اسم الله عزوجل" الرحمن"
والله عزوجل لا يرحم عباده المؤمينين فحسب، ولكن يرحم كل الناس المؤمن منهم والكافر، فهو سبحانه يعطي الكافر الذي لا يؤمن به الصحة والمال والزوجة والولد ويمتعهم بزينة الحياة الدنيا وهم يكفرون به بل وهم يسبونه ويعصونه ليل نهار وهو في ذلك كله يُمهلهم، ولا يمنعهم رزقه، ويرسل إليهم آياته فيعرضوا عنها، فلا يزال سبحانه يُعطيهم ويُعافيهم و يُمهلهم ويدعوهم بآياته ورسله وهو الحميد المجيد الغني عنهم ،فيمتعهم فوق أرضه ،ويظلهم بسمائه وينسمهم هواءه ولو منعه عنهم لهلكوا،ولكنه الرحمن الرحيم الذي شمل عباده وغمرهم برحمته، فالله عزوجل يرزق كل المخلوقات الإنسان والحيوان دون مقابل،.فهو سبحانه يرزق الجنين في بطن أمه دون أسباب ويحيه ويخلقه دون مقابل من الإنسان ،أو سابق احسان ،وإذا ولد وفر له ثدياً مليئاً باللبن، وهواءً نقياً وحضناً دافئاً دون مقابل ،فإذا خطى وفر له أرضاً ممهدة ثابته لا تميل به ولا تميد ،وطعاماً من حيث لا يدري ولا يحتسب وأوصى به أمه وأباه وأعطاهم رزقه وأكرمهم لأجله، وفي هذا كله ليس مكلف لا بدفع الثمن ولا حتى بالعبادة، وإذا مات لم يتقاضى منه ثمناً لما نعمه به سبحانه، وأما إذا عاش فإن عصاه العبد أو الأمة بأكبر المعاصي والموبقات ولو بالكفر أمهله، فعدد الكفار على الأرض أضعاف عدد المسلمين ورغم ذلك لا يؤاخذهم بالذنب، بل لا يهتك سترهم ولا يفضحهم رحمة منه وفضل، ولا يقطع عنهم رزقه ولا فضله، بل ومن رحمته بهم أن أرسل إليهم رسلاً يعرفونهم به ويهدونهم إليه حتى يتمتعوا بحبه وقربه في الدنيا، وبسعة جنته وعطائه في الآخرة،. نعم فلكم يحتاج العبد إلى الحنان والرحمة وأين يوجد الحنان والرحمة في الدنيا فأرحم الرحماء في الدنيا هم الأم والأب حتى قال شوقي في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:-
فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء
فلا يشك العبد للحظة إذا اختار أبوه أو أمه شيئاً له أن هذا من حرصهم وشفقتهم عليه فيستحيل أن يتحمل الأب والأم على الولد الاذى فهو كبدهم الذي يمشي على الأرض كما يقول الشاعر:-
أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض إن هبت الريح عليهم حرم علينا الغمض
فاعلم رعاك الله أن الله عزوجل أرحم بالعبد من رحمة الأم بولدها كما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ،فعن عمر بن الخطاب " قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار). قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها).البخاري
نعم رغم أن الأم هي أرحم الناس مطلقاً ،يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله العظيم أرحم منها!!!. نعم فإذا عصى الإنسان أمه ربما دعت عليه وربما تبرأت منه رغم شدة رحمتها به، ولكن الله عزوجل إذا عصاه العبد بالنهار يبسط يده بالليل حتى يتوب العبد فيتوب الله عليه وناداه ونزل إلى السماء الدنيا ليعرض عليه رحمته وإذا عصاه بالليل ناداه وبسط له يد التوبة بالنهار حتى يتوب وأمهله مهما عصاه وتجرأ على حدوده ولو كفر به ولو سبه سبحانه وتعالى كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم) البخاري .فلكم سمعنا مراراً عن أم تبرأت من ولدها ولكن لم نسمع أبداً أن الله الرحمن الرحيم تبرأ من عبده سبحانه و في كل الآيات التي تتحدث عن العصاة يتبعها بآيات التوبة فانظروا الي رحمة الله بمن يقتل الانفس ويسفك الدماء ويسلب الاموال ويعيث في الارض فسادا قال تعالى"إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم *إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم "المائدة 33-34
وانظروا إلى رحمته بمن سرق قال تعالى "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم*فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم "المائدة 38-39
نعم ،حتى السارق الذي يسلب الناس أموالهم أمر الله عزوجل بقطع يده رحمة من الله بالخلق حتى يعيشوا آمنين على أموالهم، وقتل القاتل حتى يأمنوا على أرواحهم، ورغم ذلك لم يحرم القاتل والسارق نفسيهما من التوبة ولم يحجب عنهم رحمته بل وجعل العقوبة الدنيوية التي يلاقونها مغفرة لذنوبهم ،حتى الذين يكفرون بالله ويسبونه ويدعون له الولد يعرض هو سبحانه عليهم المغفرة وهوالغني عنهم وهو الذي لا تضره معصيتهم سبحانه فيقول "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمي من أنصار*لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم*أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم"المائدة 72-74
فانظر إلى الله الرحمن الرحيم وهو يتوعد الآبقين من عباده بالعذاب كيف يعرض عليهم رحمته وهو الغني عنهم وهم لم يطلبوها أصلاً حتى جمع الذنوب وأدخل أهلها كلهم في رحمته فقال سبحانه وتعالى
"قل ياعبادي الذين أسرفو على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"الزمر53
انظر من ينادي من انظر من يتقرب الي من انظر من يتودد الي من ولم لا فهو الإله العظيم الذي كتب على نفسه الرحمة وألزم نفسه بها نحوعباده فقال سبحانه "ورحمتي وسعت كل شيء" الأعراف 156.
نعم وسعت المؤمن والكافر والبار والفاجر والإنسان والحيوان والجماد حتى النملة في حجرها والحوت في البحر والطيرفي جو السماء، سبحانه من إله عظيم !!!فإذا تاب العبد أو الأمه إليه فرح بتوبتهم وهو الغني عنهم وعن توبتهم وعبادتهم و يفرح وهو لا يحتاج إليهم ولا إلى توبتهم ،يفرح سبحانه رحمة منه بعباده أن يؤذوا أنفسهم ،نعم فهو لم يحرم عليهم إلا ما يؤذيهم ولم يحل لهم إلا ما يصلحهم فالشرع بأحكامه وأوامره وحتي الوعيد بالعقاب الأخروي ماهو إلا من فيض رحمته بعباده حتى يمنعهم مما يؤذون به انفسهم فاهل المعاصي والشهوات يحيون في ضنك وبؤس والله الرحمن الرحيم من رحمته بعباده لا يرضي لهم الا الحياة الكريمة لاجل هذاحرمها عليهم حبا ورحمة بهم لاتشديدا عليهم واعناتا لهم وحتى إذا وقعوا في الحرام الذي يبغضه وأكثروا منه وأسرفوا على أنفسهم فيه فأنه سبحانه لا يعرض عليهم توبته ويغفر لهم فحسب لابل يبدل سيئاتهم إلى حسنات ،أي احسان هذا؟!! وأي كرم؟!! وأي عظمة هذه ؟!!نعم والله تعجز الكلمات عن الوصف وكيف تصف ملكاً إذا أخطأ عبده الأبق ناداه ودعاه وأكرمه وأعطاه وأبدله عن كل إساءه مكافئه إذا رجع إليه وتاب،
وااااااااااعجباً "الملك هو الذي يعرض على العبد الصفح والعفو!!! ".
لن أعلق على هذا ولكن سأترك لقلوبكم التعليق على هذا الكلام حباً شديداً لهذه الذات العظيمة وشوقاً قوياً للقرب من هذا الملك الكريم وندماً عميقاً على ما سلف من العمر دون معرفته.
فانظروا إلى رحمته بالنملة منع احراقها ،وانظروا إلى رحمته بالكلب غفر لإمرأه بغي تتاجر بعرضها في كلب سقته ،وانظروا إلى رحمته بالحيوان حتى وقت الذبح ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح. وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) مسلم .وانظروا إلى رحمته بالقطة أدخل امرأة النار لأنها حبستها ومنعت عنها الماء ،انظروا إلى رحمته في كل شيء!! أين قلوبكم؟! كيف أعرضتم عنه وشككتم في رحمته وطلبتم رحمة غيره واطمأننتم إليها؟!كيف رضيتم بسواه رباً ؟!كيف رضيتم بغيره أنيساً ورضيتم عن حبه في القلب بديلاً؟؟!! آمنت بالله.
نعم لقد خر قلبي له ساجداأمام عظمة رحمته حينما غمرتني في أحلك المواقف وأعتاها وأشدها وأمرها ، فانتهزوا فرصة معرفتكم كيف رحمته بعباده واغترفوا من خزائن الرحمة التي لا تنضب ولا تنفذ فرحمة الخلق تنتهي بموتهم أو بموتك أنت أما رحمة الله عزوجل تشملك في حياتك وبعد مماتك، وحيداً كنت أم وسط الناس، غنياً كنت أم فقيراً، طليقاً كنت أم حبيساً ،لا تطلب رحمة المخلوق واهرع إلى رحمة الخالق فرحمة المخلوق ضعيفه تليق بضعفه محدودة تليق بقلة علمه بحالك عاجزة عن نفعك كما يليق بعجز المخلوق فإذا نام المخلوق أوغفل عنك كيف تصلك رحمته ،كما أن الله سبحانه وهو الذي خلق ووضع الرحمة في قلب هذا العبد فارجع إلى الأصل.
فالله عزوجل حيُّ لا يموت قيوم لا ينام عليم بحال عبده أرحم به من أمه وهو الوحيد القادر على نفعه فهو ليس رحيماً فقط بل أرحم الراحمين وخير الراحمين ،ففروا إلى رحمة الله ،ففروا من وهج نيران الدنيا إلى نعيم الدنيا والآخرة (رحمة الله) نعم فلكم أشعر بالطمأنينة والسكون كهدوء الطفل وهو في حضن أمه حينما أتذكر عناية الله ورحمته تحوطني وأنه لن يستطيع أحد أن يصل إلى بسوء وأنا معه وأنه لن يستطيع أحد أن يمنع رحمته أن تصل إلىّ " ولله امثل الأعلى وهو العزيز الحكيم" النحل60
فاعلم أيها الإنسان أنه إذا ضاقت عليك الدنيا بما رحبت وإذا أغلقت أمامك كل الأبواب وسدت فإن هناك سبيل لا يغلق دونك ولا يستطيع أن يحول بينك وبينه أحد هو رحمة أرحم الراحمين ،لكم أدركت الهالكين فأنقذتهم والحيارى فهدتهم والغارقين فانتشلتهم.
-*أما الآن وبعد استشعارنا رحمته سبحانه كيف يكون الإيمان بإسم الله الرحمن الرحيم في حياتنا اليوميه :-
1- الشعور بسعة رحمة الله عزوجل عند نزول مر القضاء وأن نعلم أن هذا تقدير من الرحمن الرحيم، فالله عزوجل هو الذي قدر هذا القضاء وهو أرحم بالعبد من من رحمة الأم برضيعها فلابد أن في هذا البلاء مصلحة العبد، وإن كان العبد يشعر بالألم فهو يعلم علم اليقين أن الله عزوجل يعلم مصلحته أكثر منه ولو حرص هو لإختيار الخير لنفسه لن يستطيع أن يجلب لنفسه الخير كما يجلبه الله الكريم الرحيم إليه.
2- أن ندعوه بهذا الإسم ولا نقنط من رحمته مهما ابتعدنا عنه وعصيناه وألا نظن به إلا الجميل وأن نستغل فرصتنا في الحصول على هذه الرحمة المبسوطة ليل نهار ولاندعها تضيع من بين أيدينا خاصة في الكروب والأزمات فالرحمة في هذه الحالة تكون أقرب وأقرب وليس بيننا وبينها إلا أن نمد أيدينا لصاحبها بالدعاء لنحصل عليها ،فرص عظيمة لا تضيعها فتخسروا!!.
"فادعوه باسمه الرحمن الرحيم وبصفته أنه أرحم الراحمين وخير الراحمين".
فإذا أُوصدت الأبواب أمام الطالبين وأسدلت الستور في وجوه السائلين ،وإذا وقعت المصيبة، وحلت النكبة ،وضاقت السبل وانتهت الآمال ،نادوا ربنا سبحانك أنت الرحمن الرحيم