لإثارة الرؤساء والقوانين عليهم، والمسلمون هنالك ليست لديهم رابطة أو منظمة قويَّة يمكن أن ترد بحجَّة وقوَّة على ادعاءات الغربيين أو المنظمات الصهيونية في تلك الدول الغربية، بل لربما وقعوا في الفخ وقالوا: نعم فإنَّ النقاب عادة لا عبادة، ويجب أن تخلع المنتقبات هذا النقاب عن وجوههن؛ لأنَّه يثير المشكلات والفوضى ولربما قالوا: هو لباس طائفي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي الغربي، فيقعون في الفخ، ويصطادهم الغربيون بالوقوع في شراك حبالهم، ويسقطون في ذلك المطب، ويعملون كذلك من خلال خطَّة العدو.
وعلى كل حال فإنَّه كلما زاد الضغط على دولة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، تتفاقم وسيلة الاقتصاص من دين الإسلام بطرق أخرى، ويجد الغربيون ويؤازرهم اللوبي الصهيوني للنيل من الإسلام، وخصوصاً أنهم يتحكمون في مفاصل كبيرة في السياسة والاقتصاد والإعلام كما هو معلوم، أضف إلى ذلك أنَّ الأنظمة الأوروبية بقوانينها العلمانية تعتبر اليهودي مواطناً أصيلاً في مجتمعه والعربي المسلم قادماً جديداً وليس أصيلاً، بل إنَّ النظرة للعرب والمسلمين في أوروبا في الغالب هي نظرة إنسان إما هارب من حرب وإمَّا باحث عن عمل أما اليهودي فهو منتج وشخص فاعل في الحياة...!!
ولكي تتضح الصورة أكثر، فحينما تقع مشكلة كبرى على المسلمين سواء في دولهم أو في الأماكن التي يقطنون بها كجاليات إسلامية في دول غربية، فعلينا أن نفتش عن المستفيد الأكبر من ذلك وهم اليهود، فحينما ندرك حقيقة جذور التمدد اليهودي في فرنسا، بل هنالك كلام مشهور عن ساركوزي وانتمائه العنصري للصهيونية، وأقوال تؤكد أنَّه يهودي مهاجر من بولندا كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي المسلم "بيير زينحتى"( )، فنجد هذا اليهودي بعد أن كان مهاجراً يصل إلى رئاسة فرنسا، فيكفي بهذا مثالاً حيَّاً من التمدد والتجذر الصهيوني في رأس دولة غربية كبرى كفرنسا، ومدى نجاحهم لإقرار هذا القانون الذي يقضي بحظر النقاب.
ولكي نربط الأحداث بعضها ببعض نرى أنَّ أول من يستفيد من قانون ظالم كهذا، هم اليهود في فلسطين حيث يستعد(الكنيست الإسرائيلي لإقرار قانون يقضي بمنع المسلمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 من ارتداء النقاب والبرقع أو تغطية أجسادهن بشكل كامل، وينص القانون الذي تقدمت به عضو الكنيست عن حزب كاديما "مرينا سولودكين" على فرض غرامة مائة دولار أو السجن لمدة أسبوع على كل من ترتدي النقاب في الأماكن العامة، كما تفرض غرامة 2500 دولاراً أو السجن لمدة ستة أشهر على كل من يرغم المرأة على ارتدائه)( ) ونلحظ هنا مدى استفادة اليهود من قوانين جائرة حصلت في تلك الدول الغربيَّة، وكانت تكأة لهم لتحقيق مآربهم الشخصية ضد فلسطينيي الداخل.
ج) استغلال الغرب للوضع المتردي في العالم الإسلامي لإصدار قانون حظر النقاب:
لقد تجرأ الغرب في قوانينهم بحظر النقاب؛ لأنَّ المسلمين في العالم الإسلامي لم يكونوا على مستوى المجابهة للقوانين الغربية، فها هي فرنسا قد أفلحت في حظر النقاب، وهنالك دول أخرى تبحث هذه القضيَّة مرة أخرى مثل بلجيكا وأسبانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها.
وبدلاً من أن يتَّفق المسلمون على أن تكون لديهم وقفة ذات مسؤولية تجاه قرارات الغرب الظالم، نجد فتوى شيخ الأزهر الراحل، ومفتي مصر الحالي، وهما من الموظفين الرسميين بعد تراجع دور الأزهر الذين يرون أنَّ النقاب عادة لا عبادة، ويرون عدم جواز لبس النقاب، بل القيام بإصدار الأمر بحظره ومنعه في الجامعات، فضلاً عن أن يقوم شيخ الأزهر الراحل بنفسه بخلع النقاب عن إحدى الطالبات، وحينما يرى وجهها البريء يستهزئ بتلك المرأة المنتقبة باعتبارها غير جميلة وهي تلبس النقاب فيقول لها: فكيف لو كنت جميلة؟ فماذا ستفعلي وماذا ستلبسي؟!
ثمَّ بعد ذلك ينتصر لرأيه الأعوج، ويحظر لبس النقاب على المنتسبات للكليات والمعاهد الأزهريَّة، ويفرض رأيه في ذلك، كما حصل أن وزَّعت إحدى الكليات المشهورة في مصر أكثر من ألف كتيب أعده شيخ الأزهر السابق والدكتور حمدى زقزوق، وزير الأوقاف، والدكتور علي جمعة، مفتي مصر، يؤكد أن النقاب عادة وليس فريضة، وذلك لمواجهة انتشار النقاب بالمدارس والكليات والجامعات.
ولهذا نجد الغربيين يحتجون بمثل هذه المواقف، ويستدلون بكلام بعض المشايخ وخصوصاً في أكبر جامعة دينية عريقة ومشهورة كجامعة الأزهر، ويخاطبون مجتمعاتهم بأنَّ هنالك مشايخ في الأزهر اتفقوا على أنَّه عادة وليس عبادة وألفوا في ذلك الكتب، بل منعوا النقاب وحظروه في جامعاتهم !
ولا ننسى نحن كذلك ما تواجهه النساء المستقيمات المنتقبات في عدد من الدول الإسلاميَّة من قوانين تحاول أن تحظر هذا النقاب، فوزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني، قد طالب بخلع الحجاب أثناء التصوير لجواز السفر الجديد، ولأجل ذلك فقد أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية عن إعادة استصدار بطاقات هوية وجوازات سفر بيومترية، تشترط فيه تخفيف اللحية للرجال! وخلع النساء للحجاب( ) – لاحظ الحجاب وليس النقاب فحسب - !
وكذلك الأمر في تونس - قبل سقوط طاغيتها - وغيرها من الدول التي تعتبر أنَّ النقاب عبارة عن شعار سياسي!( ) مغلَّف بإطار ديني، وبالطبع فإنَّ النظام السياسي العلماني الحاكم آنذاك وجد من يسوغ له هذه الآراء فاستعار مشايخ زور، يسوغون له قراراته الجائرة حتَّى في حق المحجبات، حتى قال المفتي التونسي السابق إن" الحجاب لباس سياسي. واعتبر الملتزمات به خارجات عن "ولي أمره"( )!!
إنَّ من بركات هذه الثورات العربية على الطواغيت الظلمة، أن كان من نتائجها إعادة النظر في قرارات رفع الحظر عن النقاب في بعض الدول العربية، فها نحن نقرأ أنَّ إدارة جامعة الأزهر قد سمحت للمنتقبات بالدخول لقاعات الامتحان( )، وكذلك نقرأ أنَّ وزارة التعليم السورية أعادت الكثير من النساء المنتقبات اللواتي فصلن بسبب نقابهن، والذي اعتبرته الدولة السورية لباساً طائفياً كما يقولون!، وكان ذلك بسبب تلك الثورات الشعبيَّة والهبات الجماعية التي ثارت على الظلم والطغيان حيث انتبه المجرمون في سورية إلى خطورة مثل هذه القرارات، فقاموا برفعها مرة أخرى ليس لله بل خوفاً من تلك الثورة المباركة في الشام.
كان الأولى بالدول العربيَّة التي حظرت النقاب - إن كانت بالفعل مقتنعة بتراثها وقيمها - أن يكون لها وقفة ضدَّ هذه الممارسات الغربيَّة اللاإنسانية في حق النسوة التي لم تخل بنود الإرهاب في إطلاق وصمة الإرهاب عليهنَّ لأنَّهن منتقبات، فحتى النساء لم تفلت من أولئك الدكتاتوريين الطغاة.
كان الأولى بالدول العربية التي حظرت النقاب أن تحترم عاداتها وتقاليدها كذلك، ولا تتنكر لتراثها وأعرافها التي تحاول أن تربط الناس بها بدلاً من دينهم وعقيدتهم، ولكن ما كان أولئك إلا عملاء للاستعمار، فلا يقولون إلا بهواهم، ولا يتمنطقون إلاً بقولهم، ألا ساء ما يحكمون!
كان الأولى بالدول العربيَّة إن كان هواها عربياً أن تفرض بنوداً وقيوداً على السائحات الأجنبيات اللواتي دخلن للدول العربيَّة بملابس فاضحة تخالف قيم وتقاليد ودين المسلمات في تلك الدول العربية - هم يريدون وجود هذه الملابس بالطبع ولكن نقول كان الأولى !! - لكنَّ الدول العربيَّة انساقت وراء تلك الدول الغربيَّة التي تقودها بالفعل لكي تعلن بعض هذه الدول الحرب على النقاب وبفتاوى بعض العلماء بحجة أن النقاب عادة لا عبادة.
حسناً فلو كان النقاب عادة فلماذا لا يحترمون عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا؟!! أم أنَّ عوائد الغربيين هي التي لابد أن تحترم أما عوائد المجتمعات الإسلامية فما هي إلا مجرد خرافات وتقاليد بالية.
إنَّ منهج القوة والصرامة يكمن في الأخذ بالمبدأ الحق وهو الذي يجعل الغربيين يتراجعون عن كثير من قراراتهم وبنودهم ، فالأصل أن الدول الإسلامية ممثلة بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكذا اللجان الحقوقية والقانونية التابعة للكثير من الدول العربية والإسلامية أن تضغط على تلك الدول لتتراجع عن قرارتها المجحفة ضد النسوة المنتقبات، أو على الأقل يكون هنالك أسلوب ضغط بإلقاء القبض على النسوة الغربيات المتبرجات في الدول العربيَّة بطريقة مخالفة للتقاليد والأعراف الإسلامية فضلاً عن دينهم الحنيف الذي ينهى عن تبرج النسوة، فإنّ ذلك من باب معاملتهم بالمثل، فالنساء المقبوض عليهن في تلك الدول الغربية واللواتي بتن يعشن في حصار خانق على حريتهن ولا يستطعن الخروج من البيت إلا بصعوبة بالغة، أليس لهن حق في حماية حقوقهن؟!!
د) أسئلة مشروعة حول قضية (المنتقبات) عند الغربيين:
ما دام الغرب يخشى على نفسه من العمليات الإرهابيَّة كما يقول؛ فإنَّنا نسأل:
- كم من شخص قام بمثل هذه العمليات التفجيريَّة ضدَّ الغربيين وكان مرتديا للنقاب؟
- وكم من امرأة منتقبَّة قامت بعمليات ضدَّ المجتمع الغربي؟
- وكم هو عدد المنتقبات في البلاد الغربية؟
- وكم من شخص غربي وضع اللثام على وجهه أثناء قيادته لدراجته الهوائية أو النارية سواء من المدنيين أو من الشرطة والعساكر؟
- وما الفرق بين امرأة مسلمة ترى أنَّ النقاب أستر لها وهو من لباس الحشمة الذي ترتاح له، وبين الشرطي الذي يضع خوذة على رأسه تغطي وجهه ليقود الدراجة وبين نقاب المرأة المسلمة، والذي تستطيع أن ترى فيه أكثر من رؤية ذلك الشرطي حيث أنَّ البرقع يسمح لها برؤية أوضح.
إنَّ الذي يثير الانتباه أنَّ عدد السكان الفرنسيين في فرنسا من غير المسلمين هو 60 مليون نسمة، وهنالك ستة ملايين أخرى من المسلمين، ويشكلون 10% من المجموع السكاني، ومن هذه الملايين من المسلمين لا يوجد سوى ألفي امرأة منتقبة!! وعليه فإنَّ هذا يبين أنَّ هذا العدد للمنتقبات ليس إلا شيئاً ضئيلاً للغاية بل هامشياً، ومع هذا تثار قوانين جائرة كحظر النقاب ضدَّهنَّ، فلم يترك الغرب رجال الإسلام فقط لمحاربتهم، ولم يكونوا كطواغيت الأمس يستحيون النساء، بل دمجوا النساء المسلمات المنتقبات مع الرجال المسلمين كذلك في حربهم والتخويف منهم!
إنَّ الذي يريد بالفعل أن يقوم بعملية تفجيريَّة في تلك المنشآت الغربية، فإنَّه لن يألو جهداُ بأن يخفي جميع الملامح التي تخفي شخصيَّته سواء كان مسلما أم غير مسلم، ولنفترض جدلاً أنَّ مسلماً يريد القيام بمثل هذه العملية فإنَّه سيغير من ديكوره الخارجي كما يقال فيحلق اللحية ويلبس السلسال وقد يتعاطى الدخان وقد يذهب للمرقص ويفعل ما لا يظن أو يعتقد أحد ما أنَّه يريد القيام بعملية ضد المنشآت الغربيَّة أو الأوروبيَّة.
وكذلك المرأة لو أرادت ذلك فإنها ستخلع النقاب وتلبس مثل النسوة المتبرجات، وتقوم بهذه الأعمال كتغطية على عملها ذاك !!
وحينما نفتش عن من قام بمثل هذه العمليات التخريبية نجد أنَّ من يتهمون بذلك ليست لديهم أدلة أو براهين صحيحة فدعاويهم صفر على الشمال، وهم يدورون في حلقة مفرغة فيقدمون الذرائع والأسباب لإلغاء النقاب والحقيقة لا توجد حقائق تصدق دعاويهم:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها* بينات أصحابها أدعياء
إنَّ من يقول: من حق الغربيين سن القوانين وفرض الأنظمة المانعة للنقاب، فيقال لهم: إنَّ هنالك الكثير من المسلمين يعيشون هنالك وهم أحرار في طبيعة لبس نسائهم، وكذلك الكثير من الجاليات المسلمة هنالك هم أحرار في لبسهم، فهل الحرية تكون لأناس دون أناس؟
أحرام على بلابله الدوح * حلال للطير من كل جنس؟!
أليس احترام المعتقدات الدينية جزءاً من معتقدات المجتمع العلماني، فما بال العلمانية التي تدعي الحرية تلزم النساء المسلمات المنتقبات بفرض قوانين تعيق حركتهنَّ في البلاد؟
لماذا لا تكون هذه القوانين تمييزاً عنصرياً وردة فكرية في الحرية الشخصية؟
ولماذا يصح للراهبات أن تلبس الملابس الدينية الخاصة بهن ولا يسمح للمسلمات كذلك؟
إنَّ حقيقة هذه الدعاوى ليست إلاَّ لتضييق الخناق على المسلمات، وقانون كهذا سيفرض على النسوة المنتقبات ثلاثة حلول أحلاهما مر:
- إما أن تغادر النساء فرنسا إلى غير رجعة بسبب هذه القوانين الجائرة، كما قال الرئيس الفرنسي أنه لا مكان للنقاب في فرنسا وهي دعوة واضحة منه أنَّه لا يتحمل وجود المنتقبات في فرنسا ولو كنَّ فرنسيات، ولا ننسى كلاماً له قاله قبل توليه رئاسة فرنسا كان نصه:(لا نريد إسلاماً في فرنسا بل نريد إسلاما فرنسياً)( ).
- وإما أن تبقى المرأة حبيسة بيتها فلا تخرج منه مطلقا!
- وإمَّا أن تخلع النقاب عن وجهها وهو ما يتنافى مع معتقداتها ورأيها في فرض النقاب على المرأة!
والتساؤل الذي يطرح نفسه: لماذا تمنع تلك الدول النقاب بل حتى الحجاب كما هو ممنوع في فرنسا وفي مدارسها، وفي المقابل يسمحون لمن يلبسن الملابس العارية، والميني جيب والميكرو جيب وغيرها، خصوصاً أنَّها تُسَبِّبُ الكثير من المفاسد والتحرش الجنسي؟( ).
صحيح أنَّهم يقولون إنَّ هذا من قبيل الحرية الشخصية فلا يمكن لهم أن يمنعوا ملابس كهذه، لكننا نقول كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: (إنَّه أمر مثير للسخرية حقا أن ترى أن العلمانية اليوم موضع جدل في أوروبا وتقوض حريات معينة، فاليوم في فرنسا لا يوجد احترام للحرية الدينية للفرد)( ).
ثمَّ إنَّنا نسأل : فلم يخصص الغربيون هذه الهجمة على المنتقبات المسلمات ويتركون مظاهر التميز الأخرى للديانات الأخرى من قبيل اليهود والهندوس والمجوس والنصارى؟! أليس الغرب غرباً علمانياً لا دينياً؟! فما سبب تخصيص المسلمين بهذه القرارات العنصريَّة وترك الحبل على الغارب للبقية، ليلبسوا ما يشاؤون ويفعلوا ما شاؤوا؟!
إنَّ الحضارة الغربية والأوربيَّة تعلم أنَّ الدين الحقيقي والمؤثر هو الدين الإسلامي، وأنَّ أكثر الحراك في المجتمعات الغربية للدعوة للدين هو الحراك الإسلامي بالدعوة لدين الإسلام العظيم، وهو ما يجعلهم يتخوفون من هذا الدين ويقوموا باضطهاد المسلمين وكبت حرياتهم بدعاوى باطلة.
إنَّ استهداف للمسلمين بات في الحقيقة على الهوية والمظهر، ونحن لا ننسى ما حصل في مدينة هاملتون الكندية، وبسبب أشكال الهنود وعمائمهم التي توقع الكنديون أنَّهم مسلمون، فأحرقوا معبداً للسيخ، وفي اليوم التالي، كتب السيخ لوحة أمام المعبد تقول:(نحن لسنا مسلمين)( ) فقد صار المسلمون بالفعل مضطهدين من غيرهم بسبب ملامحهم وسحنتهم كما حصل في ظاهرة قتل القبطي المصري بسبب سحنته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحادثة مقتل مروة الشربيني التي قُتلت قبل سنة في ألمانيا، بعد أن حكم القاضي لصالحها ضد ألماني أساء إلى حجابها، فما كان من ذاك الألماني إلى أن طعنها طعنات قاتلة وهي حبلى في ساحة المحكمة، وكذلك ما ذكرته صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية أن محكمة ليستر أصدرت حكمها الثلاثاء بعد أن اعترف المجرم ستيفن أرد، الذي هاجم امرأة مسلمة منتقبة (ريحانة سيدات) حيث هاجمها وكان سكراناً، قائلا "انزعي ذلك عن وجهك أيتها المرأة" !!
وهذا ما يدل أنَّ أي هوية ظاهرة للمسلم، فإنَّه سيكون مآلها الحرب، أو القتل، أو الحظر، أو السجن؛ لكي ينسى المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية الكثير من شعائرهم ومظاهرهم فتكون في طي النسيان.
• المحور الثاني : تعامل الإسلاميين مع قضية النقاب :
حينما نقرأ في تعامل بعض الإسلاميين مع قضية النقاب، نجد أنَّ بعضهم يتعامل معه بطريقة (تصفية الحسابات) مع أصحاب فكر يرى وجوب النقاب، فيحاول بعض الإسلاميين النيل منهم، ووصمهم بالتشدد والتنطع والتزمت، وأنَّهم يريدون بفتاويهم التي لا تفقه الواقع! أن يقيموا الإسلام في روما كما هو في مكَّة المكرَّمة، ولهذا نجدهم يقللون من خطورة هذه المشكلة التي وقعت للكثير من المسلمات المنتقبات، بل قد يقولون: وما المانع أن تخلع المرأة نقابها؟
ولكي أكون صريحاً فإنَّ بعض آراء المفتين والشيوخ الرسميين كان لها دور سلبي بل متناغم مع رؤية الساسة الغربيين في حظر النقاب، فضلاً عن أنَّ الغربيين وكذلك من في قلوبهم مرض من ساسة العرب قد اعتمدوا على كلامهم في مواجهة المنقبات، ومن أمثلة ذلك ما صدر عن مفتي مصر د. علي جمعة، وشيخ الأزهر السابق د. سيد طنطاوي، أنًَّ النقاب عادة لا عبادة - وهو للعلم قول متطرف، لم يقله أحد من علماء الإسلام - ويضيف على ذلك وزير الأوقاف المصري السابق د. زقزوق قائلاً: أنَّ النقاب بدعة في الدين كذلك! – وهو كذلك قول متطرف أكثر من سابقه - .
فبدلاً من أن ينتصروا لأخواتهم المنتقبات اللواتي يعانين من المضايقات الشديدة في تلك الدول الغربيَّة، يقومون كذلك بالموافقة على قوانين حظر النقاب في الجامعات المصرية، ويوقعون على المسلمات المنتقبات أقوالا جائرة، لأنَّهنَّ يلبسنه عادة لا عبادة مع أنَّهم بقولهم عن النقاب يخالفون ما قرَّره علماء الإسلام ومنهم كبار علماء الأزهر وقولهم بمشروعية النقاب وأنه مستحباً في أقل الأحوال.
ومِمَّا يندى له الجبين كذلك أن نجد الفتوى الحالية لأحد المشايخ الرسميين د. علي جمعة، تخالف ما كان قد قرَّره سابقاً قبل أن يتولَّى إفتاء مصر، حيث كان له كلام صريح في قناة اقرأ الفضائية: أن النقاب فرض عند ثلاثة من علماء المذاهب ومستحب لدى المذهب الرابع، فثبت وضوح ما يقوم به هؤلاء من تسييس الدين في محاربة النقاب، وهي طامة كبرى تقع من هؤلاء!( )
أ) مشكلة تعامل بعض المسلمين مع أزمة النقاب:
قد يكون للإسلاميين رأي في تلك الدول الغربيَّة في عدم ضرورة لبس النقاب للمسلمات، ولكنَّ ارتباطهم الإسلامي يجب أن يكون أقوى من ارتباطهم القطري أو في حدود الدولة التي يعيشون فيها، وهذا لا يعني أن يكونوا مصدر قلق في تلك الدول فلا يوجد عاقل يقول بذلك، لكنَّهم يجب أن يدافعوا عن حقوق أخواتهم اللواتي يضطهدن وتنتهك كرامتهن وحريتهن، ويجب أن يستخدموا منطق الحرية ومنطلق العدالة الذي يتشدق به الغربيون، ويحاوروا تلك المنظمات والقانونيين الذين يشعلون حروبهم ضد المسلمات المنتقبات.
إنّ الأمر لا يقتصر في بعض الدول الغربية على النقاب كذلك، فالحجاب بذاته الذي يغطي رأس المرأة أعلنت الدول الغربية عليه الحرب، ومنعت النسوة المحجبات من الدخول في تلك الجامعات أو المدارس؛ واعتبرت الحجاب أمراً عدوانياً كما كان يقول الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، فأية حريَّة هذه؟ وهم في المقابل يحترمون حجاب الراهبات ويجعلونه حجاباً مقدساً ولربما حجاب الفتاة مدنساًُ، فهذا عدوان واضح صارخ، لا يمت للإنسانية ولا للأديان ولا للحرية بصلة.
إني لأجزم أنَّ الجاليات الإسلاميَّة إن تهاونت في محاربة هذه القوانين الظالمة ضدهم، فإنَّ الغربيين سيحاولون فرض وسن قوانين جائرة كذلك من القبح والشناعة بمكان، ولكنَّهم يختبرون وقع مثل هذه القوانين على المسلمين ويرون طريقة تفاعلهم معها، ويكون ذلك للمسلمين بالونات اختبار يستطيعون أن يقيسوا مدى اندماجهم في القوانين الغربية الجديدة أو أنَّها ستلاقي الرفض وتقديم دعاوى تبطلها.
إنَّه يجب أن يكون في ذهنيَّة كل مسلم أنَّ حرب الغرب على النقاب حرب على الإسلام ولكن عبر أساليب التدرج ، وما يقوم به فئة من (المتشددين) الغربيين، لاقتراح قوانين محاربة للوجود الإسلامي في دولهم، فإنَّ ساسة الغرب (المعتدلين: زعموا!) يتحينون لهم الفرصة المواتية لكي يقولوا ما شاؤوا ويعرض هذا القرار لاستفتاء شعبي، بعد حملات إعلانية وإعلامية كبيرة للتحذير من مظهر من المظاهر الإسلامية بحجَّة الحفاظ على القومية والهوية الغربية، أو أن يكون ذلك من خلال البرلمانات والمجالس التشريعية.
إنَّ سياسة التدرج في حرب المظاهر الإسلاميَّة يجب ألاَّ تخفى على أذهاننا إن كنَّا في نقاشاتنا موضوعيين، وليس بأن يعتقد بعض الناس أنَّ هذا الحظر لقانون النقاب لا يعني أن يكون من وراءه قوانين أخرى لحظر بعض شعائر ومظاهر الإسلام، وإنَّما هي جوانب تنظيمية ليس إلا! والرد عليهم بما يقوله النائب الشيوعي أندريه جيرين وكذا القيادية اليمينية المتشددة مارين لوبان حيث يُطَمئِننَانِ أنصارهما قائلين:
"بعدما نحل مشكلة النقاب ستظل أمامنا مشكلة تعدد الزوجات وصلاة الجماعة في شوارع المدن الكبرى وحظر لحوم الخنازير في المقاهي وباختصار كل المطالب الطائفية التي يواجهها الفرنسيون يومياً"( ) إذا فكل ذلك يمشي من خلال التدرج البطيء أكيد المفعول، حتَّى يحققوا مآربهم القومية.
وفي هذا تقول الكاتبة اللبنانية المقيمة في فرنسا (فيوليت داغر) بأنَّ الحرب على المظاهر الإسلامية (دوافعها لم تختلف لكن أماكنها وعناوينها تنوعت، بدءاً من حجب الحجاب على من تدثرن به في المؤسسات العامة بحجة مخالفته لروح الدولة العلمانية، إلى الترويج للرسوم الكاريكاتيرية المستفزة للمشاعر في الدانمارك باسم حرية التعبير، إلى الاستفتاء الشعبوي الذي أذن بمنع المآذن في سويسرا لعدم تقبلها عند الرأي العام، إلى استهداف المرأة التي ترتدي النقاب مؤخراً تحت ذريعة الدفاع عن حريتها هي نفسها، أو محاربة التطرف، أو لدافع أمني يتطلب كشف الوجه في عالم ينتابه عصاب الخوف من القريب والغريب. الأمر الذي يتيح لكائن من كان أن يطرح السؤال المشروع: ما السيناريو القادم وماذا سيكون بعد الذي كان؟)( ).
ب) خطورة الاندفاع لتسويق مسوغات الغرب (الجائرة) في حظر النقاب:
في بعض النقاش الودي مع بعض الكُتَّاب والمفكرين، رأيتهم يجيدون فنون الدفاع أو المحاماة عن أفعال الغرب العنصرية ضدَّ المسلمين، بحجَّة أنَّ السيل الهادر لا تسده عباءتك، فإمَّا النقاب، وإمَّا الرحيل.
ويقولون كذلك : هل نريد أن نأكل العنب أو نقاتل الناطور؟
وهم بذلك يلمحون إلى أن يتحمَّل المسلمون ما يأتيهم من الغرب ضدهم ما داموا يعيشون في بلادهم، على مبدأ ( يا غريباً كن أديباً!!) فإن لم يقبلوا بذلك فما عليهم إلاَّ مغادرة بلاد الغرب بكل صراحة والرحيل عنها!
كان من الواجب على أولئك المسلمين حيال هذه الهجمة البربرية الغربية على المسلمات، أن يكون لهم تجمعات إسلاميَّة للدفاع عن حقوق أخواتهنَّ المنتقبات ويتحيزوا لهنَّ لمجابهة هذه القرارات الظالمة، خصوصاً حينما يدركون أنَّ الدافع للغرب في ذلك النكاية بالمسلمين، ومحاولة تهجيرهم وثنيهم عن التمسك بمظاهر التميز الإسلامي عن غيرهم.
فالقضية ليست قضية حرب على حجاب أو نقاب، بل إني أعتقد أنَّ القضية لو كانت مجرد قضية نقاب فحسب؛ لكانت وتيرة مناقشة ذلك من المسلمين مختلفة، لكنَّهم في حربهم للنقاب يحاولون أن يجعلوا المسلمين يرتبطون بالنقاب/ القماش فحسب، وكأنَّها مصارعة الثيران مع القماش الأحمر، فبدلاً من أن يقضي الثور الهائج على الشخص الذي يثيره ويرفع عليه القماش الأحمر، ينقض الثور على القماش الأحمر، ويبدأ بمصارعته، وينسى الهدف الأساسي والذي كان بالفعل الأداة الرئيسة لوجود هذه القطعة الحمراء وهو الرجل المختفي والمختبئ تحت هذا القماش الأحمر.
لهذا نقول إنَّ تسطيح بعض المسلمين شيوخاً ومفكرين ومحللين سياسيين وتخفيفهم من قضية الوقوف ضدَّ الغرب في هجمته على النقاب، خطأ فادح منهم، وهزيمة نفسية، وأسوأ من ذلك حينما يقول بعض السذج: إنَّ النقاب قد يستخدم لعمليات تخريبيَّة! فهم يلفتون نظر الآخرين إلى أنَّ حظر النقاب، كان من أسبابه ذلك، وكأنَّهم يعطون للغربيين ذريعة للاعتماد عليها في حظرهم للنقاب.
لهذا لا نعجب حينما نرى بعض المغفلين والسذج في الغرب كذلك، يدعون لحظر النقاب، كما دعت جماعة إسلامية كندية في أوتاوا إلى منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، حيث ذكر مؤسس الجماعة (طارق فتاح) أن هذه الدعوة تهدف إلى أغراض أمنية، وأكد فتاح أنه تمت سرقة بنك عن طريق أناس يرتدون النقاب. ووصف ارتداء النقاب بأنه "مجازفة حقيقية" وقال كذلك : "ارتداء النقاب ما هو إلا عرف قبلي يروج له الإرهابيون من القاعدة وطالبان"( ) !!
وعلى فرض أن أحد الناس أساء استخدام النقاب واستخدمه للتغطية على أعمال عنف، فما ذنب النقاب والمنتقبات في ذلك؟!
فمن كانت لديه ملاحظات على الوجود الإسلامي في الغرب فعليه أن ينصح ويبين رأيه، ولكن لا يخلط الأوراق ويتحدث بطريقة (الأبيض والأسود) فإمَّا أن نقبل بما يقوله الغرب أو أن نرحل، فليست هذه علامة على الصمود الإسلامي في الوجه المتغطرس الغربي، بل الشيء المطلوب والمرتجى في الوقت نفسه أن يكون هنالك وقفة صمودية ثابتة للدفاع عن حقوق المسلمات في النقاب.
ولو أتانا شخص وقال إنَّ المآذن بدعة – بمعنى أنَّه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة والتابعين شيئاً من ذلك – وبناء عليه فلو قام الغرب بحظرها وحظر بنائها فإنَّه لا إشكال في ذلك، ولم يقم بالدفاع عن حقوق المسلمين، حينما أتت الهجمة الشرسة كذلك في حظر بناء المآذن في سويسرا بحجَّة أن تلك المآذن بدعة، فإنَّ هذا يدل على عقليَّة السذاجة التي يحملها ذلك الشخص، وكأنَّه يقول للغرب لا بأس عليكم في أن تحظروا هذه المآذن؛ لأنَّها ليست من شعائر الإسلام الظاهرة.
وكذلك لو جاء شخص ما وقال لا بأس باعتداء اليهود على الحرم الدائر حول ما يقال له (المسجد الإبراهيمي) وذلك لأنَّ هذا المسجد قد بني على قبور الأنبياء والصالحين، وقد جاء في شريعة الإسلام عدم جواز بناء المساجد على القبور، وعدم جواز الصلاة فيها، ولهذا ليس مهماً أن نلتفت لاستيلاء اليهود على تلك البقعة الشريفة..!!
إنَّ كلَّ من يفكر بهذا التفكير التسطيحي خاطئ وساذج؛ لأنَّه يضع الأمور في غير مواضعها، والأصل أن يكون المسلم فطناً في مواقفه فيبين للغربيين قبح ما يقومون به من أعمال ضدَّ المظاهر والشعائر الإسلامية.
فإذا قام شخص مشعوذ يتحايل على الناس بقراءة القرآن مع إدخال بعض الرموز والطلاسم الشركية، ورأيناه يدخل شيئاً من الحق في كومة باطلة، فهل نقول: لا يجوز قراءة القرآن لأنَّ المشعوذين يستخدمونه لمآربهم السيئة؟
وإذا كان هنالك أناس من قطَّاع الطرق ومصاصي الدماء قد أطلقوا لحاهم ، وقاموا بجرائم نكراء من قتل ونهب وسلب وهتك للأعراض، نقول: لا يجوز إعفاء اللحية لأنَّ هنالك من أعفاها لأغراض مشينة وكان مجرماً؟!
وإن كان هنالك لصوص استولوا على مركبة حكومية كسيارة شرطة وقتلوا أربعة ممن كانوا فيها، ثم لبسوا ثيابهم وباتوا يعيثون في الأرض فساداً نقول : لا داعي للبس ملابس الشرطة، لأنَّ هنالك من يستخدم ذلك لجرائم تخريبيَّة!
إنَّ هذا بعينه هو لب التفكير الغربي، فهو إن صحَّ – وذلك على فرض القول بذلك - وجود أناس يستخدمون النقاب، لأعمال عنف، فإنَّهم يستغلون ذلك لتحقيق ما كانوا بصدده من منع للنقاب، مع أني لا أستغرب أن تكون أيادي غربية خفية تدس يدها في الظلام وتتواطؤ مع مثل هؤلاء لكي يحققوا مآربهم السياسية الخبيثة، وتكون تلك الحادثة المشجب الذي يلقي عليه الغرب السياسي تسويغاته السخيفة.
• المحور الثالث: واجب المسلمين تجاه هذه الحملات المغرضة في الدول الغربيَّة:
لا بد أن يكون للمسلمين دور رئيس في مواجهة ومجابهة هذه الحملات المغرضة من الدول الغربية التي قامت بحملة شنعاء ضدَّ المسلمين عموماً، والمنتقبات خصوصاً، حيث لن يكون هذا القرار هو الأخير، بل إنني أعتقد أنَّه ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة جداً حلقاتها في الحرب على الإسلام وشعائره، ولعلًَّ من أهم المهمات في ذلك ما يلي ذكره:
1) أن تشكل الأخوات المسلمات المنتقبات رأياً عاماً يبيِّن فيه مدى حريَّتهن وضرورة عدم تقييد الحريَّة لهنَّ، وأن يوكلن عن أنفسهن عدة محامين أقوياء وأكفاء للدفاع عن حقوقهنَّ، مع محاولة الضغط قدر الإمكان لكي يتراجع الذين سنوا هذه القرارات الجائرة ضد المرأة المنتقبة، ويبينوا أنَّ النقاب مثله مثل أي قطعة لباس تغطي الجسد.
2) أن يدرك المسلمون والمسلمات بأنَّ الغرب لديه حساسيَّة تجاه معرفة الهوية وخصوصاً من ناحية الوجه ولهذا فإنَّه يمكن أن يقترح عليهم بأنَّهم إن كانوا يريدون التحقق من الهويات أو الشخصيَّة فإنَّ هنالك عدة أشكال ومنها: (البصمة) أو كشف الوجه مع امرأة شرطية غربية للتأكد، وهذا من حقهم، كما أنَّ من حق المسلمات أن يحافظن على هويتهنَّ الدينية، ولا يطلع عليهن إلا امرأة مثلهن.
3) التأثير على عدد من الكتاب والصحفيين والحقوقيين والقانونيين الغربيين، والمنظمات الغربية من قبيل منظمات حقوق الإنسان، والمحكمة الأوربية، لأن يقنعوهم بأنَّ النقاب من القضايا التي جاء بها الإسلام، وأنَّه ليس كما يزعم بعض المسلمين أنَّه عادة لا عبادة، فمهم أن تستغل الجاليات المسلمة قربها من الصحفيين أو الكتاب أو السياسيين أو الأحزاب، الذين كان لهم رأي مضاد لقرار حظر النقاب؛ فمن الضروري التعاون مع الذين أبوا أن يخضعوا لمثل هذه القرارات الجائرة والمجحفة بحقوق المرأة المسلمة، ونشر كلامهم أكثر، وتوضيح الكثير من حقائق الدين الإسلامي الخافية عن بعضهم، ملزيد مدافعة منهم عن قيم الإسلام، ومن تلك التصريحات الجيدة التي صدرت:
- منظمة العفو الدولية حيث قالت:(ينتهك الحق في حرية التعبير والمعتقد لدى النساء اللواتي اخترن التعبير عن هويتهن أو عقيدتهن بهذه الطريقة)( ).
- منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية المدافعة عن حقوق الانسان أن حظر النقاب الكامل في فرنسا وقولها:(أن حظر البرقع لن يحقق للنساء الحرية")( ).
- جريدة "واشنطن بوست" حيث قالت:(حظر النقاب يعتبر نوعًا من الحرب الثقافية وليس إجراء لمكافحة الجريمة، وهؤلاء الذين يقولون إنهم يدافعون عن حقوق المرأة في حقيقة الأمر قد عادوا بها إلى الوراء، لأنهم بهذا ينتهكون الحقوق الأساسية من حرية التعبير والحرية الدينية، ويزيدون من تفاقم المشكلة التي يقولون إنهم يشعرون بالقلق بشأنها)( ).
- من ضمن الآراء المهمَّة حيال قانون حظر النقاب، تصريحات نواب الحزب الاشتراكي الفرنسي التي رفضت ذلك القانون، واعتبروا أنَّ ذلك القانون صادر عن نعرة حزبيَّة ضدَّ المسلمين.
- تصريح"ألفينا مالك" المستشارة السابقة لحكومة حزب العمال السابقة في تقريرها الصادر عن معهد دراسات المجتمع المدني بعنوان "المرأة والإسلام والليبرالية الغربية" - أن "بريطانيا" يجب أن تنحى منحى مختلفاً عن الدول الأوروبية الأخرى التي حظرت النقاب، وأكدت أن إبراز الرموز الدينية في "بريطانيا" - التي منها ارتداء النقاب - يجب أن يكون حقًا أساسيًا مكفولًا للأفراد على المستويين العام والخاص، مشيرة ضمنيًا إلى أن هذه الرموز الدينية لا تعيق التفاعل الاجتماعي وممارسة الأنشطة المختلفة( ).
- صحيفة ديلي تليغراف البريطانية حيث ذكرت أن(البرقع بات جزءا من الحياة في بريطانيا، وأن محاولة حظره قد تأتي بنتائج عكسية)( ).
- وصفت صحيفة "تايمز" البريطانية حظر النقاب بأنه "إحياء" للمعركة الأوروبية القديمة ضد الدين، قائلة: "إن قرار حظر النقاب في بلجيكا الذي يتزامن مع استعداد فرنسا لاتخاذ مثل هذه الخطوة، ينظر إليه العالم العربي على أنه علامة على انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا"( ).
- تصريحات الكاتب والمفكر الفرنسي المشهور (مارك ادوارد ناب) وقد انتشرت في الشبكة العنكبوتيَّة من خلال موقع (يوتيوب) حينما كان يتحدث في لقاء تلفزيوني ضمَّه مع عدد من الكتاب الفرنسيين، فلقد كان مدافعاً عن حقوقهنَّ أكثر من بعض من ينتسب للإسلام من المفكرين وبدلاً من أن يوجهوا حربهم الفكرية للقوانين الجائرة، باتوا يتحدثون عن النساء المنتقبات، ومن كلامه الذي قاله:(أنا لا أثق في هؤلاء المناصرين للمرأة الذين يتذرعون برفض النقاب وفي الحقيقة هم يكرهون حتى هؤلاء النساء المحجبات بدون نقاب سئمنا من نفاقهم).
4) القيام بمظاهرات جماعية قوية وفاعلة واعتصامات وحشود نسوية كثيرة من النسوة غير المنتقبات، ومن الرجال كذلك المسلمين وغير المسلمين ممن يقتنعون بحرية التدين والفكر، ومحاولة الضغط على هذه الحكومات الغربية لكي تتنازل عن رأيها، وتعرف قيمة المرأة المسلمة عند المسلمين.
5) تفعيل مقاطعة المنتجات الفرنسية، وإطلاق حملات قوية في ذلك في (الفيس بوك) و(تويتر) وغيرها من المواقع القوية على الإنترنت، فلربما يكون لهذا الأمر أثره، وخصوصاً حينما ندرك أنَّ المقاطعة الاقتصادية لبعض البلدان قد أثَّرت تأثيراً حقيقياً، بيد أنَّها بحاجة لقناعة من عموم المسلمين، ويمكن أن تنتشر من خلال دعوات جماعية وجماهيرية وبيانات تصدر عن عدد من التجمعات العلمية في الدول العربية والإسلامية، وفيها دعوة واضحة لمقاطعة شعبية من المسلمين لبضائع تلك الدول التي تفرض على المسلمين قوانين ظالمة.
6) حث السياح العرب على ألاَّ يسافروا لتلك الدول الغربية التي حظرت النقاب، وخصوصاً من الإخوة والأخوات الخليجيات، بل يولون وجهتهم لمكان آخر، فلربما يلاقون هنالك صعوبات، عدا أنَّ سفرهم دعم لاقتصاد تلك الدول، مع أنّ هنالك تساؤلاً جاداً وهو: أنَّ القانون الحالي المفروض مثلا في فرنسا بحظر النقاب، قد يطبق على النسوة الفرنسيات أو الذين يمتلكون هذه الجنسية، أو المقيمين على وجه الديمومة، ولكنَّ: هل سيجرؤ رجال الشرطة الفرنسيين ويعمدون إلى توقيف المنتقبات الخليجيات اللواتي يأتين مع أسرهن إلى فرنسا من أجل تمضية العطلة الصيفية؟
7) على الجاليات المسلمة عموماً - ومن دول المغرب العربي خصوصا الذين يعملون في فرنسا - دور كبير جداً لنشر التوعية بين المسلمين بالمحافظة على حقوقهم، و إدراك نقطة مهمَّة للغاية بأنَّ الناس إن وافقوا على إزالة النقاب وبات الحديث عنه في خبر كان أو نسياً منسياً، فإنَّ هذا يعني بداية الاستجابة والرضوخ بالإكراه للأنظمة الغربية تلك، فالانتباه لمرادهم واجب، ولا نريد أن يقول المسلمون في فرنسا وغيرها أكلت يوم أكل الثور الأسود، حيث يسكت أناس عن حرب الغربيين للنقاب، بحجة أنَّ النقاب غير واجب أو أنه يسع المنتقبات أن يخلعنه ويلبسن حجاب الرأس فحسب، ثم تتواصل الحرب على المظاهر الإسلامية إلى أن يتندم بعض المسلمين هنالك بسبب عدم وقوفهم وقفة رجل واحد ضدَّ مؤامرة الغربيين ضد المسلمين.
8) تفعيل النقاش العقلاني مع المحاربين للنقاب، وخصوصاً من رجال العلم المؤصلين شرعياً، وتوضيحهم لغيرهم من اللجان والمؤسسات الحقوقية والقانونية، أنَّه حينما ترتدي المسلمات النقاب، فإنَّ هذا يعزز كرامتهنَّ ويقوي من شخصيتهنَّ كذلك، ويثبتن على ذلك بوجود المئات من المنتقبات الطبيبات والعاملات في شؤون المجتمع، حيث لم يصرفهن هذا النقاب عن ممارسة الحياة مع الآخرين، كما أنَّ النقاب حينما يلبسه تلك المنتقبات فإنَّهن تلبسنه من قبيل حريتهنَّ الشخصيَّة وخصوصاً في تلك الدول الغربية، ولن نجد امرأة تلبس النقاب في تلك الدول وهي مجبرة على لبسه، وإن حصل ذلك فإنَّ هذا من قبيل الشذوذ ، والشذوذ لا حكم له !
ومن حير ما يمكن القيام به في ذلك، نشر المقالات في تلك الصحف والجرائد العامة في تلك الدول، كما قامت الأخت فاطمة بركة الله - الكاتبة الصحفية بمجلة "الأخوات" البريطانية، والصحفية بمجلة "سيسترز"– بكتابة مقال على صفحات التايمز البريطانية بعنوان "النقاب...الحقائق والمزاعم"( )، تدافع فيه عن النقاب وتعرِّف الناس حقيقته، وفي ردها على شبهة أن النقاب رمز للخضوع والقهر، أشارت الكاتبة إلى أنها لا تعرف واحدة من النساء أُجبرت على ارتداء النقاب بالقوة؛ بل هو اختيارها وطاعة لربها، بالإضافة إلى أن كثيرات ممن يرتدين النقاب هنّ ممن وُلدنَ وتربينَ في البيئة البريطانية، أو هنّ من المسلمات الجدد.
9) التبيين والتوضيح للشعوب الغربية بأنَّ الحكومات الغربيَّة حينما تفشل في تحقيق بعض وعودها للمواطنين الغربيين أو الأوربيين فإنَّهم يلقون بتبعة ذلك على المسلمين، ويسعون لتحميل الجاليات المسلمة فشلها السياسي، ولهذا نجدهم في أواخر ولاياتهم الرئاسية أو الحكومية يقومون بفعل شيء مضاد ضدَّ المسلمين سواء في بلادهم تلك أو بالتدخل في بعض بلدان المسلمين بزعم الإرهاب والعنف.
10) ماذا لو قررت الدول العربية وخاصة من ليس لديها مواطنون نصارى، أو أن أعدادهم لا تكاد تذكر، في فرض غرامة مالية على كل من يعلق الصليب سواء في رقبته أو على معصمه أو في سيارته، من باب المعاملة بالمثل، وهل سيتقبل الغرب هذا القرار أم سيعتبره قرارا عنصرياً يستوجب عقد جلسة لمجلس الأمن من أجل فرض عقوبات على هذه الدولة "الإرهابية"؟!
11) على الأقليات الإسلاميَّة أن تدرك أن بقاءها في الغرب إن لم يكن لضرورة ماسة أو لترحيل قسري إلى تلك البلدان أو لجوء سياسي، فإنَّ مجيئهم لبلدانهم الإسلاميَّة خير من بقائهم هنالك وهم ما بين فينة وأخرى يسمعون قراراً جائراً ضد حقوق عيشهم.
• رؤية شرعية للمسلمات المنتقبات في الدول الغربيَّة:
الذي أعتقده وأدين الله تعالى به وجوب النقاب، حيث قال بذلك جمهرة واسعة من علماء المسلمين قديماً وحديثا، والأدلًَّة عليه من الكتاب والسنَّة كثيرة، ولست بصدد الحديث عن هذا الموضوع الذي أعتقد كذلك أنَّه قتل بحثاً..!!
وإنني على قناعة تامة أنَّ الحرب على النقاب خصوصاً والحجاب عموماً سيجعل النساء المسلمات متشبثات به، بل قد تزداد أعداد المنتقبات كذلك، حينما يكتشفن معاني الستر والحشمة فيه، ويكتشفن أنَّ علماء المسلمين قالوا بوجوبه وقت الفتنة وازدياد الفساد وخصوصاً للمرأة الشابة، ولربما تكون الحرب عليه مدعاة للكثير من الغربيات للتعرف عليه ومن خلاله التعرف على الإسلام، فيدخلون في دين الله تعالى، وما ذلك على الله بعزيز.
والمرأة إن كانت صاحبة عقيدة فلن تخيفها عبارات التهديد ولا السجن ولا دفع الغرامات المالية، بل لربما تجعلها هذه التهديدات أشد إصراراً على تمسكها بما تعتقد أنَّه واجب عليها.
أمَّا سؤال الكثير من النساء المسلمات في تلك الدول التي فرض عليهن نزع النقاب، فإنَّه في البداية عليهن الإيقان أنَّ هذا من قبيل الابتلاء (إنَّه من يتق ويصبر فإنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين) وإنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ مع العسر يسرا، وعليهنَّ الالتجاء إلى الله بالدعاء لأن يكشف عنهنَّ هذه الأزمة التي يعشنها في عملية الامتحان على ما يعتقدن وجوبه، ويقرعن أبواب السماء لعلَّ الله تعالى يفرج عنهن ما هم فيه، كما أنَّ من رغبت منهنَّ بالخروج من بيتها فعليهنَّ أن يعلمن بأنَّ الأصل للمسلمة القرار في البيت، فالله تعالى يقول:(وقرن في بيوتكنَّ)، فعليهن أن يلزم بيوتهنَّ قدر الإمكان، ولا يخرجن إلاَّ لضرورة.
فإن دعت الضرورة خروج المرأة، فعليها أن تقارن بين السلبيات والإيجابيات بمدى كشف النقاب من عدمه، والنظر في المصالح والمفاسد، والتي يمكن أن يقدرها في بلدها العلماء الأثبات الثقات الربانيون، في مدى ضرورة خروجهن من عدمه، فإذا كان النقاب يجلب المضار للمسلمات واضطرت المرأة لأن تخلعه ضرورة لا اختياراً، فإنَّه لا حرج بخروجها من باب الضرورة، والله تعالى يقول :(ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وهذه الآية وإن كانت سبب نزولها لغير هذا المراد، ولكن يمكن الاستنباط منها – والله أعلم - جواز خروج المرأة من بيتها للضرورة لقضاء حاجة لها وقد خلعت النقاب لكي لا تعرف المرأة من خلال نقابها فتؤذى من قبل غير المسلمين، على أنَّ هذا الحكم خاص بالنقاب وليس بالحجاب.
• وأخيراً (يا إماء الله فاثبتوا) :
إنَّ الغرب يشدد حصاره على المسلمين والمسلمات الآن لأنَّهم يرون مدى انتشار الإسلام في ربوع بلادهم، واختراق الإسلام لحصونهم الثقافية والفكرية بل في كثير من دوائرهم الرسمية نجد بعض الناس يدخلون في دين الله تعالى، فباتوا يعيشون كابوس الرعب المطبق على قلوبهم وأفئدتهم:
هل ستعود أوربة إسلامية؟
وهل سيكون للإسلاميين حكم في وقت لاحق؟
وهل سيتوازى المسلمون مع غيرهم من الغربيين في وقت لاحق وفي دولة معينة؟
إنَّهم يفعلون ذلك لأنهم يشعرون بالفعل أن الإسلام ينتشر في ظل الظروف المحيطة بالمسلمين والصعبة ومع ذلك فدين الله يدخل به كثير من أولئك الغربيين أفواجاً.
وإنَّ العجيب الغريب أن نجد هذه الأقلام العربية - والتي كان من اللازم عليها أن تدافع عن حقوق أخواتهم من المسلمات المنتقبات - تحارب من يلبسن النقاب وتعزو ذلك إلى الفقه البدوي الصحراوي الظاهري المتشدد المتنطع الذين يرى وجوب النقاب، ويدعون أنَّ أولئك هم مالكو مفاتيح الجنة أو صاحب كلمة السر كما يزعمون – كما كتب وللأسف أحد الكتاب الإسلاميين المشهورين – مع أنَّه يمكن تحدي هذا الكاتب الذي يزعم ذلك أن يأتوا بنص واحد من تلك المدرسة الفقهية التي ترى وجوب النقاب بأن مفاتيح الجنة بأيديهم.
إنني لأستغرب حينما تقع معركة وحرب ضروس غربية من الكفرة المجرمين على بعض شعائر المسلمين، فبدلاً من أن يتحد المسلمون على الوقوف ضدها، يقف بعض المسلمن في وجه إخوانهم بحجة تشددهم وعدم سعة أفقهم وضيق عطنهم، فبدلاً من أن تكون الحرب الفكرية بين المسلمين وغيرهم، تنحرف بوصلتها إلى أن تقع تلك الحرب الفكرية والسجال الثقافي بين المسلمين أنفسهم وهذه أم الكوارث !
أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمات للبر والطاعات، والأعمال الصالحات، وأن يوفق أولياء أمورهنَّ للرحمة بهنَّ وحسن القوامة عليهنَّ، ودوام الغيرة على أعراضهم، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا.
• ملاحظة:
الدراسة منشورة في موقع مركز تأصيل للدراسات والأبحاث.
• باحث وداعية فلسطيني.
• للتواصل مع الباحث:
[email protected]
المصدر: طريق الإسلام
الحمد لله وحده، وسمع الله لمن حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أمَّا بعد:
يمثل المشهد الدولي في حربه على النقاب، سواء أكان ذلك في كثير من الدول الأوروبية، أو بعض الدول العربية، مسرحاً واضحاً تتبدى خيوطه ولأول وهلة في التضييق على النساء المنتقبات الصالحات، أو على أولياء أمورهنَّ، ومحاولة التحجيم من حريتهن الدينية، وراحتهنَّ الشخصيَّة، بل يهولون من منظر المنتقبات، ويسخرون منهنَّ، وكأن الذي تلبسه شبح من الأشباح المخيفة، أو عضو في نادي النينجا العالمي، فهنَّ كغرابيب سود يجب اجتثاثهنَّ حتَّى لا تتعرض الكرة الأرضيَّة لهزَّة إرهابيَّة بسبب النقاب!
وفي هذه الدراسة المختصرة أحاول أن أقف مع هذا الحدث الجلل، والحرب المكشوفة علناً وصراحة على مظاهر التدين ، خاصة حول قيام بعض الدول بـ:(حظر النقاب)، أو محاولة حظره، مفسراً بعض أسبابها، مناقشاً بعض الأفكار الغربية والتغريبيَّة الداعية لحظره، معالجاً لهذه المشكلة والظاهرة من خلال ثلاثة محاور أساسية :
المحور الأول: حقيقة حرب الغرب على المظاهر الإسلاميَّة، ويندرج تحتها:
أ ) تناقض الغربيين في أسباب حظر النقاب.
ب) دور المنظمات الصهيونية في إثارة الغربيين ضد المنتقبات.
ج) استغلال الغرب للوضع المتردي في العالم الإسلامي لإصدار قانون حظر النقاب.
د) أسئلة مشروعة حول قضية (المنتقبات) عند الغربيين.
المحور الثاني: تعامل الإسلاميين مع قضية النقاب، ويندرج تحتها:
أ ) مشكلة تعامل بعض الإسلاميين مع النقاب.
ب ) خطورة الاندفاع لتسويق مسوغات الغرب (الجائرة) في حظر النقاب.
المحور الثالث : واجب المسلمين تجاه هذه القضية.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الدراسة، وهي في نهاية الأمر مجرد رأي بين بحار المقالات، وآلاف الكلمات، التي تحدثت عن موضوع النقاب، فما هي إلاَّ كثَـغْبةٍ في دأْماء( )، وتُربةٍ في بهْماء( )، والله المستعان.
• المحور الأول: حقيقة حرب الغرب على المظاهر الإسلاميَّة :
حاولت الكثير من القيادات السياسيَّة الغربيَّة وكذا العربيَّة استثمار ضربة سبتمبر لمصلحتهم السياسيَّة، ومحاولة الإدلاء بالتصريحات العبثيَّة التي أرادوا من خلالها ترهيب الناس من أهل الالتزام والتدين من المسلمين، وساعدهم في ذلك فرض قوانين وأنظمة لمحاربة مظاهر التميز الإسلامي، وقد شهدنا شيئاً كبيراً من ذلك، وبات محفوراً في قاع الذاكرة الإسلامية من حربهم للكثير من المظاهر الإسلامية ما لا ينسى، فحربهم على المساجد وتنصتهم عليها، ومنع فرنسا للمسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وقوانين حظر المآذن في سويسرا، ومحاولة منع الطعام الحلال في بعض الدول، وأخيراً وليس آخراً بهذه الحالة البركانية المتشظية يميناً وشمالاً في جوقة الحرب على النقاب وسن القوانين لمنعه، مع إبراز العضلات العقليَّة في فنون السخرية( ) ممن يلبسنه، واتهامهنَّ ووصمهنَّ أنَّهن يتكلَّمن في زمن التخلف ويتحدثن في عصر الرجعية ويقرأن بعين الماضي، ولا يواكبن الوقت المعاصر بتجلياته ومشاهده وأحداثه.
هذه مشاهد تجعلنا ندرك حقيقة الحرب على مظاهر التميز الإسلامي وأنَّها ليست إلاَّ حرباً ضروساً على المسلمين في تلك الدول الغربية، الذين ينتشرون هنالك بفضل الله وينتشر الإسلام في تلك الدول انتشار النار في الهشيم( )، وفي قبالة ذلك نجد ضموراً في انتشار الأديان الأخرى، مع الاحترام ومنح الحرية لبقيَّة الطوائف والديانات في تلك الدول الغربية.
أ) تناقض الغربيين في أسباب حظر النقاب :
العجيب أنَّ أعداء النقاب ليس لهم وجهة واضحة في أسباب حربهم للنقاب، وحظرهم له، بل نجدهم مختلفين في ذكر التفسيرات والأسباب للمطالبة بحظره.
- فتارة يقولون: إنَّ هذه المظاهر تجلب التفرقة بين أطياف المجتمع!
- وتارة يقولون: إنَّ ذلك كبت لحريَّة المرأة وتقييد لحريتها، وانتقاص من كرامتها، وهضم لحقها!
- وتارة يقولون: إنَّ النقاب عبارة عن سجن محمول، ولابد من حظره لتعيش النساء بكرامة، كما قال ذلك أندريه جيران - وهو قانوني شيوعي يقف وراء مبادرة للتصدي لانتشار البرقع( )!
- وتارة يقولون: نخشى أن تكون هذه المنتقبة عامل إرهاب وتخويف للآخرين، وقد تكون من جماعات إرهابيَّة تريد أن تنفِّذ عمليَّة إرهابيَّة ضد المنشآت الغربيَّة!
- وتارة يقولون: إنَّ لباسه يثير الرعب والخوف وأنَّه يعتبر أمراً هجومياً ، حيث أشار لذلك صراحة فيليب هولوبون، وهو نائب عن حزب المحافظين المعارض، أمام البرلمان: "نحن لسنا دولة إسلامية، لذلك فإن تغطية الوجه في الأماكن العامة أمرٌ غريب، ويعتبره الكثير من الناس مخيفًا وهجوميًّا"، وزعم هولوبون: "أن ارتداء النقاب قمعي ورجعي، ويعرقل نهوض المرأة، وغير ملائم ومسيء للكثيرين في القرن الحادي والعشرين"( ) !
- وتارة يقولون: هو عبارة عن استعباد للمرأة، حيث صرَّح بذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي( ) !
- وتارة يقولون: هو انتهاك لمبدأ مساواة المرأة بالرجل!!
- وتارة يقولون: إنَّه بمثابة "انتهاك للحريات الفردية في وطننا"، كما أشارت وزيرة تكافؤ الفرص الإيطالية مارا كارفانيا: " البرقع والنقاب من رموز استعباد المرأة ويشكلان حاجزًا حقيقيًا أمام سياسة الاندماج، كما أنهما ليسا من الرموز الدينية من قبيل الحجاب على سبيل المثال، ولكنهما يخفيان وراءهما قصصاًً لنساء حرمن من حقوقهن الأساسية، مثل التعليم أو الاستفادة من فرص العمل"( )، على حد زعمها!!
إنَّ المنتقبات هنَّ اللواتي رضين أن يلبسن النقاب، فكيف ينتهكن حريتهن الفردية بمحض إرادتهنَّ؟
وإن كانت المرأة اختارت ذلك فما دخلكم بها؟
أليست حريتها الشخصية وراحتها النفسية في ذلك؟
لكن العكس هو الصحيح ففرض قانون حظر النقاب هو بحد ذاته انتهاك للحرية الفردية في تلك البلاد، ولكن كما قيل : (رمتني بدائها وانسلت!).
وكل ما ذكرناه عن أولئك الغربيين في حربهم أو سعيهم لحظر النقاب، يُفسر أنَّ الحرب عليه وعلى المنتقبات ما هي إلا محاولة للتضييق على الحريات الدينية لدى المسلمات، وانتقاص كرامتهنَّ، فلو كانت هنالك دولة تريد أن تسعى لشيء من هذا القبيل لكانت أمريكا، وهي التي تحاول أن تربط الإرهاب بالمسلمين، ومع ذلك فلم تفرض هذا القانون، بل خالفت تلك الدول التي سعت لفرضه، فإذا كانت راعية حروب الإرهاب في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، قد عارضت قرار فرنسا، حيث (أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ واشنطن تعتبر ارتداء "اللباس الديني" جزءً مما أسمته الحرية الدينية وحرية التعبير، ولهذا فإنَّها اعتبرت قرار حظره مناقضاً لحرية التعبير)( ).
وبعد هذا فلا أدري بمَ نصف المنهزمين نفسياً من بني جلدتنا ممن يحاولون سن قوانين حظر النقاب في دولنا الإسلاميَّة كذلك، وليتهم قلدوا أمريكا في إعطاء المنتقبات حقوقهنَّ في لبس النقاب، أو سكتوا وكفوا المسلمين شرَّ حديثهم!
ب) دور المنظمات الصهيونية في إثارة الغربيين ضد المنتقبات:
للمنظمات الصهيونية دور كبير في إثارة الغربيين واستفزازهم لمحاربة المنتقبات، ويمكننا الاستدلال على ما نقوله في وقوف المنظمات الصهيونية في الدول الغربيَّة بالدعوة لحظر النقاب، بالكثير من الوقائع والأخبار التي جاءت في هذا الصدد، فتنشر وكالات الأنباء، ومنها وكالة أنباء "أمريكا إن أرابيك" أنَّ منظمة "إسلاميست ووتش"( ) الأمريكية وهي منظمة صهيونية، قد انتقدت تراجع كلية جامعية بالولايات المتحدة الأمريكية عن فرضها حظرا على ارتداء النقاب، في حين أن بلدا إسلاميا وشرقيا مثل مصر لا يزال متمسكا بحظره( )!!
إنَّ مشكلة الغربيين أنَّهم ينقادون كثيراً للآراء الصهيونية والمنظمات اليهودية العاملة في دولهم، فصاروا أشبه بأمَّة من الغنم يقودها من يرعاها إلى حيث لا تعلم! خصوصاً وأنَّ هذه القيادة الصهيونية للأمم الغربية تكون تحت سيطرة الكثير من رؤوس الأموال، ووجود كبار الرأسماليين اليهود في تلك الدول الذين يحاولون في إعلامهم بشتَّى أنواعه إثارة (الإسلام فوبيا) في تلك الدول الغربيَّة وجعل الإسلاميين المتمسكين بدينهم فزاعة يمكن أن يأتي منهم كل حرب وإرهاب ضد المجتمعات الغربيَّة، ولربما يستغلون بعض أخطاء المسلمين الضئيلة التي إن وقعت فهي على مستوى أخطاء فردية تقع من المسلم وغير المسلم كذلك فيما يريدون تحقيقه من مصالحهم، فيحاول الغربيون استثمار هذه الأخطاء لصالحهم؛ لأنَّ بعض المسلمين قد يرتكب فعلاً خاطئاً ويعتقد أنه صحيح ولا يدري أنَّه يعمل من خلال خطَّة العدو، فيستغل العدو هذه الأخطاء لإثارة الرؤساء والقوانين عليهم، والمسلمون هنالك ليست لديهم رابطة أو منظمة قويَّة يمكن أن ترد بحجَّة وقوَّة على ادعاءات الغربيين أو المنظمات الصهيونية في تلك الدول الغربية، بل لربما وقعوا في الفخ وقالوا: نعم فإنَّ النقاب عادة لا عبادة، ويجب أن تخلع المنتقبات هذا النقاب عن وجوههن؛ لأنَّه يثير المشكلات والفوضى ولربما قالوا: هو لباس طائفي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي الغربي، فيقعون في الفخ، ويصطادهم الغربيون بالوقوع في شراك حبالهم، ويسقطون في ذلك المطب، ويعملون كذلك من خلال خطَّة العدو.
وعلى كل حال فإنَّه كلما زاد الضغط على دولة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، تتفاقم وسيلة الاقتصاص من دين الإسلام بطرق أخرى، ويجد الغربيون ويؤازرهم اللوبي الصهيوني للنيل من الإسلام، وخصوصاً أنهم يتحكمون في مفاصل كبيرة في السياسة والاقتصاد والإعلام كما هو معلوم، أضف إلى ذلك أنَّ الأنظمة الأوروبية بقوانينها العلمانية تعتبر اليهودي مواطناً أصيلاً في مجتمعه والعربي المسلم قادماً جديداً وليس أصيلاً، بل إنَّ النظرة للعرب والمسلمين في أوروبا في الغالب هي نظرة إنسان إما هارب من حرب وإمَّا باحث عن عمل أما اليهودي فهو منتج وشخص فاعل في الحياة...!!
ولكي تتضح الصورة أكثر، فحينما تقع مشكلة كبرى على المسلمين سواء في دولهم أو في الأماكن التي يقطنون بها كجاليات إسلامية في دول غربية، فعلينا أن نفتش عن المستفيد الأكبر من ذلك وهم اليهود، فحينما ندرك حقيقة جذور التمدد اليهودي في فرنسا، بل هنالك كلام مشهور عن ساركوزي وانتمائه العنصري للصهيونية، وأقوال تؤكد أنَّه يهودي مهاجر من بولندا كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي المسلم "بيير زينحتى"( )، فنجد هذا اليهودي بعد أن كان مهاجراً يصل إلى رئاسة فرنسا، فيكفي بهذا مثالاً حيَّاً من التمدد والتجذر الصهيوني في رأس دولة غربية كبرى كفرنسا، ومدى نجاحهم لإقرار هذا القانون الذي يقضي بحظر النقاب.
ولكي نربط الأحداث بعضها ببعض نرى أنَّ أول من يستفيد من قانون ظالم كهذا، هم اليهود في فلسطين حيث يستعد(الكنيست الإسرائيلي لإقرار قانون يقضي بمنع المسلمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 من ارتداء النقاب والبرقع أو تغطية أجسادهن بشكل كامل، وينص القانون الذي تقدمت به عضو الكنيست عن حزب كاديما "مرينا سولودكين" على فرض غرامة مائة دولار أو السجن لمدة أسبوع على كل من ترتدي النقاب في الأماكن العامة، كما تفرض غرامة 2500 دولاراً أو السجن لمدة ستة أشهر على كل من يرغم المرأة على ارتدائه)( ) ونلحظ هنا مدى استفادة اليهود من قوانين جائرة حصلت في تلك الدول الغربيَّة، وكانت تكأة لهم لتحقيق مآربهم الشخصية ضد فلسطينيي الداخل.
ج) استغلال الغرب للوضع المتردي في العالم الإسلامي لإصدار قانون حظر النقاب:
لقد تجرأ الغرب في قوانينهم بحظر النقاب؛ لأنَّ المسلمين في العالم الإسلامي لم يكونوا على مستوى المجابهة للقوانين الغربية، فها هي فرنسا قد أفلحت في حظر النقاب، وهنالك دول أخرى تبحث هذه القضيَّة مرة أخرى مثل بلجيكا وأسبانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها.
وبدلاً من أن يتَّفق المسلمون على أن تكون لديهم وقفة ذات مسؤولية تجاه قرارات الغرب الظالم، نجد فتوى شيخ الأزهر الراحل، ومفتي مصر الحالي، وهما من الموظفين الرسميين بعد تراجع دور الأزهر الذين يرون أنَّ النقاب عادة لا عبادة، ويرون عدم جواز لبس النقاب، بل القيام بإصدار الأمر بحظره ومنعه في الجامعات، فضلاً عن أن يقوم شيخ الأزهر الراحل بنفسه بخلع النقاب عن إحدى الطالبات، وحينما يرى وجهها البريء يستهزئ بتلك المرأة المنتقبة باعتبارها غير جميلة وهي تلبس النقاب فيقول لها: فكيف لو كنت جميلة؟ فماذا ستفعلي وماذا ستلبسي؟!
ثمَّ بعد ذلك ينتصر لرأيه الأعوج، ويحظر لبس النقاب على المنتسبات للكليات والمعاهد الأزهريَّة، ويفرض رأيه في ذلك، كما حصل أن وزَّعت إحدى الكليات المشهورة في مصر أكثر من ألف كتيب أعده شيخ الأزهر السابق والدكتور حمدى زقزوق، وزير الأوقاف، والدكتور علي جمعة، مفتي مصر، يؤكد أن النقاب عادة وليس فريضة، وذلك لمواجهة انتشار النقاب بالمدارس والكليات والجامعات.
ولهذا نجد الغربيين يحتجون بمثل هذه المواقف، ويستدلون بكلام بعض المشايخ وخصوصاً في أكبر جامعة دينية عريقة ومشهورة كجامعة الأزهر، ويخاطبون مجتمعاتهم بأنَّ هنالك مشايخ في الأزهر اتفقوا على أنَّه عادة وليس عبادة وألفوا في ذلك الكتب، بل منعوا النقاب وحظروه في جامعاتهم !
ولا ننسى نحن كذلك ما تواجهه النساء المستقيمات المنتقبات في عدد من الدول الإسلاميَّة من قوانين تحاول أن تحظر هذا النقاب، فوزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني، قد طالب بخلع الحجاب أثناء التصوير لجواز السفر الجديد، ولأجل ذلك فقد أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية عن إعادة استصدار بطاقات هوية وجوازات سفر بيومترية، تشترط فيه تخفيف اللحية للرجال! وخلع النساء للحجاب( ) – لاحظ الحجاب وليس النقاب فحسب - !
وكذلك الأمر في تونس - قبل سقوط طاغيتها - وغيرها من الدول التي تعتبر أنَّ النقاب عبارة عن شعار سياسي!( ) مغلَّف بإطار ديني، وبالطبع فإنَّ النظام السياسي العلماني الحاكم آنذاك وجد من يسوغ له هذه الآراء فاستعار مشايخ زور، يسوغون له قراراته الجائرة حتَّى في حق المحجبات، حتى قال المفتي التونسي السابق إن" الحجاب لباس سياسي. واعتبر الملتزمات به خارجات عن "ولي أمره"( )!!
إنَّ من بركات هذه الثورات العربية على الطواغيت الظلمة، أن كان من نتائجها إعادة النظر في قرارات رفع الحظر عن النقاب في بعض الدول العربية، فها نحن نقرأ أنَّ إدارة جامعة الأزهر قد سمحت للمنتقبات بالدخول لقاعات الامتحان( )، وكذلك نقرأ أنَّ وزارة التعليم السورية أعادت الكثير من النساء المنتقبات اللواتي فصلن بسبب نقابهن، والذي اعتبرته الدولة السورية لباساً طائفياً كما يقولون!، وكان ذلك بسبب تلك الثورات الشعبيَّة والهبات الجماعية التي ثارت على الظلم والطغيان حيث انتبه المجرمون في سورية إلى خطورة مثل هذه القرارات، فقاموا برفعها مرة أخرى ليس لله بل خوفاً من تلك الثورة المباركة في الشام.
كان الأولى بالدول العربيَّة التي حظرت النقاب - إن كانت بالفعل مقتنعة بتراثها وقيمها - أن يكون لها وقفة ضدَّ هذه الممارسات الغربيَّة اللاإنسانية في حق النسوة التي لم تخل بنود الإرهاب في إطلاق وصمة الإرهاب عليهنَّ لأنَّهن منتقبات، فحتى النساء لم تفلت من أولئك الدكتاتوريين الطغاة.
كان الأولى بالدول العربية التي حظرت النقاب أن تحترم عاداتها وتقاليدها كذلك، ولا تتنكر لتراثها وأعرافها التي تحاول أن تربط الناس بها بدلاً من دينهم وعقيدتهم، ولكن ما كان أولئك إلا عملاء للاستعمار، فلا يقولون إلا بهواهم، ولا يتمنطقون إلاً بقولهم، ألا ساء ما يحكمون!
كان الأولى بالدول العربيَّة إن كان هواها عربياً أن تفرض بنوداً وقيوداً على السائحات الأجنبيات اللواتي دخلن للدول العربيَّة بملابس فاضحة تخالف قيم وتقاليد ودين المسلمات في تلك الدول العربية - هم يريدون وجود هذه الملابس بالطبع ولكن نقول كان الأولى !! - لكنَّ الدول العربيَّة انساقت وراء تلك الدول الغربيَّة التي تقودها بالفعل لكي تعلن بعض هذه الدول الحرب على النقاب وبفتاوى بعض العلماء بحجة أن النقاب عادة لا عبادة.
حسناً فلو كان النقاب عادة فلماذا لا يحترمون عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا؟!! أم أنَّ عوائد الغربيين هي التي لابد أن تحترم أما عوائد المجتمعات الإسلامية فما هي إلا مجرد خرافات وتقاليد بالية.
إنَّ منهج القوة والصرامة يكمن في الأخذ بالمبدأ الحق وهو الذي يجعل الغربيين يتراجعون عن كثير من قراراتهم وبنودهم ، فالأصل أن الدول الإسلامية ممثلة بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكذا اللجان الحقوقية والقانونية التابعة للكثير من الدول العربية والإسلامية أن تضغط على تلك الدول لتتراجع عن قرارتها المجحفة ضد النسوة المنتقبات، أو على الأقل يكون هنالك أسلوب ضغط بإلقاء القبض على النسوة الغربيات المتبرجات في الدول العربيَّة بطريقة مخالفة للتقاليد والأعراف الإسلامية فضلاً عن دينهم الحنيف الذي ينهى عن تبرج النسوة، فإنّ ذلك من باب معاملتهم بالمثل، فالنساء المقبوض عليهن في تلك الدول الغربية واللواتي بتن يعشن في حصار خانق على حريتهن ولا يستطعن الخروج من البيت إلا بصعوبة بالغة، أليس لهن حق في حماية حقوقهن؟!!
د) أسئلة مشروعة حول قضية (المنتقبات) عند الغربيين:
ما دام الغرب يخشى على نفسه من العمليات الإرهابيَّة كما يقول؛ فإنَّنا نسأل:
- كم من شخص قام بمثل هذه العمليات التفجيريَّة ضدَّ الغربيين وكان مرتديا للنقاب؟
- وكم من امرأة منتقبَّة قامت بعمليات ضدَّ المجتمع الغربي؟
- وكم هو عدد المنتقبات في البلاد الغربية؟
- وكم من شخص غربي وضع اللثام على وجهه أثناء قيادته لدراجته الهوائية أو النارية سواء من المدنيين أو من الشرطة والعساكر؟
- وما الفرق بين امرأة مسلمة ترى أنَّ النقاب أستر لها وهو من لباس الحشمة الذي ترتاح له، وبين الشرطي الذي يضع خوذة على رأسه تغطي وجهه ليقود الدراجة وبين نقاب المرأة المسلمة، والذي تستطيع أن ترى فيه أكثر من رؤية ذلك الشرطي حيث أنَّ البرقع يسمح لها برؤية أوضح.
إنَّ الذي يثير الانتباه أنَّ عدد السكان الفرنسيين في فرنسا من غير المسلمين هو 60 مليون نسمة، وهنالك ستة ملايين أخرى من المسلمين، ويشكلون 10% من المجموع السكاني، ومن هذه الملايين من المسلمين لا يوجد سوى ألفي امرأة منتقبة!! وعليه فإنَّ هذا يبين أنَّ هذا العدد للمنتقبات ليس إلا شيئاً ضئيلاً للغاية بل هامشياً، ومع هذا تثار قوانين جائرة كحظر النقاب ضدَّهنَّ، فلم يترك الغرب رجال الإسلام فقط لمحاربتهم، ولم يكونوا كطواغيت الأمس يستحيون النساء، بل دمجوا النساء المسلمات المنتقبات مع الرجال المسلمين كذلك في حربهم والتخويف منهم!
إنَّ الذي يريد بالفعل أن يقوم بعملية تفجيريَّة في تلك المنشآت الغربية، فإنَّه لن يألو جهداُ بأن يخفي جميع الملامح التي تخفي شخصيَّته سواء كان مسلما أم غير مسلم، ولنفترض جدلاً أنَّ مسلماً يريد القيام بمثل هذه العملية فإنَّه سيغير من ديكوره الخارجي كما يقال فيحلق اللحية ويلبس السلسال وقد يتعاطى الدخان وقد يذهب للمرقص ويفعل ما لا يظن أو يعتقد أحد ما أنَّه يريد القيام بعملية ضد المنشآت الغربيَّة أو الأوروبيَّة.
وكذلك المرأة لو أرادت ذلك فإنها ستخلع النقاب وتلبس مثل النسوة المتبرجات، وتقوم بهذه الأعمال كتغطية على عملها ذاك !!
وحينما نفتش عن من قام بمثل هذه العمليات التخريبية نجد أنَّ من يتهمون بذلك ليست لديهم أدلة أو براهين صحيحة فدعاويهم صفر على الشمال، وهم يدورون في حلقة مفرغة فيقدمون الذرائع والأسباب لإلغاء النقاب والحقيقة لا توجد حقائق تصدق دعاويهم:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها* بينات أصحابها أدعياء
إنَّ من يقول: من حق الغربيين سن القوانين وفرض الأنظمة المانعة للنقاب، فيقال لهم: إنَّ هنالك الكثير من المسلمين يعيشون هنالك وهم أحرار في طبيعة لبس نسائهم، وكذلك الكثير من الجاليات المسلمة هنالك هم أحرار في لبسهم، فهل الحرية تكون لأناس دون أناس؟
أحرام على بلابله الدوح * حلال للطير من كل جنس؟!
أليس احترام المعتقدات الدينية جزءاً من معتقدات المجتمع العلماني، فما بال العلمانية التي تدعي الحرية تلزم النساء المسلمات المنتقبات بفرض قوانين تعيق حركتهنَّ في البلاد؟
لماذا لا تكون هذه القوانين تمييزاً عنصرياً وردة فكرية في الحرية الشخصية؟
ولماذا يصح للراهبات أن تلبس الملابس الدينية الخاصة بهن ولا يسمح للمسلمات كذلك؟
إنَّ حقيقة هذه الدعاوى ليست إلاَّ لتضييق الخناق على المسلمات، وقانون كهذا سيفرض على النسوة المنتقبات ثلاثة حلول أحلاهما مر:
- إما أن تغادر النساء فرنسا إلى غير رجعة بسبب هذه القوانين الجائرة، كما قال الرئيس الفرنسي أنه لا مكان للنقاب في فرنسا وهي دعوة واضحة منه أنَّه لا يتحمل وجود المنتقبات في فرنسا ولو كنَّ فرنسيات، ولا ننسى كلاماً له قاله قبل توليه رئاسة فرنسا كان نصه:(لا نريد إسلاماً في فرنسا بل نريد إسلاما فرنسياً)( ).
- وإما أن تبقى المرأة حبيسة بيتها فلا تخرج منه مطلقا!
- وإمَّا أن تخلع النقاب عن وجهها وهو ما يتنافى مع معتقداتها ورأيها في فرض النقاب على المرأة!
والتساؤل الذي يطرح نفسه: لماذا تمنع تلك الدول النقاب بل حتى الحجاب كما هو ممنوع في فرنسا وفي مدارسها، وفي المقابل يسمحون لمن يلبسن الملابس العارية، والميني جيب والميكرو جيب وغيرها، خصوصاً أنَّها تُسَبِّبُ الكثير من المفاسد والتحرش الجنسي؟( ).
صحيح أنَّهم يقولون إنَّ هذا من قبيل الحرية الشخصية فلا يمكن لهم أن يمنعوا ملابس كهذه، لكننا نقول كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: (إنَّه أمر مثير للسخرية حقا أن ترى أن العلمانية اليوم موضع جدل في أوروبا وتقوض حريات معينة، فاليوم في فرنسا لا يوجد احترام للحرية الدينية للفرد)( ).
ثمَّ إنَّنا نسأل : فلم يخصص الغربيون هذه الهجمة على المنتقبات المسلمات ويتركون مظاهر التميز الأخرى للديانات الأخرى من قبيل اليهود والهندوس والمجوس والنصارى؟! أليس الغرب غرباً علمانياً لا دينياً؟! فما سبب تخصيص المسلمين بهذه القرارات العنصريَّة وترك الحبل على الغارب للبقية، ليلبسوا ما يشاؤون ويفعلوا ما شاؤوا؟!
إنَّ الحضارة الغربية والأوربيَّة تعلم أنَّ الدين الحقيقي والمؤثر هو الدين الإسلامي، وأنَّ أكثر الحراك في المجتمعات الغربية للدعوة للدين هو الحراك الإسلامي بالدعوة لدين الإسلام العظيم، وهو ما يجعلهم يتخوفون من هذا الدين ويقوموا باضطهاد المسلمين وكبت حرياتهم بدعاوى باطلة.
إنَّ استهداف للمسلمين بات في الحقيقة على الهوية والمظهر، ونحن لا ننسى ما حصل في مدينة هاملتون الكندية، وبسبب أشكال الهنود وعمائمهم التي توقع الكنديون أنَّهم مسلمون، فأحرقوا معبداً للسيخ، وفي اليوم التالي، كتب السيخ لوحة أمام المعبد تقول:(نحن لسنا مسلمين)( ) فقد صار المسلمون بالفعل مضطهدين من غيرهم بسبب ملامحهم وسحنتهم كما حصل في ظاهرة قتل القبطي المصري بسبب سحنته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحادثة مقتل مروة الشربيني التي قُتلت قبل سنة في ألمانيا، بعد أن حكم القاضي لصالحها ضد ألماني أساء إلى حجابها، فما كان من ذاك الألماني إلى أن طعنها طعنات قاتلة وهي حبلى في ساحة المحكمة، وكذلك ما ذكرته صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية أن محكمة ليستر أصدرت حكمها الثلاثاء بعد أن اعترف المجرم ستيفن أرد، الذي هاجم امرأة مسلمة منتقبة (ريحانة سيدات) حيث هاجمها وكان سكراناً، قائلا "انزعي ذلك عن وجهك أيتها المرأة" !!
وهذا ما يدل أنَّ أي هوية ظاهرة للمسلم، فإنَّه سيكون مآلها الحرب، أو القتل، أو الحظر، أو السجن؛ لكي ينسى المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية الكثير من شعائرهم ومظاهرهم فتكون في طي النسيان.
• المحور الثاني : تعامل الإسلاميين مع قضية النقاب :
حينما نقرأ في تعامل بعض الإسلاميين مع قضية النقاب، نجد أنَّ بعضهم يتعامل معه بطريقة (تصفية الحسابات) مع أصحاب فكر يرى وجوب النقاب، فيحاول بعض الإسلاميين النيل منهم، ووصمهم بالتشدد والتنطع والتزمت، وأنَّهم يريدون بفتاويهم التي لا تفقه الواقع! أن يقيموا الإسلام في روما كما هو في مكَّة المكرَّمة، ولهذا نجدهم يقللون من خطورة هذه المشكلة التي وقعت للكثير من المسلمات المنتقبات، بل قد يقولون: وما المانع أن تخلع المرأة نقابها؟
ولكي أكون صريحاً فإنَّ بعض آراء المفتين والشيوخ الرسميين كان لها دور سلبي بل متناغم مع رؤية الساسة الغربيين في حظر النقاب، فضلاً عن أنَّ الغربيين وكذلك من في قلوبهم مرض من ساسة العرب قد اعتمدوا على كلامهم في مواجهة المنقبات، ومن أمثلة ذلك ما صدر عن مفتي مصر د. علي جمعة، وشيخ الأزهر السابق د. سيد طنطاوي، أنًَّ النقاب عادة لا عبادة - وهو للعلم قول متطرف، لم يقله أحد من علماء الإسلام - ويضيف على ذلك وزير الأوقاف المصري السابق د. زقزوق قائلاً: أنَّ النقاب بدعة في الدين كذلك! – وهو كذلك قول متطرف أكثر من سابقه - .
فبدلاً من أن ينتصروا لأخواتهم المنتقبات اللواتي يعانين من المضايقات الشديدة في تلك الدول الغربيَّة، يقومون كذلك بالموافقة على قوانين حظر النقاب في الجامعات المصرية، ويوقعون على المسلمات المنتقبات أقوالا جائرة، لأنَّهنَّ يلبسنه عادة لا عبادة مع أنَّهم بقولهم عن النقاب يخالفون ما قرَّره علماء الإسلام ومنهم كبار علماء الأزهر وقولهم بمشروعية النقاب وأنه مستحباً في أقل الأحوال.
ومِمَّا يندى له الجبين كذلك أن نجد الفتوى الحالية لأحد المشايخ الرسميين د. علي جمعة، تخالف ما كان قد قرَّره سابقاً قبل أن يتولَّى إفتاء مصر، حيث كان له كلام صريح في قناة اقرأ الفضائية: أن النقاب فرض عند ثلاثة من علماء المذاهب ومستحب لدى المذهب الرابع، فثبت وضوح ما يقوم به هؤلاء من تسييس الدين في محاربة النقاب، وهي طامة كبرى تقع من هؤلاء!( )
أ) مشكلة تعامل بعض المسلمين مع أزمة النقاب:
قد يكون للإسلاميين رأي في تلك الدول الغربيَّة في عدم ضرورة لبس النقاب للمسلمات، ولكنَّ ارتباطهم الإسلامي يجب أن يكون أقوى من ارتباطهم القطري أو في حدود الدولة التي يعيشون فيها، وهذا لا يعني أن يكونوا مصدر قلق في تلك الدول فلا يوجد عاقل يقول بذلك، لكنَّهم يجب أن يدافعوا عن حقوق أخواتهم اللواتي يضطهدن وتنتهك كرامتهن وحريتهن، ويجب أن يستخدموا منطق الحرية ومنطلق العدالة الذي يتشدق به الغربيون، ويحاوروا تلك المنظمات والقانونيين الذين يشعلون حروبهم ضد المسلمات المنتقبات.
إنّ الأمر لا يقتصر في بعض الدول الغربية على النقاب كذلك، فالحجاب بذاته الذي يغطي رأس المرأة أعلنت الدول الغربية عليه الحرب، ومنعت النسوة المحجبات من الدخول في تلك الجامعات أو المدارس؛ واعتبرت الحجاب أمراً عدوانياً كما كان يقول الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، فأية حريَّة هذه؟ وهم في المقابل يحترمون حجاب الراهبات ويجعلونه حجاباً مقدساً ولربما حجاب الفتاة مدنساًُ، فهذا عدوان واضح صارخ، لا يمت للإنسانية ولا للأديان ولا للحرية بصلة.
إني لأجزم أنَّ الجاليات الإسلاميَّة إن تهاونت في محاربة هذه القوانين الظالمة ضدهم، فإنَّ الغربيين سيحاولون فرض وسن قوانين جائرة كذلك من القبح والشناعة بمكان، ولكنَّهم يختبرون وقع مثل هذه القوانين على المسلمين ويرون طريقة تفاعلهم معها، ويكون ذلك للمسلمين بالونات اختبار يستطيعون أن يقيسوا مدى اندماجهم في القوانين الغربية الجديدة أو أنَّها ستلاقي الرفض وتقديم دعاوى تبطلها.
إنَّه يجب أن يكون في ذهنيَّة كل مسلم أنَّ حرب الغرب على النقاب حرب على الإسلام ولكن عبر أساليب التدرج ، وما يقوم به فئة من (المتشددين) الغربيين، لاقتراح قوانين محاربة للوجود الإسلامي في دولهم، فإنَّ ساسة الغرب (المعتدلين: زعموا!) يتحينون لهم الفرصة المواتية لكي يقولوا ما شاؤوا ويعرض هذا القرار لاستفتاء شعبي، بعد حملات إعلانية وإعلامية كبيرة للتحذير من مظهر من المظاهر الإسلامية بحجَّة الحفاظ على القومية والهوية الغربية، أو أن يكون ذلك من خلال البرلمانات والمجالس التشريعية.
إنَّ سياسة التدرج في حرب المظاهر الإسلاميَّة يجب ألاَّ تخفى على أذهاننا إن كنَّا في نقاشاتنا موضوعيين، وليس بأن يعتقد بعض الناس أنَّ هذا الحظر لقانون النقاب لا يعني أن يكون من وراءه قوانين أخرى لحظر بعض شعائر ومظاهر الإسلام، وإنَّما هي جوانب تنظيمية ليس إلا! والرد عليهم بما يقوله النائب الشيوعي أندريه جيرين وكذا القيادية اليمينية المتشددة مارين لوبان حيث يُطَمئِننَانِ أنصارهما قائلين:
"بعدما نحل مشكلة النقاب ستظل أمامنا مشكلة تعدد الزوجات وصلاة الجماعة في شوارع المدن الكبرى وحظر لحوم الخنازير في المقاهي وباختصار كل المطالب الطائفية التي يواجهها الفرنسيون يومياً"( ) إذا فكل ذلك يمشي من خلال التدرج البطيء أكيد المفعول، حتَّى يحققوا مآربهم القومية.
وفي هذا تقول الكاتبة اللبنانية المقيمة في فرنسا (فيوليت داغر) بأنَّ الحرب على المظاهر الإسلامية (دوافعها لم تختلف لكن أماكنها وعناوينها تنوعت، بدءاً من حجب الحجاب على من تدثرن به في المؤسسات العامة بحجة مخالفته لروح الدولة العلمانية، إلى الترويج للرسوم الكاريكاتيرية المستفزة للمشاعر في الدانمارك باسم حرية التعبير، إلى الاستفتاء الشعبوي الذي أذن بمنع المآذن في سويسرا لعدم تقبلها عند الرأي العام، إلى استهداف المرأة التي ترتدي النقاب مؤخراً تحت ذريعة الدفاع عن حريتها هي نفسها، أو محاربة التطرف، أو لدافع أمني يتطلب كشف الوجه في عالم ينتابه عصاب الخوف من القريب والغريب. الأمر الذي يتيح لكائن من كان أن يطرح السؤال المشروع: ما السيناريو القادم وماذا سيكون بعد الذي كان؟)( ).
ب) خطورة الاندفاع لتسويق مسوغات الغرب (الجائرة) في حظر النقاب:
في بعض النقاش الودي مع بعض الكُتَّاب والمفكرين، رأيتهم يجيدون فنون الدفاع أو المحاماة عن أفعال الغرب العنصرية ضدَّ المسلمين، بحجَّة أنَّ السيل الهادر لا تسده عباءتك، فإمَّا النقاب، وإمَّا الرحيل.
ويقولون كذلك : هل نريد أن نأكل العنب أو نقاتل الناطور؟
وهم بذلك يلمحون إلى أن يتحمَّل المسلمون ما يأتيهم من الغرب ضدهم ما داموا يعيشون في بلادهم، على مبدأ ( يا غريباً كن أديباً!!) فإن لم يقبلوا بذلك فما عليهم إلاَّ مغادرة بلاد الغرب بكل صراحة والرحيل عنها!
كان من الواجب على أولئك المسلمين حيال هذه الهجمة البربرية الغربية على المسلمات، أن يكون لهم تجمعات إسلاميَّة للدفاع عن حقوق أخواتهنَّ المنتقبات ويتحيزوا لهنَّ لمجابهة هذه القرارات الظالمة، خصوصاً حينما يدركون أنَّ الدافع للغرب في ذلك النكاية بالمسلمين، ومحاولة تهجيرهم وثنيهم عن التمسك بمظاهر التميز الإسلامي عن غيرهم.
فالقضية ليست قضية حرب على حجاب أو نقاب، بل إني أعتقد أنَّ القضية لو كانت مجرد قضية نقاب فحسب؛ لكانت وتيرة مناقشة ذلك من المسلمين مختلفة، لكنَّهم في حربهم للنقاب يحاولون أن يجعلوا المسلمين يرتبطون بالنقاب/ القماش فحسب، وكأنَّها مصارعة الثيران مع القماش الأحمر، فبدلاً من أن يقضي الثور الهائج على الشخص الذي يثيره ويرفع عليه القماش الأحمر، ينقض الثور على القماش الأحمر، ويبدأ بمصارعته، وينسى الهدف الأساسي والذي كان بالفعل الأداة الرئيسة لوجود هذه القطعة الحمراء وهو الرجل المختفي والمختبئ تحت هذا القماش الأحمر.
لهذا نقول إنَّ تسطيح بعض المسلمين شيوخاً ومفكرين ومحللين سياسيين وتخفيفهم من قضية الوقوف ضدَّ الغرب في هجمته على النقاب، خطأ فادح منهم، وهزيمة نفسية، وأسوأ من ذلك حينما يقول بعض السذج: إنَّ النقاب قد يستخدم لعمليات تخريبيَّة! فهم يلفتون نظر الآخرين إلى أنَّ حظر النقاب، كان من أسبابه ذلك، وكأنَّهم يعطون للغربيين ذريعة للاعتماد عليها في حظرهم للنقاب.
لهذا لا نعجب حينما نرى بعض المغفلين والسذج في الغرب كذلك، يدعون لحظر النقاب، كما دعت جماعة إسلامية كندية في أوتاوا إلى منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، حيث ذكر مؤسس الجماعة (طارق فتاح) أن هذه الدعوة تهدف إلى أغراض أمنية، وأكد فتاح أنه تمت سرقة بنك عن طريق أناس يرتدون النقاب. ووصف ارتداء النقاب بأنه "مجازفة حقيقية" وقال كذلك : "ارتداء النقاب ما هو إلا عرف قبلي يروج له الإرهابيون من القاعدة وطالبان"( ) !!
وعلى فرض أن أحد الناس أساء استخدام النقاب واستخدمه للتغطية على أعمال عنف، فما ذنب النقاب والمنتقبات في ذلك؟!
فمن كانت لديه ملاحظات على الوجود الإسلامي في الغرب فعليه أن ينصح ويبين رأيه، ولكن لا يخلط الأوراق ويتحدث بطريقة (الأبيض والأسود) فإمَّا أن نقبل بما يقوله الغرب أو أن نرحل، فليست هذه علامة على الصمود الإسلامي في الوجه المتغطرس الغربي، بل الشيء المطلوب والمرتجى في الوقت نفسه أن يكون هنالك وقفة صمودية ثابتة للدفاع عن حقوق المسلمات في النقاب.
ولو أتانا شخص وقال إنَّ المآذن بدعة – بمعنى أنَّه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة والتابعين شيئاً من ذلك – وبناء عليه فلو قام الغرب بحظرها وحظر بنائها فإنَّه لا إشكال في ذلك، ولم يقم بالدفاع عن حقوق المسلمين، حينما أتت الهجمة الشرسة كذلك في حظر بناء المآذن في سويسرا بحجَّة أن تلك المآذن بدعة، فإنَّ هذا يدل على عقليَّة السذاجة التي يحملها ذلك الشخص، وكأنَّه يقول للغرب لا بأس عليكم في أن تحظروا هذه المآذن؛ لأنَّها ليست من شعائر الإسلام الظاهرة.
وكذلك لو جاء شخص ما وقال لا بأس باعتداء اليهود على الحرم الدائر حول ما يقال له (المسجد الإبراهيمي) وذلك لأنَّ هذا المسجد قد بني على قبور الأنبياء والصالحين، وقد جاء في شريعة الإسلام عدم جواز بناء المساجد على القبور، وعدم جواز الصلاة فيها، ولهذا ليس مهماً أن نلتفت لاستيلاء اليهود على تلك البقعة الشريفة..!!
إنَّ كلَّ من يفكر بهذا التفكير التسطيحي خاطئ وساذج؛ لأنَّه يضع الأمور في غير مواضعها، والأصل أن يكون المسلم فطناً في مواقفه فيبين للغربيين قبح ما يقومون به من أعمال ضدَّ المظاهر والشعائر الإسلامية.
فإذا قام شخص مشعوذ يتحايل على الناس بقراءة القرآن مع إدخال بعض الرموز والطلاسم الشركية، ورأيناه يدخل شيئاً من الحق في كومة باطلة، فهل نقول: لا يجوز قراءة القرآن لأنَّ المشعوذين يستخدمونه لمآربهم السيئة؟
وإذا كان هنالك أناس من قطَّاع الطرق ومصاصي الدماء قد أطلقوا لحاهم ، وقاموا بجرائم نكراء من قتل ونهب وسلب وهتك للأعراض، نقول: لا يجوز إعفاء اللحية لأنَّ هنالك من أعفاها لأغراض مشينة وكان مجرماً؟!
وإن كان هنالك لصوص استولوا على مركبة حكومية كسيارة شرطة وقتلوا أربعة ممن كانوا فيها، ثم لبسوا ثيابهم وباتوا يعيثون في الأرض فساداً نقول : لا داعي للبس ملابس الشرطة، لأنَّ هنالك من يستخدم ذلك لجرائم تخريبيَّة!
إنَّ هذا بعينه هو لب التفكير الغربي، فهو إن صحَّ – وذلك على فرض القول بذلك - وجود أناس يستخدمون النقاب، لأعمال عنف، فإنَّهم يستغلون ذلك لتحقيق ما كانوا بصدده من منع للنقاب، مع أني لا أستغرب أن تكون أيادي غربية خفية تدس يدها في الظلام وتتواطؤ مع مثل هؤلاء لكي يحققوا مآربهم السياسية الخبيثة، وتكون تلك الحادثة المشجب الذي يلقي عليه الغرب السياسي تسويغاته السخيفة.
• المحور الثالث: واجب المسلمين تجاه هذه الحملات المغرضة في الدول الغربيَّة:
لا بد أن يكون للمسلمين دور رئيس في مواجهة ومجابهة هذه الحملات المغرضة من الدول الغربية التي قامت بحملة شنعاء ضدَّ المسلمين عموماً، والمنتقبات خصوصاً، حيث لن يكون هذا القرار هو الأخير، بل إنني أعتقد أنَّه ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة جداً حلقاتها في الحرب على الإسلام وشعائره، ولعلًَّ من أهم المهمات في ذلك ما يلي ذكره:
1) أن تشكل الأخوات المسلمات المنتقبات رأياً عاماً يبيِّن فيه مدى حريَّتهن وضرورة عدم تقييد الحريَّة لهنَّ، وأن يوكلن عن أنفسهن عدة محامين أقوياء وأكفاء للدفاع عن حقوقهنَّ، مع محاولة الضغط قدر الإمكان لكي يتراجع الذين سنوا هذه القرارات الجائرة ضد المرأة المنتقبة، ويبينوا أنَّ النقاب مثله مثل أي قطعة لباس تغطي الجسد.
2) أن يدرك المسلمون والمسلمات بأنَّ الغرب لديه حساسيَّة تجاه معرفة الهوية وخصوصاً من ناحية الوجه ولهذا فإنَّه يمكن أن يقترح عليهم بأنَّهم إن كانوا يريدون التحقق من الهويات أو الشخصيَّة فإنَّ هنالك عدة أشكال ومنها: (البصمة) أو كشف الوجه مع امرأة شرطية غربية للتأكد، وهذا من حقهم، كما أنَّ من حق المسلمات أن يحافظن على هويتهنَّ الدينية، ولا يطلع عليهن إلا امرأة مثلهن.
3) التأثير على عدد من الكتاب والصحفيين والحقوقيين والقانونيين الغربيين، والمنظمات الغربية من قبيل منظمات حقوق الإنسان، والمحكمة الأوربية، لأن يقنعوهم بأنَّ النقاب من القضايا التي جاء بها الإسلام، وأنَّه ليس كما يزعم بعض المسلمين أنَّه عادة لا عبادة، فمهم أن تستغل الجاليات المسلمة قربها من الصحفيين أو الكتاب أو السياسيين أو الأحزاب، الذين كان لهم رأي مضاد لقرار حظر النقاب؛ فمن الضروري التعاون مع الذين أبوا أن يخضعوا لمثل هذه القرارات الجائرة والمجحفة بحقوق المرأة المسلمة، ونشر كلامهم أكثر، وتوضيح الكثير من حقائق الدين الإسلامي الخافية عن بعضهم، ملزيد مدافعة منهم عن قيم الإسلام، ومن تلك التصريحات الجيدة التي صدرت:
- منظمة العفو الدولية حيث قالت:(ينتهك الحق في حرية التعبير والمعتقد لدى النساء اللواتي اخترن التعبير عن هويتهن أو عقيدتهن بهذه الطريقة)( ).
- منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية المدافعة عن حقوق الانسان أن حظر النقاب الكامل في فرنسا وقولها:(أن حظر البرقع لن يحقق للنساء الحرية")( ).
- جريدة "واشنطن بوست" حيث قالت:(حظر النقاب يعتبر نوعًا من الحرب الثقافية وليس إجراء لمكافحة الجريمة، وهؤلاء الذين يقولون إنهم يدافعون عن حقوق المرأة في حقيقة الأمر قد عادوا بها إلى الوراء، لأنهم بهذا ينتهكون الحقوق الأساسية من حرية التعبير والحرية الدينية، ويزيدون من تفاقم المشكلة التي يقولون إنهم يشعرون بالقلق بشأنها)( ).
- من ضمن الآراء المهمَّة حيال قانون حظر النقاب، تصريحات نواب الحزب الاشتراكي الفرنسي التي رفضت ذلك القانون، واعتبروا أنَّ ذلك القانون صادر عن نعرة حزبيَّة ضدَّ المسلمين.
- تصريح"ألفينا مالك" المستشارة السابقة لحكومة حزب العمال السابقة في تقريرها الصادر عن معهد دراسات المجتمع المدني بعنوان "المرأة والإسلام والليبرالية الغربية" - أن "بريطانيا" يجب أن تنحى منحى مختلفاً عن الدول الأوروبية الأخرى التي حظرت النقاب، وأكدت أن إبراز الرموز الدينية في "بريطانيا" - التي منها ارتداء النقاب - يجب أن يكون حقًا أساسيًا مكفولًا للأفراد على المستويين العام والخاص، مشيرة ضمنيًا إلى أن هذه الرموز الدينية لا تعيق التفاعل الاجتماعي وممارسة الأنشطة المختلفة( ).
- صحيفة ديلي تليغراف البريطانية حيث ذكرت أن(البرقع بات جزءا من الحياة في بريطانيا، وأن محاولة حظره قد تأتي بنتائج عكسية)( ).
- وصفت صحيفة "تايمز" البريطانية حظر النقاب بأنه "إحياء" للمعركة الأوروبية القديمة ضد الدين، قائلة: "إن قرار حظر النقاب في بلجيكا الذي يتزامن مع استعداد فرنسا لاتخاذ مثل هذه الخطوة، ينظر إليه العالم العربي على أنه علامة على انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا"( ).
- تصريحات الكاتب والمفكر الفرنسي المشهور (مارك ادوارد ناب) وقد انتشرت في الشبكة العنكبوتيَّة من خلال موقع (يوتيوب) حينما كان يتحدث في لقاء تلفزيوني ضمَّه مع عدد من الكتاب الفرنسيين، فلقد كان مدافعاً عن حقوقهنَّ أكثر من بعض من ينتسب للإسلام من المفكرين وبدلاً من أن يوجهوا حربهم الفكرية للقوانين الجائرة، باتوا يتحدثون عن النساء المنتقبات، ومن كلامه الذي قاله:(أنا لا أثق في هؤلاء المناصرين للمرأة الذين يتذرعون برفض النقاب وفي الحقيقة هم يكرهون حتى هؤلاء النساء المحجبات بدون نقاب سئمنا من نفاقهم).
4) القيام بمظاهرات جماعية قوية وفاعلة واعتصامات وحشود نسوية كثيرة من النسوة غير المنتقبات، ومن الرجال كذلك المسلمين وغير المسلمين ممن يقتنعون بحرية التدين والفكر، ومحاولة الضغط على هذه الحكومات الغربية لكي تتنازل عن رأيها، وتعرف قيمة المرأة المسلمة عند المسلمين.
5) تفعيل مقاطعة المنتجات الفرنسية، وإطلاق حملات قوية في ذلك في (الفيس بوك) و(تويتر) وغيرها من المواقع القوية على الإنترنت، فلربما يكون لهذا الأمر أثره، وخصوصاً حينما ندرك أنَّ المقاطعة الاقتصادية لبعض البلدان قد أثَّرت تأثيراً حقيقياً، بيد أنَّها بحاجة لقناعة من عموم المسلمين، ويمكن أن تنتشر من خلال دعوات جماعية وجماهيرية وبيانات تصدر عن عدد من التجمعات العلمية في الدول العربية والإسلامية، وفيها دعوة واضحة لمقاطعة شعبية من المسلمين لبضائع تلك الدول التي تفرض على المسلمين قوانين ظالمة.
6) حث السياح العرب على ألاَّ يسافروا لتلك الدول الغربية التي حظرت النقاب، وخصوصاً من الإخوة والأخوات الخليجيات، بل يولون وجهتهم لمكان آخر، فلربما يلاقون هنالك صعوبات، عدا أنَّ سفرهم دعم لاقتصاد تلك الدول، مع أنّ هنالك تساؤلاً جاداً وهو: أنَّ القانون الحالي المفروض مثلا في فرنسا بحظر النقاب، قد يطبق على النسوة الفرنسيات أو الذين يمتلكون هذه الجنسية، أو المقيمين على وجه الديمومة، ولكنَّ: هل سيجرؤ رجال الشرطة الفرنسيين ويعمدون إلى توقيف المنتقبات الخليجيات اللواتي يأتين مع أسرهن إلى فرنسا من أجل تمضية العطلة الصيفية؟
7) على الجاليات المسلمة عموماً - ومن دول المغرب العربي خصوصا الذين يعملون في فرنسا - دور كبير جداً لنشر التوعية بين المسلمين بالمحافظة على حقوقهم، و إدراك نقطة مهمَّة للغاية بأنَّ الناس إن وافقوا على إزالة النقاب وبات الحديث عنه في خبر كان أو نسياً منسياً، فإنَّ هذا يعني بداية الاستجابة والرضوخ بالإكراه للأنظمة الغربية تلك، فالانتباه لمرادهم واجب، ولا نريد أن يقول المسلمون في فرنسا وغيرها أكلت يوم أكل الثور الأسود، حيث يسكت أناس عن حرب الغربيين للنقاب، بحجة أنَّ النقاب غير واجب أو أنه يسع المنتقبات أن يخلعنه ويلبسن حجاب الرأس فحسب، ثم تتواصل الحرب على المظاهر الإسلامية إلى أن يتندم بعض المسلمين هنالك بسبب عدم وقوفهم وقفة رجل واحد ضدَّ مؤامرة الغربيين ضد المسلمين.
8) تفعيل النقاش العقلاني مع المحاربين للنقاب، وخصوصاً من رجال العلم المؤصلين شرعياً، وتوضيحهم لغيرهم من اللجان والمؤسسات الحقوقية والقانونية، أنَّه حينما ترتدي المسلمات النقاب، فإنَّ هذا يعزز كرامتهنَّ ويقوي من شخصيتهنَّ كذلك، ويثبتن على ذلك بوجود المئات من المنتقبات الطبيبات والعاملات في شؤون المجتمع، حيث لم يصرفهن هذا النقاب عن ممارسة الحياة مع الآخرين، كما أنَّ النقاب حينما يلبسه تلك المنتقبات فإنَّهن تلبسنه من قبيل حريتهنَّ الشخصيَّة وخصوصاً في تلك الدول الغربية، ولن نجد امرأة تلبس النقاب في تلك الدول وهي مجبرة على لبسه، وإن حصل ذلك فإنَّ هذا من قبيل الشذوذ ، والشذوذ لا حكم له !
ومن حير ما يمكن القيام به في ذلك، نشر المقالات في تلك الصحف والجرائد العامة في تلك الدول، كما قامت الأخت فاطمة بركة الله - الكاتبة الصحفية بمجلة "الأخوات" البريطانية، والصحفية بمجلة "سيسترز"– بكتابة مقال على صفحات التايمز البريطانية بعنوان "النقاب...الحقائق والمزاعم"( )، تدافع فيه عن النقاب وتعرِّف الناس حقيقته، وفي ردها على شبهة أن النقاب رمز للخضوع والقهر، أشارت الكاتبة إلى أنها لا تعرف واحدة من النساء أُجبرت على ارتداء النقاب بالقوة؛ بل هو اختيارها وطاعة لربها، بالإضافة إلى أن كثيرات ممن يرتدين النقاب هنّ ممن وُلدنَ وتربينَ في البيئة البريطانية، أو هنّ من المسلمات الجدد.
9) التبيين والتوضيح للشعوب الغربية بأنَّ الحكومات الغربيَّة حينما تفشل في تحقيق بعض وعودها للمواطنين الغربيين أو الأوربيين فإنَّهم يلقون بتبعة ذلك على المسلمين، ويسعون لتحميل الجاليات المسلمة فشلها السياسي، ولهذا نجدهم في أواخر ولاياتهم الرئاسية أو الحكومية يقومون بفعل شيء مضاد ضدَّ المسلمين سواء في بلادهم تلك أو بالتدخل في بعض بلدان المسلمين بزعم الإرهاب والعنف.
10) ماذا لو قررت الدول العربية وخاصة من ليس لديها مواطنون نصارى، أو أن أعدادهم لا تكاد تذكر، في فرض غرامة مالية على كل من يعلق الصليب سواء في رقبته أو على معصمه أو في سيارته، من باب المعاملة بالمثل، وهل سيتقبل الغرب هذا القرار أم سيعتبره قرارا عنصرياً يستوجب عقد جلسة لمجلس الأمن من أجل فرض عقوبات على هذه الدولة "الإرهابية"؟!
11) على الأقليات الإسلاميَّة أن تدرك أن بقاءها في الغرب إن لم يكن لضرورة ماسة أو لترحيل قسري إلى تلك البلدان أو لجوء سياسي، فإنَّ مجيئهم لبلدانهم الإسلاميَّة خير من بقائهم هنالك وهم ما بين فينة وأخرى يسمعون قراراً جائراً ضد حقوق عيشهم.
• رؤية شرعية للمسلمات المنتقبات في الدول الغربيَّة:
الذي أعتقده وأدين الله تعالى به وجوب النقاب، حيث قال بذلك جمهرة واسعة من علماء المسلمين قديماً وحديثا، والأدلًَّة عليه من الكتاب والسنَّة كثيرة، ولست بصدد الحديث عن هذا الموضوع الذي أعتقد كذلك أنَّه قتل بحثاً..!!
وإنني على قناعة تامة أنَّ الحرب على النقاب خصوصاً والحجاب عموماً سيجعل النساء المسلمات متشبثات به، بل قد تزداد أعداد المنتقبات كذلك، حينما يكتشفن معاني الستر والحشمة فيه، ويكتشفن أنَّ علماء المسلمين قالوا بوجوبه وقت الفتنة وازدياد الفساد وخصوصاً للمرأة الشابة، ولربما تكون الحرب عليه مدعاة للكثير من الغربيات للتعرف عليه ومن خلاله التعرف على الإسلام، فيدخلون في دين الله تعالى، وما ذلك على الله بعزيز.
والمرأة إن كانت صاحبة عقيدة فلن تخيفها عبارات التهديد ولا السجن ولا دفع الغرامات المالية، بل لربما تجعلها هذه التهديدات أشد إصراراً على تمسكها بما تعتقد أنَّه واجب عليها.
أمَّا سؤال الكثير من النساء المسلمات في تلك الدول التي فرض عليهن نزع النقاب، فإنَّه في البداية عليهن الإيقان أنَّ هذا من قبيل الابتلاء (إنَّه من يتق ويصبر فإنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين) وإنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ مع العسر يسرا، وعليهنَّ الالتجاء إلى الله بالدعاء لأن يكشف عنهنَّ هذه الأزمة التي يعشنها في عملية الامتحان على ما يعتقدن وجوبه، ويقرعن أبواب السماء لعلَّ الله تعالى يفرج عنهن ما هم فيه، كما أنَّ من رغبت منهنَّ بالخروج من بيتها فعليهنَّ أن يعلمن بأنَّ الأصل للمسلمة القرار في البيت، فالله تعالى يقول:(وقرن في بيوتكنَّ)، فعليهن أن يلزم بيوتهنَّ قدر الإمكان، ولا يخرجن إلاَّ لضرورة.
فإن دعت الضرورة خروج المرأة، فعليها أن تقارن بين السلبيات والإيجابيات بمدى كشف النقاب من عدمه، والنظر في المصالح والمفاسد، والتي يمكن أن يقدرها في بلدها العلماء الأثبات الثقات الربانيون، في مدى ضرورة خروجهن من عدمه، فإذا كان النقاب يجلب المضار للمسلمات واضطرت المرأة لأن تخلعه ضرورة لا اختياراً، فإنَّه لا حرج بخروجها من باب الضرورة، والله تعالى يقول :(ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وهذه الآية وإن كانت سبب نزولها لغير هذا المراد، ولكن يمكن الاستنباط منها – والله أعلم - جواز خروج المرأة من بيتها للضرورة لقضاء حاجة لها وقد خلعت النقاب لكي لا تعرف المرأة من خلال نقابها فتؤذى من قبل غير المسلمين، على أنَّ هذا الحكم خاص بالنقاب وليس بالحجاب.
• وأخيراً (يا إماء الله فاثبتوا) :
إنَّ الغرب يشدد حصاره على المسلمين والمسلمات الآن لأنَّهم يرون مدى انتشار الإسلام في ربوع بلادهم، واختراق الإسلام لحصونهم الثقافية والفكرية بل في كثير من دوائرهم الرسمية نجد بعض الناس يدخلون في دين الله تعالى، فباتوا يعيشون كابوس الرعب المطبق على قلوبهم وأفئدتهم:
هل ستعود أوربة إسلامية؟
وهل سيكون للإسلاميين حكم في وقت لاحق؟
وهل سيتوازى المسلمون مع غيرهم من الغربيين في وقت لاحق وفي دولة معينة؟
إنَّهم يفعلون ذلك لأنهم يشعرون بالفعل أن الإسلام ينتشر في ظل الظروف المحيطة بالمسلمين والصعبة ومع ذلك فدين الله يدخل به كثير من أولئك الغربيين أفواجاً.
وإنَّ العجيب الغريب أن نجد هذه الأقلام العربية - والتي كان من اللازم عليها أن تدافع عن حقوق أخواتهم من المسلمات المنتقبات - تحارب من يلبسن النقاب وتعزو ذلك إلى الفقه البدوي الصحراوي الظاهري المتشدد المتنطع الذين يرى وجوب النقاب، ويدعون أنَّ أولئك هم مالكو مفاتيح الجنة أو صاحب كلمة السر كما يزعمون – كما كتب وللأسف أحد الكتاب الإسلاميين المشهورين – مع أنَّه يمكن تحدي هذا الكاتب الذي يزعم ذلك أن يأتوا بنص واحد من تلك المدرسة الفقهية التي ترى وجوب النقاب بأن مفاتيح الجنة بأيديهم.
إنني لأستغرب حينما تقع معركة وحرب ضروس غربية من الكفرة المجرمين على بعض شعائر المسلمين، فبدلاً من أن يتحد المسلمون على الوقوف ضدها، يقف بعض المسلمن في وجه إخوانهم بحجة تشددهم وعدم سعة أفقهم وضيق عطنهم، فبدلاً من أن تكون الحرب الفكرية بين المسلمين وغيرهم، تنحرف بوصلتها إلى أن تقع تلك الحرب الفكرية والسجال الثقافي بين المسلمين أنفسهم وهذه أم الكوارث !
أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمات للبر والطاعات، والأعمال الصالحات، وأن يوفق أولياء أمورهنَّ للرحمة بهنَّ وحسن القوامة عليهنَّ، ودوام الغيرة على أعراضهم، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا.
• ملاحظة:
الدراسة منشورة في موقع مركز تأصيل للدراسات والأبحاث.
• باحث وداعية فلسطيني.
• للتواصل مع الباحث:
[email protected]
المصدر: طريق الإسلام
تعليق