الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية

تقليص

عن الكاتب

تقليص

وليد المسلم مسلم اكتشف المزيد حول وليد المسلم
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 2 (0 أعضاء و 2 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد المسلم
    مشرف عام

    • 11 يون, 2006
    • 762
    • مسلم

    الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية

    الإشارات الكونية في القرآن الكريم

    الدكتور زغلول النجار

    يشير القران الكريم في عدد من آياته إلى الكون وإلى العديد من مكوناته (السماوات والأرض
    وما بكل منهما من صور الأحياء والجمادات والظواهر الكونية المختلفة) وتأتى هذه الآيات
    في مقام الاستدلال علي طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت هذا الكون بجميع ما فيه ومن فيه
    وفي مقام الاستدلال كذلك علي أن الإله الخالق الذي أبدع هذا الكون قادر علي إفنائه، وقادر
    على إعادة خلقه من جديد، وذلك في معرض محاجة الكافرين والمشركين والمتشككين، وفي
    إثبات الألوهية لرب العالمين بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.

    وكانت دعوى الكافرين منذ الأزل، والى يوم الدين، هي محاولة إنكار قضيتي الخلق والبعث
    بعد الإفناء،وهما من القضايا التي لا تقع تحت الإدراك المباشر للعلماء، على الرغم من أن
    الله تعالى قد أبقى لنا في أديم الأرض، وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية الملموسة
    ما يمكن أن يعين المتفكرين المتدبرين من بني الإنسان على إدراك حقيقة الخلق، وحتمية
    الإفناء والبعث، ويبقى فهم تفاصيل ذلك في غيبة من الهداية الربانية شيئاً من الضرب في
    الظلام، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى رداً على الظالمين من الكافرين والمشركين
    والمتشككين من الجن والإنس: { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم
    وما كنت متخذ المضلين عضداً } (الكهف 51).

    وفى تشجيع الإنسان على التفكر والتدبر في خلق السماوات والأرض يقول ربنا (تبارك
    وتعالى) في محكم كتابه: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات
    لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات
    والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } (آل عمران 190-191).

    وكان لنزول هاتين الآيتين الكريمتين وما تلاهما من آيات في السورة نفسها وقع شديد
    على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الذي يروى عنه أنه قال عقب الوحي بها:
    "ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها".

    وواضح الأمر في ذلك أن التفكر في خلق السماوات والأرض فريضة إسلامية لابد من
    قيام نفر من المسلمين بها، لأنها عبادة من أجل وأعظم العبادات لله الخالق، ووسيلة
    من أعظم الوسائل للتعرف على كل من حقيقة الخلق، وحتمية الإفناء وضرورة البعث،
    وللتأكيد على عظمة الخالق (سبحانه وتعالى)، وعلى تفرده بالألوهية، والربوبية،
    والوحدانية، فالكون الذي نحيا فيه شاسع الاتساع، دقيق البناء، محكم الحركة، منضبط
    في كل أمر من أموره، مبني على وتيرة واحدة من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته، وكون
    هذا شأنه لا يمكن لعاقل أن يتصور أنه قد وجد بمحض المصادفة أو أن يكون قد أوجد
    نفسه بنفسه، بل لا بد له من موجد عظيم له من طلاقة القدرة، وكمال الحكمة، وشمول
    العلم ما أبدع به هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه، وهذا الخالق العظيم لا ينازعه أحد في
    ملكه، ولا يشاركه أحد في سلطانه، لأنه رب هذا الكون ومليكه، ولا يشبهه أحد من خلقه
    لأنه (تعالى) خالق كل شيء، وهو بالقطع فوق كل خلقه، لا يحده المكان، ولا الزمان
    لأنه (سبحانه) خالقهما، ولا يشكله أي من المادة أو الطاقة، لأنه (تعالى) مبدعهما، ولا
    نعرف عن ذاته العلية إلا ما عرف به نفسه بقوله (عز من قائل):
    "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (الشورى: 11).

    وقوله (سبحانه) مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله (صلى الله عليه وسلم):
    { قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد } (الإخلاص 1-4).

    من هنا كان التفكر في خلق السماوات والأرض مدخلاً عظيماً من مداخل الإيمان بالله
    ولذا حض عليه القرآن الكريم، كما حضت عليه السنة النبوية المطهرة حضاً كثيراً.

    تأكيد القرآن الكريم على ما في السماوات والأرض من أدلة الخلق والإفناء والبعث يؤكد
    القرآن الكريم على ما في السماوات والأرض من الأدلة التي تنطق بطلاقة القدرة الإلهية
    في خلقهما وإبداعهما، كما تنطق بحتمية إفنائهما، وإعادة خلقهما من جديد في هيئة
    غير التي نراهما فيها اليوم، وذلك في عدد غير قليل من الآيات التي منها قوله (تعالى):
    { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ... } (الأنعام: 73).

    وقوله (سبحانه): { خلق الله السماوات والأرض بالحق، إن في ذلك لآية للمؤمنين } (العنكبوت: 44).

    وقوله (عز من قائل): { ... ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل
    مسمى، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } (الروم: 8).

    وقوله (تعالى): { ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن
    في ذلك لآيات للعالمين } (الروم: 22).

    وقوله (سبحانه): { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى
    في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } (الروم: 27).

    وقوله (سبحانه وتعالى): { خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم
    وإليه المصير } (التغابن: 3).

    وقوله (عز من قائل): { خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور
    النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار } (الزمر: 5)

    وقوله (سبحانه): { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس
    لا يعلمون } (غافر: 57).

    وقوله (تعالى): { ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على
    جمعهم إذا يشاء قدير } (الشورى: 29).

    وقوله (سبحانه وتعالى): { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما
    خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } (الدخان: 38 و39).

    تأكيد القرآن الكريم على أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض وخالق كل شيء
    جاءت مادة "خلق" بمشتقاتها في القرآن الكريم مائتين وإحدى وستين (261) مرة،
    لتأكيد أن عملية الخلق هي عملية خاصة بالله تعالى وحده، لا يشاركه فيها أحد، ولا
    ينازعه عليها أحد، ولا يقدر عليها أحد غيره (سبحانه وتعالى) إلا بإذنه، كذلك وردت
    لفظة السماء في القرآن الكريم بالإفراد والجمع في ثلاثمائة وعشر (310) مواضع
    منها مائة وعشرون (120) مرة بصيغة الإفراد (السماء)، ومائة وتسعون (190)
    مرة بصيغة الجمع (السماوات) معرفة وغير معرفة، كما وردت لفظة الأرض بمشتقاتها
    في أربعمائة وواحد وستين (461) موضعاً، وذلك في مقامات كثيرة تؤكد أن الله (تعالى)
    هو خالق السماوات والأرض، وخالق كل شيء، من مثل قوله (عز من قائل):
    { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل } (الأنعام: 102).

    وقوله (سبحانه): { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } (الأعراف: 54).
    وقوله (تعالى): { إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ... } (يونس: 41).

    وقوله (سبحانه وتعالى): { ...قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار } (الرعد: 16).
    وقوله (تبارك وتعالى): { ... وخلق كل شيء فقدره تقديراً } (الفرقان: 2).

    وقوله (عز من قائل): { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } (الزمر: 62).
    وقوله (سبحانه): { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } (غافر: 62).

    وقوله (تعالى): { إنا كل شيء خلقناه بقدر } (القمر: 49).
    وقوله (سبحانه وتعالى): { هو الله الخالق البارئ المصور ...} (الحشر: 24).

    هذا ، وقد أفاض القرآن الكريم في حسم قضيتي الخلق والبعث بنسبتهما إلى الله (تعالى)
    وحده، وذلك لأن هاتين القضيتين كانتا من أصعب القضايا التي خاض فيها الجاحدون
    والمتشككون بغير علم ولا هدى عبر التاريخ، ولا يزالون يستخدمون هذا الجحود
    والإنكار في معارضة قضية الإيمان بالله الخالق البارئ المصور، ويرد عليهم القرآن
    الكريم بقول الحق (تبارك وتعالى): { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } (النحل: 17).

    وقوله (تعالى) في السورة نفسها: { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً
    وهم يخلقون } (النحل: 20).

    وقوله (سبحانه وتعالى): { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } (الفرقان: 3).

    وقوله (تبارك وتعالى): { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السماوات
    والأرض بل لا يوقنون } (الطور: 35 و36).

    وقوله (عز من قائل): { قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم
    يعيده فأنى تؤفكون } (يونس: 34).

    وقوله (تعالى): { أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير، قل
    سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل
    شيء قدير } (العنكبوت: 19-20).


    موقف الحضارة الإسلامية من قضية الخلق :

    بعد بعثة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) انطلق المسلمون من الإيمان بحقيقة الخلق
    ، وحتمية البعث، ليقيموا (على أساس من تلك العقيدة الربانية الخالصة) أعظم حضارة
    في التاريخ، لأنها كانت الحضارة الوحيدة التي جمعت بين الدنيا والآخرة في معادلة
    واحدة، واستمرت لأكثر من عشرة قرون كاملة، تدعو إلى عبادة الله (تعالى) بما أمر(على
    التوحيد الخالص لذاته العلية، والتنزيه الكامل لأسمائه وصفاته عن الشبيه والشريك
    والمنازع)، وإلى حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض، وإقامة عدل الله فيها،
    على أساس من شرعه المنزل على خاتم أنبيائه ورسله، والذي تعهد (سبحانه وتعالى)
    بحفظه بنفس اللغة التي أنزل بها (كلمة كلمة وحرفاً حرفاً) فحفظ حتى لا يكون للناس
    على الله حجة بعد نزول هذا الوحي الخاتم، وتعهد الله (تعالى) بحفظه من الضياع أو
    التحريف.

    وبهذا الجمع المتزن بين وحي السماء والاجتهاد في كسب المعارف النافعة، حملت
    حضارة الإسلام مشاعل المعرفة في كل مناشط الحياة الدينية والعمرانية، وأقامت
    قاعدة صلبة للدين والعلم والتقنية، وآمنت بوحدة المعرفة، وبأن "الحكمة هي ضالة
    المؤمن، أنى وجدها فهو أولى الناس بها"، فجمعت المعارف من مختلف مصادرها
    مهما تباعدت أماكنها، واختلفت الحضارات التي انبثقت عنها، ومعتقدات أصحابها،
    ولكنها لم تقبل تلك المعارف قبول التسليم، فقامت بغربلة تراث الإنسانية المتاح لها
    بمعيار الإسلام العظيم القائم على أساس من التوحيد الخالص لله، وذلك لتطهير هذا
    التراث من أدران الشرك والكفر والجحود بالله، وأضافت إليه إضافات أصيلة عديدة
    في كل المجالات،مما مثل القاعدة التي انطلقت منها النهضة العلمية والتقنية المعاصرة
    كما يعترف بذلك عدد غير قليل من العلماء المعاصرين غربيين وشرقيين.

    ولم يحل الإيمان بالغيب دون التقدم العلمي والتقني في الحضارة الإسلامية، بل حض
    عليه الإسلام حضاً، واعتبره نمطاً من أنماط عبادة الله (تعالى) والتفكر في خلقه ووسيلة
    منهجية لاستقراء سنن الله في الكون وتوظيفها في عمارة الأرض، وهي من واجبات
    الاستخلاف في الأرض، والوجه الثاني للعبادة التي يمثل وجهها الأول عبادة الله
    (اعالى) بما أمر، واتباع سنة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم).

    موقف الحضارة المادية المعاصرة من قضية الخلق :

    انطلقت الحضارة المادية المعاصرة في الأصل من بوتقة الحضارة الإسلامية، ولكن
    على مغايرة من حضارة المسلمين، فإن الغرب بنى حضارته على أساس من المادية
    البحتة، فنبذ الدين، ووقف موقف المنكر لقضية الإيمان بالله، وملائكته وكتبه، ورسله
    واليوم الآخر، الرافض لكل أمر غيبي، في عداء صريح، واستهجان أوضح، فتنكب
    الطريق، وضل ضلالاً بعيداً – على الرغم من القدر الهائل من الكشوف العلمية،
    والإنجازات التقنية المذهلة التي حققها، والتي يمكن أن تكون سبباً في دماره في غيبة
    الالتزام الديني والروحي والأخلاقي، وصدق الله العظيم الذي أنزل من قبل ألف
    وأربعمائة سنة قوله الحق:
    { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم
    بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } (الأنعام 44-45).

    وبنبذ الإيمان بالله، وصلت المجتمعات الغربية إلى مستوى متدن من التحلل الأخلاقي
    والانهيار الاجتماعي، ومجافاة الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، في وقت فيه ملكت
    من أسباب الغلبة المادية ما يمكن أن يعينها على الاستعلاء في الأرض، والتجبر على
    الخلق، ونشر المظالم بغير مراعاة لرب أو مخافة من حساب، مما يمكن أن يهدد
    البشرية بالفناء...!!

    ولا تزال المعارف الإنسانية بصفة عامة والعلمية منها بصفة خاصة، تكتب إلى يومنا
    هذا، من منطلقات مادية صرفة، لا تؤمن إلا بالمدرك المحسوس، وتتنكر لكل ما هو
    فوق ذلك، فدارت بالمجتمعات الإنسانية في متاهات من الضياع، ضلت وأضلت، على
    الرغم من الكم الهائل من المعلومات التي تحتويها، وروعة التقنيات التي أنجزتها.

    وكان ضلال الحضارة المادية المعاصرة أبلغ ما يكون في القضايا التي لا يمكن
    إخضاعها لإدراك الإنسان المباشر، من مثل قضايا الخلق والإفناء والبعث (خلق الكون
    خلق الحياة، خلق الإنسان، ثم إفناء كل ذلك وإعادة خلقه من جديد)، وهي من القضايا
    التي إذا خاض فيها الإنسان بغير هداية ربانية فإنه يضل ضلالاً بعيداً، وصدق الله العظيم
    إذ يقول في الرد على هؤلاء الظالمين من الكافرين والمشركين والمتشككين من الجن
    والإنس: { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ
    المضلين عضداً } (الكهف: 51).

    وعلى الرغم من تأكيد القرآن الكريم أن أحداً من الجن والإنس، لم يشهد خلق
    السماوات والأرض، ولا خلق نفسه، فإنه يؤكد ضرورة التفكر في خلق السماوات
    والأرض وخلق الحياة لأن ذلك من أعظم الدلائل على طلاقة القدرة الإلهية، وكمال
    الصنعة الربانية، وعلى كل من حتمية الآخرة وضرورة البعث والحساب والجنة
    والنار، وذلك لأن الخالق (سبحانه وتعالى) قد ترك لنا في صخور الأرض وفي صفحة
    السماء ما يمكن أن يعين الإنسان على فهم قضيتي الخلق والبعث، بالرغم من
    محدودية قدراته الذهنية والحسية، واتساع الكون وضخامة أبعاده وتعقيد بنائه،وكذلك
    تعقيد بناء الجسد الإنساني وبناء خلاياه، وهي صور رائعة لتسخير الكون للإنسان
    وجعله في متناول إدراكه وحسه.

    المصدر : جريدة الأهرام المصرية
    التعديل الأخير تم بواسطة solema; 6 نوف, 2010, 09:08 م. سبب آخر: تعديل وتكبير الخط
  • الشرقاوى
    حارس مؤسس

    • 9 يون, 2006
    • 5442
    • مدير نفسي
    • مسلم

    #2
    الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية

    من أسرار القرآن
    الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
    ‏بقلم الدكتور : ‏زغلـول النجـار

    ...‏ ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون علي الله الكذب وهم يعلمون‏ ** آل عمران‏:75‏

    هــذاالنص القرآني الكريم جاء في بدايات الثلث الثاني من سورة آل عمران‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ ومن طوال سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها المائتين بعد البسملة‏,‏ وبذلك تكون ثالثة سور القرآن الكريم طولا بعد كل من البقرة والأعراف‏.‏

    وقد سميت بهذا الاسم آل عمران لورود الإشارة فيها إلي أسرة السيدة مريم ابنة عمران‏,‏ أم نبي الله وعبده عيسي ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏

    إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين‏*‏ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم‏*.‏
    ‏(‏ آل عمران‏:34,33)‏

    وتروي هذه السورة الكريمة قصة امرأة عمران وابنتها مريم أم نبي الله عيسي ـ عليه السلام ـ الذي خلقه الله ـ تعالي ـ بمعجزة من أم بغير أب‏,‏ كما تروي عددا من المعجزات الحسية التي أجراها الله ـ تعالي ـ علي يديه‏.‏ كذلك جاءت الإشارة في هذه السورة المباركة إلي كل من نبي الله زكريا وولده النبي يحيي الذي وهبه الله ـ تعالي ـ له علي الكبر وقد بلغ من العمر عتيا‏.‏ وجاء بالسورة كذلك وصف لما جاء في معركة أحد‏.‏

    ويدور المحور الرئيسي لسورة آل عمران حول حوار أهل الكتاب‏,‏ الذي يتحدد من خلاله عدد من ركائز العقيدة الإسلامية السامية وتشريعاتها العادلة‏.‏

    وتستفتح سورة آل عمران بالحروف المقطعة الثلاثة‏(‏ الم‏)‏ التي تكررت في مطلع ست من سور القرآن الكريم‏,‏ وقد سبق لنا مناقشة هذه المقطعات‏.‏ ثم تنتقل السورة الكريمة إلي حوار أهل الكتاب ممثلين في وفد نصاري نجران الذي قدم المدينة المنورة في السنة التاسعة للهجرة‏,‏ ويشغل هذا الحوار قرابة نصف مجموع آيات السورة الكريمة‏,‏ ويتضمن إشارات إلي اليهود بصفة خاصة وإلي خبث نياتهم وأمراض نفوسهم ومكرهم ودهائهم‏,‏ واستعلائهم الكاذب وإفسادهم في الأرض‏,‏ وإلي محاربتهم أنبياء الله ورسله‏,‏ وقتلهم نفرا منهم ومن الصالحين من عباد الله‏,‏ وتؤكد كراهية اليهود للحق وأهله‏,‏ كما تتضمن تحذيرات لعباد الله الصالحين من دسائسهم ودسائس غيرهم من الكفار والمشركين والمنافقين‏.‏

    ثم تنتقل السورة الكريمة إلي تأكيد ضرورة الإيمان بجميع الرسالات السماوية‏,‏ وبجميع أنبياء الله ورسله دون أدني تفريق كما جاء ذلك في خواتيم السورة السابقة عليها وهي سورة البقرة‏,‏ وفي ذلك تأكيد علي وحدة رسالة السماء‏,‏ وعلي الأخوة بين الأنبياء‏,‏ الذين كانت رسالتهم جميعا هي الإسلام‏.‏

    وتحدثت الآيات في سورة آل عمران عن عقاب المرتدين‏,‏ وعن حكم الله فيهم‏,‏ ودعت إلي الإنفاق في سبيل الله‏,‏ وحذرت من تحريف اليهود للتوراة‏,‏ وأمرت باتباع ملة إبراهيم‏(‏ حنيفا مسلما وما كان من المشركين‏).‏

    وأشارت سورة آل عمران إلي الكعبة المشرفة بصفتها‏(...‏ أول بيت وضع للناس‏),‏ وأكدت فريضة الحج علي المستطيع من المسلمين‏,‏ وعاتبت أهل الكفر والشرك والضلال‏,‏ وأوصت بتقوي الله‏,‏ وأكدت ضرورة الاعتصام بحبله‏,‏ وذكرت بنعمه علي عباده‏,‏ ودعت إلي نفرة أمة من المسلمين للدعوة إلي الخير‏,‏ وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ ووصفت هؤلاء بأنهم هم المفلحون‏.‏

    ونهت سورة آل عمران عن فرقة الكلمة‏,‏ وبينت مصائر وجزاء كل من المؤمنين والكافرين في يوم الدين‏,‏ وأكدت أن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين‏,‏ المنزل بالحق علي خاتم الأنبياء والمرســـلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏,‏ وأنه هدي وموعظة للمتقين‏,‏ وخاطبت أمة الإسلام بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏

    كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون‏*.
    ‏(‏ آل عمران‏:110).‏




    ثم تطمئن الآيات أمة الإسلام من هوان أخطار اليهود فتقول‏:‏
    لن يضروكم إلا أذي وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون‏*‏ ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‏*.‏
    ‏(‏ آل عمران‏:112,111)‏

    وتثني الآيات علي الذين يؤمنون من أهل الكتاب فتقول‏:‏
    ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون‏*‏ يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين‏*‏ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين‏*(‏ آل عمران‏:113‏ ـ‏115).‏

    وتحذر الآيات من خبث الكفار والمشركين ولؤمهم ومن أخطار اتخاذهم أولياء‏,‏ وبعد ذلك تنتقل سورة آل عمران إلي الحديث عن غزوة أحد‏,‏ وما أصاب المسلمين فيها من انكسار بسبب مخالفتهم أوامر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في ساحة المعركة‏,‏ وذكرت بانتصار المسلمين في معركة بدر الكبري‏,‏ وبمبررات ذلك الانتصار‏,‏ وصاغت الحديث عن المعركتين صياغة معجزة لا تتوقف عند حدود وصف المعركتين وصفا مجردا‏,‏ ولكن تتجاوز ذلك لتصبح توجيهات ربانية دائمة للمسلمين توضح سنن الله في النصر والهزيمة إلي يوم الدين‏.‏ وتؤكد السورة الكريمة في أكثر من آية أن لله ملك السماوات والأرض وما فيهن‏,‏ وتنهي عن أكل الربا‏,‏ وتحذر من عذاب النار‏,‏ وتأمر بطاعة الله ورسوله‏,‏ وبالمسارعة إلي التوبة وطلب المغفرة‏,‏ ورجاء الجنة التي أعدت للمتقين وأوردت شيئا من صفاتهم‏,‏ كما تأمر بالسير في الأرض من أجل الاعتبار بعواقب المكذبين‏.‏

    ثم عاودت السورة الكريمة إلي التذكير بمعركة أحد في مواساة رقيقة للمسلمين‏,‏ مؤكدة لهم أنهم هم دائما الأعلون ماداموا ثابتين علي إيمانهم بالله‏,‏ وإن تعرضوا أحيانا لبعض النكسات والهزائم بسبب خروجهم علي منهج الله‏,‏ وذلك لأن النصر والهزيمة من سنن الله في الحياة‏,‏ ولأن لكل منهما قوانينه‏,‏ ولأن الأيام دول يداولها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بين الناس لحكمة يعلمها ـ سبحانه ـ لعل منها أن يتخذ من المؤمنين شهداء يكرمهم بالشهادة‏,‏ وأن يميز المؤمنين من المنافقين ـ وهو تعالي أعلم بهم ـ وأن يطهر المؤمنين من ذنوبهم بشيء من الابتلاء والتمحيص‏,‏ وأن يهلك الكفار والمشركين والمنافقين بذنوبهم‏,‏ والله ـ تعالي ـ لا يحب أيا من الظالمين المعتدين كما لا يحب الضعفاء المتخاذلين عن الدفاع عن دمائهم وأعراضهم ومقدساتهم وممتلكاتهم وعن الحق وأهله‏.‏

    وهذا الخطـــــــاب كما كان لأصحاب رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولأهل زمانه هو خطاب لنا اليوم في تقاعسنا عن مقاتلة الظالمين الجائرين علي إخواننا في كل من فلسطين ولبنان‏.‏ والذين فجروا في إجرامهم وتجاوزوا كل الحدود‏.‏

    وفي إشارة إلي ما أشاعه الكافرون كذبا عن مقتل رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في أثناء معركة أحد تخذيلا للمجاهدين‏;‏ أكدت سورة آل عمران أنه رسول قد خلت من قبله الرسل‏,‏ لا يجوز لأي من الذين آمنوا به واتبعوه أن يرتد عن دينه إن مات هذا الرسول الكريم أو قتل‏.‏

    وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي قضية الأجل مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ قد جعل لكل نفس أجلا محددا لا تموت إلا عنده‏,‏ وهذا الأجل قد جعله ربنا ـ تبارك وتعالي ـ غيبا حتي لا تتوقف عجلة الحياة إذا علم الإنسان أجله‏,‏ وقد أكدت الآيات ذلك تشجيعا للمؤمنين علي تجاوز حاجز الخوف من الموت‏,‏ وعلي الانخراط في صفوف المجاهدين في سبيل الله‏.‏

    ولذلك تؤكد الآيات أن من قصد بعمله أجر الدنيا أعطاه الله إياه‏,‏ وليس له في الآخرة من نصيب‏,‏ ومن قصد به أجر الآخرة أعطاه الله ـ تعالي ـ أجري الدنيا والآخرة‏,‏ والله ـ سبحانه وتعالي ـ يجزي عباده علي شكرهم له‏,‏ واعترافهم بعظيم فضله ونعمه عليهم‏.‏ وإن كانت هذه أحكاما عامة إلا أن فيها تعريضا واضحا بمن رغبوا في غنائم الحرب في أثناء معركة أحد فتسببوا في هزيمة جيش المسلمين‏.‏

    ثم تنتقل الآيات في سورة آل عمران إلي الحديث عن كل من العلماء الربانيين‏,‏ والمجاهدين الصادقين الذين قاتلوا مع أنبياء الله ورسله جهادا في سبيله ومن أجل إعلاء دينه‏,‏ فقتل منهم من قتل‏,‏ وأصيب من أصيب‏,‏ ولكنهم لم يذلوا لعدوهم أبدا‏,‏ واحتسبوا وصبروا في الشدائد والمحن‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات عنهم‏:‏

    وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين‏*‏ وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين‏*‏ فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين‏*.‏(‏ آل عمران‏:146‏ ـ‏148)‏

    وتعاود الآيات إلي تحذير المؤمنين من موالاة كل من الكفار والمشركين‏,‏ مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ هو مولي المؤمنين وهو خير الناصرين‏,‏ وأنه ـ تعالي ـ يعدهم النصر بقوله الحق‏:‏

    سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوي الظالمين‏*.‏
    ‏(‏ آل عمران‏:152)‏

    ومرة أخري تستعرض السورة الكريمة أحداث معركة أحد‏(‏ الآيات‏152‏ ـ‏175)‏ بهدف تربية المسلمين علي السمع والطاعة لقياداتهم ـ في غير معصية لله ـ‏,‏ وتحذيرهم من مزالق الطريق‏,‏ وتنبيههم إلي ما يحيط بهم من كيد في القديم والحديث من شياطين الإنس والجن من أجل إرهاب المؤمنين‏,‏ والمؤمن لا يخاف إلا من رب العالمين‏.‏

    وتطلب الآيات من رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ألا يحزن علي الذين يسارعون في الكفر لأنهم لن يضروا الله شيئا‏,‏ ولكن يضروا أنفسهم‏,‏ ويريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة‏,‏ ولهم عذاب عظيم‏,‏ وإمهالهم في الدنيا بتمديد آجالهم وبشيء من التمكين لهم ليس في مصلحتهم لازديادهم بذلك في معاصيهم وآثامهم فيتضاعف عذابهم في الآخرة أضعافا كثيرة‏,‏ وعلي النقيض من ذلك‏;‏ فإن ما يتعرض له المؤمنون في الدنيا من ابتلاءات هو من قبيل صقل معادنهم‏,‏ وليميز الله الخبيث من الطيب‏(‏ وهو تعالي أعلم بهم‏),‏ ويظهر ذلك لمن يشاء من عباده كما فعل في معركة أحد‏.‏

    وتنهي الآيات في سورة آل عمران عن البخل‏,‏ وتنصح ببذل المال في سبيل الله وبتقواه وبحسن الإيمان به والتوكل عليه‏.‏

    وتعاود السورة الكريمة التذكير بشيء من جرائم اليهود المروعة‏,‏ ودسائسهم الخبيثة‏,‏ وأساليبهم الملتوية في تطاول علي الله ـ تعالي ـ وعلي خلقه‏,‏ وفي محاربة دينه وأنبيائه ورسله‏,‏ وفي نقض العهود والمواثيق‏,‏ ونشر الأكاذيب والأباطيل‏,‏ والشائعات والادعاءات المغرضة‏,‏ وذلك تحذيرا من شرورهم‏,‏ ولأخذ الحيطة من مؤامراتهم‏.‏

    ومرة أخري تؤيد السورة المباركة رســــــول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في وجه المكذبين لبعثته الشريفة وذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ له‏:‏ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير‏*.‏
    ‏(‏ آل عمران‏:184)‏

    وتؤكد الآيات حتمية الفناء لكل شيء‏,‏ وحتمية الموت علي كل حي‏,‏ وحتمية البعث والحساب والجزاء‏,‏ كما تؤكد أن الابتلاء من سنن الحياة‏,‏ وتوصي في مواجهته بالصبر والاحتساب‏,‏ وبتقوي الله في كل حال‏,‏ وتعتبر ذلك من عزم الأمور‏.‏

    وتعاود سورة آل عمران استعراض عدد من مخازي بني إسرائيل ومنها أن الله ـ تعالي ـ أخذ عليهم كل العهود والمواثيق كي يظهروا للناس حقيقة ما أنزل إليهم من أحكام فكتموها ولم يبينوها‏,‏ ونبذوها وراء ظهورهم‏,‏ واشتروا بها الحقير من حطام الدنيا الفانية‏.‏

    وتختتم هذه السورة الكريمة بتوجيه الناس إلي التأمل في خلق السماوات والأرض‏,‏ واستخلاص شيء من صفات الخالق العظيم بالتعرف علي بديع صنعه في خلقه‏,‏ وتوصيهم بتكثيف الدعاء والرجاء بالفوز بالجنة والنجاة من النار ومن خزي يوم القيامة‏,‏ وبرفع الدرجات وتكفير السيئات وطلب المغفرة من الله للذنوب وهو رب ذلك والقادر عليه‏.‏

    ثم يأتي الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وإلي جميع المسلمين ألا يغرهم تقلب الذين كفروا في شيء من النعم المادية فمتاع الدنيا قليل‏,‏ ثم ينتهي بهم الأجل إلي جهنم وبئس المصير‏,‏ وعلي النقيض من ذلك فإن الصالحين المتقين من عباد الله المسلمين قد يعيشون في الدنيا عيشة الفقراء‏,‏ ويخلدون في الآخرة في جنات النعيم‏.‏

    وتعاود سورة آل عمران قبل ختامها ذكر أهل الكتاب‏,‏ مقررة أن منهم من سلك طريق الهداية فآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله‏,‏ بمن فيهم خاتمهم أجمعين وبالقرآن الكريم‏,‏ دون أدني تفريق أو تمييز فمن الله ـ تعالي ـ عليهم بالخشوع والخضوع لله‏,‏ وأكرمهم بأن لهم أجرهم عند ربهم‏.‏

    وتختتم السورة الكريمة بوصية من الله ـ تعالي ـ للمؤمنين من عباده هي عدتهم في مواجهة أهل الباطل في هذه الحياة‏,‏ يقول لهم فيها‏:‏ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏*(‏ آل عمران‏:200)‏
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 01:26 ص.
    الـ SHARKـاوي
    إستراتيجيتي في تجاهل السفهاء:
    ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار،
    فالأفكار قبل الأشخاص، لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار،
    فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لا يتغير، أن يجبره الواقع على التغير،
    ولا بد لمن تحكمه الأموات، الغائب عن الوعي، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء!

    تعليق

    • سيف الكلمة
      إدارة المنتدى

      • 13 يون, 2006
      • 6036
      • مسلم

      #3
      الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية

      من أسرار القرآن
      الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
      بقلم الدكتور‏:‏زغـلول النجـار
      المحتويات:

      1- السماوات والأرض في القرآن الكريم.

      2- مراحل خلق الكون عند كل من الفلكيين والفيزيائيين.

      3- دعوة قرآنية لإعادة التفكير.

      4- ترتيب خلق السماوات والأرض‏.

      هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم
      أجمل القرآن الكريم خلق السماوات والأرض في ثلاثة مواضع‏,‏ يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
      ‏(1)‏ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون‏(‏ الذاريات‏:47)‏
      ‏(2)‏ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون‏(‏الأنبياء‏:30)‏
      ‏(3)‏ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏,‏ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين‏,‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏12)‏
      أجمل القرآن الكريم خلق السماوات والأرض في ثلاثة مواضع‏,‏ يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
      ‏(1)‏ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون‏(‏ الذاريات‏:47)‏
      ‏(2)‏ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون‏(‏الأنبياء‏:30)‏
      ‏(3)‏ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏,‏ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين‏,‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏12)‏
      وقد ثبت علميا منذ الثلث الأول للقرن العشرين‏,‏ أن من صفات الكون الذي نحيا فيه‏,‏ أنه كون دائم الاتساع إلي ما شاء الله‏,‏ بمعني أن المجرات فيه تتباعد عن مجرتنا وعن بعضها البعض بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء‏.‏
      كذلك ثبت أن هذا الكون الشاسع الاتساع‏,‏ الدقيق البناء‏,‏ المحكم الحركة‏,‏ والمنضبط في كل أمر من أموره‏,‏ قد بدأ خلقه من جرم واحد متناه في ضآلة الحجم إلي مايقرب الصفر أي العدم‏,‏ ومتناه في تعاظم كثافته ودرجة حرارته إلي حد تتوقف عنده جميع القوانين الفيزيائية‏,‏ كما تتلاشي كل أبعاد المكان والزمان‏,‏ وأن من هذه النقطة المتناهية في الضآلة بدأ خلق الكون بالأمر الإلهي كن في عملية أطلق عليها كل من علماء الفلك والفيزياء الفلكية اسم الانفجار الكوني العظيم‏.‏
      وقد أدي هذا الانفجار الكوني الي غلالة من الدخان الذي خلق منه كل من الأرض والسماء وما بينهما‏.‏



      السماوات والأرض في القرآن الكريم:
      وردت لفظة السماء بالإفراد والجمع في القرآن الكريم في ثلاثمائة وعشرة‏(310)‏ مواضع‏,‏ منها مائة وعشرون‏(120)‏ مرة بالإفراد‏,‏ ومائة وتسعون‏(190)‏ مرة بالجمع‏,‏ وتعبير السماء مستمد من السمو أي الارتفاع والعلو‏,‏ ولذا قالت العرب‏:‏ كل ما علاك فأظلك فهو سماء‏.‏
      كذلك وردت لفظة الأرض بمشتقاتها في كتاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ في أربعمائة وإحدي وستين‏(461)‏ موضعا‏.‏
      وفي الغالبية الساحقة من تلك المواضع‏,‏ نجد أن لفظة السماء‏(‏ بالجمع أو بالمفرد‏)‏ قد ذكرت قبل الأرض‏,‏ وفي عدد قليل من الآيات قد جاء ذكر الأرض قبل السماء‏,‏ من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏
      هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم‏(‏ البقرة‏:29).‏
      وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
      الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء‏....(‏ البقرة‏:22).‏
      وقوله‏(‏ سبحانه وتعالي‏):‏
      تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي‏,‏ الرحمن علي العرش استوي‏,‏ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثري‏(‏ طه‏:4‏ ـ‏6).‏
      وقوله‏(‏ سبحانه‏):‏
      قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏...‏ إلي أن قال‏(‏ عز من قائل‏):‏
      ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏...(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏11).‏

      وقد احتار العلماء والمفسرون في تحديد أيهما كان الأسبق بالخلق‏,‏ الأرض أم السماوات؟ أم أنهما قد خلقا في وقت واحد؟ وينسون أن الزمن من خلق الله‏,‏ وأن القبلية والبعدية اصطلاحات بشرية‏,‏ لا مدلول لها بالقياس إلي الله‏(‏ تعالي‏),‏ الذي لا يحده الزمان ولا المكان‏.‏
      ففي تفسير الآية رقم‏(29)‏ من سورة البقرة‏,‏ رأي العديد من المفسرين أن معناها أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق جميع النعم الموجودة في الأرض لمنفعة الناس‏,‏ ثم توجهت إرادته‏(‏ تعالي‏)‏ إلي السماء فجعل منها سبع سماوات‏,‏ وهو تعالي محيط بكل شيء‏,‏ عالم بتفاصيله‏.‏
      والاستواء الإلهي رمز للسيطرة الكلية‏,‏ والقصد بإرادة الخلق‏,‏ والتكوين‏,‏ والتسوية للكون بأرضه وسمائه‏,‏ وهو تعالي خالق هذا الكون ومدبره‏,‏ ربه ومليكه‏,‏ ويأتي ذلك في معرض الاستنكار والاستهجان لكفر الكافرين من الناس بالخالق‏,‏ المبدع‏,‏ المهيمن‏,‏ المسيطر علي الكون‏,‏ الذي سخر لهم الأرض بكل مافيها‏,‏ وسخر لهم السماوات بما يحفظ الحياة علي الأرض ويجعلها ممكنة لهم‏.‏
      وقال ابن جزي في كتابه المعنون التسهيل في علوم التنزيل الجزء الأول ص‏43‏ ما نصه‏:‏ وهذه الآية‏:[‏ خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء‏...]‏ تقتضي أنه‏(‏ سبحانه‏)‏ خلق السماء بعد الأرض‏,‏ وقوله‏(‏ تعالي‏):‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏...‏ ظاهره خلاف ذلك‏,‏ والجواب من وجهين‏:‏ أحدهما أن الأرض خلقت قبل السماء‏,‏ ودحيت بعد ذلك‏,‏ فلا تعارض‏,‏ والآخر تكون ثم لترتيب الأخبار‏.‏
      وقال ابن كثير‏:[...‏ والاستواء هنا يتضمن معني القصد والإقبال لأنه عدي بإلي‏,(‏ فسواهن‏)‏ أي فخلق السماء سبعا‏,‏ والسماء هنا اسم جنس‏,‏ فلهذا قال‏:(‏ فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم‏),‏ أي وعلمه محيط بجميع ما خلق‏...‏
      ففي هذا دلالة علي أنه‏(‏ تعالي‏)‏ ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا‏....,‏ وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره‏,‏ فأما قوله‏(‏ تعالي‏):‏ أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها‏,‏ رفع سمكها فسواها‏,‏ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها‏,‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ فقد قيل‏:‏ إن ثم هنا إنما هي لعطف الخبر علي الخبر‏,‏ لا لعطف الفعل علي الفعل‏...]‏ وأضاف ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏):[‏ وقيل إن الدحي كان بعد خلق السماوات والأرض رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالي عنهما‏).‏
      وقال مجاهد في قوله تعالي‏:(‏ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا‏)‏ قال‏:‏ خلق الله الأرض قبل السماء‏....‏ فهذه وهذه دالتان علي أن الأرض خلقت قبل السماء‏,‏ وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض‏,‏ وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالي‏:(‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏,‏ والجبال أرساها‏)‏ قالوا‏:‏ فذكر خلق السماء قبل الأرض‏,‏ وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه‏,‏ فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء‏,‏ وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء‏,‏ وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا‏....]‏
      وقال عدد من المفسرين المحدثين إن لفظ خلق في هذه الآية الكريمة‏[‏ رقم‏(29)‏ من سورة البقرة‏]‏ يعني التقدير دون الإيجاد‏,‏ بمعني أن جميع مكونات الأرض من نوي العناصر كانت جاهزة في الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق‏(‏ الانفجار العظيم‏),‏ ولو أن كوكب الأرض لم يكن قد تم تشكيله بعد‏,‏ ثم توجهت إرادة الله إلي السماء وهي دخان فخلق منها سبع سماوات كما خلق الأرض‏,‏ ويتضح ذلك من قوله‏(‏ تعالي‏):‏
      قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏,‏ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين‏,‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏12).‏
      ويستنتج من هذه الآيات الكريمة‏,‏ أن الأرض قد خلقت من السماء الدخانية علي مراحل أربع متتالية‏,‏ بينما تم تشكيل السماء الدخانية علي هيئة سبع سماوات علي مرحلتين‏,‏ وتم دحو الأرض بمعني تكوين كل من أغلفتها الغازية‏,‏ والمائية‏,‏ والصخرية بعد ذلك استنادا إلي قوله‏(‏ تعالي‏):‏
      أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها‏,‏ رفع سمكها فسواها‏,‏ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها‏,‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏,‏ والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم‏(‏ النازعات‏:27‏ ـ‏33).‏
      وهذه الآيات الكريمة جاءت في مقام الاحتجاج علي منكري البعث‏,‏ فيسألهم ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ هل خلقكم أكبر من خلق السماء التي بنيناها بهذه السعة المبهرة‏,‏ والنظام الدقيق‏,‏ والانضباط في الحركة‏,‏ والإحكام في العلاقات‏,‏ والارتباط بتلك القوي الخفية‏,‏ والإشعاعات غير المرئية التي تتحرك كأمر كوني واحد‏,‏ بسرعات كونية عظمي لتربط بلايين النجوم والكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات في داخل المجرات‏,‏ كما تربط مئات البلايين من المجرات مع بعضها البعض في ركن من السماء الدنيا التي لا يستطيع العلم إدراك أبعادها‏,‏ ولا تحقيق ما فوقها‏.‏
      وأما قوله‏(‏ تعالي‏)‏ رفع سمكها فمعناه جعل ارتفاعها عظيما‏,‏ إشارة الي المسافات الفلكية المذهلة‏,‏ التي تقدر بعشرات البلايين من السنين الضوئية‏.‏
      وقوله‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ أغطش ليلها وأخرج ضحاها أي أظلم ليلها‏,‏ وجعله حالك السواد‏,‏ وأخرج ضحاها أي أنار نهارها‏,‏ بخلق النجوم مثل شمسنا وسط ظلام السماء الحالك‏,‏ فأرسلت بضيائها الي أرضنا في وضح النهار فقامت هباءات الغبار‏,‏ وبخار الماء في الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض بتشتيت ضوء الشمس‏,‏ وإظهاره بهيئة النور الأبيض الذي نراه في نهار الأرض‏.‏
      وبعد ذلك تذكر الآيات الكريمة أنه قد تم دحو الأرض‏,‏ الابتدائية إلي شكلها الحالي بأغلفتها المختلفة‏,‏ والدحو لغة هو المد والبسط والإلقاء‏,‏ وهو كناية عن الثورانات البركانية العنيفة التي أخرج بها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من جوف الأرض كل غلافها الغازي والمائي والصخري‏.‏
      وهذه كلها مراحل متتالية في تهيئة الأرض لاستقبال الحياة‏,‏ وقد تمت بعد بناء السماوات السبع من الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق‏(‏ الانفجار الكوني العظيم‏).‏
      علوم الكون وخلق السماوات والأرض:
      من بديع القدرة الإلهية‏,‏ ومن الشهادات الناطقة لله بالوحدانية المطلقة بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع أن يلتقي الكون في أكبر وحداته مع الكون في أدق دقائقه‏,‏ فيلتقي علم الكون الحديث(ModernCosmology)‏بعلم الفيزياء الجزئية أو فيزياء الجسيمات الأولية للمادة
      ‏(ParticlephysicsOrElementaryParticlePhysics)‏فدرا سات الجسيمات الأولية في داخل الذرة بدأت تعطي أبعادا مبهرة لتفهم عملية خلق الكون‏,‏ ومراحله المختلفة‏.‏
      ففي الثلث الأول من القرن العشرين‏,‏ تساءل علماء الفلك عن مصدر الطاقة في النجوم واقترحوا إمكانية كونها عملية معاكسة للإنشطار النووي
      ‏(NuclearFission)‏
      وأطلقوا عليها اسم عملية الاندماج النووي
      ‏(NuclearFusion),‏
      وهي عملية يتم بها اندماج نوي العناصر الخفيفة لتكوين عناصر أعلي في وزنها الذري‏.‏
      وفي الثلاثينيات اقترح هانز بيته(HansBethe)‏عددا من سلاسل التفاعلات النووية داخل النجوم‏,‏ التي تتحد فيها أربع نوي لذرات الإيدروجين
      ‏(HydrogenNuclei)‏لتكون نواة واحدة من نوي ذرات الهيليوم
      ‏(HeliumNuclei)‏وذلك في قلب نجم كشمسنا تصل درجة الحرارة فيه إلي‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ أما في النجوم الأشد حرارة من ذلك‏,‏ فإن نوي ذرات الهيليوم تتحد لتكون نوي ذرات الكربون ـ‏12,‏ وربما تستمر عملية الاندماج النووي لتخليق نوي ذرات أعلي وزنا بسلاسل أقوي من التفاعلات النووية‏.‏
      وفي سنة‏1957‏ م تمت صياغة نظرية تخليق نوي العناصر المختلفة في داخل النجوم
      ‏(SynthesisoftheElementsinStars)‏
      بواسطة أربعة من الفلكيين المعاصرين هم‏:‏ مارجريت وجفري بيربردج‏,‏ وليام فاولر‏,‏ فرد هويل بتاريخ أكتوبر سنة‏1957‏ م
      ‏(MargaretandGeoffreyBurbridge,WilliamA-FowlerandFredHoyle).‏
      وذلك في بحث قدموه إلي مجلة الفيزياء الحديثة
      ‏(ReviewsofModernPhysics,no4.,vol29.,October,1957) ‏
      وقد تمكن علماء الفلك من تفسير التوزيع النسبي للعناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون بناء علي هذه النظرية‏,‏ كما تمكنوا من تفسير تطور الكون المدرك من دخان يغلب علي تركيبه غاز الايدروجين مع قليل من ذرات الهيليوم الي الكون الحالي‏,‏ الذي يضم في تركيبه أكثر من مائة من العناصر المعروفة والتي تندرج خواصها الطبيعية والكيميائية بناء علي ما تحتويه ذرة كل منها من اللبنات الأولية للمادة‏,‏ بحيث تم ترتيبها في جدول دوري حسب أعدادها الذرية‏,‏ بدءا من أخفها وأبسطها بناء‏(‏ وهو غاز الإيدروجين‏),‏ إلي أثقلها وأعقدها بناء وهو اللورنسيوم
      ‏(Lawrencium,Lw),‏
      وفق نظام محكم دقيق ينبيء بخواص العنصر من موضعه في الجدول الدوري للعناصر‏.‏
      تخليق العناصر منذ بداية خلق الكون:
      يبدو أن تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي لنظائر‏,‏ كل من غازي الإيدوجين والهيليوم‏,‏ قد بدأت منذ اللحظات الأولي للانفجار الكوني الكبير‏(‏ أو فتق الرتق‏),‏ وبدأت بتدرج يتفق مع ترتيب العناصر في الجدول الدوري‏,‏ بمعني أن العناصر الخفيفة بدأت في تخلقها قبل العناصر الثقيلة‏,‏ وأن العناصر الثقيلة لابد أنها قد تكونت في داخل النجوم الشديدة الحرارة من مثل المستعرات وفوق المستعرات‏(NovaeandSupernovae),‏ أو في أثناء انفجارها‏.‏
      ومن الاكتشافات الحديثة أن المادة
      ‏(Matter)‏
      لها أضدادها
      ‏(Antimatter)‏
      وأن كل جسيم من الجسيمات الأولية المكونة لذرات المواد له جسم مضاد بنفس الكتلة ولكنه يحمل صفات مضادة‏,
      (ParticleandAntiparticle),‏
      وذلك من مثل البروتون وأضداد البروتون‏
      (ProtonandAntiproton),‏
      والنيوترون وأضداد النيوترون
      ‏(NeutronandAntineutron),‏
      والإليكترون وضده أو البوزيترون
      ‏(ElectronandAnti-electronorPositron),‏
      وأن نوي الذرات تتكون من جسيمات دقيقة تسمي الباريونات
      ‏(Baryons),‏
      من مثل البروتونات والنيوترونات‏,‏ وأن هذه أيضا لها أضدادها
      ‏(Antibaryons),‏
      وهكذا‏.‏
      وعند التقاء أي جسيم من جسيمات المادة وضده فإنهما يفنيان ويتحولان إلي طاقة علي هيئة أشعة جاما حسب القانون‏:‏
      الطاقة الناتجة‏=‏ الكتلة‏*‏ مربع سرعة الضوء‏.‏
      وقد ثبت علميا أن المادة واضدادها علي مختلف المستويات قذ خلقت بكميات متساوية عقب عملية الانفجار الكوني مما يؤكد حقيقة الخلق من العدم‏,‏ وامكان الافناء الي العدم‏.‏
      وفي سنة‏1980‏ م منح كل من جيمس و‏.‏ كرونين‏,‏ فال فيتش
      ‏(Jamesw.CroninandValFitch)‏ جائزة نوبل في الفيزياء لإثباتهما بالتجربة القابلة للتكرار والإعادة‏,‏ أن إفناء بعض الجسيمات الأولية للمادة بواسطة أضدادها لا يتم بتماثل كامل‏,‏ ومن هنا كان بقاء المادة في الكون وعدم فنائها بالكامل‏.‏
      وفي سنة‏1983‏ م حصل وليام فاولر‏(WilliamA.Fowler)‏ علي جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة مع آخرين لجهوده في تفسير عملية تخليق نوي ذرات العناصر المختلفة بواسطة الاندماج النووي‏.‏



      مراحل خلق الكون عند كل من الفلكيين والفيزيائيين:
      باستخدام الحسابات التي وظفت فيها الحواسيب العملاقة‏,‏ تمكن كل من الفلكيين والفيزيائيين المعاصرين من وضع تصور لمراحل خلق الكون علي النحو التالي‏:‏
      ‏(1)‏ بعد لحظات من عملية الانفجار الكوني العظيم‏(‏ تقدر بنحو‏10‏ ـ‏35‏ من الثانية‏),‏ كان بالكون تساو بين الباريونات وأضدادها من جهة‏,‏ وبين فوتونات الضوء
      ‏(photons)‏
      من جهة أخري‏,‏ وكانت الباريونات وأضدادها يفني بعضها بعضا منتجة الطاقة التي يعاد منها تخليق الجسيمات الأولية للمادة وأضدادها‏.‏
      وهذه النظرية التي تشير الي تساوي كميات المادة وأضدادها في الكون المدرك‏,‏ تؤكد أن اختلافا في هذا التساوي لا تتعدي نسبته واحدا في المائة مليون‏,‏ يمكن أن يفسر غلبة نسبة المادة علي نسبة أضدادها في الكون الراهن‏,‏ وذلك بتحول نسبة من الفوتونات الناتجة عن إفناء الأضداد لبعضها البعض الي باريونات‏(‏ اللبنات الأولية المكونة لنوي ذرات العناصر‏),‏ وتتم هذه العملية عن طريق انتاج باريون واحد عن كل مائة مليون فوتون‏,‏ كما يؤكد ذلك الخلفية الإشعاعية الحالية للكون المنظور‏,‏ وبعد فناء أغلب البروتونات وأضدادها بدأ الكون في الاتساع‏,‏ ويحتمل وجود كمية من النيوترينوات
      ‏(Neutrinos)‏
      باقية في كوننا المدرك‏,‏ نظرا لضعف تفاعلها مع أضدادها فلم تفن بالكامل‏.‏
      ‏(2)‏ بعد مضي ثانية واحدة علي الانفجار الكوني العظيم‏,‏ تقدر الحسابات النظرية أن كمية الطاقة المتوافرة في الكون أصبحت تسمح بتكون جسيمات أدق مثل الاليكترون‏,‏ الذي يحمل شحنة سالبة وضده البوزيترون الذي يحمل شحنة موجبة
      ‏(ElectronandAntielectronorPosifron)‏
      وقد أفنت هذه الجسيمات بعضها بعضا‏,‏ تاركة وراءها محيطا من الإشعاع الحار علي هيئة فوتونات الضوء التي انتشرت في كل الكون‏,‏ والتي تدرك آثارها اليوم فيما يعرف باسم الخلفية الإشعاعية للكون‏,‏ والتي تشير إلي تناقص كل من كثافة الكون ودرجة حرارته باستمرار مع الزمن‏.‏
      ‏(3)‏ بعد نحو خمس ثوان من عملية الانفجار الكوني‏,‏ تشير الحسابات النظرية الي أن درجة حرارة الكون انخفضت الي عدة بلايين من الدرجات المطلقة‏,‏ ولم يكن موجودا بالكون سوي عدد من الجسيمات الأولية لكل من المادة والطاقة من مثل البروتونات
      ‏(Protons),‏
      والنيوترونات
      ‏(Neutrons),‏
      والإليكترونات‏
      (Electrons),‏
      والنيوترينوات
      ‏(Neutrinos),‏
      والفوتونات
      ‏(photons).‏
      ‏(4)‏ بعد نحو مائة ثانية من الانفجار الكوني‏(‏ فتق الرتق‏)‏ تقدر الحسابات النظرية‏,‏ أن درجة حرارة الكون قد انخفضت الي نحو البليون درجة مطلقة‏,‏ فبدأت البروتونات والنيوترونات في الاتحاد بعملية الاندماج النووي لتكون نوي ذرات نظائر كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم علي التوالي‏.‏
      وتشير كل من الحسابات الرياضية والتجارب المختبرية‏,‏ الي أن أول النوي الذرية تكونا كانت نوي ذرة نظير الإيدروجين الثقيل المعروف باسم ديوتيريوم
      ‏(Deuterium),‏
      ثم تلته نوي ذرات نظائر الهيليوم‏.‏
      ‏(5)‏ بعد دقائق من الانفجار الكوني العظيم‏,‏ تشير الحسابات النظرية الي أن درجة حرارة الكون قد انخفضت الي مائة مليون درجة مطلقة‏,‏ مما شجع علي الاستمرار في عملية الاندماج النووي‏,‏ حتي تم تحويل‏25%‏ من كتلة الكون المدرك الي غاز الهيليوم‏,‏ وبقيت غالبية النسبة الباقية‏(75%)‏ غاز الإيدروجين‏,‏ وينعكس ذلك علي التركيب الحالي للكون المدرك‏,‏ الذي لايزال الإيدروجين مكونه الأساسي بنسبة تزيد قليلا علي‏74%,‏ يليه الهيليوم بنسبة تبلغ‏24%,‏ وباقي المائة وخمسة من العناصر المعروفة تكون أقل من‏2%.‏
      ولذلك يعتقد الفلكيون المعاصرون أن تخلق العناصر في كوننا المدرك‏,‏ قد تم علي مرحلتين متتاليتين تكون في الأولي منهما العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة‏,‏ وتكونت في المرحلة الثانية العناصر الثقيلة‏,‏ بالإضافة الي كميات جديدة من معظم العناصر الخفيفة‏,‏ وذلك في داخل النجوم خاصة الشديدة الحرارة منها‏,‏ مثل المستعرات‏,‏ أو في مراحل انفجارها علي هيئة فوق المستعرات‏.‏



      دعوة قرآنية لإعادة التفكير:

      أشرنا في الأسطر السابقة الي أن كلا من الحسابات النظرية في مجالي علمي الفلك والفيزياء‏,‏ تدعو الي الاعتقاد بأن تخلق العناصر المعروفة لنا في الكون قد تم بعملية الاندماج النووي

      علي مرحلتين كما يلي‏:‏
      المرحلة الأولي‏:‏ وقد تكونت فيها العناصر الخفيفة عقب عملية الانفجار الكوني مباشرة‏.‏
      المرحلة الثانية‏:‏ وقد تكونت فيها العناصر الثقيلة بالإضافة الي كميات جديدة من العناصر الخفيفة‏,‏ ولاتزالان تتكونان في داخل النجوم‏,‏ وفي مراحل استعارها وانفجارها المختلفة‏.‏
      ولكن الآية التاسعة والعشرين من سورة البقرة تقرر أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق لنا ما في الأرض جميعا قبل تسوية السماء الدخانية الأولي الي سبع سماوات‏.‏
      ويؤيد ذلك ما جاء في الآيات‏(9‏ ـ‏12)‏ من سورة فصلت‏,‏ ومعني هذه الآيات مجتمعة أن كل العناصر اللازمة للحياة علي الأرض‏,‏ بل إن الأرض الابتدائية ذاتها كانت قد خلقت قبل تمايز السماء الدخانية الأولي الي سبع سماوات‏.‏
      فهل يمكن لكل من علماء الفلك‏,‏ والفيزياء النظرية‏,‏ والأرض المسلمين مراجعة الحسابات الحالية انطلاقا من هذه الآيات القرآنية الكريمة‏,‏ لاثبات ذلك‏,‏ فيخلصون الي سبق قرآني كوني معجز يثبت المؤمنين علي إيمانهم‏,‏ ويكون دعوة مقنعة لغير المسلمين في زمن فتن الناس بالعلم ومعطياته فتنة كبيرة؟ كما يكون في ذلك تصحيح للوضع الخاطيء الذي ننتظر فيه قدوم الكشوف العلمية من غير المسلمين حتي ندرك وجودها في كتاب الله أو في سنة رسوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ فندرك الدلالة العلمية لذلك‏,‏ ونلمح شيئا من الإعجاز فيه‏!!!‏



      ترتيب خلق السماوات والأرض‏:‏
      سبق أن أشرنا مرارا‏,‏ الي أن عملية الخلق‏(‏ خلق الكون‏,‏ خلق الحياة وخلق الإنسان‏),‏ هي من الأمور الغيبية التي لا تخضع مباشرة لإدراك الإنسان‏,‏ كما قال ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏
      ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا‏(‏ الكهف‏:51).‏
      ولكن من رحمة الله‏(‏ تعالي‏)‏ أنه قد أبقي لنا في صفحة السماء‏,‏ وفي صخور الأرض من الشواهد الحسية‏,‏ ما يمكن أن يعيننا علي استقراء ذلك‏,‏ كما أبقي لنا في محكم كتابه وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله من الآيات والأحاديث‏,‏ ما يمكن أن يدعم هذا الاستقراء أو أن يهذبه‏.‏
      وفي ذكره لآيات خلق السماوات والأرض‏,‏ يقدم القرآن الكريم السماء‏/‏ السماوات علي الأرض في الغالبية العظمي من الآيات‏,‏ التي تشير اليهما‏,‏ فيما عدا خمس آيات قدم فيها ذكر الأرض علي ذكر السماء‏,‏ وهي علي التوالي‏,‏ قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
      ‏(1)‏ الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء‏...(‏ البقرة‏:22)‏
      ‏(2)‏ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم‏(‏ البقرة‏:29)‏
      ‏(3)‏ تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي‏(‏ طه‏:4)‏
      ‏(4)‏ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء‏....(‏ غافر‏:64)‏
      ‏(5)‏ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين‏,‏ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين‏,‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏,‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏12).‏
      والآيتان الأولي والرابعة‏(‏ البقرة‏:22,‏ غافر‏:64)‏ هما من الآيات الوصفية التي لا تتعرض لترتيب الخلق‏,‏ والآية الثالثة‏(‏ طه‏:4)‏ جاء الترتيب فيها لموافقة النظم في السورة التي ذكرت فيها السماء قبل الأرض بعد آية واحدة‏.‏
      أما الآية الثانية‏(‏ البقرة‏:29)‏ فواضحة الدلالة علي خلق جميع العناصر اللازمة لبناء الأرض قبل خلق السماوات السبع‏,‏ وذلك لأنه من الثابت علميا والراجح منطقيا أن خلق العناصر سابق علي خلق الأرض وخلق جميع أجرام السماء‏,‏ وأن خلق الوحدات الكونية الكبري كالسدم والمجرات سابق علي ما يتخلق بداخلها من نجوم وتوابع تلك النجوم‏,‏ من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات‏.‏
      وأما الآيات الخامسة‏(‏ فصلت‏:9‏ ـ‏12)‏ فتشير إلي أن خلق الأرض الابتدائية كان سابقا علي تمايز السماء الدخانية الأولي إلي سبع سماوات‏,‏ وأن دحو الأرض الابتدائية‏(‏ بمعني تكون أغلفتها الغازية والمائية والصخرية‏)‏ جاء بعد ذلك‏,‏ ويدعم هذا الاستنتاج ما جاء في سورة‏(‏ النازعات‏)‏ من قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
      أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها‏,‏ رفع سمكها فسواها‏,‏ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها‏,‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏,‏ والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم‏(‏ النازعات‏:27‏ ـ‏33).‏
      وفي الآيات‏(9‏ ـ‏12)‏ من سورة فصلت‏,‏ يخبرنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بأنه قد خلق الأرض في يومين‏(‏ أي علي مرحلتين‏),‏ وجعل لها رواسي‏,‏ وبارك فيها‏,‏ وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام‏(‏ أي أربع مراحل‏),‏ ثم خلق السماوات في يومين‏(‏ أي مرحلتين‏),‏ وهو القادر علي أن يقول للشيء كن فيكون‏,‏ ولكن هذا التدرج كان لحكمة مؤداها أن يفهم الإنسان سنن الله في الخلق‏.‏
      وقد يلتبس علي القاريء لأول وهلة‏,‏ أن خلق الأرض وحدها قد استغرق ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل‏),‏ وأن خلق السماء قد استغرق يومين‏(‏ أي مرحلتين‏),‏ فيكون خلق السماوات والأرض قد استغرق ثمانية أيام‏(‏ ثماني مراحل‏),‏ والآيات القرآنية التي تؤكد خلق السماوات والأرض في ستة أيام‏(‏ أي ست مراحل‏)‏ عديدة جدا‏,‏ ولكن الآيات من سورة‏(‏ فصلت‏)‏ تشير الي أن يومي خلق الأرض‏,‏ هما يوما خلق السماوات السبع‏,‏ وذلك لأن الأمر الإلهي كان للسماء وللأرض معا‏,‏ لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ ثم استوي الي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏(‏ فصلت‏:11),‏ وإن كان بعض المفسرين يرون خلاف ذلك‏,‏ إلا أن غالبيتهم تري أن حرف العطف ثم لايدل هنا علي الترتيب والتراخي‏,‏ ولكنه يدل علي بعد عملية الاستواء والتسوية للسماوات السبع من السماء الدخانية الأولي‏,‏ لأن من معاني ثم‏=‏ هناك‏,‏ وهو إشارة للبعيد بمنزلة هنا للقريب‏.‏
      وعلي أية حال‏,‏ فإذا كان الزمان والمكان مقيدين لنا في هذه الحياة الدنيا‏,‏ فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو مبدع كل من الزمان والمكان وخالقهما‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ بالقطع فوق قيودهما‏.‏
      وعلماء الفيزياء الفلكية يقولون إن الذي يتحكم في سلوك الجرم السماوي‏,‏ هو كم المادة والطاقة التي ينفصل بهما هذا الجرم عن غلالة الدخان الكوني‏,‏ فالذي يجعل الأرض كوكبا ذا قشرة صلبة‏,‏ له غلاف غازي‏,‏ وغلاف مائي يجعلانها صالحة للعمران‏,‏ هو كتلة المادة وكم الطاقة التي انفصلت بهما عن الشمس أو عن السديم الذي تكونت منه الشمس وكواكبها‏,‏ والأمر الذي يجعل القمر تابعا صغيرا‏,‏ ليس له غلاف غازي ولا غلاف مائي‏,‏ وغير صالح لحياة شبيهة بحياتنا الأرضية‏,‏ هو الكتلة التي انفصل بها‏,‏ والذي يجعل الشمس نجما مضيئا‏,‏ متوهجا بذاته هي الكتلة‏,‏ وهكذا‏.‏
      والسؤال الذي يفرض نفسه هو‏:‏ من الذي قدر تلك الكتل؟ والجواب المنطقي الوحيد هو‏:‏ الله خالق الكون‏,‏ ومبدع الوجود‏...!!!‏
      ونعود مرة أخري‏,‏ إلي تلك الآية القرآنية المبهرة التي بدأنا بها‏,‏ والتي يقول فيها الحق‏(‏ تبارك وتعالى):‏هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم‏(‏ البقرة‏:29).‏
      ونتساءل‏:‏ هل من علماء الكون والفيزياء النظرية المسلمين‏,‏ من يمكنه أن ينطلق من هذه الآية القرآنية الكريمة ليثبت سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي حقيقة خلق جميع العناصر اللازمة للحياة علي الأرض‏,‏ قبل تسوية السماء الدخانية الأولي إلي سبع سماوات؟ في وقت يجمع فيه أهل هذا الاختصاص علي أن العناصر الثقيلة في الكون لم تتخلق إلا في داخل النجوم؟ هذا موقف تحد عظيم أرجو أن يتقدم له قريبا أحد علماء المسلمين في هذا الاختصاص‏. ?
      https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=402
      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 01:26 ص.
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق

      • احمدحمادي
        0- عضو حديث
        • 28 يون, 2007
        • 1

        #4
        شكرا على الموضوه الماتع امتعك الله بالصحة والعافية

        موضوع جاد متجدد داخل في (سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق)والموضوع لبنة صلبة في زاوية جدار الصد والتحصين ضد غزوات شذاذ الآفاق على القرآن سدد الله رميك وقولك وحفظك من كل سوء وثبتك على الحق
        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 01:26 ص.

        تعليق

        • سيف الكلمة
          إدارة المنتدى

          • 13 يون, 2006
          • 6036
          • مسلم

          #5
          أسعدك الله فى الدارين ونفع بنا وبكم وبصاحب الموضوع د. زغلول
          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 01:26 ص.
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق

          • solema
            مشرفة قسم
            الإعجاز العلمي والنبؤات

            • 7 يون, 2009
            • 4518
            • طبيبة
            • مسلم

            #6
            بسم الله الرحمن الرحيم

            تم الدمج بمعرفتى ..


            جزاكم الله خيرا أخى (( وليد )) موضوع رائع لا يسعنا بعد قراءته


            سوى قول لا إله إلا الله العلى العظيم ...

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 4 يوم
            ردود 0
            14 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
            ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 5 يوم
            ردود 0
            11 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
            ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 5 يوم
            ردود 0
            10 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
            ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 5 يوم
            ردود 0
            11 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
            ابتدأ بواسطة فارس الميـدان, 30 أغس, 2024, 04:54 ص
            ردود 38
            671 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة فارس الميـدان
            يعمل...