من الحقائق الصادمة و المدهشة لكثير من الناس عن القرن الأول الميلادى هو أنه لا يوجد لدينا أى سجلات رومانية من أى نوع تشهد لوجود يسوع . لا توجد لدينا شهادة ميلاد و لا أى إشارة لأقواله أو أعماله , و لا أى تعليقات عن محاكمته و لا أى وصف عن موته , و لا توجد أى إشارة عنه بأى نوع أو شكل أو طريقة . إن المصادر الرومانية التى تعود للقرن الأول الميلادى لا تذكر حتى اسم يسوع . إن هذا لا يعنى كما يُزعم حاليا بشكل منتظم أن يسوع لم يكن شخصا موجودا على الإطلاق . لقد كان شخصا موجودا بالفعل كما يؤكد على هذا كل عالم حاذق للعصور القديمة سواء كان عالما مسيحيا أو غير مسيحى بناء على أدلة واضحة و مؤكدة . و لكن كما هو الحال مع معظم الأشخاص الذين عاشوا و ماتوا فى القرن الأول الميلادى , لا يظهر أحد منهم فى السجلات الرومانية .
إن هذا ما جعل للإكتشاف المزعوم لنسخة رسمية ل " حكم الموت الصادر من بيلاطوس " تأثيرا كبيرا فى أوربا و الولايات المتحدة عندما أعلن عنه فى منتصف القرن التاسع عشر . جرى الحديث أول مرة عن هذا الإكتشاف فى الورقة الفرنسية المعروفة باسم Le Droit فى ربيع عام 1839م . لقد اكتشف سريعا أن هذا عمل مزور , و لكن طفى الأمر على السطح مجددا فى ألمانيا بعد هذا بعشر سنوات , و بشكل متكرر فى أماكن أخرى بما فى ذلك الولايات المتحدة لعقود أخرى بعد ذلك .
لقد زعموا أن " حكم الموت " هذا قد اكتشف على صفيحة نحاسية أكتشفت فى جنوب إيطاليا فى مدنية " آكيلا " Aquila بالقرب من " نابلس " Naples فى عام 1280 م . قالوا أن مجموعة من العمال كانوا يحفرون بحثا عن الآثار الرومانية القديمة , و بينما هم كذلك اكتشفوا وعاء رخاميا بداخله صفيحة نحاسية منقوش عليها باللغة العبرية . و لما ترجموا النص العبرى وجدوا أنه يحتوى على نسخة رسمية من مذكرة " حكم الموت " الذى أصدره بيلاطوس البنطى . و على الناحية المقابلة تعليمات بإرسال هذه المذكرة لكل أسباط شعب اسرائيل .
لقد زعموا أن هذه الصفيحة قد فقدت , و لكن تم اكتشافها مجددا أثناء الإحتلال الفرنسى لمملكة " نابلس " فى عام 1806 – 1815 م . و لما تم نشرها بعد ذلك بعقدين من الزمان , بلغ حد الإطراء على هذا الإكتشاف الى حد وصفه بأنه " أعظم وثيقة قانونية موجودة " . فى هذه الوثيقة , يأمر " بيلاطوس البنطى حاكم الجليل الأدنى " بأن " يموت يسوع على الصليب " , و يقال أن هذا قد حدث فى العام السابع عشر لحكم الإمبراطور طايبريوس (عام 31 م ) فى السابع و العشرين من شهر مارس فى " أورشليم أقدس المدن " .
كان السبب فى حكم الموت هذا هو ارتكاب يسوع لست جرائم . فقد كان رجلا مُضلا , و محرضا على الفتنة , و عدوا للقانون , و قد زعم كذبا بأنه ابن الله , و قد دخل الهيكل يتبعه جمع يحملون فروع النخل . و قد وقع على مذكرة الموت هذه أربعة شهود هم : دانيال روبانى , جوانوس روبانى , رافائيل روبانى و " المواطن كابيت " .
لم يجد العالم المتمكن " إيدجار جود سبيد " Edgar Goodspeed صعوبة فى إظهار أن الوثيقة هذه بجملتها عمل مزور . فليس من المفهوم أن يقوم مسئول رومانى بمحاولة تبرير إدانته لمجرم أمام الشعب اليهودى و لا أن يرسل هذا التبرير ل " أسباط اسرائيل " و التى لم توجد فى واقع الأمر منذ عدد من القرون . و أيضا فإن بيلاطوس المسئول الرومانى لم يكن ليكتب باللغة العبرية التى لا يعرفها . و أيضا فإن بيلاطوس لم يكن حاكم الجليل الأدنى , بل حاكم اليهودية . و بما أن بيلاطوس لم يكن يهوديا , فلم يكن ليشير الى أورشليم بوصف " أقدس المدن " . و أيضا فإن تاريخ السابع و العشرين من مارس الوارد بالوثيقة هى طريقة حديثة للتأريخ لم يكن يعرفها العالم القديم . و أيضا فإن مصطلح " روبانى " الذى وُصف به ثلاثة من الشهود يبدو أنه شكل خطأ لمصطلح " رابان " Rabban الذى يعنى " معلم " , و ربما أن كاتب هذه الوثيقة قد وقع فى هذا الخطأ اللغوى بسبب أن هذه الكلمة بلغة المخاطَب – كما ورد مثلا فى يوحنا 20 – 16 – تُكتب " رابونى " . و أيضا فإن الإسم " جوانوس " ليس من الأسماء القديمة فى أى من اللغات ذات الصلة . و أيضا فإن الإسم " كابيت " اسم فرنسى . و أيضا لا يوجد لفظ فى العبرية يعنى " مواطن " citizen .
إن هناك مشكلات أخرى بالوثيقة , و لكن ما قلناه يكفى لتوضيح أنها وثيقة مزورة . و أيا من يكون قد كتب هذه الوثيقة , فقد كان عمله رديئا جدا , على الرغم من أن عمله المزور هذا قد لاقى نجاحا فى كل من أوربا و الولايات المتحدة لمدة تزيد على قرن من الزمان .
____________________________________
المصدر :
Forged
Writing in the Name of God—
Why the Bible’s Authors Are Not
Who We Think They Are
Bart D. Ehrman
صفحة 285 - 287
إن هذا ما جعل للإكتشاف المزعوم لنسخة رسمية ل " حكم الموت الصادر من بيلاطوس " تأثيرا كبيرا فى أوربا و الولايات المتحدة عندما أعلن عنه فى منتصف القرن التاسع عشر . جرى الحديث أول مرة عن هذا الإكتشاف فى الورقة الفرنسية المعروفة باسم Le Droit فى ربيع عام 1839م . لقد اكتشف سريعا أن هذا عمل مزور , و لكن طفى الأمر على السطح مجددا فى ألمانيا بعد هذا بعشر سنوات , و بشكل متكرر فى أماكن أخرى بما فى ذلك الولايات المتحدة لعقود أخرى بعد ذلك .
لقد زعموا أن " حكم الموت " هذا قد اكتشف على صفيحة نحاسية أكتشفت فى جنوب إيطاليا فى مدنية " آكيلا " Aquila بالقرب من " نابلس " Naples فى عام 1280 م . قالوا أن مجموعة من العمال كانوا يحفرون بحثا عن الآثار الرومانية القديمة , و بينما هم كذلك اكتشفوا وعاء رخاميا بداخله صفيحة نحاسية منقوش عليها باللغة العبرية . و لما ترجموا النص العبرى وجدوا أنه يحتوى على نسخة رسمية من مذكرة " حكم الموت " الذى أصدره بيلاطوس البنطى . و على الناحية المقابلة تعليمات بإرسال هذه المذكرة لكل أسباط شعب اسرائيل .
لقد زعموا أن هذه الصفيحة قد فقدت , و لكن تم اكتشافها مجددا أثناء الإحتلال الفرنسى لمملكة " نابلس " فى عام 1806 – 1815 م . و لما تم نشرها بعد ذلك بعقدين من الزمان , بلغ حد الإطراء على هذا الإكتشاف الى حد وصفه بأنه " أعظم وثيقة قانونية موجودة " . فى هذه الوثيقة , يأمر " بيلاطوس البنطى حاكم الجليل الأدنى " بأن " يموت يسوع على الصليب " , و يقال أن هذا قد حدث فى العام السابع عشر لحكم الإمبراطور طايبريوس (عام 31 م ) فى السابع و العشرين من شهر مارس فى " أورشليم أقدس المدن " .
كان السبب فى حكم الموت هذا هو ارتكاب يسوع لست جرائم . فقد كان رجلا مُضلا , و محرضا على الفتنة , و عدوا للقانون , و قد زعم كذبا بأنه ابن الله , و قد دخل الهيكل يتبعه جمع يحملون فروع النخل . و قد وقع على مذكرة الموت هذه أربعة شهود هم : دانيال روبانى , جوانوس روبانى , رافائيل روبانى و " المواطن كابيت " .
لم يجد العالم المتمكن " إيدجار جود سبيد " Edgar Goodspeed صعوبة فى إظهار أن الوثيقة هذه بجملتها عمل مزور . فليس من المفهوم أن يقوم مسئول رومانى بمحاولة تبرير إدانته لمجرم أمام الشعب اليهودى و لا أن يرسل هذا التبرير ل " أسباط اسرائيل " و التى لم توجد فى واقع الأمر منذ عدد من القرون . و أيضا فإن بيلاطوس المسئول الرومانى لم يكن ليكتب باللغة العبرية التى لا يعرفها . و أيضا فإن بيلاطوس لم يكن حاكم الجليل الأدنى , بل حاكم اليهودية . و بما أن بيلاطوس لم يكن يهوديا , فلم يكن ليشير الى أورشليم بوصف " أقدس المدن " . و أيضا فإن تاريخ السابع و العشرين من مارس الوارد بالوثيقة هى طريقة حديثة للتأريخ لم يكن يعرفها العالم القديم . و أيضا فإن مصطلح " روبانى " الذى وُصف به ثلاثة من الشهود يبدو أنه شكل خطأ لمصطلح " رابان " Rabban الذى يعنى " معلم " , و ربما أن كاتب هذه الوثيقة قد وقع فى هذا الخطأ اللغوى بسبب أن هذه الكلمة بلغة المخاطَب – كما ورد مثلا فى يوحنا 20 – 16 – تُكتب " رابونى " . و أيضا فإن الإسم " جوانوس " ليس من الأسماء القديمة فى أى من اللغات ذات الصلة . و أيضا فإن الإسم " كابيت " اسم فرنسى . و أيضا لا يوجد لفظ فى العبرية يعنى " مواطن " citizen .
إن هناك مشكلات أخرى بالوثيقة , و لكن ما قلناه يكفى لتوضيح أنها وثيقة مزورة . و أيا من يكون قد كتب هذه الوثيقة , فقد كان عمله رديئا جدا , على الرغم من أن عمله المزور هذا قد لاقى نجاحا فى كل من أوربا و الولايات المتحدة لمدة تزيد على قرن من الزمان .
____________________________________
المصدر :
Forged
Writing in the Name of God—
Why the Bible’s Authors Are Not
Who We Think They Are
Bart D. Ehrman
صفحة 285 - 287
تعليق