اتبعوا ولا تبتدعوا
منهج السلف سبيل النجاة
نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{ (التوبة: 100).
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم المقيم.
وقال الشوكاني: ومعنى: والذين اتبعوهم بإحسان{ أي: الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة.
وقال السعدي رحمه الله: والذين اتبعوهم بإحسان{ يعني في الاعتقادات والأقوال والأفعال، فهؤلاء الذين سلموا من الذم وحصل لهم نهاية المدح.
2- قال الله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ (النساء: 115).
قال ابن كثير: «أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح، وقوله: ويتبع غير سبيل المؤمنين{ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ختمت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن كلا من الوصفين يقتضي الوعيد؛ لأنه مستلزم للآخر، فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم، هذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا، فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك».
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم الجماعة، وهي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فقد ثبت عند ابن ماجه في سننه من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وفيه -: «والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار». قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: «الجماعة». (ابن ماجه 3992 وصححه الألباني).
قال أبو شامة: وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم. (الباعث على إنكار البدع ص32).
وصدق عبد الله بن مسعود قال: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. (شرح أصول الاعتقاد ص160).
وثبت عند مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». (مسلم 1920).
قال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل: «إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم».
وقال ابن المديني: «هم أصحاب الحديث».
وقال البخاري: «يعني أصحاب الحديث».
وقال أحمد بن سنان: «هم أهل العلم وأصحاب الأثر». (شرف أصحاب الحديث للبغدادي).
قال المناوي في «فيض القدير» (3/395): وفيه معجزة بينة، فإن أهل السنة ما يزالون ظاهرين في كل عصر إلى الآن من حيث ظهرت البدع على اختلاف صنوفها من الخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم لم تقم لأحد منهم دولة ولم تستمر لهم شوكة، بل كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بنور الكتاب والسنة، فلله الحمد والمنة.
السلف قدوتنا في العلم والعمل
وإليك أخي القارئ صورا مشرقة ومشرفة في العلم والعمل لسلف هذه الأمة لترى كيف كان حرصهم على طاعة ربهم واتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، لنجعلهم لنا في الخير قدوة، وفي البر أسوة:
1- عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل». قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. (رواه مسلم: 2479).
2- عن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: «عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء». قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
3- وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف»، فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى، أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل». (رواه مسلم: 1902).
4- عن علي رضي الله عنه قال: اشتكت فاطمة ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلقت فلم تجده؛ فأخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على مكانكما». فقعد بيننا، ثم قال: «ألا أعلمكما خيرا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبرا الله أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم». قال علي رضي الله عنه: ما تركته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. (مسلم: 2727، وأبو داود: 3044، وأحمد: 797).
5- قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبو خالد – يعني – سليمان بن حيان عن داود بن أبي هند، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس قال: حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسار إليه (يسار به) قال: سمعت أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيتا في الجنة». قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة. وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة. وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس».
6- عن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ركع أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها، حرم الله عز وجل لحمه على النار. قالت: فما تركتهن منذ سمعتهن. (رواه أحمد: 25539، والنسائي: 1789).
7- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه». رواه البخاري ومسلم.
قال ابن القيم رحمه الله: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ بالآيات الأواخر من سورة البقرة. أخرجه أبو بكر بن أبي داود في (شريعة القارئ) بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
8- قال البخاري: ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام، إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا. (الطبقات للسبكي: 20/9).
9- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6464).
قال ابن القيم رحمه الله: «بلغني عن شيخ الإسلام أنه قال: ما تركتها عقب كل صلاة إلا نسيانا أو نحوه». (الوابل الصيب: 229).
10- قال الإمام أحمد رحمه الله: ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت. (سير أعلام النبلاء: 11/213).
هكذا كان سلف هذه الأمة عبر العصور لا يحرصون فقط على فعل الفروض والواجبات، بل كانوا يسارعون إلى فعل المستحبات والمندوبات كحرصهم على الواجبات لعلمهم أن في ذلك رضا ربهم ورفعة لدرجاتهم، من أجل ذلك نالوا السبق والفضل واستحقوا كل خير حتى صار ذكرهم الطيب على كل لسان، وسيرتهم العطرة حديث الركبان، وعرفوا بكل جميل وإحسان.
فإذا أردنا لأمتنا أن تنهض ولشعوبها أن تسعد فلننهج النهج الذي نهجوا، ولنسلك الدرب الذي سلكوا، فإنهم كانوا على أقوم طريق وأهدى سبيل، فرضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
منهج السلف سبيل النجاة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن منهج السلف هو المنهج الحق للإسلام عقيدة وعملا، وهو بذلك يمثل الخط المستقيم والامتداد الأصيل لما كان عليه المسلمون الأوائل الذين فارقهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
وقد ظهر مصطلح «السلف» واشتهر حين ظهر النزاع ودار حول أصول الدين بين الفرق الكلامية، وحاول الجميع الانتساب إلى السلف، وأعلن أن ما هو عليه ما كان عليه السلف الصالح.
من هم السلف؟
السلف الصالح هم الصدر الأول الراسخون في العلم، المهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الحافظون لسنته، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، وانتخبهم لإقامة دينه، ورضيهم أئمة الأمة، فجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، وأفرغوا جهدهم في نصح الأمة ونفعها، وبذلوا في مرضاة الله أنفسهم.
وقــد أثنى الله تعالـــــى عليهم فــــي كتابـــه بقـــــولـــــــه: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما{ (الفتح: 29).
وقوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{ (التوبة: 100)، فذكر تعالى المهاجرين والأنصار ثم مدح أتباعهم، ورضي ذلك من الذين جاءوا من بعدهم.
وتوعد بالعذاب من خالفهم واتبع غير سبيلهم، فقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ (النساء: 115).
وكما يجب اتباعهم فيما نقلوه، واقتفاء أثرهم فيما عملوه، يجب الاستغفار لهم، قال تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم{ (الحشر: 10).
وعلى ذلك فالسلفية اصطلاح يطلق على طريقة الرعيل الأول، ومن يقتدون بهم في تلقي العلم، وطريقة فهمه، وليس محصورا في دور تاريخي معين، والسلفية بذلك تمثل الفهم الصحيح للإسلام، وليست قاصرة على تلك الفترة الزمنية المباركة كما يزعم من يريدون تعريتها عن مضمونها.
الأدلة على وجوب اتباع المنهج السلفي
فإن منهج السلف هو المنهج الحق للإسلام عقيدة وعملا، وهو بذلك يمثل الخط المستقيم والامتداد الأصيل لما كان عليه المسلمون الأوائل الذين فارقهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
وقد ظهر مصطلح «السلف» واشتهر حين ظهر النزاع ودار حول أصول الدين بين الفرق الكلامية، وحاول الجميع الانتساب إلى السلف، وأعلن أن ما هو عليه ما كان عليه السلف الصالح.
من هم السلف؟
السلف الصالح هم الصدر الأول الراسخون في العلم، المهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الحافظون لسنته، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، وانتخبهم لإقامة دينه، ورضيهم أئمة الأمة، فجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، وأفرغوا جهدهم في نصح الأمة ونفعها، وبذلوا في مرضاة الله أنفسهم.
وقــد أثنى الله تعالـــــى عليهم فــــي كتابـــه بقـــــولـــــــه: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما{ (الفتح: 29).
وقوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{ (التوبة: 100)، فذكر تعالى المهاجرين والأنصار ثم مدح أتباعهم، ورضي ذلك من الذين جاءوا من بعدهم.
وتوعد بالعذاب من خالفهم واتبع غير سبيلهم، فقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ (النساء: 115).
وكما يجب اتباعهم فيما نقلوه، واقتفاء أثرهم فيما عملوه، يجب الاستغفار لهم، قال تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم{ (الحشر: 10).
وعلى ذلك فالسلفية اصطلاح يطلق على طريقة الرعيل الأول، ومن يقتدون بهم في تلقي العلم، وطريقة فهمه، وليس محصورا في دور تاريخي معين، والسلفية بذلك تمثل الفهم الصحيح للإسلام، وليست قاصرة على تلك الفترة الزمنية المباركة كما يزعم من يريدون تعريتها عن مضمونها.
الأدلة على وجوب اتباع المنهج السلفي
الأدلة من القرآن الكريم
نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{ (التوبة: 100).
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم المقيم.
وقال الشوكاني: ومعنى: والذين اتبعوهم بإحسان{ أي: الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة.
وقال السعدي رحمه الله: والذين اتبعوهم بإحسان{ يعني في الاعتقادات والأقوال والأفعال، فهؤلاء الذين سلموا من الذم وحصل لهم نهاية المدح.
2- قال الله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ (النساء: 115).
قال ابن كثير: «أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح، وقوله: ويتبع غير سبيل المؤمنين{ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ختمت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن كلا من الوصفين يقتضي الوعيد؛ لأنه مستلزم للآخر، فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم، هذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا، فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك».
الأدلة من السنة النبوية
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم الجماعة، وهي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فقد ثبت عند ابن ماجه في سننه من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وفيه -: «والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار». قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: «الجماعة». (ابن ماجه 3992 وصححه الألباني).
قال أبو شامة: وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم. (الباعث على إنكار البدع ص32).
وصدق عبد الله بن مسعود قال: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. (شرح أصول الاعتقاد ص160).
وثبت عند مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». (مسلم 1920).
قال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل: «إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم».
وقال ابن المديني: «هم أصحاب الحديث».
وقال البخاري: «يعني أصحاب الحديث».
وقال أحمد بن سنان: «هم أهل العلم وأصحاب الأثر». (شرف أصحاب الحديث للبغدادي).
قال المناوي في «فيض القدير» (3/395): وفيه معجزة بينة، فإن أهل السنة ما يزالون ظاهرين في كل عصر إلى الآن من حيث ظهرت البدع على اختلاف صنوفها من الخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم لم تقم لأحد منهم دولة ولم تستمر لهم شوكة، بل كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بنور الكتاب والسنة، فلله الحمد والمنة.
السلف قدوتنا في العلم والعمل
وإليك أخي القارئ صورا مشرقة ومشرفة في العلم والعمل لسلف هذه الأمة لترى كيف كان حرصهم على طاعة ربهم واتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، لنجعلهم لنا في الخير قدوة، وفي البر أسوة:
1- عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل». قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. (رواه مسلم: 2479).
2- عن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: «عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء». قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
3- وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف»، فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى، أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل». (رواه مسلم: 1902).
4- عن علي رضي الله عنه قال: اشتكت فاطمة ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلقت فلم تجده؛ فأخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على مكانكما». فقعد بيننا، ثم قال: «ألا أعلمكما خيرا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبرا الله أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم». قال علي رضي الله عنه: ما تركته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. (مسلم: 2727، وأبو داود: 3044، وأحمد: 797).
5- قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبو خالد – يعني – سليمان بن حيان عن داود بن أبي هند، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس قال: حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسار إليه (يسار به) قال: سمعت أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيتا في الجنة». قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة. وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة. وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس».
6- عن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ركع أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها، حرم الله عز وجل لحمه على النار. قالت: فما تركتهن منذ سمعتهن. (رواه أحمد: 25539، والنسائي: 1789).
7- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه». رواه البخاري ومسلم.
قال ابن القيم رحمه الله: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ بالآيات الأواخر من سورة البقرة. أخرجه أبو بكر بن أبي داود في (شريعة القارئ) بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
8- قال البخاري: ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام، إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا. (الطبقات للسبكي: 20/9).
9- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6464).
قال ابن القيم رحمه الله: «بلغني عن شيخ الإسلام أنه قال: ما تركتها عقب كل صلاة إلا نسيانا أو نحوه». (الوابل الصيب: 229).
10- قال الإمام أحمد رحمه الله: ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت. (سير أعلام النبلاء: 11/213).
هكذا كان سلف هذه الأمة عبر العصور لا يحرصون فقط على فعل الفروض والواجبات، بل كانوا يسارعون إلى فعل المستحبات والمندوبات كحرصهم على الواجبات لعلمهم أن في ذلك رضا ربهم ورفعة لدرجاتهم، من أجل ذلك نالوا السبق والفضل واستحقوا كل خير حتى صار ذكرهم الطيب على كل لسان، وسيرتهم العطرة حديث الركبان، وعرفوا بكل جميل وإحسان.
فإذا أردنا لأمتنا أن تنهض ولشعوبها أن تسعد فلننهج النهج الذي نهجوا، ولنسلك الدرب الذي سلكوا، فإنهم كانوا على أقوم طريق وأهدى سبيل، فرضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.